يقول الشيخ أحمد بن المبارك رمضاني الجزائري في مدارك النَّظر في السّياسة
((قلتُ: لقد استغل بعض الحزبيين كلام الشيخ ليدَّعي أنه يرى جواز دخول البرلمان والانتخابات! مع أن هذا الذي نَقلْتُه هنا عن الشيخ من أوضح الواضحات في نفي ذلك، لكن خوفاً من أن يَنطلي أمرهم على السذج أقول: إن الشيخ يرى تحريم دخول البرلمان وما يَتْبعه من انتخاب لدليلين قد ذكرهما هو نفسه هنا، وهما:
الأول: أنه بدعة؛ إذ وسائل الدعوة في مثل هذه توقيفية، انظر إن شئت » الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية « لعبد السلام بن برجس، على أن هذا لا يختلف مع قوله بأنها تَحكُمها المصالح المرسلة عموماً؛ وكثيراً ما كان الشيخ يُرَدِّد كلام ابن تيمية من » اقتضاء الصراط المستقيم « ص (278): " فكلُّ أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً لو كان مصلحة ولم يُفعل، يُعلَم أنه ليس بمصلحة ... ونحن نعلم أن هذا ضلالة قبل أن نعلم نهياً خاصًّا عنها أو أن نعلم ما فيها من المفسدة ".
قلت: وقد سبق أن نقلتُ كلام الشيخ في أن هذا التحزّب للعمل السياسي مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي دُعي بمكة للمشاركة في السلطة فأبَى؛ لأنه أصَّل عملَه على التربية العقدية والخلقية باديء ذي بدء، كما هو معلوم، هذا في الكلام عن قيام المقتضي مع ترك الفعل، وأما العلم بالنهي فواردٌ أيضاً، ويُبَيِّنه كلامُ الشيخ بعد هذا ، وأما العلم بالمفسدة في هذا العمل، فبيانه منه ـ حفظه الله ـ في ملاحظة قريبة، والله وليّ التوفيق.
والثاني: أنه تشَبُّهٌ بالكفار؛ إذ لا يَختلف اثنان في أنه نظام مستورَد منهم.
فهذان الأمران يدلان على أن الشيخ لم يُحرِّمه لمفسدة زمنية أو مكانية يمكن نسخها بمصلحة زمنية أو مكانية، كلا! بل حرَّمه لذاته، فتنبّه! ولا يلتبِسن عليك أن جَوَّز الشيخُ الانتخابَ لبقية المسلمين بما فيهم النساء؛ لأن هذا قاله الشيخ في حالة ما إذا تَعنَّت الإسلاميون وأبَوا إلا دخول البرلمان، فحينئذ ما داموا داخلين ـ وإن رغمَت فتاوى أهل العلم ـ فقد رأى الشيخ أنه لا بدّ على غيرهم من المسلمين أن ينتخبوا أقرب حزب إلى الإسلام، من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى، ولكن الشيخ ينهى عن الدخول معهم في التحزب والتنظيم ... وكثيراً ما سُجِّل للشيخ قولُه لهذه الجبهة وغيرها: " إن ركبتم رؤوسكم وأبَيتم إلا أن تكونوا كبش الفداء فعلى المسلمين الآخرين أن يختاروا من هذه الأحزاب أقربها إلى الإسلام؛ لا لأنهم سيُقدِّمون خيراً، ولكن من باب التقليل من شرِّهم "، هذا هو رأي الشيخ فليُعلم!
ملاحظة: والغريب أن ينقل عبدُ الرحمن عبد الخالق في ص (73) من كتابه » مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية « كلامَ الشيخ الألباني هذا مبتورا ليدَّعِي أن منع الشيخ دخول هذه المجالس " إنما من باب أنه خلاف الأولى "، كذا قال ـ هداه الله ـ مع أنه لا يخفَى عليه ولا على غيره أن الشيخ ـ حفظه الله ـ ما اشتدّ انتقادُه عليه ـ هو بالخصوص ـ كما اشتدّ في هذه المسألة بعينها، يوم أن دعاه إلى بيته للمناقشة فيها، فلم يستجب له! وقال له الشيخ: " يا عبد الرحمن! إني أَعِظك أن تكون من الجاهلين! ".
قلت: ولولا خشية التلبيس ما كلّفت نفسي نقل هذا الآتي:
جاء في شريط مسجَّل من (( سلسلة الهدى والنور )) رقم (352/1) أن سائلاً قال للشيخ الألباني: سمعنا أنك قلت ـ يا شيخ! ـ يجوز ( أي دخول البرلمانات ) ولكن بشروط؟!
قال الشيخ: " لا! ما يجوز! هذه الشروط ـ إذا كانت ـ تكون نظرية وغير عملية، فهل أنت تذكر ما هي الشروط التي بلَغتك عنّي؟ ".
قال: الشرط الأول: أن يحافظ الإنسان على نفسه.
قال الشيخ: " وهل يمكن هذا؟! ".
قال: ما جرَّبتُ!
قال الشيخ: " إن شاء الله ما تجرِّب! هذه الشروط لا يمكن تحقيقها؛ ونحن نشاهد كثيراً من الناس الذين كان لهم منطلق في حياتهم ـ على الأقل ـ في مظهرهم .. في لباسهم .. في لحيتهم .. حينما يدخلون ذلك المجلس ـ أي مجلس البرلمانات ـ وإذا بظاهرهم تَغيَّر وتبدَّل! وطبعاً هم يبرِّرون ذلك ويسوِّغونه: وأنّ هذا من باب المسايرة ...
فرأينا ناساً دخلوا البرلمان باللباس العربيّ الإسلاميّ، ثم بعد أيام قليلة غيَّروا لباسهم وغيَّروا زيَّهم!! فهذا دليل الفساد أو الصلاح؟! ".
قال السائل: الشيخ يعني الإخوة في الجزائر وعملهم هذا ودخولهم المعترك السياسي؟
قال الشيخ: " ما ننصح! ما ننصح في هذه الأيام بالعمل السياسي في أيّ بلد من بلاد الإسلام ... ".
وفي السلسلة نفسها برقم (353/1) قال الشيخ: " ولهذا فأنا لا أقول كما قلتُ آنفاً: لا أرى الجهاد، بل أحذِّر من الجهاد؛ لأن الوسائل النفسية والمادية لا تساعد المسلمين على القيام بأيّ جهاد في أيّ مكان كان ... "، وقال: " نحن ننكر تحزّب المسلمين في دائرة الإسلام؛ فأن يكون حزب إسلامي يسمَّى كذا، وحزب إسلامي يسمَّى كذا، هذا التحزّب ـ مع أنهم جميعاً يعملون في دائرة الإسلام وفي صالح الإسلام واللهُ أعلم بما في نفوسهم ـ مع ذلك فنحن لانرى أنه يجوز لدولة مسلمة أن تسمح لمثل هذا التكتّل وهذا التحزّب، ولو في دائرة الإسلام؛ لأن هذا ليس من صنيع المسلمين، بل هو من عادة الكافرين، ولذلك قال ربُّ العالمين:{وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ".