بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلا على الظالمين أمابعد
فقد انتشر بين كثير من الناس حديث لايعرف أصله عن سيد الناس صلى الله عليه وسلم
يذكرونه في فضيلة تعلم لغة الأعاجم ويجعلون تعلمها سنة فائدتها أمن مكر الذين كفروا او عصوا وفسقوا وأن من لم يتعلمها فهو معرض للخطر وربما الضرب ونهب المال والقتل
فاين سنده واين مخرجه وقد قال ابن المبارك الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ماشاء وهو حديث (( من تعلم أمن مكرهم ))
وهو حديث لاأصل له
ولكن له أصل ولكن بدون اطلاق معناه حيث أن تعلم اللغة وحدها لقوم لايعني أمن مكرهم من كل وجه فلربما مكر به أهل بلده ومحلته مع كونه يعرف لغتهم
إذ المكر إرادة الشر بالغير بخفاء ودهاء وخديعة
وقد قال تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليخرجوك أو يثبتوك أو يقتلوك
فلم ينفي عنهم المكر مع كون النبي صلى الله عليه وسلم يعرف لغتهم
ولكن يمكن أن يأمن بعض مكرهم ممايظهر ويعرف كلامهم لكي لايتآمرون عليه أمامه وهو لايعرف كلامهم وأما سرا وخفاءا فهذا لايقدر على رده أحد غلا من بصره الله به فعصمه سبحانه من غائلته وشره
والحديث الذي في هذا مارواه الإمام أحمد في مسنده قال َثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ إِنَّهَا تَأْتِينِي كُتُبٌ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَتَعَلَّمْهَا فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا
وجاء عند الحاكم رواية
(بلفظ :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أتحسن السريانية ؟ فقلت : لا ، قال : فتعلمها فإنه يأتينا كتب ، فتعلمها في
سبعة عشر يوما " .
زاد الحاكم :
" قال الأعمش : كانت تأتيه كتب لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به " .
و قال : " صحيح إن كان ثابت بن عبيد سمعه من زيد بن ثابت " .
قال العلامة الالباني
قلت : لا أدري الذي حمل الحاكم على التردد في سماع ثابت إياه من زيد و هو مولاه
و لم يتهم بتدليس ! قال ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 6 ) :
" ثابت بن عبيد الأنصاري ، كوفي يروي عن عمر و زيد بن ثابت ، روى عن ابن سيرين
و الأعمش ، و هو مولى زيد بن ثابت " :
و قد قيل إن ثابت بن عبيد الأنصاري هو غير ثابت بن عبيد مولى زيد ، فرق بينهما
أبو حاتم في " الجرح و التعديل " ( 1 / 1 / 454 ) ، و عزى الحافظ في " التهذيب
" هذا التفريق إلى ابن حبان أيضا و هو وهم ، بل ما نقلته عن ابن حبان آنفا يدل
عن عدم التفريق و هو الذي اعتمده الحافظ في " التقريب " و سواء كان هذا أو ذاك
فكلاهما ثقة ،
فالسند صحيح .
و الحديث علقه البخاري في صحيحه فقال : " و قال خارجة بن زيد ابن ثابت عن زيد
بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود " .
قال الحافظ ابن حجر في شرحه ( 13 / 161 ) :
" و قد وصله مطولا في ( كتاب التاريخ ) " .
ثم ذكر ابن حجر الطريق الأخرى التي علقها الترمذي ثم قال :
" و هذا الطريق وقعت لي بعلو في " فوائد هلال الحفار " .
و أخرجه أحمد و إسحاق في " مسنديهما " ، و أبو بكر بن أبي داود في
" كتاب المصاحف " و أبو يعلى ، و عنده : إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي
و ينقصوا فتعلم السريانية . فذكره .
و له طريق أخرى أخرجها ابن سعد . و في كل ذلك رد على من زعم أن عبد الرحمن
بن أبي الزناد تفرد به . نعم لم يروه عن أبيه عن خارجة إلا عبد الرحمن .
فهو تفرد نسبي . و قصة ثابت يمكن أن تتحد مع قصة خارجة ، فإن من لازم تعلم
كتابة اليهود تعلم لسانهم ، و لسانهم السريانية ، لكن المعروف أن لسانهم
العبرانية ، فيحتمل أن زيدا تعلم اللسانين لاحتياجه إلى ذلك " .
قلت (الالباني ): و هذا الحديث في معنى الحديث المتداول على الألسنة : " من تعلم لسان قوم
أمن من مكرهم " لكن لا أعلم له أصلا بهذا اللفظ ، و لا ذكره أحد ممن ألف في
الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، فكأنه إنما اشتهر في الأزمنة المتأخرة .
وعند الترمذي
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية . وفي رواية : إنه أمرني أن أتعلم كتاب يهود وقال : " إني ما آمن يهود على كتاب " . قال : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت فكان إذا كتب إلى يهود كتبت وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم .
أقول (ماهر):
أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد من تعلم الرطانة إنما يدل على جواز ذلك لحاجة
وإلا فقد جاءالنهي عن عمر كما خرجه ابن أبي شيبة عن الرطانة
فتعمد تعلمها من غير حاجة أثر من آثار الاعجاب بالغرب
والذين يجهدون لابعادنا عن لغة القرآن والسنة لنكون أذنابا لهم
حتى نرى الشاب المسلم العربي يفخر بمعرفة شيء من اللغة الانجليزية ويرى أن ذلك من مواطن العز والشرف
والثقافة
فحينئذ يدخل في التشبه المذموم فإنه من تشبه بقوم فهو منهم بل يدخل في مايخالف عقيدة الولاء والبراء
فإن من أصول أهل الاسلام والسنة الولاء لأهل التوحيد والاسلام والبراءة من أهل الشرك والبدعة والطغيان
ولقد زرت بلاد أوروبا فرأيت عجبا من نسيان العرب من الاقليات المسلمة المقيمة هناك للغتهم حتى صرت أحتاج مترجما للتخاطب معهم
وكنت أنكر عليهم الرطانة فيما بينهم وأقول تكلموا بالعربية واعتادوا عليها فإنها لغة القرآن قال تعالى (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)
ولما ذهبت للهند في مدينة كيرلا في قرية التين عند ابي الزبير رأيتهم لايترجمون الدروس حتى تشتد همتهم لتعلم اللغة وبالفعل قويت لغتهم حتى فاقوا من زرتهم من البريطانيين والايطاليين والفرنسيين والألمان العرب من المسلمين فالحاجة أم الاختراع