14-03-2011, 12:26AM
|
مشرف - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: السعودية
المشاركات: 557
|
|
وهذا كلام للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في سياق كلامه عن الأسلوب الصحيح في الدعوة والنصيحة للأمراء وعامة الناس حيث قال رحمه الله :
أما أسلوب الدعوة فبينه الرب جل وعلا وهو الدعوة بالحكمة أي بالعلم والبصيرة , بالرفق واللين لا بالشدة والغلظة هذا هو الأسلوب الشرعي في الدعوة إلا من ظلم , فمن ظلم يعامل بما يستحق لكن من يتقبل الدعوة ويصغي إليها ، أو ترجو أن يتقبلها لأنه لم يعارضك ولم يظلمك فارفق به .
يقول جل وعلا في كتابه العظيم : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فالحكمة هي العلم , قال الله قال رسوله , والموعظة الحسنة الترغيب والترهيب تبين ما في طاعة الله من الخير العظيم ، وما في الدخول في الإسلام من الخير العظيم وما عليه إذا استكبر ولم يقبل الحق إلى غير ذلك , أما الجدال بالتي هي أحسن فمعناه بيان الأدلة من غير عنف عند وجود الشبهة لإزالتها وكشفها , فعند المجادلة تجادل بالتي هي أحسن وتصبر وتتحمل كما في الآية الأخرى يقول سبحانه : { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }
فالظالمون لهم شأن آخر , لكن ما دمت تستطيع الجدال بالتي هي أحسن وهو يتقبل أو ينصت أو يتكلم بأمر لا يعد فيه ظالما ولا معتديا فاصبر وتحمل بالموعظة والأدلة الشرعية والجدال الحسن , يقول الله سبحانه : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « البر حسن الخلق » .
وقد أثنى الله على النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدعوة فقال جل وعلا : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } ونبينا أكمل الناس في دعوته ، وأكمل الناس في إيمانه ، لو كان فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله وتركوه فكيف أنت , فعليك أن تصبر وعليك أن تتحمل ولا تعجل بسب أو كلام سيئ أو غلظة , وعليك باللين والرحمة والرفق . ولما بعث الله موسى وهارون لفرعون ماذا قال لهما , قال سبحانه : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } فأنت كذلك لعل صاحبك يتذكر أو يخشى ، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فَرَفق بهم فارفق به ، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه » وهذا وعد عظيم في الرفق ووعيد عظيم في المشقة ، ويقول عليه الصلاة والسلام : « من يحرم الرفق يحرم
لخير كله » ويقول صلى الله عليه وسلم : « عليكم بالرفق فإنه لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه » .
فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل ، وأن يستعمل الأسلوب الحسن الرفيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعا , لا بد من الرفق مع المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره ولا سيما الأمراء والرؤساء والأعيان ، فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن لعلهم يقبلون الحق ويؤثرونه على ما سواه , وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية ومضى عليه فيها السنون يحتاج إلى صبر حتى تقتلع البدعة وحتى تزال بالأدلة , وحتى يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة ، فيقبل منك الحق ويدع المعصية .
فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق , والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات .
ويلحق بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شرا عظيما على الدعاة ، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة , فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن , فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة , فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم .
ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة ، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده , فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها ، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله , فالنصيحة مني لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه ، وفي خطبته ، وفي مكاتباته ، وفي جميع تصرفاته حول الدعوة , يحرص على الرفق مع كل أحد إلا من ظلم , وليس هناك طريق أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة ، وهم الأئمة ، وقد صبروا , صبر نوح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما , وصبر هود , وصبر صالح , وصبر شعيب , وصبرإبراهيم , وصبر لوط , وهكذا غيرهم من الرسل ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم .
فلك أيها الداعية أسوة في هؤلاء الأنبياء والأخيار , ولك أسوة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي صبر في مكة وصبر في المدينة على وجود اليهود عنده والمنافقين ومن لم يسلم من الأوس والخزرج حتى هداهم الله ، وحتى يسر الله إخراج اليهود ، وحتى مات المنافقون بغيظهم , فأنت لك أسوة بهؤلاء الأخيار فاصبر وصابر واستعمل الرفق ودع عنك العنف ، ودع كل سبب يضيق على الدعوة ويضرها ويضر أهلها . واذكر قوله تعالى يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } الآية .
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الدعوة إليه , وأن يوفق علماءنا جميعا في كل مكان ، ودعاة الحق في كل مكان للعلم النافع والبصيرة , والسير على المنهج الذي سار عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام في الدعوة إليه وإبلاغ الناس دينه , إنه جل وعلا جواد كريم , وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
مجموع الفتاوى الجزء (30 ) .
__________________
قال حامل لـواء الجرح والتعديل حفظه الله : والإجمال والإطلاق: هو سلاح أهل الأهواء ومنهجهم. والبيان والتفصيل والتصريح:هو سبيل أهل السنة والحق
|