مجلة معرفة السنن والآثار العلمية - شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ صالح الفوزان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده أمابعد
فقول في الدين عظيم وفي الإثم كبير وهو كفر بالواحد القدير مضاد من كل وجه للفطرة والعقل مباين لإجماع المسلمين وصريح وصحيح النقل لايصدق به بعد حجية الفطرة إلا معاند ولايرد دلالات فساده النقلية والعقلية إلا ألد خصم مكابر وهو حدث في الإسلام عظيم لادليل عليه وابتداع على العقيدة السلفية خطير وهو كفر اكبر وسفه في العقل أرعن وأغبر قاس صاحبه وشبه الرب العظيم الأكبر بالمخلوق الضعيف الأصغر فقال في وصف الرب سبحانه وتعالى عما يصفون قولا عظيما
إذ قال إذا سئل أين الله فأجاب مدعيا ( الله في كل مكان )
ولقد انتشر هذا القول انتشارا كبيرا بين أهل الاسلام ممن لم يتلق العلم عن العلماء الراسخين من أهل السنة والأثر ممن صادفتهم وساءلتهم هذه المسألة العظيمة في الحج في مكتب الافتاء التابع لوزارة الشؤون الإسلامية فكان كثير من الوافدين من الشام والسودان وغيرها كالمغرب والجزائر إذا سألتهم أين الله ارادة مني لتعليمهم لغلبة الظن بجهلهم بذلك وبالفعل فلم أجد في الغالب من يثبت العلو لله كما هو المجمع عليه من السلف بل تسمع عجبا إذا قال الكثير منهم لما سئل أين الله فقال في قلب المؤمن وبعضهم يقول في كل مكان فهاك كيف كان حواري معهم
والذي ظهر لي انهم كان قد غرر بهم بفساد الاعتقاد في علو رب العباد علماء السوء من أفراخ الجهمية والمعتزلة وغلاة الصوفية
وبرهان ذلك أني لما كنت اذكرهم بالفطرة وحديث الجارية سرعان مايعودوا ويسلموا أن الله في السماء أي على السماء فوق عرشه سبحانه وتعالى عما يصفون:
فأقول أولا يشترك أهل وحدة الوجود القائلين مافي الوجود إلا الله والحلولية القائلين الله في كل مكان عدم اثبات العلو للرحمن فنقول وبالله التوفيق في الرد على الطائفتين :
انه إذا قيل له أين الله فقال في كل مكان ويقصد بذاته
فقل له هل كان يعلم ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة فإذا قال نعم
قد قال الله ذلك ورسوله فقل أين فإذا قال قال تعالى هو معكم أينما كنتم
وقوله وهو الذي في السماء إله وفي الأرض
وقوله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
وقوله مايكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولاخمسة إلا هو سادسهم ولاأكثرمن ذلك إلا هو معهم أينما كانوا
وقوله ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا
وأما نبيه فمارواه احمد عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَجَعَلْنَا لَا نَصْعَدُ شَرَفًا وَلَا نَعْلُو شَرَفًا وَلَا نَهْبِطُ فِي وَادٍ إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَ فَدَنَا مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ

رَاحِلَتِهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
وقوله كما في البخاري ولايزال عبدي يتقرب لي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وعينه التي يبصر بها الحديث
فقل له فقد أخذت بالمتشابه وتركت المحكم البين الذ لااحتمال فيه فكنت على طريقة أهل الأهواء والذين حذؤ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمتشابه ماحمل أكثر من معنى والراسخون في العلم يحملون المتشابه على المحكم وطؤيقة أهل الزيغ بضد ذلك والذي حذر رسول الله منهم كما روى البخاري في صحيحه عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ
فإن كلام الله ورسوله لايتناقض قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
وقد جاء في الآيات والأحاديث المحكمات مايبين معنى هذه الآيات والأحاديث والتي هي من المتشابهات كما قال تعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به
فالمتشابه مع احتمال معانيه وتحمله عدة اوجه منها يحتاج للمحكم لتفسيره
وكلام الله لايتناقض فجاء من المحكم في اثبات علو الله آيات وأحاديث كثيرة كقوله تعالى
ءأمنتم من في السماء
فهذا محكم ولم يقل في كل مكان
وكقوله اليه يصعد الكلم الطيب
وكقوله تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين لرحمن على العرش استوى
واستوى لغة معناها على وارتفع كما قال تعالى فاذا استويت أنت ومن معك على الفلك أي علوت عليه
وكيفية استواءه سبحانه مجهولة والسؤال عنها بدعة كما قال مالك
قال ابن المبارك الله مستوي على عرشه بائن من خلقه معهم بسمعه وبصره ولانقول كما تقول الجهمية هو هنا وهنا يعني في كل مكان
قال أبو حنيفة من قال الله في كل مكان فقد كفر
والحديث جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جارية فقال لها أين الله فقالت في السماء
ولم تقل في كل مكان ولو قصرت في الجواب ولو لجهلها لعلمها النبي صلى الله عليه وسلم كما علم المسيء صلاته والاعرابي الذي بال في المسجد
ولايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فقال تعالى ياأيها النبي بلغ ماأنزل إليك
وكذلك صعود النبي في المعراج حتىسمع صريف الأقلام تكتب القدر كلمه الله فوق سمواته
وهذا كله محكم بين بحمدالله لااحتمال فيه
وكذلك الاجماع فنقل الاجماع عن نحو احد عشر عالما بلامخالف بين أهل الحديث أهل السنة والجماعة
وكذلك الفطرة لو قلت لمنصف لم تتغير فطرته بالهوى ومخالطة أهل البدع إذا دعوت اين يتجه قلبك في الدعاء فسيقول إلى علو ويكاد بصري يرتفع الة اعلى تبعا لقلبي راجيا ربي الذي هو فوق سماواته فوق عرشه تنزه أن يخالط مخلوقاته وفيها الكلب والخنزير والحش
فحينئذ تكون المعية في مامضى من الايات معية علم وسمع وبصر وأما ذاته ففوق سمواته فوق عرشه
كما قال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها
مع كونه سبحانه على عرشه ماخفي عليه كلامها وصوتها فسبحان من وسع سمعه كل شيء
ولذلك قالت الجارية في السماء
وأما قوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض أي يعبده أهل السموات ويعبده أهل الارض كقولهم فلان أمير في صنعاء وأمير في اليمن
والرجل اليوم يكلم بالهاتف رجل في أمريكا وهو في السعودية وبينهم نحو عشرة آلاف ميلا
وهو يقول له معك معك أي بسمعي مع مابينهم من المسافات ولايلزم المخالطة
فهو رابعهم بعلمه وسمعه وبصره وهو أقرب اليه من حبل الوريد كذلك وهو اقرب اليهم من اعناق رواحلهم كذلك بعلمه وسمعه وبصره
ولقد استوقفت صغيرا يمشي على ساحل البحر فقلت له أين الله فأشار في السماء
ثم قل له
هل أحد من السلف نطق بقوله الله في كل مكان بذاته
فإذا قال لا فقل يسعك ماوسعهم
لو كانوا يعلموا ماتقول لنطقوا به وسبقوك في الخير وخاصة أنها من أعظم مسائل الاعتقاد
فكيف ينطقوا بالمتشابه المحتمل في مسألة عظيمة مثل هذه
بل نطقوا بالمحكم كمالك وابن المبارك
وقال ابن خزيمة الذي يقول الله في كل مكان يستحق أن تضرب عنقه ويدفن خارج قبور المسلمين حتى لايتأذى المسلمون بريح نتنه
فهل تسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل فيقول القائل له الله في السماء فيقر وتسأل أنت فتقول بل في كل مكان ألاتستحي من هذه المهانده والمكابرة
وقد قال تعالى اتبعوا ماأنزل اليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء
ومما أنزل منه سبحانه ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض