مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   الأحاديث الصحيحة فقهها وشرحها (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   [متجدد] تطريز رياض الصالحين (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=10746)

ام عادل السلفية 12-01-2016 07:53AM

تطريز رياض الصالحين
 
بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




مقدمة الشارح :

الحمدُ لِلَّهِ الذَّي منَّ على الصالحين بذِكره وطاعَتِه ، فَرَتَعوا في رياض الجنَّة لشُغْلِهم بمُراقَبَتِه وعِبَادَتِه .
وَأشْهَدُ أنْ لا إِله إِلا اللهُ ، وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه في ربوبيَّته وإلهيَّته وأسمائِهِ وصفاتِهِ ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، وصفيُّه من مخلوقاتِه ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِِ وأتباعِهِ : أهلِ دينِه ووُلاته وسلَّم تسليمًا .
أما بعد :


فإنَّ كتاب ( رياض الصَّالحين ) مِن أنفع الكتب المختصرة ؛ لأنَّه مشتمل على أحاديث صحيحة وآيات كريمة ، تَحُثُّ على سلوك الطُّرق الموصلة إلى الجنَّة ، من الأعمال الصَّالحة ، والآداب الباطنة والظَّاهرة ، فَجَزى الله مؤلَّفه خيرًا ، وغَفَر له ، ولوالديه ، ومشايخه ، وسائر أحبابه ، والمسلمين أجمعين .



وقال الامام النووي رحمه الله :
فَرَأَيتُ : أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَراً منَ الأحاديثِ الصَّحيحَةِ ، مشْتَمِلاً عَلَى مَا يكُونُ طَرِيقاً لِصَاحبهِ إِلى الآخِرَةِ ، ومُحَصِّلاً لآدَابِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ . جَامِعاً للترغيب والترهيب ، وسائر أنواع آداب السالكين : من أحاديث الزهد ورياضات النُّفُوسِ ، وتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ ، وطَهَارَاتِ القُلوبِ وَعِلاجِهَا ، وصِيانَةِ الجَوَارحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا ، وغَيرِ ذلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعارفِينَ .


وَألتَزِمُ فيهِ أَنْ لا أَذْكُرَ إلا حَدِيثاً صَحِيحاً مِنَ الْوَاضِحَاتِ ، مُضَافاً إِلى الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُوراتِ . وأُصَدِّر الأَبْوَابَ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِآياتٍ كَرِيماتٍ ، وَأَوشِّحَ مَا يَحْتَاجُ إِلى ضَبْطٍ أَوْ شَرْحِ مَعْنىً خَفِيٍّ بِنَفَائِسَ مِنَ التَّنْبِيهاتِ . وإِذا قُلْتُ في آخِرِ حَدِيث : مُتَّفَقٌ عَلَيهِ فمعناه : رواه البخاريُّ ومسلمٌ .
وَأَرجُو إنْ تَمَّ هذَا الْكِتَابُ أنْ يَكُونَ سَائِقاً للمُعْتَنِي بِهِ إِلى الْخَيْرَاتِ حَاجزاً لَهُ عَنْ أنْواعِ الْقَبَائِحِ والْمُهْلِكَاتِ . وأَنَا سَائِلٌ أخاً انْتَفعَ بِشيءٍ مِنْهُ أنْ يَدْعُوَ لِي ، وَلِوَالِدَيَّ ، وَمَشَايخي ، وَسَائِرِ أَحْبَابِنَا ، وَالمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ .


تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك -رحمه الله

(1313هـ 1376 هـ)


بسم الله الرحمن الرحيم

1- باب الإخلاص وإحضار النية
في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية


الإخلاص هو : إفراد الله سبحانه وتعالى بالقَصْدِ ، وهو أن يريد العبد بطاعته التقرُّب إلى الله دون شيء آخر .
قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [ البينة (5) ] .

أي : وما أُمِرَ أهل الكتاب وغيرهم إلا بِعِبَادة الله وحده لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحنفاء هم : المائلون عن جميع الأديان إلى دين الإسلام .
﴿ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ ، أي : الملة المستقيمة .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [ الحج (37) ] .

أي : لن يصل إلى الله لحوم الهدايا والضحايا ، ولا دماؤها ، ولكن يصله منكم النية والإِخلاص .
قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يلطخون البيت بدماء البُدْن ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فنزلت هذه الآية .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران (29) ] .

أي : فهو العالِم بخفيّات الصدور ، وما اشتملت عليه من الإخلاص أو الرياء .


-----------

المصدر :


http://waqfeya.com/book.php?bid=3723


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@









ام عادل السلفية 15-01-2016 03:45AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)



1] وعن أمير المؤمِنين أبي حَفْصٍ عمرَ بنِ الخطابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عبدِ العُزّى بن رياحِ بنِ عبدِ اللهِ بن قُرْطِ بن رَزاحِ بنِ عدِي بنِ كعب بنِ لُؤَيِّ بنِ غالبٍ القُرشِيِّ العَدويِّ رضي الله عنه
قالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ : « إنّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصيبُهَا ، أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكَحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْه » .



مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ .
رَوَاهُ إمَامَا الْمُحَدّثِينَ ، أبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعيلَ بْن إبراهِيمَ بْن المُغيرَةِ بنِ بَرْدِزْبهْ الجُعْفِيُّ البُخَارِيُّ ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُسْلمُ بْنُ الحَجَّاجِ بْنِ مُسْلمٍ الْقُشَيريُّ النَّيْسَابُورِيُّ رضي اللهُ عنهما فِي صحيحيهما اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الكُتبِ المصنفةِ .



هذا حديث عظيم ، جليل القدر كثير الفائدة .

قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى : ينبغي لكل من صنَّف كتابًا أن يبتدئ فيه بهذا الحديث ، تنبيهًا للطالب على تصحيح النية .

وقال الشافعي رحمه الله تعالى : يدخل في سبعين بابًا من العلم .

وقال البخاري رحمه الله تعالى : باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى ، فدخل فيه : الإيمان ، والوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والأحكام .

قوله : « إنما الأعمال بالنيات » ، إنما للحصر ، أي : لا يعتد بالأعمال بدون النية . « وإنما لكل امرئ ما نوى » .

قال ابن عبد السلام : الجملة الأولى لبيان ما يعتبر مِنَ الأعمال ، والثانية لبيان ما يترتب عليها . انتهى .
والنية : هي القصد ، ومحلها القلب .



قوله : « فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله »، أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا ، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا . « ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه » .


قال ابن دقيق العيد : نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة ، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس ، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معًا ، فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة ، بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة .
والله أعلم .








ام عادل السلفية 15-01-2016 03:48AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)


[2] وعن أمِّ المؤمِنينَ أمِّ عبدِ اللهِ عائشةَ رضي الله عنها
قالت : قالَ رسول الله ﷺ : « يغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ » .

قَالَتْ : قلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! كَيْفَ يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهمْ أسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ؟!


قَالَ : « يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيّاتِهمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ .

في هذا الحديث :
التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم ، وأن العقوبة تلزمه معهم ، وأنه يعامل عند الحساب بقصده من الخير والشر .



وفي حديث ابن عمر مرفوعًا : « إذا أنزل الله بقوم عذابًا ، أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على نياتهم » .







ام عادل السلفية 15-01-2016 08:24PM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)


[3] وعن عائِشةَ رضيَ اللهُ عنها قَالَتْ :
قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- : « لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ،
وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .



وَمَعناهُ : لا هِجْرَةَ مِنْ مَكّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إسلاَمٍ .

قال الخطَّابي وغيره : كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم ؛
لقلة المسلمين بالمدينة ، وحاجتهم إلى الاجتماع .

فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا ، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة ،
وبقي فرض الجهاد ، والنية على من قام به ، أو نزل به عدو .



وقال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر ، فالإقامة فيها
أفضل من الرحلة منها ؛ لما يترجى من دخول غيره في الإسلام .



قال الحافظ : كانت الحكمة في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى الكفار ،
فإنهم كانوا يعذبون من أسلم إلى أن يرجع عن دينه .




ام عادل السلفية 16-01-2016 09:55AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)


[4] وعن أبي عبدِ اللهِ جابر بن عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضي اللهُ عنهما قَالَ :
كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ ،
فَقالَ : « إِنَّ بالمدِينَةِ لَرِجَالاً ما سِرْتُمْ مَسِيراً ، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِياً ، إلا كَانُوا مَعَكمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ » .


وَفي روَايَة : « إلا شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ » . رواهُ مسلمٌ .


ورواهُ البخاريُّ عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : « إنَّ أقْواماً خَلْفَنَا بالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادياً ، إلا وَهُمْ مَعَنَا ؛ حَبَسَهُمُ العُذْرُ » .

في هذا الحديث : دليل على أن من صحت نيته ،
وعزم على فعل عمل صالح وتركه لعذر ، أن له مثل أجر فاعله .






ام عادل السلفية 19-01-2016 08:34AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)



5] وعن أبي يَزيدَ مَعْنِ بنِ يَزيدَ بنِ الأخنسِ رضي الله عنهم وهو وأبوه وَجَدُّه صحابيُّون قَالَ :


كَانَ أبي يَزيدُ أخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا ، فَوَضعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ ، فَجِئْتُ فأَخذْتُها فَأَتَيْتُهُ بِهَا . فقالَ : واللهِ ، مَا إيَّاكَ أرَدْتُ ، فَخَاصَمْتُهُ إِلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : « لكَ مَا نَوَيْتَ يَا يزيدُ ، ولَكَ ما أخَذْتَ يَا مَعْنُ » . رواهُ البخاريُّ .


في هذا الحديث : دليل على أن من نوى الصدقة على محتاج ، حصل له ثوابها ، ولو كان الآخذ ممن تلزمه نفقته ، أو غير أهل لها ، كما في قصة الذي تصدَّق على ثلاثة .






ام عادل السلفية 19-01-2016 08:39AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)



6] وعن أبي إسحاقَ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ مالِكِ بنِ أُهَيْب بنِ عبدِ منافِ ابنِ زُهرَةَ بنِ كلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لُؤيٍّ القُرشِيِّ الزُّهريِّ رضي الله عنه أَحَدِ العَشَرَةِ المشهودِ لهم بالجنةِ

قَالَ : جاءنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بي ، فقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! إنِّي قَدْ بَلَغَ بي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى ، وَأَنَا ذُو مالٍ وَلا يَرِثُني إلا ابْنَةٌ لي ، أفأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ : « لا » ، قُلْتُ : فالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فقَالَ : « لا » ، قُلْتُ : فالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : « الثُّلُثُ ، والثُّلُثُ كَثيرٌ - أَوْ كبيرٌ - إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أغنِيَاءَ خيرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يتكفَّفُونَ النَّاسَ ، وَإنَّكَ لَنْ تُنفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغي بِهَا وَجهَ اللهِ إلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِيِّ امْرَأَتِكَ » ،

قَالَ : فَقُلتُ : يَا رسولَ اللهِ ، أُخلَّفُ بعدَ أصْحَابي ؟ قَالَ : « إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعملَ عَمَلاً تَبتَغي بِهِ وَجْهَ اللهِ إلا ازْدَدتَ بِهِ دَرَجةً ورِفعَةً ، وَلَعلَّكَ أنْ تُخَلَّفَ حَتّى يَنتَفِعَ بِكَ أقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخرونَ .

اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحَابي هِجْرَتَهُمْ ولا تَرُدَّهُمْ عَلَى أعقَابهمْ ، لكنِ البَائِسُ سَعدُ بْنُ خَوْلَةَ » . يَرْثي لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه رسلم أنْ ماتَ بمَكَّة . مُتَّفَقٌ عليهِ .



في هذا الحديث : مشروعية عيادة المريض .

وفيه : الإنفاق على من تلزمه مؤنتهم ، والحث على الإخلاص في ذلك .

وفيه : أن من ترك مالاً قليلاً ، فالاختيار له : ترك الوصية ، وإبقاء المال للورثة ، ومن ترك مالاً كثيرًا ، جاز له الوصية بالثلث فما دون .
والله أعلم .





ام عادل السلفية 19-01-2016 08:42AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)



[7] وعنْ أبي هريرةَ عبدِ الرحمنِ بنِ صخرٍ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ، ولا إِلى صُوَرِكمْ ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ » . رواه مسلم .


في هذا الحديث : الاعتناء بحال القلب وصفاته ، وتصحيح مقاصده ،
وتطهيره عن كل وصف مذموم ؛ لأن عمل القلب هو المصحح للأعمال الشرعية ، وكمال ذلك بمراقبة الله سبحانه وتعالى .








ام عادل السلفية 21-01-2016 10:50AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)


[8] وعن أبي موسى عبدِ اللهِ بنِ قيسٍ الأشعريِّ رضي الله عنه قَالَ :
سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقاتلُ شَجَاعَةً ، ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً ، ويُقَاتِلُ رِيَاءً ، أَيُّ ذلِكَ في سبيلِ الله ؟

فقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيَا ، فَهوَ في سبيلِ اللهِ » .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

قال ابن عباس : كلمة الله : « لا إله إلا الله » .
وفي هذا الحديث : أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة .

وفيه : ذم الحرص على الدنيا ، وعلى القتال لحظ النفس في غير الطاعة .

وفيه : أن الفضل الذي يورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإِعلاء دين الله .

قال ابن أبي جمرة : إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه .

قال الحافظ : القتال يقع بسبب خمسة أشياء : طلب المغنم ، وإظهار الشجاعة ، والرياء ، والحمية ، والغضب ،
وكل منها يتناوله المدح والذم ، فلهذا لم يحصل الجواب بالإِثبات ولا بالنفي .









ام عادل السلفية 21-01-2016 10:52AM

بسم الله الرحمن الرحيم




تطريز رياض الصالحين

للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-

(1313هـ 1376 هـ)




[9] وعن أبي بَكرَةَ نُفيع بنِ الحارثِ الثقفيِّ رضي الله عنه
أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عايه وسلم قَالَ :
« إِذَا التَقَى المُسلِمَان بسَيْفَيهِمَا فالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النّارِ » .



قُلتُ : يا رَسُولَ اللهِ ، هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المقْتُولِ ؟
قَالَ : « إنَّهُ كَانَ حَريصاً عَلَى قتلِ صَاحِبهِ » .
مُتَّفَقٌ عليهِ .


في هذا الحديث :
العقاب على من عزم على المعصية بقلبه ، ووطَّن نفسه عليها .








ام عادل السلفية 23-01-2016 08:38AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



10] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : « صَلاةُ الرَّجلِ في جمَاعَةٍ تَزيدُ عَلَى صَلاتهِ في بيتهِ وصلاته فِي سُوقِهِ بضْعاً وعِشرِينَ دَرَجَةً ، وَذَلِكَ أنَّ أَحدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضوءَ ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ ، لا يَنْهَزُهُ إِلا الصَلاةُ ، لا يُرِيدُ إلا الصَّلاةَ : لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بها خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ ، فإِذا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ في الصَّلاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِي تَحْبِسُهُ ، وَالمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ ، يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيهِ ، مَا لَم يُؤْذِ فيه ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ » .

مُتَّفَقٌ عليه ، وهذا لفظ مسلم .


وقوله صلى الله عليه وسلم : « يَنْهَزُهُ » هُوَ بِفَتْحِ اليَاءِ والْهَاءِ وبالزَّايِ : أَيْ يُخْرِجُهُ ويُنْهضُهُ .

قوله : « لا يريد إلا الصلاة » ، أي : في جماعة ، وفيه : إشارة إلى اعتبار الإخلاص .


وفي هذا الحديث :
إشارة إلى بعض الأسباب المقتضية للدرجات ، وهو قوله : « وذلك أنه إذا توضأ ، فأحسن الوضوء ، ثم خرج إلى المسجد ، لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة » .

ومنها : الاجتماع والتعاون على الطاعة ، والألفة بين الجيران ، والسلامة من صفة النفاق ، ومن إساءة الظن به .

ومنها : صلاة الملائكة عليه ، واستغفارهم له ، وغير ذلك .









ام عادل السلفية 24-01-2016 09:40AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[11] وعن أبي العبَّاسِ عبدِ اللهِ بنِ عباسِ بنِ عبد المطلب رضي اللهُ عنهما ، عن رَسُول الله ﷺ فيما يروي عن ربهِ تباركَ وتعالى قَالَ :

« إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ والسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ ، فَمَنْ هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَها اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً ، وَإنْ هَمَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إِلى سَبْع مئةِ ضِعْفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ ، وإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلةً ، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً » .
مُتَّفَقٌ عليهِ .

هذا حديث شريف عظيم ، بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم مقدار ما تفضَّل الله به عزَّ وجلّ على خلقه من تضعيف الحسنات ، وتقليل السيئات .


زاد مسلم بعد قوله : « وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة » . « أو محاها ، ولا يَهْلِك على الله إلا هالكٌ » .

قال ابن مسعود : ويلٌ لمن غلبت وحداته عشراته .


قال العلماء : إنَّ السيئة تعظم أحيانًا بشرف الزمان أو المكان ، وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته ، كما قال تعالى : ﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ [ الأحزاب ] .







ام عادل السلفية 24-01-2016 09:43AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[12] وعن أبي عبد الرحمن عبدِ الله بنِ عمرَ بن الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما ، قَالَ : سمعتُ رسولَ الله ﷺ ، يقول :
« انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ ، فَقالُوا : إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلا أنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ .



قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلاً ولا مالاً ، فَنَأَى بِي طَلَب الشَّجَرِ يَوْماً فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ ، فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلاً أو مالاً ، فَلَبَثْتُ - والْقَدَحُ عَلَى يَدِي - أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَميَّ ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما .

اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ ، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ .



قَالَ الآخر : اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمّ ، كَانَتْ أَحَبَّ النّاسِ إليَّ - وفي رواية : كُنْتُ أُحِبُّها كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النساءَ - فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فامْتَنَعَتْ منِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمئةَ دينَارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا - وفي رواية : فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا ، قالتْ : اتَّقِ اللهَ وَلا تَفُضَّ الخَاتَمَ إلا بِحَقِّهِ ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا .


وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُل واحدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهبَ ، فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوَالُ ، فَجَاءنِي بَعدَ حِينٍ ، فَقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي ، فَقُلْتُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ : مِنَ الإبلِ وَالبَقَرِ والْغَنَمِ والرَّقيقِ ، فقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، لا تَسْتَهْزِئْ بي ! فَقُلْتُ : لا أسْتَهْزِئ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يتْرُكْ مِنهُ شَيئاً . الَّلهُمَّ إنْ كُنتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ » .


مُتَّفَقٌ عليهِ .

في هذا الحديث :
فضل الإخلاص في العمل ، وأنه ينجي صاحبه عند الكرب .


وفيه : فضل بر الوالدين وخدمتهما ، وإيثارهما على الولد والأهل ، وتحمُّل المشقة لأجلهما .

وفيه : العفة والانكفاف عن الحرام مع القدرة .

وفيه : فضل حسن العهد وأداء الأمانة ، والسماحة في المعاملة .







ام عادل السلفية 25-01-2016 10:42AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



2- باب التوبة

قَالَ العلماءُ : التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب ، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى لا تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط :
أحَدُها : أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ .
والثَّانِي : أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا .
والثَّالثُ : أنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً . فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ .


وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ : هذِهِ الثَّلاثَةُ ، وأنْ يَبْرَأ مِنْ حَقّ صَاحِبِها ، فَإِنْ كَانَتْ مالاً أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه ، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا .


ويجِبُ أنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي .


وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ والسُّنَّةِ ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ .

التوبة : الرجوع عن معصية الله تعالى إلى طاعته ، وطلب الاستحلال مِنَ المقذوف ونحوه إن بلغه ذلك ، و إلا كفى الاستغفار ، كما قال النبي ﷺ : « كفارةُ من اغتبته أن تسغفر له »


قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ النور (31) ] .

( لعل ) في الأصل للترجي ، وفي كلام الله تعالى للتحقيق ؛ لأنَّ وعده واقع والآية تدل على وجوب التوبة من الصغائر والكبائر .


وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾ [ نوح (10)] .
وهذه الآية أيضًا تدل على وجوب الاستغفار من جميع الذنوب .

وَقالَ تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا ﴾ [ التحريم (8) ] .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ، ثم لا يعود إليه ، كما لا يعود اللبن في الضرع .








ام عادل السلفية 26-01-2016 05:04PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[13] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : سمعْتُ رسولَ الله ﷺ يقول : « والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً » . رواه البخاري .

في هذا الحديث :
تحريض للأمة على التوبة والاستغفار .


قال ابن بطال : الأنبياء أشد الناس اجتهادًا في العبادة ، لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة ، فهم دائبون في شكره ، معترفون له بالتقصير .

-------

[14] وعن الأَغَرِّ بنِ يسار المزنِيِّ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُول الله ﷺ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ » . رواه مسلم .



في هذا الحديث أيضًا :
وجوب التوبة والاستغفار ، واستمرار ذلك في كل وقت ، وعلى كل حال .








ام عادل السلفية 04-02-2016 11:11AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[15] وعن أبي حمزةَ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ - خادِمِ رسولِ الله ﷺ - رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ :

« للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ » . مُتَّفَقٌ عليه .

وفي رواية لمُسْلمٍ : « للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ فأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتى شَجَرَةً فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ » .

في هذا الحديث :
محبة الله تعالى لتوبة عبده حين يتوب إليه ، وأنه يفرح بذلك فرحًا شديدًا يليق بجلاله .


وفيه : أنَّ ما قاله الإنسان في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به .

وفيه : ضرب المثل بما يصل إلى الأفهام من الأمور المحسوسة .

وفيه : بركة الاستسلام لأمر الله تعالى .



-----------

المصدر :


http://waqfeya.com/book.php?bid=3723


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@







ام عادل السلفية 04-02-2016 11:15AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[16] وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : « إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها » .
رواه مسلم .

في هذا الحديث :
طلب من اللطيف الرؤوف الغافر لعباده أن يتوبوا ، ليتوب عليهم .



[17] وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «مَنْ تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ » .
رواه مسلم .


قبول التوبة مستمر ما دام بابها مفتوحًا ، فإذا أغلق لم تقبل . قال الله تعالى ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾ [ الأنعام (158) ] ، يعني : إذا طلعت الشمس من مغربها ، لم ينفع الكافر إيمانه ، ولا العاصي توبته .






ام عادل السلفية 04-02-2016 11:17AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[18] وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بنِ عمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبي ﷺ ، قَالَ :
«إِنَّ الله عزوجل يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ » .
رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن » .

الغرغرة : وصول الروح الحلقوم .


قال الله تعالى ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباًأَلِيماً ﴾ [ النساء (18) ] ،


وقال تعالى : ﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ﴾ [ غافر (84 ، 85) ] .







ام عادل السلفية 04-02-2016 11:19AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[19] وعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ رضي الله عنه أسْألُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ ، فَقالَ : ما جاءَ بكَ يَا زِرُّ ؟
فقُلْتُ : ابتِغَاء العِلْمِ ، فقالَ : إنَّ المَلائكَةَ تَضَعُ أجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلْمِ رِضىً بِمَا يطْلُبُ .
فقلتُ : إنَّهُ قَدْ حَكَّ في صَدْري المَسْحُ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ والبَولِ ، وكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ ﷺ فَجئتُ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذكُرُ في ذلِكَ شَيئاً ؟
قَالَ : نَعَمْ ، كَانَ يَأْمُرُنا إِذَا كُنَّا سَفراً - أَوْ مُسَافِرينَ - أنْ لا نَنْزعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيهنَّ إلا مِنْ جَنَابَةٍ ، لكنْ مِنْ غَائطٍ وَبَولٍ ونَوْمٍ .
فقُلْتُ : هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكرُ في الهَوَى شَيئاً ؟
قَالَ : نَعَمْ ، كُنّا مَعَ رسولِ اللهِ ﷺ في سَفَرٍ ، فبَيْنَا نَحْنُ عِندَهُ إِذْ نَادَاه أَعرابيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ : يَا مُحَمَّدُ ، فأجابهُ رسولُ الله ﷺ نَحْواً مِنْ صَوْتِه : « هَاؤُمْ » فقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ ! اغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبي ﷺ ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا ! فقالَ : والله لا أغْضُضُ .
قَالَ الأعرَابيُّ : المَرْءُ يُحبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ ؟
قَالَ النَّبيُّ ﷺ : « المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَومَ القِيَامَةِ » .

فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَاباً مِنَ المَغْرِبِ مَسيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكبُ في عَرْضِهِ أرْبَعينَ أَوْ سَبعينَ عاماً – قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّواةِ : قِبَلَ الشَّامِ – خَلَقَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ مَفْتوحاً للتَّوْبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ .
رواه الترمذي وغيره ، وَقالَ : «حديث حسن صحيح » .


قوله : « حك » ، أي : أثَّر . والهوى : الحب .

وفي الحديث : فضل حب الله ورسوله والأخيار أحياء وأمواتًا .

وفيه : فضل العلم وأهله ، وفي صحيح مسلم ، قال أنس : « ما فرحنا فرحًا أشد ما فرحنا بقول النبي ﷺ : «المرء مع من أحب » .

وقال أنس : « أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر ، فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بعملهم » .





ام عادل السلفية 04-02-2016 11:22AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[20] وعن أبي سَعيد سَعْدِ بنِ مالكِ بنِ سِنَانٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنّ نَبِيَّ الله ﷺ قَالَ : « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً ، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ .
فقال : إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ ؟ فقالَ : لا ، فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ .
فقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟
فقالَ : نَعَمْ ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ ، ولا تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ ، فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ .
فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِباً ، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى ،
وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ : إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ - أيْ حَكَماً -
فقالَ : قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ » . مُتَّفَقٌ عليه .

وفي رواية في الصحيح : « فَكَانَ إلى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أهلِهَا » .

وفي رواية في الصحيح : « فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي ، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وقَالَ : قِيسُوا مَا بيْنَهُما ، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ » .


وفي رواية : « فَنَأى بصَدْرِهِ نَحْوَهَا » .




فوائد الحديث


في هذا الحديث : فضل العلم على العبادة .

وفيه : والهجرة من دار العصيان ، ومقاطعة إخوان السوء ، واستبدالهم بصحبة أهل الخير والصلاح .

وفيه : دليل على أنَّ القاضي إذا تعارضت الأقوال عنده ، يحكم بالقرائن .

وفيه : أن الذنوب وإن عظمت ، فعفو الله أعظم منها . وأن من صدق في توبته ، تاب الله عليه ، ولو لم يعمل خيرًا إذا عزم على فعله .








ام عادل السلفية 04-02-2016 10:48PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[22] وَعَنْ أبي نُجَيد - بضَمِّ النُّونِ وفتحِ الجيم - عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ الخُزَاعِيِّ رضي الله عنهما : أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ أتَتْ رسولَ الله ﷺ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ،
فقالتْ : يَا رسولَ الله ، أصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا نَبيُّ الله ﷺ وَليَّها ، فقالَ : «أَحْسِنْ إِلَيْهَا ، فإذا وَضَعَتْ فَأْتِني » فَفَعَلَ فَأَمَرَ بهَا نبيُّ الله ﷺ ، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا .


فقالَ لَهُ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُول الله وَقَدْ زَنَتْ ؟ قَالَ: « لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفضَلَ مِنْ أنْ جَادَتْ بنفْسِها لله ؟! » . رواه مسلم .

في هذا الحديث :
دليل على أنَّ الحد يكفر الذنب ، وأنه يصلي على المرجوم .


وفيه : بيان عظم التوبة ، وأنها تَجُبُّ الذنب وإن عظم .

وفي رواية : « ثم أمر بها ، فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها ، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها ، فتنضَّح الدم على وجه خالد فسبَّها ، فسمع النبي ﷺ سبّه إياها ، فقال : مهلاً يا خالد ، فوالذي نفسي بيده ، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفر له ، ثم أمر بها فصلى عليها ودُفنت » .


قال النووي : فيه : أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات ، وذلك لكثرة مطالبات الناس له ، وظلاماتهم عنده ، تكرار ذلك منه ، وانتهاكه للناس ، وأخذ أموالهم بغير حقها ، وصرفها في غير وجهها . انتهى والله المستعان .






ام عادل السلفية 04-02-2016 10:52PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[24] وعن أبي هريرة وضي الله عنه أنَّ رسولَ الله ﷺ ، قَالَ :
«يَضْحَكُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يقْتلُ أَحَدهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ ، يُقَاتِلُ هَذَا في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتلِ فَيُسْلِم فَيُسْتَشْهَدُ » . مُتَّفَقٌ عليه .

ختم المصنف الباب بهذا الحديث إشارة إلى أنَّ الإنسان ينبغي له أن يتوب من الذنب الذي اقترفه وإن كان كبيرًا ، ولا يؤيسه ذلك من رحمة الله ، فإن الله واسع المغفرة .

قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [ الزمر (53) ] .







ام عادل السلفية 04-02-2016 10:55PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




3- باب الصبر

قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾ [ آل عمران (200) ] .

الصبر ثلاثةُ أَنواع : صبرٌ على طاعة الله ، وصبرٌ عن محارم الله ، وصبرٌ على أقدار الله . وقد أَمر الله تعالى بالصبر على ذلك كله .

وقوله تعالى : ﴿ وَصَابِرُوا ﴾ أي : غالبوا الكفار بالصبر فلا يكونوا أَشدَّ صبرًا منكم ، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون .

وقوله تعالى : ﴿ وَرَابِطُوا ﴾ أي : أقيموا على الجهاد . قال ﷺ : « رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها » .


وقال ﷺ : « أَلا أَدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات » ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : « إِسباغ الوضوء على المكاره ، وكَثْرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فذلكم الرباط ، فذالكم الرباط » .


وقال تَعَالَى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (155)] ،

على البلايا والرزايا بالذكر الجميل والثَواب الجزيل .



وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [ الزمر (10) ] .

أي : بغيرِ مكْيالٍ ، ولا وزن ، فلا جزاء فوق جزاء الصبر .

وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [الشورى (43) ] .

أي : مَنْ صبر فلم ينتصر لنفسه وتجاوز عن ظالمه ، فإِن ذلك من الأمور المشكورة ، والأفعال الحميدة .




وَقالَ تَعَالَى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (153) ]

أي : استعينوا على طلب الآخرة بحبس النَّفْس عن المعاصي ، والصبر على أداء الفرائض ، فإنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ﴾ أي : ثقيلة ﴿ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ أي : المؤمنين حقًّا .




وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴾ [ محمد (31) ] ، وَالآياتُ في الأمر بالصَّبْر وَبَيانِ فَضْلهِ كَثيرةٌ مَعْرُوفةٌ .

أي : ولنختبرنكم بالتكاليف حتى يتميز الصادق في دينه من الكاذب . قال تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [ الحج (11) ] .


وَالآيَاتُ في الأَمْرِ بِالصَّبْرِ وَبَيَانِ فَضْلهِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفةٌ .


قيل : إنَّ الصبر ذُكِرَ في مئة موضع من القرآن .






ام عادل السلفية 08-02-2016 03:44PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[26] وعن أبي سَعيد سعدِ بن مالكِ بنِ سنانٍ الخدري رضي الله عنهما : أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رسولَ الله ﷺ فَأعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ : « مَا يَكُنْ عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ . وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر » . مُتَّفَقٌ عليه .

في هذا الحديث :
الحثُّ على الاستعفاف ، وأَنَّ مَنْ رزقه الله الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا ، فقد أعطاه خيرًا كثيرًا .


[26] وعن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ :
« عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ » . رواه مسلم .

في هذا الحديث :
فَضْلُ الشكر على السّرّاء والصبر على الضرّاء ، فمن فعل ذلك حصل له خيرُ الدارين ، ومَنْ لم يشكر على النعمة ، ولم يصبر على المصيبة ، فاته الأَجر ، وحصل له الوِزْر .







ام عادل السلفية 08-02-2016 03:46PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[28] وعن أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا ثَقُلَ النَّبيُّ ﷺ جَعلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْبُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها : وَاكَربَ أَبَتَاهُ . فقَالَ : « لَيْسَ عَلَى أَبيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ » فَلَمَّا مَاتَ ، قَالَتْ : يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ ! يَا أَبتَاهُ ، جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ ! يَا أَبَتَاهُ ، إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ ! فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضي الله عنها : أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُول الله r التُّرَابَ ؟! رواه البخاري .

في هذا الحديث :
جوازُ التوجع للميِّت عند احتضاره ، وأَنه ليس من النياحة .



ومناسبة إِيراده في باب الصبر : صبرُهُ ﷺ على ما هو فيه من سكرات الموت ، وشدائده ، ورضاه بذلك ، وتسكين ما نزل بالسيدة فاطمة من مشاهدة ذلك بقوله : « لا كرب عَلَى أَبيكِ بَعْدَ اليَوْمِ » .








ام عادل السلفية 08-02-2016 03:48PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ


[29] وعن أبي زَيدٍ أُسَامَةَ بنِ زيدِ بنِ حارثةَ مَوْلَى رسولِ الله ﷺ وحِبِّه وابنِ حبِّه رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : أرْسَلَتْ بنْتُ النَّبيِّ ﷺ إنَّ ابْني قَد احْتُضِرَ فَاشْهَدنَا ، فَأَرْسَلَ يُقْرئُ السَّلامَ ، ويقُولُ : « إنَّ لله مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى فَلتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ » فَأَرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا . فقامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ ، وَرجَالٌ ، فَرُفعَ إِلَى رَسُول الله ﷺ الصَّبيُّ ، فَأقْعَدَهُ في حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، فَفَاضَتْ عَينَاهُ فَقالَ سَعدٌ : يَا رسولَ الله ، مَا هَذَا ؟ فَقالَ : « هذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ » وفي رواية : « فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَمَعنَى « تَقَعْقَعُ » : تَتَحرَّكُ وتَضْطَربُ .

في هذا الحديث :
جوازُ استحضار أهل الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم ، واستحباب إبرار القسم ، وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاومًّا للحزن بالصبر ,


وفيه : جواز البكاء من غير نوح ونحوه .





ام عادل السلفية 11-02-2016 06:54PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ


[30] وعن صهيب رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله ﷺ ، قَالَ :
« كَانَ مَلِكٌ فيمَنْ كَانَ قَبلَكمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ للمَلِكِ : إنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إلَيَّ غُلاماً أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ ؛ فَبَعثَ إِلَيْهِ غُلاماً يُعَلِّمُهُ ، وَكانَ في طرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعدَ إِلَيْه وسَمِعَ كَلامَهُ فَأعْجَبَهُ ، وَكانَ إِذَا أتَى السَّاحِرَ ، مَرَّ بالرَّاهبِ وَقَعَدَ إِلَيْه ، فَإذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِب ، فَقَالَ : إِذَا خَشيتَ السَّاحِرَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإذَا خَشِيتَ أهلَكَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِرُ .


فَبَيْنَما هُوَ عَلَى ذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ
فَقَالَ : اليَوْمَ أعْلَمُ السَّاحرُ أفْضَلُ أم الرَّاهبُ أفْضَلُ ؟ فَأخَذَ حَجَراً، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِهِ الدّابَّةَ حَتَّى يَمضِي النَّاسُ ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَها ومَضَى النَّاسُ ، فَأتَى الرَّاهبَ فَأَخبَرَهُ .


فَقَالَ لَهُ الرَّاهبُ : أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَومَ أفْضَل منِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإن ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ ؛ وَكانَ الغُلامُ يُبْرىءُ الأكْمَهَ وَالأَبْرصَ ، ويداوي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاء .


فَسَمِعَ جَليسٌ لِلملِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فأتاه بَهَدَايا كَثيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا ها هُنَا لَكَ أَجْمعُ إنْ أنتَ شَفَيتَنِي ، فَقَالَ : إنّي لا أشْفِي أحَداً إِنَّمَا يَشفِي اللهُ تَعَالَى ، فَإنْ آمَنْتَ بالله تَعَالَى دَعَوتُ اللهَ فَشفَاكَ ، فَآمَنَ بالله تَعَالَى فَشفَاهُ اللهُ تَعَالَى ،


فَأَتَى المَلِكَ فَجَلسَ إِلَيْهِ كَما كَانَ يَجلِسُ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَنْ رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ قَالَ : رَبِّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيري ؟ قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ ،


فَجيء بالغُلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : أيْ بُنَيَّ ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وتَفْعَلُ وتَفْعَلُ ! فَقَالَ : إنِّي لا أَشْفي أحَداً ، إِنَّمَا يَشفِي الله تَعَالَى .


فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهبِ ؛ فَجِيء بالرَّاهبِ فَقيلَ لَهُ : ارجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَعَا بِالمِنْشَارِ فَوُضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ،


ثُمَّ جِيءَ بِجَليسِ المَلِكِ فقيل لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى ، فَوضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرِق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ،


ثُمَّ جِيءَ بالغُلاَمِ فقيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أصْحَابهِ ،
فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الجَبَل ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فَاطْرَحُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفنيهمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بهِمُ الجَبلُ فَسَقَطُوا ، وَجاءَ يَمشي إِلَى المَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فَعَلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانِيهمُ الله تَعَالَى ،


فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ وتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ ، فَإنْ رَجعَ عَنْ دِينِهِ وإِلا فَاقْذِفُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفِنيهمْ بمَا شِئْتَ ، فانْكَفَأَتْ بِهمُ السَّفينةُ فَغَرِقُوا ، وَجَاء يَمْشي إِلَى المَلِكِ . فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فعلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانيهمُ الله تَعَالَى .


فَقَالَ لِلمَلِكِ : إنَّكَ لَسْتَ بقَاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعيدٍ وَاحدٍ وتَصْلُبُني عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتي ، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ : بسْم الله ربِّ الغُلاَمِ ، ثُمَّ ارْمِني، فَإنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلتَني،


فَجَمَعَ النَّاسَ في صَعيد واحدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ ، ثُمَّ قَالَ : بِسمِ اللهِ ربِّ الغُلامِ ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوقَعَ في صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ فَمَاتَ ، فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ ،


فَأُتِيَ المَلِكُ فقيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ والله نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ . قَدْ آمَنَ النَّاسُ .


فَأَمَرَ بِالأُخْدُود بأفْواهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وأُضْرِمَ فيهَا النِّيرانُ وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجعْ عَنْ دِينهِ فَأقْحموهُ فيهَا ، أَوْ قيلَ لَهُ: اقتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءت امْرَأةٌ وَمَعَهَا صَبيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أنْ تَقَعَ فيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلامُ : يَا أُمهْ اصْبِري فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ ! » . رواه مسلم .


« ذِروَةُ الجَبَلِ » : أعْلاهُ ، وَهيَ - بكَسْر الذَّال المُعْجَمَة وَضَمِّهَا -
و« القُرْقُورُ » : بضَمِّ القَافَينِ نَوعٌ مِنَ السُّفُن
وَ« الصَّعيدُ » هُنَا : الأَرضُ البَارِزَةُ
وَ« الأُخْدُودُ » الشُّقُوقُ في الأَرضِ كَالنَّهْرِ الصَّغير ،
وَ« أُضْرِمَ » : أوْقدَ ،
وَ« انْكَفَأتْ » أَي : انْقَلَبَتْ ،
وَ« تَقَاعَسَتْ » : تَوَقفت وجبنت .

قال القُرطبي : اسم الغلام عبد الله بن ثامر . وذُكر عن ابن عباس أَن الملك كان بنجران .
وفي هذا الحديث : إِثبات كرامة الأَولياء . وفيه : نصرُ مَنْ توكل على الله سبحانه ، وانتصر وخرج عن حَوْل نفسه وقواها . وفيه : أَنَّ أَعمى القلب لا يبصر الحق . وفيه : بيان شرف الصبر والثبات على الدِّين .







ام عادل السلفية 11-02-2016 07:03PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ


[31] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : مَرَّ النَّبيُّ ﷺ بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ :
« اتّقِي الله واصْبِري »
فَقَالَتْ : إِليْكَ عَنِّي ؛ فإِنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبَتي وَلَمْ تَعرِفْهُ ، فَقيلَ لَهَا : إنَّه النَّبيُّ ﷺ فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ ﷺ ، فَلَمْ
تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ ،
فقالتْ : لَمْ أعْرِفكَ ،
فَقَالَ : « إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى » .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

وفي رواية لمسلم : « تبكي عَلَى صَبيٍّ لَهَا » .

في هذا الحديث :
أَن ثواب الصبر إِنَّما يحصل عند مفاجأة المصيبة ، بخلاف ما بعدها ، فإن صاحبها يسلو كما تسلو البهائم .



[32] وعن أبي هريرة رضي الله عنه :
أنَّ رسولَ الله ﷺ قَالَ :
« يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلا الجَنَّةَ » .
رواه البخاري .

هذا من الأحاديث القدسية ،
وفيه : أَنَّ مَنْ صبر على المصيبة واحتسب
ثوابها عند الله تعالى ، فإنَّ جزاءه الجنَّة .





ام عادل السلفية 11-02-2016 07:06PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ


[33] وعن عائشةَ رضيَ الله عنها :
أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله ﷺ عَنِ الطّاعُونِ ، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ . رواه البخاري .

في هذا الحديث :
فَضْلُ الصبر على الأَقدار والاحتساب لثوابها .



قال بعض العلماء : إِنَّ الصابر في الطاعون يأمن من فَتَّان القبر ؛ لأَنه نظير المرابطة في سبيل الله . وقد صحَّ ذلك في المرابط كما في ( مسلم ) وغيره .


[34] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول : « إنَّ الله تعالى ، قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عبدي بحَبيبتَيه فَصَبرَ عَوَّضتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ » يريد عينيه ، رواه البخاري .

في هذا الحديث القدسي :
أَن من صبر على فقد بصره واحتسب أجره عند الله تعالى : عَوَّضه عن ذلك الجنة .







ام عادل السلفية 19-02-2016 12:38AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ


[35] وعن عطَاء بن أبي رَباحٍ قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَباسٍ رضي اللهُ عنهما : ألا أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة ؟ فَقُلْتُ: بَلَى ،
قَالَ : هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ أتتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : إنّي أُصْرَعُ ، وإِنِّي أتَكَشَّفُ ، فادْعُ الله تَعَالَى لي .


قَالَ : « إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أنْ يُعَافِيكِ » فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ،
فَقَالَتْ : إنِّي أتَكَشَّفُ فَادعُ الله أنْ لا أَتَكَشَّف ، فَدَعَا لَهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

في هذا الحديث :
فَضْلُ الصبر على البلاء ، وعظم ثواب مَنْ فَوَّض أَمره إلى الله تعالى .


[36] وعن أبي عبد الرحمنِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى رسولِ الله ﷺ يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ ،

صَلَواتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ ، ضَرَبه قَوْمُهُ فَأدْمَوهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، يَقُولُ : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي ، فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ » . مُتَّفَقٌ علَيهِ .



في هذا الحديث :
فضلُ الصبر على الأَذي ، ومقابلة الإِساءة والجهل بالإحسان والحِلْم ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35 ﴾ [ فُصِّلت (35) ] .






ام عادل السلفية 19-02-2016 12:41AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[37] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما ، عن النَّبيِّ ﷺ ، قَالَ : « مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ ، وَلا حَزَنٍ ، وَلا أذَىً ، وَلا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
و« الوَصَبُ » : المرض .

في هذا الحديث :
أَنَّ الأمراض وغيرها من المؤذيات مُطهرةٌ للمؤمن من الذنوب ، فَيَنْبَغِي الصَّبرُ على ذلك ليحصل له الأَجرُ ، والمصاب مَنْ حُرِم الثواب .




[38] وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : دخلتُ عَلَى النَّبيِّ ﷺ وهو يُوعَكُ ، فقلت : يَا رسُولَ الله ، إنَّكَ تُوْعَكُ وَعْكاً شَدِيداً ، قَالَ : « أجَلْ ، إنِّي أوعَكُ كمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُمْ » . قلْتُ: ذلِكَ أن لَكَ أجْرينِ ؟ قَالَ : « أَجَلْ ، ذلِكَ كَذلِكَ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئَاتِهِ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


وَ( الوَعْكُ ) : مَغْثُ الحُمَّى ، وَقيلَ : الحُمَّى .

أَجَلْ : جوابٌ مثل نعم ، إِلا أَنَّه أَحسن من نعم في التصديق ، ونعم ، أَحسن في الاستفهام .

وفي هذا الحديث :
فضل الصبر على الأَمراض والأَعراض ، وأَنها تُكَفِّر السيِّئات ، وتحط الذنوب .

وفي الحديث الآخر : « أّشدُّ الناس بلاءً الأَنبياء ، ثم الأَمثل ، فالأَمثل » .



-----------

المصدر :


http://waqfeya.com/book.php?bid=3723


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@






ام عادل السلفية 19-02-2016 12:46AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[39] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : « مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ » . رواه البخاري .
وَضَبَطُوا « يُصِبْ » بفَتْح الصَّاد وكَسْرها .

في هذا الحديث :
أَنَّ المؤمن لا يخلو من عِلَّة أَو قلة ، أَو ذلّة ، وذلك خير له حالاً ومآلاً . قال الله تعالى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (155) ].




[40] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فاعلاً ، فَليَقُلْ : اللَّهُمَّ أحْيني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيراً لِي ، وَتَوفّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيراً لي » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


في هذا الحديث :
النهي عن تمنِّي الموت جزعًا من البلاء الدنيوي ، بل يصبر على قدر الله ويسأَله العافية ، ويفوِّض أَمره إِلى الله .








ام عادل السلفية 19-02-2016 12:54AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[41] وعن أبي عبد الله خَبَّاب بنِ الأَرتِّ رضي الله عنه قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رسولِ الله ﷺ وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظلِّ الكَعْبَةِ ، فقُلْنَا :
أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ألا تَدْعُو لَنا ؟
فَقَالَ : « قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ في الأرضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نصفَينِ ، وَيُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحَديدِ مَا دُونَ لَحْمِه وَعَظْمِهِ ، مَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ الله هَذَا
الأَمْر حَتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَموتَ
لا يَخَافُ إلا اللهَ والذِّئْب عَلَى غَنَمِهِ ، ولكنكم تَسْتَعجِلُونَ » . رواه البخاري .


وفي رواية : « وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَقَدْ لَقِينا مِنَ المُشْرِكِينَ شدَّةً » .

في هذا الحديث :
مَدْحُ الصبر على العذاب في الدين ، وكراهة الاستعجال . قال الله تعالى : ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴾ [ البقرة (214) ] .





ام عادل السلفية 19-02-2016 12:57AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ


[42] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رسولُ الله ﷺ نَاساً في القسْمَةِ ، فَأعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ ، وَأَعطَى نَاساً مِنْ أشْرافِ العَرَبِ وآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ . فَقَالَ رَجُلٌ : واللهِ إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا ، وَمَا أُريدَ فيهَا وَجْهُ اللهِ ، فَقُلْتُ : وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله ﷺ ، فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا قَالَ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ .
ثُمَّ قَالَ : « فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ ؟ »
ثُمَّ قَالَ : « يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر » .
فَقُلْتُ : لا جَرَمَ لا أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثاً .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


وَقَوْلُهُ : « كالصِّرْفِ » هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ : وَهُوَ صِبْغٌ أحْمَر .

في هذا الحديث :
استحبابُ الإِعراض عن الجاهل والصفح عن الأَذى والتأَسِّي بمن مضى من الصالحين ، قال الله تعالى : ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ﴾ [ الفرقان (63) ] .




[43] وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ :
« إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يومَ القِيَامَةِ » .


وَقالَ النَّبيُّ ﷺ : « إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ » .
رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن ».

في هذا الحديث :
الحثُّ على الصبر على ما تجري به الأَقدار ، وأَنه خيرٌ للناس في الحال والمآل ، فمن صبر فاز ، ومن سخط فاته الأَجر وثبت عليه الوِزْر ، ومضى فيه القدر .








ام عادل السلفية 20-02-2016 10:44AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ


[44] وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ رضي الله عنه يَشتَكِي ، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ ، فَقُبِضَ الصَّبيُّ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ ، قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي ؟ قَالَتْ أمُّ سُلَيم وَهِيَ أمُّ الصَّبيِّ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إليه العَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ منْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ ، قَالَتْ : وَارُوا الصَّبيَّ فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رسولَ الله ﷺ فَأخْبَرَهُ ، فَقَالَ : « أعَرَّسْتُمُ اللَّيلَةَ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا » ، فَوَلَدَتْ غُلاماً ، فَقَالَ لي أَبُو طَلْحَةَ : احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبيَّ ﷺ ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِتَمَراتٍ ، فَقَالَ : « أَمَعَهُ شَيءٌ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، تَمَراتٌ ، فَأخَذَهَا النَّبيُّ ﷺ فَمَضَغَهَا ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبدَ الله . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


وفي رواية للبُخَارِيِّ : قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ : فَرَأيْتُ تِسعَةَ أوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَؤُوا القُرْآنَ ، يَعْنِي : مِنْ أوْلادِ عَبدِ الله المَولُودِ .


وَفي رواية لمسلمٍ : مَاتَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ مِنْ أمِّ سُلَيمٍ ، فَقَالَتْ لأَهْلِهَا : لا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْه عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلِكَ ، فَوَقَعَ بِهَا . فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وأَصَابَ مِنْهَا ، قَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ ، أَرَأَيتَ لو أنَّ قَوماً أعارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ ، أَلَهُمْ أن يَمْنَعُوهُمْ ؟ قَالَ : لا ، فَقَالَتْ : فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ ، قَالَ : فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : تَرَكْتِني حَتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ ، ثُمَّ أخْبَرتني بِابْنِي ؟! فانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رسولَ الله ﷺ فَأخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : « بَارَكَ اللهُ في لَيْلَتِكُمَا » ، قَالَ : فَحَمَلَتْ . قَالَ : وَكانَ رسولُ الله ﷺ في سَفَرٍ وَهيَ مَعَهُ ، وَكَانَ رسولُ الله ﷺ إِذَا أَتَى المَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لا يَطْرُقُهَا طُرُوقاً فَدَنَوا مِنَ المَدِينَة ، فَضَرَبَهَا المَخَاضُ ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ ، وانْطَلَقَ رسولُ الله ﷺ . قَالَ : يَقُولَ أَبُو طَلْحَةَ : إنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أَنَّهُ يُعْجِبُنِي أنْ أخْرُجَ مَعَ رسولِ الله ﷺ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى ، تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ : يَا أَبَا طَلْحَةَ ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أجدُ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا وَضَرَبَهَا المَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلدَت غُلامَاً . فَقَالَتْ لِي أمِّي : يَا أنَسُ ، لا يُرْضِعْهُ أحَدٌ حَتَّى تَغْدُو بِهِ عَلَى رسولِ الله ﷺ ، فَلَمَّا أصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ الله ﷺ . وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيثِ .

في هذا الحديث :
فَضْلُ الصبر والتسليم لأَمر الله تعالى ، وأَنِّ مَنْ فعل ذلك رجي له الإِخلاف في الدنيا ، والأَجر في الآخرة كما في الدُّعاء المأثور : « ( اللهم أَجرني في مصيبتي ، واخلف لِي خيرًا منها » .


وفيه : التسلية عن المصائب ، وتزين المرأَة لزوجها ، واجتهادها في عمل مصالحه ، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورةُ إليها ، ولم يترتب عليها إِبطالُ حق .

وفيه : أَنَّ مَنْ ترك شيئًا لله عوضه اللهُ خيرًا منه .




ام عادل السلفية 20-02-2016 10:52AM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[45] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله ﷺ قَالَ : « لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


« وَالصُّرَعَةُ » : بضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وأَصْلُهُ عِنْدَ العَرَبِ مَنْ يَصْرَعُ النَّاسَ كَثيراً .

في هذا الحديث :
مَدْح من يملك نفسه عند الغضب . قال الله تعالى : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ آل عمران (134) ] .



والغضب : جماع الشر ، والتحرز منه جماع الخير ، وقال رجل للنبي ﷺ : أوصني . قال : « لا تغضب » ، فردَّد مرارًا . قال : « لا تغضب » .
وقال عمر بن عبد العزيز : قد أَفْلح مَنْ عُصِم من الهوى ، والغضب ، والطمع .



[46] وعن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ جالِساً مَعَ النَّبيّ ﷺ ، وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ ، وَأَحَدُهُمَا قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ ، فَقَالَ رَسُول اللهِ ﷺ : « إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ، ذَهَبَ عنْهُ مَا يَجِدُ » .
فَقَالُوا لَهُ : إنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ : « تَعَوّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

في هذا الحديث :
أن الشيطان هو الذي يثير الغضب ويشعل النار ، وأن دواءه الاستعاذة . قال الله تعالى : ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الاعراف (200) ] .




ام عادل السلفية 25-02-2016 04:24PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




[47] وعن معاذِ بنِ أَنسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ ، قَالَ : « مَنْ كَظَمَ غَيظاً ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَهُ ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ » .
رواه أَبو داود والترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) .

رُوى أنَّ الحسين بن علي رضي الله عنهما كان له عبدٌ يقوم بخدمته ويقرب إليه طهره ، فقرب إليه طهره ذات يوم في كُوز ، فلما فَرَغ الحسين من طهوره رفع العبدُ الكوز من بين يديه ، فأصاب فم الكوز رباعية الحسين فكسرها ، فنظر إليه الحسين ، فقال العبد : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ قال : قد كظمتُ غيظي . فقال : ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ . قال : قد عفوت عنك . قال : ﴿ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ قال : اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى .



[48] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبي ﷺ : أوصِني . قَالَ : « لا تَغْضَبْ » فَرَدَّدَ مِراراً ، قَالَ : « لا تَغْضَبْ » . رواه البخاري .

هذه وصيةٌ وجيزة نافعة ؛ لأَنَّ الغضب يجمع الشرَّ كله ، وهو باب من من مداخل الشيطان .


وفي الحديث دليلٌ على عظم مفسدة الغضب ، وما ينشأ منه ؛ لأَنه يُخرج الإِنسان عن اعتداله فيتكلم بالباطل ، ويفعل المذموم والقبيح .








ام عادل السلفية 25-02-2016 04:29PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[49] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَا يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن صحيح ) .

في هذا الحديث :
أنَّ المصائبَ والمتاعب النازلة بالمؤمن الصابر من المرض ، والفقر ، وموت الحبيب ، وتلف المال ، ونقصه : مكفَّرات لخطاياه كلها .




[50] وعن ابْنِ عباسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ وضي الله عنه ، وَكَانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجْلِس عُمَرَ رضي الله عنه وَمُشاوَرَتِهِ كُهُولاً كانُوا أَوْ شُبَّاناً ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ : يَا ابْنَ أخِي ، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ ، فاسْتَأذَن فَأذِنَ لَهُ عُمَرُ . فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : هِي يَا ابنَ الخَطَّابِ ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ . فَغَضِبَ عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ بِهِ . فَقَالَ لَهُ الحُرُّ : يَا أميرَ المُؤْمِنينَ ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ ﷺ : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [ الأعراف (199) ] وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ ، واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا ، وكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى . رواه البخاري .


في هذا الحديث :
أَنَّه ينبغي لولي الأَمر مجالسة القراء والفقهاء ليذكروه إذا نسي ، ويعينوه إذا ذكر .



وفيه :
الحِلْم والصفح عن الجهال .


قال جعفر الصادق : ليس في القرآن آيةٌ أَجمع لمكارم الأخلاق من هذه .
ورُوي أَنَّ جبريل قال للنبي ﷺ : « إِنَّ ربَّك يأمرك أن تصل مَنْ قطعك ، وتُعطي مَنْ حرمك ، وتعفوَ عَمَّن ظلمك » .
والخطاب ﷺ يدخل في حكمه أُمَّته .







ام عادل السلفية 25-02-2016 04:36PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ



[51] وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رَسُول الله ﷺ قَالَ : « إنَّهَا سَتَكونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها ! » قَالُوا : يَا رَسُول الله ، فَمَّا تَأْمُرُنا ؟ قَالَ : « تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسأَلُونَ الله الَّذِي لَكُمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« وَالأَثَرَةُ » : الانْفِرادُ بالشَّيءِ عَمنَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ .

في هذا الحديث :
الصَّبْر على جَور الولاة ، وإِن استأثروا بالأَموال ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم .



[52] وعن أبي يحيى أُسَيْد بن حُضَير رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ قَالَ :
يَا رسولَ الله ، ألا تَسْتَعْمِلُني كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاناً ، فَقَالَ : « إنكُمْ سَتَلْقَونَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوني عَلَى الحَوْضِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« وَأُسَيْدٌ » : بضم الهمزة . « وحُضيْرٌ » : بحاءٍ مهملة مضمومة وضاد معجمة مفتوحة ، والله أعلم .

قيل : إِنَّ وجه المناسبة بين الجواب والسؤال أَنَّ من شأن العامل الاستئثار إِلا مَنْ عصم الله ، فَأشفق عليه ﷺ مِن أَن يقع فيما يقع فيه بعضُ من يأتي بعده من الملوك ، فَيَسْتأثر على ذوي الحقوق ، وهذا من جملة معجزاته ﷺ فقد وقع كما أَخبر .



[53] وعن أبي إبراهيم عبدِ الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله ﷺ في بعْضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ ، انْتَظَرَ حَتَّى إِذَا مالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهمْ ، فَقَالَ : « يَا أيُّهَا النَّاسُ ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ ، فَإِذَا لقيتُمُوهُمْ فَاصْبرُوا ، وَاعْلَمُوا أنّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوفِ » .
ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ ﷺ : « اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانصُرْنَا عَلَيْهمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وبالله التوفيق .

في هذا الحديث :
الدعاء حال الشدائد ، والخروج من الحول والقوة ، والنهي عن تمنِّي لقاء العدو ، والأَمر بالصبر والثبات عند اللقاء .



وفيه :
الحضُّ على الجهاد . وفيه : الجمع بين الأَخذ بالأَسباب ، والتوكُّل على الله تعالى .








ام عادل السلفية 25-02-2016 04:42PM

بسم الله الرحمن الرحيم




( تطريز رياض الصالحين)

للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ




4- باب الصدق

قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة (119) ] .

أي : اتقوا الله بترك ما نهى عنه ، وكونوا مع الصادقين في نياتهم وأعمالهم وأقوالهم .


وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ﴾ [ الأحزاب (35) ] .
أي : الصادقين في جميع الأحوال .


وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ﴾ [ محمد (21) ] .
أي : لو صدقوا الله في الإيمان والطاعة .


وأما الأحاديث :

[54] فالأول : عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : « إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً . وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

البر : اسم جامع للخير كله .
والفجور : الأعمال السيئة .


قال القرطبي : حق على كل من فهم عن الله أن يلازم الصدق في الأقوال ، والإخلاص في الأعمال ، والصفاء في الأحوال .
فمن كان كذلك لحق بالأبرار ، ووصل إلى رضاء الغفار .


وقد أرشد تعالى إلى ذلك كله بقوله عند ذكر أحوال الثلاثة التائبين : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة (119) ] .







Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

 


Security team