بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
نصائح الألباني الإمام الى الحُجاج الكرام
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في مقدمة كتابه الماتع [حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه ] ... : " وعندي بعض النصائح أريد أن أقدمها إلى القراء الكرام والحجاج إلى بيت الله الحرام عسى الله تبارك وتعالى أن ينفعهم بها ويكتب لي أجر الدال على الخير بإذنه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير .
ومما لا ريب فيه أن باب النصيحة واسع جدا ولذلك فإني سأنتقي منه ما أعلم أن كثيرا من الحجاج في جهل به أو إهمال له أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ويوفقنا للعمل به فإنه خير مسؤول.
أولا :
إن كثيرا من الحجاج إذا أحرموا بالحج لا يشعرون أبدا أنهم تلبسوا بعبادة تفرض عليهم الابتعاد عما حرم الله تعالى من المحرمات عليهم خاصة وعلى كل مسلم عامة وكذا تراهم يحجون ويفرغون منه ولم يتغير شيء من سلوكهم المنحرف قبل الحج وذلك دليل عملي منهم على أن حجهم ليس كاملا إن لم نقل : ليس مقبولا . ولذلك فإن على كل حاج أن يتذكر هذا وأن يحرص جهد طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه من الفسق والمعاصي فإن الله تبارك وتعالى يقول : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) - البقرة : 197. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) أخرجه . الشيخان والرفث : هو الجماع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :( وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث فلهذا ميز بينه وبين الفسوق وأما سائر المحظورات كاللباس والطيب فإنه وإن كان يأثم بها فلا تفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين ) .
وهو يشير في آخر كلامه إلى أن هناك من العلماء من يقول بفساد الحج بأي معصية يرتكبها الحاج فمن هؤلاء الإمام ابن حزم رحمه الله فإنه يقول :
( وكل من تعمد معصية أي معصية كانت وهو ذاكر لحجه مذ أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة فقد بطل حجه . . . ) واحتج بالآية السابقة فراجعه فإنه مهم في كتابه ( المحلى ) ( 7/186 )
ومما سبق يتبن أن المعصية من الحاج إما أن تفسد عليه حجه على قول ابن حزم وإما أن يأثم بها ولكن هذا الإثم ليس كما لو صدر من غير الحاج بل هو أخطر بكثير فإن من آثاره أن لا يرجع من ذنوبه كما ولدته أمه كما صرح بذلك الحديث المتقدم . فبذلك يكون كما لو خسر حجته لأنه لم يحصل على الثمرة منها وهي مغفرة الله تعالى فالله المستعان .
وإذا تبين هذا فلا بد لي من أن أحذر من بعض المعاصي التي يكثر ابتلاء الناس بها ويحرمون بالحج ولا يشعرون إطلاقا بأن عليهم الإقلاع عنها ذلك لجهلهم وغلبة الغفلة عليهم وتقليدهم لآبائهم .
1: - الشرك بالله عز وجل .
فإن من أكبر المصائب التي أصيب بها بعض المسلمين جهلهم بحقيقة الشرك الذي هو من أكبر الكبائر ومن صفته أنه يحبط الأعمال ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) - محمد : 65 فقد رأينا كثيرا من الحجاج يقعون في الشرك وهم في بيت الله الحرام وفي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام يتركون دعاء الله والاستغاثة به إلى الاستعانة بالأنبياء بالصالحين ويحلفون بهم ويدعونهم من دون الله عز وجل والله عز وجل يقول : ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) - فاطر :41 والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا وفي هذه كفاية لمن فتح قلبه للهداية . إذ ليس الغرض الآن البحث العمي في هذه المسألة وإنما هو التذكير فقط
فليت شعري ما ذا يستفيد هؤلاء من حجهم إلى بيت الله الحرام إذا كانوا يصرون على مثل هذا الشرك ويغيرون اسمه فيسمونه : توسلا تشفعا وواسطة أليس هذه الوساطة هي التي ادعاها المشركون من قبيل يبررون بها شركهم وعبادتهم لغيره تبارك وتعالى : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) - الزمر :3 .
فيا أيها الحاج قبل أن تعزم على الحج يجب عليك وجوبا عينيا أن تبادر إلى معرفة التوحيد الخالص وما ينافيه من الشرك وذلك بدراسة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن من تمسك بهما نجا ومن حاد عنهما ضل . والله المستعان .
2: - التزين بحلق اللحية
وهذه المعصية من أكثر المعاصي شيوعا بين المسلمين في هذا العصر بسبب استيلاء الكفار على أكثر بلادهم ونقلهم هذه المعصية إليها وتقليد المسلمين لهم فيها مع نهيه صلى الله عليه وسلم إياهم عن ذلك صراحة في قوله عليه الصلاة والسلام: ( خالفوا المشركين احفوا الشوارب وأوفوا اللحى ) رواه شيخان وفي . حديث آخر : ( وخالفوا أهل الكتاب ) .
وفي هذه القبيحة عدة مخالفات :
الأولى : مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم الصريح بالإعفاء .
الثانية : التشبه بالكفار .
الثالثة : تغير خلق الله الذي فيه طاعة الشيطان في قوله كما حكى الله تعالى ذلك عنه : ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) .
الرابعة : التشبه بالنساء وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك . وانظر تفصيل هذا الإجمال في كتابنا ( آداب الزفاف في السنة المطهرة ) ( ص 131 - 126 )
وإن من المشاهدات التي يراها الحريص على دينه أن جماهير من الحجاج يكونون قد وفروا لحاهم بسبب إحرامهم فإذا تحللوا منه فبدل أن يحلقوا رؤوسهم كما ندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقوا لحاهم التي أمرهم صلى الله عليه وسلم بإغفائها . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
3: - تختم الرجال بالذهب .
لقد رأينا كثيرا من الحجاج قد تزينوا بخاتم الذهب ولدى البحث معهم في ذلك
تبين أنهم على ثلاثة أنواع :
بعضهم لا يعلم تحريمه ولذلك كان يسارع إلى مزعه بعد أن نذكر له شيئا من النصوص المحرمة كحديث ( نهى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب ) متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم
( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟ ) رواه مسلم
وبعضهم على علم بالتحريم ولكنه متبع لهواه فهذا لا حيلة لنا فيه إلا أن يهديه الله وبعضهم يعترف بالتحريم ولكن يعتذر هو كما يقال أقبح من ذنب - فيقول : إنه خاتم الخطبة . ولا يدري المسكين
أنه بذلك يجمع بين معصيتين : مخالفة نهيه صلى الله عليه وسلم الصريح كما تقدم وتشبه بالكفار لأن خاتم الخطبة لم يكن معروفا عند المسلمين إلى ما قبل هذا العصر ثم سرت هذه العادة إليهم من تقاليد النصارى .
وقد فصلت القول في هذه المسألة في ( آداب الزفاف ) أيضا ( ص 138 - 139 وبينت فيه أن النهي المذكور يشمل النساء أيضا خلافا للجمهور فراجع ( ص 168 - 139) فإنه مهم جدا.
يتبع..>>