مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=24)
-   -   بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 4 (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=2929)

أبو عبد الرحمن السلفي1 21-09-2007 05:11PM

بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 4
 
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 4

السبب السادس: كثرة المعاصي والمخالفات الشرعية، خاصة الشرك والبدع.

ومن أسباب ذهاب الأمن كثرة المعاصي والمخالفات الشرعية خاصة الشرك والبدع، والطاعة والمعروف والبعد عن المنكر وتحقيق التوحيد من أسباب جلب الأمن وتحققه.

وذلك لأن النعم كلها بيد الله سبحانه يهبها لمن يشاء، ويرزقها من يستحق، فإن رض الله --تعالى-- عن قوم وهبهم نعمة الأمن، فإن كفروا بالنعمة، وخالفوا شرعه، ونشروا الفساد، سخط الله عليهم وبدلهم من بعد أمنهم خوفاً.

ما أعظم نعمة الأمن وما أحسنها، ويا للحسرة عند ذهابها، كم أنزل الله الأمن على عباده الصالحين الموحدين في مواقف تنخلع القلوب من مكانها؛ كما ثبت الله الصحابة في غزوة بدر وأحد، وأنزل عليهم السكينة، وطرح في قلوبهم الأمن، فانتصروا لقد كانوا عباداً، زهاداً، موحدين، وصالحين متقين، فاستحقوا الأمن والتمكين.

ولما ظهر الفساد والمنكر والشرك في الأمة، سلط الله عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم، فذهب الأمن، بل من أعجب ما تقرأ من تاريخ المسلمين أن هجوم التتار تزامن مع ظهور الحشيشة المحرمة المسكرة في بلاد الإسلام، وغيرها من المعاصي؛ فاجتاح التتار بلاد الإسلام ودخلوا بغداد وقتلوا الألوف المألفة، حتى كان الناس يهربون إلى سطوح المنازل فيلحقهم جنود التتار ويقتلونهم هناك فتسيل الدماء من ميزاب السطح كما يسيل ما المطر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يحكي حال الأمة الإسلامية وما آلت إليه:

«فلما ظهر النفاق، والبدع، والفجور المخالف لدين الرسول، سلطت عليهم الأعداء؛ فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة، وأخذوا الثغور الشامية شيئاً بعد شيء إلى أن أخذوا بيت المقدس في أواخر المائة الرابعة...».

وقال أيضاً: «فلما ظهر في الشام، ومصر، والجزيرة، الإلحاد، والبدع؛ سلط عليهم الكفار، ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام، وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار تحقيقاً لقوله –-تعالى--: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم* وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} [الصف: 10-13] وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام، كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك، والهند، والصين، وغيرهم، فلما ظهر منهم ما ظهر؛ من البدع، والإلحاد والفجور، سلط عليهم الكفار» أهـ (32).

قلت: فانظر كيف يذهب الأمن، وكيف يعود، إنها سنن كونية خلقها الله وأرادها كوناً، فلا محيص عنها، ولا مفر.

ولقد ضرب لنا القرآن العظيم مثلاً واضحاً في هذا الصدد فقال سبحانه:

{وضرب الله مثلاً قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النحل: 112].

فتأمل قوله -تعالى-: {كانت آمنة مطمئنة} هكذا كانت لما كان أهلها طائعين، مستقيمين على الشرع والتوحيد، ثم غيروا أحوالهم من المعروف إلى المنكر فوصفهم بقوله: {فكفرت بأنعم الله} فكانت النتيجة في قوله: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}.

وقال بعض أهل العلم هذه القرية هي مكة حيث كان أهلها في أمن وأمان، وكانت بلدة لا شجر فيها ولا زرع مع ذلك يأتيها الرزق من كل مكان، فلما جاءهم رسول منهم يعرفونه كذبوه وحاربوه وأشركوا بالله، فكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما أنعم عليهم فتبدل أمنهم خوفاً وشبعهم جوعاً(33).

والآية عامة لكل مخالف شرع الله، ويكفر بنعمه بالمنكرات والمعاصي سواء كانت من الشرك أو البدع- وهي الأخطر والأشنع- أو الكبائر الأخرى كالزنا والربا والتبرج وغير ذلك؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وقال -تعالى- واصفاً حال أهل مملكة سبأ، وكيف كانوا في نعمة لما كانوا على الطاعة والتوحيد، ثم تبدلت أحوالهم، فذهب الله بالنعم عنهم.

قال -تعالى-: {لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} [سبأ:15-17].

قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير هذه الآيات: «كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة بينهم، وبلقيس- صاحبة سليمان- منهم وكانوا في نعمة وغبطة وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده، وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل، والتفرق في البلاد أيدي سبأ، شذر مذر» أهـ(34).

قلت: فهذه عبرة لمن يعتبر، فهذا حال من لا يشكر نعمة الله بالطاعة والتوحيد إن الشرك والبدع من أعظم أنواع المعاصي والكفر بنعمة الله، كما أن غير ذلك من الكبائر من المحرمات إذا ارتكبت كانت نوع معصية لله، وإنكار لنعمه، وعدم شكر لها، وكل ذلك يبدل الأمن خوفاً، والنعمة نقمة، وتتغير الحال وتسود فالحذر من ارتكاب المحرمات والمعاصي فإنها من أعظم أسباب تدهور البلاد، وذهاب الأمن وإذا غضب الله على قوم وأمر بعقوبتهم فمن ذا الذي يمنعه منهم إذن التوحيد أولاً وقبل كل شيء، لإاي مجتمع تحقق فيه التوحيد والطاعة والمعروف فليبشر بالأمن والأمان والراحة.

فإن قيل لم؟ فالجواب: أن التوحيد حق الله على العبيد، وما خلقهم إلا لعبادته، وما أرسل رسله لهم إلا لتوحيده وتعظيمه، فإذا هم اعطوا الله حقه رضي عنهم ومن عليهم بكثير من النعم منها نعمة الأمن.

عن معاذ بن جبل- رض الله عنه- قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال: «يا معاذ»، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة فقال: «يا معاذ»، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة فقال: «يا معاذ بن جبل»، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك.

قال: «هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: «حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً» ثم سار ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك رسول الله وسعديك قال: «هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «حق العباد على الله أن لا يعذبهم» (35).

قلت: تأمل كيف كرر النبي صلى الله عليه وسلم النداء لمعاذ؛ ما ذلك إلا ليشد انتباهه؛ وليستمع لوصيته جيداً؛ ولينبهه -صلى الله عليه وسلم- بهذا التكرار أنه سيعلمه أمراً مهماً جداً وهو كذلك.

فإذا ضيع الناس حق الله، وهو توحيده، فوقعوا في الشرك والكفر والمعصية والبدعة سلط الله عليهم الخوف، والذل، والصغار، والضياع.

ولقد ضرب الله -سبحانه- في كتابه العظيم أعظم الأمثلة على ذلك، منها ما ذكرته سابقاً، ومنها ما سأذكره لاحقاً.

قال -تعالى- عن حال اليهود وما صاروا إليه قال: {... ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم هم الفاسقون لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بجبل من الله وحبل من الناس وبآء وبغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} [آل عمران: 110-112]

فتأمل هذه الأيات العظيمة التي لو نزلت على جبل لخشع وخضع، والشاهد منها من عند قوله {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا..} ثم أضاف قائلاً: {وضربت عليهم المسكنة} ثم ذكر سبحانه سبب ذلهم وصغارهم فقال معللاً: «ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق» ثم ذكر سبحانه سبب مخالفاتهم فقال: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.

فالكفر بآيات الله، والجحود، وقتل الأنبياء، وارتكاب المعاصي كل ذلك كان سبباً في ذلهم، وخوفهم وعذابهم.

وقال -تعالى-: {لعن الذين كفروا من بني إسرآئيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 78-79].

دقق فيما أخبر الله به عن القوم، فإنه لعنهم ثم ذكر سبب لعنهم وهو: المعصية، والاتفاق على المنكر، ثم ذمهم -تعالى- بأداة ذم قوية فقال: {لبئس ما كانوا يفعلون}.

قال العلامة إسماعيل بن كثير الدمشقي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «يخبر -تعالى- أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل، فيما أنزل على داود نبيه -عليه السلام-، وعلى لسان عيسى ابن مريم؛بسبب عصيانهم الله،واعتدائهم على خلقه...،ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم، فقال«كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون»؛أي: كان لاينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم،ثم ذمهم على ذالك؛ليحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوا،فقال:{لبئس ماكانوا يفعلون}انتهى كلامه(36).

قلت: والملعون مطرود من رحمة الله؛فأي راحة وأمن واستقرار لمن حاله كذالك؟!

فليس له إلا الخوف،والذل،والرعب،والضياع،أما الموحد المؤمن فهو في أمان الله،ورحمته،وحفظه؛لذا تراه قويا،مطمئنا،راسخا.وتأمل معي هذه الآية:

قال -تعالى- حاكيا قصة إبراهيم-عليهالسلام-مع قومه المشركين:

{وكيف أخاف ماأشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام:81-82].

إذن الخوف للمشرك بالله،والأمن والطمأنينة للموحد المخلص لله بالعبادة،فالذين آمنوا ولم يخالط إيمانهم الشرك والمعصية لهم شيئان مهمان:

الأول:الأمن الكامل في الدنيا والآخرة.والثاني:الهداية.

فالمجتمع الموحد والخالي من الشركيات والبدع والمنكر؛له الأمن الخالص،والهداية والتوفيق.

قال ابن كثير -رحمه الله- عند قوله -تعالى-: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} قال: «أي:هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لاشريك له،ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة،المهتدون في الدنيا والآخرة»انتهى كلامه(37).

قلت: والمراد بقوله -تعالى-: {بظلم}؛ أي:بشرك،هكذا فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما روى ذالك عبدالله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية:{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}[الأنعام 82] شق ذالك على أصحاب النبي صلى الله-عليه وسلم-.

وقالوا: أينا لم يظلم نفسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :«ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: «يابني لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم»(38).

قلت: أذكر الدعاة إلى الله اليوم بآية في كتاب الله عظيمة،واضحة المعاني؛وهي قوله -تعالى-: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولبمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوغهم أمنا يعبدونني ولايشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذالك فأولئك هم الفاسقون} [النور:55].

قلت:ذكر الله سبحانه و-تعالى- في هذه الآية الجليلة شروطا ومطالب إذا حققها العباد حينها جنوا الثمار الطيبة.

فالله سبحانه وعد عبادة بالأمن والتمكين، والاستخلاف في الأرض، لكن بشرط أن يعملوا الصالحات، ويكونوا على إيمان وصلاح، ولا يشركوا به شيئاً؛ أي: بأن يحققوا التوحيد في مجتمعهم وفي الأمة.

نعم هذه سنة الله في خلقه، ولا مبدل لها، فعلى دعاة الخير، والعلماء والمشايخ أن يعوا ذلك جيداً، ويفهموه جلياً، فلا طريق آخر سواه للأمن والراحة والنصر، وأن يقودوا الناس للتوحيد؛ أي: تحقيق توحيد الإلوهية، بأن لا يعبد إلا الله، ولا يذبح إلا لله، ولا يستغاث إلابه، وتصرف جميع العبادات له سبحانه.

وأن يحققوا في الناس توحيد الربوبية؛ فهو الخالق، المنعم، الرازق، وأن يحققوا توحيد الأسماء والصفات، بأن يثبتوا له سبحانه ما أثبته لنفسه من صفات الكمال دون تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل، وأن يأخذوا بأيدي الناس من المنكر إلى المعروف، ومن المعاصي إلى الطاعات، ثم لينعموا بالنصر والراحة والأمن والأمان.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(32) انظر: الفرقان بين أولياء الرخمن وأولياء الشيطان (ص 115-116) بتصرف.

(33) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/607)، وتيسير الكريم الرحمن لابن سعدي (2/905).

(34) تفسير القرآن العظيم (6/504).

(35) أخرجه البخاري (6500) ومسلم (30).

(36) تفسير القرآن العظيم (3/160).

(37) تفسير القرآن العظيم (3/294).

(38) أخرجه البخاري في صحيحه (6937).


Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

 


Security team