عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-09-2010, 09:54PM
أم البراء أم البراء غير متواجد حالياً
عضو مشاركة - وفقها الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
الدولة: اليمن
المشاركات: 219
افتراضي



[المتن]
[ومِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: الإعراضُ عن اللَّه تعالى، وتعلُّقُ القلب بغيره، والغفلةُ عن ذِكره، ومحبةُ سواه، فإن مَن أحبَّ شيئاً غيرَ اللَّه عُذِّبَ به، وسُجِنَ قلبُه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالاً، ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً، فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذةُ القلب، ونعيم الروح، وغِذاؤها، ودواؤُها، بل حياتُها وقُرَّةُ عينها، وهى محبةُ اللَّه وحدَه بكُلِّ القلب، وانجذابُ قوى الميل، والإرادة، والمحبة كلِّها إليه .
ومحبةٌ هي عذاب الروح، وغمُّ النفس، وسِجْنُ القلب، وضِيقُ الصدر، وهي سببُ الألم والنكد والعناء، وهى محبة ما سواه سبحانه.]
ومن أسباب شرح الصدر دوامُ ذِكره على كُلِّ حال، وفي كُلِّ موطن، فللذِكْر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثيرٌ عجيب في ضِيقه وحبسه وعذابه.
ومنها: الإحسانُ إلى الخَلْق ونفعُهم بما يمكنه من المال، والجاهِ، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسنَ أشرحُ الناس صدراً، وأطيبُهم نفساً، وأنعمُهم بالاً، والبخيلُ الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدراً، وأنكدُهم عيشاً، وأعظمُهم همَّاً وغمَّاً. وقد ضرب رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدِّق، «كمَثَل رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا هَمَّ المُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ، اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ، حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابِهُ وَيُعْفِيَ أثَرَهُ، وكُلَّمَا هَمَّ البَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ، لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، وَلَمْ تَتَّسِعْ عَلَيْهِ». فهذا مَثَلُ انشِراحِ صدر المؤمن المتصدِّق، وانفساح قلبه، ومثلُ ضِيقِ صدر البخيل وانحصارِ قلبه.
[الشرح]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله وتعالى (ومِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: الإعراضُ عن اللَّه تعالى) يذكر العلامة ابن القيم الداء، ويعطيك الدواء، (مِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: الإعراضُ عن اللَّه تعالى، وتعلُّقُ القلب بغيره، والغفلةُ عن ذِكره) الإعراض عن الله تعالى وعن دينه قد يصل إلى حد الردة، وقد عدّ بعض أهل العلم الإعراض عن دين الله تعالى من نواقض للإسلام بحيث لا يتعلم الإسلام ولا يحاول العمل به؛ بل لا يرفع رأسه لمعرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ?[السجدة:22]، الإعراض عن الدين وعن ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بحيث لا يشتغل بتعلمه والعمل به؛ بل لا يبالي به ولا يرفع رأسه إذا تعلم الهدى الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، هذا الإعراض قد يصل إلى حد الكفر، وهو معدود من نواقض الإسلام كما علِمتم ودَرَسْتم في نواقض الإسلام.
(وتعلُّقُ القلب بغيره) تعالى يشمل تعلق الإنسان برئيسه بشيخه، وتعلقه بدنياه وماله ومعبوده من غير الله، (والغفلةُ عن ذِكره) سبحانه وتعالى لا يذكر الله، لا يكاد يذكر الله، مشغول بما تعلق به قلبه،( ومحبةُ سواه) مما يسبب ضيق الصدر محبة غير الله تعالى محبة لا تليق إلا بالله كما تقدم في درس البارحة، فإن من أحب شيئا غير الله عذب، به فيكون دائما يكون مشغولا بهذا المخلوق الذي أحبه، سواء أحبه لكونه شيخه أو لأنه رئيسه، أو أحب ماله ودنياه، فغلبته ماله ودنياه عن ذكر الله تعالى، وسبّب ذلك له الإعراض عن الله وشغل، وإذا أحبّ غير الله مع الله محبة التي هي محبة عبادة، فيها الخضوع والتذلل، وأحب غير الله مع الخضوع والتذلل فهو شرك أكبر ومن نواقض الإسلام، فمن ابتلي بمثل هذه المحبة أي محبة غير الله تعالى قد أبتلي، يذكر العلامة ابن القيم في بعض كتبه: إنما الشرك أعظم الذنوب، وأن من مات عليه لا يُغفر له ويكون خالدا مخلدا في النار؛ لأن الشرك تنقص به محبة الله تعالى، محبة الله روح الإيمان، الإيمان بدون محبة الله تعالى كالجسد الذي بلا روح، أي إيمانه إيمان شكلي ليس إيمانا حقيقيا، إذا فقد محبة الله، إذا أشرك مع الله في هذه المحبة العظيمة، وهذا العنصر العظيم من عناصر الإيمان، إذ قسمت هذه المحبة اثنين قسم لله وقسم لغير الله نقصت المحبة، لذلك أصبح الشرك من أعظم الذنوب.
(فإن مَن أحبَّ شيئاً غيرَ اللَّه عُذِّبَ به) لأنه مشغول به ولا ينفعه ولا يضره، (وسُجِنَ قلبُه في محبة ذلك الغير) فأعرض عن الله فذلك المحبوب لا يقدم ولا يؤخر ولا ينفعه في شيء.
ويقول العلامة ابن القيم (فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالاً، ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً) لأنه صرف هذا المعنى العظيم كله أو جله لغير الله تعالى فحرم محبة الله ومعية الله الخاصة وعونه وتوفيقه؛ فلم يستفد من محبة غيره.
ثم قال (فهما محبتان) المحبة محبتان، (محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس)، من رُزق تلك المحبة دخل جنة الدنيا، ورزق سرورا لا مثيل له، ولذة القلب ونعيم الروح وغذاء الروح ودواء الروح؛ بل حياة قلبه وقرة عينه، وهي محبة الله وحده بكل القلب -بهذا القيد-، بكل القلب بحيث لا تنقسم المحبة بينه وبين غيره، من رُزق هذه المحبة بكل قلبه دخل جنة الدنيا وهو في الدنيا، ومن دخل جنة الدنيا إن شاء إنه يدخل جنة الآخرة بتوفيق الله تعالى؛ لأن هذا علامة التوفيق إن مات على ذلك يرجى له الخير، من مات على غير عمله ترجو له خيرا، هذه هي المحبة (وهى محبةُ اللَّه وحدَه بكُلِّ القلب، وانجذابُ قوى الميل، والإرادة) وقوى المحبة كلها على الله سبحانه وتعالى، بحيث لا يلتفت إلى سواه في السراء والضراء، في كل لحظة، فتصير الموجودات كلها كالجمادات إذْ لا تنفع ولا تضر حقا، لا فرْق بين الجمادات وغير الجمادات؛ لأن المخلوقات كلها لا تضرك إلا بما كُتب عليك، ولا تنفعك إلا بما كتب لك، إذن الأمر كله لله هكذا يرزق بعض عباد الله مثل هذه المحبة فيدخلون جنة الدنيا قبل جنة الآخرة هذه واحدة.
المحبة الثانية (محبةٌ هي عذاب الروح، وغمُّ النفس، وسِجْنُ القلب، وضِيقُ الصدر، وهي سببُ الألم والنكد والعناء، وهى محبة ما سوى الله) من ابتلي بمحبة مخلوق ما أيا كان، مخلوقا يَعبده ويعظمه، مخلوقا يشغله عن الله تعالى ولو لم يكن من باب العبادة ولكن يشغله عن الله عن المعبود، سجن قلبه وضاق صدره، وسيقت إليه الآلام والنكد والعناء من كل فج، ويعيش في ضيق.
وبهذا يشخّص العلامة ابن القيم أمراض القلب، وأمراض القلب علاجها بالطب النبوي، والأطباء لا يعالجون هذا المرض وقد يكونون هم أنفسهم مرضى؛ ولكن العلاج بالطب النبوي، اشتغل بذكر الله الأذكار المشروعة، عليك أن تقتني كتب الأذكار؛ الأذكار للنووي، والوابل الصيب، والكلم الطيب، وصحيح الكلم الطيب، وغير ذلك من الأذكار من الكتب التي جمعت لك الأذكار المأثورة، وتبيّن فضل الأذكار ومكانة الأذكار حتى لا تنسى الله، إن نسيت الله هلكت ووقعت في هذه الآلام، إذا شُخِّص المرض سهل العلاج، إذا عرفنا أنواع هذه الأمراض، علينا أن نشتغل بالعلاج، بتوفيق الله تعالى.
قال العلامة ابن القيم (ومن أسباب شرح الصدر دوامُ ذِكره على كُلِّ حال) وهذا سهل ميسور على من يسره الله عليه، فاذكروا الله بالأذكار المقيدة عند نومك، عند الاستيقاظ من النوم، عند الخروج من المنزل، عند دخول المنزل، عند دخول المسجد، عند الخروج من المسجد، الأذكار المقيدة الكثيرة، فاذكروا الله في طريقك، عند ركوبك، بأذكار مشروعة، لا تحتاج إلى أن تتخذ سبحة طويلة، فاذكروا الله بالتهليل والتسبيح والاستغفار وتكثر من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وأفضل الذكر تلاوة كلامه، التالي لكلام الله القرآن لأنه يتحدث مع الله، فأفضل الذكر إلا في بعض المواطن، المواطن التي عيّن الشارع لها أذكارا معينة تشتغل بهذه الأذكار.
أما في الأوقات العامة فأفضل الذكر قراءة القرآن بتعقل وتدبر ثم محاولة العمل به والدعوة إليه، (وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر)، هذا كلام مجرب يقول العلامة ابن القيم (للذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر) جرب أكثر من ذكر الله تعالى حتى ترى الأنس مع الله، فإذا فرغت ذكره وشغلك شاغل وجدت وحشة في نفسك، لا تستأنس إلا حين تذكر الله بالأذكار المشروعة، (ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه)، الغفلة عن الله تقدمت الإشارة إلى تلك الأسباب بعد الغفلة، التعلق بغير الله والانشغال بغير الله، وعدم الانشغال بتعلم شرع الله والعمل به، والانشغال بجمع المال في كل وقت حتى ينصرف إلى ذلك انصرافا كليا، وأن يشغل بمحبوب أحبه أيا كان ذلك المحبوب ماله وولده وأهله وشيخه ورئيسه، كل ذلك يوقعه في الغفلة عن الله ويسبب له الوحشة والعذاب.
يقول العلامة ابن القيم من أسباب انشراح الصدر (الإحسانُ إلى الخَلْق ونفعُهم بما يمكنه من المال) الإحسان نوعان:
الإحسان في عبادة الله تعالى بأن تعبد الله بالعبادات المشروعة بالإخلاص وبالمتابعة.
النوع الثاني الإحسان إلى الخلق، الإحسان إلى عباد الله شكرا لله الذي أنعم عليك ومكنك لتكون يدك هي اليد العليا، وأعطاك ومكّنك من الإنفاق والإحسان بالإحسان إلى الخلق شُكْر لله سبحانه وتعالى ورحمة وشفقة، يرحم المرضى، ويرحم أصحاب الحاجات والمنكوبين، وكل من يحتاج إليه بما يمكنه من المال قليلا كان أو كثيرا، وينفعهم بجاهه بما لديه من الجاه والمنصب، يستغل جاهه ومنصبه ومكانته عند الناس في نفع عباد الله، (والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان) الكثيرة.
يقول (فإن الكريم المحسنَ أشرحُ الناس صدراً، وأطيبُهم نفساً، وأنعمُهم بالاً) لأنه أرضى ضميره، أرضى الله وأرضى ضميره بهذا الإحسان، وبتفريج كرب المكروبين وقضاء حاجة المحتاجين.
وأمّا (البخيلُ الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدراً، وأنكدُهم عيشاً، وأعظمُهم همَّاً وغمَّاً) الذي ليس فيه إحسان فهو أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما؛ لأنه خالف الفطرة وخالف المعقول وخالف الشرع، لذلك ضميره يؤنّبه لذلك يحمل الهم والغم.
والبخل والشح لا يمكنه أن يمد يد الإحسان إلى عباد الله لا يكون قلقا بين إرضاء بخله وبين ما يحسه من... ضميره.
(وقد ضرب رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدِّق، «كمَثَل رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا هَمَّ المُتَصَدِّقُ- الكريم السخي- بِصَدَقَةٍ، اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ، حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابِهُ وَيُعْفِيَ أثَرَهُ») يعفي بذلك أثره، وينفق في سبيل الله تعالى في السر والعلانية ولا ينفق رياء وسمعة، وكلما همّ البخيل بالصدقة التي لزمته تلك لزمته كل حلقة مكانها ولا تتسع، ولم تتسع عليه، حتى لا يتمكن من مد يده، هذا مثل انشراح صدر المرء المسلم المتصدق وانفتاح قلبه، ومثل قلب البخيل وانحصار قلبه.
البُخل يلازم الْجُبن، والكرم يلازم الشجاعة، إذا رأيت كريما سخيا فاعلم بأنه شجاع، وإذا رأيت بخيلا شحيحا فاعلم بأنه جبان، هكذا ثبتت التجارب التلازم، سيأتي الآن في العنوان الآتي. نعم.
[المتن]
ثم قال رحمه الله:
ومنها: الشجاعة، فإنّ الشجاع: منشرح الصدر، واسع البطان، متَّسِعُ القلب، والجبانُ: أضيق الناس صدراً، وأحصرُهم قلباً، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذَّة له، ولا نعيم، إلا منْ جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح، ولذَّتُها، ونعيمُها، وابتهاجُها، فمحرَّمٌ على كل جبان، كما هو محرَّم علَى كل بخيلٍ، وعلى كُلِّ مُعرِض عن اللَّه سبحانه، غافلٍ عن ذِكره، جاهلٍ به وبأسمائه تعالى وصفاته، ودِينه، متعلق القلبِ بغيره. وإن هذا النعيم والسرور، يصير في القبر رياضاً وجنة، وذلك الضيقُ والحصر، ينقلبُ في القبر عذاباً وسجناً. فحال العبد في القبر. كحال القلب في الصدر، نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً، ولا عبرةَ بانشراح صدر هذا لعارض، ولا بضيق صدرِ هذا لعارض، فإن العوارِضَ تزولُ بزوال أسبابها، وإنما المعوَّلُ على الصِّفة التي قامت بالقلب تُوجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان.. واللَّه المستعان.
[الشرح]
قال العلامة ابن القيم من أسباب انشراح الصدر الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر، الشجاع الذي يبذل روحه تضحية في سبيل الله تعالى، فذلك يبذل المال ومنشرح الصدر، محبوب عند الله، (واسع البطان)، البطان حزام للـ[...]، يقال إذا أراد الإنسان أن يصف الأمر بالشدة يقول: التقت حلقتا البطان. أي الحزام حزام [...]، (واسع البطان)، متسع القلب، منشرح البال.
والجبان ضيق النفس، (والجبانُ: أضيق الناس صدراً) لأنه على خلاف الفطرة السليمة والعقل الصريح وأمر الشريعة، مأمور بأن يبذل وينفق، خالف ذلك خلقه، الجبن والبخل منع من ذلك.
إذن فهو بين امتثال هذا البخل وبين تحمل عتاب ضميره وعتاب الناس له؛ لذلك هو (أضيق الناس صدراً، وأحصرُهم قلباً، لا فرحة له ولا سرور)، يحاول أن يفرّ من الناس، فيعرض عن أصحاب الحاجات لأن لا يمد يد المساعدة، ويحاول أن يخفي ما لديه من النعم، (ولا لذَّة له) إلا لذة البهائم البهم، (ولا نعيم، إلا منْ جنس ما للحيوان البهيمي)، يتلذذ بأكله وشربه كالحيوانات.
أما كونه يتلذذ بالبذل والعطاء وقضاء حاجات الناس، والإحسان إلى المحتاجين، هذا يجد الإنسان فيه لذة، من رزقه الله مالا وهو صالح، نعم المال الصالح للرجل الصالح، الرجل الصالح عندما يرزق المال الصالح الحلال الطيب فيُنفق في مرضاة الله تعالى يجد في ذلك لذة وسرورا وانشراحا للصدر.
