عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27-12-2014, 03:06AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



باب

في أحكام التيمم




إن الله سبحانه وتعالى قد شرع التطهر للصلاة من الحدثين الأصغر والأكبر بالماء الذي أنزله الله لنا طهورا , وهذا واجب لا بد منه مع الإمكان , لكن قد تعرض حالات يكون الماء فيها معدوما , أو في حكم المعدوم , أو موجودا , لكن يتعذر استعماله لعذر من الأعذار الشرعية , وهنا قد جعل الله ما ينوب عنه , وهو التيمم بالتراب ; تيسيرا على الخلق , ورفعا للحرج .
يقول الله تعالى في محكم تنزيله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ


والتيمم في اللغة : القصد , والتيمم في الشرع : هو مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص . وكما هو ثابت في القرآن الكريم ; فهو ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة , وهو فضيلة لهذه الأمة المحمدية , اختصها الله به , ولم يجعله طهورا لغيرها ; توسعة عليها , وإحسانا منه إليها .
ففي " الصحيحين " وغيرهما : قال صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر , وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا , فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة ; فليصل وفي لفظ : فعنده مسجده وطهوره . فالتيمم بدل طهارة الماء عند العجز عنه شرعا , يفعل بالتطهر به كل ما يفعل بالتطهر بالماء من الصلاة والطواف وقراءة القرآن وغير ذلك , فإن الله جعل التيمم مطهرا كما جعل الماء مطهرا , قال عليه الصلاة والسلام : وجعلت تربتها ( يعني : الأرض ) لنا طهورا . ..


وينوب التيمم عن الماء في أحوال هي :
أولا : إذا عدم الماء : لقوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا سواء عدمه في الحضر أو السفر , وطلبه , ولم يجده .
ثانيا : إذا كان معه ماء يحتاجه لشرب وطبخ , فلو تطهر منه ; لأضر حاجته ; بحيث يخاف العطش على نفسه , أو عطش غيره من آدمي أو بهيمة محترمين .


ثالثا : إذا خاف باستعمال الماء الضرر في بدنه بمرض أو تأخر برء ; لقوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى إلى قوله : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا الآية .
رابعا : إذا عجز عن استعمال الماء لمرض لا يستطيع معه الحركة , وليس عنده من يوضئه , وخاف خروج الوقت .
خامسا : إذا خاف بردا باستعمال الماء , ولم يجد ما يسخنه به ; تيمم وصلى ; لقوله تعالى : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ففي تلك الأحوال يتيمم ويصلي .
وإن وجد ماء يكفي بعض طهره ; استعمله فيما يمكنه من أعضائه أو بدنه , وتيمم عن الباقي الذي قصر عنه الماء ; لقوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وإن كان به جرح يتضرر بغسله أو مسحه بالماء , تيمم له , وغسل الباقي ; لقوله تعالى : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وإن كان جرحه ولا يتضرر بالمسح ; مسح الضماد الذي فوقه بالماء , وكفاه المسح عن التيمم .


ويجوز التيمم بما على وجه الأرض من تراب وسبخة ورمل وغيره , هذا هو الصحيح من قولي العلماء ; لقوله تعالى : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أدركتهم الصلاة , تيمموا بالأرض التي يصلون عليها , ترابا أو غيره , ولم يكونوا يحملون معهم التراب .
وصفة التيمم أن يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع , ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه , ويمسح كفيه براحتيه , ويعمم الوجه والكفين بالمسح , وإن مسح بضربتين إحداهما يمسح بها وجهه والثانية يمسح بها بدنه ; جاز , لكن الصفة الأولى هي الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم .


ويبطل التيمم عن حدث أصغر بمبطلات الوضوء وعن حدث أكبر بموجبات الغسل من جنابة وحيض ونفاس ; لأن البدل له حكم المبدل , ويبطل التيمم أيضا بوجود الماء إن كان التيمم لعدمه , وبزوال العذر الذي من أجله شرع التيمم من مرض ونحوه .
ومن عدم الماء والتراب أو وصل إلى حال لا يستطيع معه لمس البشرة بماء ولا تراب ; فإنه يصلي على حسب حاله ; بلا وضوء ولا تيمم , لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , ولا يعيد هذه الصلاة ; لأنه أتى بما أمر به ; لقوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر ; فأتوا منه ما استطعتم هذه جملة من أحكام التيمم سقناها لك , فإن أشكل عليك شيء منها أو من غيرها ; فعليك أن تسأل أول العلم , ولا تتساهل في أمر دينك , لا سيما أمر الصلاة التي هي عمود الإسلام ; فإن الأمر مهم جدا . وفقنا الله جميعا للصواب والسداد في القول والعمل , وأن يكون عملنا خالصا لوجهه الكريم , إنه سميع مجيب الدعاء .


باب
في أحكام إزالة النجاسة



فكما أنه مطلوب من المسلم أن يكون طاهرا من الحدث إذا أراد الصلاة ; فكذلك مطلوب منه طهارة البدن والثوب والبقعة من النجاسة , قال تعالى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بغسل دم الحيض من ثوبها .


