بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [ النساء (65) ] . سبب نزول هذه الآية : أنَّ رجلاً من الأنصار خاصمه الزبير في شراج الحرة كانا يسقيان به كلاهما ، وكان الزبير الأعلى . فقال رسول الله ﷺ : « اسقِ يَا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك » فغضب الأنصاري فقال : يَا رسول الله ، أن كان ابن عمِتك ، فَتَلَوَّن وجه رسول الله ﷺ ثم قال للزبير : « اسقِ ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر ، فاستوعى رسول الله ﷺ حينئذ حق الزبير ، وكان رسول الله ﷺ أشار على الزبير برأي أراد سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله ﷺ استوعى للزبير حقه ، في صريح الحكم . قال الزبير : « والله ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [ النساء (65) ] . قال ابن كثير : يُقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة ، أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكم الرسول ﷺ في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يَجِبُ الانقياد له ظاهرًا وباطنًا . كما ورد في الحديث : «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به » . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ [ النساء (59) ] . قَالَ العلماء : معناه إِلَى الكتاب والسُنّة . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾[ النساء (80) ] . أي : من يطع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله ؛ لأنَّ الله أمر بطاعته وإتباعه . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ الشورى (52) ]. يعني : دين الإسلام . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ النور (63) ] . في هذه الآية : وعيد شديد لمن خالف أمر النبي ﷺ ، إما فتنة في الدنيا أو عذاب في الآخرة . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [ الأحزاب (34) ] . في هذه الآية : أمرٌ لنساء النبي ﷺ أن لا ينسيَنَّ هذه النعمة الجليلة القدر وهي ما يُتلى في بيوتهن من كتاب الله تعالى ، وسنَّة رسوله ﷺ . والآيات في الباب كثيرة . أي : في باب المحافظة على السنة والاقتداء به ﷺ واتباعه . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [156] فالأول : عن أبي هريرةَ ﷺ عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤالِهِمْ واخْتِلافُهُمْ عَلَى أنْبيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بشيءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . هذا الحديث له سبب ، وهو أنه ﷺ خطب وقال : « يا أيها النَّاس ، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا » ، فقال رجلٌ : أكُلُّ عام يا رسول الله ؟ فسكتَ حتى قالها مرارًا ، فقال رسول الله ﷺ : « لو قلت : نعم . لوجبت ، ولما استطعتم » ، ثم قال : « دعوني ما تركتكم .. »الحديث . وهو من قواعد الإسلام المهمة ، قال الله تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [ الحشر (59) ] . وقال تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [ التغابن (16) ] . ويُستفاد منه : كراهة كثرة المسائل من غير ضرورة . قال مالك رحمه الله تعالى : « المِراء والجدال يذهب بنور العلم من قلب الرجل » . وفي بعض الآثار : « إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العلم ، وأغلق عنه باب الجدل ، وإذا أراد الله بعبد شرًّا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العلم » . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [157] الثاني : عن أَبي نَجيحٍ العِرباضِ بنِ سَارية رضي الله عنه قَالَ : وَعَظَنَا رسولُ اللهِ ﷺ مَوعظةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ ، فَقُلْنَا : يَا رسولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا ، قَالَ : « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً ، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة ». رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن صحيح » . « النَّواجذُ » بالذال المعجمةِ : الأنيَابُ ، وَقِيلَ : الأضْراسُ . الخلفاء الراشدون هم : أبو بكر وعمر وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم . وفي الحديث : التمسُّك بالسنَّة في الاعتقاد والأعمال والأقوال ، والتحذير من البِدع ، وهي ما أُحْدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة . قوله : « أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة » . هاتان الكلمتان تَجْمَعَان سعادة الدنيا والآخرة . قال الحسن : والله لا يستقيم الدِّينُ إلا بالأُمراء وإن جاروا ، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [158] الثَّالثُ : عَنْ أَبي هريرةَ رضي الله عنه : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : « كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلا مَنْ أبَى » . قيلَ : وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : « مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى » . رواه البخاري . في هذا الحديث : أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة ، وأن كُلّهم يدخلون الجنة إلا من عصى الله ورسوله واتَّبع شهواته وهواه ، قال الله تعالى ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [ النازعات (37 : 41) ] . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [159] الرابع : عن أَبي مسلم ، وقيل : أَبي إياس سَلمة بنِ عمرو بنِ الأكوع رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُول الله ﷺ بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ : « كُلْ بِيَمِينكَ » قَالَ : لا أسْتَطيعُ . قَالَ : « لا استَطَعْتَ » . مَا مَنَعَهُ إلا الكِبْرُ فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ . رواه مسلم . في هذا الحديث : مشروعية الأكل باليمين ، وكراهة الأكل بالشمال مع عدم العذر . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [160] الخامس : عن أَبي عبدِ الله النعمان بن بشير رَضيَ الله عنهما ، قَالَ : سمعت رَسُول الله ﷺ يقول : « لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية لمسلم : كَانَ رَسُول الله ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حتى كأنَّما يُسَوِّي بِهَا القِدَاحَ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ . ثُمَّ خَرَجَ يَوماً فقامَ حَتَّى كَادَ أنْ يُكَبِّرَ فرأَى رَجلاً بَادياً صَدْرُهُ ، فَقَالَ : « عِبَادَ الله ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » . في هذا الحديث : وعيدٌ شديد على من لم يسوَّ الصفوف ، والحثّ على تسويتها ، وجواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة . |
Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd