عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-10-2011, 09:45AM
أبو همام فوزي أبو همام فوزي غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: لـيـبـيـا
المشاركات: 114
افتراضي

{ تكمله }
باب/ توسيع الكعبة وفتح باب آخر لها
عن عائشة - رضي الله عنها -؛ أن النبي r قال لها:
 يا عائشة! لولا أن قومك حديثو عهد بشرك، (وليس عندي من النفقة ما يُقوي على بنائه)؛ (لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، و) لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، (ثم لبنيتها على أساس إبراهيم)، وجعلت لها بابين (موضوعين في الأرض)؛ باباً شرقياً (يدخل الناس منه)، وباباً غربياً (يخرجون منه)، وزدت فيها ستة أذرع من الحِجْرِ (وفي رواية: ولأدخلت فيها الحِجْرَ)؛ فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة، (فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه؛ فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأرها قريباً من سبعة أذرع) .
(وفي رواية عنها قالت: سألت رسول الله r عن الجَدْرِ (أي: الحِجْر)؛ أمِنَ البيت هو؟ قال:  نعم  . قلت: فلم لم يدخلوه في البيت؟ قال:  إن قومك قصَّرَتْ بهم النفقة . قلت: فما شأن بابِهِ مرتفعاً؟ قال:  فعل ذلك قومك ليُدْخِلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا (وفي رواية: تعززاً أن لا يدخلها إلا من أرادوا،فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يَدَعونَه يرتقي؛ حتى إذا كاد أن يدخل؛ دفعوه، فسقط)،ولولا أن قومك حديثٌ عَهْدُهُم في الجاهلية،فأخاف أن تنكر قلوبهم ؛ لَنَظَرْتُ أن أُدخل الجَدْرَ في البيت، وأن أُلـْزِقَ بابه بالأرض  ).
(فلما مَلَكَ ابن الزبير، هدمها، وجعل لها بابين) (وفي رواية: فذلك الذي حمل ابن الزبير
على هدمه. قال يزيد بن رومان: وقد شهدت ابن الزبير حين هَدَمَهُ وبناه وأدخل فيه الحِجْرَ، وقد رأيتُ أساس إبراهيم عليه السلام حجارةً مُتلاحِمَةً كأسنمة الإبل مُتلاحِكَةً).
صحيح. "الصحيحة" برقم (43).
* (من فقه الحديث):
يدل هذا الحديث على أمرين:
الأول: أن القيام بالإصلاح إذا ترتب عليه مفسدة أكبر منه؛ وجب تأجيله، ومنه أخذ الفقهاء قاعدتهم المشهورة: (دفع المفسدة قَبْل جَلْب المصلحة).
الثاني: أن الكعبة المشرفة بحاجة الآن إلى الإصلاحات التي تضمنها الحديث؛ لزوال السبب الذي من أجله ترك رسول الله r ذلك، وهو أن تنفر قلوب من كان حديث عهد بشرك في عهده r، وقد نقل ابن بطال عن بعض العلماء: (أن النفرة التي خشيها r : أن ينسبوه إلى الانفراد بالفَـخْر دونهم).
ويمكن حصر تلك الإصلاحات فيما يلي:
1 - توسيع الكعبة وبناؤها على أساس إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، وذلك بضم نحو ستة أذرع من الحِجْر.
2 - تسوية أرضها بأرض الحَرَم.
3 - فتح باب آخر لها من الجهة الغربية.
4 - جعل البابين منخفضين مع الأرض لتنظيم وتيسير الدخول إليها والخروج منها لكل من شاء.
ولقد كان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - قد قام بتحقيق هذا الإصلاح بكامله إبّان حكمه في مكة، ولكن السياسة الجائرة أعادت الكعبة بعده إلى وَضْعها السابق!
وهاك تفصيل ذلك كما رواه مسلم وأبو نعيم بسندهما الصحيح عن عطاء قال:
(لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان؛ تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم؛ يريد أن يجرئهم - أو يُحَربَهُم - على أهل الشام، فلما
صدر الناس؛ قال: يا أيها الناس! أشيروا عليَّ في الكعبة؛ أنْـقُـضُـها ثم أبني بناءها أو أُصْلحُ
ما وَهَى منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فُرِقَ لي رأيٌ فيها: أرى أن تصلح ما وَهَى منها، وتَدَع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها، وبُعِثَ عليها النبي .
فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيتُـه ما رضي حتى يُجِدَّه؛ فكيف ببيت ربكم؟!
إني مستخيرٌ ربي ثلاثاً، ثم عازم على أمري. فلما مضى الثلاث؛ أجمعَ رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأوّل الناس يصعد فيه أمرٌ من السماء! حتى صَعِدَه رجلٌ، فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء؛ تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة، فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي r قال: (فذكر الحديث بالزيادة الأولى، ثم قال): فأنا اليوم أجدَ ما أنفق، ولست أخاف الناس، فزاد فيه خمس أذرع مِن الحِجْر، حتى أبدى أٌسّاً نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعاً، فلما زاد فيه، استقصره، فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين: أحدهما يُدْخَل منه، والآخر يُخْرَجُ منه، فلما قُـتِـل ابن الزبير، كتب الحجاج إلى عبد المالك يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أُس نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما
ما زاد في طوله، فأقِرَّهُ، وأما ما زاد فيه من الحِجْر، فرُدَّ إلى بنائه، وسدَّ الباب الذي فتحه،
فنقضه وأعاده إلى بنائه).
ذلك ما فعله الحجاج الظالم بأمْر عبد الملك الخاطئ، وما أظن أنه يُسَوغ له خطأه ندمه فيما بعد، فقد روى مسلم وأبو نعيم أيضاً عن عبد الله بن عُبيد؛ قال: (وَفَد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا خُبَيْب (يعني: ابن الزبير) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها. قال الحارث: بَلَى؛ أنا سمعته منها.
قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله r : (قلتُ: فذكر الحديث). قال عبدالملك للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم. فنَـكَتَ ساعة بعصاه، ثم قال: ودِدتُ أني تركته وما تحمَّل).
وفي رواية لهما عن أبي قَزْعة: (أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت؛ إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين؛ يقول سمعتها تقول: (فذكر الحديث) فقال الحارث ابن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين؛ فأنا سمعت أم المؤمنين تحدثُ هذا. قال: لو كنتُ سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير).
رد مع اقتباس