لما كان الأمر كذلك , تطلب منا أن نلقي الضوء على هذا الموضوع , وهو موضوع إزالة النجاسة , عارضين لأهم أحكامه , رجاء أن ينتفع بذلك من يقرؤه من إخواننا المسلمين , ولقد كان الفقهاء رحمهم الله يعقدون لهذا الموضوع بابا خاصا , يسمونه : باب إزالة النجاسة ; أي : تطهير موارد النجاسة , التي تطرأ على محل طاهر من الثياب والأواني والفرش والبقاع ونحوها .
والأصل الذي تزال به النجاسة هو الماء ; فهو الأصل في التطهير ; لأن الله وصفه بذلك ; كما في قوله تعالى : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
والنجاسة التي تجب إزالتها - إما أن تكون على وجه الأرض وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور : فهذه يكفي في تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة ; بمعنى أنها تغمر بالماء بصبه عليها مرة واحدة ; لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي الذي بال في المسجد , وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول , فإذا زالت بصب الماء عليها أو بماء المطر النازل أو الجاري عليها ; كفى ذلك في تطهيرها .


- وإن كانت النجاسة على غير الأرض وما اتصل بها : فإن كانت من كلب أو خنزير وما تولد منهما ; فتطهيرها بسبع غسلات , إحداهن بالتراب ; بأن يجعل التراب مع إحدى الغسلات ; لقوله صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ; فليغسله سبعا أولاهن بالتراب رواه مسلم وغيره , وهذا الحكم عام في الإناء وغيره ; كالثياب والفرش .
وإن كانت نجاسة غير كلب أو خنزير ; كالبول والغائط والدم ونحوها ; فإنها تغسل بالماء مع الفرك والعصر , حتى تزول ; فلا يبقى لها عين ولا لون .


فالمغسولات على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ما يمكن عصره , مثل الثوب ; فلا بد من عصره .
النوع الثاني : ما لا يمكن عصره , ويمكن تقليبه ; كالجلود ونحوها ; فلا بد من تقليبه .
النوع الثالث : ما لا يمكن عصره ولا تقليبه ; فلا بد من دقه وتثقيله ; بأن يضع عليه شيئا ثقيلا , حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء .
- وإن خفي موضع نجاسة في بدن أو ثوب أو بقعة صغيرة كمصلى صغير ; وجب غسل ما احتمل وجود النجاسة فيه , حتى يجزم بزوالها , وإن لم يدر في أي جهة منه ; غسله جميعه .


- ويكفي في تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام رشه بالماء ; لحديث أم قيس ; أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأجلسه في حجره , فبال على ثوبه , فدعا بماء , فنضحه ولم يغسله . متفق عليه .
وإن كان يأكل الطعام لشهوة واختيار ; فبوله مثل بول الكبير , وكذا بول الأنثى الصغيرة مثل بول الكبيرة , وفي جميع هذه الأحوال يغسل كغسل سائر النجاسات .


فالنجاسات على ثلاثة أنواع : نجاسة مغلظة , وهي نجاسة الكلب ونحوه . ونجاسة مخففة , وهي نجاسة الغلام الذي لا يأكل الطعام . ونجاسة بين ذلك , وهي بقية النجاسات .
ويجب أن نعرف ما هو طاهر وما هو نجس من أرواث وأبوال الحيوانات فما كان يحل أكل لحمه منها ; فبوله وروثه طاهر ; كالإبل والبقر والغنم ونحوها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنين أن يلحقوا بإبل الصدقة , فيشربوا من أبوالها وألبانها . متفق عليه . فدل على طهارة بولها ; لأن النجس لا يباح التداوي به وشربه , فإن قيل : إنما أبيح للضرورة ; قلنا : لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة .


وفي " الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم وأمر بالصلاة فيها وهي لا شك تبول فيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الأصل في الأرواث الطهارة , إلا ما استثنى . .. " انتهى .
وسؤر ما يؤكل لحمه طاهر وهو بقية طعامه وشرابه . وسؤر الهرة طاهر ; لحديث أبي قتادة في الهرة ; قال : إنها ليست بنجس , إنها من الطوافين عليكم والطوافات رواه الترمذي وغيره وصححه , شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة ولعدم التحرز منها ; ففي ذلك رفع للحرج والمشقة .


وألحق بعض العلماء بالهرة ما كان دونها في الخلقة من طير وغيره ; فسؤره طاهر كسؤر الهرة ; بجامع الطواف . وما عدا الهرة وما ألحق بها مما لا يؤكل لحمه ; فروثه وبوله وسؤره نجس.
أيها المسلم ! عليك أن تهتم بالطهارة ظاهرا وباطنا : باطنا بالتوحيد والإخلاص لله في القول والعمل , وظاهرا بالطهارة من الحدث والأنجاس ; فإن ديننا دين الطهارة والنظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية ; فالمسلم طاهر نزيه ملازم للطهارة , وقال صلى الله عليه وسلم : الطهور شطر الإيمان . ..


فعليك يا عبد الله بالاهتمام بالطهارة , والابتعاد عن الأنجاس ; فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامة عذاب القبر من البول حينما لا يتحرز منه الإنسان , فإذا أصابك نجاسة ; فبادر إلى تطهيرها ما أمكنك ; لتبقى طاهرا , لا سيما عندما تريد الصلاة ; فتفقد حالك من جهة الطهارة , وعندها تريد الدخول في المسجد ; فانظر في نعليك , فإن وجدت فيهما أذى ; فامسحهما ونقهما ولا تدخل بهما أو تدخلهما في المسجد وفيهما نجاسة . .. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه من القول والعمل .




المصدر :


https://uqu.edu.sa/page/ar/195170






رد مع اقتباس