ما هي الضوابط الشرعية لعمليات التجميل؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جَسَدُ الإنسان ملْكٌ لله تعالى كما قال تعالى: { ولله ملك السماوات والأرض وما فيهّن وهو على كل شي قدير }.[ المائدة :120 ]. وعليه فإنّه لا يحق لأحدٍ أن يتصرّف في ملك بما يحرمه مالكه. وبناء على ذلك فلا يحل للطبيب أن يباشر جسم المريض إلا إذا كان سيعمل عملاً أذِن به الشرع ولا يكفي إذْنُ المريض ورضاه. قال ابن القيم: " فإنّه لا يجوز الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه، ولا أوجب قطعه، كما لو أذن له في قطع أذنه أو أصبعه، فإنّه لا يجوز له ذلك، ولا يسقط الإثم عنه بالإذن "(1). سئل ابن تيمية عن رجل له مملوك هرب منه ثم رجع أخفى سكينة وقتل نفسه. فأجاب: " لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه، بل كان عليه إذا لم يمكنه دفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرّج الله، فإن كان سيّدُه ظلمه حتى فعل ذلك، مثل أن يقتّر عليه في النفقة أو يعتدي عليه في الاستعمال أو يضربه بغير حق فإن على سيّده من الوزر بقدر ما نسب إليه في المعصية "(2). أخبر الله تعالى أن الشيطان توعّد أن يضل بني آدم بحملهم على أمور منها تغيير خلق الله تعالى كما في قوله: { ولآمرنهم فليغيرنّ خلق الله }[سورة النساء:119]. وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير هذا التغيير على أقوال: الأول: أنه تغيير دين الله الذي خلق الناس وفطرهم عليه. الثاني: أنّ المراد به الخصاء. الثالث: أنّه الوشم. الرابع: أنّه عبادة الشمس والقمر والحجارة التي خلقها الله تعالى للاعتبار والانتفاع بها فغيرها الكفار وجعلوها معبودة(3). وليس بين هذه الأقوال تضارب ولا اختلاف، فإنّ من طريقة السلف في التفسير: التعبير عن المراد بالآية بذكر أحد أفراد المعنى، دون إرادة حصر المعنى فيه. وفي هذا يقول ابن تيمية: ( .. يقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافًا ، فيحكيها أقوالاً، وليس كذلك، فإنّ منهم من يعبّر عن الشيء بلازمه أو نظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك )(4). ولذا اختار الطبري المعنى الأول للآية إذ يقول: ( وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال معناه دين الله وذلك لدلالة الآية الأخرى على أنّ ذلك معناه وهي قوله: { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم }[ سورة الروم:30] وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهي عن وشمه، ووشره، وغير ذلك من المعاصي ودخل فيه ترك كل ما أمر الله به، لأن الشيطان لا شَكّ أنه يدعو إلى جميع معاصي الله وينهى عن جميع طاعته )(5). فيكون معنى الآية: أنَّ الشيطان يأمرهم بالكفر، وتغيير فطرة الإسلام التي خلقهم الله عليها وأن معنى قوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } أي لا تبدلوا فطرة الله التي خلقكم عليها بالكفر(6). وبيانه أكثر يتضح بمعرفتنا لمعنى الخلق، ومعنى التغيير. فالخلق قد يراد به مخلوق الله كما في قوله تعالى: { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت }[ سورة الملك:3] أي: هو مستوٍ لا اختلاف فيه ولا نقص ولا عيب. وكقوله تعالى: { هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه }[ سورة لقمان:11]. ويأتي الخلق بمعنى التقدير كما في قوله تعالى: { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق في ظلمات ثلاث }[ سورة الزمر:6] أي: قدّركم في بطون أمهاتكم. ويأتي الخلق بمعنى الفطرة التي خلق الله تعالى عليها عبادة كقوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله }[ سورة الروم:30]. قال ابن كثير: ( أي : فسدّد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك.. وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنّه لا إله غيره، وفي الحديث: (( إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم )). وقوله تعالى: { لا تبديل لخلق الله } قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها فيكون خبرًا بمعنى الطلب وهو معنى حسن صحيح، وقال آخرون: هو خبر على بابه ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك.. ولهذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد في قوله: { لا تبديل لخلق الله } أي لدين الله قال وقال البخاري: قوله: { لا تبديل لخلق الله } لدين الله، خلق الأولين: دين الأولين، الدين والفطرة والإسلام )(7). وهذا التفسير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الفطرة: ما من مولود يولد إلا على الفطرة ثم قرأ الآية. متفق عليه. وقوله: { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } قيل: إشارة إلى ما يشوهونه من الخلقة بالخصاء ونتف اللحية وما يجري مجراه، وقيل: معناه يغيرون حكمه )(8). وأمّا التغيير فيطلق على تحوّل الشيء عن صفته حتى يكون كأنه شيء آخر، ويطلق على الإزالة. قال في لسان العرب: ( تغيير الشيب يعني: نتفه، فإنّ تغيير لونه قد أَمَر به )(9). ______________________ (1) مجموع الفتاوى ( 31/384 ). (2) تحفة المودود بأحكام المولود ص 136. (3) أنظر: زاد المسير في التفسير لابن الجوزي ص 327؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 5/391 )؛ تفسير الطبري ( 9/222 ). (4) مقدمة التفسير ص 97. (5) تفسير الطبري ( 9/222 ). (6) أضواء البيان للشنقيطي ( 1/366 ). (7) تفسير القرآن العظيم ص 1029. (8) المفردات في غريب القرآن ص 157 . (9) لسان العرب ( 6/344 ). فما هي الضوابط الشرعية لعمليات التجميل؟ وجزاكم الله خيرا |
Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd