مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   منبر الأشهر الحرم والحج والعمرة (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=74)
-   -   [صوتي] تفريغ الدرس الأول من دورة زاد المستقنع كتاب المناسك (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=10017)

أم سمية 10-05-2012 02:50AM

تفريغ الدرس الأول من دورة زاد المستقنع كتاب المناسك
 
1 مرفق
بسم الله الرحمن الرحيم

تفريغ الدرس الأول من شرح كتاب المناسك

للشيخ أبي عبد الله ماهر بن ظافر القحطاني حفظه الله

في دورة زاد المستقنع

التي أقيمت بمسجد بلال بن رباح


لتحميل المادة أنقر هنا


التفريغ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فما هي إلا أيام قليلة ويُعلن عن دخول هلال ذي الحجة وحينئذ تدخل العشرة أيام التي هي أفضل أيام السنة فمن عبد الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام العشر -وهي العشر من ذي الحجة- بالذِّكر والعبادة لله سبحانه وتعالى بالحج وهو أفضل أو من أفضل ما يُتعبد الله به في هذه الأيام كان أفضل ممن جاهد في سبيل الله في غيرها ولا يكون الخارج في سبيل الله أفضل منه إلا رجلا خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع بشيء من ذلك، كما روى ذلك البخاري في صحيحه وبن خزيمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني العشر من ذي الحجة "، فقالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا أن يخرج الرجل بماله ونفسه ثم لا يرجع بشيء من ذلك " ففي هذه الأيام العشر تكون هذه الفريضة العظيمة وهي فريضة الحج فليس أحد أفضل من هذا الحاج في هذه الأيام وهو مخلص لله في حجه بأفضل منه عملا مهما عمل إلا أن يكون جاهد في سبيل الله فقتل وذهب ماله فحينئذ يكون أفضل منه ؛ فالحج سيكون في هذه العشرة أيام وكذلك العمرة فأحسنوا فيها العمل وإياكم والغفلة فلا تكون هذه الأيام العشر التي ستأتيكم بعد نحو خمسة أيام لا تكن كغيرها من أيام العام، كان سعيد بن المسيب أو غيره من السلف إذا خلت هذه العشر يجتهد اجتهادا في العبادة حتى يكاد لا يقدر لأنها أفضل أيام العام والعامل فيها أفضل من المجاهد في غيره يعني لو خرج الرجل في غير هذه الأيام العشر مجاهدا في سبيل الله فيؤخذ ماله وقُطعت أطرافه ولكنه لم يقتل فالعامل بالحج والعمرة والصالحات في هذه الأيام أفضل منه إلا إذا قتل وذهب ماله فحينئذ يكون هذا المقتول والذي ذهب عنه المال أفضل منه فهذا يدل على فضل هذه الأيام العشر التي تقع فيها هذه العبادة العظيمة وأعظم ما يهتم العامل في هذه الأيام العشر العبادات التي تجري في اليوم والليلة كأذكار الصباح والمساء فينبغي أن يعتني بها وكذلك قراءة القرآن فهي عبادة سنوية ينبغي للمسلم أن يختم القرآن على الأقل في الشهر مرة ولا أحسن من أن يختم في ثلاثة أيام فلا يختم في أقل من يومين لكن قراءة القرآن ليست عبادة خاصة بهذه العشرة أيام من ذي الحجة بل أنه ينبغي أن يتعبد الله سبحانه وتعالى فيها بالعبادات التي هي من أعمل اليوم والليلة ويجتهد في العبادة فيها فلا مانع من أن يُكثر من التسبيح والتحميد والتهليل وكذلك من الصوم وإن كان الصوم قد جاء فيه حديث يدل على أنه لا ينبغي أن يصام فيها إتباعا للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهره يدل على ذلك وإن كان لذلك فقه وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط أو لم يكن النبي يصوم العشر قط صلى الله عليه وسلم )) فقد يقول من نظر لهذا الحديث ينبغي فعل كل عبادة إلا الصوم لأن النبي ما كان يصوم وقد قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ ولكن الصحيح أنه يصوم في هذه الأيام أو لا بأس بالصيام في هذه الأيام ولا يعتقد أن الصيام فيها من جنس صيام الاثنين والخميس بمعنى أن الصيام مخصوص فيها كما يخصص في الاثنين والخميس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه أنه يواظب على صيام التسع كاملة صلى الله عليه وسلم أو الثلاث البيض، ونسمع بعض العامة يقولون: ‘‘ فلان كان يصوم الاثنين والتسع أيام من ذي الحجة ’’ ويسرد كأن ذلك الصوم سنة راتبة مؤكدة من جنس الاثنين والخميس والثلاث البيض ويوم عاشوراء ونحو ذلك مما جاء فيه التنصيص على الصيام، نعم لا بأس أن يصوم بعضها أو أن يصوم في بعض السنين كلها لكن أن يجعلها من جنس صيام الاثنين والخميس مواظبة فهذا لا أعلم أن النبي فعلها صلى الله عليه وسلم؛ والذي جعلنا نقول بجواز الصيام فيها ما رواه البيهقي في سننه أن رجلا سأل أبا هريرة رضي الله تعالى عنه فقال له: ‘‘ إن عليَّ قضاءً من رمضان وقد حضرت هذه الأيام العشر هل أتطوع أبدأ بالقضاء أم أتطوع بالصيام؟ ’’ فقال: (( اِقْضِ ما عليك )) يعني أبدأ بقضاء الصيام من رمضان أو أبدأ بالتطوع بالصيام في هذه العشر فقال له أبو هريرة : (( اقض حق الله ثم تطوع ما شئت )) فلو كان الصوم ممنوعا في هذه العشر لما أفتاه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه بجواز الصيام في هذه العشر غير الذي في النفس منه شيء أن يُواظب المسلم في كل سنة تجده يصومها كاملو فهذا الذي لم أعلم أنه منقول عن الصحابة رضوان الله عليهم كما كان النبي يواظب على صوم الاثنين والخميس فلو كان يواظب على صيام التسع لنُقِل كما يواظب على صيام الاثنين والخميس وصيام عاشوراء فلمَّا لم يُنقل صار في النفس من المواظبة على ذلك شيء فيصوم بعضها ويترك بعضها ويصوم في سنة كلها وهكذا.. ولا أرى أن الصيام فيها مخصوص فإن النبي صلى الله عليه وسلم تركه فليهتم أحدنا بهذه الأيام العشر وليتعبَّد الله سبحانه وتعالى في لياليها وأيامها ولا يمل ولا يكل ولا يغفل فإنها سرعان ما تنقضي سبحان الله كيف يُضاعف فيها العمل حتى يصبح العامل فيها أفضل من المجاهد الذي جُرح في سبيل الله وأخذ ماله، فهذا يدل على أنها أفضل أيام العام كما قال شيخ الإسلام في المقارنة بين العشر من ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان فقال: (( ليالي العشر الأخيرة من رمضان أفضل من ليالي العشر من ذي الحجة، وأيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان )).
فليضع المسلم بين ناظريه هذه الأيام بعين الاهتمام من أول ليلة تدخل ليلة الواحد من ذي الحجة ومن أعظم ما يتقرب إلى الله فيها لمن كان حاضرًا الأضحية فإذا دخلت أو رأى أحدنا هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فليمسك عن شعره وعن أظافره وعن بشرته فلا يأخذ من ذلك شيئا كما جاء في الحديث حديث أم سلمة الذي خرجه مسلم في صحيحه " إذا رأى أحدكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره " أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولا بأس أن يجامع فإنه إنما جاء التنصيص على الشعر والأظافر ولا بأس أن يجامع وأما إذا كان حاجًّا وسيتمتع فلا يقولن في نفسه لن أقصر شعري في العمرة التي سأذهب في اليوم الرابع من ذي الحجة أصنعها فلن أقصر لأني سأضحي! فنقول له: (( الأضحية على من كان حاضرا في بلدته، وأما إذا سافر للحج فعليه هدي فلا يجمع بين الهدي والأضحية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الهدي والأضحية، فالهدي خاص بأهل منى والأضحية خاصة بمن حضر في البلد ))؛ فحينئذٍ يقص شعره إذا قدم عمرة التمتع على الإهلال بالحج يوم التروية فليقص شعره ثم أن الذي يمنع من قص الشعر فقط المضحي لأن النبي علق الحكم به فقال: " وأراد أحدكم أن يضحي " فأما أهله فلا إرادة لهم لأنه لو شاء أبطل الأضحية ولو شاء أبقاها فلا إرادة لأهله حقيقة، فالأضحية معلقة بالمضحي فهو الذي يمسك من شعره وأظافره أنا أهله فلا بأس أن يأخذوا من شعرهم ومن أظافرهم.
وأعظم ما يتقرب به إلى الله غير الحج والعمرة والأضحية الاهتمام بالفرائض وأدائها في وقتها جماعة الخشوع فيها فإذا خضرت صلاة فريضة ولو الظهر في عملك وأنت في الأيام العشر فاهتم بها فإنك في العشر أكثر مما تهتم في غيرها بالخشوع وأداء السنن في الصلاة فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أو عن غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الله: " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من مثل ما افترضته عليه " فأفضل ما تتقرب به إلى الله في هذه الأيام العشر ما افترضه الله عليك، ولذلك أنظر إلى فقه أبي هريرة لما قال له الرجل إن عليَّ أياما من رمضان لم أقضها أبدأ بالقضاء أو التطوع في العشر؟ قال: (( اِقْضِ حَقَّ اللهِ )) فإنه ما يتقرب إلى الله بشيء مثل ما افترضه الله عليه، فعليه أن يهتم بالفرائض اهتماما بالغا أوَّل ما يضع نُصب عينيه من العمل الصالح الفرائض فيقدمها على كل شيء فمن كانت من النساء عليها حيض ولم تقضه تبدأ بقضاء الأيام التي لم تصمها في رمضان ثم بعد ذلك تتطوع ما شاءت.
فينبغي أن يُفرِّغ الإنسان نفسه من الآن ويُعمل فكره ماذا سيفعل في هذه الأيام العشر ويبعد عن الشواغل فإن كان له مواعيد لقاءات وولائم وقيل وقال يؤجلها ويفرغ نفسه من الآن فإنه عنده خمسة أيام يفكر كيف يتفرغ في هذه العشر من الشواغل فلا يضرب مواعيد للنزه ومواعيد للقاءات والمزاح وكثرة الكلام فيها وهي أفضل أيام السنة وتمضي سريعا وقد تكون آخر أيام العبد في هذه الحياة الدنيا ومن يدري كم يُعمَّر الإنسان بعدها؛ وكذلك الإكثار من الذِّكر وبخاصة التكبير فقد روى البخاري في صحيحه أو ذكره معلقا عن ابن عمر وابن عباس أو عن أبي هريرة وابن عمر أنهما كانا يخرجان إلى السوق فيكبِّران ويكبر الناس بتكبيرهما فمن السنة في هذه الأيام إفشاء التكبير في الأسواق والشوارع والبيوت وهذه من السنن الميتة في هذه الأيام العشر.
ومن ذلك من أعمال اليوم والليلة أنه يمكن البقاء في المسجد حتى تشرق الشمس سواء في درس علمي أو في ذِكر عملا بالحديث الذي خرجه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين " أو كما قال صلى الله عليه وسلم وخرجه الطبري أيضا وله شواهد وهو حسن لغيره كما قال العلامة الألباني رحمه الله.
ومن ذلك من أعمال اليوم والليلة صلاة إحدى عشر ركعة كل ليلة فإنه خرج مسلم في صحيحه عن عائشة أنها كانت تقول: (( ما زاد النبي عن إحدى عشر ركعة في رمضان ولا في غيره )) ودخل في ذلك العشر من ذي الحجة فيصلي إحدى عشر ركعة هذا أعلى ما ذُكر عن النبي، فيُطوِّل في القراءة فإنه إذا قرأ بعشر آيات في تلك الليلة لم يكتب من الغافلين وإذا قام بمائة آية كُتب من القانتين وإذا قام بألف آية كُتب من المقنطرين؛ فله أن يأخذ المصحف ويقرأ ثلاث أرباع الليل أو نصف الليل المهم حتى يكتب من المقنطرين يقرأ بألف آية ولا بأس أن يقرأ من السور التي آياتها قصيرة المهم أن النبي لم يفرِّق في المقنطرين بين أن يقرأ ألف آية من الآيات الطويلة أو الآيات القصيرة فله أن يحصي ألف آية من الآيات القصيرة فيكتب تلك الليلة من المقنطرين لكن الذي يقرأ من الآيات الطويلة كالبقرة وآل عمران أنه أكثر أجرا لأن الكلمات كثيرة والأحرف أكثر فيكتب له بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها.
فهذا ما أردت في بداية هذه الدورة أن أنبِّه عليه حتى لا ننسى، دورتنا هذه المقامة والخاصة بهذا المسجد في شرح كتاب المناسك من زاد المستقنع أردت أن أبين في بدايتها فضل هذه العشر وأن من أفضل ما يتقرب فيها إلى الله أداء المناسك الحج والعمرة فإنها ستقع في هذه الأيام التي العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها.

أم سمية 10-05-2012 02:54AM

التتمة
 
قال المصنف رحمه الله كتاب المناسك اقرأ.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قال الشيخ شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد الحجاوي الصالحي الدمشقي الحنبلي رحمه الله في كتابه زاد المستقنع باختصار المقنع كتاب المناسك.
الشرح: كتاب المناسك: المناسك جمع مفرده منسَك والمنسك هو مكان العبادة أو زمانها ويطلق على التعبُّد وجاء في قوله تعالى:﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا ﴾ أي متَعبدا يتعبدون فيه ويطلق على الذبيحة أو على الذبح كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ﴾ أي ذبحي تسمى الذبيحة نسيكة وجعل المنسك ما يتعلق بالحج والعمرة لمَ؟ لأن فيهما الهدي والفدية وهما من النسك الذي هو بمعنى الذبح فقوله: الحج والعمرة واجبان. كلام المصنف رحمه الله في حكم الحج والعمرة فقال: واجبان أما الوجوب في الحج فمتفق عليه بالكتاب والسنة والإجماع، هل يصح أن نقول والفطرة والعقل؟ كلا لأن هذا شيء يتعلق بالسمع، الفطرة والعقل في مثل علو الله سبحانه وتعالى على خلقه فنقول بالكتاب والسنة والإجماع، وأما العمرة فاختلف فيها الفقهاء رحمهم الله على قولين؛ فلنبدأ بالحج ودليل وجوبه، دليل وجوبه قول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ﴾ فهو واجب بقيد الاستطاعة فمن لم يستطع إليه سبيلا فلا يجب عليه الحج وعلى ذلك فليس لأحد أن يسأل الناس ليحج ويقول ما حججت تبرع علي هذه من المسألة المذمومة المحرمة، وأما إذا عرض عليه إنسان ملا ليحج فله أن لا يقبله لأن ذلك منة قد يؤدي إلى المنة وهو غير مستطيع والهبة إنما تجب بالقبول أما إذا قبل الهبة وتملكها فهو مستطيع يجب عليه الحج فإن الهبة تجب بالقبول، فإنسان أخرج لك من جيبه ثلاثة ألاف وقال اقبل هذه الهبة مني لتحج فأنت بين أمرين: إما أن تأخذ ثلاثة ألاف فإذا قبضتها فأصبحت ملكا لك فإذا قبلتها أصبحت ملكا لك وحينئذ يكون الآخذ لها مستطيعا ويجب عليه الحج لأنه أصبح مستطيعا أما قبل القبض فلا تلزمه ولا يلزمه قبول الهبة لأن في ذلك منة وإنما الحج لمن استطاع إليه سبيلا وانتشر عند بعض العامة أنه لا يجوز الحج بمال الغير تبرعا حتى سمعنا قائلهم يقول لن أحج إلا بمالي الخاص فيعرض عليه الحج مجانا فيقول لا يجزئني يظن أنه لا يجزئه حتى يحج من ماله الخاص وهذا الكلام ليس له أصل بل متى ما تمكن من هذه الفريضة ولو من ماله غيره فله أن يقبل لكن لا يلزمه قبول التبرع لكي يحج وإنما الحج لمن استطاع إليه سبيلا.
وكذلك العمرة تجب لمن استطاع إليها سبيلا فهي من جنس الحج فلا تجب على من لا يستطيع وسنذكر حد الاستطاعة والدليل على وجوب الحج قوله قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ فقوله:{ عَلَى النَّاسِ } أي يجب عليهم حج بيت الله سبحانه وتعالى، وقوله: { وَمَنْ كَفَرَ } ليس معناه أن من لم يحج فقد كفر وإنما معناه من جحد كما قال ابن عباس وعليه تارك الحج على قسمين: إما أن يجحد وجوبه فهذا كافر والله غني عنه وإما أن يعتقد أن الحج واجب عليه فيتركه تكاسلا فهذا بين قولين: من قال أن الحج على الفور أثَّمه ومن قال على التراخي فإنه يلزمه بالحج إذا بقي في زمن يمن يغلب على الظن أنه لا يبقى أكثر منه والصحيح في هذه المسألة أن الحج يجب على الفور خلافًا لمن قال أنه على التراخي كالشافعي والدليل أنه على الفور قوله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " والأصل في الأمر في الكتاب والسنة أنه على الفور ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أمرهم في عمرة الحديبية لما صدوا عنها أن يتحللوا بالنحر والحلق وأبوا غضب فلو كان الأمر على التراخي لما غضب النبي فدل على أن الأمر إذا أطلق في الكتاب والسنة أنه على الفور، ولذلك يحرم على الرجل المزكي إذا بلغ ماله النصاب وحال عليه الحول فلا يجوز له أن يؤخر الزكاة يجب أن يزكي على الفور لأن الله قال: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } فالأصل في الأوامر في الكتاب والسنة أنها على الفور ويدل على ذلك أيضًا ما رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه سلم قال: " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " وأما المخالفون القائلون بأنه على التراخي فلهم أدلة منها: أنهم قالوا أنه لم يحج النبي في الوقت الذي فرض فيه الحج وهو في السنة التاسعة فحج في السنة العاشرة فلو كان على الفور لحج النبي في التاسعة فكونه يحج في العاشرة هذا يدل على التراخي فهذا يصرف الأمر عن الوجوب على الفورية كونه أخره للسنة العاشرة صلى الله عليه وسلم ولأنه كالصلاة ، الحج فرض كالصلاة فكما أن الصلاة يسوغ فيها التراخي وقد جاء في وقت محدود فقال: { ِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } أي مؤقتا فالحج لم يُجعل له وقت فعليه فوقته طوال العمر؛ والجواب عن هذا أن يُقال أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك الحج في السنة التاسعة لأمرين:
الأمر الأول أنها كانت سنة الوفود فكانت تأتيه الوفود فيعلمهم ليعلموا أقوامهم الشريعة وهذا فرض على النبي تعليمهم فقدمه وهو أوجب عليه صلى الله عليه وسلم فكذلك إذا تعارض على المسلم واجبان يقدم الأحق الواجب الأحق كأن تناديه أمه ويناديه أبوه يا حمزة تعال، الأم تقول في حجرة وفي نفس الوقت الأب في حجرة ثانية يا حمزة تعالى فيجب عليه أن يقدم حق الأم فيذهب ويقول للأم أجبتك واصبري لعلي أجيب الأب وأرى ماذا يريد، ويستأذنها فيقدم حق الأم على حق الأب وكذلك الزوجة تقدم حق الزوج على حق الأم فلو ناداها زوجها أن تحضر إلى منزله لأنه قد حضر من العمل وهي في زيارة أمها فقالت أمها اجلسي نسمر والزوج يقول ائتي فواجب عليها طاعة الزوج ومعصية الأم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ولم يقل لأمها وذلك من عظم حق زوجها عليها " ولو كان زوجها قروحا وقيحا فلعقته ما أدت حقه " حتى أنه سمعت امرأة بذلك فقالت: لن أتزوج من شدة حق الرجل على المرأة فقدم النبي حق تعليم الوفود فإنه يفوت وهو واجب عليه ثم أن الوجه الثاني أو الأمر الثاني أنه حج في ذلك العام من المشركين نفر وكانوا لا يتأدبون في حجهم فغير لائق بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يحج في وسط هؤلاء العراة الذين لم يعظموا دين الله ولذلك أبا بكر أن يتكلف يوم النحر هو طائفة من الصحابة يؤذنون في الناس في السنة التاسعة أذَّن فيهم في يوم النحر أن لا يطوف بالبيت مشرك ولا عريان ، لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان أو كما قال، فتلك السنة كانت تمهيدية لحج النبي سيد البرية صلى الله عليه وسلم فأجل النبي الحج لأجل هذا العذر والرجل لا يدري متى يموت حتى يقول يكون على التراخي لأنه لا يدري ما يعرض له قد يعرض له الموت ومطلوب منه الحج والتبكير به لتبرأ ذمته وقد قال الله تعالى: { َاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ} هذا أمر { أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ} وقد قال عمر: (( من وجد جدة فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا )) أو كما قال فهذا يدل على أنه على الفور لأنه قال من وجد فلم يحج فعلق الأمر بوجود القدرة رضي الله عنه فيصلح أن يكون هذا مذهبا لعمر بن الخطاب فما سمح له بالتراخي قال أول ما يجد يحج فإذا لم يفعل ثم مات حينئذ دعا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا أو كما قال؛ قال ابن حجر: (( وهذا محمول على من استحل ترك الحج )) يعني يموت يهوديا أو نصرانيا من استحل ترك الحج فإذا كان ذلك كذلك وعُلم بالكتاب والسنة والإجماع فرض الحج فما حكم حينئذ العمرة وقبل ذلك ما الحج؟ بعضهم عرف الحج بقوله قصد مكة لعمل مخصوص فانتقض هذا التعريف قيل هذا قاصر؛ لأنه قد يقصد مكة بعمل مخصوص كالتجارة لكن لو قيل التعبد لله بأداء المناسك بأوقاتها على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أوقاتها يعني المخصوصة كليلة منى تبيت في منى وعرفة تقف في وقتها وما كان موسعا كطواف الإفاضة على قول أنه يجوز تمديده إلى ما بعد الحج وقول أنه لا بد أن يكون في شهر الحج فلا يزيد عليه فحينئذ تكون هناك من المناسك ما هو مؤقت ومنها ما هو موسع فلا بد حينئذ من أن أداء الشيء المؤقت في وقته كالمبيت في مزدلفة وفي منى والوقوف بعرفة .
أما العمرة فهي في اللغة الزيارة وفي الاصطلاح التعبد لله بقصد مكة بأعمال تعبدية مخصوصة كالطواف والسعي والحلق والتقصير والإحرام بذلك ، فإذن هذه هي العمرة ذاك الحج، والعمرة فرض في أصح قوليه أهل العلم وذلك لأن الله عز وجل قال في كتابه: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ} فهنا قال الشارح رحمه الله: وهذه الآية لا تدل على وجوب العمرة وانتقد الوجوب استدلالا بهذه الآية لأن مقصود الآية الإتمام وليس الإقامة فإنه قال: { وَأَتِمُّوا } أي إذا دخلت في نسك العمرة فأتموها والرد على الشارح رحمه الله من وجهين:
الوجه الأول: أن فهم ابن عباس للآية مقدم على الشارح فإن ابن عباس قال: (( العمرة فرض مرة في العمر فإنها قرينة الحج في كتاب الله )) ففهم الوجوب وهو حبر الأمة وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلمه الله سبحانه الكتاب فقال كما في صحيح البخاري: " اللهم علمه الكتاب " فخرج الطبري عن ابن مسعود بإسناد صحيح أنه كان يقول: (( نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاس )) ولم يعلم له مخالف في فهم هذه الآية بإيجاب العمرة أخذا بها ويدل على ذلك أيضا على غلط ما ذهب إليه الشارح رحمه الله من قوله لا يُستفاد من هذه الآية وجوب العمرة قراءة أخرى لابن مسعود بإسناد صحيح: { وأقيموا الحج والعمرة } من جنس قوله: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } فهذا يدل على الوجوب وجوب العمرة وشارك في هذا المذهب عبد الله ابن عباس ابن عمر شاركه في وجوب الحج والعمرة وأنهما حتم فهذا أصح القولين في هذه المسألة؛ ومن اعتمر عمرة التمتع أجزأته عن عمرة الإسلام ولكن قل من يعرف من العامة وجوب العمرة عليه وأنه لا بد أن يأتي بعمرة الإسلام في حياته وإن كان الشارح قد استدل على وجوب العمرة بحديث آخر خرجه البخاري في صحيحه وهو عن عائشة حين قالت للنبي هل على النساء جهاد؟ قال: " نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة " فقال عليهن فدل على الوجوب لكن هذا الحديث قد خرجته وجمعت طرقه فوجدت أنه شاذ بهذا اللفظ فلا يصلح دليلا للوجوب والمعروف أنه قال: " لكن أفضل الجهاد وهو حج مبرور " أو كما جاء فروي بلفظين هذا اللفظ شاذ فاللفظ الأصح بهذا اللفظ الذي ذكرت لكم أو بلفظ غيره لكن هذا الذي يحضرني أنه شاذ فذلك لما جمعت في وجوب العمرة الأدلة لم أستدل بهذا وجدت أنه شاذ ويكفينا قول ابن عباس الذي لم يُعرف له مخالف في فهم الآية رضي الله عنه. اقرأ.

أم سمية 10-05-2012 02:55AM

التتمة
 
الحج والعمرة واجبان على المسلم الحر.
الشرح: قال رحمه الله على المسلم الحر وذلك أن الكافر لا يجب عليه الحج ولا تجب عليه العمرة من جهة المخاطبة بالأداء وهو كافر وأما الإثم وزيادة العذاب عليه في الآخرة فهو تحت التكليف ويدل على ذلك قول الله تعالى لما سئل أهل النار { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴿٤٢﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿٤٣﴾ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴿٤٤﴾ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴿٤٥﴾ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } فالتكذيب بيوم الدين كفر أكبر لكن ما قبلها من الفروع فدل ذلك أنهم يؤاخذون من جهة زيادة العذاب كما قال النووي أو غيره أما من جهة أن يكلفوا بالعمل فلا لأن النبي لم يقل لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن مرهم أن يصلوا وأن يزكوا أمرهم أولا بالإسلام ثم أمره أن يأمرهم بعد دخول الإسلام بأداء الصلاة فهم غير مخاطبين بالأداء لكن من جهة زيادة العذاب عليهم نسأل الله العافية وبدل على ذلك أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار حيث أنهم كانوا مخاطبين بترك النفاق وهو زيادة في الكفر فلما زادوا على كفرهم النفاق انحطت مرتبتهم زيادة في التعذيب حتى أن كانوا في الدرك الأسفل فهذا دليل أنهم مخاطبون من جهة زيادة العذاب عليهم وإن كانوا لا يؤمرون بالعمل إلا بعد الإسلام.
فأمر الكافر بأعمال الشريعة كالزكاة والحج وهو كافر بدعة كأن يقول للرجل النصراني الكافر تعال السنة حج معنا تعال لعل الله يفتح عليك هذا بدعة لأن النبي لم يقل لمعاذ مُرهم بالصلاة أمرهم بالصلاة بعد التوحيد فخطأ قد يعمل بعض هؤلاء الدعاة المجتهدين الذين لم يطلبوا العلم أشياء غريبة في هذا فلا أستبعد أن يصنعوا مثل هذا كيف وقد جاءني رجل يزف البشرى في زعمه لي أنه قد أسلم في الصين أو في كوريا أو لا أدري ما البلدان نسيتها آلاف! كيف؟ يأتي أحدهم إنسانا ويقول له قل لا إله إلا الله ولا يشرح له معناها أهم شيء أن يتحرك بها لسانه ولا يعرف معناها وهي كالطلاسم بالنسبة له؛ يقول سبحان الله أوَّل ما يقول لا إله إلا الله وإذا به بعد فترة يسلم. المهم كلام وقصص غريبة لا تقوم على أساس لأن لا إله إلا الله لا يكفي فيها النطق فهذا مذهب الكرَّامية لا بد مع النطق الانقياد القلبي فلا يكفي أن ينطق بها اللسان ولما يؤمن بها الجنان ويعرف معناها وإلا كان إيمانه من جنس إيمان المنافقين كانوا أمام مجلس الرسول يصلون ويشهدون أن لا إله إلا الله في الظاهر لكن لم تنفعهم، المقصود أنه ينبغي للدعاة إلى الله قبل أن يدعوا إلى الله أن يطلبوا العلم ويصبروا في طلبه ولا يستعجلوا في دعوة الناس من غير طلب العلم كما تفعل جماعة التبليغ وغيرهم ممن يسلك نحو طريقتهم.
قال على المسلم الحر فمعنى ذلك أن العبد لا يجب عليه الحج ويدل على ذلك أثر ابن عباس روي موقوفا وروي مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم: " أيما عبد حج فأعتق فعليه حجة أخرى " فهذا يدل أن حجته وقت الرق كانت غير مقبولة وهذا يرد على من قال: (( إذا أذِن له سيده فلا حرج )) لأن النبي لم يفرق أو ابن عباس فإنه يروى هذا الأثر موقوفا ومرفوعا ما فرق بين كونه أذِن له سيده أو لم يأذَن كما لم يفرق في الصغير أذِن له والده أم لم يأذَن فلا بد أن يتحرر حتى يصبح الحج واجبا عليه إنما يجب على المسلم الحر. اقرأ.
المكلف القادر.
الشرح: المكلف: يجب على المكلف وهو البالغ العاقل هذا هو المكلف الذي هو مسلم بالغ عاقل فلا يجب الحج على الصغير ولا يجب الحج على المجنون ولكن لو حج الصغير حتى لو كان لا يقدر على الجلوس يحمل حملا ابن سنة فإنه يقبل حجه لأنه في هذه الفترة كما قال الصنعاني صاحب كتاب سبل السلام: (( يكتب له قلم الثواب لكن لا يكتب عليه قلم العقاب )) وإن كان يضمن لو صير ترك في الشارع لم ينتبه له والده فأخذ يرمي السيارات بالحصى وكسر الزجاج فقيل يضمن إذا كان في وقت يعلم والده أنه ينبغي أن يحفظه ويصونه المقصود أما في الحج فإذا أخذ الصبي معه فإنه إما أن يقدر الصبي على الحج بنفسه تمييزا فعلمه الإحرام قل يا ولد لبيك حجة ويلقنه معنى أنه يحرم ويقول لبيك حجة معناه أنه إذا قلت كذلك أنك تنوي بعد هذه الكلمة والتلفظ بالنسك أن لا تقص شعرك ولا تضع الطيب وأن لا تلبس محيط كالسراويل والثوب ونحو ذلك فيلقنه فحينئذ يجب على ولي أمره أن يلقنه وأن يحج بنفسه ويرمي بنفسه وأما إذا كان صبيا لا يعقل فيحرم عنه وإذا جاء إلى الطواف فقيل يطوف عن نفسه مرة وعن صبيه مرة أخرى ولكن الحق الذي يظهر أنه يجزئه عن نفسه وعن صبيه لأن المقتضي قام لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة التي رفعت صبيها كما في مسند الإمام أحمد صبيها للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ألهذا حج؟ فقال: " نعم، ولك أجر " لم يقل لها لكن إذا جئتِ للطواف فطوفي طوافين مع أن العادة تجري أنها حاملة له في الطواف وأنها ستحج عنه لم يقل لها عليك طوافين عليك أن تطوفي مرتين مرة لك ومرة للصبي وإلا سيتأخر بها وقت الحج فاستصحاب الحال يقتضي أن يقال لا بأس أن تطوف عن نفسها وعن ولدها الصغير، لكن وقت الرمي كذلك كما قلنا إن تمكن الصبيان أن يرموا يمكنون من الرمي وإن لم يتمكنوا لضعفهم رُمي عنهم كما جاء عن الصحابة من تمكن في عصرهم من الرمي من الصبيان رموا وإلا رمى الصحابة عنهم فإذن الصغير لا يجب عليه ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما غلام حج فبلغ فعليه حجة أخرى " وهذا يروى مرفوعا أيضا وموقوفا فهذا يدل على أن وقت الصغير " أيما صغير " أو قال " غلام حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى " فهذا يدل على أنه لا يجب عليه الحج وهو صغير ويجب عليه أن يعيد تلك الحجة المكلف وهو البالغ العاقل.
العاقل: فلا يجزئ من مجنون فإنه لا يميز المجنون ليس من أهل العبادة و هل يُحج عن المجنون قيل يحج عن المجنون كما يحج عن الصبي لكن متصور وجود المجانين في عهد السلف فلم أذكر أن أحدا من السلف مع حبهم للخير حج عن مجنون ما جاء الحج إلا عن الصبيان كما في الحديث وعن الآباء أما عن المجانين فلا أذكر أن أحدا من السلف حج عنهم فليترك ولو على سبيل الاحتياط الحج عنهم لأنه لم يكن فيما أذكر من عمل السلف رحمة الله عليهم.
قال: القادر، لأن الله سبحانه وتعالى قال: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ } فهذا القادر إما أن يكون غنيا قويا في بدنه فهذا يلزمه الحج بنفسه إذا كان قويا قادرا في بدنه كأن يكون بجانب المشاعر مثلا فهذا لا تلزمه راحلة يكون قويا ببدنه بنفسه فيقدر على الحج بنفسه وعنده من المال ما يأكل به ويشرب في هذه الفترة وكذلك يضع عند أهله من المال ما يقتاتون به خلال غيابه حتى يرجع إليهم فهذا يجب عليه الحج.
الثاني: يكون قادرا ببدنه دون ماله يعني الأول يكون غنيا وقويا يعني قادر بماله وببدنه فهذا يلزمه الحج، الثاني يكون قادرا ببدنه لكن ليس عنده مال فهذا إن لم يقدر على المشي في المشاعر لأنه يحتاج أكلا وشربا في عرفة وفي.. فهذا لا يقدر فلا يلزمه أما إذا كان عنده من المال ما يقدر على الطعام والشراب ولو كان قويا ببدنه يستطيع الحج في المشاعر فإن كان مستطيعا وليس عنده مال لكن عنده مال فقط يكفيه لعشائه وما يحتاج إليه في الطريق من زاد فهذا يجب عليه الحج ولا تجب عليه الراحلة.
الثالث: أن يكون قادرا بماله عاجزا ببدنه، عنده مال لكن لا يقدر أن يحج ببدنه فهذا يلزمه أن ينيب، ما الدليل على ذلك حديث الخثعمية الذي خرجه البخاري في صحيحه أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا كبيرا لا يستطيع الركوب على الدابة أفأحج عنه فقال: " حجي عنه " فأقرها النبي على قولها أدركته فريضة الحج ولو أنها لا تلزمه فريضة الحج بالنيابة لقال لا تلزمه لكن أقرها على قولها أدركته فريضة الحج على عباده؛ فهذا يدل على أنه ينيب إذا لم يقدر على ذلك ببدنه.
الرابع أن يكون عاجزا بماله وبدنه وهذا يسقط عنه الحج لقوله تعالى: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ }.
والحج مرة فما زاد فهو تطوع كما في سنن أبي داود. قال على الفور.

أم سمية 10-05-2012 02:58AM

التتمة
 
في عمره مرة على الفور.
الشرح: ويدل على أنه في عمره مرة الحديث الذي خرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " فقالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ قال الراوي فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثا، فقال له: " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم وسؤالهم أنبياءهم، فما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن نهي فاجتنبوه " فهذا يدل على أن الحج فرض مرة واحدة في العمر وكذلك ما رواه أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الحج مرة فما زاد فهو تطوع " وكذلك العمرة مرة فما زاد فهو تطوع وهذا يدل على أن ما ذهب إليه الجمهور ومنهم حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أنه يجب على كل من دخل مكة إحرام هذا قول ابن عباس وهو في الحقيقة قوي ولذلك ابن القيم في زاد المعاد أعرض عن ذكر صارف له لأنه لم يجد مخالفا لابن عباس فلذلك ذكر القول وذكر قول الجمهور أنه لا يجوز دخول مكة إلا بإحرام ثم أعرض عن الرد عليه؛ فلا بد لمن أراد أن يدخل مكة لزيارة أو لشيء أن يحرم بالعمرة على قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه لكن بعضهم قال: هذا الوجوب فيه نظر لأن النبي قال: " الحج مرة فما زاد فهو تطوع " فعلى ذلك أنه لا يحرم وجوبا إلا مرة وبعد ذلك لا يجب عليه الإحرام.
ما دليل وجوب الحج بالمال على العاجز بالبدن؟ يعني رجل عاجز ببدن لكن عنده مال ما الدليل على أنه يلزمه أن ينيب ابنه يعطيه مالا ليحج ويشترط في هذا المُنيب أن يكون ممن لا يقدر على الثبوت على الراحلة ومريض مرضا لا يُرجى بُرؤه أو شيخ كبير لا يقدر الركوب على الدابة فحينئذ يُنيب، ما الدليل على وجوب الإنابة فهو غير قادر ببدنه لكن مستطيع بماله فيجب أن يُنيب إنسانا ليحج عنه والأفضل أن يكون ابنه؟
المجيب: حديث الخثعمية.
الشيخ حفظه الله: لكن ما هو وجه الدلالة في الحديث؟
المجيب: قول النبي لها: " حجي عنه ".
الشيخ حفظه الله: ليس هذا وجه الدلالة، لأنه للمعترض أن يقول لك قوله لها: " حجي عنه " في مقابل جواب عن سؤال مثل ابنك الصغير إذا قال لك: ‘‘ يا أبي أريد أن أخرج الآن لأشتري حلوى ’’ فقلت له: ‘‘ أخرجْ ’’ فهل هذا يدل على الوجوب؟ لا يدل لأنه جواب عن سؤال فلا يدل في علم أصول الفقه على الوجوب، وإنما هناك شاهد من حديث الخثعمية هذا يدل على وجوب الحج للمستطيع بالمال أن يُنيب عنه يعني بالإنابة أين موضع الشاهد؟ أنا أتلوا على مسامعك الحديث: روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الحج على عباده شيخا كبيرا لا يستطيع الركوب على الدابة أفأحج عنه؟ فقال: " حجي عنه " أين الشاهد الذي يدل على وجوب الإنابة؟
المجيب: " حجي عنه ".
الشيخ حفظه الله: قلنا هذا جواب عن سؤال لا يدل عليه.
المجيب: أدركته فريضة الحج.
الشيخ حفظه الله: فتح الله عليك، لما قالت الخثعمية: إن أبي أدركته فريضة الحج؛ أقرَّها النبي أنه لازم عليه فريضة الحج مع كونه شيخا كبيرا عاجزا فأقرها على أن الفريضة أدركته وأنها واجبة عليه ولكن هنا بماله فأقر الحج عنه بالمال فهذا الإقرار يدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله يجب أن ينيب من يحج عنه وهما على قسمين:
القسم الأول: مريض مرضا لا يرجى برؤه لا يستطيع معه الثبوت على الراحلة، فإذا ركب في الطائرة يصيبه غثيان شديد ومشقة وإغماء وكذلك في السيارة؛ في الأول كان مطلقا بمعنى أنه الدابة تحتاج إلى تمكن بمجرد ما يركب على الدابة من ضعفه يسقط، فهذا لا يجب عليه الحج، قالوا الآن لا يسقط لأنه إذا ركب في الطائرة وربط الحزام فإنه يتمكن من الركوب فلا يجري عليه الحكم الذي جرى على غيره في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان لا يستطيع الركوب على الدابة الذي يسقط منها؛ فأجيب أنه وإن كان ذلك كذلك لكن هناك حالة يُعذر بها وهي أن البعض إذا ركب في الطائرة أو السيارة على الكرسي يصيبه إغماء وإعياء وغثيان فهذا من هذه المشقة الشديدة لا يجب معها الحج بالبدن إذا كان لا يرجى برؤه وهو على هذه الحال ينيب عنه وجوبا إذا كان قادرا بماله. وقد ذكرنا الدليل على وجوبه في العمر مرة ثم قال:
على الفور.
فهذا أصح القولين أنه يجب الحج على الفور وقد أجبنا في بداية الدرس على من قال أن الحج على التراخي ليس على الفور وذكرنا الرد على ما استدلوا به عليه من أدلة فدل على أن الحج على الفور حديث ابن عباس الذي خرجه أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " تعجلوا الحج فهذا يدل على أن الحج على الفور ويا حسرتاه على قوم سمعت أنهم في مكة عشرين سنة أو ثلاثين سنة لا يحجون بيت الله وهم قريبون من المشاعر أي قسوة قلب هذه؟!! المشاعر قريبة منهم وهم يبيعون ويشترون ويغفلون وعن حج بيت ربهم معرضون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أم سمية 10-05-2012 03:00AM

فإن زال الرق والجنون والصبا في الحج بعرفة.
الشيخ حفظه الله: نعم فإن زال طيب أكمل.
وفي العمرة قبل طوافها صح فرضا.
الشيخ حفظه الله: إذا قرأ قارئ في المتون ينبغي أن يأتي بالجملة تامة والجملة لا تكون تامة إلا إذا كان لها معنى، ولذلك أنكر العلماء على الصوفية أنهم يذكرون الله باسمه المفرد فقالوا هذه ليست جملة تامة لا مسند ولا مسند إليه ليست مبتدأ وخبرا وليست جملة اسمية وليست جملة فعلية ليس فيها معنى ‘‘ الله، الله.. الله..’’ ليس فيها معنى قال ابن تيمية: (( وهذا بدعة، فلم يأتِ هناك دليل على ذكر الله باسمه المفرد )) فلا بد أن تكون الجملة لها معنى؛ تعلقوا كما جاءني إنسان وهذا يا إخواني الذي نقول أنه ينبغي للرجل أن يحذر منه وهو السماع لأهل الأهواء فسمع إنسانا في القنوات في بعض المشاهدات التلفزيونية أو القنواتية يقول لا بأس من ذكر الله باسم المفرد ألم يقل الله في كتابه: {قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ } الله أمرك أن تقول الله الله الله { قُلِ اللَّهُ ۖ} ’’ فالتبس الأمر على البعض ربما وذكر لي قريبا إنسان يسأل يقول: خرج رجل في القنوات اسمه كذا جمعة يعني مفتي في بعض البلدان فيقول أنه لا بأس من ذكر الله باسمه المفرد الله الله الله وذكر هذه الآية: { قُلِ اللَّهُ ۖ} هذه الآية ليس فيها دلالة على ذكر الله باسمه المفرد لأن السياق والسباق في الآية يتكلم عن القرآن فلما جاء إلى هذا الموطن وهو قوله: { قُلِ اللَّهُ ۖ} قال السيوطي: (( هنا فعل محذوف تقديره نزَّل )) يعني قل الله نزَّله وليس قل الله الله الله؛ فإذن لا بد من أن تكون الجملة تامة قال المصنف:
فإن زال الرق والجنون والصبا في الحج بعرفة وفي العمرة قبل طوافها صح فرضا.
قد قلنا أن الرقيق لا يجب عليه الحج لذاك الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا وعن ابن عباس قيل موقوفا أن من حج ثم عُتق أو أُعتق فعليه حجة أخرى فليس عليه الحج فرضا لكنه لو زال عنه الرق في عرفة فإنه يصح عنه فرضا يقبل من الإحرام الذي أداه في وقت التنفُّل لأن الأصل بقاء الإحرام ثم بعد ذلك زال عنه الرق في عرفة فيصح عنه فرضا أما إذا أفاض من عرفة واحتلم بليلة مزدلفة بليلة النحر فقال لوالده: ‘‘ رأيت كذا وكذا ’’ فعلم والده أن الولد قد بلغ أو أعتقه سيده ليلة النحر فهنا ماذا يجب عليه أو ما ينبغي له حتى يسلم له حجه؟ يرجع لعرفة لأنه يجوز الوقوف بها بالليل لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أتعبت نفسي وأكللت راحلتي فما تركت من جبل إلا وقفت عليه. كان جاهلا بالمشاعر يقف بكل مكان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من شهد موقفنا وصلى صلاتنا وكان قبل ذلك قد وقف بعرفة أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه " فينبغي أن يرجع لعرفة ويقف بها ساعة ويتم حجه. وكذلك في العمرة، العمرة متى تكون فرضا؟ على الحر والبالغ وقد ذكرنا في الدرس شيئا يغفل عنه الكثير أن أصح الأقوال في العمرة أنها تجب مرة في العمر وهذا مذهب بن عمر وبن عباس فقال ابن عباس: (( العمرة واجبة وإنها لقرينة الحج في كتاب الله )) يعني قوله: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ} وكذلك ابن عمر ولا يُعرف لابن عباس مخالف من الصحابة في فهم الآية وقد أثنى عليه النبي ودعا له بقوله: " اللهم علمه الكتاب " فالحق أن العمرة فرض على الإنسان في العمر مرة هذا أصح القولين في ذلك فإذا احتلم الغلام قبل طواف العمرة يعني أحرم من قرن المنازل ثم في الطريق رأى الوالد أن يبيتوا في العمرة وهذا غلام صغير ثم قام أيضا بالليل رأيت شيء كذا وكذا. قال يا بني هذا احتلام أنت الآن بلغت فحينئذ تكون العمرة مجزئة على الفرض لأنها قبل التلبس بالطواف. قال:
وفعلهما من الصبي والعبد نفلا.
يعني يصح في العمرة والحج من الصبي لكن يكون نفلا ويدل على ذلك الحديث الذي خرجه الإمام أحمد في مسنده أن امرأة رفعت صبيها للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: " نعم، ولك أجر " فدل ذلك على أنه يكتب للغلام الصبي الصغير الحج نفلا لأنه قال: " نعم ولك أجر " والمسألة فيها ثلاثة أقوال هذا أصحها، وإلا البعض كالأحناف أو كأبي حنيفة قال: (( يجوز حج الصبي فقط على وجه التدريب ولا يكتب له قلم الثواب )) وقال بعضهم لا يصح عنه مطلقا أو قالوا فرضا والصحيح أنه لا يصح عنه إلا نفلا. ولذلك من أراد الخير بولده فليحججه معه إن قدِر لأنه يكتب له قلم الثواب ولا تدري هذه الحسنة التي كتبت له الملائكة وهو تحجيجك له وهو غلام قد تكون مُرجحة له ليدخل الجنان عندما يعرض على الميزان فلا تدري فإنها تحصى له كما قال صاحب سبل السلام رحمه الله الصنعاني قال: (( يكتب للغلام الذي لم يبلغ قلم الثواب ولا يكتب عليه قلم العقاب )) وكذلك العبد يصح منه ذلك نفلا.
والقادر من أمكنه الركوب ووجد زادا ومركوبا صالحين لمثله بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية والحوائج الأصلية.
هنا عرَّف القادر فانتبه فإن الله قيَّد وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلا فقال تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ} فبيَّن المستطيع وهو القادر فقال:
من أمكنه الركوب.
فمن لا يمكنه الركوب إذن فليس بقادر والركوب على وجهين:
إما أن تكون الرواحل أو الدواب كالزمن الغابر في زمن النبي والصحابة فإنهم لا يتمكنون من الركون إلا على البعير والحمير والخير فهذا الذي لا يتمكن من الركوب ويسقط لا يلزمه الحج.
وإما أنه لا يمكنه الركوب في ذلك الزمن لو حضره لكن يمكن ركوبه في زمننا كأن يركب في الطائرة أو في السيارة ولا يصيبه شيء فهذا يلزمه الحج إذا كان هناك من يستقبله بعربية ويجره إلى الطواف ويحمه في السعي ويقف به في عرفة فهذا يستطيع الركوب لأن الطائرة مأمونة ليست كالراحلة تخطو خطوات وهو على ظهرها لا يستطيع الثبات عليها ولكن هذا الذي يكون كذلك أيضا لا يكون مريضا مرضا لا يستطيع معه البقاء على كرسي الطائرة أو السيارة فبعضهم قد يحصل له غثيان كما ذكرنا أو إغماء فهذا يكون مثل من كان في الزمن الغابر في عهد النبي ممن لا يستطيع الثبوت على الراحلة.
فإذن الضابط أنه يمكنه الركوب أو الثبوت على المركب الذي يؤدي إلى الحج سواء كان دابة أو سيارة، فربما رجل لا يستطيع الركوب على دابة لكن يستطيع الثبوت على السيارة فهذا يلزمه المقصود أنه يستطيع.
الثاني أن يجد زادا وقد أمر الله بذلك فكان بعض أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون يقولون: ‘‘ نحج بيت الله ولا يرزقنا ’’ فيحجون وهم فقراء ويسألون الناس في الطريق فقيل أنزل الله هنا { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ} والحديث خرجه أبو داود في سننه عن أناس من أهل اليمن أنهم كانوا يحجون ولا يتزودون ويسألون الناس في الطريق فأنزل الله { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ} فأمر الله بالتزود فلا يجوز للرجل أن يحج ويسأل الناس ويحرجهم بل إنه من المسألة المذمومة أن البعض هداه الله أنه لا يجد استطاعة ويذهب ربما يسأل الأغنياء يقول: ‘‘ والله أنا أريد الحج أعطيني ثلاثة آلاف المخيمات غالية وأريد ثلاثة آلاف ’’ هذا من المسألة المذمومة لا يجوز أن يسأل للحج لأن الله قال: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ} كذلك من غلب على ظنه الخطر كأن يكون مريضا بالقلب وأنه من أدنى مشي لرمي الجمرات غالبا قد يتوفى كما ذكر لي طبيب أن بعضهم يجازف يعلم أنه منعه الطبيب من أي حركة ويذهب ويسقط ميتا يريد الموت في الحج هذا لا يستطيع وقد جاء في الحديث عن رجل صنع أدنى من ذلك أدنى من عذاب الموت وهو أنه نذر أن يحج ماشيا وهو كبير في السن في عهد النبي فلما نظر إليه النبي أو علم عن حاله قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني " فلا ينبغي للمسلم أن يعذب نفسه يقول مريض: ‘‘ أنا أحج وأجاهد ’’ وقد تحصل له مشقة شديدة لا يحتملها في الحج.
والراحلة في أصح القولين لا تجب فمن استطاع ببدنه ولو لم يملك راحلة وجب عليه الحج كمن كان بجانب المشاعر يسكن في العزيزية مثلا يمشي ويستريح ويمشي ويستريح حتى ولو لم يكن عنده راحلة يجب عليه الحج لأن الحديث الذي علق بالزاد والرحلة ضعيف وهو الذي خرجه الترمذي في جامعه في تفسير قوله تعالى: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ} قال الزاد والراحلة. إسناده ضعيف فعليه القول في هذه المسألة قول مالك أن من استطاع ببدنه فيجب عليه الحج ولو ماشيا، لكن لا شك أن الذي في جدة مثلا يصعب على مثله أن يمشي إلى مكة لكن من كان قريبا في المشاعر لا يشترط أن تكون معه سيارة يجب عليه أن يمشي ويستريح ويمشي ويستريح ويمشي إلى أن يتم حجه كمن يكون ساكنا في العزيزية مثلا.أما قوله:
صالحين لمثله.
فهذا لا يشترط فهذا قول مرجوح من المصنف أنه قال يجب أن تليق الدابة بحال الحاج يعني حاج ثري في هذا اليوم من عادته أن يركب [المرسيدس] أو الأشياء الثمينة من السيارات فتتوفر له سيارة من هذه السيارات الرخيصة فلا يجب عليه! هذا غلط لأن الله أطلق فقال: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ} حتى لو كانت السيارة رخيصة يجب عليه أن يركب فيها أما ثقيل لا يركب إلا التي تليق بفخامته وثرائه هذا الذي ذكره المصنف رحمه الله فيه نظر لقول الله تعالى: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ} وهذا مستطيع ولو وجد [عراوي] لو وجد سيارة [ونيت] وكان ثريا يركب فيها ويأتي الحج فلا حرج فواجب عليه لأنه ممن استطاع فتقييدها بأن يجد مركوبا يحسن لمثله لا دليل عليها.
بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية والحوائج الأصلية.
من كان لها يستطيع أو من كان لا يجد مالا يضعه عند أهله لكي يذهب ويأتي إلى الحج وهم آمنون في مطعمهم ومشربهم لا يجب له الحج حتى يوفر لأهله نفقة يقدرون بها على العيش لأنه كما قيل: " كفى بالمرء إثما أن يحبس قوته على من يعول " فينبغي أن لا يذهب إلى الحج حتى يوفر لأهله في الفترة التي يغيب فيها الطعام والشراب أما من لم يقدر على ذلك فلا يجب عليه الحج وأن يملك من النال ما يستطيع به أن يذهب ويأتي إلى أهله، فمن ملك نفقة الذهاب لكن ليس عنده نفقة الإياب فلا وجوب عليه وكذلك أن زائد المال عن حوائجه الأصلية لكن استغرق المال بعض حوائجه الأصلية التي يحتاجها في منزله فلا يجب عليه الحج لكن إن كان عنده سيارتين يبيع سيارة ويحج عليها لأنه صارت السيارة الثانية ليست حاجة أصلية لكن إذا لم تكن عنده إلا هذه السيارة لا يبيعها ليحج إلا إذا كانت غالية الثمن جدا وأراد أن يفخر بلا حاجة فإنه يبيعها ويشتري ما يليق بمثله والزائد يحج به. ولا ينبغي أن يحج من كان عليه دين، عندك دين أولا سدده لأنك قد تموت في الحج وإن صرت من أهل الجنة تحبس في قبرك بالدين نسأل الله العافية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ماذا أنزل في التشديد في الدين! لو أن الرجل قتل في سبيل الله ثم أحي ثم قُتل ثم أحي لا يغفر له الدين حتى يسدده " أو كما قال صلى الله عليه وسلم فالأمر ليس كما يقول البعض أنه يستأذن أصحاب الدين قيل هذا خطأ لأنه لا تبرأ ذمته حتى يسامحوه بأن يسقطوه عنه أما أن يقولوا اذهب حج دون أن يسقطوا عليه الدين فقد يموت في الحج ولا تبرأ الذمة.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وتعلمنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله تفريغ الدرس الأول من دورة زاد المستقنع كتاب المناسك


Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

 


Security team