الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب
في أحكام صلاة الاستسقاء
الاستسقاء هنا هو طلب السقي من الله تعالى ; فالنفوس مجبولة على الطلب ممن يغيثها , وهو الله وحده , وكان ذلك معروفا في الأمم الماضية , وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , قال الله تعالى : وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ واستسقى خاتم الأنبياء نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لأمته مرات متعددة وعلى كيفيات متنوعة , وأجمع المسلمون على مشروعيته .
ويشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض - أي : أمحلت - وانحبس المطر وأضر ذلك بهم ; فلا مناص لهم أن يتضرعوا إلى ربهم ويستسقوه ويستغيثوه بأنواع من التضرع : تارة بالصلاة جماعة أو فرادى , وتارة بالدعاء في خطبة الجمعة , يدعو الخطيب والمسلمون يؤمنون على دعائه , وتارة بالدعاء عقب الصلوات وفي الخلوات بلا صلاة ولا خطبة ; فكل ذلك وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وحكم صلاة الاستسقاء أنها سنة مؤكدة ; لقول عبد الله بن زيد : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي , فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه , ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه , ولغيره من الأحاديث .
و صفة صلاة الاستسقاء في موضعها وأحكامها كصلاة العيد ; فيستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد , وأحكامها كأحكام صلاة العيد في عدد الركعات والجهر بالقراءة , وفي كونها تصلى قبل الخطبة , وفي التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى والثانية قبل القراءة ; كما سبق بيانه في صلاة العيد .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " , وصححه الحاكم وغيره .
ويقرأ في الركعة الأولى بسورة : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية بسورة الغاشية .
ويصليها أهل البلد في الصحراء , لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء , ولأن ذلك أبلغ في إظهار الافتقار إلى الله تعالى .
وإذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء ; فإنه ينبغي أن يتقدم ذلك تذكير الناس بما يلين قلوبهم من ذكر ثواب الله وعقابه , ويأمرهم بالتوبة من المعاصي , والخروج من المظالم , بردها إلى مستحقيها ; لأن المعاصي سبب لمنع القطر وانقطاع البركات , والتوبة والاستغفار سبب لإجابة الدعاء , قال الله تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ويأمرهم بالصدقة على الفقراء والمساكين , لأن ذلك سبب للرحمة , ثم يعين لهم يوما يخرجون فيه ليتهيئوا ويستعدوا لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بها من الصفة المسنونة , ثم يخرجون في الموعد إلى المصلى بتواضع وتذلل وإظهار للافتقار إلى الله تعالى , ولقول ابن عباس رضي الله عنهما : خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " وينبغي أن لا يتأخر أحد من المسلمين يستطيع الخروج , حتى الصبيان والنساء اللاتي لا تخشى الفتنة بخروجهن , فيصلي بهم الإمام ركعتين كما سبق , ثم يخطب خطبة واحدة , وبعض العلماء يرى أنه يخطب خطبتين , والأمر واسع , ولكن الاقتصار على خطبة واحدة أرجح من حيث الدليل ,
وكذلك كون الخطبة بعد صلاة الاستسقاء هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم , واستمر عمل المسلمين عليه , وورد أنه صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصلاة , وقال به بعض العلماء , والأول أرجح , والله أعلم .
وينبغي أن يكثر في خطبة الاستسقاء من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به , لأن ذلك سبب لنزول الغيث , ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى , ويرفع يديه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في دعائه بالاستسقاء , حتى يرى بياض إبطيه , ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم , لأن ذلك من أسباب الإجابة , ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن ; اقتداء به , . قال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
ويسن أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء , ويحول رداءه ; فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين , وكذلك ما شابه الرداء من اللباس كالعباءة ونحوها , لما في " الصحيحين " ; أن النبي صلى الله عليه وسلم حول إلى الناس ظهره , واستقبل القبلة يدعو , ثم حول رداءه . . . والحكمة في ذلك - والله أعلم - التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث , ويحول الناس أرديتهم لما روى الإمام أحمد : وحول الناس معه أرديتهم ولأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته , ما لم يدل دليل على اختصاصه به , ثم إن سقى الله المسلمين , وإلا ; أعادوا الاستسقاء ثانيا وثالثا ; لأن الحاجة داعية إلى ذلك .
وإذا نزل المطر يسن أن يقف في أوله ليصيبه منه ويقول : اللهم صيبا نافعا , ويقول : مطرنا بفضل الله ورحمته .
وإذا زادت المياه وخيف منها الضرر ; سن أن يقول : اللهم حوالينا ولا علينا , اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك , متفق عليه , والله أعلم .
المصدر :
https://uqu.edu.sa/page/ar/195170
|