وأما سرور الروح ولذة الروح ونعيم الروح وابتهاج الروح فمحرم على كل جبان؛ لأن كل هذه المعاني لا تحصل إلا حين يدخل وإلا حين يخرّج وإلا حين يعطي وإلا حين يحسن، فما هو محرم على كل بخيل وعلى كل معرض عن الله تعالى غافل عن ذكره، جاهل بالله ولأسمائه تعالى وصفاته، جهله بالله لأن الله سبحانه وتعالى هو المعطي المانع وهو المنعم المتفضل، وهو الذي رزقه، وهو الذي إن شاء يمسك عنه، ويزيل ماله، جهله بأسمائه وصفاته، وجهله بدينه الذي أمره بالإحسان والرحمة والشفقة، متعلق القلب بغيره، مشغول بغيره دائما، إما بماله ذاته أو بأمثاله من زملائه البخلاء، أو متعلق بغيره ليلتمس منهم البركة في ماله ليباركوا له في ماله.
(وإن هذا النعيم والسرور، يصير في القبر رياضاً وجنة) لذلك قال من قال كما سمعتم لا يدخل الإنسان جنة الآخرة حتى يدخل جنة الدنيا، إذا دخل جنة الدنيا فحصل له هذا السرور وهذه الفرحة، ونعيم القلب هذه المعاني تتحول في القبر على رياض وجنة، القبر إما روضة من رياض الجنة و حفرة من حفر النار.
(وذلك الضيقُ) الذي عند البخيل وعند الجبان، (وذلك الضيقُ والحصر، ينقلبُ في القبر عذاباً وسجناً) لأن هذا البخيل قد يبخل بحق الله، لا يؤدي حقوق الله التي جعلها الله في ماله التي جعلها في يد هؤلاء العباد، المال مال الله جعله في يد بعض عباده، ليحسن البعض للبعض الآخر من مال الله، يعطي من مال الله لعباد الله، جعل الله في هذا المال حقا واجبا لازما ركنا من أركان الإسلام، وجعل فيه واجبات أخرى، يبخل في كل ذلك، ويتحول كل ذلك عذابا وسجنا.
(فحال العبد في القبر. كحال القلب في الصدر) فلينظر هل هو منشرح الصدر يعيش في نعيم وفي سرور، أو هو ضيق الصدر يعيش في سجن وحصر، (نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً) التوفيق بيد الله.
(ولا عبرةَ بانشراح صدر هذا لعارض) أي إنشراح هذا الذي ضاق صدره، ينشرح صدره أحيانا لعارض ويضيق صدر هذا لعارض، الإنسان له أعراض بشرية، قد تحصل للإنسان بعض الأعراض البشرية؛ يضيق صدر المؤمن في بعض الظروف وفي بعض الحالات، ولكنه يزول بذكر الله تعالى وبالالتجاء إلى الله وبالإنابة إليه، وكون الإنسان يصاب أحيانا بأمراض ثم يتعافى ويزول ذلك، وهو الذي لهذا الذي صدره ضيق أحيانا انشراح أن وُفق ومدّ يده وأحسن هذه عوارض؛ لكن الصفة الدائمة الحالة الدائمة ما وصف لك (وإنما المعوَّلُ على الصِّفة التي قامت بالقلب تُوجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان.. واللَّه المستعان). نعم
[المتن]
ومنها بل من أعظمها: إخراجُ دَغَلِ القَلْبِ من الصفات المذمومة التي تُوجب ضيقه وعذابه، وتحولُ بينه وبين حصول البُرء، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرحُ صدره، ولم يُخرِجْ تلك الأوصافَ المذمومة من قلبه، لم يحظَ مِن انشراح صدره بطائل، وغايته أن يكون له مادتان تعتوِرَانِ على قلبه، وهو للمادة الغالبة عليه منهما.
[الشرح]
يقول العلامة ابن القيم ومن الأسباب أسباب خفية؛ ولكنها خطيرة، من أعظم تلك الأسباب (إخراجُ دَغَلِ القَلْبِ من الصفات المذمومة) الحسد والحقد والحرص الشديد وطول الأمل والتسويف بالتوبة.
يبتلى بالحسد؛ إذا رأى نعمة على غيره تمنى زوالها سواء انتقلت إليه أو زالت إلى أي جهة، لا تطيب نفسه عندما رأى نعمة على غيره من مال وعلم وصحة والتزام، أي نعمة، يصاب بحسد، وهذا الحاسد معترض على الله، لأن لسان حاله يقول لماذا أعطيت فلانا يا ربي هذه النعمة؟ لماذا رزقته مالا وصحة وعلما والتزاما؟ وغير ذلك من النعم، يضيق صدره، صفات مذمومة، الغيبة والنميمة، .. ربما السعي بإلحاق الضرر بالمحسود، فهي توجب ضيقه وعذابه العابد أن ترد على الله والمصاب بطول الأمل أنه سوف يفعل سوف يجمع سوف يشتري سوف يبني؛ عمل طويل وتأخير في التوبة فيما بعد، بعد أن يشيب بعد أن يعجز بعد أن يكبر، بعد كذا وكذا صفات ذميمة، وتحول بينه وبين حصول البر، فإنّ الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره التي تقدم ذكر أكثرها؛ ولكنه لم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، قد يؤتي في.. ويكثر من ذكر الله؛ لكن مع ذلك أصيب بهذه الأمراض، يقول (لم يحظَ مِن انشراح صدره بطائل) لا طائل تحت انشراح صدره طالما هو موصوف بهذه الصفات الذميمة.
العلامة ابن القيم له كتاب بل كتب يعالج فيها هذه الأمراض بالطب النبوي، له كلام عظيم في طريق الهجرتين، وفي الكتيب الصغير الفوائد وفي مدارج السالكين ومفتاح دار السعادة، على شبابنا أن يستغلّوا أوقات الفراغ في دراسة هذه الكتب التي تعالج أمراض القلب، وتعمل الإنسان على أن يحاول ليلحق بركب السلف الصالح في الاستقامة، لا بالالتزام الشكلي، الالتزام الشكلي لا يجدي، الثوب القصير واللحية الطويلة الكثة مما شرع الله وحث عليه؛ ولكن إن لم توجد وراء هذا معاني إسلامية لا تجدي هذه المظاهر وحدها.

أعد هذه المادة: سالم الجزائري

ومنها: تركُ فضولِ النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطةِ، والأكل، والنوم، فإن هذه الفضولَ تستحيلُ آلاماً وغموماً، وهموماً في القلب، تحصُرُه، وتحبِسه، وتضيِّقهُ، ويتعذَّبُ بها، بل غالِبُ عذابِ الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا اللَّهُ ما أضيقُ صدَر مَن ضرب في كل آفةٍ من هذه الآفات بسهم، وما أنكَدَ عيشَه، وما أسوأ حاله، وما أشدَّ حصرَ قلبه، ولا إله إلا اللَّه، ما أنعمَ عيشَ مَنْ ضرب في كل خَصلةٍ من تلك الخصال المحمودة بسهم، وكانت همتُّه دائرةً عليها، حائمةً حولها، فلهذا نصيب وافر مِنْ قوله تعالى: ?إنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيم?[الانفطار: 13] ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى: ?وإنَّ الفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ?[الانفطار: 14] وبينهما مراتبُ متفاوتة لا يُحصيها إلا اللَّه تبارك وتعالى .
والمقصود: أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أكملَ الخلق فى كلِّ صفة يحصُل بها انشراحُ الصدر، واتِّساعُ القلب، وقُرَّةُ العين، وحياةُ الروح، فهو أكملُ الخلق فى هذا الشرح والحياة، وقُرَّةِ العين مع ما خُصَّ به من الشرح الحِسِّىِّ، وأكملُ الخلق متابعة له، أكملُهم انشراحاً ولذَّة وقُرَّة عين، وعلى حسب متابعته ينالُ العبد من انشراح صدره وقُرَّة عينه، ولذَّة روحه ما ينال، فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذُروة الكمال مِن شرح الصدر، ورفع الذِكْر، ووضع الوِزْر، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتِّباعه .. واللَّه المستعانُ.
وهكذا لأتباعه نصيبٌ من حفظ اللَّه لهم، وعصمتِه إياهم، ودفاعِه عنهم، وإعزازه لهم، ونصرِه لهم، بحسب نصيبهم من المتابعة، فمستقِلُّ ومستكثِر، فمَن وجد خيراً، فليحمد اللَّه. ومَن وجد غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه.

(1) انتهى الوجه الأول من الشريط.


أعد هذه المادة: سالم الجزائري
من مكتبة الشيخ أمان الجامي-رحمه الله -روح الإسلام
__________________

التعديل الأخير تم بواسطة أم البراء ; 11-09-2010 الساعة 12:36PM
رد مع اقتباس