![]() |
الْغُرُوْر وَالْعُجْب وَالْكِبُر
الْغُرُوْر وَالْعُجْب وَالْكِبُر من رسالة عوائق الطلب للشيخ عبد السلام بن برجس ال عبد الكريم معصية الله تعالي عائقة عن نيل العلم الشرعي ، لأنه نور الله يقذفه في أفئدة من يشاء من عباده ، ولا يجتمع في قلب نور وظلمة ، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : إني لأحسب الرجل ينسي العلم قد علمه بالذنب يعلمه (1) ورحم الله الشافعي حيث قال : شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي وإن أقبح ما تلبس به طالب العلم من المعاصي – وكلها قبيح – التكبر والتعاظم والغرور ، فيزدري هذا ويترفع عن هذا ، ويتبختر في المشي ، ويتشدق في الكلام ، إلي غير ذلك من صفات العجب بالنفس ، التى نهي الله تعالى عنها في قوله تعالى : ( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ( لقمان : من الآية 18 ) المرح : التبختر . وقال تعالي : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( القصص : 83 ) وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه ، مرجل رأسه ، يختال في مشيته ، إذا خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة )) . قال ابن الجوزي – رحمه الله – (( أفضل الأشياء التزيد من العلم ، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافياً استبد برأيه ، فصار تعظيمه لنفسه مانعاً من الاستفادة )) . قال : غير أن اقتصار الرجل على علمه إذا مازجه نوعُ رؤية للنفس حبس عن إدراك الصواب ، نعوذ بالله من ذلك . ا هـ ([2]) . وصدق علي بن ثابت حينما قال : العلم آفته : الإعجاب والغضب والمال آفته : التبذير والنهب قال أيوب السختياني : (( ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله )) . وقالوا : (( المتواضع من طلاب العلم أكثر علماً ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء )) . وقيل لحكيم : ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها ؟ : قال التواضع . قيل له فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه ؟ قال العجب . ([3]) - فليحذر الطالب من هذه الصفات الذميمة التي يمقتها الله ، ويمقتها المؤمنون ، فإن من تواضع لله رفعه ، وضده : من لم يتواضع لله سَفُلَ . وإذا حدثته نفسه بشيءٍ من ذلك فليذكر مآله ومصيره ، وليعلم أن هناك من هو أصغر منه سناً ، وأكبر منه علماً . * ولقد بلينا في هذا الزمن بشرذمةٍ قليلةٍ – ولله الحمد – يقرؤون كتاباً أو كتابين ، ويحفظون مسألة أو مسألتين ، ثم بعد يوم أو يومين – من أعمارهم في الطلب – يصبحون مجتهدين ، وليتهم يقتصرون على هذا الخيال الكاسد ، بل يستصغرون غيرهم من العلماء ، بله طلبة العلم والدعاة ، ويرون لأنفسهم مكاناً عالياً لا يصل إليه أحد ، يظهر ذلك علي ملابسهم ، ومشيهم ، وكلامهم فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وما أعظم ضررهم ، وأقل نفعهم ، وأمتن جهلهم ، نسأل الله تعالي أن يهديهم سواء السبيل . وإلى هؤلاء أسوق فضلاً نفيساً لابن الجوزي – رحمه الله – حيث يقول : (( انتقدت على أكثرالعلماء والزهاد : أنهم يبطنون الكبر ، فهذا ينظر من موضعه وارتفاع غيره عليه ، وهذا لا يعود مريضاً فقيراً يرى نفسه خيراً منه ، وقل من رأيت إلا وهو يرى نفسه ، والعجب كل العجب ممن يرى نفسه ، أتراه يماذا رآها ! إن كان بالعلم فقد سبقه العلماء ، وإن كان بالتعبد فقد سبقه العباد ... إلى أن قال : ومن تلمح خصال نفسه وذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب ، والتقصير ، وهو من حال غيره على شك . فالذي يحذر منه : الإعجاب بالنفس ، ورؤية التقدم في أحوال الآخرة ، والمؤمن الحق لا يزال يحتقر نفسه . وقد قيل لعمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – إن مت ندفنك في غرفة رسول الله ص ؟ فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك ، أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك . ا هـ ([4]) . قال في تهذيب الأحياء : (( والكبر بالعلم ، وهو أعظم الأفات ، وأغلب الأدواء ، وأبعدها عن قبول العلاج ، إلا بشدةٍ شديدةٍ وجهدٍ جهيدٍ ، وذلك لأن قدر العلم عظيم عند الله ، عظيم عند الناس ، وهو أعظم من قدر المال والجمال وغيرهما . ولن يقدر العالم على دفع الكبر إلا بمعرفة أمرين : أحدهما : أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد ، وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عشره من العالم ، فإن من عصى الله تعالى عن معرفةٍ وعلم فجنايته أفحش ، إذا لم يقض نعمة الله عليه في العلم . الأمر الثاني : أن العالم يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده ، وأنه إذا تكبر صار ممقوتاً عند الله بغيضاً . ([5]) لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تعالى : العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن ينازعني عذبته )) ([6]) . وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )). فقال الرجل : أن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنةً ؟ قال : (( إن الله جميل يحب الجمال ، والكبر بطر الحق ، وغمط الناس )) ([7]) غمط الناس : احتقارهم . *** ----------------------------------------------- [1] - الجامع ( 1/196 ) . [2] - من (( صيد الخاطر )) ص 111 . [3] - الجامع ( 1/142 ) . [4] - صيد الخاطر ، ص 282 . [5] - تهذيب الإحياء ( 2/136) . [6] - رواه مسلم . [7] - رواه مسلم . |
Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd