مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   شرح مسائل الجاهلية (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=3003)

أبو عبد الرحمن السلفي1 13-10-2007 08:44PM

شرح مسائل الجاهلية
 
للشيخ المصلح المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى

للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[(07) أشرطة مفرّغة]
إن هذه المسائل الجاهلية التي خالفهم رسول الله  فيها -كما [سـَ]ترى- هي عزيزة المعاني، وهي مهمة جدا في حياتنا اليوم، بل إنه على الشباب والدعاة إلى الله جل وعلا أن يكون في حلقاتهم وأن يكون في بيان دعوتهم ما يستدلون فيه بكثير من هذه المسائل؛ لأنه إذا بُيِّنت للناس أنّ هذه خصلة من خصال اليهود، خصلة من خصال الجاهلية، بدلائلها وبكلام أهل العلم عليها، ثم بُيِّنت أن هذه دخلت في الأمة، يكون هذا من أنفع أبواب الدعوة، من أنفع طرقها، وهذه هي الطريقة أو هذه من الطرق السلفية المحمودة في الدعوة؛ دعوة الناس، ولهذا الشيخ [محمد بن عبد الوهاب]رحمه الله اعتنى ببيان هذه المسائل؛ لأن الجميع راغب في أن يكون مجانبا لسنن أهل الجاهلية ولطرائقهم ولخصالهم سواءً كانوا يهودا أو نصارى أو مشركين أو مجوس أو... إلى آخره من الملل و النحل.
فعنايتكم بهذه المسائل فهما واستنباطا ثم عنايتكم بشرح كيف كان عليه أهل الجاهلية؛ ببيان أصل المسألة، ثم صور دخول هذه الخصلة في هذه الأمة، وأن هذا مصداقا لقول النبي : «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع» هذا من الأمور التي تعين الداعية على الوصول إلى مبتغاه وتبين الحق للناس.
وهي مسائل عظيمة أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا دائما فيما بيَّنه إمام هذه الدعوة من المسائل العظيمة التي نحتاج إليها ولا شك في كل وقت في هذا الزمان، ومذاكرتها والتذكير بها ضروري؛ يعني حبذا لو يكون في المجالس أن تؤخذ مسألة، مسألة، من هذه المسائل ويُقرأ شرحُها للألوسي أو لغيره، وينظر فيها ويتأمل لأنها أشد ما تكون الحاجة إليها كما قال في المقدمة، قال: لا غنى للمسلم عن معرفتها.

فهــــرس الأشرطــــة
الشريط الأول
الوجه الأول:
مقدمـــــة
 وصف عام للرسالة.
 ذكر من شرح هذه الرسالة ومنهم الألوسي.
 تعريف الجاهليين.
 معنى الجاهلية وعلى من تطلق في الكتاب والسنة.
 تقسيم الجاهلية:
• الاعتبار الأول: مطلقة ومقيدة.
• الاعتبار الثاني: جاهلية في المكان، في الزمان، في الأشخاص.
[تخطئة من أطلق لفظ جاهلية القرن العشرين]
 الأمر الذي جعل الشيخ يجمع هذه المسائل.
 أهمية معرفة سنن الجاهلية
المسألة الأولى: كان أهل الجاهلية يتعبدون بإشراك الصالحين.
 أصناف الصالحين.
 طرق إشراك الصالحين ومنها الشفاعة.
[تعريف الشرك]، [معنى التسوية]
 أخذ بهذه المسألة:
• أهل الكلام، [لا إله إلا الله].
• طوائف من المبتدعة كالأشاعرة مثلا، [شرح السنوسي لكلمة التوحيد].
• ممن عاصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
 عظم هذه المسألة.
 الفرق بين ترتب أحكام الكفار وأنه من أهل النار واستباحة الدم والمال.
 منهج الشارح في شرح هذه المسائل.
الوجه الثاني من الشريط:
المسألة الثانية: التفرق في الدين والدنيا ويرون أنه هو الصواب.
 حال أهل الجاهلية في تفرقهم في دينهم.
 الأمر بالاجتماع في الدين، كيف ذلك؟
 علاقة الاجتماع في الدين بالاجتماع في الدنيا (اجتماع في الأبدان).
[ظهور الأحزاب من تفرق الأبدان]
المسألة الثالثة: مخالفة وعدم الانقياد لولي الأمر فضيلة.
 حال أهل الجاهلية من ناحية معاملة الولاة وكيف انتقل إلى المسلمين ومخالفة الرسول  لذلك.
 حال الجزيرة قبل الدعوة.
الأسئلــــة:
1. ما رأيكم فيمن يقول على العالم أن يعلم منهج السلف دون التطرق إلى المناهج الضالة؟
2. هل الآية ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾[آل عمران:103] في الدين أم الدنيا؟
3. ذكر أن المسألة الأولى من أجلها شرع الجهاد أرجو التوضيح.
4. بالنسبة لتعليقكم على عدم دقة قول (جاهلية القرن العشرين) ألا تحمل على أن أعظم الناس في جاهلية؟
5. يصبر على الضرب وأخذ المال، لكن مس العرض هل يصبر عليه؟
6. اختلاف طبعات مسائل الجاهلية.
7. من قاتل تحت راية كفرية؟
8. هل كل المسائل التسي ذكرها المؤلف مخرجة من الملة؟
9. قول من قال أن محمد بن عبد الوهاب خرج عن العثمانيين؟
10. هل نستطيع أن نقول أن الجاهليين في عهد الرسول  كانوا يعلمون أنهم على باطل؟
الشريط الثاني
الوجه الأول:
المسألة الثامنة: الاستدلال على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء.
 المعنى العام للمسائل التي قبلها.
 الضعفاء في نظر أهل الجاهلية.
 صوارف اتباع الحق:
• الاستكبار والهوى.
• الغنى.
• الجاه سواء نسب أو رئاسة أو غيرهما.
• العجب بالنفس.
[شرح معنى الأرذلون]
 قاعدة الإيمان اللغوي والشرعي في القرآن بتعديته بالباء واللام.
 سريان هذه المسألة في قوم نوح.
[تعريف أعقل العقلاء]
 سريان هذه المسألة لأصناف من هذه الأمة:
• الصنف الأول: أهل الرئاسة بأنواعها.
• الصنف الثاني: قوم العقلانيين الذين درسوا الفلسفة.
[معنى كلمة الحشوية]
• الصنف الثالث: أهل الأموال.
• الصنف الرابع: العصريون الإسلاميون المهتمون بالفكر.
• الصنف الخامس: طوائف من الدعاة والدعوات.
 خلاصة المسألة.
المسألة التاسعة: الإقتداء بفسقة العلماء والعباد.
 اقتداء أهل جاهلية العرب بعلماء النصارى.
الوجه الثاني من الشريط:
 وكذلك إقتداؤهم بعلماء اليهود.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة.
[طائفة تفتي على المذاهب الأربعة]
 الصنف الثاني فسقة العباد.
 سريان الإقتداء بفسقة العباد بهذه الأمة.
[في الصوفية]
 خلاصة المسألتين.
[نصيحة في إبطال رد المخالف]
الأسئلــة:
1. ما سبب اختيار جحر الضب على وجه الخصوص.
2. من يفتي بالشريعة في الفتوى وفي القضاء بالقانون، هل هذا كفر؟
3. ما معنى فقه الواقع؟
الشريط الثالث
الوجه الأول:
المسألة العاشرة: الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهله وقلة حظهم.
 سريان هذه المسألة في قوم نوح.
[تصحيح كلمة حفظهم إلى حظهم]
 أوجه قراءة ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27].
 تفسير (بَادِي الرَّأْيِ) أختلف فيه على ثلاثة أقوال.
 سريان هذه المسألة في قريش وقبلهم قوم موسى.
 سريان الشعبة في هذه الأمة :
• الذين يعتزون بالعلوم الخلفية من أصحاب الكلام.
• طائفة من غلاة الفقهاء.
• من عاصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب من العلماء.
• الذين ادعوا أن باب الاجتهاد قفل.
• من دخلته هذه الشعبة في وقتنا.
المسألة الحادية عشرة: الاستدلال بالقياس الفاسد.
 القياس عند الجاهليين.
 أنواع القياسات التي استدلوا بها منها:
• إبطال النبوة بأن الرسول بشر ووجه الشبه فيه (كفار قريش من قبلهم).
• إذا أثبت للولي كرامة صار نبي (المعتزلة وغيرهم).
• النبي لا يختصّ بشيء (الصوفية).
• كل من اتصف بالإيمان يتبرك بذاته.
 القياس الصحيح ومقتضاه لعدم إبطال النبوة.
 مقتضى القياس الصحيح في هذه الأمة.
 مقصد الشيخ في إيراد المسألة.
الوجه الثاني من الشريط:
المسألة الثانية عشرة: انكار القياس الصحيح.
 وقد ذكرها مع المسألة التي قبلها.
المسألة الثالثة عشرة: الغلو في العلماء والصالحين.
 الغلو في العلماء وكان له أنحاء:
• اتباع العلماء في التحليل والتحريم.
• اعتقاد أن للعلماء تغيير ما في الكتب المنزلة كما حصل لليهود والنصارى.
 الغلو في الصالحين:
• اعتقاد كل ما فعلوه من الصلاح والعبادة.
• اعتقاد أن لهم منزلة عند الله في حياتهم ومماتهم كمنزلة المقربين من الملوك منهم.
• التبرك بالصالحين عند اليهود والنصارى.
 سريان هذا الغلو في هذا الغلو في هذه الأمة:
• الغلو في العلماء.
• قبول أقوال من ينتسب إلى العلم دون حجة.
[أصحاب الكلام]، [أصحاب الفقه]، [مثال على ذلك مسألة الشفاعة]، [كلامه على محمد علوي المالكي].
• الغلو في الصالحين.
 المقصود من المسألة.
 كتتمة لهذه المسألة التكلم على التعصب والغلو والجفاء.
الأسئلــــة:
1. لفظ أهل السنة والجماعة ودعوة الناس إليه وهل يدخل فيه الأشاعرة والماتريدية؟
2. السائل الذي يخرج من فرْج المرأة ما حكمه؟
3. محاضرة المنهجية في طلب العلم التي ألقيتها الأسبوع الماضي هل سجلت؟
4. سؤال عن زبدة التفسير مختصر فتح القدير لمحمد سليمان الأشقر.
5. هل العبارة لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار صحيحة؟
6. هل يستطيع المسلم فهم العقيدة دون حفظ القرآن ؟
7. الصلاة خلف المبتدع والقبوري ودرجة حديث «صلوا وراء كل بر وفاجر».
8. ما الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؟
9. عقيدة أهل السنة والجماعة في الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهم. وهل له علاقة بتقسيم فرقة ناجية وطائفة منصورة.
الشريط الرابع
الوجه الأول:
المسألة الرابعة عشرة: يتبعون الهوى والظن ويعرضون عما جاءت به الرسل [أرجأ الكلام عليها].
المسألة الخامسة عشرة: اعتذارهم بعدم الفهم فأكذبهم الله.
 فهم الحجة نوعان:
• يُفهم معناها (يُقيم الحجة من يُفهمها).
• فهم الحجة الفهم الذي يجعله يتبع الحجة.
 تكذيب الله جل وعلا لهم وتبيين سبب عدم الفقه هو الطبع على القلوب.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة في قديم زمان هذه الأمة وفي حديثها.
• من ناحية الاعتقادات الكفرية وغيرها، [دليل حلول الأعراض لجهم بن صفوان وأنه سبب البلاء العام].
• من ناحية العبادات، [من يمكن أن يقال أنه قامت عليه الحجة].
المسألة السادسة عشرة: اعتياضهم عما آتاهم الله بكتب السحر.
 أرجح التفاسير في الآية ﴿اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾[البقرة:102].
 أصل هذه المسألة لكل استبدال لما أنزل الله بغيره.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة:
• استبدال الكتاب والسنة بكتب الفلاسفة والمتكلمين.
الوجه الثاني من الشريط:
• أهل السلوك اعتاضوا عن هدي النبي إلى كتب خاصة في الزهد.
[رد على ابن عربي وفصوصه]
• ترك كتب أهل السنة لأجل كتب أهل البدع.
 كلمة على هذه المسائل وأهميتها اليوم.
الأسئلـــة:
1. أهل البدع غير المكفرة هل يشهر بهم ويحذّر منهم ومن آرائهم؟
2. لفهم الحجة هل يكفي ذكر أن هذا شرك أو بدعة أو يجب ذكر الأدلة؟
3. هل وسائل الدعوة توقيفية أم لا؟
4. ما معنى قولهم لابد في إقامة الحجة انتفاء الموانع وثبوت الشروط؟
5. ما معنى قولهم قامت الحجة ببعثة النبي ؟
6. ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء:15]، ﴿لِئلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء:165]، يستدل بها بعض الجماعات على إقامة الحجة.
7. الذين خالفوا أئمة الدعوة في فهم الحجة هل يعلمون قول الأئمة في إقامة الحجة؟
الشريط الخامس
الوجه الأول:
المسألة السابعة عشرة: نسبة باطلهم إلى الأنبياء.
 تعريف أهل الجاهلية (تذكير).
 انتساب كفار قريش إلى إبراهيم.
 نسب السحر إلى سليمان.
 انتساب النصارى واليهود إلى إبراهيم.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة.
 نسبة الباطل إلى النبي  على طريقتين:
• بأن الأنبياء فعلوه واعتقدوه.
• بأن هذا من دين الأنبياء وهو ما وقع في هذه الأمة (استنباطا).
 سبب تنصيص العلماء على اتباع سلف الأمة.
[تشبه بعض القرآن على بعض العلماء وكذلك السنة].
 سبب تسميتهم أهل السنة والجماعة.
 سبب تبيين أهل السنة والجماعة لأصولهم.
المسألة الثامنة عشرة: أهل الجاهلية يتناقضون في الانتساب.
 حقيقة الانتساب.
 التنبيه على أن الشيخ شرح معنى هذه المسألة في شرح كتاب فضل الإسلام.
المسألة التاسعة عشرة: القدح في بعض الصالحين بالقدح فيمن ينتسب إليهم.
 سريان هذه المسألة على من عادى احمد في العقيدة والسلوك.
 سريانها على بعض أتباع المذاهب الأربعة (انتقاص الأئمة الأربعة من جراء أتباعهم).
 تنقص بعض الصالحين كعبد القادر الجيلاني والجنيد.
 خطأ من: أول ما يقدح في الأولياء، وهذا يؤدي إلى القدح في الدعوة.
 القدح في الإسلام بفعل المسلمين.
المسألة العشرون: الاعتقاد في مخاريق السحرة وإنكار الكرامات.
 انقسام الخوارق ثلاثة أقسام:
• للأنبياء.
• للأولياء.
• جرت على يد الكفار والفسقة ومن خرج عن منهج الأنبياء.
الوجه الثاني من الشريط:
[تكملة تبيين تقسيم الخوارق]، [تعريف الولي].
 جريان هذه المخاريق على هذه الأمة.
الأسئلــة:
1. ما الفرق بين من قال (نحن على طريقة أهل السنة والجماعة) و(نحن على طريقة السلف)؟
2. هل يحصل كرامة لفاسق وكيف؟
3. هل المحذر من التقليد مشابهة لأهل الجاهلية؟
4. ما صحة قول القائل: أساس الإسلام أربعة: عقيدة وشريعة ومنهاج وأخلاق؟
5. ما هي الأدلة التي تقوم عليها الجماعات الخاصة؟
6. يقده بعض الطلبة في بعض الجماعات بالنظر لأخطاء أتباعها، هل هذا من الإنصاف؟
7. يوجد من يقسم المخاريق إلى أربع منها الفِراسة.
الشريط السادس
الوجه الأول:
المسألة الرابعة والعشرون: ترك الدخول في الحق إذا سبق إليه الضعفاء.
 ذكر سبب نزول الآية ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52].
 سريان هذه المسألة على كفار قريش وكذلك اليهود.
 سريانها في هذه الأمة.
[من أسباب الصدود عن الحق اتباع الناس للصّادّ]
 ذكر نتيجة مناظرة جرت بينه وبين أحد العلماء.
المسألة الخامسة والعشرون: يستدلون على بطلان الحق بسبق الضعفاء.
 علاقة هذه المسألة بالتي قبلها.
المسألة السادسة والعشرون: تحريف كتاب الله من بعد ما عقلوه.
 سريان هذه الخصلة في اليهود.
 ذكر مذاهب العلماء في تحريف التوراة والإنجيل:
• التحريف من جهة المعنى وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
• التحريف بزيادة ونقص للألفاظ.
• تحريف بالمعنى واللفظ وهو الصحيح فيما يظهر.
 سريان هذه الخصلة في هذه الأمة من ناحية التأويل ومثاله ما يكثر من تأويل الصفات.
[الكلام على ابن العربي في تفسيره للاستواء في عارضة الأحوذي].
الأسئلـــة:
1. الفرق بين المسألة (10) و(25) و(8) ؟
2. الجني إذا أسلم هل تقبل شهادته؟
3. أين كلام شيخ الإسلام أن التحريف في الكتب في المعنى دون اللفظ؟
الوجه الثاني من الشريط:
4. بعض طلبة العلم يقول أنا لا أخالط إلا من فيه خير فيترفع على العوام؟
5. شرح الآية ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾( ) وقول الإمام استووا للمصلين وغير ذلك؟ وفيه كلام على تعدية استوى بـ: إلى وعلى.
6. الكلام على مناهج التوحيد في جامعات السعودية.
7. معاملة العمال الأجانب لمن له سلطة.
8. هل يجوز إدخال مشرك أو كافر إلى جزيرة العرب؟
9. معاملة الكفار وتحيتهم.
الشريط السادس
الوجه الأول:
المسألة السابعة والعشرون: تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله.
 تصنيف الكتب على قسمين:
• الزيادة في الكتب المنزلة.
• جعل كتب كالشرح للكتب المنزلة.
 سريان هذه المسألة في اليهود.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة.
• في الروافض والدروز والنصيرية.
[سبب كراهة السلف للتصانيف]، [الغاية الحقيقة من التصنيف].
• تصنيف التفاسير عند مختلف الفرق.
 سريان هذه المسألة في وقتنا الحاضر في أهل الفكر.
[الكلام على تفسير الفخر الرازي]. [ذكر منع الشيخ ابن باز لتفاسير الصابوني].
الوجه الثاني من الشريط:
المسألة الثامنة والعشرون: لا يقبلون إلا الحق الذي مع طائفتهم.
 سريان هذه المسألة في اليهود.
 سريان هذه المسألة في النصارى. [وجود إنجيل فيه بشارة بالنبي محمد  لا تعترف به النصارى].
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة ومنها بعض أتباع المذاهب الأربعة.
 طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرد على من يخالفه:
• ذكر ما عليه طائفته.
• تبيين أن المقصود من كلام العلماء هو إفهام الأدلة.
المسألة التاسعة والعشرون: مع ذلك فهم لا يعلمون ما عليه طائفتهم.
 شرح لطريقة الرد السابقة.
المسألة الثلاثون: وهي من العجائب؛ تركوا الاجتماع فعاقبهم الله بفرحهم بما لديهم.
 ذكر أسباب التفرق:
• العلم: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[المائدة:14].
• البغي: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14].
 بيان أن فرح كل حزب بما لديه من عقوبة الله له.
انتهت الفهرسة بحمد الله جل وعلا

بسم الله الرحمن الرحيم
[المتن]
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: هذه أمور خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين مما لا غنى للمسلم عن معرفتها:
فالضدُّ يظهر حسنَه الضدُّ ..........................
........................ وبضدها تتبين الأشياء
فأهم ما فيها وأشدها خطرا عدم إيمان القلب بما جاء الرسول ، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه الجاهلية تمت الخسارة، كما قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾[العنكبوت:52]
(المسألة الأولى) أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته يريدون شفاعتهم عند الله، بظنهم أن الله يحب ذلك، وأنّ الصالحين يحبونهم كما قال تعالى ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18]، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3].
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله ، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله، الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أنّ من فعل ما استحسنوا فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.
وهذه هي المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة ولأجلها شرع الجهاد، كما قال تعالى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:39].
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا الكتاب قليل الصفحات، لكنه اشتمل على مسائلَ من أهم المهمّات، بل إنّ هذه الوُريقات في هذه الرسالة هي أصول الدِّين؛ لأنّ النبي  إنما بُعث ليخلِّص الناس من جهالة الجاهليين على أنواع مللهم وأصناف نحلهم.
فإذن هي خلاصة لما أَمر به اللهُ جل وعلا، وأمر به رسولُه  المشركين والكفار أن يتركوه.
وهذه الرسالة هي مسائل؛ المسألة منها قد تكون بضعة أسطر، وقد تَقِلُّ إلى كلمتين أو ثلاث.
وقد تناولها بالشرح؛ بشرح وجيز يكشف عن مراميها ومعانيها علاّمة العراق الشيخ السّلفي محمود شكري الأَلُوسِي، وهو شرح مطبوع متداول، لكنه في كثير من الأنحاء والمواضع لم يكشف الكشف الذي ينبغي.
وهناك من إخواننا من سجَّل رسالة ماجستير في شرح هذه المسائل، ولا شك أنها تحتاج ذلك لعظمها كما سترى، وليس من رأى كمن سمع.
سمّاها الشيخ الإمام رحمه الله تعالى ”مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية“
وكما ذكر في المقدمة أنّ الجاهليين الذين يريدهم بقوله ”أهل الجاهلية“ هم الأميون يعني مشركي العرب وأصناف أهل الكتاب، وكذلك غيرهم من الصابئة والمجوس وأنواع أهل الملل.
والجاهلية راجعة إلى الجهل بالله جل وعلا، وبما يستحقه، وبما يحبه من الدين والطاعة، وهذه الجاهلية هي كل ما كان عليه الناس قبل رسول الله  مما خالفوا فيه الدين المشترك للرسل صلوات الله وسلامه عليهم أو ما شرعه من الدين الحق على ألسنة رسله. فيشترك في ذلك ما كان عليه أهل الجاهلية من العرب، وأهل الجاهلية من أهل اليهود، وأهل الجاهلية من النصارى، وأهل الجاهلية من المجوس، وأهل الجاهلية من الصابئة، وهكذا إلى جميع أنواع أهل الملل.
الجاهلية غالب إطلاقها في الكتاب والسنة يُعنى بها الحال، وقد تطلق ويُعنى بها صاحب الحال.
• فمن الأول؛ وهو أن تطلق ويعنى بها الحال، يعني الصفة التي هي راجعة إلى نفي العلم والإغراق في الجهل بما أنزل الله جل وعلا على رسوله، هذه الجاهلية التي هي الحال والصفة منها قول النبي  لأبي ذر حين عيّر رجلا أسود وهو بلال –بالراجح- بأمه، قال عليه الصلاة والسلام «أعَيّرتَهُ بأمّهِ؟ إِنّكَ امرُؤٌ فيكَ جاهِليّة»، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام «ثنتان من أمتي من أمر الجاهلية»، وكذلك قول عائشة ”كان نكاح الناس في الجاهلية على أربعة أنحاء“ ونحو ذلك من الحاديث التي فيها ذكر الجاهلية، ويدل لذلك قول الله جل وعلا ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[المائدة:50]، فإنه في هذه النصوص يعنى بالجاهلية الحال والصفة.
• وقد يراد بها ذو الحال، فيقال فلان جاهلي، كما يقال امرؤ القيس شاعر جاهلي، يريدون بذلك أنه هو الجاهلي لعيشه في تلك الفترة التي هي الجاهليه المطلقة.

والجاهلية تقسم باعتبارات:
 فتارة تنقسم إلى قسمين:
وهي الجاهلية المطلقة.
والجاهلية المقيدة.
 وتارة تقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:
جاهلية في المكان.
جاهلية في الزمان.
جاهلية في الأشخاص.
فالقسمة الأولى وهي الجاهلية المطلقة والمقيدة:
فنعني بالمطلقة: الكاملة من جميع الوجوه بأحد الاعتبارات الثلاث.
والمقيدة: يعني المقيدة بوجه من الوجوه، إما مقيدة بمكان، أو بزمان، أو بشخص، أو ببعض الصفات.
1- فالجاهلية في المكان تكون مطلقة ومقيدة:
فالمطلقة في بلاد الكفار؛ دار الحرب، بلاد الكفار، هذه يقال لها أمكنة جاهلية، والمكان جاهلي؛ لأجل أنها دار كفار.
وقد يكون المكان فيه جاهلية مقيدة ببعض الأمور كما هو في بلاد المسلمين، فإنه لا يزال فيهم بعض خصال الجاهلية فيكون فيهم بعض الجاهلية، تكون مقيدة ببعض الأشياء، أو مقيدة ببعض الأمكنة دون بعض، تقول البلد الفلاني من بلاد المسلمين فيه جاهلية، أو بلد أصبح جاهليا إذا رجع أهله وارتدوا عن الإسلام إلى الشرك.
2- وجاهلية الزمان أيضا مطلقة ومقيدة:
فالجاهلية في الزمان المطلقة هي ما كان قبل مبعث رسول الله  كانت جاهلية مطلقة في الزمان؛ يعني كل ما كان قبل زمن الرسول  -وَحَدُّهُ بعثة النبي - يقال لها جاهلية بإطلاق.
والجاهلية المقيدة بالزمان هذه هي التي تكون في بعض ظهور خصال الجاهلية في وقت دون وقت، لكنها جاهلية مقيدة وليست مطلقة؛ يعني مقيدة بوقت ظهرت فيه خصال الجاهلية، فتكون مقيدة بالوقت.... ( )
فلا يصح إطلاق من أطلق (بجاهلية القرن العشرين) أو نحوها من العبارات التي يستعملها من لم يدقق، لأنه بعد بعثة رسول الله  انقضت الجاهلية المطلقة، ولا يزال في أمته من ينافح عن هذا الدين ويرفع رايته، فليس ثم جاهلية منسوبة إلى زمنٍ كالقرن العشرين، وإنما تكون منسوبة إلى وقت من الأوقات فيما إذا ظهرت بعض الصفات ثم يجاهدها ويظهر عليها أهل الحق بالإنكار فلا تصبح جاهليةً يعني الزمن.
فمثلا تقول القرن العشرين ظهرت فيه أنواع من الجاهليات كثيرة، لكن ما نطلق نقول: جاهلية القرن العشرين. لأن هذا إطلاق للزمن بكامله، والنبي  أخبر بأنه لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِه «عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرّهُمْ من خالفهم ولا مَن خَذَلَهُمْ حَتّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وهم على ذلك» هؤلاء يبينون وينصحون.
3- القسم الثالث جاهلية في الأشخاص وهي أيضا مطلقة ومقيدة:
فالمطلقة في الكافر.
والمقيدة في شخص دون شخص، أو في شخص في بعض حاله دون بعض، كما قال النبي  لأبي ذر «إِنّكَ امرُؤٌ فيكَ جاهِليّة»؛ يعني بعض خصال الجاهلية.
هذه التقسيمات التي ذكرها أهل العلم في هذا المقام.
وأهل الجاهلية والذي حدا بالشيخ في هذا الأمر العظيم يعني التصدي لجمع هذه المسائل هو ما رواه البخاري وغيره عن النبي ، من حديث ابن عباس عن النبي  أنه قال «أبغضُ الرجال إلى الله ثلاثةٌ: مُلحِدٌ في الحرَم, ومُبْتغٍ في الإسلام سنّةَ الجاهلية, ومُطَّلب دم امرئ بغير حقّ ليهريقَ دمَه» فمن طلب وابتغى في الإسلام سنة يعني مسألة من مسائل الجاهلية فهو داخل في قوله( أبغضُ الرجال إلى الله ثلاثةٌ) فمن ابتغى شيئا من أمر الجاهلية وطلبه أو كان فيه ولم يتركه بعد البيان له فهو داخل في هذا الوعيد الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام.
والجاهليون الذين خالفهم رسول الله ، والذين تذكر هذه المسائل لبيان سننهم وما كانوا عليه، قد يكونون من العرب كما ذكرت أو من أهل الكتاب أو غيرهم كما سيأتي إيضاحه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وذكر أهمية معرفة سنن الجاهلية؛ لأنه كما يذكر عن عمر رضي الله عنه بالخبر لم نعرف إسناده ولم نجد له إسنادا أنه قال: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية. فإذا عرف المرء الجاهلية وعرف أنه يجب عليه أن يتباعد عنها كان أحرى له أن يكون على بينة من أمره ولا تدخله سنة من سنن الجاهلية ولا مسألة من مسائل الجاهلية، ولهذا قال الشيخ رحمه الله في هذه الخطبة (لا غنى بالمسلم عن معرفتها) لا غنى بالمسلم عن معرفة هذه الأمور؛ لأنها أمور دخلت على المسلمين وابتغوا سنة الجاهلية عن جهل تارة، وعن علم مع عناد واستكبار تارة أخرى، وكما ذكر من قول الشاعر (وبضدها تتبين الأشياء) وقول الشاعر الآخر قبله (فالضد يظهر حسنَه الضدُّ) وقوله هنا (فالضد يظهر حسنَه الضدُّ) هذا من كلام عجز بيت للمنبجي أحد الشعراء المعروفين يقول في وصف شخص:
فالوجه مثل الصبح مبيضُّ والشعر مثل الليل مسودُّ
صنفان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنَه الضدُّ
وأما قوله (وبضدها تتبين الأشياء) فهذا من الشعر السائر المعروف لأبي الطيب المتنبي قالك
ونذيمهم وبهم عرفنا فضله وبضدها تتبين الأشياء
في قصيدة يُثني بها ويمدح بها أبا علي هارون بن عبد العزيز الكاتب أحد المتنسكة الذين مالوا إلى التصوف، وفي بعض الطبعات جُعلت وكأنها بيت واحد فتنبه لذلك.
ذكر المسألة الأولى من هذه المسائل ألا وهي أن أهل الجاهلية كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في عبادتهم، في العبادة والدعاء يرجون شفاعتهم لظنهم أن الصالحين يحبون ذلك وأن الله جل وعلا يحب ذلك.
وهذه المسألة هي زبدة الرسالة؛ رسالة النبي  لأنتها مسألة الإخلاص في الدين، والعبادة فأهل الجاهلية كانوا يتعبدون الله جل وعلا بإشراكهم الصالحين في عبادة الله.
والصالحون جمع الصالح. والصالح يراد به العهد وهو ثلاثة أصناف:
1- الأنبياء والرسل.
2- الصالحون من البشر.
3- الملائكة.
وهؤلاء قد وقع في إشراكهم بالعبادة طوائف من الأميين مشركي العرب وغيرهم، فتارة يعبدون نبيا، وتارة دعون ويعبدون ملَكا، وتارة يعبدون صالحا ليس بملك ولا بنبي. قال جل وعلا ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾[النجم:19-20]، وقال جل وعلا ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾[المائدة:116] ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ( ) لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾[سبإ:40]الآيات، ذكر جل وعلا هذه الأنواع في عدة آيات في القرآن، وهذه الشبهة أو هذا العمل الذي كانوا يعملونه من إشراك الصالحين جاء في هذه الأمة وورثته هذه الأمة من الجاهليين، والجاهليون حين عبدوا الصالحين يعني أنهم توجهوا إليهم، تارة يستغيثون بهم، تارة يذبحون لهم، تارة ينذرون لهم، تارة يستشفعون بهم، تارة يجعلونهم وسائط ونحو ذلك من أفعالهم، وهذه الأعمال حكم عليهم الله جل وعلا أنهم مشركون، وهذه هي –أعني الأفعال- هي عين ما حصل وحدث في هذه الأمة بعد القرون المفضلة.
هل كان أهل الجاهلية يعملون تلك الأعمال عن جهل أم عن علم؟ بل كانوا يفعلونها عن علم، وكانوا يعلمون حججا لذلك، ولهذا جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، قال جل وعلا عنهم ﴿فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ﴾[غافر:83]، فأهل الجاهلية عندهم علوم ولكنها مضادة لعلم الأنبياء، مضادة للعلم الذي أنزله الله جل وعلا، قال جل وعلا (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ)، فعندهم علم ولكنه ليس بنافع، ولهذا من حاجّ أهل التوحيد في الأزمان المتأخرة، فإنما يحاجهم بشبه مثل الشبه التي كانت عند أهل الجاهلية وواجهوا بها رسول الله ، ومن أعظمها ما قال الشيخ رحمه الله تعالى في قوله تعالى ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]. من أعظمها مسألة الشفاعة، طلب الزلفى إلى الله جل وعلا بأولئك الصالحين، فتجد أن منهم طائفة يقولون نحن لا نتوجه إلى الأولياء، إلى الصالحين، إلى الأنبياء، لأجل أنهم يستقلون بالنفع أو بدفع الضر، وإنما نتخذهم شفعاء عند الله جل وعلا؛ لأجل ما لهم من المقام الرفيع عند الله جل وعلا وهذا الأصل هو الذي يفعله المتأخرون، المشركون من هذه الأمة حيث إنهم يزعمون أنهم ما اتخذوا أولئك إلا واسطة، ويسمّون تلك الواسطة وذلك العمل يسمونه توسلا، والتوسل شيء واتخاذ الواسطة شيء آخر، عندهم شبه وحجج ولكنها داحضة كما قال الله جل وعلا ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ﴾[غافر:5]، وهم تارة يعبدون عبادة مستقلة؛ يعني بعضهم يتوجه إلى الأولياء، إلى الصالحين، إلى اللات، إلى العزى، يتوجهون لأجل أنهم عُبَّاد لهم منزلة عند الله، فيصرفون بعض العبادات لهم استقلالا، وتارة يتخذونهم واسطة.
فإذن هذه المسألة هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية، فإن الله جل وعلا أمره بالإخلاص، وأن يأمر الناس بالإخلاص، فقال جل وعلا آمرا نبيه ﴿قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي(14)فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:14-15] وقال جل وعلا ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾[البينة:5]، وقال جل وعلا ﴿قُلْ [إِنِّي] ( ) أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(11)وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الزمر:11-12]، وهكذا في آيات كثيرة يأمر الله جل وعلا بإخلاص الدين له، ونبذ الشرك، والتوجه إليه وحده دونما سواه، خالفوا ذلك فأشركوا.
ما معنى الشرك؟ أنهم جعلوا لله جل وعلا ندا في العبادة، وهذا هو الشرك الأكبر، والنِدّ هو الشبيه والنظير كما حسان في هجائه، قال:
أتهجوه ولستَ له بندٍّ فشركما لخيركما الفداء
يعني لست له بمثيل ولا نظير، فمن جعل أحدا مع الله مثيلا ونظيرا لله في العبادة والتوجه فقد سواه بالله جل وعلا، وقد أشرك بذلك الشرك الذي حكم الله جل وعلا به على المشركين بأنهم من أهل النار وأنهم حُرِّمَت عليهم الجنة.
قال جل وعلا مخبرا عن احتجاج المشركين وقولهم لآلهتهم في النار، قال جل وعلا في سورة الشعراء ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(97)إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:97-98]، فأخبروا عن أنفسهم أنهم سووا آلهتهم برب العالمين، وهذه التسوية تسوية في محبة العبادة، تسوية في العبادة؛ لأنهم توجهوا إلى الله وتوجهوا إلى غيره، عبدوا الله وعبدوا غيره، صرفوا بعض أنواع العبادة لله وصرفوا بعضا آخرا لغير الله، فهذا معنى التسوية وهو معنى اتخاذ النِّد، أنهم جعلوا لله عبادة وجعلوا لغيره عبادة أيضا، ولهذا استنكف المشركون لما أتى النبي  بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، ما ذا قالوا؟ ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5].
واليوم إذا رأيت فإنه قد دخل هذا الأمر يعني هذا النوع من الشرك في المسلمين بعد مضي نحوٍ من ثلاثة قرون شيئا فشيئا.
وأصل البلاء الذي من أجله دخل هذا النوع من الشرك هو أنه فسرت كلمة التوحيد بأنها دالة على الربوبية، كما عليه أهل الكلام ومن تبعهم، لم يجعلوا كلمة التوحيد دالة على إفراد الله جل وعلا بالعبادة، وإنما جعلوها دالة على إفراد الله جل وعلا بالربوبية، ولهذا تجد في كتب أهل الكلام أنهم قالوا الإله هو القادر على الاختراع، الإله ما عندهم؟ القادر على الاختراع. لا إله إلا الله عند أهل الكلام معناها: لا قادر على الاختراع -يعني على الخلق- إلا الله. وهذا المعنى يقر به أهل الجاهلية ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف:9]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87]، كانوا يوقنون بأن الله جل وعلا هو القادر على الاختراع وحده وأنّ غيره لا يخلق شيئا، لهذا احتج عليهم ربنا جل وعلا بقوله ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾[الأعراف:191] لأنهم يقرون بتلك المقدمة.
كذلك أخذ هذا المعنى طوائف من المبتدعة من جنس الأشاعرة فقرروه في كتبهم، قرروه في كتبهم، فيقول أحد من متأخريهم وهو السَّنوسي في رسالته التي يسمونها أم البراهين، يقول فيها في معنى كلمة التوحيد يقول: فمعنى لا إله إلا الله لا مستغنيا عما سواه، ولا مفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله، فمعنى الإله –هذا كلامه- هوالمستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه. لما درس الناس مثل هذه صار توحيد العبادة عندهم ليس هو معنى كلمة التوحيد، انحرف الناس شيئا فشيئا حتى اتخذوا آلهة من دون الله، يظنون أن التعلق بأرواح الموتى وسؤال من له جاه عند الله -على حَسَب ظنهم– سؤاله ليس من الشرك، وهذا أصل البلاء الذي دخل في المسلمين، شيئا فشيئا دخل حتى عُظمت القبور وأُشيدت وعُظم أصحابها، حتى أُعتقد أن لهم بعض خصائص الإلهية، حتى وصل الأمر في عهد الشيخ الإمام محمد رحمه الله تعالى إلى أنهم كانوا يعتقدون فيهم أنهم ينفعون ويضرون استقلالا والعياذ بالله، بل كانوا يشركون بهم في الرخاء وفي الشدة.
لهذا قال الشيخ في قواعده الأربع: أن مشركي أهل زماننا أعظم شركا من مشركي العرب ذلك لأن أولئك كانوا يشركون في الرخاء وأما في الشدة فكانوا يوحدون الله ويخلصون الدين له كما قال جل وعلا عنهم ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾[العنكبوت:65]. وأما أهل هذا الزمان فإنهم يشركون في السراء وفي الضراء كما قال أحد علماء الدعوة حيث ناقش رجلا في تعلق طائفة من الناس بابن عباس في الطائف، كما كان قبل الدعوة كانوا يتعلقون به ويجعلونه إلها لهم، ويصرفون له حقوق الله جل وعلا، يجعلونه مستغاثا به، مذبوحا له، منذورا له، مدعوا، قال له: إن ابن عباس –يقول هذا أحد علماء الدعوة، يقول للآخر- إنّ أهل الطائف -يعني من كان منهم على هذا الاعتقاد- يتوجهون إلى ابن عباس يعرفون ابن عباس ولا يعرفون الله، فقال الرجل الآخر: معرفتهم بابن عباس تكفي. وهذا أمر قد لا يظهر لكثير من الناشئة في البلاد، لكن من عرف ما عليه الخرافيون في بعض البقاع في هذه البلاد وفي عيرها من بلاد المسلمين، يجد أن هذا الأمر شائع منتشر، بل إنهم يزيدون في أنهم يعتقدون أن بعض الأولياء لهم الضر والنفع الاستقلالي.
هذه المسألة ذكرها الشيخ أول مسألة لعظم شأنها، وهي الزبدة لرسالة النبي  بإخلاص الدين له، وبتوحيده جل وعلا وعدم الإشراك به، ونبذ الشرك الذي كان يفعله أهل الجاهلية.
قال رحمه الله: إن من فعل ذلك فقد أخبر النبي  بأن الله حرم عليه الجنة ومأواه النار كما قال جل وعلا مخبرا عن قول عيسى بن مريم عليه السلام ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ [رَبِّي]( ) وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:72].
إذن هذه المسألة هي أعظم المسائل، إذا كانت هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية فكون الدعوة تُجعل مركِّزة عليها معتنية بها أتم العناية يكون ذلك من وِراثة دعوة المصطفي ؛ لأنْ هذه المسألة من أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية، فإذا كانت كذلك فغيرها من المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية هي دونها في المرتبة، فعليه يكون ورثة الأنبياء، ورثة النبي ، من ورثوا عنه العلم النافع إنما يدعون أول ما يدعون ويهتمون أكثر ما يهتمون به بهذه المسألة العظيمة وهي أن ينقضوا الناس من النار وأن يجعلوهم ممن يرجى له الجنة، وذلك بنهيهم عن الشرك وبتوضيح مسألة التوحيد أتم إيضاح ومعنى الشهادة لله جل وعلا بالوحدانية وما فيها من النفي والإثبات ومعنى الكفر بالطاغوت ونحو ذلك من أصول التوحيد.
إذا كان كذلك، فتعلم أن من توجه في دعوته بغير الاهتمام بهذه المسألة العظيمة فإنما اهتم بأمر لم يكن اهتمام رسول الله  به أولا، ولهذا جاء في حديث معاذ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له «إنك تأتي أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله» كما في صحيح البخاري في كتاب التوحيد، أو في الرواية المشهورة«إلى أن شعادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» أو«إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله».
فهذه المسألة هي أعظم المسائل، وعليها يجب أن تكون الدعوة مركزة مهتما بها؛ لأنها هي التي بها يتفرق الناس إلى مسلم وكافر، وأما غيرها من المسائل فهو دونها بكثير.
قال الشيخ رحمه الله: من أجل هذه المسألة تفرق الناس إلى مسلم وكافر وهذا يعني أن من أشرك بالله جل وعلا صالحا أو غير صالح فإنه كافر بالله، كافر، لا نتوان عن إطلاق الشرك عليه، ولا إطلاق الكفر عليه؛ لأنه ما دام أنه مشرك بالله جل وعلا، فعل الشرك، فإنه يطلق عليه أنه مشرك كافر، لكن الشرك الذي يُطلق عليه لا تستباح به أمواله ولا يستباح به دمه، بل ذلك موقوف على البيان، موقوف على الدعوة، لابد من البيان والدعوة قبل الاستباحة، لكن الحكم عليه، يُحكم عليه بأنه مشرك وتُرتَّب عليه أحكام الكفار في الدنيا، ولكن لا يشهد عليه بأحكام الكفار في الآخرة؛ يعني بأنه من أهل النار حتى نعلم أنه رد الحجة الرسالية بعد بيانها له بعد أن أقامها عليه أهل العلم، أو أنه قاتل تحت راية الكفر.
هذه هي المسألة الأولى، وطريقتنا في هذا الشرح ذكر إيضاح لهذه المسألة بما يتم معه فهم مرادات المؤلف رحمه الله تعالى، وليست مجال تقرير المسألة بكل ما يتعلق بها من فروع؛ لأن المقام يضيق عن ذلك، وموطن بيان هذه المسائل كتاب التوحيد وغيره من الكتب التي أُلفت في هذا الشأن. ( )
[المتن]
(المسألة الثانية) أنهم متفرقون في دينهم كما قال تعالى ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( ) وكذلك في دنياهم ويرون أنّ ذلك هو الصواب، فأتى بالاجتماع في الدين بقوله ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، وقال تعالى ﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾[الأنعام:159]، ونهانا عن مشابهتهم بقوله ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران:105]، ونهانا عن التفرق في الدنيا بقوله ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103].
[الشرح]
هذه المسألة الثانية وَصَفَ فيها أهل الجاهلية بأنهم متفرقون في دينهم ودنياهم، عندهم العزة والكرامة في التفرق؛ لأنه يدل على استقلال كل بما عنده، وأنه لا يتبع أحدا، متفرقون في دينهم، كلٌّ له دين، بعضهم يعبد الملائكة، بعضهم يعبد الصالحين، بعضهم ينكر البعث، بعضهم يجحد الرسالة بعضهم يؤله عيسى، بعضهم يؤَلِّه عزيرا، ونحو ذلك، في دينهم لم يجتمعوا، كذلك في دنياهم، فبين الله جل وعلا أنهم شرع لنا من الدين ما نجتمع بيه في الدنيا، قال جل وعلا ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِن الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في شرح هذه الآية في قاعدة الجماعة والفرقة: إن الأصل الأصيل الذي دعا إليه الأنبياء جميعا وهو الدين المشترك والإيمان المشترك هو الاجتماع على دين حق وعدم التفرق في ذلك. وأكد ذلك جل وعلا بقوله ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾،( ) فذكر جل وعلا ما وصف به أمر المرسلين بقوله (وَصَّيْنَا) وما أمر به النبي  بقوله(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، قال (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) فهذه الآية فيها الأمر بالاجتماع، (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وإقامة الدين بالاجتماع على التوحيد؛ يعني على ما دعا إليه النبي ، بأن لا يكون في البلاد شرك، وأن لا يُقر الشرك وأن لا يكون هناك ما يحرم الأصل الدين، لأنه إذا تفرق الناس في أصل تفرقوا في الدنيا ولا شك، فأهل الشرك لما تفرقوا في الدين تفرقوا في الدنيا، فالتفرق في الدين يورث التفرق في الدنيا، وكذلك التفرق في الدنيا –يعني بعدم الاجتماع كما سنوضحه – يورث التفرق في الدين، فأمر الله جل وعلا بعدم التفرق في الدين وعدم التفرق في الدنيا؛ يعني بالأمر بالاجتماع والائتلاف في الأبدان والاجتماع في الدين، فهما نوعان من الاجتماع؛ اجتماع في الأديان واجتماع في الأبدان وأحدهما ملازم في الآخر، لهذا قال أهل العلم: الجماعة في قول النبي  «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» ونحو ذلك من النصوص التي فيها ذكر الجماعة هو ما يكون من مجموع الأمرين، اجتماع في الدين واجتماع في الدنيا، اجتماع في الأبدان واجتماع في الدين، فكما أن النبي  خالف أهل الجاهلية في أنهم متفرقون في الدين فأتى بدين واحد يخضع له الجميع، كذلك أمره بالاجتماع في الدنيا وأن يقروا لولاتهم وأن لا يخرجوا عليهم كما سيأتي إيضاحه في المسألة الثالثة.
قال جل وعلا ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران:105] أنزلها الله جل وعلا على صحابة النبي  مع كون الذين كانوا قبل من اليهود والنصارى افترقوا على أكثر من سبعين فرقة؛ اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فنهانا الله جل وعلا عن التفرق في الدين بقوله (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) يعني أنه جل وعلا أمر بالاجتماع على التوحيد والاعتصام بحبل الله، وأن لا نتفرق في الدين وأن نجتمع على الكلمة العظمى كلمة التوحيد، وأن لا يحدث فيما بيننا حدث مخالف لأصل الإسلام ولا نخالف عما أنزل الله على رسوله.
الآية الأخرى في قوله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103] فهذه الآية في الاجتماع في الدنيا، فإن الناس إذا تفرقوا في الدنيا؛ يعني تفرق بعضهم عن بعض بأن أطاع بعضهم طائفة وأطاع الآخرون طائفة أخرى وحصل هذا التفرق في الأبدان في الدنيا نتج عنه جزما التفرق في الدين ويبدأ صغيرا ثم يكون كبيرا، فكلما تفرق الناس في الدين نتج عنه فرقة في الأبدان، وكلما تفرقوا في الأبدان -يعني بأنْ يكون لكل طائفة مطاع لا يقرون بطاعة كبرائهم من ولاة الأمر- فإنهم ينتج عن ذلك تفرقهم في دينهم فأمر الله جل وعلا بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، (لَا تَفَرَّقُوا) في أبدانكم، (لَا تَفَرَّقُوا) عن من ولاه جل وعلا أمركم، لهذا جاء في الحديث -الذي سيأتي إن شاء الله تعالى- أن النبي  قال «إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تُناصِحوا من ولاه الله أمركم» كان أهل الجاهلية يعتزون بالتفرق، ويعتبرون الطاعة مذلة ومهانة كما سيأتي في المسألة الثالثة، وهاتان المسألتان متصلتان ببعض، فإن أهل الجاهلية لمّا لم يطيعوا ولاتهم مع كونهم مشركين تفرقوا في دنياهم لأن إحدى المسألتين متصلة بالأخرى، فأتى الله جل وعلا بالاجتماع في الأمرين، وإنما تتم الشريعة بالأمرين جميعا، اجتماع في الدين بأن لا نتفرق فيه، واجتماع في الدنيا بأن لا يكون في المسلمين أحزاب ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( )، ولهذا كلما نشأ في الإسلام ناشئة تُفَرِّقُ عن الجماعة الأولى وعن النهج الأصل، فإن ذلك يعد من التفرق والاختلاف، إذا كان ذلك عن أراء مستقلة وعن دين مستقل في الأصول، وهذا الذي حدث في الأمة فافترقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة»، يعني التي اجتمعت في دينها واجتمعت في دنياها.
[المتن]
(المسألة الثالثة) أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله ، وأمر بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد.
وهذه الثلاث التي فيه جمع بينها فيما ذكر عنه في الصحيحين أنه قال: « إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها.
[الشرح]
رحمه الله الشيخ رحمة واسعة، لم يقع خلل في دين الناس أو دنياهم إلا بسبب الإخلال في هذه الثلاث أو بعضها، هذه الثالثة أهل الجاهلية كانوا فوضى، لا يقرون بولاية لأحد ولا يرضون ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن الطاعة لبشر مثلهم أنها ذل ومهانة، كيف يطيع ويسمع له وهو مثله؟ بما فضل عليه؟ ويعتبرون عدم الطاعة دليل العزة ودليل الكرامة ودليل الرفعة، فخالفهم النبي  خالف أهل الجاهلية بأن أمر بطاعة ولاة الأمر يعني المسلمين في غير المعصية، أمر بطاعتهم في المعروف، وأن لا يُخرج عليهم وأن لا يُفَرَّق الناس من حولهم، ولهذا كان أول من خالف هذا الأصل الخوارج حيث إنهم خرجوا عن ولاية وخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بآراء اجتهدوا فيها، والنبي  أمر بالطاعة قال «أطع», قال «أسمع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك», وقال في الحديث الآخر حينما سأله: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا». «إنه يكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ولكن من رضي وتابع». قال: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا.» وفي رواية «ما أقاموا فيكم الصلاة.»، وفي حديث آخر قال «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.»، فما دام أن الوِلاية يصح عليها اسم الإسلام، ولم تنتقل عنه إلى الكفر ولم يُحكم بردتها، فالطاعة والسمع واجبان، وتجميع الناس حولها ما دام اسم الإسلام باقيا واجب؛ لأنه ما يحصل للناس من الاجتماع ولو كان هناك نقص في بعض أمور الدين فإنه ما يحصل من الاجتماع أضعاف أَضعاف ما يحصل من المصلحة من التفرق، وأنتم إذا نظرتم إلى تاريخ المسلمين، وجدتم أن هذا الأصل حزم في مواضع وكلما ظن الناس أنهم بخروجهم على الوالي المسلم أنه سينتجون خيرا فإنه ترتد عليهم ولا يكون ذلك خير، كما قال عليه الصلاة والسلام «لا يأتيكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» خرجوا على بني أمية ولم يقروا لهم، وقامت دولة بني العباس ومع ذلك لم تكن دولة بني العباس كدولة بني أمية، وهكذا في نزول من الزمان، فأتى النبي  بمخالفة المشركين في ذلك، وقد كان الواحد من المشركين ينصح بالاجتماع وينهى عن التفرق فقال أحد منهم:
لا يصلح الناس فوض لا صَراط لهم ولا صَراط إذا جُهالهم سادوا
كانوا يأمرون بأن يرجعوا إلى كبرائهم، ولكن ما كانوا يطيعون، بل كانت الجزيرة العربية فيها من القيادات والاختلاف قبل مبعث رسول الله  ما لا يحصى ولا تغيبن عنكم الحروب الدائرة في الجاهلية وأسباب ذلك.
إذن فهذا الأصل من الأصول العظيمة، قال رحمه الله: وأبدى فيه –يعني النبي - أبدى فيه وأعاد وغلظ في ذلك، من التغليظ أنه قال «اسمع وأطع ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك» تسمع وتطيع لم؟ لأن أخذ المال وضرب الظهر هذا مفسدته عليك وستلقى ربك أنت وهو ويقتص لك منه، لكنك إذا لم تطع تعدى ذلك إلى الناس فصار الاختلاف وصارت الفرقة ومعها لا يكون الاجتماع في الدين.
في هذه الجزيرة قبل دعوة الشيخ رحمه الله تعالى كان الناس متفرقون كل في جهة، كان في شرق الجزيرة العربية كانوا يدينون للولاية العثمانية، وكان في غربها يدينون [للأشراف] وفي وسط الجزيرة يعني في نجد لم تكن تحت ولاية؛ إنما كان لكل بلد أمير ولكل بلد والي يطيعه أصحابه وكان في ذلك من القتال ما تعلمون حتى إنه في يوم واحد في بعض القرى القريبة من الرياض في يوم واحد قُتل أربعة؛ كان أمير فقتله واحد تولى الإمارة، وقتله ثالث وتولى الإمارة، وقتله رابع وتولى الإمارة في يوم واحد، وهي كلها قرى لا تزيد القرية عن مئات إن كثرت.
فأنعم الله جل وعلا على هذه البلاد بدعوة التوحيد، واجتمع الناس في دينهم وفي دنياهم ولا شك أن التفرق في دنيا سيورث التفرق في الدين والتفرق في الدين يورث التفرق في الدنيا وإنما يحصل –كما قال الشيخ- يحصل الفساد في الناس من الإخلال في أحد هذه الثلاث أو بها جميعا؛ إذا أشركوا وقع الشرك، إذا لم يجتمعوا في الدين ولم يجتمعوا في الدنيا، إذا لم يطيعوا ولاة أمورهم ولم يناصحوهم فإنه يقع الافتراق في الدين والدنيا، وهذه الثلاث أصول عظيمة، هذه الثلاث كما ذكر جمعها النبي  بقوله « إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» وهي مسائل عظيمة أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا دائما فيما بيَّنه إمام هذه الدعوة من المسائل العظيمة التي نحتاج إليها ولا شك في كل وقت في هذا الزمان، ومذاكرتها والتذكير بها ضروري يعني حبذا لو يكون في المجالس أن تؤخذ مسألة، مسألة، من هذه المسائل ويُقرأ شرحها للألوسي أو لغيره، وينظر فيها ويتأمل لأنها أشد ما تكون بحاجة إليها كما قال في المقدمة قال: لا غنى للمسلم عن معرفتها.
أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينور قلوبنا جميعا، وأن يجعلنا متبعين لنبينا ، وأن يعلمنا العلم النافع وأن يرزقنا الدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، وأسأله جل وعلا أن يجعل آخر أيامنا خيرا من أولها وأن يجعل أيامنا في قرب منه وازدياد وزلفى إليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأسأل الله جل وعلا لي ولكم الثبات إلى الممات والاستعداد ليوم لقاه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الأسئلة]
1/ يقول: ما رأيكم فيمن يقول: إن على العالم أن يعلم منهج السلف الصالح دون التطرق إلى الفرق الضالة وأصحاب المناهج الضالة ألا يدخل في مقولة عمر رضي الله عنه تنقض عرى الإسلام عروة عروة؟
والجواب: أن هذا الكلام غير دقيق وليس بصحيح بل هو غلط؛ لأن الرد على المخالف في دين الإسلام، الرد على المخالف من أصول هذا الدين؛ لأن الله جل وعلا هو أول من ردّ، وأعظم من رد على المخالفين لرسول الله ، وهو الذي حاجهم بنفسه جل وعلا، فالرد على المخالفين من أعظم القربات، يقول شيخ الإسلام: وهو من أعظم أنواع الجهاد. وهذا صحيح وقد يفوق جهاد الأعداء الخارجيين؛ يعني أن مجاهدة العدو الداخل أعظم من مجاهدة العدو الخارج؛ لأن العدو الخارج بينةٌ عداوته أما العدو الداخل فهذا قد يخفى، ومن أعظم العداوات أن ينشأ في المسلمين من يدعوهم إلى غير منهج السلف لأن هذا -كالبدع والشركيات والمناهج الضالة من منحرفة كالرافضة والخوارج ونحوها- فإن هذا لا شك أنه الرد على هؤلاء من أعظم القربات، الخرافيين الصوفيين أهل الطرق ونحو ذلك كل هؤلاء الرد عليهم من أفضل القربات وأعظم الطاعات، وهو نوع من الجهاد لا بد منه قال جل وعلا ﴿فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[الفرقان:52] ومجاهدهم بالقرآن وبالعلم من أعظم أنواع الجهاد، أما أن يتركوا ويسكت عنهم، فمتى يعرف الحق؟ إذا سكت العالم على بيان ضلال الضالين، متى يعرف الحق؟ لأننا يجب علينا أن نرعى الدين، الدين علينا أهم من الأشخاص فإذا كان الرد على فلان يحمي حمى الدين –هذا المخالف- ولا مفسدة راجحة في الرد؛ من سفك دماء ونحوه، فهذا يتعين الرد، فالرد على المخالفين من أصول الإسلام ولا شك.
فقوله أنه عليه أن يبين منهج السلف دون التطرق إلى الفرق الضالة كلام غير دقيق وغير صحيح.
أحد الإخوان يطلب أن يفرغ الدرس بعد تسجيله.
هذا يكون إن شاء الله تعالى.
2/ يسأل عن آية آل عمران هل هي في الدين أو في الدنيا؟
وهي قوله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُو﴾[آل عمران:103].
لا هي في الدنيا، لم؟ لأنه قال ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾[آل عمران:103] ما كان الرجل من الأوس مع الآخر من الخزرج متآلفان متحابان، ما كان يرضى الرجل الذي في المدينة مثلا من الأوس أو الخزرج أن يأتيه واحد من قريش ويسكن مكانه، ما يرضى, لو يأتي ويفعله ربما فعل به وفعل، كان بينهم عداوات ما بينهم تآلف ولا تحاب، فأمر الله جل وعلا بأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق؛ يعني في الدنيا.
3/ ذُكر في الكتاب أن هذه المسألة -يعني المسالة الأولى- شرع من اجلها الجهاد فأرجو توضيح ذلك.
لا شك أن النبي  إنما جاهد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وليكون الدين كله لله جل وعلا، كما قال﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:39] وفي الآية الأخرى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾[البقرة:193]، يعني جميعا، وقال جل وعلا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾[البقرة:208]، فالمأمور به العباد أن يخلصوا الدين، إذا ما أخلصوا الدين لله جل وعلا فإنهم يجاهَدون جهاد كفر كما فعل النبي ، من أجل هذه المسألة جُوهد المشركون واُستبيحت دماؤهم وأموالهم، ومن اجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر فالدعاء بأي شيء أبيحت؟ لأجل الكفر، دماء المشركين أبيحت لأجل أنهم مشركون لأجل أنهم يشركون مع الله آلهة أخرى، فهذه المسألة هي التي يجاهد من أجلها لأنها أعظم ما يجاهد لأجله.
4/ بالنسبة لقولكم في الجاهلية بالنسبة للزمان المطلق، وتعليقكم على عدم دقة قول بجاهلية القرن العشرين. -أنا ما قلت أن القول غير دقيق أنا قلت أنه غلط من أصله- ألا تحمل على أن معظم الناس اليوم في جاهلية؟
هذا أيضا غلط آخر، الشيخ رحمه الله تعالى، الشيخ محمد في وقته الذي الجاهلية فيه أكثر من هذا الزمان، قال: ولا أقول إن أكثر الناس على الشرك، وأنّ الناس ارتدوا إلا طائفة كذا وكذا. وهذا الذي نعتقده، بخلاف ما ينقل عن الدعوة في بعض الأمصار، أنهم يعتقدون أن من هم خلافهم أنهم مشركون، يقول الشيخ رحمه الله تعالى: فإنني لم أكفر إلا بما أجمع عليه، وأكثر الأمة والحمد لله ليس كذلك. فقوله هنا (ألا تحمل على أن معظم الناس اليوم في جاهلية) هذا كلام ليس بصحيح، قد يكون في بعضهم جاهلية لكن معظم الناس في جاهلية هذا غير دقيق؛ لأن قوله (في جاهلية) يعني جاهلية كاملة؛ يعني الكفر، وهذا غلط؛ لأنه لو قال الأخ: على أن معظم الناس عندهم خصال من الجاهلية لكان صحيحا، أما أن يقال في جاهلية اليوم فهذا تعبير لا يستعمله أهل العلم.
5/ يقال عندما يتعدى الإمام بالضرب وأخذ المال يُصبر عليه كما قال النبي ، ولكن لو مسّ العِرضَ فهل يُصبر عليه أيضا؟
قوله هنا (لو مسَّ العِرض) هذه مجملة تحتاج إلى تفصيل.
مسُّ العِرض إذا كان بالتعدي على العرض مباشرة فإنه يُقاتِل المرء دون عِرضه؛ يعني أتى والي من الولاة ودخل يريد أن يأخذ زوجتك أو يتعدى عليها تقاتل دون ذلك، فإن قُتلت دون عرضِك فأنت شهيد.
أما مسّ العرض بمعنى أن يكون هناك مثل ما يكون في مثل هذا الزمان الإعلام ونحوه الذي يفسد النساء، ويُفسد الأعراض فهذا لاشك أنه لا يدخل ضمن الأول؛ لأنّ هذا ليس متعينا ولا موجها لواحد بعينه، وإنما عليه أن يتحصّن بالدين، وهذا من جنس الفتن ومن جنس أنواع البلاء والمعاصي التي تنتشر في الناس بأمر الولاة ونحوهم، وهذا لا يخرج به المرء عن الإسلام، فكيف إذن لا يُصبر عليه؟
فإذن العبارات المجملة ينتبه أصحابها.
6/ هذه ملاحظة جيدة: نلاحظ بعض الطبعات فيها زيادة وحذف ونقص.
هذا صحيح طبعات الكتاب بعضها يزيد وبعضها ينقص، بعضها فيه اختلاف في بعض الألفاظ بل أن بعض الطبعات في ذكر قريب من مائة مسألة تزيد قليلا، وبعضها فيها مائة وعشرون مسألة أو تزيد، فعليه أن يقبل بين ما نقرأ وما عنده ويضيف.
7/ نرجو توضيح ما إذا كان المصر على كفرٍ من العُبّاد الجاهليين دعاة الصالحين والأولياء، بعد أن بين له الأمر وما هو عليه ثم أقر وأصر على ما هو عليه، أو أنه قاتل تحت راية كفر، هل تنطبق عليه أحكام الكفار في الآخرة أم يبقى كمن لم يبين له؟
الجواب: أن من قاتل تحت راية كفرية معتقدا صحة ما قاتل لأجله ولو لم يصله البيان بمفرده فإنه إذا مات يشهد عليه بالنار، كما فعل الصحابة؛ الصديق ومن معه مع المرتدين لما أسروا من أسروا قال ما تركوهم حتى يشهدوا بأن قتلاهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، فمن قاتل تحت راية كفر غير مكره معتقد صحة ما قاتل له ولو لم يبين له بمفرده فإنه يكون كافرا ظاهرا وباطنا، يُشهد عليه بالنار، أما إذا خرج معهم ولم يقاتل ونحو ذلك فهذا ليس له هذا الحكم.
8/ أيضا هذا سؤال جيد يقول: هل كل المسائل التي ذكرها المؤلف مخرجة من الملة؟
الجواب: لا، هذه المسائل اشتملت على ما هو شرك أكبر، وما هو كفر، وما هو شرك أصغر، وما هو بدعة وما هو محرم. اشتملت على هذه الأنواع سيأتينا إن شاء الله تعالى كل هذه الأنواع، بعضها مثل التقليد في المسألة الرابعة قال: إن دينهم مبني على أمور أعظمها التقليد، التقليد على النحو ذاك محرم، قد يكون شركا أكبر، إذا كان تقليدا في التحليل والتحريم ونحوه. إذن هذه المسائل لا تأخذ المسألة تقول أنها شرك لأنه ذكرها الشيخ في مسائل الجاهلية، لا، هذه خصال كان عليها أهل الجاهلية بعضها يكون شرك وبعضها ليس كذلك.
9/ هذا سؤال الحقيقة كثيرا ما يرد ومع كثرة إيضاحه وبيانه ما زال يورد، فلا أدري سبب إثارته دائما، يقول: مارأيك بمن قال –دائما في الأسئلة تحاولوا أنكم تسألون عن القول لكن بمن قال نتركه- ما رأيك عن قول من قال إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله خرج على العثمانيين، وكيف نرد عليهم؟
الجواب من جهتين:
الجهة الأولى: أنه كما ذكرت لكم نَجْد في وقت الشيخ لم تكن تحت ولاية العثمانيين، بل إن نجدا من سنة 260 هـ وهي لم تخضع لوِلاية، لا ولاية العباسيين لا ولايات أخر، كانت مستقلة، تسلط عليها بعض الخوارج من ذلك الوقت وطائفة من أهل اليمن ونحوها، يعني استقلت لم تدخل تحت طاعة من ذلك الوقت، فكانوا في تفرق فلم يُجبر أهلها ولم يخضعوا لبيعة وإنما كانوا مستقلين، لما ظهرت الدولة العثمانية كانت نجد كل بلد لها أميرها، فما خضعوا تحت الخلافة العثمانية في أول ما قامت لأنه أول ما قامت كانت على إسلام صحيح بعد ذلك انحرفت.
هذا لما أتى الشيخ وهم على هذا النحو كل بلد لها أمير، ما يقرون بطاعة لبني عثمان بخلاف الأحساء والمنطقة الشرقية وهؤلاء يقرون للولاية للعثمانيين، والوالي على الأحساء ونحوها تحت ولايته، كذلك [الأشراف] ونحوهم كان عندهم نوع استقلال لكنهم تحت الولاية العامة، أما نجد كانت مستقلة، هذا من جهة.
الجهة الثانية: أن في وقت الشيخ رحمه الله تعالى كان العثمانيون يدعون إلى الشرك الأكبر وإلى الطرق الصوفية ويحببون ذلك وينفقون على القبور وعلى عبادتها ينفقون عليها الأموال، فمن هذه الجهة لو كانت نجد داخلة تحت الولاية لما كان لهم طاعة لأنهم دعوا إلى الشرك وأقروه في عهودهم الأخيرة، أما في المائتين سنة الأولى (250 سنة الأولى) كانوا على منهج، يعني كانوا في الجملة جيدين، لكن لما في كان في سنة 1100 تقريبا وما بعدها لما كثر الشرك في المسلمين هم كانوا ممن يؤيدون ذلك تأييدا وينفقون عليه، وقد وجد من أقوال الخلفاء العثمانيين –حسب التسمية الشائعة- ولاة بني عثمان وجد منهم من يكتب أدعية في استغاثة بالرسول  أو استغاثة بالأولياء ونحو ذلك.
فالجهة الأولى هي المعتمدة التي ذكرتُ لك، والثانية فرع عنه.
10/ هل أن نقول أن أهل الجاهلية الأولين في عهد الرسول  كانوا يعلمون أنهم على باطل؟
هذا [ليس] بصحيح كما يقول إمام الدعوة ليس كفر من كفر منهم عن عناد واستكبار بل بعضهم كفر عن تقليد؛ تقليد الأكابر وبعضهم من أجل عدم العلم، قال جل وعلا ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنبياء:24]. فلم يكونوا يعلمون أنهم على باطل، ذلك القلة منهم كانوا يعلمون لكنهم كانوا مستكبرين لكن الأكثرون كانوا لا يعلمون بين لهم البيان العام، أزل القرآن، دعا النبي  الناس فمن صد فهو كافر مشرك.
نختم بهذا ونسأل الله جل وعلا أن ينفعني وإياكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. ( )
[المتن]
(المسألة الثامنة) الاستدلال على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء كقوله ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾[الشعراء:111]، وقوله ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾[الأنعام:53] فرده الله بقوله ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾[الأنعام:53]
(المسألة التاسعة) الإقتداء بفسقة العلماء فأتى بقوله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[التوبة:34]، وبقوله ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[المائدة:77].
(المسألة العاشرة) الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهله وعدم حفظهم كقوله ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27].
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأَرِنَا الباطل باطلا ومُنَّ عليما باجتنابه، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، نعوذ بك من شرور أنفسنا، نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
في المعنى العام للمسائل التي قبلها وذلك أن المسائل التي قبلها كانت في ذكر الاستدلال؛ استدلال المشركين وأهل الجاهلية على ما هم عليه من الباطل بأنواع من الأدلة.
فذكر من تلك الأدلة أنهم يستدلون بالأثر على الصواب، وأنّ الشيء يعرف بأنه حق إذا كان أتباعه هم الأكثرين.
وذكر من أدلتهم أنهم يحتجون بالأولين والمتقدمين.
وذكر من استدلالاتهم أنهم استدلوا بقوم أعطوا قوى، أعطوا أفهاما، وأعطوا علوما، يستدلون بهم وبأحوالهم على بيان صلاح ما هم عليه وبطلان ما جاءت به المرسلون.
وهذه المسألة هي تلك المسائل، وهي أنهم يستدلون على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، يستدلون على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، وهذا تنوع من الأدلة التي يستدل بها أهل الجاهلية في الماضي، ويستدل بها كل من كان فيه شعبة من شعب أهل الجاهلية في كل زمان ومكان، يستدلون على بطلان أمر من الأمور بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، وذلك أنه في ظاهر أفهامهم أن أهل الشرف والسيادة وأهل الرفعة والريادة وأهل الوجاهة والمال هم أحرى بأن يكونوا أوصل للحق وأعرف للحق وأحسن استدلالا عليه، فكيف يكون الضعفاء الذين هم أضعف عقولا، وأضعف أفهاما عندهم، كيف يصلون إلى الحق دونهم؟ فاستدلوا بذلك على أن أولئك الضعفاء عقولهم ليست صائبة، وأفهامهم ليست مستنيرة، وأنهم هم أهل الأفهام وأهل العقول، وإذا كان كذلك تم لهم الدليل بأن جاءت به المرسلون إنما اقتنع به الذين ليس لهم عقول صائبة، وليس لهم عقول مستنيرة، وليس لهم أفهام جيدة وقرائح قوية، فاستدل ذلك على بطلانه، إذْ لم يقتنع به أهل الفهم، يقنع به أهل العلو، لم يقتنع به أهل الجاه، أهل المال، الرؤساء، الأشراف، الملأ، ونحو ذلك.
وهذا الاستدلال في أصله صحيح شرعا، ولكنهم هم استدلوا به، فخلطوا ولم يزنوه بالميزان الشرعي الصحيح، وكيف ذلك؟ صحيح أن كل من كان أوفر عقلا وأجود ذهنا وأصح قريحة أنه يصل إلى الحق، وأنّ من كان دونه في الفهم، ودونه في العقل، ودونه في إتيان اللب والفهم، هذا يكون أبعد من الذي قبله في الوصول إلى الحق، ولهذا ذكر الله جل وعلا المشركين بأنه أعطاهم ألبابا وأعطاهم عقولا، لكن هذا الأصل لما كان صحيحا كان حال المشركين معه منقلبة ومنعكسة؛ لأنه يثبت بذلك أنّ من استجاب للحق وتبِع المرسلين أنهم هم أهل العقول وهم أهل الألباب وهم أهل الفهم، قال جل وعلا ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، والمشركون لم يعقلوها فثبت أن من عقلها هم العالمون، وإن كانوا عند أولئك أقل فهما، كذلك قال جل وعلا ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾( ) فالذين يتذكرون ويتبعون الرسل هم أولوا الألباب وهم أولوا العقول.
إذن فهؤلاء المشركون وأولئك المشركون كيف لم يتم لهم هذا الاستدلال، مع أنه في أصله صحيح؟ ذلك أنهم إن ظنوا أنهم هم أهل العقول، وهم أهل الأفهام، وهم أهل الألباب، فذلك قد يكون صحيحا في نفسه لكن العقل يصرفه عن فهم الحجة ويصرفه عن اتباع الحق أنواعا من الصوارف كانت متوافرة في أولئك المشركين، متكاثرة فيهم، ظاهرة بادية في حالهم وشأنهم:
 وأعظم تلك الصوارف الاستكبار والهوى: ذلك أن الهوى يغطي العقل عن الحق وهم كانوا أهل هوى فالهوى كان صارفا لاستعمال عقولهم فيما كان ينفع ﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾[الفرقان:43]،﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ﴾[القصص:50].
 من الصوارف أيضا التي جعلت عقولهم ضعيفة وأفهامهم كليلة، وهم يضنون أنهم يحسنون صنعا وأنهم هم أولوا الألباب من الصوارف الغنى، و الله جل وعلا بين أن الإنسان يصرفه المال عن رؤية الحق فقال جل وعلا ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى(6)أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾[العلق:6-7]، فالإنسان إذا رأى نفسه غني، غني وكثر ماله كان ذلك في الأكثرين صارفا لهم عن رؤية الحق وعن اتباع الحق؛ لأن للمال بهرج وله زينة، فيحتاج صاحب المال إلى التجرد العظيم و الإخلاص الأعظم الذي يصرفه عن الركون إلى تلك اللذة وذلك الإغراء حتى يقبل الحق، فكان هذا صارفا لأذهانهم لقبول الحق ومن رؤيتهم الحق حقا، ومن استعمالهم ما أعطاهم الله جل وعلا من الألباب في إبصار الهدى وإتباع المرسلين.
 من الصوارف أيضا ما هم فيه من الجاه فكانوا أهل جاه، إما في نسب كشرف النسب غير كسبي، وإما في رئاسة وترفع وسؤدد بين الناس، ونحو ذلك من أنواع الجاه، الجاه صاحبه يغطَّى عقله إذا لم يكن مبصرا البصر الشرعي، فلهذا ردوا الحق لأنهم كانوا على جاه امتنعت عقولهم من رؤية الصواب لأجل غطاء الجاه وغطاء السؤدد.
ومن الصوارف أيضا العجب بالنفس واعتقاد رفعتها، فإذا اعتقد المرء في نفسه أنه أرفع من غيره فإنه يصده ذلك عن قبول الحق إذا جاء به غيره، ولهذا فإن المشركون قالوا ما قالوا حيث قال طائفة منهم ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾[الزخرف:31] أرادوا أن تكون الرسالة في العظماء الذي هم أعلى منهم رتبة وشرف حتى لا يكون في صدورهم حرج من أتباعه، ومن لأنواع الصوارف كثيرة.
هذه المسألة ذكر فيها إمام الدعوة وحمه الله نوعا من أنواع الصوارف وحجة واستدلالا لهم يستدلون به، ذلك الاستدلال أنهم يستدلون على بطلان الشيء المراد إثبات أنه حق لأنه ما اتبعه إلا الضعفاء، والضعفاء يشمل -يعني هذا الاسم- كل ضعيف مالا وجاها ونسبا وفير ذلك من أنواع الضعف الذي يكون بين الناس.
احتجوا بهذا على أنه لو كان الحق لو كان هذا الذي جاء به الرسول حقا لكنا أحرى به ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني عن الذين آمنوا ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾[الأحقاف:11] فهذا نوع، كذلك ما قص الله جل وعلا في قصة نوح من الآيات التي استدل بها المصنف رحمه الله تعالى حيث قال الملأ من قوم نوح ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27] هذه الآية في سورة هود، أو الآية التي استدل بها المؤلف ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾[الشعراء:111] (الْأَرْذَلُونَ) جمع أرذل، أصلها في اللغة لشيء الدون، ذلك أن هذه المادة رَذَلَ أصلها في اللغة لشيء الدون يعني إذا كان شيئان عال ودون، فالدون هو الأرذل من الأمرين؛ يعني أنهم قسموا الناس إلى فريقين: أشراف وسادة وملأ، وآخرون هم الضعفاء وهم الأراذل، وقال جل وعلا في هذه الآية مخبرا عن قيل قوم نوح (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، (أَنُؤْمِنُ لَكَ) يعني أنصدق بما جئت به(وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، وفي قراءة أخرى (وأَتْبَاعك الْأَرْذَلُونَ) وهي ليست سبعية؛ يعني كيف يكون الصواب مع أولئك مع أنهم الضعفاء وهم الأرذلون، وقد قال المفسرون أن أكثر أتباع نوح كانوا من أهل الصناعات بعضهم أهل حياكة، وبعضهم أهل نجارة، وبعضهم أهل بيع وشراء، ونحو ذلك، فاستدلوا بنوع المتبعين لنوح عليه السلام استدلوا بذلك على بطلان ما جاء به (أَنُؤْمِنُ لَكَ) الإيمان هاهنا لغوي يعني التصديق. وضابط ذلك:
أن الإيمان في القرآن عُدِّي تارة بالباء وعدي تارة باللام.
والغالب فيما عدي بالباء أنه الإيمان الشرعي، المعروف تعريفه.
وما عدي باللام يراد به المعنى اللغوي، قال جل وعلا ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾[يوسف:17]، فلما عُدي الإيمان باللام علمنا أنه لغوي، وهو التصديق الجازم الذي لا يخالط صاحبه شك فيما خوطب به، أو في الشيء.
هنا (أَنُؤْمِنُ لَكَ) يعني أنصدق لك تصديقا جازما لا امتراء فيه والذين اتبعوك هم الأرذلون (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، فمنعهم هذا النوع من تصديقه ومن اتباعه.
ولم يكن هذا في قوم نوح فحسب بل كان هذا في العرب وفي قريش بخاصة، فلما اتبع النبي  أولئك الصحب الكرام والصفوة المنتخبون، قال المشركون ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾[الأنعام:53] كيف يكون؟ هدى الله يهدي به أولئك الذين هم ضعاف، الذين هم موالي، الذين هم صغار السن ونحو ذلك، فأجابهم الله جل وعلا بقوله ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾[الأنعام:53]، الله أعلم حيث يجعل هداه وحيث يجعل توفيقه،فهل أنتم تتحكمون في فعل الله جل وعلا.
إذن لو استعملوا عقولهم لوصلوا إلى الصواب، لو لم تكن على قلوبهم أنواع من الغشوات لوصلوا إلى الصواب والحق، ولكن عقولهم لم تكن نافعة ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾[الأحقاف:26]، فأولئك لم ينفعهم العقل ولم ينفعهم ما أوتوه من الفهم، فكان حقا أن يكون أولئك الأقوام الضعفاء فيهم هم أهل العقل، وهم أهل الفهم، وهم أهل الإدراك لهذا قال بعض السلف: كم من لبيب ولا لب له، وكم من عاقل ولا عقل له. كم من لبيب أعطاه الله جل وعلا لبا يفهم به الأشياء ولكنه في الواقع لا لب له، لم؟ لأنه انصرف عما ينجيه في الآخرة هل يكون من عقل العاقل أن يقتحم الردى ويضع نقسه على دكادك من نار هل هذا من العقل ؟هل هذا من اللب؟ هل يكون العاقل الذي يجحد الحق الذي سيوصله لو اتبعه إلى الجنة ويرضى بزينة الحياة الدنيا القاصرة الفانية الهالكة عن الجنة؟ يرضى بأن يكون من أهل النار أو بأن يتعرض في الآخرة إلى العذاب وهو في الجنة يتبع عرضا زائلا؟ ليس هذا بعاقل ولهذا اعقل العقلاء أكملهم إيمانا، ولو كان في الناس ضعيف العقل، إذا كان أكمل إيمانا، وكمل إيمانه ولو كان في الناس وضيعا لا مال له، فقيرا ليس بذي سؤدد ليس بذي شرف، وليس بذي جاه لكنه هو لو أقسم على الله لأبره، وهو صاحب العقل، وصاحب اللب، فما أحسن قول القائل: كم من ذي لب ولا لب له، وكم من ذي عقل ولا عقل له.
هذه المسألة التي هي من صور أهل الجاهلية ومن شعبهم ومن مسائلهم، ومما اختصوا به، هذه المسألة جاءت إلى المسلمين وكانت فيهم لأنها من سنن أهل الجاهلية والنبي  قال «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال «فمن» وفي رواية أخرى قالوا: يا رسول الله فارس والروم؟ قال «فمن الناس إلا أولئك».
فهذه الأمة جاءت فيها هذه الشبهة وذلك الاستدلال، وذلك في أصناف من هذه الأمة:
الصنف الأول: هم أهل الرئاسة بأنواع من الرئاسات، وأولئك إذا رأوا المتبعين للهدى وللحق تنقصوهم وتنقصوا عقولهم، وقادهم ذلك التنقص إلى أنّ هذا الذي هم عليه ليس هو الصواب، فإذا رأوا من يتمسك بالسنة احتقروه، واستدلوا بأنه من أهل الفقر والمسكنة، من الموالي، من غير أشراف الناس، على أنه إنما اختار هذا الطريق، وهذا النحو لأجل ضعف عقله وهم أهل العقول الكاملة وهم الكَمَلَة الذين هم عند أنفسهم أصحاب فهْم، فيستدلون بفهْمهم ومعرفتهم وعقولهم على أن هذا ليس هو المراد بالشريعة، وهذا كان في كثيرٍ من أصحاب الرياسات، فكانت تلك الرياسات معطلة لعقولهم عن رؤية الصواب.
الصنف الثاني قوم من العقلانيين الذين درسوا الفلسفة، وعرفوا المنطق، وكانت لهم عقول وأفهام وذكاء، لكنهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: أُوتوا عقولا ولم يؤتوا فهوما، وأوتوا ذكاء ولم يؤتوا ذكاء. أولئك أهل الفلسفة ينظرون إلى من يسمونهم بالحشوية، ينظرون إليهم وما هم عليه بأنهم هم الأراذل هم الضعفاء، الضعفاء في العقل، الضعفاء في الفهم، فيقودهم ذلك لأن أولئك الذين وسموهم بالضعف والرذالة بأن أولئك لم يعتنوا بعقولهم -يعني عقول أولئك الفلاسفة-، لم يعتنوا بمنطق اليونان، لم يعتنوا بالفلسفة، لم يعتنوا بتلك الدلائل التي يسمونها عقلية ليس لهم سعة في العلوم، إنما مدارهم على النقل، ليس عندهم فهم إنما هم ينقلون قال الله وقال رسوله، لم يدخلوا في الفهم بعقولهم، يستدلون بضعفهم عن المشاركة على بطلان هذا النوع، فيقولون: لو كان ذلك صوابا لكان وصل إليه فلاسفة الأمة طالب الحكمة منهم، هؤلاء هم أهل العقول العالية وهم أهل الفهوم السامية، فلا بد أن يكون هناك تقديم لطريقة أولئك على طريقة أولئك الحشوية. هذه كانت في قرون، ثم وصل بطائفة من الفلاسفة الجمع بين الطريقتين، لم يصدعوا بالحق ولم يروه تماما، حيث إنه من اتبع الكتاب والسنة ولم يدخل في ذلك بعقله يعني العقل المعارض للكتاب والسنة، لم يدخل في ذلك بعقله، حاولوا أن يجمعوا بين الطريقتين، كما جمع بينها ابن رشد ونحوه، فحاول أن يجمع بين طريقة المتكلمين الذين يحتقرون الناس ممن عداهم وبين طريقة أهل الأثر في عدة مصنفات لهم، لهذا سموهم الحشوية ما ذا يعنون بكلمة الحشوية؟ يعني أنهم حَشْوِ الوجود، ليسوا هم النخبة، ليسوا هم المتميزين، إنما هم حشوية لا قيمة لهم، كما قال أولئك: إن أتباع الرسل هم الأراذل وهم الضعفاء. كذلك قال من ورِثهم من هذه الأمة إنّ من اتبع الكتاب والسنة واتبع الحديث والأثر وأثبت ما أثبت فيهما إنما هم حشوية يعني حشو في الوجود، حشو في هذه الأمة ليسوا معتبَرين مهما قالوا ومهما فعلوا.
أيضا دخلت تلك المسألة في أهل الغِنى من هذه الأمة أهل الأموال، فأهل الأموال من هذه الأمة غرهم غناهم، يعني من غره منهم غناه فكان إذا أتاهم بالحق من ليس بأهل غنى تراه لا يسمع، تراه يجد في نفسه صدودا عنه، إذا جالسه من ليس من أهل المال، وليس من أهل الغنى، وليس من أهل الزينة في لباسه وفي مركبه، وفي بيته ونحو ذلك، تراه لا يعير لقوله اهتماما، وذلك أنه يستدل بضعفه على أن ما جاء به وما قاله ليس بحق، كما قال أولئك.
أيضا دخل ذلك في الأمة وهذا يتجلى في هذا العصر بالذات دخل فيمن يسمونهم العصريين من الإسلاميين يعني ممن اهتموا بالفكر، اهتم بالفكر طائفة من أهل هذه الأمة، ورأوا أن عرض الإسلام عن طرق الفكر وعن طريق الجمع بين منتجات الحضارات من الأفكار وما جاء في هذه الشريعة أنه يُخرج للناس ما يقتنعون به، فإذا كان الحق رأواه عند من ليس مفكرا ومن لم يعتنِ بهذه الفكريات احتقروه؛ لأنه عنده ناقص العقل، ناقص الفهم، بليد الذهن، وهذا كثير وتجد أن كثيرين ممن كتبوا الكتابات الإسلامية إذا خاطبهم من يعتني بعلم الكتاب والسنة وبعلم الأثر الذي هو أعلى العلوم وصفوة العلوم وأصوب العلوم، رأيت عندهم في أنفسهم وقد يُظهرون احتقارا له وردا لما جاء به لِمَ؟ لأنه ضعيف عندهم بتلك العلوم الفكرية، ولهذا واجهنا كما واجه ربما كثيرون منكم أنه يعاب على من يكثر النفقة في الكتاب والسنة في هذا العصر، يعاب عليه؛ لأنه ليس عنده علم بهذه الأمور الفكرية الجديدة بأنواع من الفلسفات الفكرية وأنواع من الدراسات الإسلامية الحديثة، يعيبون عليه، وهذا ليس بعيب؛ لأن الله جل وعلا جعل أهل اللب وأهل الفهم إنما هم أهل الإتباع لكتابه ولسنة نبيه .
أهل التذكر هم أُلُوا الألباب، فكلما كان الرجل أطوع لله وأتبع لسنة النبي  كلما كان هو ذو اللب، وكلما كان هو ذا اللب كان ذا الفهم؛ لأن هذه الأمور لم يطالب بها الشرع، وهذا داء سرى في طوائف في هذه الأمة، وأخشى أن يتسرب إلى هذه البلاد التي هي خلاصة في دعوتها اتباع الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح.
أيضا دخل في طائفة نختم بها هذه الطوائف دخل في طوائف من الدعاة والدعوات، ذلك أن طوائف من أولئك الذين يعتنون بالدعوة –مشكورين- رأوا أنهم كلما كان عندهم معرفة أعظم بالواقع على اختلاف صنوفه وأحواله من قياسات ومن فكريات، ومن أحوال، ومن تقلبات، ومن دراسات، كلما كانوا أقرب إلى الصواب، ويرون أن من لم يعتني بتلك العلوم من العلماء ومن طلبة العلم أنهم هم أضعف منهم فهما وأقل منهم نظرا وأقل منهم تسديدا وصوابا، وهذا أيضا من آثار أولئك، لأنه فيه اعتناء بفهومهم، واحتقار للآخرين باقتصارهم على النقول على الكتاب والسنة، ليست معرفة تلك الأمور مرذولة ومردودة بل العلم بتلك الأشياء مطلوب شرعا –بحده المطلوب شرعا على ما يقرره أهل العلم-؛ لكن الاستدلال بفهومهم ومعرفتهم لتلك الأمور على أن غيرهم ليس على الصواب لأجل أنه ما فهم تلك الأمور، هذا من جنس احتجاجات الأولين، فيرى أن المفتي إذا لم يكن عالما بالواقع يكون ذاك الذي علم أفهم منه وأرفع، فتكون فتوى العالم مردودة يستدل على بطلانها بقلة فهمه لتلك الأمور، وهذا ليس بأمر مؤصل شرعا، إنما الأمر المؤهل شرعا العمدة هو الدليل، فإذا كان للعالم استدلال وفهم فإنه يكون هو الصواب، إذا كان للعامل اتباع للكتاب والسنة فليس عليه أن يعرف كل ذلك، من علم هذه الأشياء علما صوابا فإنه قد يكون ذلك العلم نافعا وقد يكون ضارا له.
المقصود من ذلك أن طائفة في العالم الإسلامي عموما اعتنوا بتلك العلوم، ورأوا أن من لم يعتنِ بها أنه هو الأضعف وهذا من مداخل الشيطان على القلوب؛ لأن هذه الأمة لن يصلحها إلا شيء واحد ألا وهو التربية على كتاب الله وسنة رسول الله  والسعي في انجاء الناس في الدار الآخرة، ولا شك أنه بالإجماع أن تلك العلوم ليست منجية لعامة الناس في الدار الآخرة وليست بنافعة في الدار الآخرة؛ لكنها قد تنفع الأمة، فيكون المخاطب بها طائفة قليلة من هذه الأمة، وأما نشرها على العوام فهذا ليس بحد شرعي.
إذا كان كذلك، فإن هذه الحجة من أنه من كان أقل فهما في تلك الأمور فيدل على بطلان ما جاء به وعلى بطلان ما قاله هذا من جنس حجج أهل الجاهلية، ودخل هذا في الأمة بنوع من تلبيسات الشيطان على النفوس.
إذن فنخلص من هذا إلى أن أهل الجاهلية يستدلون على بطلان الشيء لأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، والواجب أن نظر إلى الحق مجردا عن من أتى به، فربما يأتي بالحق شيطان، كما علّم أبى هريرة رضي الله عنه، الشيطان علمه دعاء معروفا لا يزال كل منا يدعو به، وإنما علم أبى هريرة شيطان، كما قال النبي  لأبي هريرة بعد أن ذكر له ما قال «صدقك وهو كذوب».
فإذن يُنظر إلى الحق وتكون غاية المؤمن طلب الحق، ومن جاء به فهذا لا يهم من جاء به ليس بمقصود، قد يجيء به الصغير، قد يجيء به الضعيف، قد يجيء به المولى، قد يجيء به الرفيع، قد يجيء به من لم يكن عنده جاه، ونحو ذلك.
المقصود أن يكون الحق إذا جاء به جاءٍ أن يكون مقبولا دون نظر في حال من جاء به، يعني من حيث رفعته ووضاعته، لكن تارات تلتبس هذه المسألة بما إذا كان الذي يجيء به من أهل البدع، من أهل الأهواء ونحو ذلك، هذا له مقام آخر.
هذا ملخص لهذه المسألة وهي كما ترى مسألة مهمة.
التاسعة: الإقتداء بفسقة العلماء والعباد.
أ

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:21PM

 اقتداء أهل جاهلية العرب بعلماء النصارى.
الوجه الثاني من الشريط:
 وكذلك إقتداؤهم بعلماء اليهود.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة.
[طائفة تفتي على المذاهب الأربعة]
 الصنف الثاني فسقة العباد.
 سريان الإقتداء بفسقة العباد بهذه الأمة.
[في الصوفية]
 خلاصة المسألتين.
[نصيحة في إبطال رد المخالف]
الأسئلــة:
1. ما سبب اختيار جحر الضب على وجه الخصوص.
2. من يفتي بالشريعة في الفتوى وفي القضاء بالقانون، هل هذا كفر؟
3. ما معنى فقه الواقع؟
الشريط الثالث
الوجه الأول:
المسألة العاشرة: الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهله وقلة حظهم.
 سريان هذه المسألة في قوم نوح.
[تصحيح كلمة حفظهم إلى حظهم]
 أوجه قراءة ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27].
 تفسير (بَادِي الرَّأْيِ) أختلف فيه على ثلاثة أقوال.
 سريان هذه المسألة في قريش وقبلهم قوم موسى.
 سريان الشعبة في هذه الأمة :
• الذين يعتزون بالعلوم الخلفية من أصحاب الكلام.
• طائفة من غلاة الفقهاء.
• من عاصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب من العلماء.
• الذين ادعوا أن باب الاجتهاد قفل.
• من دخلته هذه الشعبة في وقتنا.
المسألة الحادية عشرة: الاستدلال بالقياس الفاسد.
 القياس عند الجاهليين.
 أنواع القياسات التي استدلوا بها منها:
• إبطال النبوة بأن الرسول بشر ووجه الشبه فيه (كفار قريش من قبلهم).
• إذا أثبت للولي كرامة صار نبي (المعتزلة وغيرهم).
• النبي لا يختصّ بشيء (الصوفية).
• كل من اتصف بالإيمان يتبرك بذاته.
 القياس الصحيح ومقتضاه لعدم إبطال النبوة.
 مقتضى القياس الصحيح في هذه الأمة.
 مقصد الشيخ في إيراد المسألة.
الوجه الثاني من الشريط:
المسألة الثانية عشرة: انكار القياس الصحيح.
 وقد ذكرها مع المسألة التي قبلها.
المسألة الثالثة عشرة: الغلو في العلماء والصالحين.
 الغلو في العلماء وكان له أنحاء:
• اتباع العلماء في التحليل والتحريم.
• اعتقاد أن للعلماء تغيير ما في الكتب المنزلة كما حصل لليهود والنصارى.
 الغلو في الصالحين:
• اعتقاد كل ما فعلوه من الصلاح والعبادة.
• اعتقاد أن لهم منزلة عند الله في حياتهم ومماتهم كمنزلة المقربين من الملوك منهم.
• التبرك بالصالحين عند اليهود والنصارى.
 سريان هذا الغلو في هذا الغلو في هذه الأمة:
• الغلو في العلماء.
• قبول أقوال من ينتسب إلى العلم دون حجة.
[أصحاب الكلام]، [أصحاب الفقه]، [مثال على ذلك مسألة الشفاعة]، [كلامه على محمد علوي المالكي].
• الغلو في الصالحين.
 المقصود من المسألة.
 كتتمة لهذه المسألة التكلم على التعصب والغلو والجفاء.
الأسئلــــة:
1. لفظ أهل السنة والجماعة ودعوة الناس إليه وهل يدخل فيه الأشاعرة والماتريدية؟
2. السائل الذي يخرج من فرْج المرأة ما حكمه؟
3. محاضرة المنهجية في طلب العلم التي ألقيتها الأسبوع الماضي هل سجلت؟
4. سؤال عن زبدة التفسير مختصر فتح القدير لمحمد سليمان الأشقر.
5. هل العبارة لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار صحيحة؟
6. هل يستطيع المسلم فهم العقيدة دون حفظ القرآن ؟
7. الصلاة خلف المبتدع والقبوري ودرجة حديث «صلوا وراء كل بر وفاجر».
8. ما الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؟
9. عقيدة أهل السنة والجماعة في الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهم. وهل له علاقة بتقسيم فرقة ناجية وطائفة منصورة.
الشريط الرابع
الوجه الأول:
المسألة الرابعة عشرة: يتبعون الهوى والظن ويعرضون عما جاءت به الرسل [أرجأ الكلام عليها].
المسألة الخامسة عشرة: اعتذارهم بعدم الفهم فأكذبهم الله.
 فهم الحجة نوعان:
• يُفهم معناها (يُقيم الحجة من يُفهمها).
• فهم الحجة الفهم الذي يجعله يتبع الحجة.
 تكذيب الله جل وعلا لهم وتبيين سبب عدم الفقه هو الطبع على القلوب.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة في قديم زمان هذه الأمة وفي حديثها.
• من ناحية الاعتقادات الكفرية وغيرها، [دليل حلول الأعراض لجهم بن صفوان وأنه سبب البلاء العام].
• من ناحية العبادات، [من يمكن أن يقال أنه قامت عليه الحجة].
المسألة السادسة عشرة: اعتياضهم عما آتاهم الله بكتب السحر.
 أرجح التفاسير في الآية ﴿اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾[البقرة:102].
 أصل هذه المسألة لكل استبدال لما أنزل الله بغيره.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة:
• استبدال الكتاب والسنة بكتب الفلاسفة والمتكلمين.
الوجه الثاني من الشريط:
• أهل السلوك اعتاضوا عن هدي النبي إلى كتب خاصة في الزهد.
[رد على ابن عربي وفصوصه]
• ترك كتب أهل السنة لأجل كتب أهل البدع.
 كلمة على هذه المسائل وأهميتها اليوم.
الأسئلـــة:
1. أهل البدع غير المكفرة هل يشهر بهم ويحذّر منهم ومن آرائهم؟
2. لفهم الحجة هل يكفي ذكر أن هذا شرك أو بدعة أو يجب ذكر الأدلة؟
3. هل وسائل الدعوة توقيفية أم لا؟
4. ما معنى قولهم لابد في إقامة الحجة انتفاء الموانع وثبوت الشروط؟
5. ما معنى قولهم قامت الحجة ببعثة النبي ؟
6. ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء:15]، ﴿لِئلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء:165]، يستدل بها بعض الجماعات على إقامة الحجة.
7. الذين خالفوا أئمة الدعوة في فهم الحجة هل يعلمون قول الأئمة في إقامة الحجة؟
الشريط الخامس
الوجه الأول:
المسألة السابعة عشرة: نسبة باطلهم إلى الأنبياء.
 تعريف أهل الجاهلية (تذكير).
 انتساب كفار قريش إلى إبراهيم.
 نسب السحر إلى سليمان.
 انتساب النصارى واليهود إلى إبراهيم.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة.
 نسبة الباطل إلى النبي  على طريقتين:
• بأن الأنبياء فعلوه واعتقدوه.
• بأن هذا من دين الأنبياء وهو ما وقع في هذه الأمة (استنباطا).
 سبب تنصيص العلماء على اتباع سلف الأمة.
[تشبه بعض القرآن على بعض العلماء وكذلك السنة].
 سبب تسميتهم أهل السنة والجماعة.
 سبب تبيين أهل السنة والجماعة لأصولهم.
المسألة الثامنة عشرة: أهل الجاهلية يتناقضون في الانتساب.
 حقيقة الانتساب.
 التنبيه على أن الشيخ شرح معنى هذه المسألة في شرح كتاب فضل الإسلام.
المسألة التاسعة عشرة: القدح في بعض الصالحين بالقدح فيمن ينتسب إليهم.
 سريان هذه المسألة على من عادى احمد في العقيدة والسلوك.
 سريانها على بعض أتباع المذاهب الأربعة (انتقاص الأئمة الأربعة من جراء أتباعهم).
 تنقص بعض الصالحين كعبد القادر الجيلاني والجنيد.
 خطأ من: أول ما يقدح في الأولياء، وهذا يؤدي إلى القدح في الدعوة.
 القدح في الإسلام بفعل المسلمين.
المسألة العشرون: الاعتقاد في مخاريق السحرة وإنكار الكرامات.
 انقسام الخوارق ثلاثة أقسام:
• للأنبياء.
• للأولياء.
• جرت على يد الكفار والفسقة ومن خرج عن منهج الأنبياء.
الوجه الثاني من الشريط:
[تكملة تبيين تقسيم الخوارق]، [تعريف الولي].
 جريان هذه المخاريق على هذه الأمة.
الأسئلــة:
1. ما الفرق بين من قال (نحن على طريقة أهل السنة والجماعة) و(نحن على طريقة السلف)؟
2. هل يحصل كرامة لفاسق وكيف؟
3. هل المحذر من التقليد مشابهة لأهل الجاهلية؟
4. ما صحة قول القائل: أساس الإسلام أربعة: عقيدة وشريعة ومنهاج وأخلاق؟
5. ما هي الأدلة التي تقوم عليها الجماعات الخاصة؟
6. يقده بعض الطلبة في بعض الجماعات بالنظر لأخطاء أتباعها، هل هذا من الإنصاف؟
7. يوجد من يقسم المخاريق إلى أربع منها الفِراسة.
الشريط السادس
الوجه الأول:
المسألة الرابعة والعشرون: ترك الدخول في الحق إذا سبق إليه الضعفاء.
 ذكر سبب نزول الآية ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52].
 سريان هذه المسألة على كفار قريش وكذلك اليهود.
 سريانها في هذه الأمة.
[من أسباب الصدود عن الحق اتباع الناس للصّادّ]
 ذكر نتيجة مناظرة جرت بينه وبين أحد العلماء.
المسألة الخامسة والعشرون: يستدلون على بطلان الحق بسبق الضعفاء.
 علاقة هذه المسألة بالتي قبلها.
المسألة السادسة والعشرون: تحريف كتاب الله من بعد ما عقلوه.
 سريان هذه الخصلة في اليهود.
 ذكر مذاهب العلماء في تحريف التوراة والإنجيل:
• التحريف من جهة المعنى وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
• التحريف بزيادة ونقص للألفاظ.
• تحريف بالمعنى واللفظ وهو الصحيح فيما يظهر.
 سريان هذه الخصلة في هذه الأمة من ناحية التأويل ومثاله ما يكثر من تأويل الصفات.
[الكلام على ابن العربي في تفسيره للاستواء في عارضة الأحوذي].
الأسئلـــة:
1. الفرق بين المسألة (10) و(25) و(8) ؟
2. الجني إذا أسلم هل تقبل شهادته؟
3. أين كلام شيخ الإسلام أن التحريف في الكتب في المعنى دون اللفظ؟
الوجه الثاني من الشريط:
4. بعض طلبة العلم يقول أنا لا أخالط إلا من فيه خير فيترفع على العوام؟
5. شرح الآية ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾( ) وقول الإمام استووا للمصلين وغير ذلك؟ وفيه كلام على تعدية استوى بـ: إلى وعلى.
6. الكلام على مناهج التوحيد في جامعات السعودية.
7. معاملة العمال الأجانب لمن له سلطة.
8. هل يجوز إدخال مشرك أو كافر إلى جزيرة العرب؟
9. معاملة الكفار وتحيتهم.

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:22PM

الشريط السادس
الوجه الأول:
المسألة السابعة والعشرون: تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله.
 تصنيف الكتب على قسمين:
• الزيادة في الكتب المنزلة.
• جعل كتب كالشرح للكتب المنزلة.
 سريان هذه المسألة في اليهود.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة.
• في الروافض والدروز والنصيرية.
[سبب كراهة السلف للتصانيف]، [الغاية الحقيقة من التصنيف].
• تصنيف التفاسير عند مختلف الفرق.
 سريان هذه المسألة في وقتنا الحاضر في أهل الفكر.
[الكلام على تفسير الفخر الرازي]. [ذكر منع الشيخ ابن باز لتفاسير الصابوني].
الوجه الثاني من الشريط:
المسألة الثامنة والعشرون: لا يقبلون إلا الحق الذي مع طائفتهم.
 سريان هذه المسألة في اليهود.
 سريان هذه المسألة في النصارى. [وجود إنجيل فيه بشارة بالنبي محمد  لا تعترف به النصارى].
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة ومنها بعض أتباع المذاهب الأربعة.
 طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرد على من يخالفه:
• ذكر ما عليه طائفته.
• تبيين أن المقصود من كلام العلماء هو إفهام الأدلة.
المسألة التاسعة والعشرون: مع ذلك فهم لا يعلمون ما عليه طائفتهم.
 شرح لطريقة الرد السابقة.
المسألة الثلاثون: وهي من العجائب؛ تركوا الاجتماع فعاقبهم الله بفرحهم بما لديهم.
 ذكر أسباب التفرق:
• العلم: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[المائدة:14].
• البغي: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14].
 بيان أن فرح كل حزب بما لديه من عقوبة الله له.
انتهت الفهرسة بحمد الله جل وعلا

بسم الله الرحمن الرحيم
[المتن]
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: هذه أمور خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين مما لا غنى للمسلم عن معرفتها:
فالضدُّ يظهر حسنَه الضدُّ ..........................
........................ وبضدها تتبين الأشياء
فأهم ما فيها وأشدها خطرا عدم إيمان القلب بما جاء الرسول ، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه الجاهلية تمت الخسارة، كما قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾[العنكبوت:52]
(المسألة الأولى) أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته يريدون شفاعتهم عند الله، بظنهم أن الله يحب ذلك، وأنّ الصالحين يحبونهم كما قال تعالى ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18]، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3].
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله ، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله، الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أنّ من فعل ما استحسنوا فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.
وهذه هي المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة ولأجلها شرع الجهاد، كما قال تعالى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:39].
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا الكتاب قليل الصفحات، لكنه اشتمل على مسائلَ من أهم المهمّات، بل إنّ هذه الوُريقات في هذه الرسالة هي أصول الدِّين؛ لأنّ النبي  إنما بُعث ليخلِّص الناس من جهالة الجاهليين على أنواع مللهم وأصناف نحلهم.
فإذن هي خلاصة لما أَمر به اللهُ جل وعلا، وأمر به رسولُه  المشركين والكفار أن يتركوه.
وهذه الرسالة هي مسائل؛ المسألة منها قد تكون بضعة أسطر، وقد تَقِلُّ إلى كلمتين أو ثلاث.
وقد تناولها بالشرح؛ بشرح وجيز يكشف عن مراميها ومعانيها علاّمة العراق الشيخ السّلفي محمود شكري الأَلُوسِي، وهو شرح مطبوع متداول، لكنه في كثير من الأنحاء والمواضع لم يكشف الكشف الذي ينبغي.
وهناك من إخواننا من سجَّل رسالة ماجستير في شرح هذه المسائل، ولا شك أنها تحتاج ذلك لعظمها كما سترى، وليس من رأى كمن سمع.
سمّاها الشيخ الإمام رحمه الله تعالى ”مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية“
وكما ذكر في المقدمة أنّ الجاهليين الذين يريدهم بقوله ”أهل الجاهلية“ هم الأميون يعني مشركي العرب وأصناف أهل الكتاب، وكذلك غيرهم من الصابئة والمجوس وأنواع أهل الملل.
والجاهلية راجعة إلى الجهل بالله جل وعلا، وبما يستحقه، وبما يحبه من الدين والطاعة، وهذه الجاهلية هي كل ما كان عليه الناس قبل رسول الله  مما خالفوا فيه الدين المشترك للرسل صلوات الله وسلامه عليهم أو ما شرعه من الدين الحق على ألسنة رسله. فيشترك في ذلك ما كان عليه أهل الجاهلية من العرب، وأهل الجاهلية من أهل اليهود، وأهل الجاهلية من النصارى، وأهل الجاهلية من المجوس، وأهل الجاهلية من الصابئة، وهكذا إلى جميع أنواع أهل الملل.
الجاهلية غالب إطلاقها في الكتاب والسنة يُعنى بها الحال، وقد تطلق ويُعنى بها صاحب الحال.
• فمن الأول؛ وهو أن تطلق ويعنى بها الحال، يعني الصفة التي هي راجعة إلى نفي العلم والإغراق في الجهل بما أنزل الله جل وعلا على رسوله، هذه الجاهلية التي هي الحال والصفة منها قول النبي  لأبي ذر حين عيّر رجلا أسود وهو بلال –بالراجح- بأمه، قال عليه الصلاة والسلام «أعَيّرتَهُ بأمّهِ؟ إِنّكَ امرُؤٌ فيكَ جاهِليّة»، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام «ثنتان من أمتي من أمر الجاهلية»، وكذلك قول عائشة ”كان نكاح الناس في الجاهلية على أربعة أنحاء“ ونحو ذلك من الحاديث التي فيها ذكر الجاهلية، ويدل لذلك قول الله جل وعلا ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[المائدة:50]، فإنه في هذه النصوص يعنى بالجاهلية الحال والصفة.
• وقد يراد بها ذو الحال، فيقال فلان جاهلي، كما يقال امرؤ القيس شاعر جاهلي، يريدون بذلك أنه هو الجاهلي لعيشه في تلك الفترة التي هي الجاهليه المطلقة.

والجاهلية تقسم باعتبارات:
 فتارة تنقسم إلى قسمين:
وهي الجاهلية المطلقة.
والجاهلية المقيدة.
 وتارة تقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:
جاهلية في المكان.
جاهلية في الزمان.
جاهلية في الأشخاص.
فالقسمة الأولى وهي الجاهلية المطلقة والمقيدة:
فنعني بالمطلقة: الكاملة من جميع الوجوه بأحد الاعتبارات الثلاث.
والمقيدة: يعني المقيدة بوجه من الوجوه، إما مقيدة بمكان، أو بزمان، أو بشخص، أو ببعض الصفات.
1- فالجاهلية في المكان تكون مطلقة ومقيدة:
فالمطلقة في بلاد الكفار؛ دار الحرب، بلاد الكفار، هذه يقال لها أمكنة جاهلية، والمكان جاهلي؛ لأجل أنها دار كفار.
وقد يكون المكان فيه جاهلية مقيدة ببعض الأمور كما هو في بلاد المسلمين، فإنه لا يزال فيهم بعض خصال الجاهلية فيكون فيهم بعض الجاهلية، تكون مقيدة ببعض الأشياء، أو مقيدة ببعض الأمكنة دون بعض، تقول البلد الفلاني من بلاد المسلمين فيه جاهلية، أو بلد أصبح جاهليا إذا رجع أهله وارتدوا عن الإسلام إلى الشرك.
2- وجاهلية الزمان أيضا مطلقة ومقيدة:
فالجاهلية في الزمان المطلقة هي ما كان قبل مبعث رسول الله  كانت جاهلية مطلقة في الزمان؛ يعني كل ما كان قبل زمن الرسول  -وَحَدُّهُ بعثة النبي - يقال لها جاهلية بإطلاق.
والجاهلية المقيدة بالزمان هذه هي التي تكون في بعض ظهور خصال الجاهلية في وقت دون وقت، لكنها جاهلية مقيدة وليست مطلقة؛ يعني مقيدة بوقت ظهرت فيه خصال الجاهلية، فتكون مقيدة بالوقت.... ( )
فلا يصح إطلاق من أطلق (بجاهلية القرن العشرين) أو نحوها من العبارات التي يستعملها من لم يدقق، لأنه بعد بعثة رسول الله  انقضت الجاهلية المطلقة، ولا يزال في أمته من ينافح عن هذا الدين ويرفع رايته، فليس ثم جاهلية منسوبة إلى زمنٍ كالقرن العشرين، وإنما تكون منسوبة إلى وقت من الأوقات فيما إذا ظهرت بعض الصفات ثم يجاهدها ويظهر عليها أهل الحق بالإنكار فلا تصبح جاهليةً يعني الزمن.
فمثلا تقول القرن العشرين ظهرت فيه أنواع من الجاهليات كثيرة، لكن ما نطلق نقول: جاهلية القرن العشرين. لأن هذا إطلاق للزمن بكامله، والنبي  أخبر بأنه لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِه «عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرّهُمْ من خالفهم ولا مَن خَذَلَهُمْ حَتّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وهم على ذلك» هؤلاء يبينون وينصحون.
3- القسم الثالث جاهلية في الأشخاص وهي أيضا مطلقة ومقيدة:
فالمطلقة في الكافر.
والمقيدة في شخص دون شخص، أو في شخص في بعض حاله دون بعض، كما قال النبي  لأبي ذر «إِنّكَ امرُؤٌ فيكَ جاهِليّة»؛ يعني بعض خصال الجاهلية.
هذه التقسيمات التي ذكرها أهل العلم في هذا المقام.
وأهل الجاهلية والذي حدا بالشيخ في هذا الأمر العظيم يعني التصدي لجمع هذه المسائل هو ما رواه البخاري وغيره عن النبي ، من حديث ابن عباس عن النبي  أنه قال «أبغضُ الرجال إلى الله ثلاثةٌ: مُلحِدٌ في الحرَم, ومُبْتغٍ في الإسلام سنّةَ الجاهلية, ومُطَّلب دم امرئ بغير حقّ ليهريقَ دمَه» فمن طلب وابتغى في الإسلام سنة يعني مسألة من مسائل الجاهلية فهو داخل في قوله( أبغضُ الرجال إلى الله ثلاثةٌ) فمن ابتغى شيئا من أمر الجاهلية وطلبه أو كان فيه ولم يتركه بعد البيان له فهو داخل في هذا الوعيد الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام.
والجاهليون الذين خالفهم رسول الله ، والذين تذكر هذه المسائل لبيان سننهم وما كانوا عليه، قد يكونون من العرب كما ذكرت أو من أهل الكتاب أو غيرهم كما سيأتي إيضاحه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وذكر أهمية معرفة سنن الجاهلية؛ لأنه كما يذكر عن عمر رضي الله عنه بالخبر لم نعرف إسناده ولم نجد له إسنادا أنه قال: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية. فإذا عرف المرء الجاهلية وعرف أنه يجب عليه أن يتباعد عنها كان أحرى له أن يكون على بينة من أمره ولا تدخله سنة من سنن الجاهلية ولا مسألة من مسائل الجاهلية، ولهذا قال الشيخ رحمه الله في هذه الخطبة (لا غنى بالمسلم عن معرفتها) لا غنى بالمسلم عن معرفة هذه الأمور؛ لأنها أمور دخلت على المسلمين وابتغوا سنة الجاهلية عن جهل تارة، وعن علم مع عناد واستكبار تارة أخرى، وكما ذكر من قول الشاعر (وبضدها تتبين الأشياء) وقول الشاعر الآخر قبله (فالضد يظهر حسنَه الضدُّ) وقوله هنا (فالضد يظهر حسنَه الضدُّ) هذا من كلام عجز بيت للمنبجي أحد الشعراء المعروفين يقول في وصف شخص:
فالوجه مثل الصبح مبيضُّ والشعر مثل الليل مسودُّ
صنفان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنَه الضدُّ
وأما قوله (وبضدها تتبين الأشياء) فهذا من الشعر السائر المعروف لأبي الطيب المتنبي قالك
ونذيمهم وبهم عرفنا فضله وبضدها تتبين الأشياء
في قصيدة يُثني بها ويمدح بها أبا علي هارون بن عبد العزيز الكاتب أحد المتنسكة الذين مالوا إلى التصوف، وفي بعض الطبعات جُعلت وكأنها بيت واحد فتنبه لذلك.
ذكر المسألة الأولى من هذه المسائل ألا وهي أن أهل الجاهلية كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في عبادتهم، في العبادة والدعاء يرجون شفاعتهم لظنهم أن الصالحين يحبون ذلك وأن الله جل وعلا يحب ذلك.
وهذه المسألة هي زبدة الرسالة؛ رسالة النبي  لأنتها مسألة الإخلاص في الدين، والعبادة فأهل الجاهلية كانوا يتعبدون الله جل وعلا بإشراكهم الصالحين في عبادة الله.
والصالحون جمع الصالح. والصالح يراد به العهد وهو ثلاثة أصناف:
1- الأنبياء والرسل.
2- الصالحون من البشر.
3- الملائكة.
وهؤلاء قد وقع في إشراكهم بالعبادة طوائف من الأميين مشركي العرب وغيرهم، فتارة يعبدون نبيا، وتارة دعون ويعبدون ملَكا، وتارة يعبدون صالحا ليس بملك ولا بنبي. قال جل وعلا ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾[النجم:19-20]، وقال جل وعلا ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾[المائدة:116] ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ( ) لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾[سبإ:40]الآيات، ذكر جل وعلا هذه الأنواع في عدة آيات في القرآن، وهذه الشبهة أو هذا العمل الذي كانوا يعملونه من إشراك الصالحين جاء في هذه الأمة وورثته هذه الأمة من الجاهليين، والجاهليون حين عبدوا الصالحين يعني أنهم توجهوا إليهم، تارة يستغيثون بهم، تارة يذبحون لهم، تارة ينذرون لهم، تارة يستشفعون بهم، تارة يجعلونهم وسائط ونحو ذلك من أفعالهم، وهذه الأعمال حكم عليهم الله جل وعلا أنهم مشركون، وهذه هي –أعني الأفعال- هي عين ما حصل وحدث في هذه الأمة بعد القرون المفضلة.
هل كان أهل الجاهلية يعملون تلك الأعمال عن جهل أم عن علم؟ بل كانوا يفعلونها عن علم، وكانوا يعلمون حججا لذلك، ولهذا جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، قال جل وعلا عنهم ﴿فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ﴾[غافر:83]، فأهل الجاهلية عندهم علوم ولكنها مضادة لعلم الأنبياء، مضادة للعلم الذي أنزله الله جل وعلا، قال جل وعلا (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ)، فعندهم علم ولكنه ليس بنافع، ولهذا من حاجّ أهل التوحيد في الأزمان المتأخرة، فإنما يحاجهم بشبه مثل الشبه التي كانت عند أهل الجاهلية وواجهوا بها رسول الله ، ومن أعظمها ما قال الشيخ رحمه الله تعالى في قوله تعالى ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]. من أعظمها مسألة الشفاعة، طلب الزلفى إلى الله جل وعلا بأولئك الصالحين، فتجد أن منهم طائفة يقولون نحن لا نتوجه إلى الأولياء، إلى الصالحين، إلى الأنبياء، لأجل أنهم يستقلون بالنفع أو بدفع الضر، وإنما نتخذهم شفعاء عند الله جل وعلا؛ لأجل ما لهم من المقام الرفيع عند الله جل وعلا وهذا الأصل هو الذي يفعله المتأخرون، المشركون من هذه الأمة حيث إنهم يزعمون أنهم ما اتخذوا أولئك إلا واسطة، ويسمّون تلك الواسطة وذلك العمل يسمونه توسلا، والتوسل شيء واتخاذ الواسطة شيء آخر، عندهم شبه وحجج ولكنها داحضة كما قال الله جل وعلا ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ﴾[غافر:5]، وهم تارة يعبدون عبادة مستقلة؛ يعني بعضهم يتوجه إلى الأولياء، إلى الصالحين، إلى اللات، إلى العزى، يتوجهون لأجل أنهم عُبَّاد لهم منزلة عند الله، فيصرفون بعض العبادات لهم استقلالا، وتارة يتخذونهم واسطة.
فإذن هذه المسألة هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية، فإن الله جل وعلا أمره بالإخلاص، وأن يأمر الناس بالإخلاص، فقال جل وعلا آمرا نبيه ﴿قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي(14)فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:14-15] وقال جل وعلا ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾[البينة:5]، وقال جل وعلا ﴿قُلْ [إِنِّي] ( ) أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(11)وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الزمر:11-12]، وهكذا في آيات كثيرة يأمر الله جل وعلا بإخلاص الدين له، ونبذ الشرك، والتوجه إليه وحده دونما سواه، خالفوا ذلك فأشركوا.
ما معنى الشرك؟ أنهم جعلوا لله جل وعلا ندا في العبادة، وهذا هو الشرك الأكبر، والنِدّ هو الشبيه والنظير كما حسان في هجائه، قال:
أتهجوه ولستَ له بندٍّ فشركما لخيركما الفداء
يعني لست له بمثيل ولا نظير، فمن جعل أحدا مع الله مثيلا ونظيرا لله في العبادة والتوجه فقد سواه بالله جل وعلا، وقد أشرك بذلك الشرك الذي حكم الله جل وعلا به على المشركين بأنهم من أهل النار وأنهم حُرِّمَت عليهم الجنة.
قال جل وعلا مخبرا عن احتجاج المشركين وقولهم لآلهتهم في النار، قال جل وعلا في سورة الشعراء ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(97)إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:97-98]، فأخبروا عن أنفسهم أنهم سووا آلهتهم برب العالمين، وهذه التسوية تسوية في محبة العبادة، تسوية في العبادة؛ لأنهم توجهوا إلى الله وتوجهوا إلى غيره، عبدوا الله وعبدوا غيره، صرفوا بعض أنواع العبادة لله وصرفوا بعضا آخرا لغير الله، فهذا معنى التسوية وهو معنى اتخاذ النِّد، أنهم جعلوا لله عبادة وجعلوا لغيره عبادة أيضا، ولهذا استنكف المشركون لما أتى النبي  بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، ما ذا قالوا؟ ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5].
واليوم إذا رأيت فإنه قد دخل هذا الأمر يعني هذا النوع من الشرك في المسلمين بعد مضي نحوٍ من ثلاثة قرون شيئا فشيئا.
وأصل البلاء الذي من أجله دخل هذا النوع من الشرك هو أنه فسرت كلمة التوحيد بأنها دالة على الربوبية، كما عليه أهل الكلام ومن تبعهم، لم يجعلوا كلمة التوحيد دالة على إفراد الله جل وعلا بالعبادة، وإنما جعلوها دالة على إفراد الله جل وعلا بالربوبية، ولهذا تجد في كتب أهل الكلام أنهم قالوا الإله هو القادر على الاختراع، الإله ما عندهم؟ القادر على الاختراع. لا إله إلا الله عند أهل الكلام معناها: لا قادر على الاختراع -يعني على الخلق- إلا الله. وهذا المعنى يقر به أهل الجاهلية ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف:9]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87]، كانوا يوقنون بأن الله جل وعلا هو القادر على الاختراع وحده وأنّ غيره لا يخلق شيئا، لهذا احتج عليهم ربنا جل وعلا بقوله ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾[الأعراف:191] لأنهم يقرون بتلك المقدمة.
كذلك أخذ هذا المعنى طوائف من المبتدعة من جنس الأشاعرة فقرروه في كتبهم، قرروه في كتبهم، فيقول أحد من متأخريهم وهو السَّنوسي في رسالته التي يسمونها أم البراهين، يقول فيها في معنى كلمة التوحيد يقول: فمعنى لا إله إلا الله لا مستغنيا عما سواه، ولا مفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله، فمعنى الإله –هذا كلامه- هوالمستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه. لما درس الناس مثل هذه صار توحيد العبادة عندهم ليس هو معنى كلمة التوحيد، انحرف الناس شيئا فشيئا حتى اتخذوا آلهة من دون الله، يظنون أن التعلق بأرواح الموتى وسؤال من له جاه عند الله -على حَسَب ظنهم– سؤاله ليس من الشرك، وهذا أصل البلاء الذي دخل في المسلمين، شيئا فشيئا دخل حتى عُظمت القبور وأُشيدت وعُظم أصحابها، حتى أُعتقد أن لهم بعض خصائص الإلهية، حتى وصل الأمر في عهد الشيخ الإمام محمد رحمه الله تعالى إلى أنهم كانوا يعتقدون فيهم أنهم ينفعون ويضرون استقلالا والعياذ بالله، بل كانوا يشركون بهم في الرخاء وفي الشدة.
لهذا قال الشيخ في قواعده الأربع: أن مشركي أهل زماننا أعظم شركا من مشركي العرب ذلك لأن أولئك كانوا يشركون في الرخاء وأما في الشدة فكانوا يوحدون الله ويخلصون الدين له كما قال جل وعلا عنهم ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾[العنكبوت:65]. وأما أهل هذا الزمان فإنهم يشركون في السراء وفي الضراء كما قال أحد علماء الدعوة حيث ناقش رجلا في تعلق طائفة من الناس بابن عباس في الطائف، كما كان قبل الدعوة كانوا يتعلقون به ويجعلونه إلها لهم، ويصرفون له حقوق الله جل وعلا، يجعلونه مستغاثا به، مذبوحا له، منذورا له، مدعوا، قال له: إن ابن عباس –يقول هذا أحد علماء الدعوة، يقول للآخر- إنّ أهل الطائف -يعني من كان منهم على هذا الاعتقاد- يتوجهون إلى ابن عباس يعرفون ابن عباس ولا يعرفون الله، فقال الرجل الآخر: معرفتهم بابن عباس تكفي. وهذا أمر قد لا يظهر لكثير من الناشئة في البلاد، لكن من عرف ما عليه الخرافيون في بعض البقاع في هذه البلاد وفي عيرها من بلاد المسلمين، يجد أن هذا الأمر شائع منتشر، بل إنهم يزيدون في أنهم يعتقدون أن بعض الأولياء لهم الضر والنفع الاستقلالي.
هذه المسألة ذكرها الشيخ أول مسألة لعظم شأنها، وهي الزبدة لرسالة النبي  بإخلاص الدين له، وبتوحيده جل وعلا وعدم الإشراك به، ونبذ الشرك الذي كان يفعله أهل الجاهلية.
قال رحمه الله: إن من فعل ذلك فقد أخبر النبي  بأن الله حرم عليه الجنة ومأواه النار كما قال جل وعلا مخبرا عن قول عيسى بن مريم عليه السلام ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ [رَبِّي]( ) وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:72].
إذن هذه المسألة هي أعظم المسائل، إذا كانت هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية فكون الدعوة تُجعل مركِّزة عليها معتنية بها أتم العناية يكون ذلك من وِراثة دعوة المصطفي ؛ لأنْ هذه المسألة من أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية، فإذا كانت كذلك فغيرها من المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية هي دونها في المرتبة، فعليه يكون ورثة الأنبياء، ورثة النبي ، من ورثوا عنه العلم النافع إنما يدعون أول ما يدعون ويهتمون أكثر ما يهتمون به بهذه المسألة العظيمة وهي أن ينقضوا الناس من النار وأن يجعلوهم ممن يرجى له الجنة، وذلك بنهيهم عن الشرك وبتوضيح مسألة التوحيد أتم إيضاح ومعنى الشهادة لله جل وعلا بالوحدانية وما فيها من النفي والإثبات ومعنى الكفر بالطاغوت ونحو ذلك من أصول التوحيد.
إذا كان كذلك، فتعلم أن من توجه في دعوته بغير الاهتمام بهذه المسألة العظيمة فإنما اهتم بأمر لم يكن اهتمام رسول الله  به أولا، ولهذا جاء في حديث معاذ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له «إنك تأتي أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله» كما في صحيح البخاري في كتاب التوحيد، أو في الرواية المشهورة«إلى أن شعادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» أو«إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله».
فهذه المسألة هي أعظم المسائل، وعليها يجب أن تكون الدعوة مركزة مهتما بها؛ لأنها هي التي بها يتفرق الناس إلى مسلم وكافر، وأما غيرها من المسائل فهو دونها بكثير.
قال الشيخ رحمه الله: من أجل هذه المسألة تفرق الناس إلى مسلم وكافر وهذا يعني أن من أشرك بالله جل وعلا صالحا أو غير صالح فإنه كافر بالله، كافر، لا نتوان عن إطلاق الشرك عليه، ولا إطلاق الكفر عليه؛ لأنه ما دام أنه مشرك بالله جل وعلا، فعل الشرك، فإنه يطلق عليه أنه مشرك كافر، لكن الشرك الذي يُطلق عليه لا تستباح به أمواله ولا يستباح به دمه، بل ذلك موقوف على البيان، موقوف على الدعوة، لابد من البيان والدعوة قبل الاستباحة، لكن الحكم عليه، يُحكم عليه بأنه مشرك وتُرتَّب عليه أحكام الكفار في الدنيا، ولكن لا يشهد عليه بأحكام الكفار في الآخرة؛ يعني بأنه من أهل النار حتى نعلم أنه رد الحجة الرسالية بعد بيانها له بعد أن أقامها عليه أهل العلم، أو أنه قاتل تحت راية الكفر.
هذه هي المسألة الأولى، وطريقتنا في هذا الشرح ذكر إيضاح لهذه المسألة بما يتم معه فهم مرادات المؤلف رحمه الله تعالى، وليست مجال تقرير المسألة بكل ما يتعلق بها من فروع؛ لأن المقام يضيق عن ذلك، وموطن بيان هذه المسائل كتاب التوحيد وغيره من الكتب التي أُلفت في هذا الشأن. ( )
[المتن]
(المسألة الثانية) أنهم متفرقون في دينهم كما قال تعالى ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( ) وكذلك في دنياهم ويرون أنّ ذلك هو الصواب، فأتى بالاجتماع في الدين بقوله ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، وقال تعالى ﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾[الأنعام:159]، ونهانا عن مشابهتهم بقوله ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران:105]، ونهانا عن التفرق في الدنيا بقوله ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103].
[الشرح]
هذه المسألة الثانية وَصَفَ فيها أهل الجاهلية بأنهم متفرقون في دينهم ودنياهم، عندهم العزة والكرامة في التفرق؛ لأنه يدل على استقلال كل بما عنده، وأنه لا يتبع أحدا، متفرقون في دينهم، كلٌّ له دين، بعضهم يعبد الملائكة، بعضهم يعبد الصالحين، بعضهم ينكر البعث، بعضهم يجحد الرسالة بعضهم يؤله عيسى، بعضهم يؤَلِّه عزيرا، ونحو ذلك، في دينهم لم يجتمعوا، كذلك في دنياهم، فبين الله جل وعلا أنهم شرع لنا من الدين ما نجتمع بيه في الدنيا، قال جل وعلا ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِن الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في شرح هذه الآية في قاعدة الجماعة والفرقة: إن الأصل الأصيل الذي دعا إليه الأنبياء جميعا وهو الدين المشترك والإيمان المشترك هو الاجتماع على دين حق وعدم التفرق في ذلك. وأكد ذلك جل وعلا بقوله ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾،( ) فذكر جل وعلا ما وصف به أمر المرسلين بقوله (وَصَّيْنَا) وما أمر به النبي  بقوله(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، قال (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) فهذه الآية فيها الأمر بالاجتماع، (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وإقامة الدين بالاجتماع على التوحيد؛ يعني على ما دعا إليه النبي ، بأن لا يكون في البلاد شرك، وأن لا يُقر الشرك وأن لا يكون هناك ما يحرم الأصل الدين، لأنه إذا تفرق الناس في أصل تفرقوا في الدنيا ولا شك، فأهل الشرك لما تفرقوا في الدين تفرقوا في الدنيا، فالتفرق في الدين يورث التفرق في الدنيا، وكذلك التفرق في الدنيا –يعني بعدم الاجتماع كما سنوضحه – يورث التفرق في الدين، فأمر الله جل وعلا بعدم التفرق في الدين وعدم التفرق في الدنيا؛ يعني بالأمر بالاجتماع والائتلاف في الأبدان والاجتماع في الدين، فهما نوعان من الاجتماع؛ اجتماع في الأديان واجتماع في الأبدان وأحدهما ملازم في الآخر، لهذا قال أهل العلم: الجماعة في قول النبي  «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» ونحو ذلك من النصوص التي فيها ذكر الجماعة هو ما يكون من مجموع الأمرين، اجتماع في الدين واجتماع في الدنيا، اجتماع في الأبدان واجتماع في الدين، فكما أن النبي  خالف أهل الجاهلية في أنهم متفرقون في الدين فأتى بدين واحد يخضع له الجميع، كذلك أمره بالاجتماع في الدنيا وأن يقروا لولاتهم وأن لا يخرجوا عليهم كما سيأتي إيضاحه في المسألة الثالثة.
قال جل وعلا ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران:105] أنزلها الله جل وعلا على صحابة النبي  مع كون الذين كانوا قبل من اليهود والنصارى افترقوا على أكثر من سبعين فرقة؛ اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فنهانا الله جل وعلا عن التفرق في الدين بقوله (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) يعني أنه جل وعلا أمر بالاجتماع على التوحيد والاعتصام بحبل الله، وأن لا نتفرق في الدين وأن نجتمع على الكلمة العظمى كلمة التوحيد، وأن لا يحدث فيما بيننا حدث مخالف لأصل الإسلام ولا نخالف عما أنزل الله على رسوله.
الآية الأخرى في قوله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103] فهذه الآية في الاجتماع في الدنيا، فإن الناس إذا تفرقوا في الدنيا؛ يعني تفرق بعضهم عن بعض بأن أطاع بعضهم طائفة وأطاع الآخرون طائفة أخرى وحصل هذا التفرق في الأبدان في الدنيا نتج عنه جزما التفرق في الدين ويبدأ صغيرا ثم يكون كبيرا، فكلما تفرق الناس في الدين نتج عنه فرقة في الأبدان، وكلما تفرقوا في الأبدان -يعني بأنْ يكون لكل طائفة مطاع لا يقرون بطاعة كبرائهم من ولاة الأمر- فإنهم ينتج عن ذلك تفرقهم في دينهم فأمر الله جل وعلا بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، (لَا تَفَرَّقُوا) في أبدانكم، (لَا تَفَرَّقُوا) عن من ولاه جل وعلا أمركم، لهذا جاء في الحديث -الذي سيأتي إن شاء الله تعالى- أن النبي  قال «إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تُناصِحوا من ولاه الله أمركم» كان أهل الجاهلية يعتزون بالتفرق، ويعتبرون الطاعة مذلة ومهانة كما سيأتي في المسألة الثالثة، وهاتان المسألتان متصلتان ببعض، فإن أهل الجاهلية لمّا لم يطيعوا ولاتهم مع كونهم مشركين تفرقوا في دنياهم لأن إحدى المسألتين متصلة بالأخرى، فأتى الله جل وعلا بالاجتماع في الأمرين، وإنما تتم الشريعة بالأمرين جميعا، اجتماع في الدين بأن لا نتفرق فيه، واجتماع في الدنيا بأن لا يكون في المسلمين أحزاب ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( )، ولهذا كلما نشأ في الإسلام ناشئة تُفَرِّقُ عن الجماعة الأولى وعن النهج الأصل، فإن ذلك يعد من التفرق والاختلاف، إذا كان ذلك عن أراء مستقلة وعن دين مستقل في الأصول، وهذا الذي حدث في الأمة فافترقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة»، يعني التي اجتمعت في دينها واجتمعت في دنياها.
[المتن]
(المسألة الثالثة) أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله ، وأمر بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد.
وهذه الثلاث التي فيه جمع بينها فيما ذكر عنه في الصحيحين أنه قال: « إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها.
[الشرح]
رحمه الله الشيخ رحمة واسعة، لم يقع خلل في دين الناس أو دنياهم إلا بسبب الإخلال في هذه الثلاث أو بعضها، هذه الثالثة أهل الجاهلية كانوا فوضى، لا يقرون بولاية لأحد ولا يرضون ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن الطاعة لبشر مثلهم أنها ذل ومهانة، كيف يطيع ويسمع له وهو مثله؟ بما فضل عليه؟ ويعتبرون عدم الطاعة دليل العزة ودليل الكرامة ودليل الرفعة، فخالفهم النبي  خالف أهل الجاهلية بأن أمر بطاعة ولاة الأمر يعني المسلمين في غير المعصية، أمر بطاعتهم في المعروف، وأن لا يُخرج عليهم وأن لا يُفَرَّق الناس من حولهم، ولهذا كان أول من خالف هذا الأصل الخوارج حيث إنهم خرجوا عن ولاية وخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بآراء اجتهدوا فيها، والنبي  أمر بالطاعة قال «أطع», قال «أسمع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك», وقال في الحديث الآخر حينما سأله: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا». «إنه يكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ولكن من رضي وتابع». قال: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا.» وفي رواية «ما أقاموا فيكم الصلاة.»، وفي حديث آخر قال «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.»، فما دام أن الوِلاية يصح عليها اسم الإسلام، ولم تنتقل عنه إلى الكفر ولم يُحكم بردتها، فالطاعة والسمع واجبان، وتجميع الناس حولها ما دام اسم الإسلام باقيا واجب؛ لأنه ما يحصل للناس من الاجتماع ولو كان هناك نقص في بعض أمور الدين فإنه ما يحصل من الاجتماع أضعاف أَضعاف ما يحصل من المصلحة من التفرق، وأنتم إذا نظرتم إلى تاريخ المسلمين، وجدتم أن هذا الأصل حزم في مواضع وكلما ظن الناس أنهم بخروجهم على الوالي المسلم أنه سينتجون خيرا فإنه ترتد عليهم ولا يكون ذلك خير، كما قال عليه الصلاة والسلام «لا يأتيكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» خرجوا على بني أمية ولم يقروا لهم، وقامت دولة بني العباس ومع ذلك لم تكن دولة بني العباس كدولة بني أمية، وهكذا في نزول من الزمان، فأتى النبي  بمخالفة المشركين في ذلك، وقد كان الواحد من المشركين ينصح بالاجتماع وينهى عن التفرق فقال أحد منهم:
لا يصلح الناس فوض لا صَراط لهم ولا صَراط إذا جُهالهم سادوا
كانوا يأمرون بأن يرجعوا إلى كبرائهم، ولكن ما كانوا يطيعون، بل كانت الجزيرة العربية فيها من القيادات والاختلاف قبل مبعث رسول الله  ما لا يحصى ولا تغيبن عنكم الحروب الدائرة في الجاهلية وأسباب ذلك.
إذن فهذا الأصل من الأصول العظيمة، قال رحمه الله: وأبدى فيه –يعني النبي - أبدى فيه وأعاد وغلظ في ذلك، من التغليظ أنه قال «اسمع وأطع ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك» تسمع وتطيع لم؟ لأن أخذ المال وضرب الظهر هذا مفسدته عليك وستلقى ربك أنت وهو ويقتص لك منه، لكنك إذا لم تطع تعدى ذلك إلى الناس فصار الاختلاف وصارت الفرقة ومعها لا يكون الاجتماع في الدين.
في هذه الجزيرة قبل دعوة الشيخ رحمه الله تعالى كان الناس متفرقون كل في جهة، كان في شرق الجزيرة العربية كانوا يدينون للولاية العثمانية، وكان في غربها يدينون [للأشراف] وفي وسط الجزيرة يعني في نجد لم تكن تحت ولاية؛ إنما كان لكل بلد أمير ولكل بلد والي يطيعه أصحابه وكان في ذلك من القتال ما تعلمون حتى إنه في يوم واحد في بعض القرى القريبة من الرياض في يوم واحد قُتل أربعة؛ كان أمير فقتله واحد تولى الإمارة، وقتله ثالث وتولى الإمارة، وقتله رابع وتولى الإمارة في يوم واحد، وهي كلها قرى لا تزيد القرية عن مئات إن كثرت.
فأنعم الله جل وعلا على هذه البلاد بدعوة التوحيد، واجتمع الناس في دينهم وفي دنياهم ولا شك أن التفرق في دنيا سيورث التفرق في الدين والتفرق في الدين يورث التفرق في الدنيا وإنما يحصل –كما قال الشيخ- يحصل الفساد في الناس من الإخلال في أحد هذه الثلاث أو بها جميعا؛ إذا أشركوا وقع الشرك، إذا لم يجتمعوا في الدين ولم يجتمعوا في الدنيا، إذا لم يطيعوا ولاة أمورهم ولم يناصحوهم فإنه يقع الافتراق في الدين والدنيا، وهذه الثلاث أصول عظيمة، هذه الثلاث كما ذكر جمعها النبي  بقوله « إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» وهي مسائل عظيمة أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا دائما فيما بيَّنه إمام هذه الدعوة من المسائل العظيمة التي نحتاج إليها ولا شك في كل وقت في هذا الزمان، ومذاكرتها والتذكير بها ضروري يعني حبذا لو يكون في المجالس أن تؤخذ مسألة، مسألة، من هذه المسائل ويُقرأ شرحها للألوسي أو لغيره، وينظر فيها ويتأمل لأنها أشد ما تكون بحاجة إليها كما قال في المقدمة قال: لا غنى للمسلم عن معرفتها.
أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينور قلوبنا جميعا، وأن يجعلنا متبعين لنبينا ، وأن يعلمنا العلم النافع وأن يرزقنا الدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، وأسأله جل وعلا أن يجعل آخر أيامنا خيرا من أولها وأن يجعل أيامنا في قرب منه وازدياد وزلفى إليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأسأل الله جل وعلا لي ولكم الثبات إلى الممات والاستعداد ليوم لقاه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الأسئلة]
1/ يقول: ما رأيكم فيمن يقول: إن على العالم أن يعلم منهج السلف الصالح دون التطرق إلى الفرق الضالة وأصحاب المناهج الضالة ألا يدخل في مقولة عمر رضي الله عنه تنقض عرى الإسلام عروة عروة؟
والجواب: أن هذا الكلام غير دقيق وليس بصحيح بل هو غلط؛ لأن الرد على المخالف في دين الإسلام، الرد على المخالف من أصول هذا الدين؛ لأن الله جل وعلا هو أول من ردّ، وأعظم من رد على المخالفين لرسول الله ، وهو الذي حاجهم بنفسه جل وعلا، فالرد على المخالفين من أعظم القربات، يقول شيخ الإسلام: وهو من أعظم أنواع الجهاد. وهذا صحيح وقد يفوق جهاد الأعداء الخارجيين؛ يعني أن مجاهدة العدو الداخل أعظم من مجاهدة العدو الخارج؛ لأن العدو الخارج بينةٌ عداوته أما العدو الداخل فهذا قد يخفى، ومن أعظم العداوات أن ينشأ في المسلمين من يدعوهم إلى غير منهج السلف لأن هذا -كالبدع والشركيات والمناهج الضالة من منحرفة كالرافضة والخوارج ونحوها- فإن هذا لا شك أنه الرد على هؤلاء من أعظم القربات، الخرافيين الصوفيين أهل الطرق ونحو ذلك كل هؤلاء الرد عليهم من أفضل القربات وأعظم الطاعات، وهو نوع من الجهاد لا بد منه قال جل وعلا ﴿فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[الفرقان:52] ومجاهدهم بالقرآن وبالعلم من أعظم أنواع الجهاد، أما أن يتركوا ويسكت عنهم، فمتى يعرف الحق؟ إذا سكت العالم على بيان ضلال الضالين، متى يعرف الحق؟ لأننا يجب علينا أن نرعى الدين، الدين علينا أهم من الأشخاص فإذا كان الرد على فلان يحمي حمى الدين –هذا المخالف- ولا مفسدة راجحة في الرد؛ من سفك دماء ونحوه، فهذا يتعين الرد، فالرد على المخالفين من أصول الإسلام ولا شك.
فقوله أنه عليه أن يبين منهج السلف دون التطرق إلى الفرق الضالة كلام غير دقيق وغير صحيح.
أحد الإخوان يطلب أن يفرغ الدرس بعد تسجيله.
هذا يكون إن شاء الله تعالى.
2/ يسأل عن آية آل عمران هل هي في الدين أو في الدنيا؟
وهي قوله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُو﴾[آل عمران:103].
لا هي في الدنيا، لم؟ لأنه قال ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾[آل عمران:103] ما كان الرجل من الأوس مع الآخر من الخزرج متآلفان متحابان، ما كان يرضى الرجل الذي في المدينة مثلا من الأوس أو الخزرج أن يأتيه واحد من قريش ويسكن مكانه، ما يرضى, لو يأتي ويفعله ربما فعل به وفعل، كان بينهم عداوات ما بينهم تآلف ولا تحاب، فأمر الله جل وعلا بأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق؛ يعني في الدنيا.
3/ ذُكر في الكتاب أن هذه المسألة -يعني المسالة الأولى- شرع من اجلها الجهاد فأرجو توضيح ذلك.
لا شك أن النبي  إنما جاهد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وليكون الدين كله لله جل وعلا، كما قال﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:39] وفي الآية الأخرى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾[البقرة:193]، يعني جميعا، وقال جل وعلا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾[البقرة:208]، فالمأمور به العباد أن يخلصوا الدين، إذا ما أخلصوا الدين لله جل وعلا فإنهم يجاهَدون جهاد كفر كما فعل النبي ، من أجل هذه المسألة جُوهد المشركون واُستبيحت دماؤهم وأموالهم، ومن اجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر فالدعاء بأي شيء أبيحت؟ لأجل الكفر، دماء المشركين أبيحت لأجل أنهم مشركون لأجل أنهم يشركون مع الله آلهة أخرى، فهذه المسألة هي التي يجاهد من أجلها لأنها أعظم ما يجاهد لأجله.
4/ بالنسبة لقولكم في الجاهلية بالنسبة للزمان المطلق، وتعليقكم على عدم دقة قول بجاهلية القرن العشرين. -أنا ما قلت أن القول غير دقيق أنا قلت أنه غلط من أصله- ألا تحمل على أن معظم الناس اليوم في جاهلية؟
هذا أيضا غلط آخر، الشيخ رحمه الله تعالى، الشيخ محمد في وقته الذي الجاهلية فيه أكثر من هذا الزمان، قال: ولا أقول إن أكثر الناس على الشرك، وأنّ الناس ارتدوا إلا طائفة كذا وكذا. وهذا الذي نعتقده، بخلاف ما ينقل عن الدعوة في بعض الأمصار، أنهم يعتقدون أن من هم خلافهم أنهم مشركون، يقول الشيخ رحمه الله تعالى: فإنني لم أكفر إلا بما أجمع عليه، وأكثر الأمة والحمد لله ليس كذلك. فقوله هنا (ألا تحمل على أن معظم الناس اليوم في جاهلية) هذا كلام ليس بصحيح، قد يكون في بعضهم جاهلية لكن معظم الناس في جاهلية هذا غير دقيق؛ لأن قوله (في جاهلية) يعني جاهلية كاملة؛ يعني الكفر، وهذا غلط؛ لأنه لو قال الأخ: على أن معظم الناس عندهم خصال من الجاهلية لكان صحيحا، أما أن يقال في جاهلية اليوم فهذا تعبير لا يستعمله أهل العلم.
5/ يقال عندما يتعدى الإمام بالضرب وأخذ المال يُصبر عليه كما قال النبي ، ولكن لو مسّ العِرضَ فهل يُصبر عليه أيضا؟
قوله هنا (لو مسَّ العِرض) هذه مجملة تحتاج إلى تفصيل.
مسُّ العِرض إذا كان بالتعدي على العرض مباشرة فإنه يُقاتِل المرء دون عِرضه؛ يعني أتى والي من الولاة ودخل يريد أن يأخذ زوجتك أو يتعدى عليها تقاتل دون ذلك، فإن قُتلت دون عرضِك فأنت شهيد.
أما مسّ العرض بمعنى أن يكون هناك مثل ما يكون في مثل هذا الزمان الإعلام ونحوه الذي يفسد النساء، ويُفسد الأعراض فهذا لاشك أنه لا يدخل ضمن الأول؛ لأنّ هذا ليس متعينا ولا موجها لواحد بعينه، وإنما عليه أن يتحصّن بالدين، وهذا من جنس الفتن ومن جنس أنواع البلاء والمعاصي التي تنتشر في الناس بأمر الولاة ونحوهم، وهذا لا يخرج به المرء عن الإسلام، فكيف إذن لا يُصبر عليه؟
فإذن العبارات المجملة ينتبه أصحابها.
6/ هذه ملاحظة جيدة: نلاحظ بعض الطبعات فيها زيادة وحذف ونقص.
هذا صحيح طبعات الكتاب بعضها يزيد وبعضها ينقص، بعضها فيه اختلاف في بعض الألفاظ بل أن بعض الطبعات في ذكر قريب من مائة مسألة تزيد قليلا، وبعضها فيها مائة وعشرون مسألة أو تزيد، فعليه أن يقبل بين ما نقرأ وما عنده ويضيف.
7/ نرجو توضيح ما إذا كان المصر على كفرٍ من العُبّاد الجاهليين دعاة الصالحين والأولياء، بعد أن بين له الأمر وما هو عليه ثم أقر وأصر على ما هو عليه، أو أنه قاتل تحت راية كفر، هل تنطبق عليه أحكام الكفار في الآخرة أم يبقى كمن لم يبين له؟
الجواب: أن من قاتل تحت راية كفرية معتقدا صحة ما قاتل لأجله ولو لم يصله البيان بمفرده فإنه إذا مات يشهد عليه بالنار، كما فعل الصحابة؛ الصديق ومن معه مع المرتدين لما أسروا من أسروا قال ما تركوهم حتى يشهدوا بأن قتلاهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، فمن قاتل تحت راية كفر غير مكره معتقد صحة ما قاتل له ولو لم يبين له بمفرده فإنه يكون كافرا ظاهرا وباطنا، يُشهد عليه بالنار، أما إذا خرج معهم ولم يقاتل ونحو ذلك فهذا ليس له هذا الحكم.
8/ أيضا هذا سؤال جيد يقول: هل كل المسائل التي ذكرها المؤلف مخرجة من الملة؟
الجواب: لا، هذه المسائل اشتملت على ما هو شرك أكبر، وما هو كفر، وما هو شرك أصغر، وما هو بدعة وما هو محرم. اشتملت على هذه الأنواع سيأتينا إن شاء الله تعالى كل هذه الأنواع، بعضها مثل التقليد في المسألة الرابعة قال: إن دينهم مبني على أمور أعظمها التقليد، التقليد على النحو ذاك محرم، قد يكون شركا أكبر، إذا كان تقليدا في التحليل والتحريم ونحوه. إذن هذه المسائل لا تأخذ المسألة تقول أنها شرك لأنه ذكرها الشيخ في مسائل الجاهلية، لا، هذه خصال كان عليها أهل الجاهلية بعضها يكون شرك وبعضها ليس كذلك.
9/ هذا سؤال الحقيقة كثيرا ما يرد ومع كثرة إيضاحه وبيانه ما زال يورد، فلا أدري سبب إثارته دائما، يقول: مارأيك بمن قال –دائما في الأسئلة تحاولوا أنكم تسألون عن القول لكن بمن قال نتركه- ما رأيك عن قول من قال إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله خرج على العثمانيين، وكيف نرد عليهم؟
الجواب من جهتين:
الجهة الأولى: أنه كما ذكرت لكم نَجْد في وقت الشيخ لم تكن تحت ولاية العثمانيين، بل إن نجدا من سنة 260 هـ وهي لم تخضع لوِلاية، لا ولاية العباسيين لا ولايات أخر، كانت مستقلة، تسلط عليها بعض الخوارج من ذلك الوقت وطائفة من أهل اليمن ونحوها، يعني استقلت لم تدخل تحت طاعة من ذلك الوقت، فكانوا في تفرق فلم يُجبر أهلها ولم يخضعوا لبيعة وإنما كانوا مستقلين، لما ظهرت الدولة العثمانية كانت نجد كل بلد لها أميرها، فما خضعوا تحت الخلافة العثمانية في أول ما قامت لأنه أول ما قامت كانت على إسلام صحيح بعد ذلك انحرفت.
هذا لما أتى الشيخ وهم على هذا النحو كل بلد لها أمير، ما يقرون بطاعة لبني عثمان بخلاف الأحساء والمنطقة الشرقية وهؤلاء يقرون للولاية للعثمانيين، والوالي على الأحساء ونحوها تحت ولايته، كذلك [الأشراف] ونحوهم كان عندهم نوع استقلال لكنهم تحت الولاية العامة، أما نجد كانت مستقلة، هذا من جهة.

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:24PM

الجهة الثانية: أن في وقت الشيخ رحمه الله تعالى كان العثمانيون يدعون إلى الشرك الأكبر وإلى الطرق الصوفية ويحببون ذلك وينفقون على القبور وعلى عبادتها ينفقون عليها الأموال، فمن هذه الجهة لو كانت نجد داخلة تحت الولاية لما كان لهم طاعة لأنهم دعوا إلى الشرك وأقروه في عهودهم الأخيرة، أما في المائتين سنة الأولى (250 سنة الأولى) كانوا على منهج، يعني كانوا في الجملة جيدين، لكن لما في كان في سنة 1100 تقريبا وما بعدها لما كثر الشرك في المسلمين هم كانوا ممن يؤيدون ذلك تأييدا وينفقون عليه، وقد وجد من أقوال الخلفاء العثمانيين –حسب التسمية الشائعة- ولاة بني عثمان وجد منهم من يكتب أدعية في استغاثة بالرسول  أو استغاثة بالأولياء ونحو ذلك.
فالجهة الأولى هي المعتمدة التي ذكرتُ لك، والثانية فرع عنه.
10/ هل أن نقول أن أهل الجاهلية الأولين في عهد الرسول  كانوا يعلمون أنهم على باطل؟
هذا [ليس] بصحيح كما يقول إمام الدعوة ليس كفر من كفر منهم عن عناد واستكبار بل بعضهم كفر عن تقليد؛ تقليد الأكابر وبعضهم من أجل عدم العلم، قال جل وعلا ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنبياء:24]. فلم يكونوا يعلمون أنهم على باطل، ذلك القلة منهم كانوا يعلمون لكنهم كانوا مستكبرين لكن الأكثرون كانوا لا يعلمون بين لهم البيان العام، أزل القرآن، دعا النبي  الناس فمن صد فهو كافر مشرك.
نختم بهذا ونسأل الله جل وعلا أن ينفعني وإياكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. ( )
[المتن]
(المسألة الثامنة) الاستدلال على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء كقوله ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾[الشعراء:111]، وقوله ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾[الأنعام:53] فرده الله بقوله ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾[الأنعام:53]
(المسألة التاسعة) الإقتداء بفسقة العلماء فأتى بقوله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[التوبة:34]، وبقوله ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[المائدة:77].
(المسألة العاشرة) الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهله وعدم حفظهم كقوله ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27].
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأَرِنَا الباطل باطلا ومُنَّ عليما باجتنابه، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، نعوذ بك من شرور أنفسنا، نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
في المعنى العام للمسائل التي قبلها وذلك أن المسائل التي قبلها كانت في ذكر الاستدلال؛ استدلال المشركين وأهل الجاهلية على ما هم عليه من الباطل بأنواع من الأدلة.
فذكر من تلك الأدلة أنهم يستدلون بالأثر على الصواب، وأنّ الشيء يعرف بأنه حق إذا كان أتباعه هم الأكثرين.
وذكر من أدلتهم أنهم يحتجون بالأولين والمتقدمين.
وذكر من استدلالاتهم أنهم استدلوا بقوم أعطوا قوى، أعطوا أفهاما، وأعطوا علوما، يستدلون بهم وبأحوالهم على بيان صلاح ما هم عليه وبطلان ما جاءت به المرسلون.
وهذه المسألة هي تلك المسائل، وهي أنهم يستدلون على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، يستدلون على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، وهذا تنوع من الأدلة التي يستدل بها أهل الجاهلية في الماضي، ويستدل بها كل من كان فيه شعبة من شعب أهل الجاهلية في كل زمان ومكان، يستدلون على بطلان أمر من الأمور بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، وذلك أنه في ظاهر أفهامهم أن أهل الشرف والسيادة وأهل الرفعة والريادة وأهل الوجاهة والمال هم أحرى بأن يكونوا أوصل للحق وأعرف للحق وأحسن استدلالا عليه، فكيف يكون الضعفاء الذين هم أضعف عقولا، وأضعف أفهاما عندهم، كيف يصلون إلى الحق دونهم؟ فاستدلوا بذلك على أن أولئك الضعفاء عقولهم ليست صائبة، وأفهامهم ليست مستنيرة، وأنهم هم أهل الأفهام وأهل العقول، وإذا كان كذلك تم لهم الدليل بأن جاءت به المرسلون إنما اقتنع به الذين ليس لهم عقول صائبة، وليس لهم عقول مستنيرة، وليس لهم أفهام جيدة وقرائح قوية، فاستدل ذلك على بطلانه، إذْ لم يقتنع به أهل الفهم، يقنع به أهل العلو، لم يقتنع به أهل الجاه، أهل المال، الرؤساء، الأشراف، الملأ، ونحو ذلك.
وهذا الاستدلال في أصله صحيح شرعا، ولكنهم هم استدلوا به، فخلطوا ولم يزنوه بالميزان الشرعي الصحيح، وكيف ذلك؟ صحيح أن كل من كان أوفر عقلا وأجود ذهنا وأصح قريحة أنه يصل إلى الحق، وأنّ من كان دونه في الفهم، ودونه في العقل، ودونه في إتيان اللب والفهم، هذا يكون أبعد من الذي قبله في الوصول إلى الحق، ولهذا ذكر الله جل وعلا المشركين بأنه أعطاهم ألبابا وأعطاهم عقولا، لكن هذا الأصل لما كان صحيحا كان حال المشركين معه منقلبة ومنعكسة؛ لأنه يثبت بذلك أنّ من استجاب للحق وتبِع المرسلين أنهم هم أهل العقول وهم أهل الألباب وهم أهل الفهم، قال جل وعلا ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، والمشركون لم يعقلوها فثبت أن من عقلها هم العالمون، وإن كانوا عند أولئك أقل فهما، كذلك قال جل وعلا ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾( ) فالذين يتذكرون ويتبعون الرسل هم أولوا الألباب وهم أولوا العقول.
إذن فهؤلاء المشركون وأولئك المشركون كيف لم يتم لهم هذا الاستدلال، مع أنه في أصله صحيح؟ ذلك أنهم إن ظنوا أنهم هم أهل العقول، وهم أهل الأفهام، وهم أهل الألباب، فذلك قد يكون صحيحا في نفسه لكن العقل يصرفه عن فهم الحجة ويصرفه عن اتباع الحق أنواعا من الصوارف كانت متوافرة في أولئك المشركين، متكاثرة فيهم، ظاهرة بادية في حالهم وشأنهم:
 وأعظم تلك الصوارف الاستكبار والهوى: ذلك أن الهوى يغطي العقل عن الحق وهم كانوا أهل هوى فالهوى كان صارفا لاستعمال عقولهم فيما كان ينفع ﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾[الفرقان:43]،﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ﴾[القصص:50].
 من الصوارف أيضا التي جعلت عقولهم ضعيفة وأفهامهم كليلة، وهم يضنون أنهم يحسنون صنعا وأنهم هم أولوا الألباب من الصوارف الغنى، و الله جل وعلا بين أن الإنسان يصرفه المال عن رؤية الحق فقال جل وعلا ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى(6)أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾[العلق:6-7]، فالإنسان إذا رأى نفسه غني، غني وكثر ماله كان ذلك في الأكثرين صارفا لهم عن رؤية الحق وعن اتباع الحق؛ لأن للمال بهرج وله زينة، فيحتاج صاحب المال إلى التجرد العظيم و الإخلاص الأعظم الذي يصرفه عن الركون إلى تلك اللذة وذلك الإغراء حتى يقبل الحق، فكان هذا صارفا لأذهانهم لقبول الحق ومن رؤيتهم الحق حقا، ومن استعمالهم ما أعطاهم الله جل وعلا من الألباب في إبصار الهدى وإتباع المرسلين.
 من الصوارف أيضا ما هم فيه من الجاه فكانوا أهل جاه، إما في نسب كشرف النسب غير كسبي، وإما في رئاسة وترفع وسؤدد بين الناس، ونحو ذلك من أنواع الجاه، الجاه صاحبه يغطَّى عقله إذا لم يكن مبصرا البصر الشرعي، فلهذا ردوا الحق لأنهم كانوا على جاه امتنعت عقولهم من رؤية الصواب لأجل غطاء الجاه وغطاء السؤدد.
ومن الصوارف أيضا العجب بالنفس واعتقاد رفعتها، فإذا اعتقد المرء في نفسه أنه أرفع من غيره فإنه يصده ذلك عن قبول الحق إذا جاء به غيره، ولهذا فإن المشركون قالوا ما قالوا حيث قال طائفة منهم ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾[الزخرف:31] أرادوا أن تكون الرسالة في العظماء الذي هم أعلى منهم رتبة وشرف حتى لا يكون في صدورهم حرج من أتباعه، ومن لأنواع الصوارف كثيرة.
هذه المسألة ذكر فيها إمام الدعوة وحمه الله نوعا من أنواع الصوارف وحجة واستدلالا لهم يستدلون به، ذلك الاستدلال أنهم يستدلون على بطلان الشيء المراد إثبات أنه حق لأنه ما اتبعه إلا الضعفاء، والضعفاء يشمل -يعني هذا الاسم- كل ضعيف مالا وجاها ونسبا وفير ذلك من أنواع الضعف الذي يكون بين الناس.
احتجوا بهذا على أنه لو كان الحق لو كان هذا الذي جاء به الرسول حقا لكنا أحرى به ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني عن الذين آمنوا ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾[الأحقاف:11] فهذا نوع، كذلك ما قص الله جل وعلا في قصة نوح من الآيات التي استدل بها المصنف رحمه الله تعالى حيث قال الملأ من قوم نوح ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27] هذه الآية في سورة هود، أو الآية التي استدل بها المؤلف ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾[الشعراء:111] (الْأَرْذَلُونَ) جمع أرذل، أصلها في اللغة لشيء الدون، ذلك أن هذه المادة رَذَلَ أصلها في اللغة لشيء الدون يعني إذا كان شيئان عال ودون، فالدون هو الأرذل من الأمرين؛ يعني أنهم قسموا الناس إلى فريقين: أشراف وسادة وملأ، وآخرون هم الضعفاء وهم الأراذل، وقال جل وعلا في هذه الآية مخبرا عن قيل قوم نوح (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، (أَنُؤْمِنُ لَكَ) يعني أنصدق بما جئت به(وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، وفي قراءة أخرى (وأَتْبَاعك الْأَرْذَلُونَ) وهي ليست سبعية؛ يعني كيف يكون الصواب مع أولئك مع أنهم الضعفاء وهم الأرذلون، وقد قال المفسرون أن أكثر أتباع نوح كانوا من أهل الصناعات بعضهم أهل حياكة، وبعضهم أهل نجارة، وبعضهم أهل بيع وشراء، ونحو ذلك، فاستدلوا بنوع المتبعين لنوح عليه السلام استدلوا بذلك على بطلان ما جاء به (أَنُؤْمِنُ لَكَ) الإيمان هاهنا لغوي يعني التصديق. وضابط ذلك:
أن الإيمان في القرآن عُدِّي تارة بالباء وعدي تارة باللام.
والغالب فيما عدي بالباء أنه الإيمان الشرعي، المعروف تعريفه.
وما عدي باللام يراد به المعنى اللغوي، قال جل وعلا ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾[يوسف:17]، فلما عُدي الإيمان باللام علمنا أنه لغوي، وهو التصديق الجازم الذي لا يخالط صاحبه شك فيما خوطب به، أو في الشيء.
هنا (أَنُؤْمِنُ لَكَ) يعني أنصدق لك تصديقا جازما لا امتراء فيه والذين اتبعوك هم الأرذلون (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، فمنعهم هذا النوع من تصديقه ومن اتباعه.
ولم يكن هذا في قوم نوح فحسب بل كان هذا في العرب وفي قريش بخاصة، فلما اتبع النبي  أولئك الصحب الكرام والصفوة المنتخبون، قال المشركون ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾[الأنعام:53] كيف يكون؟ هدى الله يهدي به أولئك الذين هم ضعاف، الذين هم موالي، الذين هم صغار السن ونحو ذلك، فأجابهم الله جل وعلا بقوله ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾[الأنعام:53]، الله أعلم حيث يجعل هداه وحيث يجعل توفيقه،فهل أنتم تتحكمون في فعل الله جل وعلا.
إذن لو استعملوا عقولهم لوصلوا إلى الصواب، لو لم تكن على قلوبهم أنواع من الغشوات لوصلوا إلى الصواب والحق، ولكن عقولهم لم تكن نافعة ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾[الأحقاف:26]، فأولئك لم ينفعهم العقل ولم ينفعهم ما أوتوه من الفهم، فكان حقا أن يكون أولئك الأقوام الضعفاء فيهم هم أهل العقل، وهم أهل الفهم، وهم أهل الإدراك لهذا قال بعض السلف: كم من لبيب ولا لب له، وكم من عاقل ولا عقل له. كم من لبيب أعطاه الله جل وعلا لبا يفهم به الأشياء ولكنه في الواقع لا لب له، لم؟ لأنه انصرف عما ينجيه في الآخرة هل يكون من عقل العاقل أن يقتحم الردى ويضع نقسه على دكادك من نار هل هذا من العقل ؟هل هذا من اللب؟ هل يكون العاقل الذي يجحد الحق الذي سيوصله لو اتبعه إلى الجنة ويرضى بزينة الحياة الدنيا القاصرة الفانية الهالكة عن الجنة؟ يرضى بأن يكون من أهل النار أو بأن يتعرض في الآخرة إلى العذاب وهو في الجنة يتبع عرضا زائلا؟ ليس هذا بعاقل ولهذا اعقل العقلاء أكملهم إيمانا، ولو كان في الناس ضعيف العقل، إذا كان أكمل إيمانا، وكمل إيمانه ولو كان في الناس وضيعا لا مال له، فقيرا ليس بذي سؤدد ليس بذي شرف، وليس بذي جاه لكنه هو لو أقسم على الله لأبره، وهو صاحب العقل، وصاحب اللب، فما أحسن قول القائل: كم من ذي لب ولا لب له، وكم من ذي عقل ولا عقل له.
هذه المسألة التي هي من صور أهل الجاهلية ومن شعبهم ومن مسائلهم، ومما اختصوا به، هذه المسألة جاءت إلى المسلمين وكانت فيهم لأنها من سنن أهل الجاهلية والنبي  قال «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال «فمن» وفي رواية أخرى قالوا: يا رسول الله فارس والروم؟ قال «فمن الناس إلا أولئك».
فهذه الأمة جاءت فيها هذه الشبهة وذلك الاستدلال، وذلك في أصناف من هذه الأمة:
الصنف الأول: هم أهل الرئاسة بأنواع من الرئاسات، وأولئك إذا رأوا المتبعين للهدى وللحق تنقصوهم وتنقصوا عقولهم، وقادهم ذلك التنقص إلى أنّ هذا الذي هم عليه ليس هو الصواب، فإذا رأوا من يتمسك بالسنة احتقروه، واستدلوا بأنه من أهل الفقر والمسكنة، من الموالي، من غير أشراف الناس، على أنه إنما اختار هذا الطريق، وهذا النحو لأجل ضعف عقله وهم أهل العقول الكاملة وهم الكَمَلَة الذين هم عند أنفسهم أصحاب فهْم، فيستدلون بفهْمهم ومعرفتهم وعقولهم على أن هذا ليس هو المراد بالشريعة، وهذا كان في كثيرٍ من أصحاب الرياسات، فكانت تلك الرياسات معطلة لعقولهم عن رؤية الصواب.
الصنف الثاني قوم من العقلانيين الذين درسوا الفلسفة، وعرفوا المنطق، وكانت لهم عقول وأفهام وذكاء، لكنهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: أُوتوا عقولا ولم يؤتوا فهوما، وأوتوا ذكاء ولم يؤتوا ذكاء. أولئك أهل الفلسفة ينظرون إلى من يسمونهم بالحشوية، ينظرون إليهم وما هم عليه بأنهم هم الأراذل هم الضعفاء، الضعفاء في العقل، الضعفاء في الفهم، فيقودهم ذلك لأن أولئك الذين وسموهم بالضعف والرذالة بأن أولئك لم يعتنوا بعقولهم -يعني عقول أولئك الفلاسفة-، لم يعتنوا بمنطق اليونان، لم يعتنوا بالفلسفة، لم يعتنوا بتلك الدلائل التي يسمونها عقلية ليس لهم سعة في العلوم، إنما مدارهم على النقل، ليس عندهم فهم إنما هم ينقلون قال الله وقال رسوله، لم يدخلوا في الفهم بعقولهم، يستدلون بضعفهم عن المشاركة على بطلان هذا النوع، فيقولون: لو كان ذلك صوابا لكان وصل إليه فلاسفة الأمة طالب الحكمة منهم، هؤلاء هم أهل العقول العالية وهم أهل الفهوم السامية، فلا بد أن يكون هناك تقديم لطريقة أولئك على طريقة أولئك الحشوية. هذه كانت في قرون، ثم وصل بطائفة من الفلاسفة الجمع بين الطريقتين، لم يصدعوا بالحق ولم يروه تماما، حيث إنه من اتبع الكتاب والسنة ولم يدخل في ذلك بعقله يعني العقل المعارض للكتاب والسنة، لم يدخل في ذلك بعقله، حاولوا أن يجمعوا بين الطريقتين، كما جمع بينها ابن رشد ونحوه، فحاول أن يجمع بين طريقة المتكلمين الذين يحتقرون الناس ممن عداهم وبين طريقة أهل الأثر في عدة مصنفات لهم، لهذا سموهم الحشوية ما ذا يعنون بكلمة الحشوية؟ يعني أنهم حَشْوِ الوجود، ليسوا هم النخبة، ليسوا هم المتميزين، إنما هم حشوية لا قيمة لهم، كما قال أولئك: إن أتباع الرسل هم الأراذل وهم الضعفاء. كذلك قال من ورِثهم من هذه الأمة إنّ من اتبع الكتاب والسنة واتبع الحديث والأثر وأثبت ما أثبت فيهما إنما هم حشوية يعني حشو في الوجود، حشو في هذه الأمة ليسوا معتبَرين مهما قالوا ومهما فعلوا.
أيضا دخلت تلك المسألة في أهل الغِنى من هذه الأمة أهل الأموال، فأهل الأموال من هذه الأمة غرهم غناهم، يعني من غره منهم غناه فكان إذا أتاهم بالحق من ليس بأهل غنى تراه لا يسمع، تراه يجد في نفسه صدودا عنه، إذا جالسه من ليس من أهل المال، وليس من أهل الغنى، وليس من أهل الزينة في لباسه وفي مركبه، وفي بيته ونحو ذلك، تراه لا يعير لقوله اهتماما، وذلك أنه يستدل بضعفه على أن ما جاء به وما قاله ليس بحق، كما قال أولئك.
أيضا دخل ذلك في الأمة وهذا يتجلى في هذا العصر بالذات دخل فيمن يسمونهم العصريين من الإسلاميين يعني ممن اهتموا بالفكر، اهتم بالفكر طائفة من أهل هذه الأمة، ورأوا أن عرض الإسلام عن طرق الفكر وعن طريق الجمع بين منتجات الحضارات من الأفكار وما جاء في هذه الشريعة أنه يُخرج للناس ما يقتنعون به، فإذا كان الحق رأواه عند من ليس مفكرا ومن لم يعتنِ بهذه الفكريات احتقروه؛ لأنه عنده ناقص العقل، ناقص الفهم، بليد الذهن، وهذا كثير وتجد أن كثيرين ممن كتبوا الكتابات الإسلامية إذا خاطبهم من يعتني بعلم الكتاب والسنة وبعلم الأثر الذي هو أعلى العلوم وصفوة العلوم وأصوب العلوم، رأيت عندهم في أنفسهم وقد يُظهرون احتقارا له وردا لما جاء به لِمَ؟ لأنه ضعيف عندهم بتلك العلوم الفكرية، ولهذا واجهنا كما واجه ربما كثيرون منكم أنه يعاب على من يكثر النفقة في الكتاب والسنة في هذا العصر، يعاب عليه؛ لأنه ليس عنده علم بهذه الأمور الفكرية الجديدة بأنواع من الفلسفات الفكرية وأنواع من الدراسات الإسلامية الحديثة، يعيبون عليه، وهذا ليس بعيب؛ لأن الله جل وعلا جعل أهل اللب وأهل الفهم إنما هم أهل الإتباع لكتابه ولسنة نبيه .
أهل التذكر هم أُلُوا الألباب، فكلما كان الرجل أطوع لله وأتبع لسنة النبي  كلما كان هو ذو اللب، وكلما كان هو ذا اللب كان ذا الفهم؛ لأن هذه الأمور لم يطالب بها الشرع، وهذا داء سرى في طوائف في هذه الأمة، وأخشى أن يتسرب إلى هذه البلاد التي هي خلاصة في دعوتها اتباع الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح.
أيضا دخل في طائفة نختم بها هذه الطوائف دخل في طوائف من الدعاة والدعوات، ذلك أن طوائف من أولئك الذين يعتنون بالدعوة –مشكورين- رأوا أنهم كلما كان عندهم معرفة أعظم بالواقع على اختلاف صنوفه وأحواله من قياسات ومن فكريات، ومن أحوال، ومن تقلبات، ومن دراسات، كلما كانوا أقرب إلى الصواب، ويرون أن من لم يعتني بتلك العلوم من العلماء ومن طلبة العلم أنهم هم أضعف منهم فهما وأقل منهم نظرا وأقل منهم تسديدا وصوابا، وهذا أيضا من آثار أولئك، لأنه فيه اعتناء بفهومهم، واحتقار للآخرين باقتصارهم على النقول على الكتاب والسنة، ليست معرفة تلك الأمور مرذولة ومردودة بل العلم بتلك الأشياء مطلوب شرعا –بحده المطلوب شرعا على ما يقرره أهل العلم-؛ لكن الاستدلال بفهومهم ومعرفتهم لتلك الأمور على أن غيرهم ليس على الصواب لأجل أنه ما فهم تلك الأمور، هذا من جنس احتجاجات الأولين، فيرى أن المفتي إذا لم يكن عالما بالواقع يكون ذاك الذي علم أفهم منه وأرفع، فتكون فتوى العالم مردودة يستدل على بطلانها بقلة فهمه لتلك الأمور، وهذا ليس بأمر مؤصل شرعا، إنما الأمر المؤهل شرعا العمدة هو الدليل، فإذا كان للعالم استدلال وفهم فإنه يكون هو الصواب، إذا كان للعامل اتباع للكتاب والسنة فليس عليه أن يعرف كل ذلك، من علم هذه الأشياء علما صوابا فإنه قد يكون ذلك العلم نافعا وقد يكون ضارا له.
المقصود من ذلك أن طائفة في العالم الإسلامي عموما اعتنوا بتلك العلوم، ورأوا أن من لم يعتنِ بها أنه هو الأضعف وهذا من مداخل الشيطان على القلوب؛ لأن هذه الأمة لن يصلحها إلا شيء واحد ألا وهو التربية على كتاب الله وسنة رسول الله  والسعي في انجاء الناس في الدار الآخرة، ولا شك أنه بالإجماع أن تلك العلوم ليست منجية لعامة الناس في الدار الآخرة وليست بنافعة في الدار الآخرة؛ لكنها قد تنفع الأمة، فيكون المخاطب بها طائفة قليلة من هذه الأمة، وأما نشرها على العوام فهذا ليس بحد شرعي.
إذا كان كذلك، فإن هذه الحجة من أنه من كان أقل فهما في تلك الأمور فيدل على بطلان ما جاء به وعلى بطلان ما قاله هذا من جنس حجج أهل الجاهلية، ودخل هذا في الأمة بنوع من تلبيسات الشيطان على النفوس.
إذن فنخلص من هذا إلى أن أهل الجاهلية يستدلون على بطلان الشيء لأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، والواجب أن نظر إلى الحق مجردا عن من أتى به، فربما يأتي بالحق شيطان، كما علّم أبى هريرة رضي الله عنه، الشيطان علمه دعاء معروفا لا يزال كل منا يدعو به، وإنما علم أبى هريرة شيطان، كما قال النبي  لأبي هريرة بعد أن ذكر له ما قال «صدقك وهو كذوب».
فإذن يُنظر إلى الحق وتكون غاية المؤمن طلب الحق، ومن جاء به فهذا لا يهم من جاء به ليس بمقصود، قد يجيء به الصغير، قد يجيء به الضعيف، قد يجيء به المولى، قد يجيء به الرفيع، قد يجيء به من لم يكن عنده جاه، ونحو ذلك.
المقصود أن يكون الحق إذا جاء به جاءٍ أن يكون مقبولا دون نظر في حال من جاء به، يعني من حيث رفعته ووضاعته، لكن تارات تلتبس هذه المسألة بما إذا كان الذي يجيء به من أهل البدع، من أهل الأهواء ونحو ذلك، هذا له مقام آخر.
هذا ملخص لهذه المسألة وهي كما ترى مسألة مهمة.
التاسعة: الإقتداء بفسقة العلماء والعباد.
أهل الجاهلية جاهلية العرب سألوا اليهود وسألوا النصارى عمّا هم عليه فاقتدوا بهم لمّا أجابوهم بأنهم على صواب، كما قال جل وعلا ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِن الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾[النساء:51]، (يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِن الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) يعني أن اليهود لما سألهم المشركون من أهدى نحن أو أتباع محمد؟ أجابوهم بأنهم هم أهدى، وهذا نوع إقتداء؛ بل هو اتباع لأولئك بل سماه الله جل وعلا إيمانا بالجبت والطاغوت، كانوا يقتدون بالفسقة من العلماء الذين يأكلون أموال الناس ظلما، وصفهم الله جل وعلا بقوله ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[التوبة: 34] أولئك الفسقة من العلماء لَبَسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون، وهذا جار في كل زمان... ( )
كذلك اقتدوا باليهود مع أن اليهود كانوا أهل أكل للأموال بالباطل، هذا دليل الفسق (إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، الواجب أن يكون الإقتداء بأهل الصلاح والطاعة، أما الذي يشتري هذه الدنيا بالآخرة، فيدفع الآخرة ثمنا لهذه الدنيا، هذا فاسق، يشتري الدنيا ويدفع ثمن الآخرة ويصد عن سبيل الله، هذا دليل الفسق، أولئك المشركون كان من خصائصهم أنهم يذهبون إلى من علموا فسقه، ومن علموا ضعف ديانته، ومن علموا مخالفاته، فيقتدون بهم في الدين، وهذه ظاهرة سواءً في مشركي العرب، أو في أهل اليهودية، أو في النصارى، أو في غيرهم من أصحاب الملل، كلهم كانوا عندهم هذه الخصلة؛ لأنّ المرء يحب من يسهِّل عليه ومن يرضيه بواقعه، الأصل في هذا أنّ المرء يحب من يقول له إنك على صواب، ويأنف ممن يقول له إنك على غير الصواب والهدى، فإذا قال له قائل: إنك على صواب وهدى فرح به. ولو كان يعلم أنه ضال ولو كان يعلم أنه فاسق، لأن تحري الصواب والبراءة من غيره من الضلال، هذا لا يؤتاه إلا طالب الحق، لا يؤتاه إلا من رغب في الحق وسعى إليه، فأولئك يسألون أهل الضلال من اليهود والنصارى فإذا أجابوهم قبلوا ذلك، وهذه كما ترون سَرَتْ في هذه- الإقتداء بفسقة العلماء- في أنواع كثيرة؛ في طوائف كثيرة من الأمة، وهي واضحة ظاهرة.
فمن الناس من يقتدي أو يرضى بحكم قاضٍ يعلم أنه جائر فيه، يعلم أن هذا القاضي قبل رِشوة، قبل مالا، ومع ذلك يرضى ويقتدي به في ما قال, يأتي بعض القضاة ويستدل ببعض القضاة الذين يأخذون الرشاوي، وكان هذا في الزمن القديم كثيرا خاصة في القرون ما بين الثالث إلى الحادي عشر، كَثُرَ هذا جدا، وكان الحكام يعني القضاة يأخذون الرشاوي على المال، وكل قاض يستدل ويستشهد بفعل من سبقه، ويقول أنا أحكم بهذا للحاجة، ونحو ذلك، فيقتدي بالفاسق الذي يعلم فسقه، من أنه الرشوة في الحكم كفر وهذا أعظم من مجرد الفسق، كذلك العلماء الذين يعلم من حالهم أنهم فسقة, يعلم من حالهم أنهم لا يصلون كما هو موجود في كثير من الأمصار.
وقد سئل بعض أهل العلم في غير هذه البلاد عن حال علماء مصره وبلده عن أنهم لا يؤدون الصلوات، يفعلون ما يفعلون من المنكرات، كيف يكون علمهم؟ قال: صنعة. يعني اتخذوا العلم مهنة وصنعة من الصنائع، فكانوا فسقة بذلك, الناس اقتدوا بهم؛ فيستفتونهم فيفتون ويرشدونهم ويبينون لهم في وسائل البيان المختلفة، ويقبلون، وهذا نوع من آثار الجاهلية في النفوس، والواجب أن يسعى إلى من يعلم أنه أصلح وأنه أبر وأنه أتقى و يأخذ الدين منه؛ لأنه هو الذي لا يحابي، إذا كان الطالب يطلب الحق فيذهب إلى من يقول له الحق ولو كان مُرا، هذا طالب الحق والهدى، أما الذي يطلب من يصحح له وضعه، فإنه يذهب إلى فسقة أهل العلم الذين يتكسبون بالدين ويتكسبون بالعلم فيجيبون كل واحد بما يناسبه. ومن صنوف أولئك:
طائفة كان في ما مضى من الزمان كانوا يفتون على المذاهب الأربع؛ يأتي ذلك المستفتي إلى ذلك العالم، فيستفتيه المستفتي، فيُفتي العالم بالمذهب الذي عليه ذلك المستفتي، يقول أنا على مذهب فلان فيفتيه، غالب أولئك كما وصفهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بعض رسائله متأكلون بالعلم.
بعض أولئك العلماء لا يفتي إلا بمال، يقول: أنا لا أفتيك إلا أن تعطيني شيء.
بعض أولئك العلماء فيما مضى من الزمان يعلمون أنه على فسق في حاله، ولكنهم يقتدون به في أموره الخاصة، يعني يرون حاله في بيعه يرون حاله في شرائه ويقتدون به، يقولون فعله العالم الفلاني، طيب ذلك العالم غير متحر للصواب، وربما كان فاسقا.
بعض أولئك العلماء يفتي الناس بما يناسبهم برخص من رخص أهل العلم إذا استفتاه بعض أهل الوجاهة، بعض أهل المال، لا يريد أن يكدر خاطره، فيذهب يفتي له برخصة من رخص الفقهاء ليست صوابا، يعلم أنها ليست صوابا، أو بقول مهجور من الأقوال في الفقه إرضاء له، وهذا يكثر عند المخالطين للكبراء وللأمراء في كل زمان وكل مكان، فإذا لم يكن المرء على –يعني العالم الذي يسأل فيجيب- إذا لم يكن على تحر في دينه، لا يهمه في تبليغه دينه أن يرضى ذلك السائل أو لا يرضى، فإنه لا يقتدى به، إذا كان هذا المستفتى أو المسؤول يُهِمه رضي ذاك هذا يجب أن لا يقتدى به ولا يؤخذ العلم منه.
اليوم ربما خالط طائفة من الناس من أهل العلم الأغنياء أصحاب الأموال الباهرة أصحاب الشركات أو العقارات أو المؤسسات أو نحو ذلك، فيأتيه ويكون ذلك أو يكون له مصلحة منه، فإذا سأله أفتاه بما يريح ذاك، وهذا من أنواع الإقتداء بفسقة العلماء الذين كانوا من قبل، ذلك أن الله جل وعلا وصفهم بقوله ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[آل عمران:99]،قل﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾[آل عمران:70]، (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾[آل عمران:71]، ﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[آل عمران:99]، هذه في آل عمران كما ذكرت وهنا وصفهم بأنهم يصدون عن سبيل الله، يعلمون أنهم يصدون عن سبيل الله ومع ذلك يقتدون بهم، كانوا يفرحون بأنهم سيجيء نبي يتبعونه، فلما جاء النبي كفروا به وأعرضوا عنه، وهذا نوع من الصد عن سبيل الله، فكانوا بذلك فسقة، كان الناس يعلمون أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل، ومع ذلك كانوا يقتدون بهم، وهل أولئك أصحاب إقتداء؟ هل يجوز الإقتداء بهم؟ لا.

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:25PM

الصنف الثاني فسقة العبّاد:
والفسق في العبادة يكون بالخروج عن السنة، فكل من تعبد بعبادة بدعية فهو فاسق بها، كأصحاب الطرق الصوفية، وأصحاب الأقوال والأحوال التي لا توافق السنة، فأولئك بأجمعهم أهل فسق إذ كانوا خارجين عن سنة النبي ، فلما كان حالهم كذلك، كان الواجب أن ينكر عليهم وأن لا يقتدى بهم، المشركون اقتدوا بفسقة العبّاد، وهم الذين ابتدعوا بدعا من النصارى وغيرهم، كان في كل مكان ربما اقتدى المقتدي بعابد فاسق، يعني خرج بعبادته عن الشريعة التي أنزلها الله جل وعلا على رسولِ ذلك المتبع فاتبع.
وهذه الخصلة من الجاهلية سرت في هذه الأمة في أنواع من الناس، يجمعهم أصحاب الطرق الصوفية الذين اقتدوا بمن يعلمون فسقه؛ بل إن الأمر زاد على ذلك حتى جعل أولئك أولياء لله جل وعلا، صنف بعض كبار الصوفية يعني غلاة الصوفية، صنفوا مصنفات في طبقات الأولياء مثل الشعراني وغيره، وجعلوا من الأولياء -كما رأيت ذلك بنفسي- جعلوا من الأولياء من يأتي الفواحش وقال في ترجمة أذكرها قال: سيدي فلان الفلاني قدس الله روحه، ونوّر ضريحه كان يتلو آيات ليست في القرآن. وهذا أنا اطلعت عليها بنفسي، وقال: وخطب رضي الله عنه سبع جمع في جمعة واحدة. يعني خطب في سبعة بلاد في جمعة واحدة، يخطب هنا وهنا وهنا في وقت واحد، وهذا لا شك أنه إما أن يكون مجنونا، أو يكون تتلبس به الشياطين عن اختيار منه، أو غير ذلك، المهم أن هذا ليس من الأولياء لأن هذا لا شك أنه من الفسقة بل من الكفرة إذا كان يتلو آيات ليست من القرآن ويقول أنها من القرآن فهذا من الكفرة، يقتدي به ويجعل في التراجم ويغنى عليه، فعمّ ذلك في بلاد المسلمين اليوم وطمّ، حتى لا تكاد تدخل بلد إلا وفيه طريقة وفيه زاوية وفيه من يتبع الشيخ الفلاني والشيخ الفلاني، يذكرون من مناقب كل صاحب طريقة وكل شيخ من أولئك، يذكرون من مناقبه أشياء لا يفعلها الأتقياء إنما يفعلها الفسقة، تارة تكون منسوبة إليه لا تصح وتارة تكون صحيحة، وفي الحملة من كان على فسق في العبادة، كيف يقتدى به؟ فهذه الشعبة من شعب أهل الجاهلية، وجدت في المسلمين والواجب أن تصدى، الواجب أن ينكر على أصحابها؛ لأنها من خلال الجاهلية والنبي  أتى لرفض كل خصلة من خصال الجاهلية، تلك الخصال الباطلة التي لم يأذن الله جل وعلا بها.
ساق المؤلف هنا قوله جل وعلا ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ هذه آية المائدة ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾[المائدة:77]. فجمع في أوساطهم أنهم ضلوا من قبل، وذلك بأنهم فعلوا بعيسى عليه السلام ما فعلوا فلم يؤمنوا به، قتلوا الأنبياء، حرموا الحلال، وحللوا الحرام، وأكلوا الربا، وجعلوا السبت وقتا للصيد، مع أنه نهوا عنه ونحو ذلك، وأضلوا كثيرا بما أفتوه، جعلوا التوراة؛ جعلوا تفسير التوراة إليهم فأحلوا حراما فيها، وحرموا حلالا فيها، كما وصف الله ذلك عنهم، وقال (وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) فوصفهم بتلك الصفات التي فيها أمعنوا في الضلال، مع ذلك اقتدى بهم من اقتدى من أهل الجاهلية.
إذن نخلص من هاتين المسألتين إلى أن أهل الجاهلية كان لهم أنواع من الاستدلال، وبقي من أدلتهم مما ذكره المؤلف ثلاثة أدلة ستأتي إن شاء الله تعالى.
هذه الاستدلالات بأنواعها يجمعها أنها استدلالات في نظر العقل الصائب مرفوضة، وسبب استدلال أولئك بها مع أنه قد يكون أعطوا عقولا وأعطوا فهوما وأعطوا معرفة، يكون سبب استدلال أولئك بها أنه غُشِّي على قلوبهم وغُشِّيت أبصارهم ولم يتوصلوا بعقولهم إلى الصواب؛ لأنه كانت عندهم أنواع من الصوارف لما صارت عندهم الصوارف استدلوا على ما هم عليه من أنواع الباطل بأنواع من الأدلة التي يقنعون أنفسهم أنهم على صواب، ويردون بها رسالات المرسلين، منها، من أدلتهم التقليد، ومن أدلتهم الاحتجاج بالأولين، من أدلتهم الاغترار بالكثرة، من أدلتهم الاحتجاج بأهل القوة في الفهم، وأهل العقول، وأهل المال، وأهل القوة في الدنيا، وأهل الرفعة فيها، ويستدلون بأن الحق الذي جاءت به المرسلون ليس بحق؛ لأنه لم يتبعه إلا الضعفاء، كذلك يقتدون بفسقة العلماء، يقتدون بفسقة العباد.
إذا نظرت إلى هذه الأدلة بمجموعها وجدتَ أنها هي عين ما يحتج به المشركون والخرافيون والمخالفون للحق في كل زمان، فإمام الدعوة لما أتى بالدعوة ودعا الناس إليها، وُوجِه بأنواع من الاستدلالات، تمحضت في استدلالات أهل الجاهلية، ووجه بالتقليد، ووجه بأنك وأصحابك قليلون، وسواد الأمة الأعظم ليسوا على ما أنت عليه، ووجه بقول من قال إن أهل نجد هؤلاء الذين ظهر فيهم محمد بن عبد الوهاب -على قولهم- ما عندهم علوم لا بالعربية، ولم يتعلموا علم الكلام ولا المنطق، ويتبين ذلك بسؤال أرسل إلى الشيخ من بعض أهل الأمصار، وجه إليه سؤالا يريد منه أن يعرب سورة والعاديات ضبحا، ويقول بين لي ما فيها من البديع وما فيها من البيان في سؤالات من البلاغة ومن النحو متنوعة، الشيخ رحمه الله تعالى مشغول عن مثل هذا، لا يريد إثبات نفسه في هذه العلوم، فترك الرد عليه، مع أن الجواب عنها معروف في كتب المفسرين، يقولون إن هؤلاء الذين ظهرت فيهم الدعوة هؤلاء، دعوة محمد بن عبد الوهاب ليس عندهم إلا فقه الحنابلة حتى التفسير ليس عندهم مشاركة فيه، حتى الإسناد ليس معهم معرفة به ونحو ذلك، فيستدلون بضعف أفهامهم وعدم مشاركتهم، وعدم عقولهم، ويستدلون بأنهم قليل، وأن من خالفهم كثير، ويستدلون أيضا بأن أهل نجد أهل فقر ومسكنة وليس عندهم شيء، بعضهم أكله حاف، ومساكنهم معروفة أما المدن الكبار التي فيها علماء الأمصار هؤلاء هم أهل الفهم وهم أهل القوة انخدعوا بذلك، واستدلوا بذلك كله، وهذا موجود في المؤلفات التي ترد على دعوة الإمام؛ الدعوة السلفية في آخر هذه الأزمان، كل هذا موجود؛ بل إنه وجد في هذا العصر من صرح بذلك، وهو الذي يقول: إن أهل هذه البلاد وعلماءها طائفة من البدو الجهّال. وهذا لا شك أنها حجة قد احتج من تقدمه من أهل الضلال.
المقصود أنه في كل وقت تظهر هذه الاستدلالات إما أكثرها وإما بعض منها.
فإذا تبينت ذلك، تهتم بالحجة والاحتجاج على من خالف الحق، بأن هذه الحجة أوردها واحتج بها واستدل بها وجعلها دليلا المشركون من قبل، وأبطل الله جل وعلا تلك الحجة.
فإذا أتى بشيء من ذلك تبطل أولا نوع الاستدلال، ثم بعد ذلك تنظر في الدليل وهذا مما ينبغي أن يهتم به طلاب العلم الذين يهتمون بالردود على المخالفين وإبطال أقوال الخرافيين والقبوريين والمبتدعة وأنواع الضالين.
تُبطل نوع الاستدلال قبل أن تنظر في الدليل وما فيه، فإذا كان ذلك تماما كان من أوجه الرد على أولئك أنّ تلك من استدلالات أهل الجاهلية.
أسأل الله الكريم لي ولكم الهدى والسداد والثبات والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الأسئلة]:
1/ ذكر النبي  جحر الضب دليلا على الاتباع الأعمى، ما سبب اختيار النبي  لذلك على وجه الخصوص؟
من أوجه ما قيل في ذلك أنه لا أحد يرغب في دخول جحر الضب، فضربه النبي  مثلا لشناعته، ما فيه أحد يختار جحر الضب، فلو دخل المشركون أو دخل اليهود والنصارى جحر ضب، يقول النبي عليه الصلاة والسلام «لدخلتوه»، وهل هذا يعقل؟ هل هذا يكون عند ذي فهم وعند ذي بصر؟ لا، فهو مثل ضُرب لشناعته، ولأجل أنه لا يختاره عاقل معه لبه وعقله.
2/ هل فعل من يفتي بالشريعة في الفتوى، وعند القضاء -يعني إذا قضى- يقضي بالقانون، هل هذا من فعل فسقة العلماء؟ هل فعله هذا يعتبر مما يَكفر به مثله أو يُكَفَّر به مثله؟
ما فيه شك أن هذا أقل أحواله أن يكون فاسقا، يفتي بالشريعة للناس، وإذا قضى بينهم لأجل أن الحكومة تلك تجعل القانون هو الدستور أو هو ما يُقضى به، يقضي بالقانون في مسائل ويفتي بالشريعة أقل أحواله أنه فاسق، وقد يكون كافرا؛ قد يكون كافرا إذا كان يعتقد أن هذا الفعل جائز، إذا كان يعتقد أن فعله هذا جائز ويحسنه للناس، فهذا يكون كافرا بالإجماع.
وحكمه بالقانون يعني التزام القانون في كل ما جاء به وعدم خروجه عنه يعده كثير من أهل العلم كفر ولو كان يعتقد عدم الجواز، فحال هذا المسؤول عنه إذا كان من العلماء فإنها لا شك أنها حال فسق على أقل الأحوال، وقد يكون كافرا بذلك.
3/ هذا سؤال ربما ورد كثيرا يبدو أن الحاجة إلى الجواب عنها ملحة يقول ما معنى فقه الواقع؟ ونرجوا أن تعرج على تعريف بعض العلوم التي يستدل بها أصحابها على أهل الدليل من الكتاب والسنة.
نكتفي بالفقرة الأولى وهي قوله (ما معنى فقه الواقع؟)
أولا التركيبة (فقه الواقع) مركبة من كلمتين (فقه) و(الواقع)، وكل كلمة من هاتين الكلمتين كانت مستعملة عند السلف الصالح رضي الله عنهم، فكانوا يستعملون كلمة (فقه)، وكانوا يستعملون كلمة (الواقع)، ومع ذلك فهم لم يجعلوا الواقع عندهم هو الواقع المراد عند هذه الإضافة.
والواقع: هو ما يقع من الأحداث والأمور في الناس.
السلف لم يركبوا هذا التركيب مع وجود الكلمتين عندهم، فلم يضيفوا (الفقه) إلى (الواقع)، فلم يقولوا (فقه واقع)، قالوا: فقه الكتاب، فقه السنة، ونحو ذلك، الفقه الكبر؛ يعني العقيدة، أما فقه الواقع فلم يرد عندهم، فكان بهذا مع عدم تسمية معرفة الواقع بفقه الواقع، مع أن العلماء أعرضوا عنه أربعة عشر قرنا، كان هذا دليلا على أن هذه التسمية محدثة «وكل محدثة بدعة»؛ لأنها متصلة بالشريعة، ولا يخفى على كل واحد منكم أن فقه الواقع عند من يسميه بذلك له مساس بالأحكام الشرعية.
فتبين من هذا أن تركيبة الكلمتين لم ترد عند السلف مع وجود كل واحدة من الكلمتين عندهم، ما الذي كان عند السلف والذي كان عند أهل العلم؟ كان عندهم أن المفتي والحاكم لا يفتي ولا يحكم في المسائل الشرعية إلا بعد أن يعرف واقعَ المسألة المسؤول عنها، فإذا سئل عن شيء لا يجوز له أن يفتي أو يحكم بدون أن يتصورها، ولهذا جاء في بعض مسائل كتاب التوحيد أن إمام الدعوة رحمه الله تعالى قال: وفيها فهم الصحابة للواقع. يعني بذلك فهمه لواقع الناس وما يسألون عنه، لا يُسأل عن مسألة وهو لا يعرف ما يريد الناس بها، يستغفل؟ لا، لكن إذا سئل يعرف هذه المسألة تصورا، فإذا كانت المسألة مثلا في الفقه يعرف صورتها الفقهية، هذا معلوم عند أهل العلم، بل قالوا: الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
والواقع قسمان:
واقع له أثر في الأحكام الشرعية.
وواقع لا أثر له في الأحكام الشرعية.
فليس كل ما يقع بين الناس، وما يجعله الله جل وعلا في أرضه، ليس كل ذلك مؤثرا في الأحكام الشرعية، أو تبنى عليه الأحكام الشرعية.
القسم الأول: الواقع الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية وفهم المسألة وصورتها وما تتنزل عليه.
الثاني: ما يتصل بالمسألة مما ليس له أثر في الحكم الشرعي، هذا واقع لا أثر له.
مثل القاضي يأتيه خصمان يتخاصمان في مسألة، يقول الأول كلاما في ربع ساعة طويل، ويأتي الثاني يقول كلاما في ربع ساعة أيضا طويل، القاضي كل هذا الذي ذكره الخصمان واقع وقع، لكن القاضي لا يقيد منه في سجلِّه يعني سيبني عليه الحكم إلا ثلاث كلمات أو أربع؛ لأنها هي المأثرة في الحكم الشرعي.
كذلك المستفتي تأتي تستفتي أحد العلماء، وتقص عليه قصة طويلة، ويجيبك بمسألتين، ثلاث، تقول لا شيخ كان كذا وكذا، يقول ولو كان هذا ما له أثر، وهو واقع صحيح عندك أنه واقع ربما يكون مؤثرا لكنه عند العالم ليس مؤثرا في الحكم الشرعي.
فإذن ليس كل ما وقع في الناس، أو ما يقع في الدنيا مؤثرا في الأحكام الشرعية، وعليه فإنما يجب على العلماء أن يعرفوا الواقع الذي تنبني عليه الأحكام الشرعية.
الآن هذه الكلمة (فقه الواقع) يُعنى بها معرفة أحوال الناس والمسلمين والأعداء، وما يعدون له، وما يخططون ونحو ذلك من علوم كثيرة، وهذا لاشك أنه كعلم –مع اعتراض على التسمية- كعلم مطلوب، أن يعرف في الأمة طائفة هذه الأمور، وهذا من أجناس فروض الكفايات كالعلوم المختلفة: علم السياسة، وعلم الفيزياء، والكيمياء، والجبر، والهندسة، ونحو ذلك، هذا من جنس العلوم تلك، فمعرفتها لا بد أن تكون في الأمة، لكن تلك معرفة وليس بفقه، معرفة لأن الفقه هو فهم الأمور، الفقه هو الفهم ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾[هود:91] يعني ما نفهم كثيرا مما تقول، ولا يدعي من يتابع أحوال العالم من طلبة العلم المعتنين بذلك ونحو ذلك، لا يدعون أنهم يفهمون ما سيجري من الأحداث، ولهذا التسمية بفقه واقعا أيضا ليست بصحيحة؛ لأن حقيقة ما يرومون هو معرفة ما يقال وما يكتب، وهذا أقل من الفقه بكثير.
هنا هذه الأشياء قلنا لابد أن يكون في الأمة من يعرف، فهي من جنس العلوم الكفائية، وقد نبّه على ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني حين عرض لهذه المسألة.
إذا تقرر هذا فإنه باتفاق أهل العلم، العلوم الكفائية لا يخاطب بها عامة الناس لأنها ليست مُصلحة لدينهم، بل إنها تشغلهم عما هو أولى له، أرأيت لو أن محاضرا أتى عندنا اليوم ففسحنا له الدرس، وقلنا حدث الإخوة في نظرية أينشتاين النسبية، كونه يوجد في الأمة من يعلم ذلك في تخصص الفيزياء لا باس، لكن هل تحدثون بذلك، هذا لا شك أنه من الكفائيات التي لا تناسبكم، وإذا عرفتموها عرفتم علما، هل يصدق هذا على واقع الناس وعلى مخططات الأعداء أم لا؟ ذكر مخططات الأعداء يفيد الشباب، وذكر أحوال المسلمين يفيد الشباب من جهة، ويضرهم من جهات أخر:
يفيدهم من جهة أنه يحيي في نفوسهم الارتباط بالإسلام، ويحيي في نفوسهم بغض الكفرة والمشركين،ويحيي في نفوسهم أخذ الحذر من الأعداء ونحو ذلك، وهذه مصلحة مطلوبة.
ومن جهات أخر يقود الشباب إلى أن يُربوا على غير التربية السلفية التي نبْعها ومصدرها القرآن والسنة، وبالتجربة وجدنا أنّ من انشغل بتلك الأمور انشغل أشهرا بل ربما سنوات، وإذا سألته اليوم ماذا حصلت؟ يقول لم أحصل شيء، وأحد من أثق به ممن يعتنون بهذا الأمر يقول: تتبعت جميع المجلات، وتتبعت جميع الجرائد لأخرج بفهم لما سيجري في المستقبل من أنواع السياسات والمخططات المستقبلية، قال: فوجدت كل ما قرأت لا يعطي صورة عن المستقبل.
وقد سئل بعض الوزراء البريطانيين عن السياسة ما تعريفها؟ قال: أصح تعاريفِها أن السياسة هي الكذب.
وهذا ينبني عليه فهمنا إلى أن الانشغال بهذه الأمور لن تحصّل من ورائها طائلا، بل إنه يصدك عن ما يجب أن تربي نفسك عليه وما تربي أحبابك عليه.
إذا نظرت وتأملت في هذا الكلام، وجدت أنه يمثل الواقع، الناس يعطون -الشباب والمسلمون بعامة- يعطون ما ينفعهم في هذا الأمر، لكنه مع أصوله الشرعية؛ يعني عِداء اليهود والنصارى لنا تقرأ فيه الآيات آيات الولاء والبراء، وما فعله أولئك في أعظم أمر وهو أنهم أشركوا بالله جل وعلا وسبوا الله جل وعلا أعظم مسبة، وهذا كاف في أن يجعل المؤمن الموحد مبغضا لهم كارها لهم.
معرفة الأحوال وما يجري بين الناس لا ينقص من جهله، لا ينقص من جهله؛ بمعنى الأحوال الدنيوية، ألم ترَ إلى قصة سليمان عليه السلام حيث كان بجواره دولة ومملكة سبأ، وملكتها بلقيس، وكان عندها من الدنيا ما عندها، وبجوارها ولها من القوة ما لها، ومع ذلك لم يعلم شيئا عنها، ولم يُطلَع من الله جل وعلا على شيء من أخبارها، إذْ أن ذلك ليس له اثر في تبليغ رسالات الله، وإنما بلغه الهدهد بأمر يتعلق بالعقيدة، فقال الهدهد ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾[النمل:22] هذا النبأ الذي إعتنى به الهدهد قال ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾[النمل:22-23] هذا كالمقدمة ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾[النمل:23] ( )
[المتن]
(المسألة العاشرة) الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهله وعدم حفظهم كقوله ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27].
(المسألة الحادية عشرة) الاستدلال بالقياس الفاسد كقولهم ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾( ).
(المسألة الثانية عشرة) إنكار القياس الصحيح والجامع لهذا وما قبله عدم فهم الجامع والفارق.
(المسألة الثالثة عشرة) الغلو في العلماء والصالحين كقوله ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾[النساء:171].
(المسألة الرابعة عشرة) أنّ كل ما تقدم مبني على قاعدةٍ وهي النفي والإثبات فيتبعون الهوى والظن، ويُعرضون عما جاءت به الرسل.
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعين.
أسأل الله جل وعلا لنا جميعا الهدى والسداد والثبات على الحق حتى الممات، وأسأله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه، والباطل باطلا ويمن علينا باجتنابه.
هذه المسألة –المسألة العاشرة والمسألة الحادية عشرة والثانية عشرة- هذه من تتمة مسائل أنواع الاستدلال لدى أهل الجاهلية، فإن الشيخ كما سبق أن عرفتم ذكر مسائل استدلال التي يستدلون بها أنواع الأدلة عندهم متوالية، ومن أدلتهم أنهم يستدلون على بطلان الدين بقلة أفهام أهله وعدم حظهم، كما قال جل وعلا في قصة نوح مخبرا عن قول قوم نوح ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾[هود:27]، وهذا ليس خاصا بجاهلية دون جاهلية من الجاهليات التي سبقت رسالة النبي ، وإنما هو كثير فاشٍ، فأهل الجاهلية الماضون لم يزالوا يستدلون بهذا الدليل؛ يستدلون بضَعْف المتبعين للحق في الجاه، وضعفهم في الدنيا على بلادة أذهانهم، ثم يستدلون بهذه المقدمة الفاسدة على أنهم ليسوا بأحقَّ بالهدى منهم، وإنما ذلك دليل بطلانه؛ لأنه لا يصل إلى معرفة الشيء بأنه حق إلا ذووا العقول وذووا الأفهام، فما دام أن أهل الجاه وأهل العقل عندهم لم يتبعوا الرسل، وذلك لأنهم تأملوا، كما يزعمون وأهل الحق الذين اتبعوا الرسل كانت عندهم عجلة، وقلة فهم ولهذا اتبعوا الرسل، هذا كثير، واستشهد عليه الإمام رحمه الله تعالى، بقصة قوم نوح فإن قوم نوح قالوا لنوح عليه السلام (مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ) فذكروا شيئين، ذكرهما الشيخ رحمه الله تعالى.
الأول: عدم الفهم لديهم بأنهم لم يتدبروا واستعجلوا.
والثانية: أن ليس لهم فضل مال يعني ليس لديهم حظ.
والعبارة في أكثر النسخ التي بين أيديكم (وعدم حفظهم) والذي يظهر لي بعد تأمل أن صوابها (وعدم حظهم) لأنها هي التي تناسب تمام الآية في قوله تعالى (وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ) والفضل في أحد وجهي التفسير هو الجاه والمال، في قوله تعالى هنا فيما استشهد به الإمام رحمه الله تعالى (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ) في قوله (بَادِي) قراءتان سبعيتان:
قرأها الجمهور (بَادِيَ) بدون همز في آخره من البدوّ وهو الظهور.
وقرّاؤها أبو عمر البصري المعروف أحد القرّاء السبعة المشهورين، قرأها (بَادِئَ) بالهمز.
وعلى قراءة التسهيل (بَادِيَ) فإنه من البدوّ وهو الظهور، واختلف أهل العلم في التفسير، في تفسير هذا الحرف على ثلاثة أقوال:
1. منهم من قال (بَادِيَ الرَّأْيِ) يعني في ظاهر الرأي لكل أحد، (مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ) وهذه الرّذالة فيهم وأنهم اتبعوك، هذا ظاهر لكل أحد يظهر للرائي ويظهر لذي الرأي بوضوح لا خفاء فيه ولا لبس.
2. الثاني: أن قوله (بَادِيَ الرَّأْيِ) من الظهور أيضا، وهو أنهم أظهروا شيئا وأخفوا غيره، فيكون البدوّ هنا بمعنى الظهور راجع إلى الاتباع لا إلى كونهم أراذل، ما نراك إلا اتبعك إلا الذين هو أراذلنا اتباعا في الظاهر في بادئ الرأي، أما في باطن الأمر وفي حقيقته فإنهم ليسوا متبعين لك ولا مقتنعين بما جئتهم به، وهذا استدلوا له بقوله تعالى ﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ﴾[الشعراء:113] ونحو ذلك بآية هود وغيرها، يعني أن نوحا عليه السلام أحال حسابهم على الله جل وعلا، فدل على أن مرادهم ظهور شيء منهم وإخفاء شيء آخر منهم، إظهار الإيمان وإخفاء الكفر، أو إخفاء التكذيب، فأحالهم عليه السلام إلى حساب الله جل وعلا.
3. القول الثالث هو أنه في قوله (مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ) يعني أنهم ظهر لهم الرأي بدون تأمل، فأول رأي ظهر؛ اتبعوه ولم يتأملوه ولم يتدبروه لقلة فهمهم، وهذا القول الثالث هو الذي يتفق مع ما أورده المصنف رحمه الله تعالى، فإنهم عند قوم نوح استعجلوا ولم يتدبروا، اتبعوه في بادئ الرأي فيما ظهر لهم من رأيهم، ولو تأملوا واستيقنوا الرأي واستخيروه وتحققوا منه وتدبروه وتأملوا العواقب فيه وتأملوا أسراره لم يتبعوا، وذلك تلك العجلة وذلك الأمر الذي حصل منهم وهو عدم التدبر دليل على قلة أفهامهم، وهذا مظنة عدم الوصول إلى الحق، فأبطلوا الدين وأبطلوا صحة ما جاء به نوح عليه السلام بأنهم جعلوا الذين اتبعوه ما اتبعوه إلا لضعف أفهامهم كما قال الشيخ رحمه الله تعالى.
فإذا كان كذلك، كان هذا الدليل مستقيما موافقا لأحد أوجه التفسير المنقولة عن أهل العلم، والقراءة الأخرى التي قرأها أبو عمر (بَادِئَ الرَّاي)، (بَادِئَ) بهمز، من البدء وهو الأولوية يعني أن اتباعهم له كان من عجلة، وإنما اتبعوه في بادئ ذي بدء، أول ما نظروا برأيهم، برايهم اتبعوه، فهذا من البدء وهو الأولوية، وعلى هذا فيكون المعنى على هذا الوجه من التفسير أنهم استعجلوا أيضا، فيتفق مع ما فهمه الإمام المصنف رحمه الله تعالى، يتفق ما جاءت به القراءتان جميعا؛ قراءة الجمهور (بَادِي الرَّأْيِ) في أنّ معنى البدوّ هو الظهور بالمعنى الثالث؛ وهو أنه ظهر لهم ذلك من غير تدبر ولا تأمل، وكذلك على قراءة أبي عمر (بَادِئَ الرَّاي) وذلك من الأولية وعدم التدبر والاستعجال.
وهذا الذي ذكره رحمه الله تعالى، أردفه بقوله في استدلالهم بأن أولئك الذين اتبعوا نوحا ليسوا بأهل حظ لقلة فهمه وعدم حظهم، وذلك لأنهم قالوا لنوح ومن معه (وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ)، ذلك أنهم جعلوا مقياس الفضل هو كثرة الحظ في الدنيا، والفضل هنا فُسِّر بأنه الحظ في الدنيا من جاه أو مال، (وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ) يعني لستم بأهل جاه فوق جاهنا فتَفضلون علينا، ولستم بأهل مال فوق مالنا فتفضلون علينا، فكان المقياس عندهم كما سيأتي في المسألة التي بعدها هو مقياس الفضل، هو الجاه والمال يعني الحظوظ الدنيوية، وهذا كثير في كل جاهلية، في كل جاهلية كثير هذا، كل رسول يأتي تكون الحجة عند أولئك متنوعة منها أن الذين اتبعوه هم الضِّعاف، وفي قوله تعالى ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[يس:20-21] في سورة يس ذلك الرجل المؤمن الذي أتى من أقصى المدينة ليسعى بشرح الإيمان، قال طائفة من أهل العلم بالتفسير إن قوله هنا (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) فيه تنبيه على أنه من فقراء الناس ومن عدم أشرافهم، ليس من الأشراف، وإنما هو من الضعفة، وأما الأشراف فالعادتهم أنهم يسكنون وسط المدينة، إذ هي المجتمع، وأما أقصى المدينة، إنما يسكنه الذين ليسوا بذي جِدَة ولا جاه ولا شرف، وهكذا جاء رجل إلى موسى ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾[القصص:20]، فهذا الاحتجاج كثير في أن الذين يتبعون الرسل إنما هم الضعفاء، وهذا فهمه هرقل عظيم الروم حينما سأل أبا سفيان الأسئلة المشهورة التي رواها البخاري وغيره، فقال له من تلك الأسئلة: هل يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم. قال هرقل: وكذلك الأنبياء إنما يتبعهم الضعفاء. وهذا عام في كل رسالة فكل أهل جاهلية يستدلون بهذا الدليل، وقريش أيضا واجهت النبي  بذلك، وكان النبي  ربما رغب أن يكون الذين يؤمنون به من أشراف القوم ومن عليتهم ومن سادتهم فانصرف إليهم عن النفر المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، رغبة في إسلام أولئك، لأنه لو أسلم الكبراء لحصل من الخير الشيء الكثير، فأنزل الله جل وعلا على نبيه قوله ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[الكهف:28]، وكذلك قوله ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾[عبس:1-6] الآيات، وهذا الأمر ظاهر لا يحتاج إلى مزيد إطالة.
كذلك في هذه الأمة، دخلت هذه الشعبة من شعب الجاهلية في هذه الأمة:
فممن دخلت إليه هذه الشبهة الذين يعتزّون بعلومهم الخلْفية من أصحاب الكلام ونحوهم، فإنهم لم يعتنوا بفقه النصوص الشرعية لزعمهم أنها إنما هي ظواهر يفهما كل أحد، وأما البواطن والأسرار فإنما خاصة بذوي العقول النيرة، فجحدوا ما أنزله الله جل وعلا من الآيات البينات وحرفوها وأولوا بعضا منها وردوا طائفة أخرى؛ لأجل أفهامهم، واحتقروا أهل السنة والجماعة لأجل أنهم لا يفهمون فهمهم، فهُم لم يعرفوا علم الكلام ولم يعرفوا الأصول القطعية المستقاة من المنطق؛ منطق اليونان، ونحو ذلك مما يعتزون به.
كذلك شغّب على أهل الحديث فيما مضى من الزمان وعلى فقههم في النصوص طائفة من غلاة الفقهاء الذين اتهموا من يتبع ظواهر النصوص ويأخذ بالفقه مستقًا من النصوص ولو لم يكن عنده رسوخ قدم في كل العلوم، رموهم بأوصاف بشعة، حتى إن بعضهم سماهم الحمير، كما قال ابن العربي المالكي في أحد أقواله في وصف الظاهرية، قال: فلما أتى هؤلاء الحمير الذين كذا وكذا. وصفهم بأوصاف يعني بشعة، لأجل أن في الأندلس كان هناك معركة محتدمة بين أتباع ابن حزم الظاهري وبين فقهاء المالكية، والتوسط لو راموا التوسط كان ممكنا، لكنهم ردوا على هؤلاء وتنقصوهم، تنقصوا أفهامهم ووصفوهم ببلادة الفهم وبلادة الذهن ونحو ذلك لأحل هذا الأمر، لأجل اتباعهم للنصوص.
كذلك بعض الذين عاصروا الدعوة من العلماء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فإنهم رموا أتباع الدعوة بأنهم لا يفهمون بأنهم عوام، وبأنهم ليس عندهم مشاركة في العلوم، ليس عندهم معرفة إلا بعض المسائل في العقيدة وبفقه الحنابلة لا غير، فاتهموهم في بعض ما دعوا إليه من المسائل التي دلائلها كالشمس في رابعة النهار، اتهموهم بأنهم لم يفهموا الحق ولم يعرفوا المراد منه.
كذلك -وهذا سيأتي تفصيلها- الذين ادعوا أن باب الاجتهاد قد قفل وأنه لا يسوغ لأحد اليوم أن يجتهد في النصوص لأجل أن النصوص تحتاج إلى فهم وطابع أهل الزمان عدم الفهم، فهم اتهموا بأنهم يجتهدون في فهم النصوص وهم ليسوا من أهل الفهم؛ بل أفهامهم ضعيفة وأذهانهم كليلة، فلا يمكن أن يجتهدوا فباب الاجتهاد قد انقطع.
كذلك في هذا الزمان بخصوصه زماننا هذا القريب، ترى أن بعض من أدركته هذه الشعبة من شعب أهل الجاهلية، ربما تسلط عليه الهوى فرمى من هو بين أن يكون مجتهدا وبين أن يكون مصيبا يعني الحق يعني الصواب، أو يكون مجتهدا مخطئا يرميه ببلادة الذهن وعدم الفهم ونحو ذلك من الأوصاف، والواجب على أهل الإيمان أن لا يعرج على هذه المسألة، بل الواجب عليهم أن يبينوا الحق بدليله، ولا يستهزئوا بالخلق لا يستهزئوا بالناس في علومهم، بل إذا أخطأ المخطئ يقال هذا مخطئ والصواب كذا, يبين الحق بدليله, تبين المسألة بحججها وبراهينها التي توضح المراد منها، دون دخول في هذا الأمر لأنه إذا قال فلان هذا فهمه كذا، فإنه يزيد شيئا فشيئا حتى تسلط عليه هذه الشعبة، فيتدرج في الأمر حتى إذا أتى ذلك الضعيف في الفهم عنده، إذا أتى بحق واضح جعله باطلا؛ لأجل أنه ضعيف الفهم، والواجب على المؤمن أن يأخذ الحق ممن جاء به، ولا يستدل على بطلان الشيء لأن من أتى به ليس بأهل أن يأتي بذلك، وهذا كما ترى ظاهر في فئام في هذا الزمان.
المسألة التي تليها هي أنهم يستدلون بالقياس الفاسد كما قالوا (هل أنتم إلا بشر مثلنا) ( ) وفي آية أخرى ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾[إبراهيم:10] ونحو ذلك.
القياس ينقسم إلى قسمين: قياس صحيح وقياس فاسد.
والشيخ رحمه الله ذكر مسألتين الحادية عشرة والثانية عشرة، وكل منهما في القياس: الأولى في القياس الفاسد، والثانية في القياس الصحيح.
والقياس يريدون به في العموم -لا في اصطلاح الفقهاء والأصوليين- يريدون به في العموم إلحاق شيء بشيء لوجه شبه بينهما، فيكون سبب القياس جامع يجمع بين شيئين المقيس والمقيس عليه، فيجمعهما شيء فيقاس أحدهما على الآخر، ولا يخفى عليكم أنه عند الفقهاء إلحاق حكم مسكوت عنه بحكم منصوص عليه بعلة جامعة بينهما، هذا أخص.
فإذن القياس هو كما ذكرناه ما يجمع شيئين بوجه شبه يسمى قياس، فإذا جمعت بين شيئين، يقال لك قِسْتَ الأمر؛ فقست بين هذا وهذا إذا جمعت بينهما لشبه بينهما، فإذا ألحقتَ شيئا بشيء لأجل الشبه صرت قائسا.
هذا الدليل الذي استدلوا به هم استدلوا بقياس يعني أهل الجاهلية استدلوا بقياس استدلوا بأنواع من القياس؛ يعني بأفراد من القياس، بعض تلك الأقيسة فاسد أو أكثرها فاسد، منها انهم أبطلوا النبوة بكون النبي الرسول بشرا ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾[الفرقان:7]، قال جل وعلا في آية سورة الفرقان ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾[الفرقان:20] يعني أن كل رسول جاء بهذا، بل أمر المشركين أن يسألوا من قبلهم، هل من قبلهم أتتهم ملائكة أم أتاهم بشر فقال جل وعلا ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾( ) اسألوهم، أهل الذكر المراد بهم في هذه الآية أهل الكتاب؛ علماء اليهود والنصارى، اسألوهم هل جاءتهم الرسل من البشر أم جاءتهم الرسل من الملائكة؟ فإذا كانت جاءتهم الرسل من البشر فلما تنكرون أن يكون رسولكم بشرا، وإذا كانت أتتهم الرسل من الملائكة فإنكم لكم وجه حجة في ذلك.
وجه القياس أنهم قالوا إن هذا الرسول يأكل كما نأكل، ويشرب كما نشرب، ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾[المؤمنون:34] فصفاته بشرية؛ ينكح الأزواج، يتكلم كما يتكلمون، ينام كما ينامون، يأكل كما يأكلون، يشرب كما يشربون. بشر، فقالوا ما دام أنه بشر فهو ليس بأهل أن يتنزل عليه الوحي من الله جل وعلا.
وهذا القياس فاسد لأنه صحيح هو قياس؛ لأنهم جمعوا بين الأمرين لوجه شبه؛ لكنه قياس فاسد، لأنهم كما ذكر المصنف رحمه الله أنهم لم يفهموا الفارق بين الأمرين، وهو أن وجه الجمع هذا لا يدل على أنه ليس هناك فارق بين الرسل وبين هؤلاء، فهناك فارق. فإذن سبب هذا القياس الفاسد أنهم ما عرفوا الفارق.
وهذا جاء من كفار قريش وممن قبلهم من الكفار.
كذلك جاء في هذه الأمة كما جاء من قبل، الذي جاء ليس هو إنكار النبوة لأجل أن الرسول  بشر؟ لا، ولكن الاستدلال بقياس فاسد، ما أمثلة هذا القياس الفاسد الذي استدلوا به؟ من لحق الجاهلية في هذه الشعبة؟
من أمثلة ذلك القياس الفاسد أنهم كما هو عند المعتزلة وعند غيرهم قالوا إنّ الولي إذا أثبتت له كرامات الأولياء، إذا أثبت له كرامة صار نبيا. لم؟ لأن النبي هو بشر أُعطي آيات، أُعطي أشياء خارقة للعادة، فلو كان ثَم بشر يمكن أن يُعطي ذلك لصار نبيا؛ يعني لاشتبهت الوَلاية بالنبوة، فهنا أبطلوا هذا الحق وهو الإيمان بكرامات الأولياء لأجل هذا القياس الفاسد.
كذلك طائفة من الصوفية أو غلاة الصوفية، قالوا إنّ النبي  لا يُخصّ بشيء، بل إنما مدار رِفعة شأنه على أنه يتلقى الوحي من الله جل وعلا، فإذا حصل التلقي لبشر صار مثله في المزية؛ لأنّ وجه الشبه بينهما حصل، وهو أن هذا يتلقى وهذا يتلقى، وهذا كان في أوائل القرون يعني في القرن الرابع أو أواخر القرن الثالث، بل زاد حتى زعم غلاتهم كابن عربي ونحوه أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، لم؟ قال:لأنّ خاتم الأولياء يتلقى من الله جل وعلا مباشرة، وأما خاتم الأنبياء فإنما تلقى بواسطة. ولهذا يهتمون بالكشف.
من أوجه هذا القياس الفاسد أنهم جعلوا كل من اتصف بالتقوى من أهل الإيمان متبركا به في ذاته، فكما أن النبي  وهو إمام المتقين، وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لما كان يتبرك بشعره، بعرقه، بثيابه، بغير ذلك من أجزاء ذاته، بسؤره يعني ببقية شرابه، ببقية أكله ونحو ذاك، نقلوا ذلك وعَدَّوه على كل من كان وليا، كل من كان تقيا، قالوا لأنه يقاس على النبي، فاستدلوا بالقياس الفاسد هذا وهذا كثير، بل قد دخل فيه طائفة من العلماء؛ يعني من غير تحقيق أجازوا أن يتبرك بالصالحين بشرابهم يعني بشرب بقية الشراب، أن يتمسح بهم، أن تأخذ بعض فضلاتهم يعني فضلات الأكل ونحو ذلك يتبرك بها، لم؟ قالوا لأنه يجمع بينه وبين النبوة الصلاح، فإذن سبب التعدي هو الصلاح، والصحيح أن سبب التعدي هو النبوة، سبب التبرك هو النبوة لأنّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا لتبركون بأبي بكر ولا بعمر ولا بعثمان ولا بعلي، لا بأخذ بقية شرابهم ولا بشعرهم ولا بثيابهم ولا بغيره ذلك، فدل على أن الجامع هنا ليس هو الصلاح والتقوى وإنما الجامع هو إيش؟ إنما الوصف هنا هو النبوة، فليس ثم جامع بين النبي  وبين غيره من أمته. وهكذا في أنواع.
أنكروا القياس الصحيح أيضا، والقياس الصحيح هو ما كان الجامع بين الشيئين أو ما كان الجامع بين الشيئين مقبولا معتبرا ليس بفارق؛ يعني جامع صحيح، وليس ثم فارق بين هذا المقيس والمقيس عليه، أنكروا القياس الصحيح، القياس الصحيح كان ينبغي أن يدل أولئك المشركين على أنّ نبوة النبي  صحيحة، بل نبوة كل نبي صحيحة، لم؟ لأنّ البشرية التي كان عليها الأنبياء تخرج بإتيانهم –البشرية التي تجمع بينهم وبين غيرهم- تخرج إذا كان أُعطي ذلك البشر آيات بينات وبراهين دالات على صدقه ليس في وسع البشر أن يأتوا بمثلها، فالقياس الصحيح يقتضي أن يقال إنّ كل من أتى بآية ومعجزة كما يسميها المتأخرون أو ببرهان مع دعوى النبوة مما لا يستطيعها البشر، وكان ذلك الذي أتى به معروفا بأمانته معروفا بتقواه معروفا بصلاحه في القوم، أن هذا يدل على نبوته، فهذا القياس صحيح، أنهم كانوا يقيسون، أن من أوتي هذه الأمور فإنه لم يؤتها من عند نفسه، وإنما أعطاه الله جل وعلا إياها.
القياس الصحيح يقتضي أن يعلموا أن الذين اتبعوا الرسل زادوا عليهم في المزية من أجل إيمانهم، فهناك جامع بين مستحق الجزاء الحسن وبين الأنبياء ألا وهو الإيمان، ولهذا أتباع كل أمة، أتباع كل نبي من ألأمم يتبعون نبيهم، يعني هناك جامع بينهم، فكان يجب أن يقيسوا صحة ما ذهب إليه أولئك الناس بصحة النبوة، فإذا ثبتت النبوة ثبت أن أولئك اتبعوه على الحق والهدى، وهذا يعني أن لا يستدلوا بالعكس فيستدلوا بأولئك القوم على بطلان النبوة، بل ينبغي أن يثبتوا النبوة يعني يسعوا في معرفتها بدلائلها وبراهينها، فإذا ثبتت فإن أولئك يثنى عليهم لأنهم اتبعوا النبوة، وذلك مقتضى لقياس الصحيح.
مقتضى القياس الصحيح أيضا في هذه الأمة أن من اتبع العلم الذي ورَّثه النبي  للأمة فهو أحق أن يكرم وأحق أن يتبع، كما قال عليه الصلاة والسلام «العلماء ورثة الأنبياء»، فالجامع بين العالم والنبي هو اتباع ما جاء من عند الله جل وعلا، فكل نبي اتبع ما عند الله جل وعلا، وما جاء به الرسول فهو وريث له، وهو قياس صحيح، يعني ألحق أولئك في الإكرام والتبجيل بالأنبياء، ليس في درجة الإكرام والتعظيم وإنما في جنسه؛ في جنس الإكرام والتعظيم لأجل الجامع بينهما وهو اتباع وِراثة النبوة.
أيضا في هذه الأزمان المتأخرة -وهذا هو مقصد الشيخ من إيراد المسألة- هو أنهم أنكروا على أهل العلم من أتباع أهل السنة والجماعة، ومن الذين شهروا بالدعوة أنكروا عليهم ما جاءوا به، مستدلين بأنهم ليسوا بكفء لهذه المسائل التي أتوا بها، فجعلوا هناك وجه شبه بين العلماء في ذلك الوقت وبين الذين ضلوا بعدم الفهم وعدم معرفة الأدلة، فأغلقوا باب التدبر وباب الاجتهاد، فكان هذا منهم -يعني قياس علماء الدعوة بأرباب أهل الفرق الذين استدلوا بالمتشابه والذين راموا الناس على غير الهدى- كان من منهم هذا قياسا فاسدا، وتركوا القياس الصحيح وهو أن من أتى بالحق مع أدلته أنه يُلحق بأئمة الهدى ولو كان متأخرا، فليس بالتأخر يهضم من أتى بالحق، بل قد يأتي بالحق المتأخر، ويكون ذلك رفعة لشأنه ومزية له.
الأقيسة الصحيحة هذه تركوها، الأقيسة الصحيحة أبرزها أن من كان من أهل العلم جاء بما كان عليه الأوائل فإن القياس يقتضي أن يلحق بالأئمة، وهم ألحقوه بأهل الشبه وأهل الفتن، وألحقوه بأهل الضلال وبأهل البدع، لم؟ لأنه عندهم لا يمكن في هذه الأزمان المتأخرة أن يستقل أحد بالفهم.( )
يعني مقصود الشيخ من ذكر القياسين أن ينتبه إلى أن القياس ينبغي مع جامع واضح وفارق واضح، فإذا قاس أحد شيئا على شيء أو أمرا على أمر ينبغي أن يكون بل يجب أم يكون الجامع بينهما والفارق منتفيا، فإذا كان موجود والجامع غير موجود، فإنه يدل على أن القياس فاسد، وإذا كان الجامع موجودا والفارق غير موجود أو ضعيف فإنه يدل على أن القياس صحيح.
ثم انتهى من مسائل الاستدلال وذكر المسألة العظيمة وهي أنه من خصال أهل الجاهلية هي الغلو في الصالحين والعلماء، والغلو في العلماء والصالحين أخبر الله جل وعلا عنه في غير ما موضع من كتابه، منه في قوله تعالى﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا﴾[المائدة:77] ومنها في قوله ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾[التوبة:31] فأهل الجاهلية من قبل كان عندهم غلوّان غلو في العلماء وغلو في الصالحين:

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:27PM

الغلو في العلماء كان على أنحاء:
الأول أنهم كانوا يتبعونهم في التحليل والتحريم، فيحللون ما حلله العلماء ولو كان ذلك حراما ويحرمون ما حرمه العلماء ولو كان في كتاب الله حلال،ا فجعلوا العلماء في منزلة فوق منزلة النبوة فجعلوهم أربابا، جعلوهم معبودين كما قال تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) قال عدي بن حاتم للنبي  ما عبدناهم قال: «ألم يحلوا لكم الحرام فأحللتموه؟» قال: بلى. قال: «ألم يحرموا عليكم الحلال فحرمتموه؟» قال: بلى. قال: «فتلك عبادتهم».
فهذا نوع من أنواع الغلو وهو أن يُعتقد في العلم أنه يستقل بالإتيان بالإحكام، يستقل بالإتيان بالشرع، وهذا نوع شرك، كما قال جل وعلا ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾[الشورى:21].
كانوا يعتقدون في العلماء أنه يمكن يحذفوا ويلغوا بعض الكتب المنزلة ويثبتوا بعضا آخر كما حصل من علماء اليهود والنصارى أنهم غيروا في التوراة والإنجيل إما بزادة أو بنقص أو بتغيير للمعاني بتفسيرها تفسيرات باطلة، ومع ذلك اتبعوا.
كذلك الغلو في الصالحين يكون على أنحاء:
من أشهرها وأظهرها أن يعتقد أن كل ما فعلوه من أنواع الصلاح والعبادة أنه صواب، فيقتدى بهم مطلقا، لاعتقاد أنهم مصيبون في كل ما يفعلون، فلا ينظرون في وجه حجة فعل ما فعله الصالح، وإنما ينظرون إلى فعله، فيستدلون بالفعل المجرد عن الحجة، وهذا هو الغلو في الصالحين، الغلو في الصالحين في حياتهم أن يُنظر إلى أفعالهم ويقتدى بهم، مع ظهور أن تلك الأفعال مخالفة للحجة أو مع عدم وضوح الحجة من أفعالهم.
من أوجه الغلو في الصالحين أنهم أعتقد فيهم أن لهم منزلة عند الله جل وعلا في حياتهم وبعد مماتهم، كمنزلة الوزراء عند الملوك أو المقربون، كمنزلة المقربين عند الملوك منهم، فكما أن المقربين من الملوك يرفعون حاجاتهم إليهم ويأتون بما يريده الناس إلى الملوك فيكونون شفعاء ووسطاء؛ لأجل شفاعتهم ووساطتهم، يجيب الملك طلبتهم ورغبتهم، جعلوا أولئك الصالحين عند الله جل وعلا كذلك، لهم من المنزلة ولهم من الزلفى ما يمتنع معه أن يرد الله جل وعلا طلبهم، هذا الغلو بهم في الحياة وبعد الممات، جعلهم يستغيثون بهم، جعلهم يصرفون لهم أنواع العبادات، فهذا اللاتّ الذي كان يلتّ السويق كان شركهم به من أجل ذلك؛ لأنه كان رجلا صالحا -كما جاء في الأثر عن ابن عباس وغيره-، يلتّ لهم السويق وغير ذلك، بل إن الأنبياء إنما وقع الشرك بهم لأجل الصلاح الذي فيهم، بعد موت الصالح يظن أنه له عند الله جل وعلا من الزلفى ما يمكن له أن يُتوسل به وأن يستشفع به وأن يطلب رضا ذلك الصالح بعد مماته بالتوجه إليه بأنواع العبادات كما هو مشهور.
من أنواع الغلو في الصالحين التبرك بهم، وهذا كان في اليهود وكان في النصارى، فكانوا يتبركون بصالحيهم، وكانوا يتمسحون بهم ونحو ذلك، وهذا لم يكن إلا للأنبياء، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك كلِّه محذرا من هذه الشعبة من شعب الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام « لَعْنَة الله على الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وصَالحيهم مَسَاجِدَ» وقوله هنا (صالحيهم) يدخل فيه العلماء ويدخل فيه من كان صلاحه من غير علم، (اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وصَالحيهم مَسَاجِدَ)، وهذا نوع من الغلو، بل إنّ النبي  نهى عن الغلو مطلقا، كما جاء، يعني مبينا لما جاء في القرآن حيث نهى الله جل وعلا عن الغلو مطلقا فقال (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)، فقال عليه الصلاة والسلام «إنما أهلك من كان قبلكم الغلو»، وفي حديث عمر رضي الله عنه حينما قطع الشجرة قال لهم ناهيا عن الغلو: إنما هلك من كان قبلكم من مثل هذا، يتتبعون آثار أنبيائهم، فما أدركتم من هذه المواضع فصلوا، وما لا فلا تتعمدوا. أو كما قال عمر رضي الله عنه.
المقصود من هذا أنّ النهي عن الغلو كثير في الكتاب وفي السنة، والدلائل عليه من أعمال الصحابة كثيرة، هذا الغلو الذي نهي عنه دخل في الأمة في أنواع شتى كما هو ظاهر لديكم، كان الغلو في العلماء أو ما ينتسب إلى العلم بقبول أقوالهم من دون حجة، سواء في ذلك الذين ينتسبون إلى الكلام، فقُبلت أقوالهم بتحريف الشرع من دون حجة، وأيضا الذين ينتسبون إلى الفقه قبلت أقوال بعضهم من غير حجة، حتى صار قول الفقيه مثلا أو قول العالم الفلاني الذي هو مأجور فيه لأنه مجتهد فيه صار علما على الحق عند من يتعصب لهم، فصار الدليل عندهم قول العالم وهو نوع غلو لأن العالم إنما يستعان به على فهم الأصول، وفهم الأدلة من الكتاب والسنة و لا يتبع استقلالا، إنما فيما كان فيه اجتهاد وخفي على المرء وجه الصواب في ذلك، فإنه يعني على أهل العلم وعلى طلبة العلم، فإنه يتبع في ذلك لأجل اجتهاده، وهذا سبق أن أوضحناه لكم مفصلا في باب أو في مسألة التقليد.
آل الأمر بهذا أن جعل أقوال المتأخرين حجة، وهذا أعظم ما ووجه به أتباع دعوة الإمام رحمه الله تعالى الدعوة السلفية، واليوم يواجه به كل داع إلى السلفية في أي مكان من أعظم ما يواجه به أقوال أهل العلم، وهذا نوع من أنواع الغلو فإذا كان بعض أهل العلم زل في مسألة أو غلط وهو مأجور إن شاء الله على اجتهاده؛ لكنه غلط فيها، فإنه لا يجوز أن يجعل قوله حجة في المسائل المختلف فيها أو التي يراد بحثها، فإذا كان ثم دليل واضح من الكتاب والسنة، فلم يؤخذ بأقوال بعض أهل العلم في المسائل التي أخطؤوا فيها.
فمثلا في مسألة الشفاعة؛ الاستشفاع بالنبي  طائفة أجازته على اعتبار أنّ طائفة من أهل العلم ذكروه في كتبهم في المناسك، هذا صحيح، طائفة من أهل العلم ذكروا ذلك في مناسكهم، ففي آخر الحج يقولون يذهب إلى الرسول  ويفعل عنده كيت وكيت، ومن ضمن تلك الأفعال أنه يستشفع به، هذا غلط ممن ذكره من أهل العلم، لاشك فيه، فلا يجوز لأحد أن يغلو في ذلك العالم الذي قال بتلك المقالة ويجعل قوله حجة، مع أننا نعلم أن المسألة قطعا لم تكن معلومة في زمن النبي  ولا في زمن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فإذن هي مسألة مبتدعة على أقل أحوالها كيف والصواب أنها شرك بالله جل وعلا.
اليوم يؤلف من يؤلف مؤلفات ضد الدعوة ويجعلون الحجج فيها قول فلان، وفلان، وفلان، قول مثلا العالم الفلاني، وقول العالم الفلاني، بجواز التوسل، بفعل كذا وكذا كما فعل بعض المتأخرين في مكة وهو الدكتور محمد علوي المالكي في كتابه الأخير، حيث جعل عمدة كتابه على أنه ساق أقوال العلماء في كتبهم على جواز التوسل وبعض الأفعال التي نحكم على بعضها بأنه بدعة، وعلى بعضها بأنه شرك أصغر، وعلى بعضها بأنه شرك أكبر، استدل بأقوال ساقها في جميع المذاهب، ومن بينها أقوال بعض الحنابلة، هذا صحيح، يعني تلك الأقوال كثير منها صحيح إلى قائليها، لكن هذا نوع من أنواع الغلو، إذ أنّ الاستدلال بأقوال العلماء وجعل تلك الأقوال حجة والإعراض عن نصوص الكتاب والسنة الظاهرة، هذا هو الغلو الظاهر، فيأتي بقول العالم يعارض بع قول النبي  لا شك أنّ هذا من نوع الغلو الذي حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام، بل إن ابن القيم رحمه الله تعالى بسط القول في هذا النوع من الغلو في كتابه إعلام الموقعين، وقال: إنّ بعض هذه الأمة –يعني مما أبلغ فيه- يعني من أتباع الفقهاء جعلوا العلماء أربابا، كما فعل اليهود والنصارى، وذكر الأمثلة لهم من بعض المتكلمين وبعض المتعصبة المذاهب ونحو ذلك. ومن أحسن ما قيل في هذا قول الذهبي رحمه الله تعالى:
العلـم قال الله وقـال رسوله قال الصحابة ليس خُلْفٌ فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
أراء الفقهاء العلماء تحترم تقدر وتجل ولا يستهان بأمرهم ولا بشأنهم؛ لكن إذا ظهر الدليل فلا يغلوا الناس فيهم.
أما الغلو في الصالحين فحدث ولا حرج، ظاهر لديكم في إقامة المشاهد لهم والاستغاثة بهم والذبح لهم، وصرف جميع أو أكثر أنواع العبادات لهم، بما لا وجه لبيان كل أفعال من تأثر بتلك الشعبة من شعب الجاهلية.
المقصود من هذا أن هذه المسألة وهي الغلو من خصال أهل الجاهلية، والغلو يكون أيضا في الأشخاص الذين يشار إليهم بالبنان من علماء وصالحين ومن غيرهم ممن لم يذكرهم الشيخ؛ يعني ممن ليسوا بعلماء وقد لا يعرف صلاحهم بيقين، كمثل الغلو في رؤساء الدعاة مثلا، والذين يشار إليهم بالبنان في الدعوة في بلد أو في بلاد ونحو ذلك، كيف يغلوا الناس فيهم؟ بأن يجعلوا أقوالهم أو طريقتهم في الدعوة أو منهجهم يجعلونه أصل وتُصرف نصوص العلماء، وتُصرف أدلة الكتاب والسنة إلى ما يوافق هذه الطريقة، فبعض مثلا من يعظم طائفة من أولئك تجد أنه ألف كتبا مدارها على الغلو فيهم بأنهم لا يخطئون، وبأنهم لا يحصل منهم زلل، وأن كل ما فعلوه هو الصواب وأن طريقة الدعوة إنما هي طريقتهم، وأن السبيل إنما هو سبيلهم ونحو ذلك، هذا نوع من الغلو؛ لأن حقيقته أن يقال في ذلك الداعية المشهور أو في ذلك القائد أو في ذلك الرئيس أو في ذلك المعظم ونحو ذلك أن يقال إن كلّ ما جاء به صواب في الدعوة، وهذا يدعى به لأحد، فضلا أن يدعي به لمن ليس من أهل العلم المتحققين به، لهذا من آثار الغلو في الأشخاص التعصب، فإذا غلا في شخص ما تعصّب له، فصار القول الصواب هو ما يقوله فلان الذي غُلِي فيه، والقول الخطأ القول الذي انصرف عنه، هذا نوع من الغلو، والواجب على المؤمنين –هذا كالتتمة لما ذكره الشيخ رحمه الله- أن لا يغلو في أحد فلينظروا في حال الناس مهما كانوا معلما كان أو داعية أو عالما، أن ينظروا في حاله، ينظروا في قوله هذا عليه من الأدلة ما هو واضح، هل طريقته في أمر ما أو في أموره كلها متابعة للشرع؟ هل عليها حجة بينة أم لا؟ فإذا كان عليها حجة بينة واضحة فالحمد لله، يكون اتباعه اتباعا للحجة، وإذا كان ليس عليها بينة فلا يتبع أحد على خطأ أخطأ فيه أو على ضلال ضلّ فيه.
إذا تبين ذلك، فإن من مصائب هذا العصر الذي أُبتلي بها الناس التعصب، التعصب لمن يعجبون به، فترى الواحد خاصة في الشباب، ترى الواحد منهم إذا أُعجب بشخص ممن قد يكون له أثر كبير في المسلمين، أو قد لا يكون له أثر ونحو ذلك، تراه يتعصب بحيث لا يسمع فيه ولا يقبل فيه لا كذا ولا كذا، وهذا نوع من أنواع الغلو الذي لا يجوز أن يكون في المؤمنين، بل يُنظر في كلامه هو بَشَر ومن أتباع النبي ، فينظر ما كان وافق فيه السنة ووافق فيه الهدى فيقبل، وما لم يكن موافقا فيه فيرد عليه، كيف والإمام مالك رحمه الله تعالى ”ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر“ فمن هو دونه فلا غَرْوَ أن يكون رادّ ومردود عليه؛ يعني فلا يكون هناك تعصب عند طائفة مداره الإعجاب بأن كل ما قاله فلان فهو صواب، وكل ما لم يقله فهو خطأ، كذلك لا يكون عندنا ما يقابل التعصب بالجهة الأخرى وهو أن يكون هناك إهدار لكل صواب أصاب فيه عالم من أهل العلم أو طالب من طلبة العلم، بل الواجب أن يقال للمحسن أحسنت للمصيب أصبت وللمخطئ أخطأت، فهذا هو الذي يجب على المؤمنين، لا أن تنغلق عيونهم، تنغلق قلوبهم بحيث يكونون متابعين لكل شيء أتى به من يعجبهم سواء كان صوابا أو خطأ، وهذا يحتاج إلى نوع من التربية ينبغي أن يعتنى بها؛ ألا وهي التربية على أن يكون المقدم في نفس المؤمن هو المنهج الذي لا يخطئ، الدليل الذي لا يلحقه نقص؛ الكتاب، السنة، الإجماع ما أجمع عليه أو ما ذكره أهل السنة والجماعة في عقائدهم، وما عدا ذلك فكل يقرب منه ويبعد بحسب ما عنده من العلم والهدى.
وهذه مسألة مهمة فينبغي للشباب أن يوسعوا صدورهم، وأن لا يضيق صدرهم بعرض الآراء على الكتاب والسنة، لا، لأنه ما من أحد إلا وهو راد ومردود عليه، ولا يعتقد المراد أنه كامل، ويعتقد الناس في المردود عليه أنه ساقط بمرة، لا، بل كل أحد يجمع بين صواب وبين خطأ، فيتبع المصيب في صوابه ولا يهضم الصواب فيه، بل يشار إليه به ويثنى عليه به، ويرد على المخطئ بخطئه، ويقال إنك أخطأت في هذا ولا يتبع في خطئه، ولا يؤخذ به فيما أخطأ فيه.
هذا هو المنهج الصواب في هذه الأمور عند من أخطأ في المسائل الاجتهادية، فلا نغلوا ولا نجفوا، فالغلو مذموم والجفاء مذموم بين أهل السنة والجماعة فيما بينهم، فينبغي بل يجب أن يكون هذا كاليقين عندنا، ذم الغلو في الناس، الأشخاص، في العلماء، في الصالحين، هذا أصل من الأصول عند أهل السنة والجماعة، والغلو شعبة من شعب أهل الجاهلية؛ لأنه سببه التعصب والنفس تقبل شيئا ما، وتعجب بشخص ما فيكون القول هو ما قاله، والخطأ هو ما صد عنه.
أسأل الله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد والهدى والرشاد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الأسئلة]
1/ يقول: لفظ أهل السنة والجماعة والسير على منهجهم وجمع الناس حول ذلك هل هذا أمر صحيح، وهل يدخل في هذا اللفظ من قريب أو بعيد الأشاعرة والماتريدية وغيرهم من أهل البدع؟
الجواب: أن الواجب على المؤمنين أن يتبعوا الكتاب والسنة وما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام، والذين ورثوا المنهاج الذي قال جل وعلا فيه ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة:48]، أن المنهاج هذا ورثه عن النبي  صحابته، ورثه عن الصحابة التابعون المقربون إليهم، ثم ورثه أئمة أهل السنة والجماعة ودونوه في كتبهم، فنعلم قطعا أن الصواب هو ذلك المنهج؛ لأنه هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى قبل أن تظهر الفتن ويظهر الاختلاف في هذه الأمة.
أهل السنة والجماعة يراد بهم من لزموا طريقة الصحابة رضوان الله عليهم في جميع الأبواب؛ في باب الاتباع والعقيدة والعمل وغير ذلك، ولهذا تجد أنه في عقائد أهل السنة والجماعة يذكرون مسائل الإيمان الست يعني أركان الإيمان الست ثم يذكرون مسائل تميز بها أهل السنة والجماعة منها الأخلاق، منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائل أخر تميّزوا بها عن غيرهم.
إذن فعقيدتهم يعني منهاجهم هذا يشمل الأمور العقدية ويشمل الأمور العملية، تقديم الكتاب والسنة، الأخذ بالحديث والاحتجاج به ذم الرأي ونحو ذلك هذا من أصولهم.
إذا تبين ذلك فالأشاعرة والماتريدية ليسوا من أهل السنة والجماعة لأنهم خالفوا أهل السنة والجماعة في مسائل كثيرة، ليست مخالفة أهل السنة والجماعة للأشاعرة والماتريدية لأهل السنة والجماعة في باب الصفات فقط؟ لا، خالفوا في الصفات، خالفوا في القدر، خالفوا في أصل الاتباع؛ إتباع الكتاب والسنة.
فالقاعدة عندهم أن القواطع العقلية مقدمة على الأدلة الظنية، وأهل السنة والجماعة يجعلون النصوص مقدمة على العقل، فالقاعدة التي بنى عليها الأشاعرة والماتريدية مذهبهم تبعا للمتكلمين أن العقل مقدم على النقل، وهذه القاعدة يرد بها أهل السنة والجماعة من أسها.
كذلك يخالفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأشاعرة والماتريدية وأهل البدع يخالفون في طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغايته، فيجعلون غايته الخروج تبعا للمعتزلة، وأهل السنة والجماعة يجعلون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غايته إصلاح الخلق وانتظام شمل الناس على الدين.
وغير ذلك من المسائل، فإذن الأشاعرة والماتريدية ليسوا من أهل السنة والجماعة قد يطلق على الأشاعرة في بعض الكتب أنهم من أهل السنة، والسبب في ذلك أنه مقابلة لأهل التشيع، فيقال شيعة ورافضة وأهل سنة فيدخلون في أهل السنة، فيدخلون أهل السنة والجماعة يعني أهل الحديث وأتباع السلف الصالح ويدخلون الأشاعرة ويدخلون الماتريدية ونحوهم ممن ليس هو من الرافضة.
فإذن الإطلاق أهل السنة والجماعة لا يدخلون فيه لكن أهل السنة دون لفظ الجماعة قد يدخلون فيه إذا كان على وجه المقابلة، يعني احتجت أن تقابل تقول الرافضة وأهل السنة فإنه يعنى بأهل السنة من هم ضد الرافضة، والأشاعرة والماتريدية ونحوهم كان لهم ردود على الرافضة ووقفات ضد الرافضة.
2/ هذا يسأل عن مسألة فقهية وهو: السائل الذي يخرج من فرْج المرأة ما حكمه هل يوجب وضوءا أو غسلا؟
الجواب أن السائل في المحل طاهر فإذا انفصل كان نجسا، ويعني ذلك أنه ينقض الطهارة، فإذا كان في المحل يعني في الفرْج فهو طاهر التي هي رطوبات فرج المرأة، أما إذا انفصل وخرج فالعلماء يقولون إنه نجس بخروجه عن المحل، خروجه من البدن من ذلك الموضع فإذا خرجت النجاسة من ذلك الموضع أوجبت وضوءا حدث أصغر، أما حال الجماع إذا جامعها وخرج فمعلوم أنه سواء أنزلت أو لم تنزل فإنه يجب عليها الغسل، لا لأجل خروج السائل هذا وإنما لأجل الجماع، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ثبت عنه أنه قال «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» يعني للرجل وللمرأة.
3/ محاضرة المنهجية في طلب العلم التي ألقيتها الأسبوع الماضي هل سجلت؟
الجواب لم تسجل.
4/ يسأل عن تفسير زبدة التفسير وهو اختصار فتح القدير مختصره هو الشيخ محمد الأشقر.
الجواب أن التفسير رأيت منه مواضع، قرأت فيه في مواضع فألفيته تفسيرا جيدا، قد نظرت بعض الموضع التي زلت فيها قدم الشوكاني رحمه الله تعالى، فتحاشى ذلك الزلل، وعبر بعبارة جيدة مع أنه نختصر له فلم يبق عبارة الشوكاني وفي بعض المواضع ولا معنى ما يريد الشوكاني بل قرر الحق في بعض المسائل، منها -ويمكن أن ترجعوا وتقارنوا ما ذكره- عند قوله تعالى عند أول سورة الأنبياء ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾[الأنبياء:2] فإن الشوكاني رحمه الله في هذه المسألة لم يفهم ما كان عليه السلف الصالح في مسألة خلق القرآن، فأتى بقول من جنس أقوال أهل البدع، فتحاشاه المختصر الشيخ الأشقر، وهذا يدل على عناية بالأقوال التي زل فيها قلم الشوكاني.
5/ العبارة هل هي صحيحة ”لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار“؟
الجواب: أن هذه العبارة مشهور، وأهل العلم يصححونها، والصغيرة إذا أصر عليها صاحبُها فإنها تتحول إلى كبيرة، ومعنى الإصرار عليها أي يفعلها مرارا وتكرارا دون أن يحدث استغفارا، فإذا فعلها مرة والثانية والثالثة والرابعة ولم يستغفر، فصار الإصرار عليها كبيرة من كبائر الذنوب، لكن إذا فعل الصغيرة ثم استغفر، ثم فعلها مرة أخرى ثم استغفر والثالثة والرابعة ويستغفر بعد كل مرة، فلا يدخل في هذا القول، على أن هذا القول روي على بعض السلف، لكن ليس عليه دليل واضح من الكتاب أوالسنة.
6/ هل يستطيع المسلم فهم العقيدة وشرحها دون حفظ القرآن الكريم وما هو السبيل إلى ذلك؟
يمكن أن يفهم العقيدة سواءً العقيدة الإجمالية يعني مجمل الاعتقاد أو توحيد العبادة بخصوصه، يمكن أن يفهمه بدون أن يحفظ القرآن، لكن إذا حفظ القرآن استقامت عنده الحجة ووضح له البراهين التي يأتي بها أهل السنة في تلك المسائل.
7/ الصلاة خلف المبتدع في الدين والقبوري وإذا أقيمت الصلاة وهو إمام ما الحل؟ ثم ما وضع حديث «صلوا وراء كل بر وفاجر»؟
أولا الصلاة خلف المبتدعة وأهل الكبائر بمعنى أهل الكبائر المظهرين لها، الأصل فيها أنها جائزة، الصحابة رضوان الله عليهم صلوا وراء أمراء الجور الذين يظهرون الكبائر وإزهاق النفوس كما صلى ابن عمر خلف الحجاج ابن يوسف، وأنس صلى خلف الحجاج أيضا، كما روى صلاة ابن عمر خلف الحجاج البخاري وغيره، هذا من جهة أهل الكبائر، و أهل البدع كذلك يصلي خلفهم، وأهل السنة والجماعة نصوا على ذلك في عقائدهم، لكن إذا كان صاحب البدعة هذه يمكن أن يستغنى عنه؛ بمعنى أنه ليس بإمام راتب شخص يتقدم وتعرف أنه صاحب بدعة هنا تنهره عن التقدم ويتقدم صاحب السنة، يعني أنه عند الاختيار لا يجوز أن يأمّ صاحب كبيرة ولا صاحب معصية ظاهرة ولا صاحب بدعة، لكن إذا كان ليس عند الاختيار، وإنما أدركت جماعة وفيهم من هو كذلك فإذا كانت بدعته لا تخرجه إلى الكفر فإنه يصلي خلفه، والإمام أحمد ذكر في مسائل أنها بدعة ومع ذلك أمر بالصلاة وراء من فعلها من مثل القنوت في صلاة الفجر فإنه بدعة ومع ذلك سئل عن الصلاة خلف من يقنت في الفجر قال تصلي خلفه، قال هل أرفع يدي معه؟ قال: لا. قال ما أصنع؟ قال: تسكت. أو كما روي عنه.
أما حديث «صلوا وراء كل بر وفاجر» فهو حديث في السنن لكنه ليس بصحيح، رواه أبو داود وغيره.
والآن قد أستدرك أن الذي رواه أبو داود قريب بهذا الفظ يعني معناه هذا الحديث لكن ليس بلفظه.
8/ هذا يسأل سؤال يتكرر كثيرا وهو الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
الجواب: أن أهل السنة والجماعة لا يفرقون بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية؛ بل الفرقة الناجية عندهم هي الطائفة المنصورة والطائفة المنصورة عندهم هي الفرقة الناجية، وذلك أن الأحاديث التي جاءت فيها أوصاف الطائفة المنصورة من مثل «لاَ تَزَالُ مِنْ أُمّتِي طَائِفَةٌ عَلَى الْحَقّ لاَ يَضُرّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ حَتّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وهم كذلك» ومن مثل قوله عليه الصلاة والسلام« لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ » وفي الرواية الأخرى «يقاتلونهم» ونحو ذلك، هذه كلها أوصاف للطائفة المنصورة، وهذه الطائفة المنصورة عندهم هي الفرقة الناجية، وحُكي الإجماع على ذلك من أهل السنة والجماعة، والفرقة الناجية لم تأتي في حديث بهذا الاسم بخلاف الطائفة المنصورة، فإن الطائفة المنصورة ذكرت هذه اللفظة أو ما يدل عليها أما الفرقة الناجية فإنما فهمت فهما من حديث الافتراق «وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «الجماعة». فعلى هذا سموا الفرقة هذه التي هي الأولى يعني التي لم تخرج سموها الفرقة الناجية، وبيان ذلك أن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية كلٌّ من اللفظين فيه نعت ليس في الأخرى، الطائفة المنصورة يعني أنها منصورة في الدنيا والفرقة الناجية يعني أنها ناجية في الآخرة، فأحد الوصفين ليس معارضا للآخر، فأحد الطائفتين وصف دنيوي وهو أنها منصورة في الدنيا كما قال تعالى ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ(171)إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ(172)وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ﴾[الصافات:171-173] الطائفة المنصورة في الدنيا، والفرقة الناجية فهي التي تنجو من عذاب الله في الآخرة، تنجو من عذاب النار في الآخرة فالفرقة الناجية في الآخرة هي الجماعة الحق وهي الطائفة المنصورة في الدنيا، هكذا نعلم من فهم أئمة أهل السنة والجماعة في ذلك.
9/ عقيدة أهل السنة والجماعة كما تعلمون في الحرب بين علي ومعاوية أن كلا منهما مجتهد، وأن كلا منهما طالب للصواب وأن عليا هو صاحب الحق وهو صاحب الأجرين في اجتهاده؛ لأنه على الصواب ومعاوية رضي الله عنه كانت فئته ولا نقول هو كانت فئته هي الفئة الباغية، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام «ويحك عمار تقتلك الفئة الباغية»، وكان الذين قتلوه هم عسكر معاوية، فمعاوية ومن معه يعني معاوية رضي الله عنه في اجتهاده ومن معه من الصحابة أصحاب أجر واحد؛ لكنهم مخطئون عندنا، إدخال القتال فيما بينهم بالطائفة المنصورة لا يعني أن الطائفة المنصورة التي ذكرت في الأحاديث أنها في كل وقعة تُنصر، إنما يقصد الجنس أنها لا تزال منصورة إما نصرة حجة على من عاداهم، وإما نصرة سنان على من عاداهم، فعلي رضي الله عنه مع حصل له مع معاوية هذه فئة لأنها بين المسلمين فليس فيها طائفة منصورة ولا فرقة ناجية، وإنما الطائفة المنصورة والفرقة الناجية كلاهما لمسمى واحد لا يُعنى به ما حصل من الفتن أو كل حرب دخل فيها رجل فنُصر فيها يكون من الطائفة المنصورة، لا إنما المقصود الجنس؛ أنها لا تزال منصورة كجنس الطائفة، قد يكون من الفرقة الناجية ومن الطائفة المنصورة ولكنه لا ينصر في كل وقعة لا ينصر في كل حرب له مع أعدائه الكفار أو مع المسلمين في الفتن الدائرة، لكن الذي حصل بين علي ومعاوية أن أحدهما صاحب أجرين وهو علي رضي الله عنه، وأن معاوية صاحب أجر واحد رضي الله عنهم أجمعين، وأن الطائفة المنصورة والفرقة المناجية ليس لها دخل في حرب بين علي ومعاوية؛ لأنه نريد بالفرقة الناجية التي تنجو من النار وعلي ومعاوية جميعا ينجون بإذن الله من النار علي رضي الله عنه شهد له بالجنة، ومعاوية رضي الله عنه كذلك هم ناجون من النار، كذلك هم من الطائفة المنصورة كجنس، لما كانوا مع عمر رضي الله عنه، ولما مع عثمان رضي الله عنه كقبل حصول الاختلاف، الجميع من الطائفة المنصورة والجميع من الفرقة الناجية، الحرب التي حصلت فتنة لا يدخل فيها تقسيم طائفة منصورة وفرقة ناجية.
وهذا إيراد فيه شيء من الغرابة يا محمد... ( )
[المتن]
(المسألة الرابعة عشرة) أن كل ما تقدم مبني على قاعدة وهي النفي والإثبات فيتبعون الهوى والظن ويعرضون عمّا جاءت به الرسل.
(المسألة الخامسة عشرة) اعتذارهم عن اتباع ما آتاهم الله بعدم الفهم، كقولهم ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾( )، ﴿يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾[هود:91] فأكذبهم الله وبين أن ذلك بسبب الطبع على قلوبهم وأن الطبع بسبب كفرهم.
(المسألة السادسة عشرة) اعتياضهم عما أتاهم من الله بكتب السحر كما ذكر الله ذلك في قوله ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾[البقرة:101-102].
(المسألة السابعة عشرة) نسبة باطلهم باطلهم إلى الأنبياء ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾[البقرة:102] وقوله ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾[آل عمران:67].
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالمسألة الرابعة عشرة من مسائل الجاهلية وهي أن كل ما تقدم من استدلالاتهم الباطلة وردّهم لأدلة الحق مبني على قاعدة النفي والإثبات فيتبعون الظن والهوى ويُعرضون عما يجب اتباعه من الدليل الواضح، هذه القاعدة وهذه المسألة نرجئ الكلام عليها إلى وقت لاحق إن شاء اللهُ تعالى.
المسألة الخامسة عشرة (اعتذارهم عن اتباع ما أتاهم الله بعدم الفهم، كقولهم ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾( )، ﴿يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾[هود:91]) ونحو ذلك من الآيات، فبين ذلك جل وعلا بأن ذلك وهو عدم الفقه وعدم الفهم بسبب الطبع على قلوبهم وبسبب جعل الأكنة على القلوب، وأن ذلك أيضا كان عدلا من الله جل وعلا، وذلك لأنه بسبب كفرهم بالله جل وعلا.
وهذه المسألة مسألة عظيمة ألا وهي أن المشركين وأهل الجاهلية على اختلاف ملل الجاهليات ونحلهم يعتذرون عن اتّباع الحق ويكون عذرهم هو أنهم لم يفقهوا ما قيل لهم ولم يعلموه، يريدون بذلك أنهم لم يفقهوا الحجة فقه من يستجيب لها، ولم يعلموا أن تلك الحجج التي جاءت بها الرسل أو جاء بها الأنبياء أنها غالبة وأنها مقدمة على الحجج التي يحتجُّ بها أولئك فعند المشركين حجج وعلم والرسل والأنبياء جاءوا بحجج وعلم فلم يفقه أهل الجاهليات أن حجج الأنبياء والمرسلين أدلَّ على المراد من حجج المشركين.
ولبيان ذلك نقول إن الحجة لا بد من إقامتها فالله جل وعلا ما بعث رسول إلا لأجل إقامة الحجة ﴿[لِئلَّا]( ) يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء:165]، وقال سبحانه ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء:15]، فمن كمال عدل الله تبارك وتعالى ومن كمال حُكمه وحِكمته أنه جل وعلا ما عذّب أحدا حتى يقيم عليه الحجة، ولذلك بعث الله المرسلين وبعث الأنبياء لكي تنقطع حجج الناس بل إنّ الله جل وعلا أخذ على ابن آدم أو على بني آدم العهد لمّا أخرجهم من ظهور آبائهم ألاّ يكذبوا بتوحيد الله جل وعلا كما قال سبحانه ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾[الأعراف:172]، إلى أن قال ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(172)أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾[الأعراف:172-173]، فالله جل جلاله أقام الحجج المتنوعة حجج مسموعة وحججا مرئية، وهم اعتذروا عن الاتباع بعدم فهم الحجة، قال سبحانه مخبرا عن قولهم ﴿يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾[هود:91]، وقال سبحانه﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾( ) وقال سبحانه مخبرا عن قول اليهود أنهم قالوا ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾( )، وتقرير هذا أن فهم الحجة له نوعان:
النوع الأول: أن يفهم معناها؛ يعني أن يقيم الحجة من يفهم معنى الحجة، بأن يكون بلسان المخاطب، وأن يفهم المراد من الحجة، وهذا النوع متفق على أنه لابد منه، فإن الله جل جلاله ما بعث رسوله إلا بلسان قومه يبين لهم، كل رسول بعث بلسان قوم ذلك الرسول، يتكلم بلغتهم ويتكلم بلسانهم حتى يبين لهم الحجة، وحتى يفهموا معناها، وهذا متفق على أنه لا بد منه؛ لأنه إذا خوطب أحد بغير اللسان الذي يفهمه لم يكن ثَم إقامة للحجة، فإذن هذا النوع رجع إلى أنه في يعني إقامة الحجة، فإقامة الحجة لا يكون إلا بفهم معناها في هذا النوع.
النوع الثاني: فهم الحجة الفهم الذي يتبعه استجابة للحجة، فإن من فهم الحجة فهما مستقيما كاملا لابد أن ينقاد لها وهذا هو الذي لا يشترط في إقامة الحجة، فلم يكن لأولئك عذر بقولهم (مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ)، (مَا نَفْقَهُ) يعني ما نعلم ولا نفهم أن هذا الذي تقول أرجح من قولنا، ولا نفهم أن علمك الذي أوتيت به أرجح من علمنا، وهذا النوع هو الذي حرمه المشركون في أنهم لم يفهموا فهم استجابة، لم يفهموا الحجة من جهة كونها أرجح من حجتهم، ولكن الحجة فهموا معناها.
فإذن فهم الحجة معناها.
النوع الأول لابد منه.
وأما النوع الثاني وهو أن تفهم فهم من يستجيب، فإن هذا لا يشترط في إقامة الحجة، فإن الحجة تقوم ولو زعم الزاعمون أنهم لم يفهموا معناها إذا بينت لهم ألفاظها وكانت بلسانهم وبين لهم معناها من أهل العلم والفهم لبيان المعنى.
لهذا قال جل وعلا مخبرا عن قول المشركين (قُلُوبُنَا غُلْفٌ) وقال (مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ) ولم يمنعهم هذا الاحتجاج بأنهم ما فقهوا ولا فهموا بأن تكون الحجة قد أقيمت عليهم، وإذْ أعرضوا حلّ عليهم سخط الرب جل وعلا، وأيضا أخبر سبحانه أن قريش بل والعرب جُعلت على قلوبهم أكنة قال سبحانه (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) جعل الله جل وعلا على قلوب المشركين أكنة تحجب الفقه وتمنع الفهم، حواجز تمنع ذلك أن يفقهوا يعني أن يفهموا، هذا الفهم إنما فهم موقع الاحتجاج؛ فهم رجحان الحجة على ما عندهم من الحجج، وهذا كل طائفة من طوائف الشرك والجاهلية تحتج بهذا بأنه ما فهمت بأنهم ما يريدون أن ينسبوا إلى أنفسهم أنهم ردوا الحجة عنادا واستكبارا.
ولهذا قال أئمتنا إن إقامة الحجة شرط وأما فهم الحجة فلا يشترط. فليس كفر كل من كفر عن عناد وتكذيب؛ لأن أولئك لم يفهموا وجه الحجة الفهم الذي يجعلهم يقدمونها على حجتهم، ولكنهم فهموا تلك الكلمات وفهموا دلائلها وفهموا معناها.
قال الشيخ رحمه الله تعالى هاهنا (فأكذبهم الله جل وعلا في ذلك) يعني فيما احتجوا به من أنهم ما فقهوا يعني أكذبهم في أنهم فهموا المعنى، ولكنه جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوه الفقه النافع، وهو سبحانه كثيرا في القرآن ينسب الفعل إلى من ينتفع به، فقول الشيخ رحمه الله (أكذبهم الله) يعني في أنهم ما فقهوا الفقه الذي هو بمعنى فهم المعنى وبين أنهم فهموا المعنى، ولكنه الله جل وعلا بين أنه جعل على قلوبهم أكنة وكثيرا في القرآن ما يأتي نسبة الفعل إلى من ينتفع به، قال سبحانه ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾[فاطر:18]، فأخبر سبحانه في هذه الآية أن النبي  إنما ينذر الذين يخشون ربهم بالغيب مع أنه عليه الصلاة والسلام نذير للعالمين، لكن أضيف إلى أولئك الإنذار لأنهم هم الذين انتفعوا به (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ) لأنهم هم الذين اتفعوا بذلك.
فهنا في قول الشيخ فأكذبهم الله جل وعلا في ذلك، وبيّن سبحانه أن سبب عدم الفقه هو الطبع على القلوب، يعني عدم الفقه الذي هو في ترجيح الحجة، الفهم الذي يترتب عليه ترجيح حجة المرسلين على ما عندهم من الأوهام والحجج، وبيّن سبحانه أن ذلك الطبع بسبب كفرهم، عدلا منه جل وعلا وحكمة، وهذا في كل أهل جاهلية يأتون بمثل هذا.
وهذه المسألة موسومة في كتب العلماء بمسألة إقامة الحجة وفهم الحجة، وتبيّن لك أن الصواب تقسيم فهم الحجة إلى قسمين؛ لأن من أهل السنة في هذا القرن من اعترض على أئمتنا على عدم اشتراط فهم الحجة لأنه قال لابد من فهم الحجة، كيف تقام الحجة على من لم يفهمها؟ والعلماء بينوا لكن هؤلاء ما انتبهوا إلى أنّ فهم الحجة بالمعنى الأول الذي ذكرناه وهو فهم المعنى، وعهم مدلولات الكلام وفهم الاستدلال ووجه الاستدلال هذا لا بد منه، أما الفهم الذي هو معرفة رجحان هذه الحجة على غيرها وقطع الشبه جميع الشبه فهذا لا يشترط كما بينه الأئمة.
إذا تبين لك ذلك، فنقول إن هذه الخصلة من خصال الجاهلية نفذت في هذه الأمة في قديم زمانها وفي حديثه:
فأما في قديم زمانها يعني في أوائل الأمر، من جهة أن كثيرا ممن أعرضوا عن الكتاب والسنة وعن لزوم اتباع الكتاب والسنة، والأخذ بما كان عليه سلف هذه الأمة، وأن علومهم كانت أعلم وأسلم وأحكم، وأنهم كانوا اتقى لله جل وعلا من أن يخوضوا فيما غير ما أذن الله جل وعلا أن يخوضوا فيه، إذا بين لهم ذلك، محسنهم يقول ما أفقه هذا الكلام؛ يعني هذه حجة ليست بواضحة، هذا الكلام ليس بواضح الدلالة، فيرد هذا الأصل العظيم مع ما عليه من الدلائل الواضحات لأجل عدم فهمه، وعدم فهمه بموقع الحجة، وأن هذه الحجة أقوى حجته هذا ليس بعذر له، ليس بعذر له ولا يعذر في ذلك.
مثال هؤلاء أهل البدع في الاعتقادات، سواء كانت منها الاعتقادات الكفرية أم ما كان دون ذلك، هؤلاء اعتاضوا وتركوا كتاب الله والسنة وما كان عليه السلف إلى آراء أحدثوها واعتقادات وضعوها، حتى إنهم وضعوا أدلة عارضوا بها الأدلة القرآنية والأدلة النبوية، مثل الدليل الذي وضعه طائفة أو الذي وضعه جهم بن صفوان ومن بعده من المعتزلة؛ الدليل الذي يسمى بدليل الأعراض، والذي من أجله وبسببه أُوِّلت الصفات وحُرفت النصوص، ووقع البلاء العام في المسلمين بسبب ذلك الدليل المحدث المبتدع، الذي هو خطأ في نفسه، وجناية على الشرع، تحصيل هذا الدليل أنّه أراد أن يثبت وجود الله جل وعلا بإثبات حدوث الأجسام، وأن الأجسام لا يثبت حدوثها إلا بإثبات حلول الأعراض فيها، الأعراض هي المعاني التي تطرأ أو تزول، فلما أثبت الوحدانية يعني وجود الله جل وعلا بهذا الدليل، صار معه متعين أن ينفي كل ما يعارض ذلك الدليل، فنفى إثبات الصفات لأن الصفات عنده أعراض تطرأ وتزول، وإذا أثبت الصفات كالرحمة والمغفرة والنزول والاستواء والكلام وغير ذلك من الصفات، إذا أثبتها فإنه يعني في فهمه أنه يثبت أعراضا تطرأ وتزول، وهو ما أثبت حدوث الأجسام إلا بهذه الطريقة التي هي طريقة الأعراض، فكان مستمسكا بدليله، وبدليله هذا ظهرت الفرق المعتزلة والكلابية والماتريدية والأشعرية ومن نحى نحوهم، وهو دليل باطل من أصله، لما خوطب أهل الاعتزال من أهل السنة الذين أخذوا بهذا الدليل وعظموه، الذي هو يستدل على وجود الله بدليل حدوث الأعراض في الأجسام، لما اُحتج عليهم بأن هذا الدليل لم يأت في كتاب ولا في سنة وأنه منقوض من أصله، وأن أدلة القرآن هي المتعينة في إثبات حدوث المخلوقات، وأن الله جل وعلا هو موجدها وحدثها وخالقها وربها، قالوا إنّ نقض ذلك الدليل لا نفهمه، وقلوبنا لم تفهم ذلك، وعقولنا لم تدرك ذلك، ونحو هذا، مع أن هذا الدليل واضح في نفسه، لكن جعل في قلوبهم ما يصدهم عن اتباع الأدلة القرآنية فأحدثوا ذلك الحدث الأكبر في الملة، ألا وهو ذلك الدليل الباطل من أصله الذي بسببه حدثت الفرق المختلفة.
كذلك في العبادات طوائف المبتدعة من المتنسكة والمتصوفة ونحو ذلك، إذا اُحتج عليهم ببطلان بدعهم وبطلان طرائقهم في السلوك، وأنهم لا يجوز أن يسلك طريق إلا أن يكون موافقا للنص في العبادات وفي العقائد ونحو ذلك، بينوا أنهم لا يفهمون تلك الأدلة، وأن ما عليه ما بينه أشياخهم أن هذا أوضح لهم هؤلاء أقيمت عليهم الحجة وبينت لهم ولكنهم ما فقهوها فقه من يتبع السلف الصالح، فلا يعذر أولئك بالجهل، بل أكذبهم الله جل وعلا بما كذب به الأولين الذين اعتذروا بأنهم لم يفقهوا، هم يسمعون كلام الله ويسمعون سنة النبي ، وكلام أهل العلم في بيانها، وبينت لهم تلك الأمور، وصنفت في ذلك مصنفات ومع ذلك بقوا على طرائقهم المبتدعة، وطرقهم الصوفية المحدثة، يحتجون بأنهم ما يفهمون هذا الفهم يعني فهم كون حجة السلف أرجح من حججهم، طريقة السلف أرجح من طرائقهم، هؤلاء لا يعذرون لأنهم مكذبون بما كذب الله جل وعلا الأولين.
وهكذا كل من أقيمت عليه الحجة من كتاب الله جل وعلا ومن سنة رسوله  من الحجج التي فَهْمُها لا يختلف فيها اثنان، أو من الحجج التي يمكن أن تفهم أكثر من منحى، لكن أهل العلم بينوا معناها وأوضحوا مرادها واستدلوا عليه بالدلائل، من بين له ذلك فقد أقيمت عليه الحجة، فمن خالف بعد ذلك وولو احتج بعدم الفقه والفهم فهو مكذَّب.
قال الشيخ رحمه الله إن الله جل وعلا أكذبهم (فأكذبهم الله) وبين أن سبب ذلك هو الطبع على قلوبهم، وأنّ الطبع بسبب الكفر وهذه السببية مطردة في كل من خالف الكتاب والسنة ونهج سلف هذه الأمة في العلوم والأعمال في الاعتقادات وفي السلوك وفي الفقه، كل من خالف هذا فإنه يعاقب على صنيعه بأنه لا يفهم الحجج، قال جل وعلا ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾[الكهف:101]، مع أنهم سمعوا كلام الله، وسمعوا كلام رسوله ، يعني أهل الشرك لكنهم (لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) ذلك هو السماع النافع، لا يقدرون عليه، الاستطاعة بمعنى القدرة لأنهم جعلت على قلوبهم الأكنة عقابا لهم على أعراضهم عن الاتباع، فكل من أعرض عن الاتباع يخشى عليه أن يعاقب بعدم فهم الحجج، وهذه هي أعظم العقوبات، أن يعاقب المرء بأن لا يفهم كلام الله جل وعلا ولا كلام رسوله .
وإذا تأملت اليوم أكثر المخالفين فإنهم إذا بُينت لهم الأدلة والنهج الصحيح، يقولون إن هذا غير واضح، هذا لا يُلزم الناس به ونحو ذلك، وهذا من جنس ما كان عليه أهل الجاهلية؛ من أنهم لم يفقهوا، ولم يفهموا، ولم يتبين لهم أن حجة المرسلين أعظم من حجتهم، ولاشك أن من ورث الكتاب وورث السنة فإن حجته أعظم من حجة غيره، ولو كان عنده من العلم وعنده من العقل الشيء الكثير، كما قال شيخ الإسلام في المتكلمين: أوتوا ذكاء ولم يؤتوا ذكاء أو أتوا علوما ولم يؤتوا فهوما. يعني الفهم النافع فإنه حُرِم كثيرون الفهم النافع، فكل من جادل بالباطل، وقال أنه لم يفهم الحجج التي عليها سلف هذه الأمة فإن ذلك بسبب إعراضه، فليكن أول ما يكون من أمره في علاجه أن ينسلخ من كل طريقة ليس فيها اتباع السلف، ثم بعد ذلك سيرى من نفسه وُفِّق للفهم، ووفق للسماع النافع، ووفق للفقه فقه الأدلة، ولهذا ترى عند أئمة الإسلام الذين انشرحت صدروهم للعقيدة الصحيحة، وانشرحت صدورهم لاتباع النبي ، وجاهدوا في ذلك وبينوا، عندهم من فيهم النصوص ما ليس عند غيرهم، فمن اتبع النصوص نطق بالحكمة، مثل ما قال بعض الأئمة: من أمّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة. وهذا ظاهر بين، فإن المؤمنين في كل زمان لم يزالوا يحتاجون إلى من ينطق بالحكمة، وليس أولئك إلا أئمة أهل العلم الذين تبعوا السلف الصالح وتفقهوا في الكتاب والسنة.
فاليوم كل من أقيمت عليه الحجة وبينت له فإنه لا يجوز أن يُعذر باحتجاجه بعدم الفهم يعني الفهم النافع، إلا في بعض المسائل المشتبهة التي اختلفت فيها أنظار أهل العلم وكان في النصوص ما يعذر معه أولئك، من أنهم يفهمون منها كذا، تفهم من طائفة شيء وتفهم منها الطائفة الأخرى شيئا آخر، فهذا لا بأس به يعني خلاف يعذر به صاحبه؛ لأنه ناتج في أصله عن اتباع أما إذا كان ناتج عن معارضة للنصوص بالأفهام التي لم يتبع فيها أصحابها كلام أهل العلم فأصحابه غير معذورين.
المسألة السادسة عشرة قال الشيخ (اعتياضهم -يعني أهل الجاهليات- عما آتاهم من الله بكتب السحر كما ذكر الله ذلك في قوله ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾[البقرة:101-102]) وهذا بيان لفعل اليهود، وأن اليهود تركوا ما جاء به أنبياؤهم وما ساستهم به الأنبياء من العلم النافع إلى غير ذلك من كتب السحر.
وفي قوله تعالى هنا (اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ):
قال بعض أهل العلم إن معنى (اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) يعني في ملك سليمان فـ(عَلَى) بمعنى (في).
وقال آخرون إن معنى (مَا تَتْلُو) ما تكذب، فتكون (تَتْلُو) مضمنة معنى الكذب، وهو المناسب للتعدية بـ(على)؛ لأن كذب يُعدى بـ(على)؛ كذب على فلان، والتضمين معروف في كلغة العرب مطرد كثيرا.
(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ)، (تَتْلُو) هنا كما ذكرتُ لك مضمنة معنى الكذب والملك في هذه الآية معناه العهد، فيكون معنى الآية: واتبعوا ما تكذب الشياطين على عهد سليمان.
وفي تفسير هذه الآية ستة أوجه، كيف كان ذلك الاتباع وكيف كان دخول السحر من جهة الشياطين على عهد سليمان، ستة أقوال ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير ورتبها ترتيبا حسنا.
الذي يهمنا منها ما يجمع، ما يجمع تلك الأقوال ويناسب هذه المسألة وهو أن حاصل تلك الأقوال: أن سليمان عليه السلام جعل كتبا من كتبه أو كتبا من كتب الشياطين تحت كرسي له، مخفاة عن الناس، مدفونة لا يعلم بذلك أحد، وكان عهد سليمان لدى الناس يطلعون عليه ويعملون به، فهو نبي من الأنبياء عليه السلام، سليمان عليه السلام منع الناس من النظر فيما كتبته الشياطين من السحر والأقوال التي أخذوها من الكهنة كما في أحد الأقوال، وأيضا دفن عهده وكتابه تحت كرسيه، فلما توفي سليمان عليه السلام أَعلمت الشياطين الكهانَ بأن عهد سليمان مكتوب ومجعول تحت كرسيه، فحفروا فوجوده -والذي أذكره الآن هو القدر الذي تجتمع عليه الروايات وأما ما تختلف فيه فليس هذا محل بيانه لأنه دخلها كثير من الإسرائيليات، والروايات كلها عن الصحابة ليس في ذلك شيء مرفوع، لكن الذي يناسب ظاهر المعنى –معنى الآية- هو ما أصفه لك الآن- بيّن الشياطين للكهان أن عهد سليمان تحت كرسيه فحفروا فوجدوه.
أما على القول بأن عهده الذي كان عَهِدَ به للناس فإنهم يقولون إن الشياطين كذبت على سليمان بأنهم لما استخرجوه زادوا فيه أقوالا وزادوا فيه إباحة السحر، وزادوا فيه كيف يسحر المسحور أو كيف يسحر الناس ونحو ذلك من الأقوال الشيطانية، ومن قال إنّ الذي دفنه سليمان هو كتب الكهنة وما كتبه الكهنة، فيكون أولئك الشياطين استخرجوا تلك الكتب من الكهنة، وزعموا للناس أنها عهد سليمان، مع أن عهد سليمان كان معروفا فيهم، كان محفوظا في الناس يعرفونه ويعملون به، لكن لما أظهرت الشياطين تلك الكتب وقالوا إنها من عهد سليمان أو إنها عهد سليمان قال اليهود إنّ سليمان ساحر، وهذا ما أخبر الله جل وعلا به في قوله ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾[البقرة:102] ما كفر سليمان عليه السلام بالسحر، وإنما عهد للناس العهد الذي ينفعهم، وعلّمهم ما ينفعهم، وأقام الحجة عليهم وبين لهم ما ينجيهم، وأنفذ فيهم ما أوحى الله جل وعلا (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) وحاشاه أن يكون كذلك (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) يعني بعد موت سليمان بما أخذوه من الكتب زاعمين أن هذا من دين سليمان، زاعمين أن هذا هو عهد سليمان.
وهذا هو أصل هذه المسألة من أن أولئك الذين كانوا من أتباع سليمان اعتاضوا عما آتاهم من الله جل وعلا من عهد سليمان، ومما أنزله الله جل وعلا عليهم وبينهم لهم على لسان سليمان عليه السلام، ذلك القدر المتيقن، ذلك القدر الذي لا شك فيه و لا التباس اعتاضوا عنه بكتب السحر التي جعلتها الشياطين، وهذا الأمر أصل في أنّ أهل الجاهليات نبذوا الرسالات وأخذوا بما هو من جنس السحر أو أخذوا بالسحر أصلا كما في هذه المسألة.
فهذه المسألة أصل في كل من خالف الرسل ممن جاء بعدهم إنما خالف الرسل لأنهم اعتاضوا واستبدلوا ما أنزل الله جل وعلا عليهم، وما أمرهم باتباعه، استبدلوه بشيء آخر من الكتب إما كتب سحر، وإما بكتب محرفة، وإما بكتب مفتراة على الله جل وعلا ونحو ذلك.
اليهود طائفة منهم من علمائهم افتروا على الله الكذب؛ بأن جعلوا في التوراة ما ليس منها، وأدخلوا فيها ما ليس منها، حرّموا على الناس الحلال، وأحلوا لهم الحرام، مع أن التوراة الأصلية كانت في أول الأمر موجودة عند الناس ولكنهم تركوها و أخذوا بتلك الأقوال وبتلك الآراء.
وهكذا في أهل الجاهلية العرب كان ذلك عندهم نبذوا المتيقن لديهم من دين إبراهيم عليه السلام، وأخذوا بما أحدثه طائفة من أهل مكة أو طائفة من العرب.
فكانت هذه المسألة واضحة في أن أهل الجاهلية يتركون ما أنزل الله جل وعلا إلى غيره.
وهذه الشعبة من شعب أهل الجاهلية أيضا هي في هذه الأمة في أوسع صورها، وفي أظهر مظاهرها وأوضح مظاهرها، أعظم مما كان عند اليهود وأعظم مما كان عند غيرهم، ذلك أن كتاب الله جل وعلا محفوظ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، والسنة؛ سنة النبي  محفوظة أيضا بما بينه أهل العلم من صحيحها وسقيمها، فالدين محفوظ ليس بعرضة للتغيير ولا التبديل، دين باق إلى قيام الساعة، كتاب الله باق وسنة النبي  باقية، وهذا يوجب على الناس أن لا يحيدوا عنها، وأن لا يرغبوا الهدى في غير الكتاب وسنة النبي ، ما الذي حصل في هذه الأمة؟ تُركت تلك الأصول.
تُرك الكتاب وتركت السنة، واستبدل طائفة من هذه الأمة كتب السنة كتب الفلسفة وكتب الكلام.
طائفة أخرى استبدلت بكتب السنة كتب الرأي من كتب بعض الفقهاء المتقدمين الذين لا يذكرون في كتبهم إلا الرأي؛ أرأيت إن كان كذا فكيف يكون، بخلوِّها من الحجج والأدلة وكلها مبنية على قياس ورأي.
ترك طائفة من هذه الأمة سير السلف في العبادات وأخذوا بكتب القوم الذين صنفوا في ذلك من أهل الطرق ونحو ذلك مع أن الكتاب محفوظ والسنة محفوظة لكنهم اعتاضوا واستبدلوا ما آتاهم من الله جل وعلا بغيره من جنس ترك أولئك لعهد سليمان واتباعهم السحر، بل إن طائفة من هذه الأمة أخذت بالسحر وكتب السحر وتركت الأصل المنزل على هذه الأمة.
الفلاسفة دخلوا في هذه الأمة فطائفة من عقلاء هذه الأمة كما يقولون وكما يسمونهم العقلاء والأذكياء، تركوا الكتاب والسنة وزعموا أن نصوص الكتاب والسنة هذه توهيمية تخيلية إنما تنفع للعوام، وأن النبي  ما ذكره في السنة، بل وما أنزله الله جل وعلا في الكتاب إنما هو وهم وخيال هؤلاء يسمون أهل الوهم والتخييل؛ يعني قالوا إن هذه النصوص وتلك الظواهر من النصوص ليست مرادة وإنما هي ظواهر وهمية خيالية لإصلاح الناس؛ لأنه لا يصلح الجمهور -على حد قولهم- إلا هذا لا يصلح الناس لأجل بلادة عامتهم وعدم فهمهم كما يقول أولئك، لا يصلحهم إلا هذه الطريقة والحكماء يصلحون الناس بما يناسبهم من الطرائق، يقولون فأتى الكتاب والسنة بالطرائق التي تصلح للجمهور وما فيها من الوهم والتخييل، وأما طرائق أهل العقول والحجى وأهل الفهم والنظر فإنما هي طريقة الفلسفة؛ طريقة طلب الحكمة بالاستدلال بالكونيات ونحو ذلك مما يبحثونه، وبه قُدمت الفلاسفة على صفوة هذه الأمة، ومن أجله قيل إن علم السلف أسلم ولكن علم الخلف أعلم وأحكم، كما قاله ضُلاَّلهم.
كذلك اعتاض طائفة من هذه الأمة عما جاء في الكتاب والسنة وما بيّنه علماؤنا؛ يعني علماء سلف هذه الأمة من معانيهما، اعتاضوا عنهما بكتب أحدثها المتكلمون والمتكلمون أخص من الفلاسفة، فكل فيلسوف متكلم وليس كل متكلم فيلسوف، وأخذوا بمنطق اليونان وأخذوا بالقواعد التي يسمونها قوطع عقلية وأدخلوها بهذه الأمة، وجعلوا كتبهم في العقائد مقدمة على العقائد التي جاءت في الكتاب والسنة بل إنه منهم -من أهل الكلام- من زعم أن نصوص الكتاب والسنة تحير ولا تهدي، لأننا لا نعرف المعنى مثل ما قال بعض من ينحى منحى أولئك –سامحه الله وهو من المنتسبين لشرح كتب السنة- حينما ذكر مسألة الاستواء يشرح جامع الترمذي قال: الاستواء يرد في لغة العرب على خمسة عشرة معنى ثم ساقها وكل ذلك غلط؛ لأن الاستواء لا يرد في اللغة إلا بمعنى واحد وهو العلو، ثم ساقها، فلما ساقها قال فالله أعلم أي ذلك المراد، وهؤلاء يزعمون أن نصوص الكتاب والسنة أنها توهم الناس الاعتقاد بالتجسيم والعياذ بالله، فاعتاضوا عن شرحها وبيان ما فيها من العقائد شرح الكتاب والسنة، إلى كتب وضعوها كتب عقائدية وضعوها يعتمدون عليها ويدرسونها...( )
مبناها على الرأي وليس مبناها على النص.
كذلك أهل السلوك أهل السلوك اعتاضوا عن الزهد المشروع الذي كان عليه صحابة رسول الله ، بل ما كان من هدي النبي  الذي هو عليه والسلام أزهد الزاهدين وإمام العارفين وقدوة العباد، اعتاضوا عن ذلك إلى كتب خاصة وضعها القوم في زهدهم وعبادتهم، فصنفوا كتبا في ذلك، ومن أوائل من صنف في هذا الحارث المحاسبي وطائفة من طبقته، وكان ذلك شائعا فانتبه إلى ذلك أئمة السنة، فصنفوا في مقابلة ذلك ما يهدي الناس في باب السلوك، صنفوا كتب الزهد أئمة الحديث صنفوا كتب الزهد، في مقابلة أخذ المتصوفة بكتب يضعونها ليست معتمدة على هدي السلف، فصنف الإمام عبد الله ابن المبارك كتاب الزهد، وصنف الإمام أحمد الزهد وهكذا طوائف صنفوا الزهد في مقابلة ترك أولئك زهد السلف إلى زهد مبتدع وتصنيف الكتب فيه، ولهذا حذر السلف من تلك الكتب وتلك التصانيف، زاد الأمر حتى وضع للسلوك أصولا في هذه الأمة، فاعتاضوا عن أصل الكتاب والسنة إلى تلك الأصول المبتدعة والعياذ بالله، حتى جُعلت تلك الأصول في آخر الأمر طريقة من طرائق القوم لها اصطلاحاتها ولها مدلولاتها مما يعارض به الكتاب والسنة، بل زاد الأمر حتى وصل بهم الحال أن جعلوا مقام السائرين من الأولياء أعظم من مقام الأنبياء كما قال قائلهم وهو ابن عربي في فصوصه قال :
مقام النبوة في برزخ فُوَيْقَ الرسول ودون الولي
فجعل الولاية أعظم من النبوة والنبوة أعظم من الرسالة ذلك أن الولاية عندهم كسبية تكتسب مما أخذ من المعارف والكتب التي تهدي تبين كيف تكتسب وأما النبوة فإنما هي فضل وما كان بالكسب تكشف له الحجب، وما كان بالاختيار لا تكشف له الحجب ولهذا فضلوا خاتم الأولياء على خاتم الأنبياء، كما يقولون، سبب ذلك ترك ما أنزل الله جل وعلا إلى غيره، فكانوا حقيقين بما وصف الله جل وعلا اليهود بقوله﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾[البقرة:101-102]، وهكذا في جوانب السحر كذلك في الكهانة، في الجبت، في الصرف، ونحو ذلك من الأنواع، كلها فيها كتب، موجودة في الأمة، ولهذا كان أهل العلم يوصفون بأن تحرق وتمنع الكتب التي فيها البدع، بل نصّ الفقهاء على أن كتب البدع التي تشتمل على الضلال أنها تحرق ولا يضمّن من حرقها من كتب أهل الضلال وأهل البدع المشتملة على مناقضة الشرع ومناقضة كتب السنة، مثل كتب السحر والشعوذة والفلسفة والكلام ونحو ذلك، مما حفظ به علماؤنا الأوائل هذه البلاد من شرها، واليوم مع شديد الأسف وقولنا ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[البقرة:156]، كثرت الكتب المخلفة لمنهج السلف في هذه البلاد،سابقا ما ترى الكتب حتى في التفسير ما ترى الكتب المخالفة لكتب السلف ما ترى مثل تفسير الرازي وأمثاله، ما ترى كتب السحر ما ترى كتب الصوفية الغلاة، ما ترى كتب أهل البدع، ولكن اليوم كثر ذلك في الناس لأجل أن من الناس منا من اعتاض عن تلك الكتب إلى غيرها من الكتب، وهذا لا شك أنه خصلة من خصال أهل الجاهلية، وسبب من أسباب الضلال، أن يكون عندنا كتاب الله جل وعلا نقي كأنما أنزل الساعة، ويكون عندنا سنة النبي  كأن النبي  بيننا يحدثنا بها ونترك ذلك إلى غيره من الهذيان وإلى غيره من الأفهام و الأفكار، لا شك من جنس فعل أهل الجاهلية، وهكذا في أصناف كثيرة من الأمة يضيق المقام في استقصائها.
نقف عند هذا الحد نجيب على بعض الأسئلة.
ثم إن هذه المسائل الجاهلية التي خالفهم رسول الله  فيها كما ترى هي عزيزة المعاني وهي مهمة جدا في حياتنا اليوم، بل إنه على الشباب والدعاة إلى الله جل وعلا أن يكون في حلقاتهم، وأن يكون في بيان دعوتهم ما يستدلون فيه بكثير من هذه المسائل؛ لأنه إذا بينت للناس أن هذه خصلة من خصال اليهود، خصلة من خصال الجاهلية، بدلائلها وبكلام أهل العلم عليها، ثم بينت أن هذه دخلت في الأمة، يكون هذا من أنفع أبواب الدعوة، ومن أنفع طرقها، وهذه هي الطريقة أو هذه من الطرق السلفية المحمودة في الدعوة؛ دعوة الناس، ولهذا الشيخ رحمه الله اعتنى ببيان هذه المسائل لأن الجميع راغب في أن يكون مجانبا لسنن أهل الجاهلية ولطرائقهم ولخصالهم سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مشركين أو مجوس أو... إلى آخره من الملل و النحل.
فعنايتكم بهذه المسائل فهما واستنباطا، ثم عنايتكم بشرحِ كيف كان عليه أهل الجاهلية ببيان أصل المسألة، ثم صور دخول هذه الخصلة في هذه الأمة، وأنّ هذا مصداقا لقول النبي : «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع» هذا من الأمور التي تعين الداعية على الوصول إلى مبتغاه، وتبين الحق للناس.
أسأل الله الكريم أن يزيدني وإياكم من الهدى والاهتداء، وأن يجعلنا ملازمين لما أنزله الله جل وعلا علينا منابذين لكل ما يخالف ذلك الأصل العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:29PM

[الأسئلة]
1/ يقول: بالنسبة لأهل البدع غير المكفرة هل يشهر بهم ويحذر منهم ومن آرائهم؟
الجواب: أن هدي السلف الصالح أنّ أهل البدع سواءً كانت بدعتهم مكفرة أو كانت بدعتهم ليست بمكفرة أنهم يلزم أن يبيَّن للناس من حالهم؛ لأجل أن لا يتعدى ضررهم إلى الناس، لأنه ما من مبتدع إلا وسيمارس بدعته، إن لم يدع إليها قولا دعا إليها فعلا، وهذا يتعين أن يُحمى الدين من هؤلاء؛ لأن حماية الدين وحراسة الملة أصل من أصول الإسلام وواجب من واجباته العظام على هذه الأمة، فلا بد أن تبقى في هذه الأمة طائفة تحرس هذا الدين من بدع المبتدعين، سواء أكانت بدع مكفرة أو كانت بدعهم غير مكفرة؛ لأن حماية الدين أغلى من حماية ورعاية الأشخاص، ومهما كان مقامهم في العلم، مقامهم في السلوك ونحو ذلك، فالسلف مازالوا ينكرون في وقتهم على من كان معروفا بالصلاح؛ أنكر الإمام أحمد على الحارث المحاسبي، أنكر الإمام أحمد على طائفة، بل أنكر الأئمة الواقفة في خلق القرآن، مع ما حصل في تلك الأزمنة من المحنة العظيمة.
فإذن هدي السلف الإنكار على أهل البدع، لكن هذا متوقف على شيء، وهو أن يثبت وصف البدعة لمن ينكر عليه، فإذا ثبت وصف البدعة على من ينكر عليه، بوصف أهل العلم الراسخين العارفين بالبدع، بوصفهم لذلك، فإنه ينكر عليهم، لا يكون مسألة البدع والابتداع محل اجتهادات فلان من الشباب يرى أن هذه بدعة والآخر لا يرى، إن اختلفنا في هذه المسألة من جنس المسائل الأخرى الرجوع فيها إلى أهل العلم، هل هذه بدعة أو لا؟ فإن من الناس من يكفر بما ليس بمكفر، ومنهم من يبدع من ليس بمبدع، وهكذا، فيجب أن يثبت العرش أولا مثل يقول القائل: أثبت العرش ثم أنقش، يعني أولا يثبت أنها بدعة بإثبات أهل العلم، ثم بعد ذلك ينكر على أصحابها إنكار أهل بدع.
هناك مقولة انتشرت ألا وهي أنه لا ينكر إلا على أهل البدع المكفرة، وهذه المقولة خطأ ومخالفة لمنهج سلف هذه الأمة من أصله.
2/ يقول: إذا كان لابد من فهم الحجة هل يعني هذا أنه لابد من ذكر الأدلة ووجه الدلالة ولا يكفي أن يقال إن هذا شرك أو بدعة أو حتى معصية أم لا؟
الجواب: الحكم ليس إقامة الحجة لمن ذكر حكم مسألة لواقع فيها لا يعتبر هذا إقامة للحجة حتى يبين له الحجة الرسالية، كما يعبر عنها أهل العلم يقولون إقامة الحجة هي إقامة الحجة الرسالية، ليس إقامة الحجة في رأي أحد؛ يعني تبيين له آيات من القرآن العظيم، تبين له الأدلة من السنة من كلام النبي ، ثم يبين له وجه دلالتها، ويبين له ذلك من هو عارف بأوجه الاستدلال فاهم لذلك، فإذا بُيِّن له ذلك من هو عارف بأوجه الاستدلال فأصر ولم يستجب فقد أقيمت عليه الحجة، وإقامة الحجة مختلف فبعض المسائل لا يكفي في إقامة الحجة فيها فعل الواحد من أهل العلم، بل لابد أن تجلى مسائلها وذلك لكونها غامضة، فإقامة الحجة تبع لأصل المسألة.
فإذا كانت المسألة واضحة كانت إقامة الحجة فيها أسهل وأيسر مثل كون الاستغاثة بغر الله جل وعلا من الأصوات شرك هذه ظاهرة واضحة، الأدلة عليها ما تحتاج مزيد بيان ومتابعة في ذلك.
لكن هناك مسألة غلِط فيها طائفة من أهل العلم، وهي طلب الشفاعة من النبي  شرك أم لا؟ هذه المسألة إقامة الحجة فيها يجب أن يكون بأبلغ من إقامة الحجة في الأولى؛ لأن تلك واضحة بينة، وأما هذه ملتبسة فيكون إقامتها بإقامة الدلائل وإيضاحها وتوالي ذلك وتصنيف المصنفات ونحو ذلك حتى تقام وتبين؛ لأنها فيها نوع اشتباه عند كثير من الناس، لاشك أنه من قال بها وهم قلة أن قولهم خطأ وقول ضعيف لا يلتفت إليه، بل هي من جنس غيرها طلب الشفاعة من النبي  ومن جنس طلب غير الشفاعة من الدعاء وغيره، بل إن الشفاعة معناها أن تطلب من النبي  أن يدعو؛ أن يكلم الطالب من النبي أن يدعو له، وهذا طلب ودعاء ولهذا نحتاج إلى مزيد بيان.
فإذن إقامة الحجة له مراتب مختلفة، فكلما كانت المسألة أكثر اشتباها كانت إقامة الحجة فيها لابد أن يكون أكثر وأبلغ، وهذه المسألة نصّ عليها وذكرها أئمتنا منهم الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه.
3/ سؤال يتعلق بالدعوة لكن سؤال يكثر، يعني بعض الأسئلة ما أحب أن أجيب عنها لكنه إذا ردد السؤال مرارا يعني كأنه فيه حاجة إلى الجواب، هذا السؤال يقول صاحبه: هل وسائل الدعوة توقيفية أم لا؟ من أتى بوسيلة لم يأتِ بها النبي صلى الله عليه وسلم هل يكون من التقدم بين يدي الله ورسوله، ويكون مبتدعا؟
يهمنا الطرف الأول من السؤال. هل وسائل الدعوة توقيفية؟
إذا قيل إن وسائل الدعوة توقيفية فهذا غلط، وإذا قيل إن وسائل الدعوة اجتهادية فهذا غلط، والصواب التفصيل:
أن من وسائل الدعوة ما هو توقيفي ومن وسائل الدعوة ما هو اجتهادي، وبسط جواب هذا السؤال يحتاج إلى مقام أوسع لبيان أصوله من كلام أهل العلم وقواعدهم، لكن يُضرب مثال لذلك وهو أنّ:
التسجيل مثلا وتصنيف الكتب، هذا لم يكن في عهد النبي  ولكنه وسيلة نافعة، لم؟ لأن الأصل فيها الجواز، وهذا من جنس كثير من الوسائل التي عمل بها أهل العلم لما لم يكن في الزمن الأول، فهذه تكون وسائل اجتهادية.
القسم الثاني وسائل لا يجوز فيها الاجتهاد، بل يجب أن يكون فيها توقيف وتلك الوسائل هي ما كان في الشرع ما يغني عنه، ما كان في السنة ما يدل على طريقة من الطرق، التربية مثلا للدعوة، ثم يأتي آت ويخالف تلك الطريقة إلى طريقة أخرى محدثة ويدعو بها، خاصة إذا كانت تلك الطرق مما عمل به بعض المبتدعة، من مثل ما يسمونه في زمن الإمام أحمد والشافعي ((التغبير))، التغبير نوع من الأشعار التي يُزهد بها الناس؛ يزهد فيها الناس بالدنيا ويرغبون فيها بالآخرة، كانت تُلقى على الناس على وجه فيه ألحان، وربما صاحبها طرق الجلود القديمة حتى ينفضّ عنها الغبار فسمّيت تلك الطريقة تغبيرا، أهل السنة أنكروها، وقالوا إنها بدعة، ونحو ذلك من كلامهم، بل أقاموا على أصحابها الحجة بأن هذه مخالفة للسنة ومخالفة للهدي لم؟ لأن المقصود من تلك الوسيلة هي ترقيق قلوب الناس والشرع؛ القرآن والسنة إنما أتى لترقيق قلوب الناس، فإذا أُحدثت طريقة في هذه المسألة وهي الترقيق والترغيب، غير الطريقة الأولى، فإنها ولو كانت نافعة في الدعوة، لكنها وسيلة محدثة وتلك الوسيلة ليس بابها الاجتهاد، والتغبير من جنس ما يكون في هذا الزمان من الأناشيد الصوفية ونحو ذلك ممن تأثر بهم من الأناشيد وغيرها، هذه مشابهة للتغبير الأول الذي نهى عنه أهل العلم.
المقصود إن تفصيل هذه المسألة يحتاج إلى مزيد بيان، لكن أصلها أن مسائل الدعوة منها ما هو توقيفي ومنها ما هو اجتهادي.
ومثل هذه المسائل التي هي أصول ينبغي أن يسأل طلاب العلم فيها وأهل الدعوة يسألون فيها أهل العلم؛ لأن ميزة المتبعين لسلف هذه الأمة أنهم لا يقدمون رأيا على حكم الشرع، وإذا كان كذلك فإذا اشتبهت مسألة: هل يسوغ لنا أن نأخذ بها أم لا؟ يسأل أهل العلم، فإذا أفتى أهل العلم بالجواز كانت جائزة، وإذا أفتى أهل العلم بالمنع كانت ممنوعة، فيكون المرء قد خرج عن رأيه في المسألة، واتبع كلام أهل العلم، متبعا في ذلك قول الله سبحانه و﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾( ).
4/ هذه عدة أسئلة أختار منها واحد، يقول: ما معنى قولهم لابد من إقامة الحجة من انتفاء الموانع وثبوت الشروط؟
انتفاء الموانع وثبوت الشروط، لا أعلم –ربما القصور- أنها جعلت تبعا لمسألة إقامة الحجة، وإنما جعلت هذه في مسائل الأحكام والأسماء؛ يعني هل يكفر؟ الكفر متى يطلق؟ البدعة متى تطلق؟ الفسق متى يطلق؟ ونحو ذلك، هذه من الأسماء، وهذه الأوصاف عي التي قال فيها أهل العلم لا بد حين إطلاقها على المعين أن تجتمع الشروط وأن تنتفي الموانع، أما في إقامة الحجة فلا أذكر أحدا في ذلك.
5/ ما معنى قولهم قامت الحجة ببعثة النبي  ؟
نعم الحجة ببعثة النبي  قامت على العالمين، على العالمين جميعا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء:107]، والنبي  بُعث للناس أجمعين، قد قال عليه الصلاة والسلام «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار»وسمعتُ من كلام العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أنه قال في شرح هذا الحديث -سمعتُ منه مشافهة- أنه قال: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) هذا كقول النبي  «من رآني في المنام فقد رآني»، ذلك أنه يعني في تفسير حديث المنام أنه من رآه على صورته التي خلقه الله جل وعلا عليها، وقوله في الحديث (لا يسمع بي) يعني بي على ما بعثني الله جل وعلا عليه، فإذا كان هناك سماع محرّف، سماع ليس فيه وصف لما جاء به النبي جل وعلا على ما جاء به النبي فهو من جنس رؤية النبي  على غير صورته، فلا يكفي ذلك في معرفة الحق. وهذا من الشيخ كلام نفيس فيما أحسب؛ لأنه لابد أن يكون في إيضاح الحجة وإقامتها أن يكون الدين واضحا، لا يكفي أن يسمع ببعض الحجة ولا يفهم يعني ولا تقام عليه بدلائلها، لا يكفي أن يسمع شيئا والتشويشات عليه، بل لا بد أن يسمع اليهود والنصارى ونحوهم أن يسمعوا ببعثة النبي  على ما بعث به، فإذا كان منهم من سمع هذا الكلام، من سمع عن النبي  سماعا، لكن ما عرف دينه ما عرف ما جاء به حقا كما يبلغه أهل العلم، إذا ما عرف القرآن وما أقيمت عليه الحجة من وجه آخر، هذا لا يقال أنه أقيمت عليه الحجة الرسالية، لكن هذا إنما نعني به طائفة من الذين ربما ما سمعوا بالنبي  أو سمعوا به سماعا محرفا هذا قد ينجيهم، ويُبعث لهم يوم القيامة رسول من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، إذا كان لم يسمعوا بالإسلام الذي بعث الله جل وعلا به نبيه محمدا ، كذلك المشركون في هذه الأمة إذا سمعوا شيئا مثلا في بعض البلاد يسمعون شيئا من أخبار أهل السنة، مثلا جماعة أنصار السنة في البلاد التي فيها شرك، يسمعون شيئا من أخبارها لكن ما أقيمت عليهم الحجة بمعني بينت لهم الدلائل فهل السماع يكفي، هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، وأئمة الدعوة قالوا إن السماع بدعوة محمد بن عبد الوهاب لا يكفي إلا في الجزيرة؛ لأنها ظهرت –يعني في وقتهم- الدعوة ومشت في الفتوح وبينت للناس في ذلك في جميع بلاد الجزيرة، وأما في غيرها فإذا كان لم يُسمع بالدعوة فلا بد من إقامة الحجة، هنا إذا لم تقم الحجة عل يكفر عبدة القبور أم لا؟ الجواب نعم، من قام به الشرك فهو مشرك، الشرك الأكبر من قام به فهو مشرك، وإنما إقامة الحجة شرط في وجوب العداء، كما أن اليهود والنصارى نسميهم كفار، هم كفار ولو لم يسمعوا بالنبي  أصلا، كذلك أهل الأوثان والقبور ونحو ذلك من قام به الشرك فهو مشرك، وترتَّب عليه أحكام المشركين في الدنيا، أما إذا كان لم تقم عليه الحجة فهو ليس مقطوعا له بالنار إذا مات، وإنما موقوف أمره حتى تقام عليه الحجة بين يدي الله جل وعلا.
فإذن فرق بين شرطنا لإقامة الحجة، وبين الامتناع من الحكم بالشرك، من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية، أنه لا يستغفر له ولا تؤكل ذبيحته ولا يضحى له ونحو ذلك من الأحكام، وأما الحكم عليه بالكفر الظاهر والباطن فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة، فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله جل وعلا.
هذا تحقيق كلام أهل العلم في هذه المسألة وهي مسألة مشهورة دقيقة موسوعة بمسألة العذر بالجهل.
6/ قول العلماء ما هو معلوم من الدين بالضرورة وما ليس معلوما من الدين بالضرورة؟
هذا ليس تقسيما لإقامة الحجة هذا تقسيم لما يكفر به المؤمن، يرتد به المسلم من المسائل التي ينكرها، فأهل العلم يقولون إذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة فهذا يكفر، أما إذا لم ينكر معلوما من الدين بالضرورة؛ المسائل التي يخفى دليلها فلا بد من التعريف، من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، هذا يمنع من التكفير، حتى ولو اعتقد إباحتها مثل مثلا الحنفية رحمهم الله يرون إباحة النبيذ أعني متقدميهم يرون إباحة النبيذ، مع أن الدلائل من السنة على تحريمه ظاهرة، مع ذلك أهل العلم لم يكفروهم؛ لأنهم اعتقدوا ذلك، لأنهم كانت لهم شبهة في هذا، فهُم ما أباحوا الحرام الذي يعلمون أنه حرام، وإنما أباحوا ما اعتقدوا أنه حلال، فلم يكفرهم أهل العلم بذلك، كذلك المسائل التي تجدّ في كل عصر من المسائل المختلف فيها، ولو كان هناك قول شاذ أو ضعيف في المسألة فهذه شبهة تدرأ التكفير.
هناك بعض المسائل يكون أصلها معلوم من الدين بالضرورة وأما أفرادها فتكون مختلفا فيها، مثل الربا أصله في القرآن بلا شك، فمن زعم أن الربا مباح فهو كافر بالله جل وعلا، لكن بعض صور الربا بعض أهل العلم يقول هذا من الربا، وآخرون يقولون هذا ليس من الربا، فإذا اختلف الناس يعني من أهل العم في صورة هل هي من الربا أم لا؟ فهذه شبهة تمنع من التكفير، هذا أصل عند أهل السنة نبّه عليه شيخ الإسلام رحمه الله في غير ما موضع.
7/ بعض الأسئلة ما أفهم المراد منها تماما فأتركها، قال تعالى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء:15]، وقال تعالى ﴿لِئلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء:165]، يستدل بذلك بعض الجماعات بأن الحجة قامت على الناس بإرسال خاتم النبيين والمرسلين، ويستنبطون من ذلك تكفير كل من ارتكب ما يكفره بدون إقامة حجة عليه، فما رأيكم في هذا القول؟
هذا أوضحناه مرارا من أنه لا يكفي في إقامة الحجة ببعثة النبي  في كل مسألة الناس خالفوا فيها الأصل الذي جاء به عليه الصلاة والسلام، بل مثل ما قلت لكم المسائل تقسم ما يعلم من الدين بالضرورة وما لا يعلم من الدين بالضرورة، المسائل تقسَّم إلى أشياء واضحة جلية تكون إقامة الحجة فيها سهلة، وأخرى تحتاج إلى إقامة حجة تلوى حجة، الذين يكفِّرون الناس بهذا الأمر هؤلاء خارجون عن السنة هؤلاء من جنس الخوارج، بل الخوارج كما هو معلوم لا يزالون يخرجون إلى قيام الساعة حتى يقاتل آخرهم مع الدجال والعياذ بالله، فهؤلاء هم الذين يكفرون الناس بالمعصية أو يكفرون الناس بدون إقامة للحجة بما يبيّنه أهل العلم.
إنما عندهم هوى فيكتفون بأصل بعثة النبي  عن إقامة الحجة.
8/ أيضا في مسألة إقامة الحجة يقول: الذين خالفوا أئمة الدعوة رحمهم الله في فهمهم للحجة هل لم يعلموا قول الأئمة في إقامة الحجة؟
لا، الذين أقيمت عليهم الحجة عُلموا وبينت لهم برسائل خاصة، بمصنفات، بمناظرات أقيمت، بينت لهم الأدلة، وجه الاستدلال، هدي سلف هذه الأمة، بينت لهم الأدلة من الكتاب والسنة بين لهم الهدى أوضح لهم ذلك تماما، فإذا كان عرض لهم شيء من أن ما عندهم من الحجج أظهر، فهذا يكون عقوبة لهم، الحجة أقيمت عليهم، فليس كما ذكرت من الشرط أن تفهم الحجة فهم استجابة، بل يكفي أن تقام الحجة ولو قال لم أفهمها، فهذا ليس مانع من أن يكون أقيمت عليه الحجة، فإقامة الحجة معناها إبانة المسألة بدلائلها الواضحة الخالية عن معارضة واضحة ظاهرة، أما جنس المعارضات مثلا بأحاديث ضعيفة، بأحاديث موضوعة، بأوجه من فعل أهل العلم، بإقرار بعض الناس لبعض بتلك الشركيات وتلك المنكرات فهذه ليست بحجة ترد بها الأدلة.
نختم بهذا وأسأل الله لي ولكم لتوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. ( )
[المتن]
(المسألة السابعة عشرة) نسبة باطلهم باطلهم إلى الأنبياء، كقوله ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾[البقرة:102]، وقوله ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾[آل عمران:67].
(المسألة الثامنة عشرة) تناقضهم في الانتساب ينتسبون إلى إبراهيم مع إظهارهم ترك اتباعه.
(المسألة التاسعة عشرة) قدحهم في بعض الصالحين بفعل بعض المنتسبين إليهم كقدح اليهود في عيسى وقدح اليهود والنصارى في محمد .
(المسألة العشرون) اعتقادهم في مخاريق السحرة وأمثالهم أنها من كرامات الصالحين ونسبته إلى الأنبياء كما نسبوه إلى سليمان عليه السلام.
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالمسألة السابعة عشرة من المسائل التي خالف فيها الرسول  أهل الجاهلية، وأهل الجاهلية المراد بهم كلّ من كان على غير دين الإسلام، سواء كان من المشركين أو من أهل الأديان المحرّفة أو المنسوخة أو من أهل الأديان المبتدعة، هذا تذيكر بما قاله الشيخ في أول الكتاب.
فمن ما كان عليه المشركين من الجاهلية ومن المشركين ومن اليهود والنصارى أنهم كانوا ينسبون باطلَهم إلى الأونبياء، إذا فعلوا فعلا نسبوه إلى الأنبياء ليكون حجة ولتلقى عنهم التبعة.
المشركون؛ مشركوا العرب كانوا ينتسبون إلى إبراهيم عليه السلام ويعتقدون أن كثيرا من الدين الذي هم عليه كان عليه إبراهيم عليه السلام، ويستدلون بذلك على صحته.
وكذلك كان اليهود وكذلك كان النصارى.
قال الله جل وعلا في الصنف الأول ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[النحل:120]، وقال ﴿ وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾( ).
وقال جل وعلا في إبطال دعوى أولئك ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾[آل عمران:67].
كذلك كان أولئك الجاهليون ينسبون باطلهم وما هم عليه من الضلال الذي لم تأمر به الرسل مطلقا من مثل السحر ينسبونه إلى بعض الأنبياء كما مرّ معنا في نسبتهم ذلك إلى سليمان عليه السلام، قال جل وعلا ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾[البقرة:102]، ولهذا كان السحرة السابقون لبعثة النبي  ينسبون سحرهم وما تعلموه من السحر إلى سليمان عليه السلام، كما قال هنا (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ)؛ لأن سليمان عليه السلام لم يأمر بالسحر ولم يرض به، وإنما فعلت الشياطين ما فعلت بأنْ دسَّت كتب السحر تحت كرسيه حتى لما مات أُستخرج ذلك ونُسب لسليمان عليه السلام، قال تعالى (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) يعني بما أملوه في الكتب وجعلوه مستورا مركوما ودفن تحت كرسي سليمان ثم استخرج بعد موته.
كذلك اليهود والنصارى الجميع يقول إنّ إبراهيم عليه السلام الذي هو إمام الحنفاء ووالد لأنبياء والرسل عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، ينسبون إبراهيم عليه السلام إليهم، فاليهود يقولون إن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى يقولون إن إبراهيم كان نصرانيا؛ يعني كان على اعتقاد اليهود المتأخر الذي أُحدث، فاليهود أحدثت اعتقادات، وأحدثوا أنواعا من الباطل، يقولون أن إبراهيم كان على ذلك الاعتقاد الذي وضعه علماؤهم بعد موسى عليه السلام، كذلك النصارى ينسبون إبراهيم الخليل إليهم، وكذلك المشركون، فردّ الله جل وعلا دعوى الجميع بقوله ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾[آل عمران:67]، فأبطل دعوى المشركين في نسبة باطلهم إلى إبراهيم، وأبطل دعوى اليهود في نسبة باطلهم إلى إبراهيم، وأبطل دعوى النصارى في نسبة باطلهم إلى إبراهيم عليه السلام.
وهذا الأمر ألا وهو نسبة الباطل إلى الأنبياء لمِا كان عليه أهل الجاهلية هذا كثير في هذه الأمة، ما من دعوى مضِلَّة في هذه الأمة إلا وأصحابها ينسبونها للنبي ؛ لأنه من أجمع عليه أنه لا يجوز الإتيان بدين لم يكن عليه النبي ، كأهل الضلالات والأهواء المختلفة في هذه الأمة كل ينتسب في دينه إلى النبي :
الخوارج أول ما خرجت قالت نحن المنتسبون إلى النبي  والصحابة كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام لأنهم لم يقيموا الدين الذي جاء به.
وكذلك الرافضة فعلت ذلك، وهكذا كل نحلة تنسب باطلها إلى النبي  ليكون ذلك أقوى لها، وأيضا لأنهم كان عندهم بعض الشبه في ما راموه وما ذهبوا إليه من المسائل.
كذلك المتكلمون والصوفية ونحوهم مما ذكرنا سالفا مرارا في شرح هذه المسائل كل ينتسب إلى النبي .
ونسبة الباطل إلى الأنبياء يكون على طريقين:
الطريق الأولى: أن ينسب الباطل إلى الأنبياء بأنهم فعلوه وأنهم اعتقدوه.
والثانية: أن ينسب الباطل إلى الأنبياء يعني إلى أنه من دينهم.
وهذا هو الذي حصل في هذه الأمة فكان بعض هذه الأمة نسب باطله إلى النبي  اعتقادا وفعلا مثل ما فعل طائفة من المتكلمين أكثرهم وأهل البدع في مسائل الاعتقاد نسبوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام كان على هذا الاعتقاد، وكذلك أهل التصوف يقولون إن النبي عليه الصلاة والسلام كان على ما يفعلونه، وهذا كان مشهور من بعض أسانيدهم في لبس الخرقة [الشركية] المعروفة بإسناد معروف، فيقولون إن أول من ألبسها هو النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من جنس ذلك الباطل الذي كان عليه أهل الجاهلية في أنهم يبتدعون دينا يقولون إن النبي عليه الصلاة والسلام فعله، وهذا ولا شك مما يروج ذلك الباطل عند الجهلة إذا كان نسبه إلى النبي  موسوما بالصلاح أو موسوما بالعلم، هذه الجهة الأولى.
والثانية أنهم ينسبونها إلى النبي عليه الصلاة والسلام استنباطا لم يكن فعله، وهذا أكثر في هذه الأمة فإنه في المسائل التي لم يظهر النص فيها تماما، ويكون عند بعض السلف فيها شبهة في بعض مسائل الصفات والإيمان والقدر ونحو ذلك، ومسائل الأسماء؛ أسماء الكفر البدعة الفسوق وما أشبه ذلك، والأحكام والوعد والوعيد ونحو ذلك، هذه ينسبونها إلى النبي  استنباطا، لا يقولون أن النبي  قال هذا نصا أو اعتقد هذا نصا، لكن يقولون هذا يستنبط من فعله عليه الصلاة والسلام وما كان عليه.
فطائفة من ضلال هذه الأمة ينسبون باطلهم إلى النبي  بالأمر الأول وطائفة ينسبون إليه عليه الصلاة والسلام بالأمر الثاني.
ولهذا كل أحد في هذه الأمة لا يخرج من الفرق الاثنين والسبعين، فقد لا يخرج في انتسابه للكتاب والسنة، فكل يقول إننا على الكتاب والسنة، وسواء في ذلك ما كان من دينهم صوابا أو ما كان خطأ وضلالا، فالكل يقول نحن ننتسب إلى الكتاب والسنة، ولهذا اعتنى أئمة الإسلام من سلف هذه الأمة بالتنصيص على شيء زائد على اتباع الكتاب والسنة، ألا وهو اتباع سلف هذه الأمة لأنّ نسبة الباطل إلى الأنبياء كثر في الأمة جدا، نسبة الباطل إلى النبي عليه الصلاة والسلام كثر في هذه الأمة جدا، حتى إنه لا يُعجز من كان عنده هوى أن يستخرج من نصوص الكتاب والسنة ما يدل على بدعته وما يؤيد به نحلته، وقد أطنب الشاطبي رحمه الله في الموافقات في ذكر هذه المسألة وكذلك في الاعتصام، وبين أن النصارى احتجوا على المسلمين بخصوص بعثة النبي  بقوله تعالى ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[الشعراء:214]، وبين أيضا أن من هذه الأمة من قال إنه لم يرد في القرآن تحريم للخمر وذلك لأن الله جل وعلا قال ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[المائدة:90] ولم يحرمها تحريما.
وكذلك ما استدل به الخوارج واستدل به المرجئة في مسائل الوعد والوعيد، فالخوارج غلو في التكفير والمرجئة جفوا في النصوص حتى أدخلوا في الإيمان والإسلام من ليس مسلما ولا مؤمنا وأخرجوا العمل عنه.
كلٌّ يأخذ من نصوص الكتاب والسنة ما يدل على بدعته، وذلك لأن الله جل وعلا ابتلى الناس بالنبي عليه الصلاة والسلام وبفهم الدين الذي جاء به الذي لا .... ( )، فنصوص الكتاب والسنة قد يكون بعضها يشتبه على من لم يكن من الراسخين في العلم، بل قد يشتبه على كثير من طلبة العلم، فابتلى الناس جل وعلا باتباع النبي عليه الصلاة والسلام فهو الموضح للشريعة، ولما كان أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام لبيان القرآن ليست مبنية بكاملها، بل قد يكون من يُبيّن منها الآيات وكان في حديثه عليه الصلاة والسلام ما فيه نوع اشتباه، احتجاج الناس إلى صحابة رسول الله  في بيان الدين الحق وفي بيان ما يضاده، وهكذا يحتاج الناس إلى أهل العلم، فإن الله جل وعلا قال ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾[آل عمران:7]، وتلك المتشابهات تشتبه على بعض الناس دون بعض، فإذا كان هناك في كلام الله ما هو مشتبه لا يفهمه كثير من الناس، وما اشتبه على طائفة يعني الذي اشتبه على طائفة من أهل العلم فكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام أولى أن يكون فيه اشتباه، وهذا حصل بالفعل، فالأحاديث قد يكون بينها تعارض، بينها اختلاف، أحاديث فيها رجاء، وأخرى فيها تخويف، أحاديث فيها وعد وأخرى فيها وعيد، وأهل العلم هم الذين يحملون بعض الكلام على بعض، يجعلون أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام بعضها يفسر بعضا، من أهل الأهواء نسبوا أباطيلهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام من جرّاء الاستدلال بالمتشابهات، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور «فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» (فاحذروهم) لم؟ لأنهم اختلفوا في الكتاب واستدلوا بالمتشابه منه، وهكذا استدل من استدل بآيات من الكتاب، وأحاديث من أحاديث النبي  تأييدا لباطلهم، فكل من أهل الأهواء في هذه الأمة يستدل على باطله بما كان عليه النبي ، أو بما قاله عليه الصلاة والسلام أو ببعض نصوص الكتاب، ولهذا احتاجت الأمة أعظم حاجة إلى صحابة النبي ، لكي يبينوا للناس تلك النصوص، فضلَّ الخوارج أول ما ضلوا في آيات الأسماء وآيات الوعد والوعيد وفي أحاديث النبي  في الأسماء وفي الوعد والوعيد، فبيّن الصحابة ما يعنى بذلك، فضلوا في بيان مسألة الحكم بغير ما أنزل فكفروا بها، والصحابة رضوان الله عليهم بينوا لهم الصواب في ذلك.
وهكذا لم يزل الناس محتاجون إلى صحابة رسول الله  في بيانه، لهذا كان أئمة الإسلام ينتسبون إلى الجماعة، ينتسبون إلى السنة والجماعة، ولا يكتفون بنسبتهم إلى السنة؛ لأن النسبة إلى السنة يدخل فيها كثير من أهل البدع في مقابلة الرافضة، وأما السنة والجماعة فإنها تلخص الطريق الذي يكون أتباعه ويكون معتقدوه على طريقة الصحابة وعلى طريقة الجماعة قبل أن تظهر الأهواء وقبل أن تفسد العقول والقلوب.
كذلك احتاج إلى أسماء يُميّزهم منها الانتساب إلى السلف، إلى الأثر إلى الجماعة، إلى الحديث ونحو ذلك، مما يميز أهل الحق من غيرهم من أهل الأهواء، وتجد في عصور هذه الأمة في كل القرون المتقدمة لا يعزب أحد أن ينسب شيئا من باطله إلى الكتاب والسنة، بل قد يجد من نصوص أهل العلم ما يدل لباطلهم، فيكون نسب باطله إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلى بعض أئمة أهل العلم، وأهل السنة يقولون إذا كان في كلام النبي  ما هو مشتبه، فكذلك يكون في كلام أهل العلم ما هو مشتبه، لا يفهمه إلا أهل العلم الراسخون، فإذا كان من الناس من ليس بذي رسوخ في العلم، ربما يجد في نصوص أهل العلم ما لا يتضح المراد منه حتى نصوص أئمة أهل السنة والجماعة.
ولهذا يحتاج في فهمه إلى عرضه على أهل العلم، إلى عرضه على كلامه في مواضع أخر من كلام ذلك العالم، إلى عرضه على نصوص الكتاب والسنة، وهذا لا يكون إلا من أهل العلم.
فإذن الكلام المشتبه المشتبه قد يوجد في كلام أهل العلم بمعنى يشتبه معناه، لا يتضح المراد منه، قد يوجد هذا في كلام أهل العلم، بل إنه موجود وكثير.
لهذا اعتنى أئمة الإسلام أئمة أهل السنة والجماعة ببيان الأصول التي من خالفها فقد خالف النبي عليه الصلاة والسلام وخالف صحابته، أصول مجمع عليها وهي التي سمّوها معتقد أهل السنة والجماعة العقيدة السنة يعني العقيدة، الشريعة يعني العقيدة، ونحو ذلك، فصنفوا مصنفات في ذلك، التي تزيل أي باطل نُسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو إلى بعض المتقدمة.
وهكذا تجدون في كل زمان بحاجة؛ بل في أشد الحاجة لأن تكون النسبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وإلى صحابته ونزيد إلى أئمة أهل السنة والجماعة، لم؟ لأن بعض كلمات الصحابة قد لا تكون وافية منقولة إلينا في كل المسائل فنحتاج إلى فهم أئمة أهل السنة والجماعة لفهم كلام الله، كلام رسوله ، كلام صحابة النبي عليه الصلاة والسلام.
وبهذا يتضح الطريق النهج الصواب، وتبطل به طرق الضلالات المختلفة.
فإذن ما يُتخلق به من هذه الخصلة من خصال أهل الجاهلية. أن يُلتزم طريق السنة والجماعة وطريق أئمة الإسلام.
فإذن عندنا الكتاب والسنة، واتباع سلف هذه الأمة، ألا وهو صحابة رسول الله  ومن تبعهم بإحسان، والإقتداء بأئمة أهل السنة والجماعة الذين هم على النهج الذي لا اشتباه معه ولا يخرج عنه إلا صاحب خطأ أو صاحب هوى.
المسألة الثامنة عشرة وهي أنّ أهل الجاهلية يتناقضون في الانتساب، فينتسبون إلى إبراهيم عليه السلام مع مخالفتهم لدينه، وذلك كثير في اليهود والنصارى وفي الجميع، في جميع من تبع الأنبياء هم متناقضون من جهة أنهم ينتسبون نسبة نبي من الأنبياء وإلى رسول، وهم يخالفون ما أمر به وجاء به.
وقد أوضحنا في كتاب فضل الإسلام هذه المسألة بتفصيل، وذلك أنّ إمام الدعوة رحمه الله عقد لها باب في باب ما جاء عن الخروج عن دعوى الإسلام وأن المنتسب إلى الحق والهدى إلى النبي عليه الصلاة والسلام بل إلى الإسلام هذا يلزمه أن يكون انتسابه صحيحا، وإلاّ لكان دعوى؛ لكان تناقضا، مثل ما قال الشيخ هنا.
فإذن إذا كان الانتساب إلى الكتاب والسنة وإلى ما كان عليه سلف هذه الأمة ثم خالف ذلك في غير شبهة وغير تأويل فإنه يكون قد تناقض في ذلك الانتساب، إذا لم يكن هناك شبهة وتأويل في بعض المسائل فإنه يكون تناقض في الانتساب، ينتسب إلى الكتاب والسنة وإلى الصحابة إلى السلف وهو ليس على ذلك النهج يطلب غيره فإن دعوى الانتساب لا تنفعه؛ لأن أهل الجاهلية انتسبوا إلى إبراهيم، وكان ذلك أعظم ما يفخرون به ولم ينفعهم ذلك.
فإذن قول الشيخ هنا (تناقضهم في الانتساب) تنبيه على هذه المسألة المهمة وهي أن المنتسب لا يشرك في مجرد الانتساب، بل يشرك بصحة الانتساب إذا كان انتسابه صحيحا على الدين والهدى الذي كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام فإن ذلك شرف له وهو بذلك محق، أما إذا كان ينتسب وهو يخالف فلا تنفعه تلك النسبة مهما علا صوته بها.
وهذا فيه إبطال لما دخل في هذه الأمة من جراء هذا الانتساب، وبيان أن ذلك من جنس ما كان عليه أهل الجاهلية، ينتسبون إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهم يخالفونه في أبواب الاعتقاد وفي أبواب العمل والسلوك والأخلاق وغير ذلك، ينتسبون إلى الصحابة وهم يخالفون نهجهم، ينتسبون إلى الكتاب؛ إلى القرآن وهم يخالفون ما جاء في القرآن، وهذا كثير جدا في كل صاحب هوى وبدعة لا يخلو من التناقض؛ لأنه إنما عصم كتابه من التناقض، وعصم الرسول  فيما أخبر به من التناقض، وهكذا، فالأمر المعصوم هو ما دل عليه الكتاب والسنة وما كان عليه صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أجمعون، هذا هو السالم من التناقض، أما غيره من الطرق فإن صاحبه لابد أن يتناقض، تجده في مسألة يحكم بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف، وأخرى تراه ينقض بعض الشيء ويخرج عنها، وهذا قد تقدم بيانه مرارا فلا مزيد الكلام عليه.
المسألة التاسعة عشرة هي أنهم يقدحون في بعض الصالحين بفعل بعض المنتسبين إليهم، وذلك من مثل ما قدح اليهود في عيسى، ومن مثل ما قدح المنافقون والمشركون في النبي عليه الصلاة والسلام من جرّاء فعل بعض الصحابة ونحو ذلك، وهذا ظاهر بيّن في أنّ صاحب الهوى يتلمّس ما يُبطل به حجة من جاءه بالهدى وما يُضعف به مكانَه، وقد يكون ذلك عن طريق القدح في الأتباع، إذا لم يجد طريقا على صاحب الدعوى؛ على النبي عليه الصلاة والسلام، على أحد من أهل العلم، إذا لم يجد طريقا قدح في الأتباع ليكون قدحه في الأتباع قدحا في المتبوع، وهذا كان في المشركين كما سمعتم، وكان عند اليهود وعند النصارى وعند أصحاب كل النِّحلات؛ لأنّ من أسهل الطرق؛ لأنّ الأتباع ليسوا بمعصومين فلابد أن يحصل منهم غلط، لابد يحصل منهم قصور، فإذا أُبطل الحق بفعل الأتباع صار ذلك نوع هوى، بل هو هوى باطل، وهذا جاء في طوائف في هذه الأمة.
من أظهر الأمثلة على ذلك ما فعله بعض الناس من نسبة كثير من الباطل إلى الإمام أحمد رضي الله عنه بفعل بعض الجهلة من أصحابه المتأخرون؛ يعني الذين كانوا بعده بنحو قرن من الزمان، فإن الحنابلة مثلا كانوا بعد زمن الإمام أحمد يعني تلامذة الإمام أحمد كانوا على عقيدته وعلى طريقته في الاعتقاد وفي السلوك، بعد ذلك صار عند طائفة من الحنابلة من عوامهم وبعض طلبة العلم صار عندهم خروج عن طريقة الإمام أحمد في بعض مسائل المعتقد وفي بعض مسائل السلوك يعني معاملة الناس، ومن الأمثلة الظاهرة على ذلك ما فعلوه بالإمام ابن جرير رحمه الله تعالى حيث إنهم سمعوا منه كلمة قالها في مسجده حين الدرس فلحقوه و[غلّقوا] عليه بابه لمخالفته، وهذا لا شك أنه لن يرض عنه أئمة الحنابلة في وقته ولن يرض عنه أهل العلم، لهذا قال ابن كثير رحمه الله حينما ساق هذه الحكاية قال: إنّ هذا من فعل جهال الحنابلة. ومما حصل منهم، من بعض التصرفات منهم، بل بعض الأقوال من التجسيم الذي كان عند بعض الحنابلة وإثبات صفات لم ترد في النصوص الثابتة من مثل القاضي أبي يعلى ونحو ذلك في كتابه ”إبطال تأويلات الصفات“ قدح المعتزلة والأشاعرة والمتكلمون في عقيدة الإمام أحمد لأجل فعل أولئك الأتباع، فلما فعلوا ما فعلوا، قالوا إن عقيدتهم؛ عقيدة الإمام أحمد، بل عقيدة أهل السنة والجماعة أنجبت مثل هذا.
لهذا نقول هاهنا إن القاعدة المقررة أنه يُنظر إلى الحق الثابت، ولا ينظر إلى من أخطأ تطبيق ذلك الحق، فإنّ من الناس من يكون يخطئ في تطبيق الحق، فلا ينسب خطؤه إلى ذلك الطريق الحق، مثل بعض المنتسبة إلى طريق السلف أخطأ في بعض المسائل، فلا يجوز أن ينسب ذلك الخطأ إلى طريق السلف إما في الاعتقاد، وإما في السلوك، من جهة، من مثل ما مثلت لك، من تأويل الصفات في إثبات الصفات عن طريق التجسيم حتى نسب لله جل وعلا نحرا وعضدا ومجاري في الحلق ونحو ذلك، مما هو قد اُستدل عليه بعض الأحاديث الموضوعة المكذوبة، وفي السلوك كذلك فإنّ بعض الحنابلة كانت عندهم يعني بعض المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة كان عندهم نوع –كما قال شيخ الإسلام وغيره- استهانة ببعض المسائل لا يُنسب لأهل السنة والجماعة، وإنما ينسب إلى أهل السنة والجماعة ما قرره أوائلهم وبينوه.
أصحاب الهوى يقدحون في الحق؛ في العقيدة بفعل الأتباع، وهذا لا يجوز؛ لأن الحق ينظر إليه من جهة نصوصه لا من جهة أتباعه، لهذا تجد أنّ بعض المغرضين أصحاب الهوى في هذا العصر بل فيما قبله أي من الفوضاويين ومن العقلانيين ومن الفلاسفة يقدحون في صحة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام بما حصل من صحابته رضوان الله عليهم بعده من الخلاف، بما حصل منهم من اختلاف، بل إن بعض الناس قدح في إمكان إقامة حكم الله جل وعلا في الأرض عن طريق دولة تقيمه وخلافة، قدح في ذلك؛ لأن هذا لم يكن في الصدر الأول لأن الصحابة اختلفوا وتقاتلوا وتناحروا وهم الصفوة، فكيف يمكن الإقامة مع أن الصفوة لم تستطع عمل ذلك إلا في قريب من عشرين أو ثلاثين عاما، وانتشر بينهم القتل وانتشر بينهم ما هو معروف، فيستدلون بهذا الأمر الذي نعلم أنه كان عن اجتهاد ..... ( ) على إبطال صحة هذا الدين وإبطال الحق الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا كثر في مؤلفات في هذا العصر تقدح في الالتزام بالإسلام وفي إمكان تطبيقه.
كذلك أصحاب المذاهب؛ أتباع الأئمة الأربعة، فإنه قد يكون عند بعض الأتباع ما هو من الخطأ، بل ما هو من الإجحاف، بل ما هو من الضلال، قد يكون ذلك إما في مقال، وإما في رأي، وإما في سلوك، ولا يجوز أن ينسب باطل المقلدين إلى أولئك الأئمة، ويُتنقص من شأن الأئمة من مثل الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى والإمام مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد أو نحوهم من الأئمة، لا يجوز أن تنسب تلك الأخطاء التي كانت عند أولئك إلى الأئمة وننتقص بذلك فقه الأئمة وما كانوا عليه، ولهذا ألف شيخ الإسلام رحمه الله رسالته المعروفة ”رفع الملام عن الأئمة الأعلام“ وهذا شاع في هذا الوقت في بعض المؤلفات التي رأيتها، واستدلوا فيها على بطلان أو على القدح في بعض الأئمة ببعض أقوال المتأخرين منهم أصحابهم، ولاشك أنّ هذا من جنس فِعل أهل الجاهلية لأنهم يقدحون في بعض الصالحين بما ظهر في الأتباع.
كذلك بعض أئمة السلوك من ينسب إليهم المتصوفة مثل عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى ونحوه من الصالحين المعروفين بملازمة السنة كالجنيد وأضرابهم، هؤلاء أتباعهم أنشؤوا طرقا وضلالات ونسبوها إلى أولئك الأئمة أو إلى أولئك الصالحين، لا يجوز لأحد أن يتنقص أحد من أولئك الذين عُلم صلاحهم وعُلم متابعتهم من جرّاء فعل هؤلاء المتأخرين، ولهذا يشارك من فعل مثل هذا الفعل يشارك أهل الجاهلية.
بعض الوهابيين -كما يقال- في بعض الأمصار اليوم عندهم طريقة في الدعوة ليست الطريقة التي كان عليها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى من أنهم أول ما يبدؤون في دعوتهم يتنقصون أولئك الذين يقال لهم أولياء فمثلا إذا وجدوا أن الصوفية متعلقين بفلان من الناس، جاء أولئك الذين هم ينتسبون إلى نصرة السنة المحمدية، وإلى نصرة العقيدة الصحيحة، لكن يخطؤون في الطريق وفي الأسلوب؛ لأنهم يقدحون أول ما يقدحون في ديانة ذلك الميت وفي عقيدته، وهذا لاشك أنه يُحدث عدم قناعة بما يقوله أولئك، يتجاوز هؤلاء حدهم حتى ربما نسب البعض منها إلى الكفر وإلى الضلال وإلى أنهم طواغيت ونحو ذلك وهي مبنية منذ مئات السنين، مرة في هذا المسجد أحد المشايخ من السودان وتذاكرنا في بعض مسائل التوحيد والالتزام بالسنة وإنكار السلف الصوفية والشركيات والبدع ونحو ذلك، فقال في آخر ما قال: إن الطريقة التي يفعلها بعض الناس هناك ليست هي الطريقة تفعلها هاهنا من جهة أنهم أول ما يبدؤوننا به القدح في الأولياء الذين نعظمهم. وهذا لا شك الكلام الذي قاله سمعته من بعضهم، يعني من بعض من ينسب إليهم، وهو صحيح النسبة إليهم وهو خطأ، هؤلاء الصوفية والخرافيين استغلوا ذلك، فنسبوا ذلك الباطل تلك الطريقة الفجّة، تلك الطريقة التي ليست هي الطريقة الشرعية إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وهذا من جنس ما كان عليه أهل الجاهلية في أنهم يتنقصون الأنبياء بفعل بعض المنتسبين إليهم، يتنقص من شابههم في هذه الأمة العلماء بفعل من انتسب إليهم، ولا يجوز أن يفعل ذلك بل يجب على طالب الحق والهدى أن ينظر في كلام ذلك العالم، ولا يقدح فيه بفعل الأتباع، لأننا نجد كثيرا أن من العلماء من يحضر عنده دروس ويستفيد منه وجها من الزمن بعض الناس، وتجد أنه -يعني بعض طلبة العلم- يخالفون المنهج الذي هو عليه من لزوم السنة، فلا يجوز أن يقدح في أحد من أهل العلم بفعل بعض المنتسبين إليه، بل أعظم من ذلك أنه قد قدح في الإسلام بفعل المسلمين، ولا بد هنا أن يكون تباين بين الإسلام والمسلمين؛ لأن المسلمين بفعلهم لا يدلون على الإسلام، فمن أراد أن يعرف الإسلام ولأن يتعلم الإسلام يأخذه من معينه الصافي، ولا ينظر في أفعال أهله لأنه ربما كان في أفعال ما يصد عن الالتزام بالإسلام واعتقاد صحته وأنه ممكن التصديق وأن الالتزام به سهل ميسور، وهكذا،
فهذه المسألة مهمة في أنه لا يتنقص من أحد بفعل بعض الأتباع يعني هذه من خصال أهل الجاهلية، بل يجب أن ينظر إلى ذلك المتبوع ويعرف أحواله، نعرف أحواله، فإن كانت على الحق والهدى أثنينا عليه خيرا وخطّأنا أتباعه فيما راموا إليه، وكما تعلمون أن شيخ الإسلام ابن تيمية شرح كثيرا من كلمات القوم من جنس شرحه لكلمات فتوح الغيب لعبد القادر الجيلاني، ومن جنس ثنائه على عدي الذي تتبعه الطائفة العدوية ونحو ذلك، فنثني على الطالحين إذا ثبت صلاحهم وسلامة اعتقادهم وأما الأتباع فيذمون، وذم المتبوع بفعل التابع هذا نوع وخصلة من خصال أهل الجاهلية.
المسألة الأخيرة من مسائل الجاهلية التي نعرضها هذه الليلة هي أنهم يعتقدون في مخاريق السحرة وينكرون كرامات الأولياء، واعتقاد أن تلك المخاريق أنها من كرامات الصالحين، يقول (العشرون اعتقادهم في مخاريق السحرة وأمثالهما من كرامات الصالحين ونسبته إلى الأنبياء كما نسبوه إلى سليمان عليه السلام)
سليمان عليه السلام سُخِّرت له الجن والطير وسخرت له الريح، وسخرت له أشياء كثيرة، السحرة فعلوا بعض الأشياء، فأهل الجاهلية ظنوا أن مخاريق السحرة من جنس كرامات الأولياء، فنُسب فعل السحرة إلى سليمان عليه السلام، نُسب فعل أهل الخوارق والشعوذة إلى الأنبياء، بل جعلوها من الكرامات؛ يعني جعلوا أولئك السحرة وأولئك المشعوذين وأشباههم جعلوهم من الصالحين؛ من الأولياء الذين تعطى لهم الكرامة:
ولنبين هذا نقول إن المخاريق والخوارق على ثلاثة أقسام:
1. خوارق أعطاها الله جل وعلا للأنبياء.
2. وخوارق أعطاها الله جل وعلا للأولياء.
3. وخوارق جرت على يد الفسقة والكفار ومن خرج عن طريق الأنبياء.
فالأولى ألا وهي المخاريق التي جرت على يد الأنبياء هذه هي التي تسمى آيات وبراهين وبينات ومعجزات للأنبياء.
والثانية هي التي تسمى كرامات الأولياء.
والثالثة هي التي تسمى أحوال شيطانية وشعوذة ودجل وسحر.
ولهذا أهل السنة والجماعة يؤمنون بكرامات الأولياء، كما قالوا في عقائدهم: ونؤمن بكرامات الأولياء. فأولئك ينسبون مخاريق السحرة...( )
والكرامة هي: أمر خارق العادة في علم أو تأثير طرأ على يدي ولي.
أمر خارق للعادة –هذا أولا-، في علم أو تأثير هذا بيان النوع، جرى على يدي ولي.
والولي عند أهل السنة والجماعة في الاصطلاح هو كل مؤمن تقي ليس بنبي.
فإذن ما يجري من الخوارق على الذي ليس بمؤمن تقي ظاهرا لمتابعته للسنة والتزامه؛ تحليله الحلال وتحريمه الحرام والمحافظة على الواجبات والانتهاء على المحرمات، ما جرى على أيدي هؤلاء يعني من كان مؤمنا تقيا سميناه كرامة، وأما من لم يكن على هذا الوصف، قد يكون في حقه كرامة وقد يكون حالا شيطانية، وأما إذا كان على ضد ذلك ممن كان من أهل المعاصي والبدع والفسوق والشركيات ونحو ذلك فهذا لاشك أن ما يحصل له أنه من قبيل المخاريق و الأحوال الشيطانية؛ لأن الكرامة نعمة يعطيها الله جل وعلا أولياءه؛ يعني المؤمنين المتقين، وأما السحرة والمشعوذين أشباههم فإنّ ما يجري على أيديهم من الخوارق إنما هو من الشياطين.
هذه الأمة من أجل مشابهتها لمن سلف جرى عل يدي كثير من المنتسبين من هذه الأمة بعض المخاريق الكثيرة؛ من مثل المشي على الماء، دخول النار، من مثل الطيران في الهواء، من مثل سماع الأصوات البعيدة، من مثل إحياء بعض الميتين من الحيوانات ونحوها، ونحو ذلك، فيجري على يدي أولئك المشعوذون أو أولئك الفسقة يجري على أيديهم بعض المخاريق، فانغر بهم الجهال فجعلوا مخاريق السحرة كرامات، وجعلوا أولئك السحرة وأولئك المشعوذين جعلوهم أولياء، وهذه الشعبة من جنس ما كان عند أهل الجاهلية، حيث جعلت طائفة فيهم السحرة والمردة من الشياطين من أتباع سليمان عليه السلام؛ لأنهم فعلوا السحر وكان السحر عندهم من جنس ما يفعله سليمان عليه السلام.
لهذا اشتد نكير السلف على من ظهر منه ذلك.
فقال من قال منهم: إذا رأيت الرجل يسير على الماء أو يطير في الهواء فلا يغرنك حتى تزنه بالكتاب والسنة.
لأن ذلك قد يكون من فعل الشياطين، الشياطين قد تحمل الرجل المشعوذ -ساحر أو نحوه- وتجعله يمشي على الماء أو تجعله يطير في الهواء، ونحو ذلك. كما يجري بطائفة ممن نقلت الأخبار عنهم.
كذلك قد يجعلون الرجل يدخل في النار ولا يضره ذلك.
وقد يجعلون الرجل أو المرأة تمشي على الجمر ولا يضرها ذلك.
قد يجعلونه يدخل في حلقه آلة حادة أو سكين أو نحو ذلك ولا يضره ذلك.
هذا لا يغرنّ من رآه، لم؟ لأنه نجزم بأن تلك المخاريق قد تكون أحوالا شيطانية، وقد تكون من الله جل وعلا يعني كرامة، والضابط يعني الفرق بين هذا وهذا الفرق كما قال حتى تزنه بالكتاب والسنة، فإذا كان الرجل متبع وليس بمبتدع مستقيم صاحب تحليل الحلال وأداء الواجبات وتحريم المحرمات ونحو ذلك، فهذا ما جرى على يديه من كرامات الأولياء، سواء أكان من جهة الكشف والعلم أو من جهة القدرة والتأثير، وأما إذا كان الرجل ليس على ذلك فاسق، فاجر، مشعوذ، مشرك، مبتدع، ونحو ذلك، فهذا ما يجري على يديه نعلم جزما أنه من الخوارق.
طائفة اليوم من أصحاب الطرق يجعلون من علامات الكرامات وصحة الطريقة التي ينتسبون إليها، الدخول في النار كما يفعله الرفاعية من المتصوفة، من دلائل صحة طريقة أحمد الرفاعي عندهم أن أتباعه يدخلون في النار ويمشون فيها ولا تحرق شيئا منه ولا تضره، منهم من يكون صالحا فيكون ذلك كرامة له، ومنهم وهم الأكثرن من يكون ذلك من جهة الشياطين؛ يعني تكون النار من فعل الشيطان ليس نار على الحقيقة ويدخل هذا ويعبر بسرعة ولا يضره ذلك بمساعدة الشيطان له في ذلك.
والذين يعرفون أحوال الصوفية والغلاة يعرفون هذه المسألة بوضوح، وأن من هذه الأمة من جعلوا من هو مشعوذ، فاسق، فاجر، مبتدع، مشرك، من جعلوه في مقام الأولياء، يجعل في مصاف عباد الله الصالحين، الدليل هو جريان تلك المخاريق على أيديهم، وتلك المخارق ليست بدليل؛ لأنها قد تكون أحوالا شيطانية، إذا كانت، بل هي أحوال شيطانية إذا كانت لأصحاب البدع، والفسوق، والفجور.
نكتفي بهذا القدر من بيان هذه المسائل، وننبه إلى أنه الأسبوع القادم إن شاء الله نستسمحكم في الدرس الأسبوع القادم مثل هذه الليلة ليس عندنا درس إن شاء الله تعالى، وفيما بعد نكمل إن شاء الله، هذا ونختم بالصلاة والسلام على من هدى إلى الخير وعلم وأرشد.
[الأسئلة]
1/ قول من قال إن طريقة أهل السنة والجماعة ومعتقدهم، ما الفرق بينه وبين من يقول نحن على طريقة السلف، حيث إنه في هذا الزمان كلٌّ يقول نحن على مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يقولون على طريقة السلف، ما حكم القولين؛ الأول والثاني؟
أهل السنة والجماعة لفظ من الألفاظ الشرعية التي هي من جنس لفظ الإسلام، والأصل أنه لا يجوز الخروج عن دعوى الإسلام والتسمية بغيره؛ لأن الله جل وعلا قال ﴿هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾[الحج:78]، وفي هذا تسمية متبعي النبي عليه الصلاة والسلام التي سماهم الله جل وعلا بها أنهم المسلمون، مما سمى الله جل وعلا به أهل الإيمان أنهم مؤمنون، كذلك جاءت تسميتهم في بعض نصوص السنة أنهم أهل الجماعة «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعلكم بسنتي» فمن كان على ذلك فهو من أهل السنة، كذلك جاء في حديث الافتراق المشهور قوله عليه الصلاة والسلام «كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «الجماعة»، فسمي أهل الفرقة الناجية أهل سنة وجماعة وهم السلف الصالح، هم السلف الصالح، التسمية بأهل السنة والجماعة تسمية شرعية، كذلك التسمية بالسلف وأتباع السلف كذلك تسمية شرعية لأنها هي معنى السنة والجماعة.
توسّع الناس في الانتساب إلى أهل السنة والجماعة أكثر، بل توسعوا دون الانتساب إلى السلف، فصار كثير من الطوائف ينتسبون إلى السنة والجماعة، فالأشاعرة يقولون نحن أهل السنة والجماعة، والماتريدية يقولون نحن أهل السنة والجماعة، وهذا غلط منهم؛ لأن الجماعة هي ما كان عليه صحابة رسول الله ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام فسّر الفرقة الناجية بأنها الجماعة، وفي رواية أخرى قال «هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي»، وهذه أحاديث مشهورة وإن كانت في بعض أسانيدها ضعف.
إذن هذا غلط منهم في الانتساب كون يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة هذا غلط؛ لأنهم ليسوا من أهل الجماعة هم من أهل الفرقة؛ لأنهم فارقوا طريق الجماعة الأولى في مسائل الصفات، بل في أعظم من ذلك، ألا وهو تفسير التوحيد في تفسير شهادة أن لا إله إلا الله خالفوا فيها تفسير الصحابة وفي مسائل الصفات في القدر وفي الإيمان وفي مسائل كثيرة إذن فانتسابهم خطأ، لهذا كان أئمة أهل السنة والجماعة كثيرا ما ينتسبون إلى الأثر وإلى الحديث إلى السلف لأنهم يخرجون بذلك عن الدائرة الأوسع التي أدخل بعض أهل البدع أنفسهم فيها.
فإذن راية أهل السنة والجماعة بالأصل رفْعها راية صحيحة لأن الجماعة حق لكن الماتريدية والأشاعرة يرضون براية أهل السنة والجماعة، لكنهم إذا قلت لهم على طريقة السلف خالفوا، لهذا نقول في الأصل أن أهل السنة والجماعة هم أهل السلف، لكن إذا كان ثَم التباس في الانتساب نقول الانتساب إلى السلف أخص من الانتساب إلى أهل السنة والجماعة، فإنه قد يكون الرجل ينتسب إلى السنة والجماعة وإذا أردته أن ينتسب إلى السلف لم ينتسب.
لهذا كان الانتساب إلى السلف أدق لأجل إخراجه لبعض المنتسبين خطأ إلى السنة والجماعة، فمن أطلق لفظ أهل السنة والجماعة يريد بها المعنى الصحيح وهو أنهم المتبعون للسلف كان إطلاقه صحيحا وكلامه صوابا، أما إذا أطلقها ويريد بذلك أنه ليس المطلوب أن يكون على منهج السلف وإنما على منهج أهل السنة والجماعة الذي يشمل الطوائف التي تنتسب إلى ذلك، قلنا إن ذلك خطأ.
فهذا هو تفصيل المقام في هذين اللفظين، وبعض الناس يخطِّئ من ينتسب إلى السلف ويقول أن السلف هم أهل السنة والجماعة مطلقا، وبعضهم يخطّئ من يقول إنّ السلف وأهل السنة والجماعة كلها واحد، والصواب هو التفصيل فإنها بمعنى واحد في الأصل، ولكنها من جهة التفصيل اختلفت، والله أعلم.
2/ هل يحصل للفاسق كرامة، وكيف؟
قد يحصل له كرامة بقدر ما عنده من الإيمان، لكن لا يجزم بأنها كرامة، لا يجزم بأنها كرامة، والكرامات لا يعتقد فيها عند أهل السنة والجماعة، وإنما هي نعمة لمن حصلت له يجب عليه أن يشكر الله جل وعلا عليها، لا يعتقد فيمن حصلت له لأنه قد تحصل من بعض ممن ليس بمسدد الإيمان، تحصل له كرامة على قد إيمانه، ولهذا يقول أهل السنة إن كرامات الأولياء لا تبلغ مبلغ معجزات الأنبياء، مع أنها من جنسها في كونها خارق للعادة، لكن معجزات الأنبياء أعظم؛ لأن إيمانهم أعظم؛ ولأن الحاجة لمعجزاتهم أعظم. أما كرامات الأولياء الصالحون المسددون فهي أقل مرتبة، كذلك لمن حصلت له لمن ليس بمؤمن مسدد فاسق يعمل بعض المعاصي، قد تحصل له لكن لا يجزم بأنها كرامة لكن هو إذا علم ذلك من نفسه فإنه يشكر الله جل وعلا عليها ويستقيم على الطريق.
نقول الإيمان والتقوى تتفاضل، لهذا كل من عنده بعض الإيمان وبعض التقوى فإن عنده بعض الوَلاية، الولي ليس هو المؤمن الكامل المتقي الكامل، بل كل مؤمن تقي له نصيب من الوَلاية من ولاية الله له بقدر ما عنده من الإيمان والتقوى.
3/ يقول: هل من يحذّر من التقليد والتمذهب لما آل إليه الأمر من التعصب، هل المحذر يقع في مشابهة أهل الجاهلية؟
الله أعلم هل يقع في المتبعة أم لا، لكن الذي يحذر منه أهل العلم يحذر من التعصب، ومن التقليد الذي فيه ظهور الحجة ومخالفة ذلك، أما جنس التقليد والتمذهب فلا ينكر، وأما التعصب لذلك بمعنى تقديم قول إمام على ما ظهر من نصوص الكتاب والسنة هذا الذي يذم وهو الذي جاء كلام أهل العلم كثيرا في إبطاله.
4/ يقول: ما صحة قول القائل أساس الإسلام: أربعة عقيدة وشريعة ومنهاج وأخلاق، وهو قول منتشر جدا ويستدل له بقوله تعالى ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة:48]؟
التقاسيم التي تقسم فيها الأشياء هذه ينظر فيها المقسم إلى جهات، فينبغي للمنتخب لقوله أن ينظر إلى الجهة التي لأجلها قسّم، لأن التقسيمات باعتبارات, تارة يقسم من جهة ما واعية شيئا ما, ويقسم الآخر من جهة أخرى, ولهذا أصحاب التقاسيم ينبغي لمن ينظر في تقاسيمهم أن ينظر إليها من جهة ما هو الاعتبار الذي رعاه في ذلك التقسيم، فإن نقسم مثلا الشرك إلى أكبر وأصغر باعتبار, ونقسم الشرك باعتبار آخر إلى ظاهر جلي, ونقسم الشرك باعتبار ثالث إلى أكبر وأصغر وخفي، وكل من هذه التقسيمات قال به طائفة من أهل العلم، فكل التقسيمات صحيحة، لكن ما الذي رعاه صاحب التقسيم الأول؟ ما الذي رعاه صاحب التقسيم الثاني؟ ما الذي رعاه صاحب التقسيم الثالث؟ هذا الذي يجب على الناظر أن يرعاه؛ لأنه إذا فهم ذلك فهم وجه التقسيم.
لهذا نقول إن من قسم هذا التقسيم عقيدة وشريعة ومنهاج وأخلاق، هذا ينظر في الأمر الذي رعاه.
فإن كان التقسيم فنيّ يعني من جهة أنه جعل العقيدة بمعنى ما يعتقد. والمنهاج ما ينهج؛ ما يصار عليه مسائل السلوك مسائل الأمر والنهي، الدعوة ونحو ذلك. الشريعة بمعنى الأحكام. الأخلاق بمعنى السلوك، فهذا تقسيم صحيح.
وإن أراد بالتقسيم أن المنهاج لا يمكن أن يدخل في العقيدة، أو العقيدة لا تدخل في المنهاج، أو الأخلاق لا تدخل في الشريعة، والأخلاق لا تدخل في العقيدة فهذا غلط؛ لأن العقيدة، عقيدة أهل السنة والجماعة تشمل المنهاج، تشمل الاعتقاد، تشمل المنهاج يعني أبواب الأمر والنهي والطاعة والإمامة والاعتقاد في الخلافات ونحو ذلك، وتشمل الأخلاق، والعقيدة شيخ الإسلام في الواسطية ذكر فيها هذه الثلاثة أشياء، ذكر فيها أولا الاعتقاد وذكر المنهاج بعده، وذكر الأخلاق، مثل ما قال: وأهل السنة والجماعة يأمرون بمكارم الأخلاق ومعاليها وينهون عن قبيح الأخلاق وسفسافها، إذا كان كذلك فهذا القول بهذا الاعتبار الثاني يكون خطأ إذا أراد إخراج الأخلاق من العقيدة والمنهاج من العقيدة هذا غلط.
كذلك تقسيم الشريعة والعقيدة أهل السنة سموا كتب الاعتقاد سموها شريعة مثل ما فعل الآجري، سمى كتابه في الاعتقاد الشريعة، فإذن هذه الألفاظ هي مترادفة من جهة ما، بعضها يدل على بعض، لكن قد يفصل إذا كان التقسيم يريد الإيضاح، أما إذا كان يريد أن كل لفظ يخالف الآخر فهذا لاشك أنه خطأ.
5/ هذا يقول: ما هي الأدلة التي تقوم عليها تكوين الجماعات الخاصة، ثم إذا قامت جماعة تركز على تقسيم معين في الأمة فهل ينطبق عليها اسم الجماعة الخاصة ؟ وهل يصح أن نقول إن الجماعات يكمل بعضها بعضا؟
أولا في الدولة الإسلامية لا يجوز أن تقوم جماعة سرية، كأصل عند أهل السنة، لا يجوز أن تقوم جماعة سرية لها أهداف خاصة سرية؛ لأن هذا فيه افتئات على الإمام.
من جهة أخرى فإن أهل السنة والجماعة يُقرون بالجماعة بمعنى التجمع؛ التجمع للدعوة، للخير، للأمر والنهي، وللهدى والصلاح، تجمعا مشروعا يكون فيه تطاوع وليس فيه طاعة، ويكون فيه ائتلاف ولا يكون فيه أمر ونهي، يكون فيه نظام وليس فيه تنظيم، وهذه هي أصول دعوة كل من تجمّع من أهل السنة والجماعة في قديم الزمان وفي الحديث.
شيخ الإسلام ابن تيمية يتكلم عن الجماعة في كثير من المواضع ويعني بها التجمع المشروع، ألا وهو ما كان أصحابه بينهم يتطاوعون، وهذا هو الذي جاء في النص لأن النبي  لما أرسل معاذا وصاحبه إلى اليمن فقال له «تطاوعا ولا تختلفا» فكان هذا أصلا لكل من اجتمعوا على الدعوة أن يكون بينهم تطاوع، أما الطاعة بمعنى أن يكون التابع مطيعا لمن فوقع طاعة المأمور للأمير فهذا لا يجوز في دولة الإسلام، لأن هذه طاعة خاصة لم تأتِ النصوص بها، وإنما جاء في النصوص بالطاعة في السفر لأجل الحاجة إلى ذلك، أما في الحضر والإقامة فإذا كان ولي الأمر الشرعي قائم موجود مسلم والبيعة له منعقدة فلا يجوز أن تكون طاعة مستقلة في الحضر دون طاعته، لكن يكون هناك تطاوع كذلك من جهة التنظيم يعني بعض الجماعات تتجمع على تنظيم، وهؤلاء كما رأيت في بعض مؤلفاتهم يستدلون بمقالات شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم، هم لم يفهموا فإن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر نظاما وما يعنى به النظام ولم يذكر التنظيم لأن التنظيم هذا حادث، التنظيم بمعنى تكوين رأس للحزب يطاع ومن تحته تبلغ لهم الأشياء كما يحصل من طاعة الإمام هذا لا شك أنه لا يجوز ولا يدل عليه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ولا على غيره.
إذن تحقيق القول في هذه المسألة وهي تكوين الجماعة الخاصة أنه يجوز أن تكوّن الجماعة بمعنى التجمع على الخير والهدى اثنين، ثلاثة، أربعة، عشرة، نتواصى ونتآخى، نقرأ، ننصح، نذهب إلى فلان ندعوا ونحو ذلك، لكن بيننا تطاوع وليس بيننا طاعة، بيننا نظام وليس عندنا تنظيم، وهذه هي أصول الدعوة الناجحة، وما عداها فهي دعوات تشابه دعوات الخارجين عن مسمى الإسلام.
[هنا سئل على الدول غير الإسلامية سؤال صوته غير واضح فأجاب]
محل اجتهاد إذا كانت غير إسلامية يجوز أن يكون ذلك لكن ليس على شكل حزبي، يجوز أن يقوم تجمع فيه أمر ونهي ونحو ذلك فيما بينهم، ولكن ليس على شكل حزبي كالمعروف عند الأحزاب الشيوعية ونحوها.
على كل حال في دولة غير دولة الإسلام محل اجتهاد لأنه يختلف على حسب الدولة والوضع فيها، فهي محل اجتهاد لا يطلق القول فيها.
6/ يقول: يقدح بعض طلبة العلم ببعض الجماعات للنظر إلى أخطاء أتباعها لا بالنظر إلى مناهجها فهل هذا من الإنصاف ؟
الجواب: أن هذا من جنس فعل أهل الجاهلية إذا كان يقدح في جماعة ما أو بفئة ما بفعل بعض الأتباع دون النظر في المنهج، دون النظر فيما هم عليه، هذا من جنس فعل أهل الجاهلية لكن شك أن هذا مذموم والواجب النظر في الأصل المنهاج، في المناهج فإذا كان صوابا كان من اتبع تلك المناهج وخالف فيها يكون هو المخطئ وإن كانت تلك خطأ كان التابع والمتبوع على غير هدى.
7/ هذا آخر سؤال، يقول: هناك من يقول المخاريق أربعة أقسام :
المعجزة للأنبياء.
والكرامة للأولياء.
والأحوال الشيطانية للسحرة والمشعوذين.
والرابعة الفراسة للأذكياء؟
الجواب: أما الفِراسة عند أهل السنة والجماعة من جنس الكرامات، كرامات الأولياء فهي داخلة تحتها، لهذا يذكرون أبواب الفِراسة الإيمانية وأنواع الفراسة الثلاثة يذكرونها تحت أبواب كرامات الأولياء، فهي عندهم ليست قسما رابعا وإنما هي من أقسام الكرامات.
أسأل الله جل وعلا لي ولكم الانتفاع والهدى والسداد، وصلى الله على سيدنا محمد( )
[المتن]
(المسألة الرابعة والعشرون) ترك الدخول في الحق إذا سبقهم إليه الضعفاء تكبرا وأنفة فأنزل الله تعالى ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾[الأنعام:52] الآيات.
(المسألة الخامسة والعشرون) الاستدلال له على بطلانه بسبق الضعفاء كقوله ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11].
(المسألة السادسة والعشرون) تحريف كتاب الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
(المسألة السابعة والعشرون) تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله كقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[البقرة:79]الآية.
(المسألة الثامنة والعشرون) أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم كقوله ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾[البقرة:91]

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:30PM

[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا وقلبا خاشعا وعينا دامعة.
اللهم اهدنا فيما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك نهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم اجعلنا ممن آمن حق الإيمان واتقى حق التقوى وصدق حق التصديق.
اللهم اجعلنا من الذين يتعلمون العلم ابتغاء وجهك ويطلبون به ما عند إنك ولي ذلك وإنك مسؤول.
اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين فيما تقلبنا وأينما توجهنا.
أما بعد:
فهذه المسائل من مسائل الجاهلية؛ يعني الخصال التي كان عليها أهل الجاهلية من المسائل المهمة لكثرة الواقعين في ذلك في هذا الزمان ومن قبله، فذكر المسألة الرابعة والعشرين قال (المسألة الرابعة والعشرون -يعني من خصال أهل الجاهلية ومن مسائلهم- ترك الدخول في الحق إذا سبقهم إليه الضعفاء تكبرا وأنفة فأنزل الله جل وعلا قوله ﴿وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52]) وهذه الخصلة من خصال أهل الجاهلية كانت قائمة في الكبار فيهم من ذوي الجاه, وذي المال، وذي الشرف، وذوي الرئاسة، من كبار جاهلي العرب, ومن كبار الجاهلية في الأمم الأخرى من اليهود والنصارى وغيرهم.
فإن المرء إذا كان مقدما مرفوعا إما لأجل جاهه، أو لأجل علمه، أو لأجل عقله في فئته فإنه يدخل إليه الشيطان من هذه الجهة وينفخ فيه حتى يجعله متكبرا على الحق -والعياذ بالله-.
وذكر قول الله جل وعلا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، وهذه الآية ذكر المفسرون في سبب نزولها عدة روايات مجملها أن المشركين قالوا لرسول الله : اجعل لنا مجلسا تخصُّنا به، لا نجلس مع هؤلاء الأعبد. يعنون: خبابا وبلالا وصهيبا, وذُكر في بعض الروايات وسلمان، ولكن هذا ليس بجيد لأن هذه الآية مكية, مجلسا تخصنا به, اجعل لنا مجلسا تخصنا به, فمالَ رسول الله  إلى ذلك بقلبه وهمّ بذلك، فأنزل الله جل وعلا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ)، وقوله هنا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ) يعني ما همَّ به عليه الصلاة والسلام، وإلاّ فهو لم يقع منه طردٌ لهم، وإنما همّ بأن يخص أولئك من بين المؤمنين الذين هم ليسوا كأولئك في الشرف والجاه والرفعة، وكان ذلك من رسول الله عليه الصلاة والسلام طمعا في إسلام أولئك، وأنّ أولئك كبار القدْر، كبار الجاه، ذوو نفوذ وذوو أمر مطاع، فطمع رسول الله  في هدايتهم، فقبل شرطهم بأن يخصهم ويستنكف ويطرد أولئك النفر المؤمنين الذين ليسوا كأولئك في الجاه والرفعة والرئاسة ونحو ذلك، فأنزل الله جل وعلا هذه الآية.
وهذا الذي ذُكر في سبب النزول، ظاهر منه استدلال الشيخ رحمه الله تعالى، من أنّ أولئك المشركين كانوا يرغبون في استماع الحق وكن منعهم من الحضور إلى مجلس رسول الله  التكبر عن أن يَشركوا أولئك النفر المؤمنين الذين كانوا إما فقراء وإما موالي، عبيد، أو نحو ذلك، فكرهوا أن يشاركوهم في مجالسهم، وكرهوا أن يحضروا عند رسول الله  ويكون فيه أولئك حتى إنه ذُكر أن بعضهم قال: اجعل لنا مجلسا تعرف به العرب مفضلنا. تعرف به العرب مفضلنا، هذا يدل على ما في داخل صدورهم من التكبر والأنفة, والحق إنما يكون مع الذين يميلون له, لا يكون مع المتكبرين, ولهذا أولئك لا ينفع فيهم مثل هذا، قال جل وعلا﴿[وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا]( ) لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنفال:23] يعني أهل الكتاب، لو شاء الله جل وعلا لأسمعهم ولو أسمعهم الحق والهدى كما يَسمعه من ينتفع به، (لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لأنهم يعلمون الحق، ولكنهم ينسلخون عنه تكبرا وأنفة، وهذا الذي منع كثيرا من الجاهليين من كبار قريش من الدخول في الإسلام، تعرفون كلمة أبي جهل المشهورة في ذلك، حيث قال: حتى تنازعنا نحن وبني هاشم الشرف، فقالوا فتصدقوا وتصدقنا، ونحروا ونحرنا، وبذلوا وبذلنا حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا منا رسول يأتيه الوحي من السماء وليس منكم أحد، لا والله لا نؤمن به أبدا. هذا يدل على أن أولئك تركوا قبول الحق، ومنعهم الدخول في الحق سبق الضعفاء، منعهم من ذلك أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على أولئك النفر تكبرا منهم وأنفة.
كذلك اليهود، اليهود كان فيهم ذلك وكانوا يخفون الحق، ويقولون كيف نتّبع هذا النبي الأمي فنخسر مالنا ونخسر جاهنا ونخسر ما يبذله لنا ذووا الأموال، وهذا سيأتي إن شاء الله تعالى في بيان سبب تبديلهم الكتب وتبديلهم المنزَّل عليهم.
هذه الخصلة كما رأيتم، هذه سببها ما يقع في النفوس من التكبر، وهذا دخل ووجد في هذه الأمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام «لتتبعن سنن من كان قبلكم»، وُجد في هذه الأمة المنتسبين إلى الإسلام قبل المتمسكين إلى الإسلام، فكثيرا منهم منعه من قبول الحق التكبر والأنفة أنْ كل أولئك الذين سبقوا إليه هم الذين سبقوا وهم الذين تقدموا في الحق ويكون ذلك الكبار تابعين، يكون أولئك الكبار لاحقين، والكبار وذوو الجاه وذوو السمعة وذوو الرئاسة دائما يحبون أن يكونوا هم الذين يتقدمون الناس، هم الذين يسبقون ولو كان سبقهم في غير الحق وفي غير الهدى، فإنّ همتهم لما جعل الله جل وعلا في قلوبهم من الضلال ومن ترك الهدى لو كان ذلك في غير الصواب سلكوه، وهذا ظاهر في كثير من أئمة البدع في الإسلام، فإنهم لم يرذخوا للحق لأنهم يعتقدون أنهم ذووا شرف ذووا رفعة، لما أوتوه من عقول، لما أوتوه من فهم، فكيف يميلون للحق مع أن الذين اتبعوه هم الذين يسمونهم أهل الظاهر ويسمونهم حشوية، ويسمونهم بأسماء متنوعة تؤول جميعا وتجتمع جميعا في أنهم ليسوا بذوي نباهة ولا بذوي عقول.
فإذن أولئك الذين كانوا من الكبار في الإسلام من أهل البدع كان كثيرا منهم يعلم الحق ولكنه يصعب عليه أن يتركَه من أجل ما لَه من المنزلة والرفعة، يصعب عليه أن يتركه لذوي عقول ضعيفة عنده، وهذا يجر إلى أنه لا يُقدّم، ولا يكون مرفوعا، ولا يكون مبجلا، ولا يكون متبوعا، ولا تراه في كثير ممن أبتلي بإتباع الناس لهم إذ لم يكن معهم إنصاف، ولم يكن معهم تقوى وخير من الله جل وعلا، فإنه يصدهم الأتباع، يصدهم كثرة من يعظمهم، يصدهم كثرة من يتبعهم على أن يقبلوا الحق، فإن النفس إذا وجدت من يتبعها، إذا وجدت من يعظمها، ثم كان السبيل في قبول الحق والرضوخ له أن يُترك تعظيمه أن يُترك رفعه فإنه يصعب جدا من النفوس أن تقبل ذلك، وهذا كَثُر في الذين ركبوا هواهم في هذه الأمة في أصناف شتى كثيرة، أينما توجهت وجدت ذلك.
فإذن كل من لم يقبل الحق لأجل التكبر والأنفة فإنه لهم نصيب في مشابهة الجاهليين في ذلك، وهذا يدل على أن ترك قبول الحق لأجل سبق الضعفاء أو لأجل تقدمهم أو لأجل أنهم أخص لصاحب الدعوة فإن هذا –والعياذ بالله- من الكبائر، بل قد يكون مخرجا من الملة إذا كان فيه عدم قبول أصل الدين، مثل ما يحصل من كبار علماء المشركين في هذه الأزمان المتأخرة.
ومن الأمثلة في ذلك التي ذكرها بعض من لهم صدارة ولهم رفعة من الذين يسمّون بعلماء هذا الوقت يكونون معظمين من وُجد، ممن هم معظمين للشركيات معظمين للأضرحة والموتى ونحو ذلك، حيث جرى بيني وبينه حديث ومناقشة حول أهل الإسلام والتوحيد والشرك، وهو من كبار علماء بلده، فكان مما قال في بيان حقيقة الأمر، أنه قال هذا سبيل من سبل الرّزق فلا تقطعه عمن يأتي إليه، ثم قال نصه –هو توفي الآن- نعم الذي تقول حق، ولكن التكفير صعب، كون مبتدعة نعم، ولكن كما قال أترك الناس تعيش.
وهذا لأنه معظم في طائفته، صعب أن يترك ويسحب منه كل ما اكتسبه في حياته الطويلة، هذا صعب على النفوس خاصة في أنفس كبار السن، يعني من دخل في الكهولة ونحو ذلك، فيصعب عليه نفسيا هذا.
إذا تبين لك ذلك، فإذن نستفيد من هذا أن هذه الخصلة من خصال أهل الجاهلية كثيرة تأملها تجدها في هذه الأمة، في الأغنياء، في ذوي الترف، في الرؤساء، في الملوك، في الأمراء، في نحو ذلك، هذه موجودة فيهم إلا ما شاء الله جل وعلا، فإنهم تراهم يتنقّصون الحق لأجل من اتبعهم ويرفضون الدخول فيه لأجل حال من دخل فيه.
أيضا ننبه إلى أن على أهل الدعوة، على الدعاة، على أهل العلم أن يعتنوا بالصفوة الذين أقبلوا على الله جل وعلا، وأن يتركوا الالتفات إلى ذوي الشرف وذوي الرفعة إلا إذا كان أولئك يقطنون مع غيرهم ويقبلون مع غيرهم، أما أن يقبل على أولئك ويترك الذين يريدون وجه الله جل وعلا، فإنّ هذا من الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام قال جل وعلا في سورة الأنعام ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52]، نبّه أنهم أهل الإخلاص أهل طمع فيما عند الله جل وعلا لا يريدون إلا وجه الله جل وعلا، وهذا فيه تنبيه إلى أن أولئك الذين همّ رسول الله  أن يطرد هؤلاء من أجلهم أنهم لا يريدون وجه الله جل وعلا، أنه لهم مقاصد أخر في ذلك، قال جل وعلا ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام:52]، وهذا فيه النهي الشديد عن ذلك، وكذلك قال جل وعلا في سورة الكهف ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:28]، قال المفسرون في قوله (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يعني تريد التزيّن فدخول أولئك ولمجالسة أولئك.
وهذه خصلة نفسية تدخل في قلوب كثيرين، فعلى الدعاة أن يكون همهم إيصال الحق، وإذا كان هناك في إيصال الحق فيه شيء من ترك ما أمرنا الله جل وعلا به رعايةً لخواطر بعض ذوي الشرف وذوي الجاه ونحو ذلك، فلا يقبل الداعية، لا يقبل طالب العلم، لا يقبل العالم بذلك، إلا إذا كان ثَم مصلحة راجحة، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل في المدينة مع رؤساء الوفود، هذا له حال آخر، أما أن يُشترط على صاحب الدعوة أو العالم أن لا يجلس مع أولئك، مع هؤلاء، وأن يكون لهم مجلس مع الخاصة من ذوي الشرف، فهذا هو الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.
المسألة التي تليها أنهم يستدلون على بطلان ما جاء به النبي يعني على بطلان الحق، يستدلون على بطلانه سبق الضعفاء كقوله ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، هذه المسألة مسألة استدلال والمسألة الأولى مسألة طلب، ففي الأولى طلب ذلك وفي الثانية يستدلون على بطلان الحق.
الأولى يريدون سماع الحق ولكنهم طلبوا أن لا يكون معهم أولئك الضعفاء، أولئك الأعبد، أولئك الذين ليسوا من ذوي الجاه ومن ذوي الشرف ومن ذوي الرفعة؛ لأنهم يلحقهم نقص، ويلحقهم شيء من التعيير إذا جلسوا في مجلس فيه أولئك الأعبد والجميع على حد سواء.
قال رحمه الله تعالى في هذه المسألة -أعني المسألة الخامسة والعشرون- استدلال على بطلانه يعني على بطلان الحق بسبق الضعفاء، يستدلون على بطلانه بسبق الضعفاء كما قال جل وعلا في سورة الأحقاف ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، قوله هنا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني عن الذين آمنوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) اللام هنا بمعنى (عن) يعني وقال الذين كفروا عن الذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه، قال جل وعلا ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾[الأحقاف:11]، فهم استدلوا على بطلان ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بسبق الضعفاء.
وهذه المسألة غير المسألة التي مرت معنا أنهم يستدلون على بطلانه؛ لأنه إنما أخذه الذين ليس لهم عقول، وليس لهم حظ لما سبق من المسائل، حيث استدل على ذلك بقوله تعالى في سورة هود ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27]، وأولئك دخلوا من غير تدبر ومن غير فهم، هنا يستدلون على البطلان بسبق هؤلاء، فهؤلاء كونهم سبقوا وهم أراذلنا وهم من ليسوا بذوي فهم، كونهم سبقوا، هذا دليل على أنه ليس بحق، لأنه لو كان حقا لأخذه ذووا العقول وأخذه ذووا الشرف وأخذه ذووا الفهم من الملأ من الكبار.
هذه المسألة واضحة المعنى، وهي شبيهة بالمسألة التي سلفت من قبل لكن هذه في الاستدلال على البطلان بالسّبق وتلك ليست استدلالا بالسبق وإنما استدلال بحال الضعفاء.
قال (السادسة والعشرون تحرف كتاب الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)
هذه الخصلة التي هي تحريف كتاب الله من بعد ما عقلوه هي في اليهود في بني إسرائيل، وهذا التحريف للكتاب عي أنهم وجدوا صفة النبي  في التوراة، صفة واضحة جلية فلما رأوا النبي  عرفوا أنه هو المدعو، وأنه هو نبي الأميين، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾[البقرة:89]، وكان من صفة النبي  أنه ربعة أكحل العينين جعد الشعر، فسأل اليهودَ المشركون في مكة ما تجدون في صفة النبي ، النبي الأمي الذي يخرج؟ قالوا: نجد صفته في كتابنا أنه طويل أزرق العينين سائل الشعر. أو نحو ذلك، فوصفوه بغير الوصف الذي جاء في التوراة، فحرفوا وهذا معنى قوله أنهم حرفوا كتاب الله من بعد ما عقلوه( )، يعني من بعد ما عرفوه، من بعد ما فهموه، كما قال جل وعلا في الآية الأخرى في سورة البقرة ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ [فَرِيقًا]( ) مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[البقرة:146]، يعرفون النبي  ويعرفون أن ما أنزل إليه حق كما يعرفون أبناءهم لا يلتبس عليهم ذلك، ولكنهم كتموا الحق (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وهذا ظاهر في معنى تحريفهم لكتاب الله.
هذه الخصلة في اليهود تبعها أنواع من التحاريف وسبقها أنواع من التحريف، أما من يبق فإنهم حرّفوا كتاب الله جل وعلا؛ يعني الذي أنزل عليهم، حرفوا تارة بحذف بعض ما جاء فيه، فإن تحريف التوراة والإنجيل لأهل العلم فيها مذاهب:
منهم من يرى أن التحريف في المعنى دون اللفظ، وأنهم ما حرّفوا التوراة بمعنى أزالوا الألفاظ وتركوا بعضا ومحوا بعضا، وإنما حرفوها من جهة المعنى والتفسير، وإلى هذا المعنى [يرمي] شيخ الإسلام ابن تيمية في سلف له من أهل العلم، يقول إن التحريف إنما هو تحريف المعنى، أما التوراة فإنهم لم يغيروا ألفاظها كما يستدل على ذلك بقصة اليهود بين الذين زنيا، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام «كتاب الله الرجم» وراموا أن يغير حتى أتى عبد الله بن سلام فأخبر النبي  أنها في التوراة، فأتوا بالتوراة فوضعوا أصابعهم على هذا الموضع، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: مُرْهُ فليرفع يده فإن الآية تحته. فرفع يده فوجدها كما أخبر به عبد الله بن سلام.
هذا نوع من التحريف ليس تحريفا في اللفظ، ولكنه كتم للحق تحريف في المنى وهذا من فعل الأحبار، لهذا كان شيخ الإسلام يرى أن التحريف كان في المعنى.
وقال آخرون من أهل العلم إن التحريف كان في الألفاظ بزيادة ونقصان وزادوا أشياء وتركوا أشياء وحذفوا أشياء.
وقال آخرون -وهو القول الصحيح فيما يظهر- أن التحريف الذي حصل في التوراة يجمع الأمرين، منه ما هو تحريف للألفاظ ومنه ما تحريف للمعنى، زادوا في التوراة أشياء من أقوال أهل العلم فيه من أقوال أحبارهم، وزادوا فيها أشياء هي من قبيل التأصيل حتى جعلت من كلام الله، جعلوا فيها قصصا طوالا، جعلوا فيه أخبار هي ليست من أصل التوراة ولكن زادوها؛ زادها علماؤهم حتى جعلت من التوراة، ومنه ما هو تحريف بالمعنى الذي حصل من كتب المتقدمة نوع تحريف، تحريف بالمعنى، تحريف في المعنى بأن يفسر الكلام الذي جاء على غير ما يعلمون تفسيره كما قال ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[البقرة:136]، ومنه ما هو تحريف في اللفظ يُزيدون وينقصون، يحذفون، يضعون أشياء زائدة.
وهذا يجمع القولين السابقين وهو الظاهر وهو الصواب؛ لأن التحريف بمعنى الحذف واضح موجود، ففي التوراة أشياء وفي الإنجيل أشياء لا يمكن أن تُنسب على أنها منزلة من عند الله جل وعلا، فيها أشياء شركية فيها أشياء فيها الخنى والزنى والعياذ بالله، فيها أشياء لا يصح ولا يجوز أن تنسب لله جل وعلا، كذلك فيها أشياء من كلام علمائهم واضحة، حيث فيها مثلا في التوراة قال موسى وقال فلان، بل فيها نسبة أقوال لمن بعد موسى عليه السلام، وكذلك في الإنجيل، وهذا ظاهر لأنه زِيد فيها ونقص، كذلك تحريف المعنى لأنهم فسروها بغير تفسيرها.
هذا الذي حصل لأولئك من جهة تحريف المعنى وتحريف اللفظ لم يحصل لهذه الأمة في الجهتين وذلك لأن القرآن محفوظ قال جل وعلا ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، الذكر هو القرآن حفظه الله جل وعلا أن يزاد فيه أو ينقص، حفظه الله جل وعلا من التحريف والتبديل لأنه لا دين بعد دين الإسلام، ولا رسول بعد محمد عليه الصلاة والسلام، ولما كان القرآن محفوظا لم يتطرق إليه تحريف في لفظه، وإنما كان التحريف في تأويله، التحريف في معناه، وهذا هو الذي شابه فيه هذه الأمة اليهود، فإنهم يعلمون أنه من الحق كذا وكذا مما جاء في القرآن وجاءت به السنة، ولكنهم يحرفون ذلك ويصرفونه عن عانيه اللائقة به، وعما دل عليه إلى أقوال أخرى تنصر مذاهبهم، وهذا هو الكثير في هذه الأمة، وكل أهل الأهواء وأهل البدع وأهل الخرافة وأهل الشعوذة يجدون في القرآن ما يستدلون به محرِّفين لمعناه متبعين لما تشابه منه، هذا القدْر شابهوا به اليهود ومن شابههم من أهل الملل.
مثال ذلك ما يكثر عند مؤولة الصفات من نفي ظواهر الآيات التي اشتملت على صفات الله جل وعلا، ويحرفون المعنى إلى معنى آخر مخترع من عند أنفسهم.
مثاله عند أول آية في القرآن ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾( ) تجد أنّ القوم يفسرون (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بما يخرج اشتمالهما على الرحمة، ويقولون إن الرحمة هنا ليست في حق الله جل وعلا حقيقة، وإنما يراد بالرحمة هنا مجاز عن الإلهام, مجاز عن الإحسان, وهذا من أنواع التحريف؛ تحريف المعنى, كذلك يأتون إلى مثل قوله جل وعلا ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾( ) في آيات، ويقولون إن استوى بمعنى استولى فيزيدون فيه.
ولهذا قال بعض أهل العلم ما أشبه (لام) الجهمي بـ (نون) اليهودي، فإن اليهود قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة أو قالوا حبة في شعرة، والجهمي قيل له قولوا استوى فقال استولى.
ويشابههم من قال بقولهم من أهل العلم من حاول أن يضلل عن معنى الظاهر الذي جاء به نصوص الصفات في القرآن ويصرف ذلك إلى معان أخر، من مثل ما جاء في تفسير الاستواء عند ابن العربي المالكي في كتابه ”عارضة الأحوذي“ حيث قال: إن الاستواء يأتي عند العرب على خمسة عشرة معنى. فساقها، وقال: فنقول للمثبت أي هذه المعاني المراد؟ وهذا غلط, وهو من التحريف؛ تحريف المعنى – والعياذ بالله-؛ لأن استوى في لغة العرب لا تكون إلا بمعنى واحد وهو بمعنى علا وارتفع ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾[المؤمنون:28]، يعني علوتم عليه وارتفعتم عليه.
وهذا كثير أيضا في أبواب القدر وأبواب الإيمان ونحو ذلك. فالمعتزلة مثلا استدلوا بقول الله جل وعلا ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾[النساء:79]، على أن العبد هو الذي يفعل المعصية و أن الله جل وعلا لا يخلق فعله هذا ويعرضون عن قوله جل وعلا ﴿[قُلْ]( ) كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[النساء:78]، ونحو ذلك.
كذلك في أبواب الإيمان بالغيب حرفوا النصوص، ففي القرآن إثبات الميزان، وفي القرآن إثبات الصراط، وفي القرآن إثبات الصحف؛ أن هناك صحف تتطاير ومنهم من يأخذ صحيفته بيمينه ومنهم من يأخذ بشماله، القوم الذين لا يؤمنون بالغيبيات من العقلانيين من المعتزلة ومن شابههم لا يؤمنون بذلك ويحرفونه عن معناه.
كذلك المشركون الذين يؤيدون الشرك والخرافة، فإنهم يأتون إلى دلائل التوحيد التي في القرآن ويحرفونها عن معناها, ويأتون مثلا إلى الآيات التي فيها أنّ المشركين يدعون غير الله جل وعلا ويجعلونها دعوة الأصنام لا غير، ويخصون شرك المشركين لأنهم متبركون في العبادة الأصنام، ويخرجون من ذلك عبادة الأوثان أو عبادة الصالحين، ونحو ذلك مما جاء موضحا في القرآن.
وهذا طفحت به كتبهم واستدلوا من ذلك بدلائل من القرآن ونحو ذلك، يحرفون المعاني، ولهذا يقول أهل السنة: أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم، وأما أهل البدعة فإنما يكتبون ما لهم. يأتون بآية فيكتبونها, يحرفون معناها ويجعلونها لهم، فأما أهل السنة إذا كانت الآية لهم، الحديث لهم استدلوا به وإذا كانت عليهم يعني أنها تُشْكل على ما يستدلون له، فإنهم يكتبونها ويذهبون إلى طلب دفع ذلك الإشكال، إلى طلب رفع تلك الشبهة التي ضربت بتلك الآيات فإن الله جل وعلا جعل كتابه فيه اشتباه إلا على الراسخين من أهل العلم، حتى يتميز أولئك الصفوة الذين هم الراسخون في العلم، فيكتبون مالهم ويكتبون ما عليهم ما يستدل الخصم به عليهم إنصافا منهم، فلا يدخلون في الأدلة التي عليهم يدخلون فيها بتحريف وصرف لها عن معانيها لكي يوافق ما عندهم، بل يأخذون بما دلت عليه ويجيبون عن ذلك بأنهم إنما يرومون الحق، فكل من صرف الدلائل عن ظاهرها وحملها على شيء لا تعرفه العرب من لغاتها فإن ذلك يدخل في مشابهة اليهود الذين حرّفوا الكتاب من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
نقف عند هذا، المسألة السابعة والعشرون تحتاج إلى شيء من التفصيل تصنيف الكتب الباطلة.
وبهذا القدْر كفاية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الأسئلة]
1/ (العاشرة) الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهلهم وعدم حفظهم كقولهم بادي الرأي، وهذه المسألة الخامسة والعشرون سببها قد يشتبه، لماذا يستدلون على البطلان بسبق الضعفاء ؟
لأن الضعفاء عندهم قليل فهمهم، قليل حظهم، فتلك المسألة وهي العاشرة أن سبب عدم قناعتهم بأن الضعفاء آمنوا به لأن الضعفاء عندهم قليلي الفهم، قليلوا الحجة، وعديموا الحظ، المسألة الثامنة هي في أنّ الضعفاء اتبعوا، المسألة الثامنة هي في مجرد الاتباع، المسألة العاشرة في عقول الضعفاء، المسألة هذه الخامسة والعشرون بالسبق ثلاث صفات؛ تلك في الاتباع وهذه في فهمهم وعقولهم وهذه في سبقهم وكل واحدة فيها فكل واحدة فيها صفة من الصفات، وليتأمل الشيخ رحمه الله المصنف ما كتب هذه المسائل من قبيل التصور النظري، هو كتبها من الواجهة، أو كما يقال من الميدان؛ لأنه واجه هؤلاء جميعا، فكان يكتب المسألة بعد أن يرى مشابهة هذه الأمة بأهل الجاهلية فيهم، فيراها أمامه فيكتبها، ولهذا ترى أن هذه المسائل بعضها -يعني لو كان هناك مثلا نظر على طريقة المحدَثين بأن المسائل متشابهة تكون بعضها تلو بعض- لكانت هذه المسائل الثامنة والعاشرة والخامسة والعشرون متقاربة واحدة وراء الأخرى، لكن الشيخ رحمه الله تعالى في هذه الرسالة الظاهر من حَالَه من ترتيب الكتاب، أنه يكتبها من واقع المواجهة إذا وجد حالة كتبها من واقع المواجهة وهذت ظاهر إذا تأملته وجدته ظاهرا في حال ترك الشيخ.....
2/ إذا دخل جني في شخص ثم أسلم وتاب وشهد على أن الذي أدخله هو الساحر فلان، هل تقبل شهادته من القاضي؟
الجواب: لا، لأن الجن شهادتهم ضعيفة عند أهل العلم لا تقبل، هذا معروف في كتب المصطلح فيه يعقدون له فصلا بأن روايتهم ضعيفة؛ لأنه عند أهل العلم أسانيد فيها جن، وأشهرهم من يقال له شمهروش الجني، فهذا حدث بأحاديث فيها أنه سمعها من النبي ، فأخذها منه من أخذها من أهل العلم فيكون في بعضها بين العالم وبين النبي  الذي عاش في القرن الثاني بينه وبينه ثلاثة يكون مثلا اثنين والجني يقول سمعت من النبي ، وتعلم أن الجن أعمارهم غير أعمار بني آدم، فرواية الجن عند أهل العلم ضعيفة كذلك.
شهادتهم ضعيفة لا تقبل، لم؟
لأن الشهادة والرواية تحتاج إلى إثبات العدالة، وعدالة الجني لا يمكن أن يثبتها إنسي.
3/ أين ذكر شيخ الإسلام أنّ التحريف في الكتب وقع في المعنى دون اللفظ؟
هذا في كتابه المشهور ”الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح“ من أراد هذه الأقوال بشيء من التفصيل فهي موجودة في إغاثة اللهفان لابن القيم، فقد ذكر فصلا طويلا في التحريف وما وقع والأقوال في ذلك للبخاري أو شيخ الإسلام وقول عدد من أهل العلم. ( )
4/ فيه بعض طلبة العلم يترفع عن مخالطة العوام، ويقول لا أخالط إلا من فيه خير، هل هذا من التكبر والأنفة؟
يخالط العوام الذين فيهم خير، أما العوام الذين ليس فيهم خير لا يخالطهم، العامي قد يكون في عقيدته وفي استسلامه لله أحسن من بعض المنتسبين, وهذا ظاهر قد يكون عليه بعض مظاهر التقصير أو مظاهر المخالفات لكنه في حقيقة الأمر هي أقوى يقينا وإيمانا –يعني في مسائل إيمان القلوب- من غيره فخالطه العوام لأجل دعوتهم التأثير فيهم ونحو ذلك مطلوبة، لكن مثل ما قال «لا تصاحب إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي», يحرص المرء على أنه إنما يخالط من ينفعه أو يؤثر عليه.
5/ قال: إذا كان معنى كلمة استوى غير معداة بأي حرف معناها علا فكيف يفهم قوله تعالى ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾( ) الآية وقول الإمام للمصلين استووا وغير ذلك. نرجوا البيان حفظكم الله؟
الجواب: أن مادة استوى غير مادة سوّى, سوّى هذه مادة واستوى مادة أخرى, فسواه بمعنى أصلحه وعدله، يقول الإمام استووا يعني أصلحوا صفوفكم وعدلوها، بأن لا يكون أحد باديا صدره متقدم, متأخر, ونحو ذلك كذلك قال(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) جعلته مستوى لخلقه, بخلاف قوله تعالى في سورة القصص﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾[القصص:14]، هذا (اسْتَوَى) بمعنى كمل خلقه واشتد يعني علا خلقه وارتفع على جنس الخلق (بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) فإذا كان جنس خلقه يعني خلق موسى على حال فبلغ أرفع الحال وأعلا الحال.
أما ما ذكر في التسوية في قوله تعالى﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾[البقرة:29 ], (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) هذه مادة أخرى بمعنى الإصلاح والتهيئة.
هنا تعرف استوى أصل معناها علا وارتفع, فإذا كانت معداة تقول استوى فلان يعني علا وارتفع، بدون على كذا وإلى كذا، فإذا كان عديت استوى بحرف الجر إلى فيكون استوى ضمن معنى قصد كما في قوله جل وعلا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾[البقرة:29]، نعرف أن استوى بمعنى علا وارتفع لا تتعدى بحرف (إلى). فإذا تعدت بحرف (إلى) يكون فعل استوى ضُمِّن معنى قصد وعمد؛ لأنك تقول قصد إلى الشيء وعمد إلى الشيء.
والتضمن باب مهم في فهم اللغة وذلك أن التضمن فيه إثبات للمعنى الأول وزيادة المعنى المضمن فقوله تعالى هنا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾[البقرة:29]، (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يعني علا وارتفع وعمد وقصد إلى السماء فسواهن، فيكون معنى الاستواء بالتعدية بـ(إلى) فيه المعنى الأصلي وهو العلو والارتفاع، وفيه المعنى الذي أفادته تعدية الفعل بحرف (إلى) وهو معنى القصد والعمد.
وهذا إذ ذهبت إلى بعض المفسرين ممن يفسرون بتفسير السلف لقوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يقول عمد وقصد، لا يعني هنا أنه أول إنما هو فسره بما تضمنه؛ لأجل ظهور المعنى الأصلي، وهذا ما يفسره بعض أهل العلم بأنه تفسير –يسميه بعضهم –تفسير باللازم أو بالتضمن، وهذا باب شريف لفهم اللغة والقرآن.
إذا عديت بـ(على) صار مع معنى ارتفع وعلا معنى زائد وهو استقر؛ يعني تقول: استقر على الشيء. فيكون قوله تعالى ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾[المؤمنون:28]، يعني ارتفعت وعلوت واستقررت، فصار فيه هنا زيادة معنى أفاده تعدية الفعل بحرف (على)، وهذا هو الذي ذُكر في قوله تعالى ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾( ) قال بعضهم علا وارتفع، قال بعض السلف واستقر أيضا لأن هذا هو بادر اللغة.
6/ ما رأيكم وما تنصحون به فيما حدث من تغيير في مناهج التوحيد لمناهج التعليم الابتدائية، مثل نواقض الإسلام والشرك الأصغر وما يتعلق باليهود والنصارى وبعض الفرق الضالة الشيعة والصوفية وغيرها؟
هذا التغير في المناهج فيما يتعلق بالتوحيد هذا جاء فيما أفهم من نحو عشرين سنة تقريبا بدأ هذا التغيير، وسببه أن بعض المنتسبين إلى الدعوة والراغبين في دعوة الشاب أو التأثير على النشء أنهم قالوا أن هذه الكتب أي كتب التوحيد مثل العقيدة العامة، ومثل نواقض الإسلام، ومثل ثلاثة الأصول، وكتاب التوحيد ونحوها، أما هذه لا تصلح لهذا الجيل الجديد لأنه حدثت أشياء وتغيرت أمور، ونحاول أن ندخل عليها تجديدا في تغيير بعض المناهج فأول ما نزعوا الواسطية نحن درسنا في المتوسط والثانوي العقيدة الواسطية بشرحها، كذلك كتاب التوحيد بشرحه كان موجودا فغُير بكتاب التوحيد لمحمد قطب وبعض المؤلفات للمعاصرين، وهذه كانت فكرة من بعض الإسلاميين هذا في أصلها، هم الذين فتحوا هذا الباب في المسائل ممن تأثروا ببعض المدارس الدعوية في البلاد.
وهذا لا شك أنه سبب فجوة كبيرة وجعل مدخلا لتغيير مناهج العقيدة والتوحيد والدين، مثل ما مرّ من أربع سنوات تقريبا، بلّغنا أحد الإخوان بأنه قد عُمِّم على بعض المدارس المتوسطة أنه لا يُفصَّل في موضوع الربا وإنما يدرس تعريفه وأما تفصيل أنواعه وما يتعلق به فإن هذا لا يفصل للطلاب، لا شك أن هذه المسألة منكرة، لأنّ فهم هذا جزء من الدين موجود في المنهج فما الذي وراء مثل هذا، فمن باب الذكر والخبر، اتصلت ببعض المسؤولين في وزارة المعارف على هذا الأمر فكان جوابهم أن هذا اجتهاد خاص من لجنة تطوير المناهج، اجتهاد خاص منهم، قال لأنّ الطلاب في المتوسط بالتجربة في السنين التي مضت قبل ذلك القرار قال لا يفهمون هذا المعنى، ما يتصورون ربا الفضل وربا النسيئة وكل قرض جر نفعا، صعب تصورهم له بالتجربة في السنين الماضية وقدم بعض الاعتراضات من بعض الأساتذة الطلاب ما فهموا مثل هذا، فيقررون في المناهج أن هذا صعب عليهم، يقول فأصدرنا هذا التوجيه العام بعدم تدريس هذا فظنينا أو ل ما ظنيننا أن المسألة أرفع منكم، فإذا كان أهل العلم يرون أن هذا يُلغى يُلغى، وفعلا في ذلك الحين ألغي ذلك القرار.
المقصود من هذا بعض التغييرات الموجودة في المناهج لها تاريخ، ومنه ما سببه بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية كما يقال وهذا ظاهر -كما ترون الآن- بدأ تصحيح في بعض المناهج التعليمية، ومنه ما سببه لجنة تطوير المناهج في وزارة المناهج، ومنه ما سببه جهات أخرى، فبعض الذين يحملون هذه الأمور يجعلون السبب واحدا وهذا غير واقع.
وإنما بالتأمل وبالمعرفة القريبة اتّضح لي أنها أسباب ثلاث هي التي ذكرت:
منها ما هو سببه الأول وهو بعض الإسلاميين.
ومنه ما هو سببه لجنة تطوير المناهج تأتي باقتراحات وبإنشاءات تأتي بهذا وتحذف هذا.
ومنه ما له أسباب أخر.
توحيد السبب ليس من قبيل معرفة الواقع تماما.
7/ إذا كان لي سلطة في بعض معاملة العمال الأجانب أفلا أتسبب في تشهيرهم؟ ما فهمت لكن نذكر جملا في هذا.
وهو أنّ الكفار الموجودين في دار إسلام على قسمين:
منهم من يظهر العداوة للمسلمين، إما بكلمة وإما بفعل أو نحو ذلك، فهذا يجب أن يسعى في تشهيره وذلك أنه ناقض أصلا من أصول، ناقض أصلا وشرطا من شرائط السماح له بالدخول وأيضا لأنه وهو قبل كل شيء لأنه نابذ الإسلام وأظهر العداوة، فهذا يجب أن نظهر له العداوة وأن نسعى في إبعاده عن ديار المسلمين، حتى لا يوقع الشر وحتى لا يظهر في بلاد المسلمين غير رفعة كلمة الله جل وعلا.
الصنف الآخر هم الذين لا يقاتلون في الدين لا يظهرون العداوة وإنما هم همهم مصلحتهم، فهؤلاء يعاملون بالعدل، الأصل في هؤلاء أن يعاملوا بالعدل والقسط، كما قال جل وعلا ﴿يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [إِنَّ]( ) اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة:8]، فمن لم يعادينا في الدين ولم يُظهر لنا هذه العداوة ويتبين منه ذلك، فهؤلاء يعاملون بالعدل وهو الأصل فيهم كما قال ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾[النحل:90]، ومنهم من يعامل بالبر كما في هذه الآية (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) يحسن إليهم يساعدون، لهذا أجاز الفقهاء الصدقة للكافر، الصدقة المطلقة تجوز للكافر؛ يعني الذين لم يبارز في العداوة، والزكاة تجوز للمؤلَّف للكافر الذي يتألف في الإسلام ونحو ذلك، فمعاملتهم، معاملة هؤلاء الذين لم يظهروا العداوة لا يجوز أن يعتدى عليهم ولا أن يبغوا عليهم، ولا أن يظلموا، ولا أن يؤخذ شيئا من حقوقهم، ولا أن يسعى المسلم ضدهم في أمر لا يستحقونه وإنما يعاملهم بالعدل فبالعدل قامت الأرض والسموات، الله جل وعلا أمر بالعدل مع الأعداء قال ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[المائدة:8]، فلو كان كافرا إذ لم يكن يظهر لنا عيبا في الدين لم يظهر عداوة، لم يستهزئ، لم يظهر شيئا مما يكون به معاديا للحق وأهله، للإسلام، للنبي ، للقرآن ونحو ذلك فإنه يعامل بالعدل، وقد يعامل بالحسن والبر فإذا كان في ذلك مصلحة شرعية، كما أجاب النبي  دعوة اليهودي وأكل من طعامه وأكل من طعامه وكما كان يحسن إلى بعض جيرانه ونحو ذلك مما في ذلك فيه مصلحة للدعوة.
فبهذا يتحرر الأمر، فبعض الناس يغلو في هذا الأصل في الولاء والبراء، وبعضهم يجفو ويقصر عنه الذي يغلو يحمل كل الكفار على محمل واحد ممن هم في دار الإسلام، وهذا ليس من حكم الله جل وعلا في شيء، وبعضهم يجفو ويقصر حتى يقع في مودّتهم وفي دعوتهم وفي إقرانهم وفي الاستئناس لهم وفي تقريبهم ونحو ذلك، وكلا الطرفين ذميم، ذاك غالا وهذا جافي مقصر، والصواب هو ما دل عليه كتاب الله وسنة ونبيه عليه الصلاة والسلام.

أبو عبد الرحمن السلفي1 25-10-2007 06:33PM

8/ لا يجوز إدخال مشرك ولا كافر إلى جزيرة العرب يحرم على أي مؤمن أن يدخله أو يتسبب في إدخاله يعني ليكون مقيما بها، أما إذا كان مارا غير مقيم يعني ثلاثة أيام يمر لحاجة لغرض، هذا أذن به عمر به عمر رضي الله عنه أذن لتجار أهل الذمة في كل مكان ثلاثة أيام، يأتوا إلى المدينة فيقيموا بها ثلاثة أيام ويذهبوا إلى مكان آخر ثلاثة أيام، فلا يقيمون بالجزيرة أما الإقامة في الجزيرة واستدعاؤهم ليعملوا ونحو ذلك فهذا محرم لظهور الدلائل في ذلك.
..... [سؤال غير مسموع]
هذا من الجفاء ما فيه شك، هذا من الموالاة المحرمة قال جل وعلا ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ﴾[هود:113]، أدخل فيها بعض أهل العلم يعني من السلف أدخلوا فيها بري القلم له تقريب الدواة يعني الحبر له ونحو ذلك، لأنه ظالم متعدي منابذ، إذا نابذ الدين وأظهر العداوة فلا يجوز مساعدته، بل يجب إظهار العداوة له كما أظهر لنا العداوة، لكن الشيء إذا لم يكن كذلك إذا كان مسالم في حالة، فكيف تعامله تظلمه تتعدى عليه؟ مثل ما ذكرت لك أن من الناس من يجفو ويوادهم والعياذ بالله ويواليهم مثل ما ذكرت يقربهم ويسكنهم في أفضل المساكن، إذا أتى المسلم ما أكرمه وإذا أتى هذا أكرمه لأجل نظره إليه وليس لأجل مصلحة دنيوية، لكن أجل هذا مثلا أمريكي أو هذا بريطاني وهذا كذا ونحو ذلك، وهذا لاشك أنه ضال، مثل ما ذكرت هذه من أنواع الموالاة والموالاة هذه محرمة، الموالاة محرمة، فلا يجوز للمسلم أن يلقي المودة للكفار قال جل وعلا ﴿وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[الممتحنة:1].
.......... [سؤال غير مسموع ]
لا، العبيد تختلف أحكامهم.
....... [سؤال غير مسموع، والآية المقصودة هي الآية الأولى من سورة الممتحنة]
لا الصواب أنها غير منسوخة هذا الذي عليه فتوى أهل العلم ممن نعرف وأدركنا والآن المشايخ كالشيخ عبد العزيز بن باز سمعته مرارا يذكر هذا الذي أنا نقلته عنه وهو تلخيص لكلامه ن هذا هو المعروف عند العلماء أن الآية هذه ليست بمنسوخة لأننا في حالة غير الحالات تلك ن وتعرف أن هذه الآية نزولها متأخر، يعني نزول السورة في أي سنة؟ قبل الفتح؛ فتح مكة، يعني نزولها متأخر؛ لأن حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه أسر للمشركين بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصل منه ما حصل ونزلت تلك الايات العظيمة ، والله المستعان.
......... [سؤال غير مسموع]
هؤلاء الهندوس فيهم بلاء آخر وهو أنهم يظهرون شعار الكفر في ديار المسلمين التي هي لبس العمامة هذه شعار من شعار الكفر، لبسها على هذا النحو كلبس الصليب؛ لأنها شعار من شعار الكفر، وكما أن النصراني لا يجب يعني يأتي واحد راهب لجزيرة العرب أوغيرها يظهر لباس النصارى الخاص بهم مثل لباس الرهبان ونحو ذلك، ما فيه شك أن هذا من المحرمات، وكذلك هؤلاء إذا ذهبت الآن تجدهم والعياذ بالله وهذا من البلاء العام، نسأل الله جل وعلا أن يبسّر التخلص من هؤلاء جميعا.
............ [سؤال غير مسموع]
نحن ذكرنا أنهم يعاملون بالعدل، هذا أصل؛ معاملتهم بالعدل، إذا مرّ المؤمن في الطريق يعني على رجليه ليس في السيارة، هذا له وسط الطريق؛ لأن الدار دراه، والإسلام يعلو ويعلى عليه والكفار لهم جنبات في الطريق، «إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه» يعني لا تفسحوا لهم يعني يمشي المسلم في صدر الطريق ويترك لأولئك جنبات الطريق، مثل الآن واحد ذهب إلى المستشفى فيه مثلا طريق طويل في المستشفى، يأتي مسلم مثلا يمشي في جنب الجدار، هذا لا سيوغ، هذا الذي جاء فيه مثل هذا الحديث أنك تمشي في الوسط وإذا أتى مشرك أو كافر نصراني أو نحوه وتحققت أن هذا مشرك أو نصراني فإنك تضطره إلى أضيقه، بمعنى أنك لا تفسح له تمشي وتتركه هو الذي يذهب إلى أضيق الطريق «تضطره إلى أضيقه» يعني أنك تمشي في وسط الطريق وهو يختار الطريق الضيق، لا تفسح له تعامله كالمسلم، لا يجوز ذلك، وهذا ليس مما ينافي العدل، بل هذا من مقتضى العدل لأن الإسلام يعلو ولا يُعلا عليه؛ ولأن المسلم أحق بداره؛ ولأنه في دار الإسلام لا يكرم كافر على مسلم، فإذا جعلت له وسط الطريق وأخذت بنيات الطريق فهذا من نوع إكرام له وهذا ينافي العدل لكن إذا أنا أخذت وسط الطريق كما قال النبي  وجعلت أضيق الطريق لذلك المشرك ولذلك الكافر قد امتثلت وأخذت بالعدل.
وإذا قال المشرك السلام عليكم كافر يهودي نصراني وقال النبي  «فقولوا وعليك» هذا الحديث أهل العلم له فيه نظران:
النظر الأول: أن يأخذوا بأصل العدل، ويقول أنّ العدل أصل أمر الله جل وعلا به عامة وفي رد التحية خاصة، فقال جل وعلا ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾[النساء:86]، (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) في المسلم أو الكافر أو لأحدهما إذا كان المسلم فأنت بالخيار تحيي بأحسن منها أو تردها أما إذا كان كافر فيقول. أما إذا كان كافر فيقول طائفة من أهل العلم عليك أن تردها كما هي ولهذا يذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فقد فصل في هذه المسألة في كتاب ”أحكام أهل الذمة“ فقال: والكافر إذا قال السلام عليكم فيجب على المسلم أن يرد عليه بالعدل، فيقول وعليكم السلام، يقول إن الحديث الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام إذا قال لكم اليهود السلام عليكم فقولوا وعليكم، قال له سبب لأن اليهود يقولون السام عليكم، فما منع بقوله وعليكم السلام إلا أنّ المؤمن إذا قال وعليكم السلام لم يعامل بالعدل، وإنما عامل بالأحسن لأن ذلك يقول السام يعني الموت وأنت تقول عليكم السلام، فأنت أكرمته ما عاملته بالعدل، إذا قلت وعليكم عاملته بالعدل، وهذا هو ما أمر الله به، قال: فإذا تحققت من كافر أنه قال السلام -واضحة- عليكم، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى تبعا لشيخه شيخ الإسلام، يقول: تقول مجيبا بمثله وعليكم السلام، لأن هذا معاملة بالعدل.
والقول الآخر: لأكثر أهل العلم ويقولون أكثر أهل العلم ويقولون أن ظاهر الحديث وإن كانت العلة ظاهرة في السبب لكنه خرج مخرج الأمر العام؛ فيقولوا وعليكم. تكون العلة وردت لا يكون اقتصار الحكم على هذه العلة.
وهذا هو الصواب، بأنك إذا قابلك النصراني فتقول وعليكم سواء قال السلام أو قال السام.
ومشايخنا هنا حفظهم الله تعالى ونفعنا بعلومهم:
منهم من يفتي بظاهر الحديث، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله يقول تقولوا وعليكم.
ومنهم من يفتي بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهي فتوى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله.
إذن هذه المسألة لا تشكل على أصل المسألة. ومن رام إلى زيادة تفصيل فليرجع إلى كتاب ”أحكام أهل الذمة“ لابن القيم وقد أطنب فيها.
نختم بهذا أسأل الله أن ينفعني وإياكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد( )
[المتن]
(المسألة السابعة والعشرون) تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله كقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[البقرة:79]الآية.
(المسألة الثامنة والعشرون) أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم كقوله ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾[البقرة:91].
(المسألة التاسعة والعشرون) أنهم مع ذلك لا يعلمون بما تقوله طائفتهم، كما نبه الله تعالى عليه بقوله ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:91].
(الثلاثون) وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق، صار كل حزب بما لديهم فرحين.
[الشرح]
المسألة الثلاثون (فرحين) خبر صار الآية ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( ) ، هنا فرحين خبر صار، منصوب.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
سننبه أن هذا الدرس هو آخر هذه الدروس لأجل قرب الاختبارات وحاجة الأخوة الطلاب للمراجعة ونحو ذلك، فيستأنف إن شاء الله بعد الإعلان عن ذلك، فيكون بعد الاختبارات أو بعد العطلة الله أعلم لكن نعلن إن شاء الله الاستئناف.
هذه المسائل أولها أنّ من ما فعله أهل الجاهلية أنهم صنفوا الكتب الباطلة ونسبوها إلى الله جل وعلا، وذلك التصنيف للكتب الباطلة كان منهم على قسمين:
الأول: أنهم صنفوا في المكتب المنزلة على الله جل وعلا أشياء وزادوها فيها؛ يعني جعلوا الكتب التي أنزل الله جل وعلا, التوراة, والإنجيل جعلوها مزيدة فصنفوا فيها أشياء زادوها ونسبوها إلى ذلك الكتاب المنزل, هذه الأشياء قالوا هي من التوراة ومن الإنجيل، فيصير هذا النوع داخل تحت تحريف الكتب المنزلة من عند الله جل وعلا تحريفا لفظيا, يعني بالزيادة.
القسم الثاني: أنهم صنفوا كتب ليست من الكتب المنزلة ولم يضيفوها إلى الكتب المنزلة، ولكنهم جعلوها من الله جل وعلا لأنها كالشرح لها أو كالبيان أو أضافها المصنفون إلى ما أنزل الله جل وعلا وما أخبر به رسوله، وهذا حصل في اليهود والنصارى.
أما اليهود فكما أخبر الله جل وعلا في قوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[البقرة:79]، فاليهود من علمائهم وأحبارهم من أضاف في التوراة أشياء, فالتوراة الموجودة اليوم ليست كلها كلام الله جل وعلا، بل فيها مما هو من كلامه مما أوحاه إلى موسى، ومنها وهو الكثير ما هو من ما أضافه علمائهم وأحبارهم، فنسبوا ذلك إلى الله, هذا نوع وقع فيه اليهود.
وكذلك وقعوا في النوع الثاني أنهم صنفوا شرحا لنصوص التوراة أو لما جاء به موسى وجعلوا فيه أشياء حللوا فيها حراما وحرموا فيها حلالا وافتروا فيها على الله جل وعلا ونسبوا تلك الكتب إلى الله، وهذه موجودة اليوم عندهم بما يسمونه بالمشنة والزمارة وهي قسما التلمود، وهذا منسوب إلى الله جل وعلا عندهم؛ لأنه من صنيع علماءهم يقدسون ذلك تقديسهم للتوراة، وهذا لعله المراد بقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾[البقرة:79]، فهم افتروا على الله جل وعلا حيث أنهم زادوا في التوارة ما ليس منها وافتروا على الله جل وعلا حيث إنهم جعلوا اجتهاداتهم التي ليس لها أصل في شريعتهم ولا في دينهم ولا في عقيدتهم، جعلوها منسوبة إلى الله جل وعلا، وهذه الخصلة عند اليهود والنصارى، لم تكن عند العرب عند مشركي العرب ذلك؛ لأن مشركي العرب أميون ليسوا ممن اعتنوا بالكتابة والقراءة وإنما يسمعون الأخبار، فهذه من الخصال التي وقعوا فيها جاهلي اليهود والنصارى.
وهذه جاءت ودخلت في هذه الأمة بأوسع المداخل، فالكتب التي صنفت في هذه الأمة، وصنفها أناس من هذه الأمة كثير منها كان من القسم الثاني؛ يعني مما حرف فيه الشرع وحرفت فيه العقيدة ونسب ذلك إلى النبي  بأنه دينه وأنه عقيدته وأنه ما يجب أن يلتزمه المسلم.
أما القسم الأول وهو تحريف القرآن فهذا لاشك أنه لم يقع؛ لأن الله جل وعلا حفظ هذا القرآن من الزيادة والنقصان، حفظه من أن ينسب إليه شيء وتقرّ ذلك الأمة ويكون هذا بينهم، هذا حفظ القرآن عن أن ينقص منه أو أن يزاد فيه، معلوم أن عند الروافض وبعض الفرق الضالة نسخ من مصاحف لهم يجعلونها مضاهية للقرآن، إما بنسبتها للقرآن كما يسمي الروافض مصحف فاطمة بذلك، ويقولون إن المصحف الموجود اليوم هو ثلث المصحف، وتقول طائفة منهم ثلث ما أنزل على محمد ، وآخرون من هذه الأمة أيضا جعلوا لهم كتابا يضاهون به القرآن كما عند الدروز وعند النصيرية فلهم كتب يضاهون بها القرآن وقد وقفت على شيء من تلك الكتب فيها مضاهات للقرآن وتقسيمات وآيات على حد تعبيرهم مسجوعة ونحو ذلك. لكن هذا إنما هو عند بعض تلك الطوائف ليس شائعا وهو يصدق عليه أنهم شابهوا فيه اليهود لأنهم فعلوا مثل ما فعل أولئك، لكن هذا ليس البلاد في الأمة كبيرا به.
وإنما البلاء في الأمة كان كبيرا بالقسم الثاني وهو تصنيف الكتب الباطلة كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى ونسبة تلك الكتب على الله جل وعلا، فإذا تأملت وجدتَ أنه لما [ظهر] زمن الابتداع وعلا مناره وقويت شوكته فصنفوا كتبا كثيرة، كان السلف الصالح يأنفون من التصنيف ويبتعدون عن التصنيف قدر الإمكان رغبة في أن يبقى العلم في الصدور، حتى ابتدؤوا في التصنيف بما نقل عن السلف؛ بما نقل عن النبي ، بما نقل عن الصحابة، بما نقل عن التابعين، وكانوا يقتصرون على ذلك رغبة في إبقاء صلة الأمة بما كان عليه سلفها في كلامهم وفي هديهم وفي دلّهم وسمتهم ونحو ذلك، فكان علماء الأمة يصنفون التصانيف بالأسانيد التي تنقل الأخبار والآثار عن الصحابة أو عن التابعين أو عن تبع التابعين، وكان منهم طائفة يعني من سلف هذه الأمة من كان يكره التصنيف كالإمام أحمد ونحوه، بل إن منهم من دفن كتبه رغبة في بقاء الصلة لما كان عليه الصحابة أقوالهم وهديهم واجتهاداتهم ونحو ذلك.
احتاج الناس إلى التصانيف، احتاج الناس إلى الكتب، فبدأ أهل العلم بالتصنيف بحسب الحاجة لذلك، ومن أوائل من صنف كتبا مبتدءة الشافعي رحمه الله تعالى لما صنف كتاب الرسالة فيه حجج وفيه دلائل لأصول السلف وأصول أهل السنة يعني في الاستدلال، كذلك صنف الشافعي كتاب الأم لما ذهب إلى مصر, صنف كتاب الأم في الفقه، ويذكر في كل مسألة استنباطه منها، إما –يعني استنباطه فيها كيف استنبط ذلك- إما من قرآن أو من سنة أو من قول صاحب ونحو ذلك، هذه من جهة أهل السنة مقرر لأنهم يصنفون تلك الكتب تفسيرا وشرحا وبيانا لكتاب الله جل وعلا وسنة النبي  وما كان عليه سلف الأمة من أقوال، ما نقل عنهم، وما من أقوال وما نقل عنهم من أفعال وهدي ونحو ذلك، ولهذا يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله في كتابه تيسير العزيز الحميد: وإنما كتب أهل العلم يُحتاج إليها في بيان معاني الكتاب والسنة وفي الوصول إلى فهم الكتاب والسنة، وإذا كانت لا توصل إلى ذلك فهي مذمومة. فأهل العلم حينما صنفوا الكتب التي هي ليس فيها يعني أسانيد وآثار إنما يرومون بها فقه الكتاب والسنة وفهم نصوص الكتاب والسنة، وصنف الفقهاء كتبهم وأهل العقائد عقائدهم المختصرة وأخلوها من الأدلة لأن تلك مستنبطة من الكتاب والسنة بحسب في الفقه اجتهاد المصنف الذي صنف وفي العقيدة بحسب ما نقل لهم من عقيدة السلف الصالح.
هذا الذي فعله أهل السنة وتتابعوا فيه بتصنيف الكتب هذا محمود ومرغوب فيه لأنه به يُسرت سبل الاستفادة من العلم، وقرب العلم في كل عصر لأهله.
ما الذي فعل أهل الضلال؟ صنفوا الكتب الباطلة، صنفوا الكتب التي يذكرون فيها رأيهم، لا يذكرون فيها الأدلة الشرعية، ولا يذكرون ذلك الرأي مستندة على أدلة شرعية، فأول ما صنف أولئك سموا بأهل الرأي، ومنها كتب الآن موجودة مثال ”كتاب الوقف“ لهلال بن مسلم الرأي، مطبوع موجود، فإذا تأملته وجدت أنه أسئلة: أرأيت إن كان كذا فالجواب كذا، مسائل في الوقف كلها من باب طرح المسائل بقوله أرأيت ثم الجواب عليها، وهذا مما اشتد فيه السلف الصالح يعني الأئمة في إنكار تصنيف الكتب على هذا النحو؛ يعني كتب الرأي التي ذُمَّت ما كان على هذا النحو، مثل كتاب هذا الذي ذكرتُ لكم ونحوه من الكتب.
أما كتب الفقه الأخرى فهي إذا كان استنباطها له أصوله وله أدلته فإنها لا تدخل في ذلك الذي نهوا عنه.
أما كتب أهل البدع التي صنفوها فإنها كما ذكرت ثم رجعت للكلام على الفقه كما ذكرتُ أنها صنفت ونسبت إلى القرآن، نسبت إلى السنة، فمنهم من صنف تفاسير جعل فيها التجسيم، يجعل عقيدة التجسيم كتفسير مُقَاتِل، تفسيرا للقرآن ففسر القرآن ففي كل آيات الصفات جعلها دالة على التمثيل؛ لأنه يعتقد التجسيم وينسب هذا إلى أنه تفسير للقرآن، هذا من جنس ما شاركت به هذه الأمة شابهت به اليهود، كذلك أهل الاعتزال أهل البدع والضلالات المختلفة من الفرق، المرجئة، القدرية، الجبرية إلى آخره صنفوا كتبا، هذه الكتب كل ينسبها إلى الله جل وعلا؛ يعني إلى دين الإسلام، يقول هذا هو الذي أمر الله جل وعلا باعتقاده هذا هو الذي أمر الله جل وعلا بالإيمان به، فنسبوها إلى الله جل وعلا بالنسبة الثانية؛ أنهم صنفوا وقالوا إن هذا هو الدين والعقيدة والشرع، وهذا لاشك أنه باطل، لِم؟ لأنه لم يذكروا من الدلائل عليه من كلام الله جل وعلا كلام النبي  وكلام الصحابة ما به يُعلم أن فهم ذلك الذي صنف صحيح، فإنهم ذكروا أشياء مخالفة لما كان عليه سلف هذه الأمة، فيكونون إذن قد خالفوا الأوائل ولما خالفوا صنفوا تلك الكتب ونسبوها إلى الشرع نسبوها إلى الإسلام، فكانوا بذلك مصنفين للكتب الباطلة ومشابهين لليهود ناسبين ذلك إلى الله جل وعلا؛ يعني إلى دينه، كل من كان من أهل البدع ومن أهل الضلال كذلك.
حتى وصل الأمر إلى وقت الشيخ الإمام رحمه الله تعالى، فصنفت الكتب التي فيها إبطال للدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، صنفت الكتب في بيان أن الاستغاثة بالأموات والالتجاء إليهم أن هذا أمر مطلوب، ونُسب ذلك إلى سلف هذه الأمة، نسب ذلك إلى الأدلة، نسب ذلك إلى الإسلام وقالوا إن هذا هو الحق الذي عليه اعتقاد الفرقة الناجية كما يزعمون، صنفت الكتب الباطلة في البدع وجعلت تلك المصنفات منسوبة إلى ما كان علبه السلف، منسوبة إلى النبي ، فمثلا يصنف بعضهم في تحسين بعض البدع ويستدل عليها بقول النبي عليه الصلاة والسلام «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فيجعل تلك البدع التي أحدثها أو التي أمر بالالتزام بها منسوبة إلى النبي  لأنها داخلة في عموم كلامه، وهذا قد شابهوا فيه اليهود لأنهم استدلوا بالمتشابه أو كان هواهم قائما فجعلوا الدليل منزلا على هواهم. وأهل السنة السلف الصالح يجعلون الدليل أولا ثم يستنبطون منه، الدليل أولا ثم يستنبط منه، أما أن يقدّم الهوى ثم يبحث عن ما يساعده أو ما يدل عليه هذا طريقة أهل الأهواء الذين صنفوا تلك الكتب الباطلة.
في مسائل التوسل في بيان أن شك أهل الجاهلية إنما كان بعبادة الأصنام دون غيرها؛ يعني من الصالحين، من الموتى، من أهل القبور ونحو ذلك، صنفت مصنفات في ذلك في وقت الشيخ وعارضوا بها الدعوة، ونسبوها إلى النبي ، نسبوها إلى دين الإسلام، كما سيأتي في المسائل التي بعدها بيان لبعض فروع ما عملوا.
في هذا الزمن أيضا في هذا القرن كذلك يأتي جمع من أهل التفكير وأهل الفكر، وينقدح في أذهانهم أفكار وآراء وتوهمات، وينسبونها إلى الله جل وعلا، وينسبونها إلى الدين، ما الحجة فيما قلت؟ ما البرهان على ما ذكرت؟ لا حجة ولا برهان وينسبون ذلك إلى الإسلام، يقولون هذا هو الإسلام، لابد للعالم أو للمصنف أنه إذا ذكر رأيا أو فكرا أن يذكر دليله، أن يذكر ما اعتمد عليه خاصة إذا كانت أفكار جديدة ونحو ذلك، أما أن يكون رأيا مجردا وتنسبه إلى الإسلام، فهذا ولاشك أنه نوع من تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله جل وعلا.
مثل المصنفات في هذا العصر التي بعضها يتكلم مثلا عن الله، يقول الله جل جلاله، بعضهم يتكلم على الحلال والحرام يقول هذا حلال وهذا حرام، بعضها فيه تعالي أيضا هذا هو الإسلام ونحو ذلك، هذه كلها إذا لم تكن مدللة بالأدلة الشرعية من القرآن أو السنة الصحيحة فإنها تكون من جملة تصنيف الكتب الباطلة التي شابهت فيها هذه الأمة اليهود والنصارى.
إذن هذه المسألة التي ذكرها الشيخ رحمه الله فيها النهي عن الإقدام على تصنيف الكتب بدون مستند مما كان عليه أئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بدون مستند من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح؛ لأن التصنيف إنما هو للحاجة، وإذا كان كذلك فكل من صنف على ذلك النحو فقد صنف كتبا باطلة.
ولهذا كان أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى يحفظون دين الناس بأن لا يدخلوا الكتب التي فيها فساد عقدي أو فساد فقهي أو نحو ذلك، أما الآن فقد توسع الناس حتى صارت الكتب التي كانت من قبل لا ترى صارت الآن موجودة الناس يقتنونها، ممن مثل تفسير الفخر الرازي الذي قيل فيه: فيه كل شيء إلا التفسير. وقيل فيه: لم يدع لا شاذة وفاذة إلا أوردها. هذا التفسير كان ينهر عنه بهذه البلاد لأنه ينسب إلى الله جل وعلا؛ لأنه تفسير لله جل وعلا، وهو كله في عقائد المتكلمين، بل إن بعضه فيه تنجيم وعناية بأحوال النجوم ونحو ذلك لأنّ الرازي كان يعتني بذلك، كتب المبتدعة على اختلاف أنواعها كان يحمى الناس من ذلك من أن يقتنوها وأن تكون بين أيديهم مثل مثلا كتاب الفتوحات المكية، وإلى اليوم ممنوع ولكن أحيانا يوجد في بعض المكتبات، وذلك لحماية الناس من مثل هذه المبتدعة.
من أواخر ما صنع في ذلك ما صدر من سماحة الشيخ عبد العزيز حفظه الله من منع تداول كتب الصابوني في التفسير أيضا، لم؟ لأنها من جنس ما ذكره الشيخ رحمه الله في هذه المسألة لأن تصنيف التفسير ونسبة ذلك إلى كتاب الله جل وعلا هذا شعبة من شعب أهل الجاهلية، تصنيف التفسير هو نسبة تلك التفاسير الباطلة إلى كتاب الله جل وعلا هو شعبة من شعب أهل الجاهلية، فلا يكون في التفسير الذي يسوغ تناقله بين الناس ويسوغ قراءته إلا ما فيه حق إلا ما فيه بعد من طرق أهل البدع والضلال، أما ما كان فيه ذلك يجب أن يبعد الناس عنه ولا يمكنوا منه لأنه قد يحدث الضلال في أصل الاعتقاد من جرّاء ذلك؛ لأن المتكلم يفسر القرآن فيكون القارئ ظانا أن هذا التفسير هو موضحا لكلام الله جل وعلا، فيعتقد أنه مستدل به يعني في ذلك التفسير مستدل( ) بالقرآن فيه، مستدل بالنسبة فيه فيقع الخلط والبلاء وقع ذلك كثيرا.
المسألة التي تليها وهي (أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم كقوله ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾[البقرة:91].) هذه قالها اليهود.
(لا يقبلون) الصحيح (لا يقبلون) هي مكتوبة هنا (لا يعقلون) لكن الصحيح(لا يقبلون)، (أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم)، قال تعالى (قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) يعني اليهود قالوا ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾[البقرة:91]، اليهود قالوا لا نؤمن إلا بما أنزل علينا، كانت هذه حجتهم، وكان ذلك برهانا، (نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) أما ما وراءه فلا نؤمن به، فلما كان أمرهم كذلك، كان مما يحتج به عليهم أنه قد جاء في التوراة وصف النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي أنزل عليهم، لذلك سيأتي في المسألة التي تليها أنهم كانوا لا يعلمون ما تقوله طائفتهم؛ يعني أكثرهم لا يعلم ما في كتبهم، يقولون لا نؤمن إلا بما أنزل على طائفتنا ومع ذلك لا يعلمون ما عندهم, فالنبي  وصف وصفا تاما في التوراة وفي الإنجيل، فحرفوا ذلك الوصف وقالوا لا نؤمن إلا بما أنزل علينا, صفة النبي  موجودة، فآمنوا بما أنزل عليكم، فلم يؤمنوا بذلك.
كذلك النصارى بشروا, بشرهم عيسى عليه السلام بالنبي عليه الصلاة والسلام، بشرهم بنبي يأتي اسمه أحمد وهو منصوص على ذلك في انجيل بَرنابا الموجود المطبوع الآن وهي نسخة نفيسة من الإنجيل والنصارى لا يقرون بنسبة ذلك الإنجيل إليهم، ويقولون أناجيلهم أربعة أما إنجيل برنابا فينفون لنسبته إلي النصرانية ويقولون هذا فيه ما فيه إما مختلف وإما غير مقر, إلى آخره وكان قد وجده الشيخ محمد رشيد رضا في أحد المكاتب في إيطاليا نسخة بلغة أخرى لاتينية، فترجمه إلى العربية وطبعه فيه البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام، لم يؤمنوا بذلك مع أنهم يقولون (نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا).
هؤلاء شاركهم طوائف من هذه الأمة كثيرة، فتجد أنّ عوام أهل المذاهب الفقهية مثلا يقولون لا نؤمن إلا بما جاء في مذهبنا، وهذا كثر في هذه الأمة خاصة في العصور المتأخرة, فتجد أن السائل إذا سأل مفتيا يقول أفتني على مذهب الشافعي, أفتني على مذهب الإمام أحمد, أفتني على مذهب الإمام أبي حنيفة، لم؟ قال: لأني على هذا المذهب. وهذا تجدونه كثيرا في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يأتيه من يسأله، فيقول أفتنا على مذهب الشافعي, أفتنا على مذهب كذا.
ولأجل أن هذا كثر في الناس كان في وقت الشيخ رحمه الله بعض المفتين يحفظون كتبا في المذاهب الأربعة فيأتيهم السائل فيقول: أفتنا على المذهب الشافعي. فيفتيهم، يأتي آخر فيقول أفتني على مذهب أبي حنيفة فيفتيه, وهكذا، فكان بعض المفتين في وقت الشيخ وقبله يفتون على المذاهب الأربعة ويعدون أن هذا مفخرة, لم؟ لأن كل طائفة لا تؤمن إلا بنا عندها أما عند الآخرين يقولون لا نؤمن به, وهذا لاشك أنه باطل؛ لأن الواجب على المفتي أن يكون في فتواه مفتيا بما يعتقد أنه الحق, بما يعتقد أنه ينجيه بين يدي الله جل وعلا، مثل ما ذكر منصور البهوتي؛ الشيخ منصور رحمه الله تعالى المصنف للروض المربع وشرح المنتهى ولكشاف القناع ولكتب كثيرة فإنه اُستفتى في مسألة فأفتى فيها بفتوى فقيل له إن هذه الفتوى مخالفة لما ذكرته في كتابك كشاف القناع، فقال: ذاك ذكرنا فيه المذهب، وأما ما أفتيت به فهذا ما أعتقده. وهذا هو الواجب، التصنيف تبين المسائل بأدلتها على مذهب معين للتعليم لتصوير المسائل، هذا هو الطريقة العلمية الصحيحة، أما المفتي فإنه يفتي بما يعلم أنه الحق، لا يؤمن بما أنزل إليه فقط ويترك -يعني بما عنده، بما عليه طائفته- ويترك البقية بل ينظر ويجتهد في الحق.
أهل البدع كذلك تجد أن الخارجي مثلا؛ الاباضي مثلا إذا سألته، يقول لك أنا لا أومن إلا بما عليه مشايخنا، طيب أولو كانوا على باطل؟ أهل البدع والخرافات لا بد أن أسأل علماءنا، طيب إذا سألت علماءك شوف الدليل معهم هل معهم حجة أقوى من حجة الآخر أم لا؟ لابد أن تتحرى الحق.
فأصبحت هذه الظاهرة موجودة في المسلمين في أوسع الأبواب، أن كل أهل مذهب إما مذهب فقهي أو عقدي يقولون نؤمن بما عند طائفتنا ولا يتحرون الحق لا يبحثون عنه، فكانوا من جنس أولئك الذين لم يتحروا الحق الذي جاء به النبي  وإنما قنعوا بما عندهم.
في وقت إمام الدعوة رحمه الله لما قام بالدعوة -يعني سبب ذكر هذه المسألة- واجهه هؤلاء، واجهه هؤلاء، واجهه فقهاء الشافعية مثلا رحمهم الله تعالى بأن قالوا إن متأخري الشافعية قالوا كذا وكذا -مثلا من جواز بعض المسائل التي كان ينهى عنها والتسمح في بعض البدع التي كان ينهى عنها ونحو ذلك- بعض المسائل يقول هو إنها حرام يقولون نص علماؤنا على الكراهة ونحو ذلك، فعارضه كل ذي مذهب بما عليه مذهب أصحابه فكان رحمه الله تعالى يناقش كلاًّ بأمرين:
الأول: أنه يذكر ما عليه طائفته -كما سيأتي- أن من كلام الشافعية مثلا من كلام الحنفية، من كلام المالكية، ما هو فيه بيان الحق للمسألة، لكنهم لا يعلمون بما كانت عليه طائفتهم، لا يعلمون بما يقوله أهل مذهبهم.
الثاني: أن يبين المقصود من كلام العلماء إنما هو إفهام الأدلة، فإذا عارض كلام أهل العلم الأدلة فإنه لا يسوغ أن نأخذ بكلامهم ونترك الأدلة الواضحة.
ولهذا ذكر الشيخ في المسألة التي بعدها قال (التاسعة والعشرون أنهم مع ذلك –يعني أنهم لا يقبلون من الحق إلا ما كان عليه طائفتهم- لا يعلمون بما تقوله الطائفة)، هذا الذي حصل فرد عليه طوائف ممن العلماء وهم لا يعلمون ما عليه أقوال أهل مذهبهم، ولهذا اعتنى علماء الدعوة رحمهم الله تعالى في كتبهم بنقل مذاهب العلماء في مسائل التوحيد، بنقل كلام أهل العلم في مسائل التوحيد لأن المتأخرين مثلا من الفقهاء الأئمة الشافعية أو الحنفية أو المالكية أو نحوهم كانوا يقبلون كلام علماء عصرهم، علماء المتأخرين منهم، لكن العلماء الأولون من أهل المذهب، لما لا يقبلون كلامهم؟ فكان أئمة الدعوة رحمهم الله والمشايخ ينقلون لهم كلام المتقدمين مثل كلام ابن حجر الهيثمي، ومثل كلام ابن حجر العسقلاني، ومثل كلام النووي، مثل كلام الذهبي، وهؤلاء كلهم شافعية، مثلا ينقلون كلام الإمام مالك في المدونة، وكلام أصحابه مثل الطرطوشي ونحوهم، والقرطبي وأمثالهم في بعض مسائل التوحيد ليبين أن مذهب المالكية هو كذا، ولهذا تجد أن كتب علماء هذه الدعوة مشحونة بالنقل عن كتب أولئك، لم؟ لبيان أن أولئك قالوا بمثل ما قاله الشيخ رحمه الله لكن هؤلاء لم يطالعوا أو خفي عليهم، وإنما عقلوا وقبلوا ما عليه متأخروهم، وهذا من المسائل المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها؛ لأنه قد يأتي بعضهم وينقل نقولا عن بعض أئمة أهل المذهب، مثلا يأتي بعضهم يضاد مسائل العقيدة الصحيحة والتوحيد والنهي عن البدع بكلام بعض الشافعية، بكلام بعض المالكية، بكلام بعض الحنفية، بكلام بعض الحنابلة، طالب العلم أول ما يسمع بهذا الاحتجاج يذهب ويبحث في كتب القوم في كتب الحنابلة في كتب الشافعية في كتب المالكية إلى آخره، المتقدمة، حتى يثبت لهذا الذي احتج بكلام أهل طائفته أن من أهل طائفته من لم يقل بهذا القول وإذا كان أهل الطائفة المخصوصة هذه قد وقعوا في الاختلاف فإذن الحجة فيمن؟ الحجة في كلام السلف، هذا برهان ضروري يُحتج به أينما ذهبت كن منه على ذكر وبينة.
إذا نقل لك ناقل مثل ما صنف مثلا محمد علوي المالكي في كتابه الأخير الذي سماه ”شفاء الفؤاذ بزيارة خير العباد“ نقل نقول عن بعض أهل العلم في تجويز بعض الأشياء التي هي من قبيل البدع، إذا بحث الباحث وجد أنه كتم نقولا كثيرة في النهي عن هذه الأمور فهو نقل عن بعض أهل العلم في تحسين هذه البدع، وكتم نقولا كثيرة، فيها بيان الصواب والحق في هذه المسألة، الشافعية نقل عنهم عندهم قول ثاني بينه محققوهم بينه كبار علمائهم، الحنابلة كذلك، المالكية كذلك، الحنفية كذلك.
فإذن إذا أورد عليك مورد وقال أنا لا أقبل إلا بكلام أهل مذهبي، فقل أولا قبولٌ، أولا قبول بهذا الكلام وستجد من كلام أئمة أهل مذهبه المعين ما يرد به عليهم؛ لأن الحق واضح، وكل مذهب وكل أتباع إمام عندهم من أهل العلم كثير ممن يقولون في المسائل بما تدل عليه الدلائل من الكتاب والسنة وكلام الأئمة أئمة السلف هذا أولا.
الثاني تناقشه هل الواجب أن لا تقبل إلا ما قالته طائفتك، أم الواجب أن تبحث فيما دل عليه الكتاب والسنة، الجواب: الواجب أن نبحث فيما تُعُبِّدْنَا به وهو الكتاب والسنة، ونفهم الكتاب والسنة بإفهام العلماء لنا؛ لأن العلماء إنما هم واسطة لفهم الكتاب والسنة؛ لأنهم تخصصوا وبذلوا أعمارهم ليلهم ونهارهم وجهدهم في فهم الأدلة من الكتاب والسنة، فوظيفة أهل العلم ليست استقلالية، إنما هي تبعية بإفهام الأدلة من الكتاب والسنة، وهذا الذي فعله الشيخ رحمه الله تعالى مع مخالفيه وأثمر ثمرات يانعة.
إذن هذه المسألة التاسعة والعشرون هي أنهم مع ذلك لا يعلمون بما تقوله الطائفة كما نبه الله عليه بقوله ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:91]. متصلة بما قبلها لأن اليهود كانوا يحتجون بشيء وهو لا يعلمون بما عندهم.
كذلك من ورثهم في هذه الأمة وشابههم يحتجون بما عليه الطائفة وهم يجهلون أن من أهل مذهبهم من بخلاف تلك الأقوال.
المسألة الأخيرة التي نختم بها الكلام هي المسألة العجيبة (الثلاثون) قال الشيخ رحمه الله (وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق صار كل حزب بما لديهم فرحين.)
الجماعة جماعة أي رسولٍ كانت واحدة، ثم يبدأ التفرق بعد ذلك، أمر الله جل وعلا كل أتباع رسول بأن يجتمعوا على رسولهم، أما في اليهود فظاهر والنصارى فظاهر كما قال جل وعلا ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ﴾[البينة:4]، قال جل وعلا في الآية الأخرى ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14]، وقال جل وعلا ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾[البقرة:176] وقال جل وعلا ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[البقرة:213]، وقال جل وعلا ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران:105]، وغير ذلك من الآيات والله جل وعلا أمر العباد بالاجتماع، والاجتماع يكون على أساس العلم فكل من أخذ بالعلم الذي ورِثه من الرسول الذي أرسل إليه فإنه يهديه ذلك العلم إلى الاجتماع وترك الاختلاف والتفرق.
هذه المسألة مهمة للغاية لأن الجماعة والاجتماع دائما ترحم به الأمة، كما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنّ نتيجة الجماعة والاجتماع هو رضا الله جل وعلا ونصره وتأييده ومغفرته وتوفيقه للمجتمعين، ونتيجة الفرقة والاختلاف غضب الله ومقته وضرب قلوب بعضهم ببعض ولعنته وسخطه، هذا نتيجة الجماعة ونتيجة الفرقة.
كل رسول كانت جماعته الأولى مجتمعة ثم بدأ التفرق وهذا ظاهر في الأمم من قبل، قال جل وعلا في بيان حال الأمم السابقة ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( )، لم؟ لأنهم تركوا الاجتماع الذي أمروا به وأخذوا بالتفرق والاختلاف، ما سبب ذلك التفرق و الاختلاف الذي حدث بعد الجماعة الأولى؟ هو ما أخبر الله جل وعلا به قال ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[المائدة:14]، وقال جل وعلا في الآية الأخرى ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14].
قال شيخ الإسلام رحمه الله وغيره إن سبب الفرقة اثنان:
الأول: هو ترك العلم وترك حظ ما أمر العباد به.
الثاني: هو البغي.
إذا ترك طائفة العلم الذي أمرت به ونسيت، يعني تركت حظا مما ذكرت به حصل التفرق والبعد عن الجماعة الأولى.
الثاني أن يكون هناك بغي وعدوان من طائفة من هذه الطائفة المفترقة المخالفة عن الجماعة الأولى المجتمعة على الحق والهدى.
بعد ذلك إذا حصل هذان الأمران وهذان السببان وهو ترك العلم ونسيان حظ ما ذُكِّر به العباد والثاني هو البغي بين العباد يحصل التفرق والاختلاف، وإذا حصل التفرق والاختلاف كان كما أخبر الله جل وعلا بقوله (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) نتيجة التفرق والاختلاف العداوة والبغضاء، وهذا كما قال الشيخ رحمه الله: وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق، صار كل حزب بما لديهم فرحين.
فإذن فرح كل حزب بما لديه نعمة أو عذاب هو عذاب لأنهم لم يجعلهم الله جل وعلا فرحين بما هم عليه إلا لما خالفوا وصية الله جل وعلا بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق.
فهذه عقوبة، إذا وجدت الفرق والطوائف كل فرقة فرحة بما عندها ممن خالفوا وتركوا الجماعة الأولى تعلم أن هذا من العذاب الذي عذبوا به لأنهم تركوا وصية الله بالاجتماع وأخذوا بالتفرق والاختلاف.
هذا حاصل في هذه الأمة من أول ما ظهرت الخوارج وهم لما خالفوا وصية الله بالاجتماع، وأخذوا بالتفرق والاختلاف ونسول حظا مما ذكروا به وتركوا العلم الذي أنزل عليهم، صاروا فرحين بما عندهم حتى إن الخارجي يكون أشجع الناس؛ يعني أشجع الناس في وقته وأقواهم مدافعة عما هو عليه من الباطل، لم؟ لأنه فرح به أشد الفرح، خالفوا الصحابة وقاتلوا الصحابة، وذلك لأنهم فرحون بما هم عليه وأصل ضلالهم كما هو معلوم مسألة تحكيم القرآن يعني الأخذ بظاهر قوله تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة44] فكفروا الصحابة وتركوا العلم الذي كان عند الصحابة واعتزوا بآرائهم فصاروا فرحين بما عندهم.
كذلك المرجئة أول ما ظهرت كان لها رأي ثم بعد ذلك صارت فرحة بما عندها لأنها تركت ما أمر الله به من الاجتماع، وأخذت بالقول الذي ليس عليه الجماعة الأولى.
ولهذا من أراد النجاة فإنما السبيل بالأخذ بوصية الله بالاجتماع، وهذه ذكرها الشيخ رحمه الله في أول الكلام في المسألة الثانية والثالثة، وهنا يريد أن عقوبة الافتراق أن يكون المرء فرحا بما هو عليه من الباطل، هذا من عقوبة الافتراق، فأول ما يخالف يكون عنده تردد ويكون عنده نوع من عدم الثبات ما هو عليه، حتى يستمرئ المخالفة ويستمرئ التفرق، فيعاقبه الله جل وعلا بفرحه بما عليه حتى يكون من أهل التفرق والاختلاف والعياذ بالله.
على العموم هذه المسألة كما ذكر الشيخ رحمه الله أنها من عجائب آيات الله؛ لأنها عقوبة لا يشعر بها إلا المتيقنون.
اسأل الله جل وعلا أن يبصرني بالحق والهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري.


Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd