![]() |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [99] الخامس : عن عائشة رضي الله عنها ، أنَّها قَالَتْ : كَانَ رَسُول الله ﷺ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا اللَّيلَ ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . والمراد : العشر الأواخر مِنْ شهر رمضان . و«المِئْزَرُ » : الإزار ، وَهُوَ كناية عن اعتزالِ النساءِ . وقيلَ : المُرادُ تَشْمِيرُهُ للِعِبَادةِ ، يُقالُ : شَدَدْتُ لِهَذَا الأمْرِ مِئْزَري : أي تَشَمَّرْتُ وَتَفَرَّغْتُ لَهُ . في هذا الحديث : الجِدُّ والاجتهاد في العبادة ، خصوصًا في الأوقات الفاضلة ، واغتنام صالح العمل في العشر الأواخر من رمضان ؛ لأنَّ فيها ليلة خير من ألف شهر . [100] السادس : عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ وَفي كُلٍّ خَيرٌ . احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلا تَعْجَزْ . وَإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أنّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدرُ اللّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعلَ ؛ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ » . رواه مسلم . المؤمنُ القوي ، هو من يقوم بالأوامر ويترك النواهي بقوة ونشاط ، ويصبر على مخالطة الناس ودعوتهم ، ويصبر على أذاهم . وفي الحديث : الأمر بفعل الأسباب والاستعانة بالله . وفيه : التسليم لأمر الله ، والرضا بقدر الله . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [101] السابع : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : «حُجِبَتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية لمسلم : « حُفَّتْ » بدل « حُجِبَتْ »وَهُوَ بمعناه : أي بينه وبينها هَذَا الحجاب فإذا فعله دخلها . في هذا الحديث : أنَّ الجنة لا تُنال إلا بالصبر على المكاره ، وأنَّ النَّار لا يُنْجَى منها إلا بفطام النفس عن الشهوات المحرمة . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [102] الثامن : عن أبي عبد الله حُذَيفَةَ بنِ اليمانِ رضي الله عنهما ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ ﷺ ذَاتَ لَيلَةٍ فَافْتَتَحَ البقَرَةَ ، فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ ، ثُمَّ مَضَى . فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا في ركعَة فَمَضَى، فقُلْتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً : إِذَا مَرَّ بآية فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : «سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ » فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : « سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » ثُمَّ قَامَ قِيامًا طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى » فَكَانَ سُجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ . رواه مسلم . في هذا الحديث : فضلُ تطويل صلاة الليل ، قال الله تعالى : ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾الزمر (9) ] . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [103] التاسع : عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ ﷺ لَيلَةً ، فَأَطَالَ القِيامَ حَتَّى هَمَمْتُ بأمْرِ سُوءٍ ! قيل : وَمَا هَمَمْتَ بِهِ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أنْ أجْلِسَ وَأَدَعَهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : أنه ينبغي الأدب مع الأئمة ، بأن لا يخالفوا بقول ، ولا فعل مالم يكن حرامًا ، فإن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيء . [104] العاشر : عن أنس رضي الله عنه عن رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : « يَتْبَعُ المَيتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَملُهُ ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبقَى عَملُهُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : الحث على تحسين العمل ليكون أنيسه في قبره . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [105] الحادي عشر : عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبيّ ﷺ : « الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثلُ ذلِكَ » . رواه البخاري . في هذا الحديث : الترغيب في قليل الخير وإن قلَّ ، والترهيب عن قليل الشر وإن قل . وأنَّ الطاعة مقَّربة إلى الجنة ، والمعصية مقرَّبة إلى النار ، قال الله تعالى : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7 ، 8) ] في الحديث : إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها درجات ، وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [106] الثاني عشر : عن أبي فِراسٍ ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ خادِمِ رَسُول الله ﷺ ، ومن أهلِ الصُّفَّةِ رضي الله عنه ، قَالَ : كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رسولِ الله ﷺ فآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ : « سَلْنِي » فقُلْتُ : اسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ . فَقَالَ : « أَوَ غَيرَ ذلِكَ » ؟ قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ : « فأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : الحث على الإكثار من الصلاة ، وأنه يوجب القرب من الله تعالى ، ومرافقة النبي ﷺ في الجنة ، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ﴾ [ النساء (69) ] ، وقال تعالى : ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [ العلق (19) ] . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [107] الثالث عشر : عن أبي عبد الله ، ويقال : أَبُو عبد الرحمن ثوبان - مولى رَسُول الله ﷺ - رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ : « عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ للهِ سَجْدَةً إلارَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرجَةً ، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئةً » . رواه مسلم . سبب رواية ثوبان لهذا الحديث : أن معدان بن طلحة قال : أتيت ثوبان فقلت : أخبرني بعمل أعمل به يدخلني الله به الجنة ؟ - أو قال بأحب الأعمال إلى الله – فسكتَ ، ثم سأله ، فسكت ، ثم سأله الثالثة ، فقال : سألت عن ذلك رسول الله ﷺ ، فقال : « عليك بكثرة السجود ... » . الحديث . وفي آخره : فلقيت أبا الدرداء فسألته ، فقال لي مثل ما قال ثوبان . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [108] الرابع عشر : عن أَبي صَفوان عبد الله بنِ بُسْرٍ الأسلمي رضي1 ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « خَيرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرهُ ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ » . رواهالترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن » . « بُسْر » بضم الباء وبالسين المهملة . في هذا الحديث : فضلُ طول العمر إذا أُحسن فيه العمل . وفي بعض الروايات : « وشركم من طال عمره وساء عمله » . [109] الخامس عشر : عن أنس رضي الله عنه ، قَالَ : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رضي الله عنه عن قِتالِ بدرٍ ، فَقَالَ : يَا رسولَ الله ، غِبْتُ عَنْ أوّل قِتال قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ ، لَئِن اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشركِينَ لَيُرِيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ . فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمونَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يعني : أصْحَابهُ - وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يَعني : المُشركِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلهُ سَعدُ بْنُ مُعاذٍ ، فَقَالَ : يَا سعدَ بنَ معاذٍ ، الجَنَّةُ وربِّ الكعْبَةِ إنِّي أجِدُ ريحَهَا منْ دُونِ أُحُدٍ . قَالَ سعدٌ : فَمَا اسْتَطَعتُ يَا رسولَ الله مَا صَنَعَ ! قَالَ أنسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعاً وَثَمانينَ ضَربَةً بالسَّيفِ ، أَوْ طَعْنةً بِرمْحٍ ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكونَ فما عَرَفهُ أَحَدٌ إلا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ . قَالَ أنس : كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أن هذِهِ الآية نزلت فِيهِ وفي أشباهه : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ﴾ [ الأحزاب (23) ] إِلَى آخِرها . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . قوله : « لَيُرِيَنَّ اللهُ » روي بضم الياء وكسر الراء : أي لَيُظْهِرَنَّ اللهُ ذلِكَ للنَّاس ، وَرُويَ بفتحهما ومعناه ظاهر ، والله أعلم . في هذا الحديث : جواز الأخذ بالشدة في الجهاد وبذل المرء نفسه في طلب الشهادة ، والوفاء بالعهد . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [110] السادس عشر : عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيءٍ كَثيرٍ ، فقالوا : مُراءٍ ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ، فقالُوا : إنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا ! فَنَزَلَتْ : ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاجُهْدَهُمْ ﴾ [ التوبة (79) ] . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَ« نُحَامِلُ » بضم النون وبالحاء المهملة : أي يحمل أحدنا عَلَى ظهره بالأجرة ويتصدق بِهَا . قوله : ( لما نزلت آية الصدقة ) قال الحافظ : كأنه يشير إلى قوله تعالى : ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ الآية [ التوبة (103) ] . قوله : « وجاء رجل فتصدَّق بصاع » ، وكان تحصيله له بأن أجّر نفسه على النزع من البئر بصاعين من تمر ، فذهب بصاع لأهله وتصدَّق بالآخر . وفي هذا : أنَّ العبد يتقرب إلى الله بجهده وطاقته ، وحسب قدرته واستطاعته . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [111] السابع عشر : عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أَبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر جندب بن جُنادة رضي الله عنه ، عن النَّبيّ ﷺ فيما يروي عن اللهِ تَبَاركَ وتعالى ، أنَّهُ قَالَ : « يَا عِبَادي ، إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ ضَالّ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاستَهدُوني أهْدِكُمْ . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أطْعَمْتُهُ فَاستَطعِمُوني أُطْعِمْكُمْ . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ . يَا عِبَادي ، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيلِ وَالنَّهارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ . يَا عِبَادي ، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ في مُلكي شيئاً . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذلِكَ من مُلكي شيئاً . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُوني فَأعْطَيتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ . يَا عِبَادي ، إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيراً فَلْيَحْمَدِ الله وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ » . قَالَ سعيد : كَانَ أَبُو إدريس إِذَا حَدَّثَ بهذا الحديث جَثا عَلَى رُكبتيه . رواه مسلم . وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، قَالَ : لَيْسَ لأهل الشام حديث أشرف من هَذَا الحديث . هذا حديث جليل شريف ، وهو من الأحاديث القدسية التي يرويها النبي ﷺ عن الله عز وجل . وفي هذا الحديث : قبح الظلم وأن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم . وأنَّ الله تعالى يحب أن يسأله العباد ويستغفروه . وأنَّ ملكه لا يزيد بطاعة الخلق ولا ينقص بمعصيتهم . وأن خزائنه لا تنفذ ولا تنقص . وأن ما أصاب العبد من خير فمن فضل الله تعالى ، وما أصابه من شر فمن نفسه وهواه . وهو مشتمل على قواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه وآدابه ، وغير ذلك . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 12- باب الحث عَلَى الازدياد من الخير في أواخر العمر قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [ فاطر (37) ] . قَالَ ابن عباس والمُحَقِّقُونَ : أَو لَمْ نُعَمِّرْكُمْ سِتِّينَ سَنَةً ؟ وَيُؤَيِّدُهُ الحديث الَّذِي سنذْكُرُهُ إنْ شاء الله تَعَالَى ، وقيل : معناه ثماني عَشْرَة سَنَةً ، وقيل : أرْبَعينَ سَنَةً ، قاله الحسن والكلبي ومسروق ونُقِلَ عن ابن عباس أيضاً . وَنَقَلُوا أنَّ أَهْلَ المدينَةِ كانوا إِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ أربْعينَ سَنَةً تَفَرَّغَ للعِبادَةِ ، وقيل : هُوَ البُلُوغُ . وقوله تَعَالَى : ﴿ وجَاءكُمُ النَّذِيرُ ﴾ قَالَ ابن عباس والجمهور : هُوَ النَّبيّ ﷺ ، وقيل : الشَّيبُ ، قاله عِكْرِمَةُ وابن عُيَيْنَة وغيرهما . والله أعلم . قوله تعالى : ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [ فاطر (37) ] . هذا توبيخ من الله تعالى لأهل النار . يقول : أَوَ مَا عشتم في الدنيا أعمارًا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم . قال قتادة : اعلموا أنَّ طول العمر حجَّة ، فنعوذ بالله أنْ نُعيَّر بطول العمر ، قد نزلت هذه الآية : ﴿ أَوَ لَم نُعَمِركُم مَّا يَتَذَكَّرُ ﴾ ، وأنَّ فيهم لابن ثماني عشرة سنة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا : إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه : ﴿ أَوَ لَم نُعَمِركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيِه مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ . وقال الشاعر : إذا بلغ الفتى ستين عامًا ( فقد ذهب المسرة والفتاء ) |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [112] وأما الأحاديث فالأول : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « أعْذَرَ الله إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أجَلَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً » . رواه البخاري . قَالَ العلماء : معناه لَمْ يَتْرُكْ لَهُ عُذراً إِذْ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ . يقال : أعْذَرَ الرجُلُ إِذَا بَلَغَ الغايَةَ في العُذْرِ . المعنى : أنَّ الله تعالى لم يُبْقِ للعبد اعتذارًا . كأن يقول : لو مُدَّ لي في الأجل لفعلت ما أُمرت به . فينبغي له الاستغفار والطاعة ، والإقبال على الآخرة بالكلية . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [113] الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ عمر رضي الله عنه يُدْخِلُنِي مَعَ أشْيَاخِ بَدرٍ فكأنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ في نفسِهِ ، فَقَالَ : لِمَ يَدْخُلُ هَذَا معنا ولَنَا أبْنَاءٌ مِثلُهُ ؟! فَقَالَ عُمَرُ : إنَّهُ منْ حَيثُ عَلِمْتُمْ ! فَدعانِي ذاتَ يَومٍ فَأدْخَلَنِي مَعَهُمْ فما رَأيتُ أَنَّهُ دعاني يَومَئذٍ إلا لِيُرِيَهُمْ ، قَالَ : مَا تقُولُون في قولِ الله تعالى : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ ؟ [ النصر :1]. فَقَالَ بعضهم : أُمِرْنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ إِذَا نَصَرنَا وَفَتحَ عَلَيْنَا ، وَسَكتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيئاً . فَقَالَ لي : أَكَذلِكَ تقُول يَا ابنَ عباسٍ ؟ فقلت : لا. قَالَ : فما تقول ؟ قُلْتُ : هُوَ أجَلُ رَسُول الله r أعلَمَهُ لَهُ ، قَالَ : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾وذلك علامةُ أجَلِكَ ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾ [ النصر (3) ] . فَقَالَ عمر رضي الله عنه : مَا أعلم مِنْهَا إلا مَا تقول . رواه البخاري . في هذا الحديث : فضل ابن عباس وسِعة علمه ، وكمال فهمه ، وتأثير لإجابة دعوة النبي ﷺ أنْ يفقٌهه الله في الدين ، ويعلمه التأويل . فكم من صغير لاحظته عناية ( من الله فاحتاجت إليه الأكابر) |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [114] الثالث : عن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : مَا صلّى رَسُول الله ﷺ صلاةً بَعْدَ أنْ نَزَلتْ عَلَيهِ : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ إلا يقول فِيهَا : «سُبحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية في الصحيحين عنها : كَانَ رَسُول الله ﷺ يُكْثِرُ أنْ يقُولَ في ركُوعِه وسُجُودهِ : «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي »، يَتَأوَّلُ القُرآنَ . معنى : « يَتَأَوَّلُ القُرآنَ » أي يعمل مَا أُمِرَ بِهِ في القرآن في قوله تَعَالَى: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ﴾ . وفي رواية لمسلم : كَانَ رَسُول الله ﷺ يُكثِرُ أنْ يَقُولَ قَبلَ أنْ يَمُوتَ : « سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمدِكَ أسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إلَيْكَ » . قَالَتْ عائشة : قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، مَا هذِهِ الكَلِماتُ الَّتي أرَاكَ أحْدَثْتَها تَقُولُهَا ؟ قَالَ : «جُعِلَتْ لي عَلامَةٌ في أُمَّتِي إِذَا رَأيْتُها قُلتُها ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ … إِلَى آخِرِ السورة . وفي رواية لَهُ : كَانَ رسولُ الله ﷺ يُكثِرُ مِنْ قَولِ : « سبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ أسْتَغفِرُ اللهَ وأتُوبُ إِلَيْهِ ». قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ ، أَراكَ تُكثِرُ مِنْ قَولِ سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدهِ أسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إِلَيْه ؟ فَقَالَ : « أخبَرَني رَبِّي أنِّي سَأرَى عَلامَةً في أُمَّتي فإذا رَأيْتُها أكْثَرْتُ مِنْ قَولِ : سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمدهِ أسْتَغْفرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْه فَقَدْ رَأَيْتُهَا : ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ فتح مكّة ، ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾ » . في هذا الحديث : مواظبته ﷺ على التسبيح والتحمد والاستغفار في ركوعه وسجوده ، وأشرف أوقاته وأحواله . وفيه : خضوعه ﷺ لربه وانطراحه بين يديه ، ورؤية التقصير في أداء مقام العبودية ، وحق الربوبية . وفيه : الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [115] الرابع : عن أنس رضي الله عنه قَالَ : إنَّ اللهَ عزوجل تَابَعَ الوَحيَ عَلَى رسولِ الله ﷺ قَبلَ وَفَاتهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيَ عَلَيِّه . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . الحِكمة في كثرة الوحي عند وفاته ﷺ ، لتكمل الشريعة فلا يبقى مما يوحى إليه بشيء . قال الله تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ [ المائدة (3) ] . وكان خلقه ﷺ القرآن يعمل بما فيه . [116] الخامس : عن جابر رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : « يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : تحريضٌ للإِنسان على حسن العمل ، وملازمة الهَدْي المحمدي في سائر الأحوال ، والإِخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال ، ليموت على تلك الحالة الحميدة فيُبعث كذلك ، وبالله التوفيق . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 13- باب في بيان كثرة طرق الخير قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [ البقرة (215) ] . فيجزيكم عليه . وَ قالَ تَعَالَى : ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله ﴾ [ البقرة (197)] . فلا يُضيِّعه . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7) ] . يعني : يرى جزاءه في الآخرة . قال سعيد بن جبير : كان المسلمون يَرَوْن أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه ، وكان آخرون يَرون أنْ لا يُلامون على الذنب اليسير : الكذبة ، والنظرة ، والغيبة ، وأشباهها . فنزلت : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ [ الزلزلة (7 ، 8) ] . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ﴾ [ الجاثـية (15)] . والآيات في الباب كثيرة . كقوله تعالى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل (97) ] وغيرها . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [117] الأول : عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ : يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : « الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ » . قُلْتُ : أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : « أنْفَسُهَا عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَناً » . قُلْتُ : فإنْ لَمْ أفْعَلْ ؟ قَالَ : «تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ » . قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ ؟ قَالَ : « تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ » . مُتَّفَقٌ عليه . « الصَّانِعُ » بالصاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور ، وروي « ضائعاً » بالمعجمة : أي ذا ضِياع مِنْ فقرٍ أَوْ عيالٍ ونحوَ ذلِكَ ، « وَالأَخْرَقُ » : الَّذِي لا يُتقِنُ مَا يُحَاوِل فِعلهُ . في هذا الحديث : بيان كثرة طرق الخير ، وأن الإنسان إذا عجز عن خصلة من خصال الخير قدرعلى الأُخرى ، فإذا عجز عن ذلك كفَّ شرّه عن الناس . وما لا يُدرك كلّه لا يترك جُلُّه . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [118] الثاني : عن أبي ذر أيضاً رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قَالَ : « يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى منْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ : فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحمِيدةٍصَدَقَة ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأمْرٌ بِالمعرُوفِ صَدَقةٌ ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ ، وَيُجزئُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى». رواه مسلم . « السُّلامَى » بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم : المفصل . قال في القاموس : المفاصل : مفاصل الأعضاء ، الواحد منها كَمَنْزِلٍ . والمِفْصَلُ : كمِنْبَرٍ . اللسان . وفي هذا الحديث : فضيلة التسبيح وسائر الأذكار ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنَّ الصدقة تكون بغير المال من جميع أنواع فعل المعروف والإِحسان . وفيه : فضل صلاة الضحى ، وأنها تكفي من صدقات الأعضاء ؛ لأنَّ الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [119] الثالث : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبيُّ ﷺ : «عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّريقِ ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِئِ أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : التنبيه على فضل كل ما نفع الناس أو أزال عنهم ضررًا . وأنَّ القليل من الخير والشر مكتوب على العبد ، قال الله تعالى : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7 ، 8) ] . [120] الرابع : عَنْهُ : أنَّ ناساً قالوا : يَا رَسُولَ الله ، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ ، قَالَ : « أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ : إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً ، وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً ، وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ » قالوا : يَا رسولَ اللهِ ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ ؟ قَالَ : « أرَأيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ » . رواه مسلم . « الدُّثُورُ » بالثاء المثلثة : الأموال وَاحِدُهَا : دثْر . في هذا الحديث : فضل التنافس في الخير ، والحرص على العمل الصالح ، وجبر خاطر من لا يقدر على الصدقة ، ونحوها ، وترغيبه فيما يقوم مقامها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير . وفيه : أنَّ فعل المباحات إذا قَارنَهُ بنيَّة صالحة يؤجر عليه العبد . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [121] الخامس : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لي النَّبيّ ﷺ : «لا تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : الحثُّ على فعل المعروف قليلاً كان أو كثيرًا ، بالمال ، أو الخُلُق الحسن . [122] السادس : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ورواه مسلم أيضاً من رواية عائشة رَضي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسان مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمئة مفْصَل ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وحَمِدَ الله ، وَهَلَّلَ اللهَ ، وَسَبَّحَ الله ، وَاسْتَغْفَرَ الله ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً ، أَوْ عَظماً عَن طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف ، أَوْ نَهَى عَنْ منكَر ، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمئَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ » . السُّلاَمَى : المِفْصل . فيصبح على ابن آدم كل يوم ثلاثمئة وستون صدقة بعدد مفاصله . فمن أتى بعددها من الطاعات الفعلية والقولية فقد أدّى شكر الله فيها . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [123] السابع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « مَنْ غَدَا إِلَى المسْجِد أَوْ رَاحَ ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . « النُّزُلُ » : القوت والرزق وما يُهيأُ للضيف . في هذا الحديث : فضل المشي إلى صلاة الجماعة في المسجد [124] الثامن : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ ، لا تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . قَالَ الجوهري : الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ : وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ . في هذا الحديث : الحث عى صلة الجارة ولو بظلف شاة ، وفي معناه الحديث الآخر : « إذا طبختَ مرقةً فأكْثِر ماءَها ، وتعاهد جيرانك » . [125] التاسع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : «الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً : فَأفْضَلُهَا قَولُ : لا إلهَ إلا اللهُ ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ ، والحياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . « البِضْعُ » من ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح . وَ« الشُّعْبَةُ » : القطعة . شعب الإيمان : هي الأعمال الشرعية ، وهي تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان ، وأعمال البدن . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [126] العاشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : «بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ ، فَسَقَى الكَلْبَ ، فَشَكَرَ الله لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » قالوا : يَا رَسُول اللهِ ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْراً ؟ فقَالَ : « في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية للبخاري : « فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ » وفي رواية لهما : « بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيل ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ » . « المُوقُ » : الخف . وَ« يُطِيفُ » : يدور حول «رَكِيَّةٍ » : وَهِي البئر . في هذا الحديث : فضْل الإِحسان إلى الحيوان ، وأنه سبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة . [127] الحادي عشر : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : «لَقدْ رَأيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَرِيقِ كَانَتْ تُؤذِي المُسْلِمِينَ ». رواه مسلم . وفي رواية : « مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهرِ طَرِيقٍ ، فَقَالَ : وَاللهِ لأُنْحِيَنَّ هَذَا عَنِ المُسْلِمينَ لا يُؤذِيهِمْ ، فَأُدخِلَ الجَنَّةَ » . وفي رواية لهما : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ عَلَى الطريقِ فأخَّرَه فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » . في هذا الحديث : فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضررًا ، وأنَّ ذلك سبب للمغفرة ودخول الجنة . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [128] الثاني عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا » . رواه مسلم . معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام : أنَّ الحسنةَ بعشر أمثالها. وفي الحديث الآخر : إشارة إلى الحث على إقبال القلب والجوارح على الخطبة ، واجتناب العبث . [129] الثالث عشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : « إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينهِ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : فضل الوضوء ، وأنه يمحو خطايا الجوارح ويكفر الذنوب . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [130] الرابع عشر : عَنْهُ ، عن رَسُول الله ﷺ قَالَ : « الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : سعة رحمة الله تعالى ، وأنَّ المدوامة على الفرائض تكفر الصغائر من الذنوب ، وقال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [ النجم (32) ] . [131] الخامس عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ » قَالُوا : بَلَى ، يَا رسولَ اللهِ ، قَالَ : « إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ » . رواه مسلم . إسباغ الوضوء : استيعاب أعضائه بالغسل . وسُمِّيت هذه الثلاث رباطًا ؛ لأنَّ أعدى عدو للإنسان نفسه ، وهذه الأعمال تسدُّ طرق الشيطان والهوى عن النفس ، فإن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [132] السادس عشر : عن أبي موسى الأشعرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . « البَرْدَانِ » : الصبح والعصر . وجه تخصيصهما بالذكر عن سائر الصلوات : أنَّ وقت الصبح يكون عند لذّة النوم ، ووقت العصر يكون عند الاشتغال ، وأنَّ العبد إذا حافظ عليهما كان أشد محافظة على غيرهما . 133] السابع عشر : عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً » . رواه البخاري . في هذا الحديث : عظيم فضل الله ، وأنَّ من كان له عمل دائم فتركه لعذر صحيح ، أنه يكتب له مثل عمله . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [134] الثامن عشر : عن جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ » رواه . البخاري ،ورواه مسلم مِنْ رواية حُذَيفة t . في هذا الحديث : أن كل ما يفعل الإنسان من أعمال البرَّ والخير فهوصدقة يُثاب عليها . [135] التاسع عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَلا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلا كَانَ لَهُ صَدَقَةً » . رواه مسلم . وفي رواية لَهُ : « فَلا يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْساً فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلا دَابَّةٌ وَلا طَيْرٌ إلا كَانَ لَهُ صَدَقة إِلَى يَومِ القِيَامةِ » . وفي رواية لَهُ : « لا يَغرِسُ مُسْلِمٌ غَرساً ، وَلا يَزرَعُ زَرعاً ، فَيَأكُلَ مِنهُ إنْسَانٌ وَلا دَابَةٌ وَلا شَيءٌ ، إلاكَانَتْ لَهُ صَدَقَةً » . وروياه جميعاً من رواية أنس رضي الله عنه . قوله : « يَرْزَؤُهُ » أي ينقصه . في هذا الحديث : سعة كرم الله تعالى ، وأنَّه يثيب على ما بعد الحياة ، كما يثيب عليه في الحياة ، وأنَّ ما أخذ من الإنسان بغير عمله فهو صدقة له. |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [136] العشرون : عَنْهُ ، قَالَ : أراد بنو سَلِمَةَ أَن يَنتقِلوا قرب المسجِدِ فبلغ ذلِكَ رسولَ الله ﷺ ، فَقَالَ لهم : « إنَّهُ قَدْ بَلَغَني أنَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تَنتَقِلُوا قُربَ المَسجِد ؟ » فقالُوا : نَعَمْ ، يَا رَسُول اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلِكَ . فَقَالَ : « بَنِي سَلِمَةَ ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ، ديَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ » . رواه مسلم . وفي روايةٍ : « إنَّ بِكُلِّ خَطوَةٍ دَرَجَةً » . رواه مسلم . ورواه البخاري أيضاً بِمَعناه مِنْ رواية أنس ﷺ . وَ« بَنُو سَلِمَةَ » بكسر اللام : قبيلة معروفة مِنَ الأنصار ، وَ« آثَارُهُمْ » : خطاهُم . في هذا الحديث : أنَّ المشي إلى المسجد من الحسنات التي تُكتب لصاحبها . ويشهد له قوله تعالى : ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [ يس (12) ] . [137] الحادي والعشرون : عن أبي المنذِر أُبيِّ بنِ كَعْب t ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلاً أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ ، وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ ، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ : لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَاراً تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء وفي الرَّمْضَاء ؟ فَقَالَ : مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ » . رواه مسلم . وفي رواية : « إنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ » . « الرَّمْضَاءُ » : الأرْضُ التي أصابها الحر الشديد . في هذا الحديث : دليل على فضل تكثير الخطا إلى الذهاب إلى المسجد ، وأنه يكتب له أجر ذهابه إلى المسجد ورجوعه إلى أهله . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [138] الثاني والعشرون : عن أبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عمرو بن العاصِ رَضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : «أرْبَعُونَ خَصْلَةً : أعْلاَهَا مَنيحَةُ العَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَة مِنْهَا ؛ رَجَاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا ، إلا أدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الجَنَّةَ » . رواه البخاري . « المَنيحَةُ » : أنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا لِيَأكُلَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ . قوله : « أربعون خصلة » . أي : من البِرّ دون منيحة العنز ، كالسلام ، وتشميت العاطس ، وإماطة الأذى عن الطريق ، ونحوذلك من أعمال الخير ، قال الله تعالى : ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7)] . [139] الثالث والعشرون : عن عَدِي بنِ حَاتمٍ رضي الله عنه قَالَ : سمعت النَّبيّ ﷺ يقول : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشقِّ تَمْرَةٍ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية لهما عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرى إلا مَا قَدَّمَ ، وَيَنظُرُ بَيْنَ يَدَيهِ فَلا يَرَى إلا النَّار تِلقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » . في هذا الحديث : الحضُّ على الزيادة من صالح العمل ، والتقليل من سيء العمل ، وأنَّ الصدقة حجاب عن النار ، ولو قَلَّت بمال ، أو كلام . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [140] الرابع والعشرون : عن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ ، فَيَحمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا » . رواه مسلم . وَ« الأَكْلَةُ » بفتح الهمزة : وَهيَ الغَدْوَةُ أَو العَشْوَةُ . في هذا الحديث : بيان فضل الحمد عند الطعام والشراب ، وهذا من كرم الله تعالى ، فإنه الذي تفضَّل عليك بالرزق ، ورضي عنك بالحمد . [141] الخامس والعشرون : عن أَبي موسى رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : « عَلَى كلّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ : « يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ » قَالَ : أرأيتَ إن لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : « يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ » قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، قَالَ : « يَأمُرُ بِالمعْرُوفِ أوِ الخَيْرِ » قَالَ : أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟ قَالَ : « يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : الحثُّ على اكتساب ما تدعوإليه حاجة الإنسان من طعام ، وشراب ، وملبس ، ليصون به وجهه عن الناس ، واكتساب ما يتصدق به ليحصل له الثواب الجزيل . وفيه : فضل إعانة المحتاج والمضطر ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . وفيه : فضل الأمر بالمعروف والخير . وفيه : أنَّ الإمساك عن الشرّ صدقةٌ . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 14- باب الاقتصاد في الطَّاعَة قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [ طـه (1 ، 2) ] . أي : لتتعب الاقتصادُ : التوسُّط في العبادة إبقاء للنفس ، ودفعًا للملل ؛ لأنَّ النفس كالدابة إذا رَفق بها صاحبها حصل مراده ، وإن أتعبها انقطعت . قال الضحاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله ﷺ قام به هو وأصحابه فقال المشركون من قريش : ما أُنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى . فأنزل الله تعالى : ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ [ طـه (1 : 3) ] . قال قتادة : لا والله ما جعله شقاء ، ولكن جعله رحمة ونورًا ودليلاً إلى الجنة . قال مجاهد : هي كقوله : ﴿ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل (20) ] . وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [ البقرة (185) ] . نزلت هذا الآية في جواز الفطر في السفر ، وهي عامة في جميع أمور الدين كما قال تعالى : ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [ الحج (78) ] . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [142] وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النَّبيّ ﷺ دخل عَلَيْهَا وعِندها امرأةٌ ، قَالَ : «مَنْ هذِهِ ؟ » قَالَتْ : هذِهِ فُلاَنَةٌ تَذْكُرُ مِنْ صَلاتِهَا . قَالَ : « مهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَواللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا » وكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَ« مهْ » : كَلِمَةُ نَهْي وَزَجْر . ومَعْنَى « لا يَمَلُّ اللهُ » : لا يَقْطَعُ ثَوَابَهُ عَنْكُمْ وَجَزَاء أَعْمَالِكُمْ ويُعَامِلُكُمْ مُعَامَلةَ المَالِّ حَتَّى تَمَلُّوا فَتَتْرُكُوا ، فَيَنْبَغِي لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مَا تُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيهِ لَيدُومَ ثَوابُهُ لَكُمْ وَفَضْلُهُ عَلَيْكُمْ . قال ابن الجوزي : إنما أحَبَّ العمل الدائمَ ؛ لأنَّ مداوم الخير ملازم للخدمة . وقال المصنف : بدوام القليل تستمر الطاعة ، بالذكر ، والمراقبة والإخلاص ، والإقبال على الله . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [143] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيّ ﷺ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبيّ ﷺ ، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا وَقَالُوا : أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ ﷺ قدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ . قَالَ أحدُهُم : أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً . وَقالَ الآخَرُ : وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ . وَقالَ الآخر : وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً . فجاء رسولُ الله ﷺ إليهم ، فَقَالَ : « أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا واللهِ إنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . الخشية : خوفٌ مقرون بمعرفة . قال الله تعالى : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [ فاطر (28) ] . وكان النبي ﷺ يفطر ليتقوَّى على الصوم ، وينام ليتقوَّى على القيام ، ويتزوَّج لكسر الشهوة وإعفاف النفس . وفي الحديث : النهي عن التعمُّق في الدين والتشبه بالمبتدعين . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [144] وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أنّ النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ » . قالها ثَلاثاً . رواه مسلم . « المُتَنَطِّعونَ » : المتعمقون المتشددون في غير موضِعِ التشديدِ . المتنطَّع : المتكلَّف في العبادة بما يشق فعله ولا يلزمه ، والخائضُ فيما لا يعنيه وفيما لا يبلغه عقله . [145] عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلا غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ » . رواه البخاري . وفي رواية لَهُ : « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا » . قوله : « الدِّينُ » : هُوَ مرفوع عَلَى مَا لَمْ يسم فاعله . وروي منصوباً وروي « لن يشادَّ الدينَ أحدٌ » . وقوله ﷺ : « إلا غَلَبَهُ » : أي غَلَبَهُ الدِّينُ وَعَجَزَ ذلِكَ المُشَادُّ عَنْ مُقَاوَمَةِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ . وَ« الغَدْوَةُ » : سير أولِ النهارِ . وَ« الرَّوْحَةُ » : آخِرُ النهارِ . وَ« الدُّلْجَةُ » : آخِرُ اللَّيلِ . وهذا استعارة وتمثيل ، ومعناه : اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ عزوجل بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ بِحَيثُ تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ ولا تَسْأَمُونَ وتبلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ ، كَمَا أنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسيرُ في هذِهِ الأوْقَاتِ ويستريح هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَب ، واللهُ أعلم . معنى الحديث : لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع عن عمله كله أو بعضه ،فتوسطوا من غير إفراط ، ولا تفريط ، وقاربوا إن لم تستطيعوا العمل بالأكمل ، فاعملوا ما يقرب منه ، وأبشروا بالثواب على العمل الدائم وإنْ قل ، واستعينوا على تحصيل العبادات بفراغكم ونشاطكم ، قال الله تعالى : ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [ الشرح (7 ، 8) ] . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [146] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : دَخَلَ النَّبيُّ ﷺ المَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ ، فَقَالَ : « مَا هَذَا الحَبْلُ ؟ » قالُوا : هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ . فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ : « حُلُّوهُ ، لِيُصلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَرْقُدْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذ الحديث : الحث على الاقْتِصاد في العبادة ، والنهي عن التعمُّق فيها ، والأمر بالإقبال عليها بنشاط ، وجواز تنفُّل النساء في المسجد إذا أمنت الفتنة . [147] وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : « إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّومُ ، فإِنَّ أحدكم إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : أمر الناعس في الصلاة أنْ ينصرف منها ، يعني : بعدما يتمها خفيفة . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [148] وعن أَبي عبد الله جابر بن سمرة رضي الله عنهما ، قَالَ : كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النَّبيِّ ﷺ الصَّلَوَاتِ ، فَكَانتْ صَلاتُهُ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً . رواه مسلم . قوله : « قَصْداً » : أي بين الطولِ والقِصرِ . في هذا الحديث : استحباب القصد في الصلاة ، والخطبة وجميع الأمور . [149] وعن أبي جُحَيْفَة وَهْب بنِ عبد اللهِ رضي الله عنه قَالَ : آخَى النَّبيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبي الدَّرْداءِ ، فَزارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرداءِ فَرَأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ : مَا شَأنُكِ ؟ قَالَتْ : أخُوكَ أَبُو الدَّردَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ في الدُّنْيَا ، فَجاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً ، فَقَالَ لَهُ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أنا بِآكِلٍ حَتَّى تَأكُلَ فأكل ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّردَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ . فَلَمَّا كَانَ من آخِر اللَّيلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُم الآن ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ : « صَدَقَ سَلْمَانُ » . رواه البخاري . في هذا الحديث : مشروعية المؤاخاة في الله ، وزيارة الإخوان ، والمبيت عندهم ، وجواز مخاطبة الأجنبية للحاجة ، والنصح للمسلم ، وتنبيه من غفل ، وفضل قيام آخر الليل ، وجواز النهي عن المستحبات إذا خشي أنَّ ذلك يفضي إلى السآمة والملل ، وتفويت الحقوق المطلوبة ، وكراهية الحمل على النفس في العبادة ، وجواز الفطر من صوم التطوع للحاجة والمصلحة . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [150] وعن أَبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنهما ، قَالَ : أُخْبرَ النَّبيُّ ﷺ أنِّي أقُولُ : وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيلَ مَا عِشْتُ . فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : « أنتَ الَّذِي تَقُولُ ذلِكَ ؟ » فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ وأمِّي يَا رسولَ الله . قَالَ : « فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ ، فإنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا وَذَلكَ مِثلُ صِيامِ الدَّهْرِ » قُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : « فَصُمْ يَوماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ » قُلْتُ : فَإنِّي أُطِيقُ أفضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : « فَصُمْ يَوماً وَأفْطِرْ يَوماً فَذلِكَ صِيَامُ دَاوُد ﷺ ، وَهُوَ أعْدَلُ الصيامِ » . وفي رواية : « هُوَ أفْضَلُ الصِّيامِ » فَقُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : « لا أفضَلَ مِنْ ذلِكَ » ، قال : وَلأنْ أكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيّامِ الَّتي قَالَ رَسُول الله ﷺ أحَبُّ إليَّ مِنْ أهْلي وَمَالي . وفي رواية : « أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وتَقُومُ اللَّيلَ ؟ » قُلْتُ : بَلَى ، يَا رَسُول الله ، قَالَ : « فَلا تَفْعَلْ : صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ؛ فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِعَيْنَيكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإنَّ بِحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ ، فإنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذلِكَ صِيَامُ الدَّهْر »فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ، قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، إنِّي أجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : « صُمْ صِيَامَ نَبيِّ الله دَاوُد وَلا تَزد عَلَيهِ » قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ دَاوُد ؟ قَالَ : «نِصْفُ الدَّهْرِ » فَكَانَ عَبدُ الله يقول بَعدَمَا كَبِرَ : يَا لَيتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَة رَسُول الله ﷺ . وفي رواية : « أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهرَ ، وَتَقْرَأُ القُرآنَ كُلَّ لَيْلَة ؟ » فقلت : بَلَى ، يَا رَسُول الله ، وَلَمْ أُرِدْ بذلِكَ إلا الخَيرَ ، قَالَ : « فَصُمْ صَومَ نَبيِّ اللهِ دَاوُد ، فَإنَّهُ كَانَ أعْبَدَ النَّاسِ ، وَاقْرَأ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْر » قُلْتُ : يَا نَبيَّ اللهِ ، إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : « فاقرأه في كل عشرين »قُلْتُ : يَا نبي الله ، إني أطيق أفضل من ذلِكَ ؟ قَالَ : « فَاقْرَأهُ في كُلِّ عَشْر » قُلْتُ : يَا نبي اللهِ ، إنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : « فاقْرَأهُ في كُلِّ سَبْعٍ وَلا تَزِدْ عَلَى ذلِكَ » فشدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ وَقالَ لي النَّبيّ ﷺ : « إنَّكَ لا تَدرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمُرٌ » قَالَ : فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لي النَّبيُّ ﷺ . فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ قَبِلتُ رُخْصَةَ نَبيِّ الله ﷺ . وفي رواية : « وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً » . وفي رواية : « لا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ » ثلاثاً . وفي رواية : « أَحَبُّ الصِيَامِ إِلَى اللهِ تَعَالَى صِيَامُ دَاوُد ، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ : كَانَ ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى » . وفي رواية قال : « أنْكَحَني أَبي امرَأةً ذَاتَ حَسَبٍ وَكَانَ يَتَعَاهَدُ كنَّتَهُ ﷺ - أي : امْرَأَةَ وَلَدِهِ - فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا . فَتقُولُ لَهُ : نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشاً ، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفاً مُنْذُ أتَيْنَاهُ . فَلَمَّا طَالَ ذلِكَ عَلَيهِ ذَكَرَ ذلك للنَّبيِّ ﷺ ، فَقَالَ : « القِنِي بِهِ » فَلَقيتُهُ بَعد ذلك ، فَقَالَ : «كَيْفَ تَصُومُ ؟ » قُلْتُ : كُلَّ يَومٍ ، قَالَ : « وَكَيْفَ تَخْتِمُ ؟ » قُلْتُ : كُلَّ لَيْلَةٍ ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أهْلِهِ السُّبُعَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ، يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ ليَكُونَ أخفّ عَلَيهِ باللَّيلِ ، وَإِذَا أَرَادَ أنْ يَتَقَوَّى أفْطَرَ أيَّاماً وَأحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كرَاهِيَةَ أنْ يَترُكَ شَيئاً فَارَقَ عَلَيهِ النَّبيَّ ﷺ . كل هذِهِ الرواياتِ صحيحةٌ ، مُعظمُها في الصحيحين ، وقليل مِنْهَا في أحدِهِما . في هذا الحديث : دليل على أنَّ أفضل الصيام صوم يوم وإفطار يوم وكراهة الزيادة على ذلك . قال الخطابي : محصل قصة عبد الله بن عمرو : أنَّ الله تعالى لم يتعبد عبده بالصوم خاصة ، بل تعبّده بأنواعٍ من العبادات ، فلو استفرغ جهده لقصَّر في غيره ، فالأَوْلى الاقتصاد فيه ليتبقى بعض القوة لغيره . قال الحافظ : وفي قصة عبد الله بن عمرو من الفوائد : بيان رفق رسول الله ﷺ بأمته ، وشفقته عليهم ، وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم ، وحثّه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ، ونهيهم عن التعمُّق في العبادة لما يخشى من إفضائه إلى الملل أو ترك البعض ، وقد ذم الله تعالى قومًا لا زموا العبادة ثم فرطوا فيها . وفيه : جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة ، والأوراد ، ومحاسن الأعمال ، ولا يخفى أنَّ محل ذلك عند أمن الرياء . انتهى ملخصًا . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [151] وعن أبي رِبعِي حنظلة بنِ الربيعِ الأُسَيِّدِيِّ الكاتب أحدِ كتّاب رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكر رضي الله عنه فَقَالَ : كَيْفَ أنْتَ يَا حنْظَلَةُ ؟ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ! قَالَ : سُبْحَانَ الله مَا تَقُولُ ؟! قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُول الله ﷺ يُذَكِّرُنَا بالجَنَّةِ وَالنَّارِ كأنَّا رَأيَ عَيْنٍ فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُول الله ﷺ عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً ، قَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه : فَوَالله إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فانْطَلَقْتُ أَنَا وأبُو بَكْر حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُول الله ﷺ . فقُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُول اللهِ ! فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « وَمَا ذَاكَ ؟ » قُلْتُ : يَا رَسُول اللهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ والجَنَّةِ كأنَّا رَأيَ العَيْن فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً . فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ ، لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونونَ عِنْدِي ، وَفي الذِّكْر ، لصَافَحَتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً » ثَلاَثَ مَرَات . رواه مسلم . قولُهُ : « رِبْعِيٌّ » بِكسر الراء . وَ« الأُسَيِّدِي »بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشددة . وقوله : « عَافَسْنَا » هُوَ بِالعينِ والسينِ المهملتين أي : عالجنا ولاعبنا . وَ« الضَّيْعاتُ »: المعايش . قوله ﷺ : « ساعة وساعة » ، أي : ساعة لأداء العبودية ، وساعة للقيام بما يحتاجه الإنسان . قال بعض العارفين : الحال التي يجدونها عند النبي ﷺ وفي الذكر مواجيد ، والمواجيد تجيء وتذهب ، وأما المعرفة ، فهي ثابتة لا تزول . وفي حديث أبي ذر المشهور : « وعلى العاقل أنْ يكون له ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكَّر فيها في سمع الله إليه ، وساعة يخلو فيها لحاجته من مطعم ومشرب » . وبالله التوفيق . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 15- باب المحافظة عَلَى الأعمال قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الحديد (16) ] . قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ ﴾ ، يعني ألم يحن . قيل : نزلت في شأن الصحابة لما أكثروا المزاح . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ [ الحديد (27) ] . الرهبانية التي ابتدعوها : رفض النساء : واتخاذ الصوامع . وفيه : تنبيه على أنَّ مَن أوجب على نفسه شيئًا لزمه . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ﴾ [ النحل (92) ] . وهي امرأة حمقاء من أهل مكة ، كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه . قال الخازن : والمعنى : أن هذه المرأة لم تكف عن العمل ، ولا حين عملت كفت عن النقض ، فكذلك من نقص عهده لا تركه ، ولا حين عاهد وفَى به . انتهى . والآية عامة في كل من أبطل عمله . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [ الحجر (99) ] . أي : دُمْ على عبادة ربك حتى يأيتك الموت . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [152] وعنِ ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : بينما النَّبيُّ ﷺ يخطب إِذَا هُوَ برجلٍ قائم فسأل عَنْهُ ، فقالوا : أَبُو إسْرَائيلَ نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمْسِ وَلا يَقْعُدَ ، وَلا يَسْتَظِل ، وَلا يَتَكَلَّمَ ، وَيَصُومَ ، فَقَالَ النَّبيّ ﷺ : « مُرُوهُ ، فَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ » . رواه البخاري . في هذا الحديث : دليل على أنَّ من تقرَّب إلى الله تعالى بعمل لم يتعبده الله به ، أنه لا يلزمه فعله ، وإنْ نذره . ومن نذر عبادة مشروعة لزمه فعلها . وفي الحديث الآخر : « من نذر أنْ يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه » . |
بسم الله الرحمن الرحيم ( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 16- باب في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [ الحشر (7) ] . في هذا الآية دليل على وجوب امتثال أوامره ونواهيه ﷺ وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [ النجم ( 3 ، 4) ] . أي : لا يقول الرسول ﷺ إلا حقًّا ، وليس عن هوى ولا غرض ؛ لأنَّ ما يقوله وحيٌ من الله عز وجلّ . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [ آل عمران (31)] . نزلت هذه الآية حين ادَّعى أهل الكتاب محبَّة الله فمن ادَّعى محبة الله وهو على غير الطريقة المحمدية فهو كاذب في نفس الأمر . قال بعض العلماء : ليس الشأن أن تحِب إِنما الشأن أن تُحَبَّ . قال الحسن البصري : زعم قوم أنهم يحبُّون الله فابتلاهم الله بهذه الآية . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر ﴾ [ الأحزاب (21) ] . الأُسوة : الاقتداء به ﷺ في أقواله ، وأفعاله ، وأحواله . |
Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd