مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   منبر الرقائق والترغيب والترهيب (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=30)
-   -   [نصيحة] وصية شيخ الإسلام لأبي القاسم المغربي (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=7954)

أبو عبد الله بشار 04-10-2010 05:19PM

وصية شيخ الإسلام لأبي القاسم المغربي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :
فهذه وصية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لأبي القاسم المغربي عندما طلب منه النصيحة فيما ينفعه في دينه ودنياه فقال رحمه الله :

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَمَّا " الوَصِيَّةُ " فَمَا أَعْلَمُ وَصِيَّةً أَنفَعُ مِن وَصِيَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِمَنْ عَقَلَهَا وَاتَّبَعَهَا . قَالَ تَعَالَى :
( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) .

_ وَوَصَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ : يَا مُعَاذ : اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت وَأَتْبِع السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ } . وَكَانَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ عَلِيَّةٍ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ : " { يَا مُعَاذُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبّكَ وَكَانَ يُرْدِفُهُ وَرَاءَهُ } . وَرُوِيَ فِيهِ : " أَنَّهُ أَعْلَم الْأُمَّةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَأَنَّهُ يُحْشَرُ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةِ - أَيْ بِخُطْوَةِ - " . وَمِنْ فَضْلِهِ أَنَّهُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَلِّغًا عَنْهُ دَاعِيًا وَمُفَقِّهًا وَمُفْتِيًا وَحَاكِمًا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ . وَكَانَ يُشَبِّهُهُ بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِبْرَاهِيمُ إمَامُ النَّاسِ . وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : إنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؛ تَشْبِيهًا لَهُ بِإِبْرَاهِيمَ . ثُمَّ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَّاهُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ فَعُلِمَ أَنَّهَا جَامِعَةٌ . وَهِيَ كَذَلِكَ لِمَنْ عَقَلَهَا مَعَ أَنَّهَا تَفْسِيرُ الْوَصِيَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ . حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَحَقٌّ لِعِبَادِهِ . ثُمَّ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُخِلَّ بِبَعْضِهِ أَحْيَانًا : إمَّا بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت } وَهَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ وَفِي قَوْلِهِ " حَيْثُمَا كُنْت " تَحْقِيقٌ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقْوَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ . ثُمَّ قَالَ : { وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا } فَإِنَّ الطَّبِيبَ متى تَنَاوَلَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مُضِرًّا أَمَرَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ . وَالذَّنْبُ لِلْعَبْدِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ حَتْمٌ . فَالْكَيِّسُ هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ يَأْتِي مِنْ الْحَسَنَاتِ بِمَا يَمْحُو السَّيِّئَاتِ . وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ " السَّيِّئَةَ " وَإِنْ كَانَتْ مَفْعُولَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَحْوُهَا لَا فِعْلُ الْحَسَنَةِ فَصَارَ { كَقَوْلِهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ : صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ } . وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَاتُ مِنْ جِنْسِ السَّيِّئَاتِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَحْوِ ، وَالذُّنُوبُ يَزُولُ مُوجِبُهَا بِأَشْيَاءَ : ( أَحَدُهَا ) التَّوْبَةُ . وَ ( الثَّانِي ) الِاسْتِغْفَارُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَغْفِرُ لَهُ إجَابَةً لِدُعَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ فَهُوَ الْكَمَالُ . ( الثَّالِثُ ) الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الْمُكَفِّرَةُ : أَمَّا " الْكَفَّارَاتُ الْمُقَدَّرَةُ " كَمَا يُكَفِّرُ الْمُجَامِعُ فِي رَمَضَانَ وَالْمُظَاهِرُ وَالْمُرْتَكِبُ لِبَعْضِ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ أَوْ تَارِكُ بَعْضِ وَاجِبَاتِهِ أَوْ قَاتِلُ الصَّيْدِ بِالْكَفَّارَاتِ الْمُقَدَّرَةِ وَهِيَ " أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ " هَدْيٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ . وَأَمَّا " الْكَفَّارَاتُ الْمُطْلَقَةُ " كَمَا قَالَ حُذَيْفَةُ لِعُمَرِ : فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ؛ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ . وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمْعَةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَسَائِر الْأَعْمَالِ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا : مَنْ قَالَ كَذَا وَعَمِلَ كَذَا غُفِرَ لَهُ أَوْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ لِمَنْ تَلَقَّاهَا مِنْ السُّنَنِ خُصُوصًا مَا صُنِّفَ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِهَذَا مِنْ أَشَدِّ مَا بِالْإِنْسَانِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ حِينِ يَبْلُغُ ؛ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَزْمِنَةِ الْفَتَرَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ الْجَاهِلِيَّةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَنْشَأُ بَيْنَ أَهْلِ عِلْمٍ وَدِينٍ قَدْ يَتَلَطَّخُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعِدَّةِ أَشْيَاءَ فَكَيْفَ بِغَيْرِ هَذَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ } هَذَا خَبَرٌ تَصْدِيقُهُ فِي قَوْله تَعَالَى :
( فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا )
وَلِهَذَا شَوَاهِدُ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ . وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ يَسْرِي فِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الدِّينِ مِنْ الْخَاصَّةِ ؛ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ عيينة ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ وَكَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ النَّصَارَى قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الدِّينِ كَمَا يُبْصِرُ ذَلِكَ مَنْ فَهِمَ دِينَ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَزَّلَهُ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وَكَانَ مَيِّتًا فَأَحْيَاهُ اللَّهُ وَجَعَلَ لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ لَا بُدَّ أَنْ يُلَاحِظَ أَحْوَالَ الْجَاهِلِيَّةِ وَطَرِيقَ الْأُمَّتَيْنِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَيَرَى أَنْ قَدْ اُبْتُلِيَ بِبَعْضِ ذَلِكَ . فَأَنْفَعُ مَا لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الْعِلْمُ بِمَا يُخَلِّصُ النُّفُوسَ مِنْ هَذِهِ الْوَرَطَاتِ وَهُوَ إتْبَاعُ السَّيِّئَاتِ الْحَسَنَاتِ . وَالْحَسَنَاتُ مَا نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ عَلَى لِسَانِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ . وَمِمَّا يُزِيلُ مُوجِبَ الذُّنُوبِ " الْمَصَائِبُ الْمُكَفِّرَةُ " وَهِيَ كُلُّ مَا يُؤْلِمُ مِنْ هَمٍّ أَوْ حُزْنٍ أَوْ أَذًى فِي مَالٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ . فَلَمَّا قَضَى بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ حَقَّ اللَّهِ : مِنْ عَمَلِ الصَّالِحِ وَإِصْلَاحِ الْفَاسِدِ قَالَ : " وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ " وَهُوَ حَقُّ النَّاسِ . وَجِمَاعُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ مَعَ النَّاسِ : أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك بِالسَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالزِّيَارَةِ لَهُ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَك مِنْ التَّعْلِيمِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ . وَبَعْضُ هَذَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهُ مُسْتَحَبٌّ .

أبو عبد الله بشار 04-10-2010 05:23PM

وَأَمَّا الْخُلُقُ الْعَظِيمُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الدِّينُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُطْلَقًا هَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ كَمَا { قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ } وَحَقِيقَتُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى امْتِثَالِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِطِيبِ نَفْسٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ .
وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي وَصِيَّةِ اللَّهِ فَهُوَ أَنَّ اسْمَ تَقْوَى اللَّهِ يَجْمَعُ فِعْلَ كُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إيجَابًا وَاسْتِحْبَابًا وَمَا نَهَى عَنْهُ تَحْرِيمًا وَتَنْزِيهًا وَهَذَا يَجْمَعُ حُقُوقَ اللَّهِ وَحُقُوقَ الْعِبَادِ . لَكِنْ لَمَّا كَانَ تَارَةً يَعْنِي بِالتَّقْوَى خَشْيَةَ الْعَذَابِ الْمُقْتَضِيَةَ لِلإنكِفَافِ عَنْ الْمَحَارِمِ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ : { قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ . قِيلَ : وَمَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ ؟ قَالَ : الْأَجْوَفَانِ : الْفَمُ وَالْفَرْجُ } . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا } فَجَعَلَ كَمَالَ الْإِيمَانِ فِي كَمَالِ حُسْنِ الْخُلُقِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِيمَانَ كُلَّهُ تَقْوَى اللَّهِ . وَتَفْصِيلُ أُصُولِ التَّقْوَى وَفُرُوعِهَا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَوْضِعُ فَإِنَّهَا الدِّينُ كُلُّهُ ؛ لَكِنَّ يَنْبُوعَ الْخَيْرِ وَأَصْلَهُ : إخْلَاصُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ عِبَادَةً وَاسْتِعَانَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ : ( إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) وَفِي قَوْلِهِ: ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) وَفِي قَوْلِهِ : ( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) وَفِي قَوْلِهِ: ( فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ) بِحَيْثُ يَقْطَعُ الْعَبْدُ تَعَلُّقَ قَلْبِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ انْتِفَاعًا بِهِمْ أَوْ عَمَلًا لِأَجْلِهِمْ وَيَجْعَلُ هِمَّتَهُ رَبَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ بِمُلَازَمَةِ الدُّعَاءِ لَهُ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ مِنْ فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ وَمَخَافَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْعَمَلِ لَهُ بِكُلِّ مَحْبُوبٍ . وَمَنْ أَحَكَمَ هَذَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ مَا يُعْقِبُهُ ذَلِكَ .

والله أعلم وصلّى الله على نبيّنا محمد

يتبع

أبو عبد الله بشار 06-10-2010 01:46PM

ثم قال رحمه الله :
وَأَمَّا مَا سَأَلت عنه مِن أَفضَِل الأَعمَالِ بعدَ الفَرَائِضِ ؛ فإِنَّهُ يَختَلِفُ بِاختِلافِ النَّاسِ فِيمَا يَقدِرُونَ عَليهِ ومَا يُنَاسبُ أوقاتهم فَلا يمكِنُ فيهِ جَوابٌ جامعٌ مُفصَّلٌ لِكُلِّ أَحَدٍ لَكن مما هوكَالإِجماعِ بينَ العُلَمَاءِ بِاَللَّهِ وَأَمْرِهِ : أَنَّ مُلازَمَةَ ذِكرِ اللَّهِ دَائِمًا هُوَ أَفضَلُ مَا شَغَلَ العَبدَ بِهِ نَفسَهُ فِي الجُملَةِ وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ الَّذِي رَوَاهُ مسلِمٌ :
سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَن المُفَرِّدُونَ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ .

وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو داود عَن أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : أَلَا أُنَبِّئُكُم بِخَيرِ أَعمَالِكُم وَأَزكَاهَا عِندَ مَلِيكِكُم وَأَرفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُم وَخَيرٌ لَكُم مِن إعطَاءِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ وَمِن أَن تَلقَوا عَدُوَّكُم فَتَضرِبُوا أَعنَاقَهُم وَيَضرِبُوا أَعنَاقَكُم ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ذِكرُ اللَّهِ .

وَالدَّلائِلُ القُرآنِيَّةُ وَالإِيمَانِيَّةُ بَصَرًا وَخَبَرًا وَنَظَرًا عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ . وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَن يُلَازِمَ العَبدُ الأَذكَارَ المَأثُورَةَ عَن مُعَلِّمِ الخَيرِ وَإِمَامِ المُتَّقِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَالأَذكَارِ المُؤَقَّتَةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ وَعِندَ أَخذِ المَضجَعِ وَعِندَ الاستيقَاظِ مِن المَنَامِ وَأَدبَارِ الصَّلَوَاتِ وَالأَذكَارِ المُقَيَّدَةِ مِثلُ مَا يُقَالُ عِندَ الأَكلِ وَالشُّربِ وَاللِّبَاسِ وَالجِمَاعِ وَدُخُولِ المَنزِلِ وَالمَسجِدِ وَالخَلاءِ وَالخُرُوجِ مِن ذَلِكَ وَعِندَ المَطَرِ وَالرَّعدِ إلَى غَيرِ ذَلِكَ وَقَد صُنِّفَت لَهُ الكُتبُ المُسَمَّاةُ بِعَمَلِ اليَومِ وَاللَّيلَةِ . ثُمَّ مُلازَمَةُ الذِّكرِ مُطلَقًا وَأَفضَلُهُ " لا إلَهَ إلا اللَّه " . وَقَد تَعرِضُ أَحوَالٌ يَكُونُ بَقِيَّةُ الذِّكرِ مِثلُ :
" سُبحَانَ اللَّهِ وَالحَمدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكبَرُ وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ " أَفضَلُ مِنهُ .

ثُمَّ يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ اللِّسَانُ وَتَصَوَّرَهُ القَلبُ مِمَّا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ مِن تَعَلُّمِ عِلمٍ وَتَعلِيمِهِ وَأَمرٍ بِمَعرُوفِ وَنَهيٍ عَن مُنكَرٍ فَهُوَ مِن ذِكرِ اللَّهِ . وَلِهَذَا مَن اشتَغَلَ بِطَلَبِ العِلمِ النَّافِعِ بَعدَ أَدَاءِ الفَرَائِضِ أَو جَلَسَ مَجلِسًا يَتَفَقَّهُ أَو يُفَقِّهُ فِيهِ الفِقهَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِقهًا فَهَذَا أَيضًا مِن أَفضَلِ ذِكرِ اللَّهِ . وَعَلَى ذَلِكَ إذَا تَدَبَّرت لَم تَجِد بَينَ الأَوَّلِينَ فِي كَلِمَاتِهِم فِي أَفضَلِ الأَعمَالِ كَبِيرَ اختِلَافٍ . وَمَا اشتَبَهَ أَمرُهُ عَلَى العَبدِ فَعَلَيهِ بِالِاستِخَارَةِ المَشرُوعَةِ فَمَا نَدِمَ مَن استَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى . وَليُكثِر مِن ذَلِكَ وَمِن الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مِفتَاحُ كُلِّ خَيرٍ وَلا يُعَجِّلُ فَيَقُولُ : قَد دَعَوت فَلَم يُستَجَب لِي وَليَتَحَرَّ الأَوقَاتَ الفَاضِلَةَ : كَآخِرِ اللَّيلِ وَأَدبَارِ الصَّلَوَاتِ وَعِندَ الأَذَانِ وَوَقتَ نُزُولِ المَطَرِ وَنَحوَ ذَلِكَ .

وَأَمَّا أَرجَحُ المَكَاسِبِ : فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَالثِّقَةُ بِكِفَايَتِهِ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ .

وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنبَغِي لِلمُهتَمِّ بِأَمرِ الرِّزقِ أَن يَلجَأَ فِيهِ إلَى اللَّهِ وَيَدعُوَهُ كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ فِيمَا يَأثُرُ عَنْهُ نَبِيُّهُ :
كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ . يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْته فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ .
وَفِيمَا رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَعَ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ .
وَقَد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ }
وَقَالَ سُبْحَانَهُ . { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }
وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي الجُمعَةِ فَمَعنَاهُ قَائِمٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ . وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعلَم : أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَدخُلُ المَسجِدَ أَن يَقُولَ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ أَن يَقُولَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسأَلُك مِن فَضلِك .

وَقَد قَالَ الخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ فَالاستِعَانَةُ بِاَللَّهِ وَاللجأُ إلَيهِ فِي أَمرِ الرِّزقِ وَغَيرِهِ أَصلٌ عَظِيمٌ . ثُمَّ يَنبَغِي لَهُ أَن يَأخُذَ المَالَ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ لِيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَأخُذُهُ بِإِشرَافِ وَهَلَعٍ ؛ بَل يَكُونُ المَالُ عِندَهُ بِمَنزِلَةِ الخَلَاءِ الَّذِي يَحتَاجُ إلَيهِ مِن غَيرِ أَن يَكُونَ لَهُ فِي القَلبِ مَكَانَةٌ وَالسَّعيُ فِيهِ إذَا سَعَى كَإِصلَاحِ الخَلاءِ .
وَفِي الحَدِيثِ المَرفُوعِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ :
مَن أَصبَحَ وَالدُّنيَا أَكبَرُ هَمِّهِ شَتَّتَ اللَّهُ عَلَيهِ شَملَهُ وَفَرَّقَ عَلَيهِ ضَيعَتَهُ وَلَم يَأتِهِ مِن الدُّنيَا إلَّا مَا كُتِبَ لَهُ . وَمَن أَصبَحَ وَالآخِرَةُ أَكبَرُ هَمِّهِ جَمَعَ اللَّهُ عَلَيهِ شَملَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلبِهِ ؟ وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ .
وَقَالَ بَعضُ السَّلَفِ : أَنتَ مُحتَاجٌ إلَى الدُّنيَا وَأَنتَ إلَى نَصِيبِك مِن الآخِرَةِ أَحوَجُ فَإِن بَدَأت بِنَصِيبِك مِن الآخِرَةِ مُرَّ عَلَى نَصِيبِك مِن الدُّنيا فَانتَظِمهُ انتِظَامًا .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } { إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } .

فَأَمَّا تَعيِينُ مَكسَبٍ عَلَى مَكسَبٍ مِن صِنَاعَةٍ أَو تِجَارَةٍ أَو بِنَايَةٍ أَو حِرَاثَةٍ أَوْ غَيرِ ذَلِكَ فَهَذَا يَختَلِفُ بِاختِلافِ النَّاسِ وَلَا أَعلم فِي ذَلِكَ شَيئًا عَامًّا لَكِن إذَا عَنَّ لِلإِنسَانِ جِهَةٌ فَليَستَخِر اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا الِاستِخَارَةَ المُتَلَقَّاةَ عَن مُعَلِّمِ الخَيرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِيهَا مِن البَرَكَةِ مَا لا يُحَاطُ بِهِ . ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ لَهُ فَلَا يَتَكَلَّفُ غَيرَهُ إلَّا أَن يَكُونَ مِنهُ كَرَاهَةٌ شَرعِيَّةٌ .

وَأَمَّا مَا تَعتَمِدُ عَلَيهِ مِن الكُتُبِ فِي العُلُومِ فَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَهُوَ أَيضًا يَختَلِفُ بِاختِلافِ نَشءِ الإِنسَانِ فِي البِلادِ فَقَد يَتَيَسَّرُ لَهُ فِي بَعضِ البِلادِ مِن العِلمِ أَو مِن طَرِيقِهِ وَمَذهَبِهِ فِيهِ مَا لا يَتَيَسَّرُ لَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَكِنَّ جِمَاعَ الخَيرِ أَن يَستَعِينَ بِاَللَّهِ سُبحَانَهُ فِي تَلَقِّي العِلمِ المَورُوثِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَستَحِقُّ أَن يُسَمَّى عِلمًا وَمَا سِوَاهُ إمَّا أَن يَكُونَ عِلمًا فَلَا يَكُونُ نَافِعًا ؟ وَإِمَّا أَلَّا يَكُونَ عِلمًا وَإِن سُمِّيَ بِهِ . وَلَئِن كَانَ عِلمًا نَافِعًا فَلا بُدَّ أَن يَكُونَ فِي مِيرَاثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا يُغنِي عَنهُ مِمَّا هُوَ مِثلُهُ وَخَيرٌ مِنهُ . وَلتَكُن هِمَّتُهُ فَهم مَقَاصِدِ الرَّسُولِ فِي أَمرِهِ وَنَهيِهِ وَسَائِر كَلَامِهِ . فَإِذَا اطمَأَنَّ قَلبُهُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الرَّسُولِ فَلا يَعدِلُ عَنهُ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ اللَّهِ تَعَالَى وَلا مَعَ النَّاسِ إذَا أَمكَنَهُ ذَلِكَ .


أبو عبد الله بشار 06-10-2010 01:57PM

ثم قال رحمه الله :
وليجتَهِد أَن يَعتَصِمَ فِي كُلِّ بَابٍ مِن أَبوَابِ العِلمِ بِأَصل مَأثُورٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ .
وَإِذَا اشتَبَهَ عَلَيهِ مِمَّا قَد اختَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَليَدعُ بِمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إذَا قَامَ يُصَلِّي مِن اللَّيلِ : اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرِيلَ وميكائيل وَإِسرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ اهدِنِي لِمَا اختُلِفَ فِيهِ مِن الحَقِّ بِإِذنِك إنَّك تَهدِي مَن تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَد قَالَ فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ رَسُولُهُ :
( يَا عِبَادِي كُلُّكُم ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيته فَاستَهدُونِي أَهدِكُم ) .
وَأَمَّا وَصفُ " الكُتُبِ وَالمُصَنِّفِينَ " فَقَد سُمِعَ مِنَّا فِي أَثنَاءِ المُذَاكَرَةِ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ سُبحَانَهُ . وَمَا فِي الكُتُبِ المُصَنَّفَةِ المُبَوَّبَةِ كِتَابٌ أَنفَع مِن " صَحِيحِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ البُخَارِيِّ " لَكِن هُوَ وَحْدَهُ لا يَقُومُ بِأُصُولِ العِلم . وَلا يَقُومُ بِتَمَامِ المَقصُودِ لِلمُتَبَحِّرِ فِي أَبوَابِ العِلمِ إذ لا بُدَّ مِن مَعرِفَةِ أَحَادِيثَ أُخَرَ وَكَلامُ أَهلِ الفِقهِ وَأَهلِ العِلمِ فِي الأُمُورِ الَّتِي يَختَصُّ بِعِلمِهَا بَعضُ العُلَمَاءِ . وَقَد أَوعَبَت الأُمَّةُ فِي كُلِّ فَنٍّ مِن فُنُونِ العِلمِ إيعَابًا فَمَن نَوَّرَ اللَّهُ قَلبَهُ هَدَاهُ بِمَا يَبلُغُهُ مِن ذَلِكَ وَمَن أَعمَاهُ لَم تَزِدهُ كَثرَةُ الكُتُبِ إلَّا حيرَةً وَضَلالاً ؛

كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَبِي لَبِيدٍ الأَنصَارِيِّ : أَوَلَيسَت التَّورَاةُ وَالإِنجِيلُ عِندَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ؟ فَمَاذَا تُغنِي عَنهُم .

فَنَسألُ اللَّهَ العَظِيمَ أَن يَرزُقَنَا الهُدَى وَالسَّدَادَ وَيُلهِمَنَا رُشدَنَا وَيَقِيَنَا شَرَّ أَنفُسِنَا وَأَن لا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعدَ إذ هَدَانَا ؟ وَيَهَبَ لَنَا مِن لَدُنهُ رَحمَةً إنَّهُ هُوَ الوَهَّابُ


وَالحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ . وَصَلَوَاتُهُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ .

انتهت وصية شيخ الإسلام رحمه الله وجعل منزلته في علّيّين

والله أعلم وصلّى الله على نبيّنا محمد


أبو البراء محمد القايدي 06-10-2010 04:04PM

رحم الله شيخ الإسلام وإمامهم وجعل منزلته في عليين وبارك الله فيك ونفع بك .

أبو عبد الله بشار 06-10-2010 11:11PM

وفيك بارك الله أبا البراء وأحسن إليك وغفر لنا ولك

أبو عبد الله بشار 07-10-2010 11:59PM

كنا قد ذكرنا وصية شيخ الإسلام للمغربي وهي الوصيّة المعروفة بالوصيّة الصغرى .
وهذه بعض الفوائد من الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وَقَد تَقَدَّمَ أَنَّ دِينَ اللَّهِ وَسطٌ بَينَ الغَالِي فيه ، وَالجَافِي عَنهُ . واللَّهُ تعالى ما أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَمرِ إلا اعتَرَض الشَّيطانُ فيه بِأَمرَينِ لا يُبَالي بِأَيِّهِمَا ظَفرَ : إمَّا إفرَاطٌ فِيهِ وَإِمَّا تَفرِيطٌ فيه .
وإذا كَانَ الإِسلامُ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ لَا يُقبَلُ مِن أَحَدٍ سِوَاهُ قَد اعتَرضَ الشَّيطَانُ كَثِيرًا مِمَّن يَنتَسِبُ إلَيْهِ ؛ حَتَّى أَخرَجَهُ عَن كَثِيرٍ مِن شَرَائِعِهِ ؛ بَل أَخرَجَ طَوَائِفَ مِن أَعبَدِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَورَعِهَا عَنهُ حَتَّى مَرَقُوا مِنهُ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ .
وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بِقِتَالِ المَارِقِينَ مِنهُ ، فَثَبَتَ عَنهُ فِي الصِّحَاحِ وَغَيرِهَا مِن رِوَايَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ " عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الخدري وَسَهلِ بن حنيف وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَسَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ وَابنِ مَسْعُودٍ " رضي اللَّه عَنهم وغيرِ هَؤُلاءِ : ( أَنَّ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلّم ذكر الخوارج فقال يحقر أحدكُم صَلاتهُ مَعَ صَلاتِهِم وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِم وَقِراءَتهُ مَعَ قِرَاءَتِهِم يَقرَءُونَ القُرآنَ لا يُجَاوِز حَنَاجِرَهُمْ يَمرُقُونَ مِن الإِسلامِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ أَينَمَا لَقِيتُمُوهُم فَاقتُلُوهُم أَو فَقَاتِلُوهُم ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِم أَجرًا عِندَ اللَّهِ لِمَن قَتَلَهُم يَومَ القِيَامَةِ لَئِن أَدرَكتهم لأَقتُلَنَّهُم قَتْلَ عاد ) .

أبو عبد الله بشار 08-10-2010 11:19PM

وهذه فائدة أخرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من وصيته الكبرى التي قرّر فيها قول أهل السنّة والجماعة في القرآن الكريم فقال رحمه الله :

وَمِن ذلك الاقتصاد في السنَّةِ ، وَاتِّباعهَا كما جَاءت ( بلا زيادة ولا نقصان ) مِثلُ الكَلام : فِي ( القُرآنِ و سَائِرِ الصِّفَاتِ ) فَإِنَّ مَذهبَ سَلفِ الأمَّة وَأَهل السنَّةِ أَنَّ القُرآنَ كَلامُ اللَّهِ ؛ مُنَزَّلٌ غَير مَخلوقٍ ، مِنه بدأ وإِليه يعودُ . هكذا قَالَ غَير واحد من السَّلف . رُوي عَن سُفيَانَ بنِ عيينة عَن عَمرِو بنِ دِينَارٍ ( وكان من التَّابعينَ الأعيان ) قال : ما زِلت أسمعُ النَّاسَ يقولون ذلك . والقرآنُ الذي أَنزَلهُ اللَّهُ على رسُوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هو هذا القرآن الذي يقرأهُ المُسلمونَ ويكتُبونهُ في مصاحِفهم وهو كَلام اللَّهِ لا كلامُ غيرِهِ ، وإن تَلاهُ العِبَاد وبَلَغوهُ بحركاتهِم وأَصواتهم . فَإِنَّ الكَلام لمن قالهُ مُبتدئًا لا لمن قاله مبلّغاً مُؤَدِّيًا قال اللَّه تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرهُ حَتَّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) التوبة 6 .
وهذا القُرآنُ في المصاحف كما قال تعالى : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج 21 _ 22 .
وَقَالَ تَعَالَى : ( يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) البيّنة 2 _ 3 . وَقَالَ : ( إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) الواقعة 77 _ 78 . والقُرآن كَلامُ اللَّهِ بِحروفهِ ونَظمِهِ ومَعانيهِ كُلُّ ذَلِكَ يدخُل في القرآنِ وفي كَلامِ اللَّه . وإعرَابُ الحُروفِ هوَ مِن تَمَام الحُروف ، . وَإِذَا كَتَبَ المُسلمُونَ مُصحَفاً فَإِن أَحبُّوا أَنْ لَا يُنَقِّطُوهُ وَلَا يُشَكِّلُوهُ جازَ ذَلِكَ ، كما كَانَ الصَّحابة يَكتُبُونَ المصاحِف مِن غَيْرِ تَنقِيطٍ وَلا تشكيلٍ ، لأَنَّ القَوم كَانوا عَرَباً لا يَلحَنُونَ .
وَهَكَذَا هِيَ المَصَاحِفُ التي بَعَث بِهَا عثمان رضي اللَّهُ عَنه إلى الأَمصَارِ في زمن التَّابِعِينَ . ثُمَّ فَشَا " اللَّحنُ " فَنُقِّطَت المَصَاحِفُ وَشُكِّلَت بِالنُّقَطِ الحُمْرِ ثُمَّ شُكِّلَت بِمِثلِ خَطِّ الحُروفِ ، فتنازع العُلَمَاء في كَراهة ذلك .
وَفيه خِلافٌ عَن الإِمام أحمد رحمه اللَّه وغيره من العُلماء قيل : يُكرَه ذلك لأَنهُ بِدعةٌ ، وقيلَ : لا يُكرَهُ لِلحَاجَةِ إلَيهِ ، وقيل يُكرَهُ النُّقَطُ دُونَ الشَّكل لبيان الإِعرَاب . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لا بَأسَ بِهِ ، وَالتَّصدِيقُ بِمَا ثَبتَ عَن النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنَّ اللَّهَ يَتكَلَّمُ بِصَوْت ، وَيُنَادِي آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ بِصَوت ، إلى أمثال ذلك من الأَحاديثِ . فهذه الجُملَةُ كان عليها سلف الأُمَّة وأَئمَّةُ السُّنَّةِ . وَقَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ : القُرآنُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيرُ مَخلوقٍ .
حَيثُ تُلِيَ وَحَيث كُتبَ . فَلا يُقَالُ لِتِلاوةِ العَبدِ بِالقُرآنِ : إنَّها مَخلُوقَةٌ لأنَّ ذَلِكَ يَدخُل فيِه القُرآن المُنَزَّلُ وَلا يُقَالُ : غَيرُ مَخلُوقةٍ لأَنَّ ذَلِكَ يَدخُلُ فيهِ أَفعَالُ العِبَادِ . وَلَمْ يَقُل قَطُّ أَحَدٌ مِن أَئِمَّةِ السَّلَفِ : أَنَّ أَصوَاتَ العِبَادِ بِالقُرآنِ قَدِيمَةٌ بَل أَنكَرُوا عَلَى مَن قَالَ : لَفظُ العَبدِ بِالقُرآنِ غَيرُ مَخلُوقٍ .
وَأَمَّا مَن قَالَ : إنَّ المِدَادَ قَدِيمٌ : فَهَذَا مِن أَجهَلِ النَّاسِ وَأَبعَدِهم عَن السنَّةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) الكهف 109 .
فَأَخبَرَ أَنَّ المِدادَ يَكتبُ بِهِ كَلِمَاته . وكذلك مَن قَالَ لَيس القُرآنُ في المُصحَفِ ، وإنَّما فِي المُصحَفِ مِدَادٌ وَوَرَقٌ أَو حِكَايَةٌ وَعِبَارَةٌ . فَهُوَ مُبتَدِعٌ ضَالٌّ . بَل القُرآنُ الَّذِي أَنزَلَهُ اللَّهُ على مُحمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلَّم هُو ما بَينَ الدَّفَّتَيْنِ . وَالكَلامُ فِي المُصحَفِ ( عَلَى الوَجهِ الَّذِي يَعرِفُهُ النَّاسُ ) لَهُ خَاصَّةً يَمتَازُ بِهَا عَنْ سَائِرِ الأَشياءِ . وَكَذَلِكَ مَن زَادَ عَلَى السنَّةِ فَقَالَ : إنَّ أَلفَاظَ العِبَادِ وَأَصوَاتَهُم قَدِيمَةٌ فَهُوَ مُبتَدِعٌ ضَالٌّ . كَمَن قَالَ : إنَّ اللَّهَ لا يَتَكَلَّمُ بِحَرفِ وَلَا بِصَوتِ فَإِنَّهُ أَيضًا مُبتَدِعٌ مُنكِرٌ لِلسنَّةِ . وَكَذَلِكَ مَن زَادَ وَقَالَ : إنَّ المِدَادَ قَدِيمٌ فَهُوَ ضَالٌّ . كَمَن قَالَ : لَيسَ فِي المَصَاحِفِ كَلامُ اللَّهِ . وَأَمَّا مَن زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِن الجُهَّالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ الوَرَقَ وَالجِلدَ وَالوَتَدَ وَقِطعَةً مِن الحَائِطِ : كَلَامُ اللَّهِ فَهُوَ بِمَنـزِلَةِ مَن يَقُولُ : مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالقُرآنِ وَلا هُوَ كَلامُهُ . هَذَا الغُلوُّ مِن جَانِبِ الإِثبَاتِ يُقَابِلُ التَّكذِيبَ مِن جَانِبِ النَّفيِ وَكِلاهُمَا خَارِجٌ عَن السنَّةِ وَالجَمَاعَةِ . وَكَذَلِكَ إفرَادُ الكَلامِ فِي النُّقطَةِ وَالشَّكلَةِ بِدعَةٌ نَفيًا وَإِثبَاتًا وَإِنَّهَا حَدَثَت هَذِهِ البِدعَةُ مِن مِائَةِ سَنَةٍ أَو أَكثَرَ بِقَلِيلِ فَإِنَّ مَن قَالَ : إنَّ المِدَادَ الَّذِي تُنَقَّطُ بِهِ الحُرُوفُ وَيُشَكَّلُ بِهِ قَدِيمٌ فَهُوَ ضَالٌّ جَاهِلٌ وَمَن قَالَ : إنَّ إعرَابَ حُرُوفِ الْقُرْآنِ لَيسَ مِن القرآنِ فَهُوَ ضَالٌّ مُبتَدِعٌ . بَل الوَاجِبُ أَن يُقَالَ : هَذَا القُرآنُ العَرَبِيُّ هُوَ كَلامُ اللَّهِ ، وَقَد دَخَلَ فِي ذَلِكَ حُرُوفُهُ بِإِعرَابِهَا كَمَا دَخَلَتْ مَعَانِيهِ ، وَيُقَالُ : مَا بَيْنَ اللَّوحَينِ جَمِيعُهُ كَلامُ اللَّهِ . فَإِنْ كَانَ الْمُصحَفُ مَنقُوطًا مَشكُولاً أُطلِقَ عَلَى مَا بَينَ اللَّوحَينِ جَمِيعِهِ أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ . وَإِن كَانَ غَيرَ مَنقُوطٍ وَلَا مَشكُولٍ : كَالمَصَاحِفِ القَدِيمَةِ الَّتي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ ، كَانَ أَيضًا مَا بَينَ اللَّوحَينِ هُوَ كَلامُ اللَّهِ . فَلَا يَجُوزُ أَن تُلقَى الفِتنَةُ بَينَ المُسلمينَ بِأَمر مُحدثٍ ونِزَاعٍ لَفظِيٍّ لا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَن يَحدُثُ فِي الدِّينِ مَا لَيسَ مِنهُ .
انتهى كلامه رحمه الله


أبو عبد الله بشار 10-10-2010 08:50AM

وهذه فائدة أخرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من وصيته الكبرى التي قرّر فيها
قول أهل السنّة والجماعة في القرآن الكريم فقال رحمه الله :

وكذلك يَجِبُ الإقتِصَاد والإعتِدَالُ فِي أَمرِ " الصَّحَابَةِ " وَ " القَرَابَةِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثنَى عَلَى أَصحَابِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانِ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنهم وَرَضُوا عَنهُ ؛ وَذَكرَهُم فِي آيَاتٍ مِن كتَابهِ ؛ مِثلَ قَوْله تَعَالَى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخرَجَ شَطأَهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا ) الفتح 29 .
وَقَالَ تَعَالَى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) الفتح 18 .
* وفي الصِّحَاح عن النَّبِيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنَّه قال:لَا تَسُبُّوا أَصحَابِي فَواَلَّذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَق مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَهُ .
وقد اتَّفقَ أَهلُ السنَّة والجَمَاعة على ما تواتَرَ عَن أَمِيرِ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنَّه قال : خير هذه الأُمَّة بعد نبيها أبو بَكرٍ ثُمَّ عُمر رضي اللَّه عنهما واتفق أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على بَيعة عثمان بَعدَ عمر رضي اللَّه عَنهُما وثبت عن النَّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنَّه قال : خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ .
وَكَانَ أَمِيرُ المُؤمنين عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ آخِرَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ .
وَقَد اتَّفَقَ عامَّةُ أَهلِ السُّنَّةِ من العُلماء والعِبادِ والأمَرَاءِ والأَجنَادِ عَلَى أَن يَقُولُوا : أَبُو بَكرٍ ثُمَّ عُمَرُ ؛ ثُمَّ عُثْمَانُ ؛ ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم .
وَدَلائِلُ ذَلِكَ وَفَضَائِلُ الصَّحَابَةِ كثير لَيْسَ هَذَا مَوضِعَهُ . وَكَذَلِكَ نُؤْمِنُ
" بِالإِمسَاكِ عَمَّا شَجَرَ بَينَهُم " وَنَعلَمُ أَنَّ بَعضَ المنقول فِي ذَلِكَ كَذِبٌ .
وَهُم كانوا مُجتَهِدِينَ إمَّا مُصِيبِينَ لَهُم أَجرَانِ أَوْ مُثَابِينَ عَلَى عَمَلِهِمْ الصَّالِحِ مَغفُورٌ لَهُم خَطَؤُهُم ؛ وَمَا كَانَ لَهُم مِن السَّيِّئَاتِ وَقَد سَبَقَ لَهُم مِن اللَّهِ الحُسنَى فَإِنَّ اللَّهَ يَغفِرُهَا لَهُم : إمَّا بِتَوبَةِ أَو بِحَسَنَاتِ مَاحِيَةٍ أَو مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ ؛ أَو غَيرِ ذَلِكَ . فَإِنَّهُمْ خَيرُ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كما قال صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم : خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ .
هَذِهِ خَيرُ أمَّةٍ أُخرجَت لِلنَّاسِ . وَنَعْلَمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ أَفْضَلَ وَأَقْرَبَ إلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَمِمَّنْ قَاتَلَهُ مَعَهُ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ حَقٌّ ؛ وَأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَعَدُوا عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ؛ كَسَعِد بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابنِ عُمَرَ وَغَيرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
فَاتَّبَعُوا النُّصُوصَ الَّتِي سَمِعُوهَا فِي ذَلِكَ عَن القِتَالِ فِي الفِتنَةِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكثَرُ أَهلِ الحَدِيثِ .

وكَذَلِكَ " آلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَهُم من الحقوق مَا يَجِبُ رِعَايَتُهَا فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُم حَقًّا فِي الخُمُسِ وَالفَيءِ وَأَمَرَ بِالصَّلاةِ عَلَيهِم مَعَ الصَّلاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا : قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ . وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ .
وَآلُ مُحَمَّدٍ هُم الَّذِينَ حَرُمَت عَلَيهِم الصَّدَقَةُ هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحمَدُ بنُ حَنبَلٍ وَغَيْرُهُمَا مِن العُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدِ ولا لآلِ مُحَمَّدٍ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ :
(إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) الأحزاب .
وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِم الصَّدَقَةَ لِأَنَّهَا أَوسَاخُ النَّاسِ وَقَد قَالَ بَعضُ السَّلَفِ : حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إيمَانٌ ؛ وَبُغْضُهُمَا نِفَاقٌ .


Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

 


Security team