![]() |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - باب الغسل للمحرم [237] الحديث الأول: عن عبدالله بن حنين أن عبدالله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال ابن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل رأسه قال فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله يغسل رأسه وهو محرم فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه الماء اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيته يغتسل . وفي رواية فقال المسور لابن عباس لا أماريك بعدها أبدا . موضوع الحديث : حكم غسل المحرم تراجم الرواة : عبدالله بن عباس هو ابن عم الرسول ﷺ وقد دعا له الرسول ﷺ بقوله ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) وكان يلقب بالبحر والحبر لكثرة علمه هاجر به أبوه في السنة السابعة وهو غلام توفي النبي ﷺ وهو ابن ثلاث عشرة سنة كما روى ذلك عن نفسه أخرجه البخاري في الأدب المفرد سكن في آخر عمره مكة ثم تحول إلى الطائف وتوفي عام 68هـ المفردات الأبواء :قرية بين مكة والمدينة وهي التي توفيت بها أم النبي ﷺ قوله بين القرنين : فسر المؤلف هذه الكلمة والمراد بها الخشبتين اللتين يشد عليهما العمود المعترض وهو الذي يسمى العرش تشد فيه البكرة لمن أراد أن يبرح بالدلو قوله وهو يستتر بثوب : يعني أنه كان يغتسل وعليه إزار وله ثوب يستره ومعه من يصب عليه الماء قوله فطأطأه : أي نزل الثوب الذي يستره حتى بدا لعبدالله بن حنين رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه الماء أصبب فصب على رأسه قوله ثم حرك رأسه : أي حركه بيديه ليدخل الماء فيه لا أماريك : أي لا أجادلك المعنى الإجمالي تحاور عبدالله بن عباس والمسور بن مخرمة في الغسل للمحرم هل يغسل المحرم رأسه أم لا وموضع الشبهة فيه أنه لو حرك شعر رأسه لأمكن أن يكون متسبباً في سقوط بعض الشعر فجاء عبدالله بن حنين إلى أبي أيوب فوجده يغتسل فقال له أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله ﷺ يغتسل فقال للذي يصب عليه الماء أصبب بعد أن طأطأ الثوب الذي يستره حتى بدا رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيته صلى أي يفعل فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث جواز التماري والتحاور في حال الإحرام وهو الجدال الخفيف الذي لا يثير ضغائن ولا يؤدي إلى تشاحن ويحمل ما ورد في الآية على الجدال الذي يؤدي إلى تشاحن أو سباب أو ما أشبه ذلك والآية هي قول الله تعالى { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [البقرة : 197] ثانياً : أن رأي الصحابي لا يكون ملزماً لصحابي آخر إلا إذا أيد أحد الرأيين بالدليل كما حصل هنا فقد تأيد رأي ابن عباس بالدليل ودل على فقهه ثالثاً :رأي الصحابي يكون حجة بثلاثة شروط الأول : أن لا يعارضه نص مرفوع الثاني:أن لا يعارضه رأي صحابي آخر الثالث:أن لا يكون مخالفاً لما علم من عمومات الشرع رابعاً :إذا تعارض رأي صحابي مع رأي صحابي آخر فإذا كان الصحابي الآخر قد دل دليل عام أو خاص على تقدمه في أمر ما قدمه النص ولذلك فقد قدم أهل العلم رأي زيد بن ثابت في الفرائض لقول النبي ﷺ (وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ) وربما قـدم رأي معاذ وإن كان لم يطل عمره وقد توفي قديماً في عام ثماني عشرة فإن وجد رأيه مخالفاً لرأي غيره في الحلال والحرام قدم رأيه لما جاء في الحديث (وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ كما أنه يقدم تفسير ابن عباس على غيره لأن النبي ﷺ دعا له أن يعلمه الله التأويل أما النص العام في تخصيص بعض الصحابة كقوله ﷺ ( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) فإذا اختلف رأي صحابي مع صحابي آخر وكان أحدهما من الخلفاء ولم يكن في المسألة نص عن النبي ﷺ فإنه يقدم رأي أحد الخلفاء فإن كان هناك نص أخذ بالنص كما حصل في مسألة التمتع بالحج ونهي أبي بكر وعمر عنه فلما كان رأيهما مخالفاً لما ثبت عن النبي ﷺ قال ابن عباس يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله ﷺ وتقولون قال أبو بكر وعمر . خامساً :جواز الاغتسال للمحرم وغسل رأسه وقد حكى الإجماع على جواز ذلك إن كان الغسل واجباً كغسل الجنابة أو الاغتسال من الحيض فإن كان الغسل للتبرد والترفه ففيه خلاف بين أهل العلم ذهب الشافعي إلى جوازه وزاد أصحابه ولو غسل رأسه بالسدر والخطمي وقال مالك وأبو حنيفة عليه الفدية إن غسل رأسه بالخطمي وما في معناه ولعل القول الأول هو الأصح سادساً :جواز الاغتسال أمام الناس إذا كان مستور العورة لأن قول أبي أيوب لمن يصب عليه أصبب دال على أن هذا الذي يصب عليه ينظر إلى جسمه وهذا يدل على أنه مستور العورة إذ يستحيل أن أبا أيوب يقول له أصبب وهو مكشوف العورة سابعاً :جواز السلام على المتطهر بخلاف من يكون على قضاء الحاجة ثامناً :جواز الاستعانة في الطهارة والاستعانة إما أن تكون في الطهارة بالصب والدلك وإما أن تكون في تحصيل ماء الطهارة فأما الأول ففيه خلاف والصحيح جوازه لأن النبي ﷺ صب عليه المغيرة بن شعبة وصب عليه أسامة بن زيد في حجة الوداع إلى غير ذلك أما القول بكراهته فليس عليه دليل صحيح بل الأدلة فيه ضعيفة أو موضوعة منها حديث ( أنا لا أستعين على وضوئي بأحد ) فهذا حديث ضعيف لأنه من رواية النضر بن منصور عن أبي الجنوب قال النووي حديث باطل وقال الدارمي قلت لابن معين النضر بن منصور عن أبي الجنوب وعن ابن أبي معشر قال هؤلاء حمالة الحطب ومنها حديث( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _ لا يَكِلُ طُهُورَهُ إِلَى أَحَدٍ) أخرجه ابن ماجه والدارقطني وفيه مطهر بن الهيثم وهو ضعيف أما الاستعانة في تحصيل ماء الطهارة فهو ثابت عن النبي ﷺ وعن أصحابه كما في حديث عثمان بن عفان (فدعا بوضوء) وفي حديث علي بن أبي طالب حين كان برحبة الكوفة وهناك أدلة أخرى تدل على جوازه ولا أعرف من خلالها خلافاً . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf , |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - باب فسخ الحج إلى عمرة [238] الحديث الأول : عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال أهل النبي ﷺ وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي ﷺ وطلحة وقدم علي رضي الله عنه من اليمن فقال أهللت بما أهل به النبي ﷺ فأمر النبي ﷺ أصحابه أن يجعلوها عمرة فيطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت وحاضت عائشة فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت فلما طهرت وطافت بالبيت قالت يا رسول الله ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج ؟ فأمر عبد الرحمن ابن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج . موضوع الحديث : فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي المفردات أهل النبي ﷺ : أصل الإهلال رفع الصوت قالوا استهل الصبي إذا رفع صوته بالبكاء عند ولادته واستعمل في التلبية استعمالاً شائعاً فيعبر به عن الإحرام كذا قال ابن دقيق العيد رحمه الله قوله في الحج :قال ظاهره يدل على الإفراد وهي رواية جابر قوله وليس مع أحدهم هدي :أي لم يكن مع أحد من الصحابة هدي غير النبي ﷺ وطلحة قوله أهللت بما أهل به النبي ﷺ : أي أحرمت بما أحرم به النبي ﷺ قوله فأمر النبي ﷺ أصحابه أن يجعلوها عمرة: أي يحولوا نيتهم من حج إلى عمرة تمتع فيطوفوا أي بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا ويحلوا فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر: يقصدون بذلك أنه يقطر منياً لقرب الإحرام من وقت الجماع فبلغ ذلك النبي ﷺ يدل على أنه لم يسمعه منهم فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت :أي لو عرفت من أمري المستقبل ما عرفت من أمري الماضي لما أهديت يعني ولجعلتها عمرة ولولا أن معي الهدي لأحللت :لولا حرف امتناع لوجود أي امتنع أخذي بالعمرة وتحللي بها لوجود الهدي معي قوله فنسكت المناسك كلها :أي عملتها جميعاً غير أنها لم تطف بالبيت التنعيم :هو نهاية الحرم في جهة شمال الكعبة المعنى الإجمالي هذا الحديث يدل على أن إبتداء إحرام النبي ﷺ وأصحابه كان بالحج مفرداً ثم إن النبي ﷺ أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يتحلل فلما لمس منهم المعارضة لما قد درجوا عليه من تحريم العمرة في أشهر الحج تمنى أنه لو عرف من أمره سابقاً ما عرفه الآن لما ساق الهدي ولجعلها عمرة وكان في هذا تمنٍّ لما فيه المصلحة حسب ظن النبي ﷺ ولكن كان الذي فيه المصلحة هو ما اختاره الله عز وجل لنبيه ﷺ وما اختاره لأصحاب نبيه ﷺ الذين لم يسوقوا الهدي فقه الحديث أولاً :يؤخذ من هذا الحديث أن النبي ﷺ وأصحابه كان إهلالهم بالحج أولاً ثم تحولوا إلى العمرة . ثانياً :يؤخذ منه أن أمر النبي ﷺ لهم أن يحولوا نسكهم إلى تمتع كان بعد دخولهم في النسك ويستفاد منه جواز تحويل الحج إلى عمرة تمتع وإليه ذهب أحمد بن حنبل رحمه الله والظاهرية وقرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم كما قال الصنعاني في العدة ثالثاً : أقول هذا هو الحق لأمر النبي ﷺ أصحابه بذلك وتأكيده عليهم المرة بعد المرة حتى كان آخر ذلك عند المروة رابعاً : أن هذا الفسخ حصل في زمن النبي ﷺ بأمر منه المبني على أمر ربه تعالى وذلك لمصلحة نقض ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العمرة في أشهر الحج لا تجوز وقولهم بأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور خامساً:لقد إنهدم هذا المعتقد بأمر النبي صلى لأصحابه الذين لم يسوقوا الهدي بأن يجعلوها عمرة ويتحللوا ويتمتعوا بالحل إلى يوم التروية ثم يدخلوا في الإحرام من جديد بالحج ولكن اختلف أهل العلم هل هذه العمرة وفسخ الحج لها وتحويله إليها خاص بذلك الركب أو عام في الأزمنة مستقبلاً ، فذهب بعض الصحابة وكثير من التابعين والإمام أحمد بن حنبل وداود الظاهري وكثير من المحدثين إلى أن فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي شرع مستمر إلى يوم القيامة مستدلين بما رواه سراقة بن مالك المدلجي رضي الله عنه حين سأل رسول الله صلى فقال يا رسول الله ( أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَقَالَ لا بَلْ لِلأَبَدِ)وفي رواية (بل لأبد الأبد) وهذا حديث صحيح وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن فسخ الحج إلى العمرة كان فرضاً على الصحابة لمحو ما كان يعتقده أهل الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج ويرون ذلك من أفجر الفجور أما من بعد الصحابة ففسخ الحج إلى العمرة في حقهم مستحب وليس بواجب ذكر ذلك عنه تلميذه ابن القيم في الهدي وقال أجدني إلى رأي ابن عباس أميل ورأي ابن عباس وجوب الفسخ على من لم يسق الهدي في كل زمان إلى يوم القيامة ويرى أن من طاف وسعى ولم يكن معه هدي فقد حلّ شاء أم أبى ، الرأي الثالث أن جواز فسخ الحج إلى العمرة خاص بالصحابة ولا يجوز لأحد بعدهم واستدلوا على ذلك بأحاديث ضعيفة فمنهم من قال هو خاص بالصحابة ومنهم من قال منسوخ وكلا القولين ضعيف لضعف أدلته قال في الهدي ج 2 ص 178 وقد روي عنه _ الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من الصحابة وأحاديثهم كلها صحاح ثم عدّهم وساق أحاديثهم ثم قال في صفحة 182 بعد أن ذكر حديث عائشة رضي الله عنها حين غضب النبي ﷺ إذ رددوا عليه القول فقالت من أغضبك أغضبه الله فقال وما لي لا أغضب وأنا آمر أمراً فلا يتبع ونحن نشهد الله علينا أنّا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة تفادياً من غضب رسول الله ﷺ واتباعاً لأمره فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله هل ذلك مختص بهم فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الآباد أهـ . قلت : وفي حديث البراء هذا عند أحمد وابن ماجة وأبي يعلى ورجاله رجال الصحيح كما قال في مجمع الزوائد حين أمر أصحابه بالفسخ فردوا عليه القول فغضب ودخل على عائشة وهو غضبان فقالت من أغضبك أغضبه الله أقول : في هذا ردّ لما ذهب إليه ابن عباس (أن من طاف بالبيت فقد حل) إذ لو كان الأمر كذلك لقال النبي ﷺ لأصحابه أنتم قد حللتم شئتم أم أبيتم ولكن الصحيح أن أمر النبي ﷺ لأصحابه أمر لجميع الأمة من أطاعه نال الثواب وأصاب الأفضل من النسك ومن لم يطعه أثم بعصيانه ونسكه صحيح . أخيراً يا طالب العلم عليك بقراءة هذا البحث في الهدي النبوي فإن فيه ما يكفي ويشفي في هذه المسألة . سادساً: يؤخذ منه جواز استعمال لو في الأمور الماضية ويعارضه النهي الذي جاء في الحديث وقول النبي ﷺ (فإن لو تفتح عمل الشيطان) بعد قوله ( فإن أصابك شيء فلا تقولنّ لو ) ولأهل العلم في هذه المسألة خلاف حاصله أن لو قد استعملت في كلام الله عز وجل في مواضع منه حيث قال تعالى في نفي علم الغيب عن البشر وأن النبي ﷺ كسائر البشر لا يعلم الغيب ومنه قوله تعالى (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) [الأعراف : 188] وقوله لمن قالوا ( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) [آل عمران : 154 ] وعلى هذا فإن المكروه من استعمال لو ما كان فيه معارضة للقدر أما ما لم يكن كذلك بل كان التمني فيه للمصلحة كقول النبي ﷺ ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ) فإنه جائز سابعاً :يؤخذ من قوله ولولا أن معي الهدي لأحللت أن الذي منعه من التحلل هو كونه ساق الهدي والله تعالى يقول ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) [البقرة : 196] ثامناً :يؤخذ من قوله وحاضت عائشة فنسكت المناسك كلها دليل على أن الحائض لا تجتنب من المناسك إلا الطواف بالبيت وما عدا ذلك فإنه مباح لها كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار وما أشبه ذلك تاسعاً :يؤخذ من قوله غير أنها لم تطف بالبيت أن الحائض لا يجوز لها أن تطوف بالبيت وهذا هو قول الجمهور وخالفهم أبو حنيفة فلم يشترط الطهارة في الطواف بالبيت وقوله مرجوح والراجح هو ما ذهب إليه الجمهور لهذا الحديث وغيره منها قوله ﷺ لما ذكر صفية وأنه يريد منها ما يريد الرجل من امرأته فقيل أنها حاضت فقال النبي ﷺ (عقرى حلقى أحابستنا هي فقيل أنها قد طافت طواف الإفاضة فقال فلا إذاً ) عاشراً :قد أفتى بعض الفضلاء المشهورين بجواز طواف الحائض بعد أن تستثفر للضرورة القصوى وذلك لما كان في زمنه من تعرض قطاع الطرق للحجاج وأن من انفرد عن الركب اقتطع فأفتى بأن الحائض تستثفر وتطوف لأن انفرادها عن الركب يعرضها ومحرمها لأمر خطير وهل يصح أن يفتى بهذا في هذا الزمن أي بجواز طواف الحائض عند الضرورة كما أفتى بذلك ابن تيمية هذا محل نظر . الحادي عشر :قوله فلما طهرت طافت بالبيت يدل على صحة ما سبق أن الحائض لا تطوف بالبيت الثاني عشر: أن عائشة غارت من صواحبها لأنهن قد جمعن بين حج وعمرة وهي لم يكن معها إلا حج فقال لها النبي ﷺ (طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ ) لكنها أصرت أن تعمل عمرة مفردة ولحكمة أرادها الله فقد أرسل النبي ﷺ معها أخاها عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم فكانت سنة لمن أراد أن يعمل عمرة من مكة أن يخرج إلى الحل ليجمع بين الحل والحرم وبالله التوفيق الثالث عشر :يؤخذ من قوله (فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ) جواز خلوة المحرم بمحرمه وهو أمر مجمع عليه الرابع عشر :أن الله عز وجل إذا أراد أن يشرع شرعاً جعل له سبباً وقضية عائشة كانت سبباً في مشروعية الاعتمار من مكة وأن المكي إذا أراد أن يعتمر فإنه يخرج إلى الحل فيحرم بعمرة من الحل ليجمع بين الحل والحرم في العمرة كما يجمع بين الحل والحرم في الحج فلا يصح حج الحاج إلا بأن يقف بعرفة وعرفة من الحل الخامس عشر:ذهب قوم إلى أن التنعيم ميقات العمرة لمن أراد الاعتمار من مكة ولا يجزئ غيرها من الحل وذهب الجمهور إلى أنه يجوز الاعتمار من الحل في أي جهة كان من مكة وكل أصحاب ناحية يخرجون إلى الحل في ناحيتهم ومما يدل على ذلك أي على ترجيح مذهب الجمهور أن النبي ﷺ لما أهل بالعمرة بعد الفتح وبعد حصار الطائف أحرم من الجعرانة لأنها أسمح لجهته وهكذا كل من كان في جهته فهو يذهب للحل من جهته وهذا هو القول الصحيح السادس عشر: يكون في هذه القصة تخصيص لما ورد في حديث المواقيت حيث قال ﷺ بعد ذكر المواقيت ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ) فقصة عائشة تدل على أن ميقات العمرة الحل وأن مكة أو منزل الإنسان في مكة لا يكون ميقاتاً للعمرة بل يكون ميقاتاً في الحج وإن كان قد قيل بأن المعتمر من أهل مكة يحرم من بيته ويذهب إلى المسجد فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وتلك عمرته وأن هذا الحديث الذي في المواقيت بالنسبة لأهل مكة تكون منازلهم مكاناً لبدأ إحرامهم ولكن في هذا الحديث تخصيص لعموم حديث المواقيت والخاص مقدم على العام السابع عشر :يعتقد كثير من الحجاج أن الحاج ولو كان متمتعاً فإن عليه أن يعتمر من التنعيم وهذا الاعتقاد خطأ فإن عائشة هي الوحيدة التي اعتمرت من التنعيم من بين من حضروا حجة الوداع مع النبي _ ونحن نؤمن أن الله ما شرع هذا بعد أن جعل له سبباً إلا لحكمة أرادها وهو أن يشرع ميقاتاً لعمرة المكي فيجب أن يوعى الحجاج بأن هذا الفهم خاطئ الثامن عشر : رأينا كثيراً من الحجاج إذا تحلل من العمرة ليتمتع بالحل ما دام مقيماً بمكة فإنه يذهب إلى التنعيم فيحرم بعمرة لأبيه مثلاً ويحلق بعض رأسه ويذهب مرة أخرى فيحرم بعمرة مثلاً لأمه الميتة وهكذا فيضل في أيام انتظاره بين الحج والعمرة يأتي بعدة عمر وهذا فيه أخطاء : الخطأ الأول:أن إتيانه بعمرة أجنبية بين نسكين مترابطين أمر محدث لم يعرف عن الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم من أهل العلم ، الخطأ الثاني : أن تكرير العمرة في زمن يسير مختلف فيه والصحيح أنه لا بد أن يكون بين العمرتين زمناً ينمو فيه رأس المعتمر حتى يتمكن من حلقه مرة أخرى ، الخطأ الثالث :أنه يُجزِئُ رأسه فيحلق بعضه اليوم ويحلق بعضه غداً وبعضه بعد غد وهذا سبب في ارتكاب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه ، الخطأ الرابع :أن في هذا العمل تكثير للزحام وأذية للحجاج والمعتمرين الذين جاءوا لأول مرة . ومن هذه الحيثيات فإنه ينبغي أن يمنع هؤلاء من تكرير العمر بين عمرة التمتع وحجه وبالله التوفيق . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf , |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [239] الحديث الثاني : عن جابر رضي الله عنه قال قدمنا مع رسول الله ﷺ ونحن نقول لبيك بالحج فأمرنا رسول الله ﷺ فجعلناها عمرة موضوع الحديث : تحويل الحج إلى عمرة المفردات قد تقدم مفردات هذا الحديث وفقهه في الحديث قبله فلا يحتاج منا إلى إعادة [240] الحديث الثالث : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله ﷺ وأصحابه صبيحة رابعة فأمرهم أن يجعلوها عمرة فقالوا يا رسول الله أي الحل قال الحل كله . موضوع الحديث : تحويل الحج إلى عمرة المفردات صبيحة رابعة: أي صبيحة الليلة الرابعة من شهر ذي الحجة فأمرهم أن يجعلوها عمرة: أي بأن يجعلوا نسكهم ذلك الذي كانوا قد بدأوه بالحج أن يجعلوه عمرة أي الحل يقصدون هل الحل جزئي أو كلي لأنه لمّا أمرهم أن يتحللوا ويحرموا بالحج في اليوم الثامن ظنوا أن هذا التحلل تحلل جزئي وليس بكلي . فقه الحديث أولاً: أن أصحاب النبي ﷺ كانت نيتهم عند دخولهم في النسك الحج وأن النبي ﷺ أمرهم أن يحولوا ذلك النسك إلى عمرة تمتع وهذا يشهد لحديثي جابر الأول والثاني إلا أنه يشهد لهما بمفهومه وهما منطوقان ثانياً:يؤخذ منه جواز تحويل الحج إذا كان قد نواه الحاج حجاً مفرداً أن يحوله إلى عمرة تمتع وقد تقدم الكلام على ذلك بما فيه كفاية . ثالثاً :أن الصحابة فهموا أن الحل جزئي وليس بكلي لأنهم يستبعدون إباحة الجماع قبل الذهاب إلى منى حتى قال بعضهم أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر منياً فأخبرهم النبي ﷺ أنه الحل كله . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf , |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [241] الحديث الرابع : عن عروة بن الزبير قال سئل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله ﷺ يسير حين دفع قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص . قال العنق انبساط السير والنص فوق ذلك موضوع الحديث: كيفية سير النبي ﷺ حين دفع من عرفات إلى مزدلفة وكان أسامة بن زيد رديفه المفردات العنق : نوع من السير والنص فوق ذلك وللسير ضروب عند العرب لها أسماء تعرف بها المعنى الإجمالي واضح أن النبي ﷺ كان يسير سيراً معتدلاً حين يرى أمامه الزحام وكان يسير سيراً خفيفاً أي فوق السير الأول وأخف منه حين يرى ما أمامه منفسحاً عن الزحام فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث استعمال السيرين اللذين هما العنق والنص بحسب الظروف من ازدحام الطريق وعدم ازدحامه وبالله التوفيق ثانياً: أن هذا لا يتنافى مع قول النبي ﷺ عليكم السكينة فإن البر ليس بالايضاع فما فعله النبي ﷺ لم يخرج عن كونه سكينة وبالله التوفيق .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [242] الحديث الخامس: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه فقال رجل لم أشعر فحلقت قبل أن اذبح قال اذبح ولا حرج وجاء آخر فقال لم اشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج . موضوع الحديث : السؤال عما وقع فيه الحجاج يوم النحر من التقديم والتأخير في أعمال ذلك اليوم الأربعة المفردات قوله لم اشعر : أي لم اعلم قوله في كل ما سأل عنه افعل ولا حرج : نفي للحرج الذي هو الإثم أو الوقوع فيما يجلب المشقة على الإنسان المعنى الإجمالي يخبر عبدالله بن عمرو أن النبي ﷺ وقف للسائلين في يوم النحر فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث وما في معناه أن النبي صلى نفى الحرج عمّن قدّم أو أخر بعض أعمال يوم النحر الأربعة التي هي الرمي والذبح والحلق أو التقصير والطواف وقد اختلف أهل العلم في تقديم وتأخير هذه الأعمال هل هو مكروه أو محرم لمن لا يجهل وذلك أنهم اتفقوا على مشروعية الترتيب الذي فعله النبي ﷺ حيث رمى جمرة العقبة ثم نحر هديه ثم حلق رأسه ثم أفاض بعد ذلك ولكن هذا الترتيب هل هو واجب لا يجوز العدول عنه إلا لمن أوقعه الجهل فيه أو أنه مستحب فذهب الشافعي إلى الاستحباب أي استحباب الترتيب وجعل ترك الترتيب بمنزلة المكروه وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم جواز تقديم الحلق على الرمي وهذا هو قول الجمهور أن الحلق لا يقدم على الرمي إلا في حالة الجهل ولم يخالف فيما قالوه من طلبية هذا الترتيب والإتيان به على هذا الوجه إلا ابن الجهم من المالكية فإنه يرى أن القارن لا يجوز له الحلق قبل الطواف واعتذر عنه بأنه يرى أن القارن قد تداخلت عمرته وحجته فلا يحلق إلا بعد الطواف الذي يعتبر إتماماً للحج والعمرة ولكن صاحب هذا القول شذّ بقوله عن جمهرة أهل العلم وخالف عن عمل النبي ﷺ وقوله فالنبي ﷺ حج قارناً ولم يكن مفرداً وقد بدأ برمي جمرة العقبة ثم نحر هديه ثم حلق رأسه ولبس ثيابه قبل أن يطوف بالبيت . أما قول ابن دقيق العيد بأن كون النبي ﷺ حج قارناً قال هذا إنما ثبت بأمر استدلالي لا نصي عند الجمهور قلت: قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد إنما قلنا أنه أحرم قارناً لبضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك أهـ ثم ساقها بعد ذلك والمهم أن قول ابن الجهم هذا قول باطل لشذوذه ومخالفته عمل النبي ﷺ الفعلي وما أمر به وإجماع أهل العلم على ذلك ثانياً:إذا قلنا أن هذه الوظائف الأربع قد أفتى النبي ﷺ بجواز تقديمها على بعض في حالة الجهل وعدم الشعور فإنه لا يتمشى لنا الاستدلال على جواز ذلك في حالة العلم بهذا الترتيب وبالأخص الحلق قبل الرمي ثالثاً:قول النبي ﷺ لا حرج إنما هو نفى للحرج عمّن فعل ذلك جاهلاً فهل من فعل ذلك عامداً يلحقه إثم ويلزمه دم على المخالفة هذا محل نظر ومحل خلاف بين أهل العلم رابعاً:ذكر ابن دقيق العيد أن إيجاب الدم على من خالف الترتيب عامداً أنه مبني على غير دليل حيث قال اعلم أن إيجاب الدم في هذه الأفعال والتروك في الحج لم يأت به نص نبوي إنما روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئاً على شيء فعليه دم وأقول إن قول ابن عباس هذا يحتمل أنه أخذه من كتاب الله فإن الله سبحانه وتعالى أوجب الفدية على من احتاج إلى حلق رأسه لقوله تعالى( فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) فلعل ابن عباس رضي الله عنه أخذ من هذه الآية وجوب الدم على من فعل محظوراً أو ترك واجباً وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى قوله في هذه المسألة وأوجبوا الدم في بعضها وإن اختلفوا في البعض الآخر ولا شك أن ترتيب الفدية على من ارتكب محظوراً أن في ذلك مصلحة للحاج بجبر نسكه ومصلحة للمساكين بما يحصل لهم من الصدقة في الطعام والذبائح التي تذبح وبالله التوفيق . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [243] الحديث السادس : عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي أنه حج مع ابن مسعود فرآه رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سور البقرة ﷺ. موضوع الحديث : كيفية رمي جمرة العقبة ومن أين ترمى المفردات قوله فرآه رمى الجمرة الكبرى :الجمرة الكبرى هذا وصف يطلق على جمرة العقبة وهي الجمرة الأخيرة التي تلي مكة وقد كانت هذه الجمرة في جانب عقبة لحقتها في أول حج حججته ثم بعد ذلك أزيلت وأظن إزالتها كان في آخر عهد الملك عبد العزيز رحمه الله وقصد بإزالتها التوسعة على الناس في حالة الرمي كما عملوا الدور الثاني للتخفيف من الزحام وهذا من محاسن ومفاخر دولة آل سعود وفقهم الله قوله فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه : وأقول وقف في بطن الوادي واستقبل الجمرة إلى جهة الشمال فجعل منى عن يمينه ومكة عن يساره قوله ثم قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سور البقرة ﷺ :المقصود بهذا الكلام الحث على التأسي به في كيفية رمي هذه الجمرة وغيرها المعنى الإجمالي يخبر عبد الرحمن بن يزيد النخعي أنه حج مع عبد الله بن مسعود فرآه رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات من بطن الوادي حيث جعل منى عن يمينه ومكة عن يساره فقه الحديث أولاً:يؤخذ من هذا الحديث مشروعية الرمي على العموم ورمي جمرة العقبة على الخصوص والجمهور على أن الرمي واجب من واجبات الحج ثانياً: يؤخذ منه أن النبي ﷺ رماها بسبع حصيات وكل الجمرات ترمى كل واحدة منها بسبع حصيات ثالثاً: أن هذه السبع الحصيات ترمى واحدة بعد أخرى وقد ذهب الجمهور إلى ذلك وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لو رماها بسبع حصيات مرة واحدة جاز ذلك وهذا قول شاذ والصحيح أنها ترمى بسبع حصيات كل واحدة تلوى الأخرى رابعاً:يؤخذ من عموم أحاديث الرمي استحباب التكبير عند رمي كل حصاة حيث يقول الرامي الله أكبر وهذا الذكر سنة باتفاق فلو تركه أو نسيه لم يؤثر ذلك في حجه خامساً: اتفق الجمهور من أهل العلم على أنه يشترط في صحة الرمي أن تقع الحصاة في بطن الحوض وتستقر فيه فلو وقعت فيه ثم طارت فخرجت عنه لم يصح رمي تلك الحصاة ووجب عليه أن يعيدها سادساً: ذهب الجمهور أيضاً إلى أن الرمي لجمرة العقبة بالأخص لا بد أن يكون من الوادي مستقبل الجمرة إلى جهة الشمال أو يقف في الوادي مستدبراً منى مستقبلاً مكة أو العكس فيرمي ليقع الرمي في الحوض سابعاً : أن من رمى من محل العقبة أي من الجهة الشمالية ووقع رميه في الجدر حيث أنهم حين عملوا المرمى جعلوا الجانب الذي يلي العقبة جدراً متصلاً بسقف المرمى إشارة إلى أنه لا رمي من هنالك فمن رمى من ذلك الجانب فإن رميه غير صحيح وعليه أن يعيد رميه ثامناً :يشترط لصحة الرمي ثلاثة شروط هي 1- الوقت الزمني 2- والرمي بسبع حصيات 3- والترتيب تاسعاً: أن من رمى بسبع حصيات وغلب على ظنه وقوعها في الحوض فقد أدى ومن رمى أقل من ذلك فإن كان النقص واحدة لم يضر لأنه قد ورد في حديث عند النسائي بسند حسن عن سعد بن أبي وقاص أنه قال رجعنا في الحجة مع النبي ﷺ وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض) فهذا يدل مع كون الراوي لم يذكر قضاءً لمن رمى بأقل من السبع يدل ذلك على جواز الاكتفاء بست أما إن كان غلب على ظنه أنه رمى بأقل من ذلك فإن كان في المكان فعليه أن يعود إلى المرمى ويرمي الباقي بنية القضاء حتى ولو كان في اليوم الثاني بشرط أن يقدمه على رمي اليوم الذي بعده عاشراً:يشترط في الرمي الترتيب بأن يبدأ في رمي اليوم الثاني بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف فيرميها ثم الوسطى ثم الكبرى الحادي عشر :فإن رمى عاكساً لهذا الترتيب بأن بدأ بالكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى صح رمي الصغرى وعليه أن يقضي الوسطى والكبرى وإن تبين له عدم صحة رمي اليوم الأول وجب عليه أن يبدأ بجمرة العقبة فيرميها بنية القضاء ليوم النحر ثم يذهب إلى الأولى فيرميها بنية اليوم الحادي عشر ثم الوسطى ثم الكبرى الثاني عشر : يشترط الوقت في رمي يوم النحر وهو في حق الضعفة ومن في حكمهم ممن يرافقهم من الرجال ويشق عليه أن يتأخر إلى طلوع الشمس يصح رميه معهم من بعد منتصف ليلة النحر الثالث عشر:أن من رمى قبل منتصف الليل فرميه باطل وعليه القضاء ما دام في منى وفي أيام التشريق وعليه دم في الإخلال بهذا الواجب الرابع عشر :أن وقت الرمي بالنسبة للرجال يبدأ من طلوع الفجر الثاني في يوم النحر عند بعض أهل العلم ومن طلوع الشمس يوم النحر عند البعض الآخر وهو الأحوط في حق الرجال الخامس عشر : أنه يبقى الوقت الاختياري إلى زوال الشمس من يوم النحر أما الوقت الاضطراري فيوم النحر كله رمي للمضطر وكذا مساء يومه لما قد ورد أن رجلاً سأل رسول الله ( فَقَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلا حَرَجَ وَقَالَ رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ لا حَرَجَ) السادس عشر: أما وقت الرمي في أيام التشريق فيبدأ من زوال اليوم الحادي عشر أي من وقت أذان صلاة الظهر والوقت الاختياري إلى غروب الشمس من ذلك اليوم ويبقى الوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر من اليوم الذي بعده كما أفتى بذلك هيئة كبار العلماء السابع عشر: أن من ترك الرمي أو بعضه حتى انتهى الوقت وخرج من منى فعليه في ذلك دم إلا أن تكون حصيات ففيها صدقة كما يرى بعض أهل العلم الثامن عشر: أن الحصيات التي يرمى بها مثل حصى الخذف أو حبة الباقلاء وقد قال النبي ﷺ لما التقطت له حصيات متوسطة بين الصغر والكبر فقال بمثل هذه فارموا وإياكم والغلو . التاسع عشر :أنه يجوز أخذ الحصى من مزدلفة أو منى حتى من أرض المرمى بعيداً عن الحوض على القول الأصح ولا يسن غسل الحصى على القول الأصح فالأصل فيه الطهارة ولم يؤثر غسل الحصيات عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه العشرون : يسن بعد رمي الجمرة الأولى والثانية في أيام التشريق أن يبتعد عن المرمى بعد الرمي ثم يستقبل القبلة فيدعو إلا أنه لا يقف عند جمرة العقبة فهذه جميع أحكام الرمي سبرناها للحاجة إلى ذلك ونسأل الله أن ينفع بها ويجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم وبالله التوفيق .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [244] الحديث السابع : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قـال (اللهم ارحم المحلقين . قالوا والمقصرين يا رسول الله . قال : اللهم ارحم المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله قال : والمقصرين ) . موضوع الحديث : تفضيل الحلق على التقصير وأنهما نسكان المفردات اللهم ارحم المحلقين : دعاء لهم بالرحمة ، قالوا والمقصرين يا رسول الله : أي أدع لهم بالرحمة أيضاً قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله أي أدع لهم بالرحمة أيضاً قال والمقصرين قال الصنعاني أبدى الكرماني هنا سؤالاً فقال علام عطف والمقصرين ومن شرط العطف أن يكون المتعاطفان من كلام متكلم واحد وأجاب بأنه تقديره قل والمقصرين قال الصنعاني ومثله يسمى العطف التلقيني مثل قوله تعالى ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) [البقرة : 124] وأقول لو كان التمثيل بقول العباس للنبي ﷺ حين ذكر حرمة الحرم المكي وقال لا يعضد شوكه ولا يختلى خلاه فقال العباس للنبي ﷺ إلا الإذخر فقال النبي ﷺ إلا الإذخر من ناحية التلقين والتمثيل بهذه الآية لا ينبغي لأن الله لا يلقن المعنى الإجمالي دعا النبي ﷺ للمحلقين بالرحمة مرتين وللمقصرين مرة واحدة وورد في غير هذه الرواية الدعوة للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة وذلك ظاهر في تفضيل الحلق على التقصير فقه الحديث : أولاً :يؤخذ من هذا الحديث دليل على مشروعية الحلق والتقصير ثانياً: يؤخذ منه تفضيل المحلقين على المقصرين لكونه دعا لهم مرتين أو ثلاثاً وللمقصرين مرة وأن هذا الدعاء لم يشرع إلا في الحلق والتقصير في الحج والعمرة لكونه عبادة أما في غيرهما فالحلق والتقصير يعتبر من الأمور الإباحية ثالثاً: يؤخذ منه أن الحلق والتقصير نسك من أنساك الحج وفيه رد على من زعم أنه إطلاق يعني أنه إطلاق من المنع الذي كان بالإحرام . رابعاً : إذا علمنا بأنه نسك فإن من تركه إما عمداً أو نسياناً فإن عليه دم لأن من تركه ترك واجباً ومن ترك واجباً فعليه دم كما قال ابن عباس خامساً :إن نسي الحاج أو المعتمر الحلق أو التقصير ثم تداركه وهو بمكة لم يخرج من حدود الحرم لزمه أن يلبس الإحرام وأن يقصر وهو لابس للإحرام . أما إذا خرج من حدود الحرم فإنه يلزمه دم ولا يصح القضاء سادساً :الحلق هو استئصال الشعر بالموسى وفاعله في الحج والعمرة مثاب ومحمود أما التقصير فهو أن يبقى شيئاً من أصول الشعر فالحلق بالمكينة يعد تقصيراً ولو كان على الصفر سابعاً :يجب أن يكون الحلق والتقصير مستوعباً للرأس كله لقوله تعالى(مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) [الفتح الآية 27] فقال محلقين رؤوسكم ولم يقل من رؤوسكم فدل على أن الحلق للرأس جميعاً والتقصير كذلك ثامناً : ظهر في هذا الزمن أناس يأتي أحدهم بعمرة من التنعيم ويحلق شيئاً من رأسه ثم يأتي بعمرة أخرى ويحلق شيئاً من رأسه وهكذا قد يكون أنه يحلق الرأس في أربع عمر وهذا جهل ومخالفة للشرع لم يعهد أن أحداً من المسلمين السابقين صنعه لذلك فإن الذين يفعلون ذلك يجب عليهم أن يتوبوا وبالله التوفيق .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [245] الحديث الثامن : عن عائشة رضي الله عنها قالت (حججنا مع النبي ﷺ فأفضنا يوم النحر. فحاضت صفية فأراد النبي ﷺ منها ما يريد الرجل من أهله فقلت : يا رسول الله إنها حائض قال : أحابستنا هي ؟ قالوا : يا رسول الله إنها قد أفاضت يوم النحر قال اخرجوا ) وفي لفظ: قال النبي ﷺ عقرى حلقى . أطافت يوم النحر؟ قيل :نعم قال : فانفري ) . موضوع الحديث : تحريم الطواف على الحائض ومنع من لم تطف طواف الإفاضة من السفر حتى تطوف المفردات أحابستنا هي : استفهام إنكاري عقرى : ذكر ابن دقيق العيد له ثلاثة معان بعد أن ذكر اتفاقهم على أن عقرى حلقى تكتب بألف التأنيث المقصورة ومعنى عقرى دعاء عليها أي عقرها الله أو عقر قومها أو جعلها عاقراً لا تلد قوله حلقى : بمعنى حلق شعرها أو بمعنى أصابها بوجع في حلقها أو جعلها تحلق قومها بشؤمها المعنى الإجمالي أخبرت عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ ذكر صفية وأنه يريد منها ما يريد الرجل من زوجته فقيل له أنها حائض فقال أحابستنا بمعنى أن الحائض والنفساء لا يجوز لها أن تطوف بالبيت . فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث أن الحائض والنفساء لا يجوز لواحدة منهن أن تطوف بالبيت حتى تطهر وتتطهر ثانياً : يؤخذ منه أن الحائض إن كانت قد طافت طواف الإفاضة فإنها يجوز لها أن تنفر لأنه قد عفي عنها في طواف الوداع ثالثاً: يؤخذ منه إن كانت الحائض أو النفساء لم تطف طواف الإفاضة فإنه يجب عليها أن تبقى حتى تطهر وتطوف لقوله أحابستنا هي وقد سبق أن ذكرت عن بعض الفضلاء من علماء السنة وهو ابن تيمية رحمه الله أنه أفتى بأن الحائض تستثفر وتطوف وأخذ بمذهب أبي حنيفة وإن كان هو مخالف للنص نظراً لأن الزمن الذي كان فيه كان الرجل إذا انفرد عن الحملة اجتاحه قطاع الطرق فقتلوه وأخذوا ماله واستعبدوا امرأته فأفتى بهذه الفتوى نظراً للحاجة التي كانت سائدة في زمنه أما الآن فليس هناك من هذا الخطر والحمد لله شيئاً لذلك فإنه ينبغي أن من جاء في حملة وحاضت امرأته قبل طواف الإفاضة يجب عليه أن يتريث حتى تطهر وتطوف ولا يقال فيه ما قيل في الفتوى التي سبقت لأن الخطورة الآن غير موجودة والحمد لله ومعظم الناس من أهل البقاع البعيدين إما أن يكون قادماً في طائرة أو في مركب وسيعود في مثل ذلك هذا رأي وأرجو أنه الصواب والواجب على المطوف أن يتعاون معه في تعديل ميقات سفره لهذه الضرورة والله الموفق .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [246] الحديث التاسع : عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ) . موضوع الحديث : وجوب طواف الوداع على كل حاج ما عدا المرأة الحائض المفردات أمر الناس : بالبناء للمجهول والآمر هو النبي _ إذ لا آمر في عهده غيره قوله آخر عهدهم : أي عند الخروج بالبيت المراد به الكعبة إلا أنه : استثناء خفف عن المرأة الحائض أي أبيح لها الخروج ولم يجب عليها أن تبقى من أجل طواف الوداع المعنى الإجمالي يخبر عبدالله بن عباس أن الشارع ﷺ أمر كل حاج أن لا يخرج حتى يطوف بالبيت إلا أنه عفي عن المرأة الحائض والنفساء أن تبقى واحدة منهن من أجل طواف الوداع إذا كانت قد طافت للإفاضة فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث وجوب طواف الوداع للأمر به والأمر يقتضي الوجوب والنهي من الشارع ﷺ لكل حاج أن يخرج قبل أن يطوف بالبيت وقد ذهب إلى وجوب طواف الوداع الجمهور ومنهم الشافعي وأحمد ومن تبعهم وأهل الحديث كافة لهذا الأمر وخالف في ذلك مالك فقال بعدم وجوبه وكذلك قال داود الظاهري وابن المنذر ذهبوا إلى أنه سنة لا يلزم بتركه دم إلا أنه قال الحافظ ابن حجر إن الذي رآه في الأوسط لابن المنذر أنه واجب للأمر به وهذا هو الحق ثانياً : إذا قلنا بأن طواف الوداع واجب لهذا الأمر فمتى خرج أحد بدونه لزمه دم وإن نسيه فذكره قبل أن يخرج من حدود الحرم فرجع وعمله ثم خرج اعتبر قد أدّى ما عليه لكن إن تجاوز الحرم لم يرجع ووجب عليه دم ثالثاً: إذا طاف الحاج طواف الوداع ثم انحبس عن السفر يوماً أو بعض يوم فإن جمهور أهل العلم يرون عليه وجوب الإعادة رابعاً: أن من طاف طواف الوداع ثم ذهب إلى أطراف مكة كالعزيزية والرصيفا وما إلى ذلك من الأطراف البعيدة كالشرائع أيضاً فإنه اذا انحبس شيئاً من الوقت لا تلزمه الإعادة والدليل على ذلك أن النبي ﷺ طاف طواف الوداع ثم رجع إلى مكانه ونام نومة حتى جاءت عائشة وعبد الرحمن فأذّن بالرحيل خامساً :أن الله عز وجل خفف عن المرأة الحائض فعفا عنها من الانحباس للطواف وأذن لها أن تخرج إذا كانت قد أفاضت قبل ذلك وهذا مذهب الجمهور وقد خالف في ذلك من السلف ابن عمر وزيد بن ثابت وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم ولعلهم حين خالفوا في ذلك لم يبلغهم عفو النبي ﷺ عن الحائض ومما يدل على ذلك أن زيد بن ثابت وابن عمر رجعا عن قولهما ولعله حين بلغهما إذن النبي ﷺ ولعل عمر بن الخطاب لم يبلغه ذلك حتى توفي فهو معذور في ذلك ثم انعقد الإجماع فيما بعد على أن المرأة الحائض والنفساء ليس عليها أن تبقى من أجل طواف الوداع سادساً: اختلف أهل العلم في العمرة هل لها طواف وداع أم لا فمنهم من رأى طواف الوداع على المعتمر أخذاً بالنص وإجراءً له في عموم النسكين ومنهم من قال بأن هذا النص في الحج فهو لا يتناول العمرة فلم يوجبوه على المعتمر وهو الذي يظهر لي أنه الحق ويتبين ذلك من بعض روايات حديث ابن عباس وهي الرواية التي أخرجها مسلم بلفظ (كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ ) ومما يدل على صحة هذا المأخذ أن المعتمر لم يخرج عن البيت فلم يتناوله النهي ذلك لأن المعتمر هو بالبيت يطوف به ويصلي فيه وإنما تناول الحديث من كان بعيداً وهو الحاج الذي ينصرف من منى قبل أن يوادع وبالله التوفيق . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [247] الحديث العاشر: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال (استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله ﷺ أن يبيت بمكة ليالي منىً من أجل سقايته. فأذن لـه ) . موضوع الحديث : الإذن لمن له حاجة تتعلق بالحج والحجاج في المبيت بمكة وإعفائه من المبيت بمنى المفردات استأذن العباس : أي طلب الإذن من النبي _ أن يبيت بمكة لسقي الحجاج فأذن له المعنى الإجمالي لمّا كان السقي بزمزم حاجة من حاجات الحجاج بل هو أهم حاجاتهم طلب العباس من النبي ﷺ أن يأذن له في ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق لكي يقوم بسقاية الحجاج فأذن له في ذلك فقه الحديث أولاً :يؤخذ من هذا الحديث أن المبيت بمنى واجب ولو لم يكن واجباً ما استأذن العباس في المبيت بمكة فاستئذانه يدل على الوجوب ثانياً: أذن النبي ﷺ للعباس أن يبيت بمكة لمصلحة الحجاج هل هو إذن عام لمن له حاجة كحاجة العباس أو أنه للعباس فقط قولان لأهل العلم والمرجح أن ذلك عام في كل من له حاجة تتعلق بالحجاج ذلك لأن النبي ﷺ أذن للرعاة أيضاً فمن له حاجة في هذا الزمن أو غيره تتعلق بمصلحة الحج أو الحجاج كالعاملين في المستشفيات وأصحاب الأوتوبيسات الذين لو توقفوا لأضر ذلك بمصلحة الحجاج والحج وما إلى ذلك من هذه الأمور كل ذلك يبيح التخلف عن المبيت بمنى ما دام يقوم بمصلحة للحج والحجاج ثالثاً: أن من تخلف عن المبيت بمنى من غير حاجة من هذه الحاجات فإنه قد ترك واجباً ويجب عليه بتركه دم رابعاً: يشتكي أقوام أنهم بحثوا فلم يجدوا مكاناً بمنى وعلى هذا فقد أفتى هيئة كبار العلماء بأن الحاج الذي لم يجد مكاناً بعد البحث فإنه يلصق الخيمة بالخيمة وإن كان خارج حدود منى ويسكن وهذا ما يستطيع والله سبحانه وتعالى لا يكلف عبداً ما هو فوق استطاعته خامساً: من ترك المبيت ليلة واحدة فهل يلزم بدم الأحوط ذلك ولكونه قد ترك واجباً من واجبات الحج وإلا فيلزمه نصف دم ( يعني ينظر للقيمة ويدفع نصفها ) والله الموفق .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [248] الحديث الحادي عشر: وعنه- أي عن ابن عمر- قال ( جمع النبي ﷺ بين المغرب والعشاء بجمع لكل واحدة منهما إقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما). موضوع الحديث : الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة المفردات قوله بجمع :المراد به مزدلفة وسميت جمعاً إما لأن الناس يجتمعون بها وإما لأن آدم وحواء اجتمعا بها أو لغير ذلك فهذا اسم لمزدلفة أقرّه الشرع كالأسماء التي أقرها وهي عرفة ومنى وغير ذلك قوله لكل واحدة منهما إقامة : أي لكل واحدة من المغرب والعشاء إقامة أما الأذان فلم يتعرض له في هذا الحديث والصواب أنه أذّن لهما أذاناً واحداً وأقام لكل واحدة منهما قوله ولم يسبح بينهما : أي لم يصل صلاة نافلة بين المغرب والعشاء ولا على إثر واحدة منهما أي لم يتبع واحدة منهما بصلاة نافلة المعنى الإجمالي يخبر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ جمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير كما أنه جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم وأنه أقام لكل واحدة منهما إقامة مستقلة وأنه لم يتنفل بينهما ولا بعدهما . فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث مشروعية الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير ثانياً : هل هذا الجمع من أجل النسك أو من أجل السفر ذهب الجمهور إلى أنه من أجل السفر وذهب أبو حنيفة إلى أنه من أجل النسك وذلك لأنه لم يقل بالجمع في السفر مطلقاً وكون النبي ﷺ لم يأمر أهل مكة بالإتمام وبصلاة كل فريضة في وقتها هذا يدل على أن الجمع في عرفة ومزدلفة لمصلحة النسك وإذا تأملنا نجد الحكمة فيما شرعه الله في صلاة هذا اليوم توفيراً لوقت العبادة وهي الذكر في عشية عرفة فكان الجمع بعرفة جمع تقديم ليتفرغ الحاج للذكر في هذه العشية وثانياً جمعه في مزدلفة تأخيراً لئلا يشتغل الحاج بأداء صلاة المغرب ليتوفر له الوقت ولتكون صلاته بالمزدلفة جمع تأخير إذا وصل إليها ولم يصلِّ بعدها ولا بينهما حتى لا يشتغل الحاج بنوافل العبادة وهو متعب وهو أيضاً ما زال في عبادة وقد تبين من هذا أن علة مصلحة النسك ظاهرة في الجمعين . ثالثاً :يؤخذ من هذا الحديث أيضاً أنه يشرع للجمع أذان للأولى وإقامة لكل واحدة من الصلاتين وهذا هو الأرجح وهو مذهب الجمهور رابعاً: يؤخذ من قوله ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما أن صلاة النافلة لا تشرع هذه الليلة ولا يشرع لها قيام . خامساً :قال ابن دقيق العيد وأجروا في الأذان للأولى الخلاف في الأذان للفائتة وأقول القول الصحيح أنه يؤذن للفائتة بنوم أو نسيان لقصة نومهم حتى طلعت الشمس ثم أمر بلالاً فأذن لكن إذا كان الأذان يشوش على الناس فليؤذن بصوت منخفض سادساً: من حبسه السير فلم يتمكن من الوصول إلى مزدلفة قبل منتصف الليل فإنه يلزمه إذا قرب منتصف الليل أنه ينزل ويصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً سواء كان ذلك بعرفة أو بأطراف مزدلفة أو في أي مكان كان وإن لم يجد ماءً فليتيمم لأن صلاة العشاء ينتهي وقتها الاختياري بنصف الليل وبقية الليل يكون وقتاً لها وقتاً اضطرارياً وبالله التوفيق . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - باب المحرم يأكل من صيد الحلال [249] الحديث الأول : عن أبي قتادة الأنصاري ( أن رسول الله خرج حاجاً فخرجوا معه فصرف طائفة منهم - فيهم أبو قتادة – وقال : خذوا ساحل البحر حتى نلتقي فأخذوا ساحل البحر فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة فلم يحرم فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتاناً فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ؟ فحملنا ما بقي من لحمها فأدركنا رسول الله ﷺ فسألناه عن ذلك ؟ فقال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ قالوا :لا قال : فكلوا ما بقي من لحمها ) وفي رواية ( قال هل معكم منه شيء ؟ فقلت نعم فناولته العضد فأكل منها ) . موضوع الحديث : أن المحرم يحرم عليه ما صاده بنفسه أو صاده محرم غيره أو صاده حلالٌ لأجله المفردات قوله خرج حاجاً : حكموا على هذا بالوهم إذ أن النبي ﷺ لم يحج إلا في السنة العاشرة بعد الفتح بسنتين وبعض الثالثة وعلى هذا فيحمل قوله حاجاً على أنه أراد الاسم اللغوي إذ أن الحج قصد بيت الله الحرام لأداء النسك سواء كان حجاً أو عمرة وعلى هذا فالاعتمار يسمى حجاً لغة هذا توجيه هذه الكلمة وإلا فيحكم على قائلها بالوهم قوله فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة وقال خذوا ساحل البحر حتى نلتقي : قوله فصرف أي حوّل طائفة منهم إلى طريق الساحل وذلك أن النبي ﷺ بلغه أن طائفة من المشركين قد اجتمعوا في مكان ما يريدون صده قوله فلما انصرفوا أحرموا كلهم : أي جميع الرفقة التي كانت مع أبي قتادة إلا أبا قتادة فلم يحرم قوله إذ رأوا حُمُرَ وحش : الحُمُر الوحشية حُمُر مستوحشة بطبيعتها وهي حلالٌ دون الحُمُر الأهلية فعقر أتاناً : وهي الأنثى من الحُمُر قوله منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها وفي هذا إشارة إلى أن ما سأل عنه هو الذي يمنع الإباحة العضد :هو الكتف أي ما فوق المفصل الذي في وسط يد الدابة المعنى الإجمالي حينما سافر النبي ﷺ سفره للحديبية وكان يقصد العمرة فخرج معتمراً ومعه الهدي فبلغه أن قوماً بساحل البحر يترصدون له فأرسل جماعة من الصحابة لاكتشاف الخبر وصد العدو إن كان فأحرموا وبقي أبو قتادة وفي أثناء طريقهم وجدوا حُمُر وحش فحمل أبو قتادة على واحد منها فقتله فأكلوا منه ثم حصل عندهم شك فأخذوا بقيته وساروا حتى وجدوا رسول الله ﷺ فسألهم هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا . فقه الحديث يؤخذ من هذا الحديث عدة مسائل أولاً:أنه لا يجب الإحرام إلا على من قصد النسك أما من لم يقصد النسك فلا يجب عليه ولذلك كان أبو قتادة غير محرم ثانياً: يؤخذ منه تحريم الصيد على المحرم لقوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ) [المائدة : 96 ] ثالثاً: أن من صاد شيئاً من صيد البر عامداً وجب عليه الجزاء رابعاً : اختلف أهل العلم في صيد المحرم على ثلاثة أقوال : أحدها أنه ممنوع مطلقاً صيد لأجله أو لا وهذا مذكور عن بعض السلف كما ذكر ذلك ابن دقيق العيد وهو مأثور عن علي بن أبي طالب وعثمان رضي الله عنهما كما ذكر ذلك الصنعاني في العدة وأقول : إن هذه القصة إن صحت على أن في السند علي بن جدعان وعلي بن جدعان إن كان هو فهو ضعيف ثم إن القصة تشير إلى أن الحارث الذي كان أميراً على مكة استقبل عثمان حين علم أنه يريد الحج فلقيه بِقُديد أي على مرحلتين أو ثلاث ومعه شيء من الحجل وطعام فدل هذا على أنه كان صيد من أجل عثمان وما صيد لأجل المحرم فهو حرام على المحرم لحديث الصعب بن جثّامة الذي سيأتي فتبين على أن هذا القول لا يخرج عن القول الثاني على الصحيح فيما أرى القول الثاني: أنه ممنوع على المحرم إن صاده هو أو صيد لأجله سواء كان بإذنه أو بغير إذنه قال وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأقول : وأصحاب الحديث دليله حديث أبي قتادة وحديث الصعب بن جثامة الذي سيأتي بعد هذا . والقول الثالث: أنه إن كان باصطياده أو بإذنه أو بدلالته حرم وإن كان على غير ذلك لم يحرم وأقول : إن الفرق بين الثاني والثالث أنه إن صيد لأجله كان محرماً على القول الثاني أذن فيه أو لم يأذن أما على القول الثالث فإنه لا يحرم إلا إذا صيد بإذنه أما لو صيد لأجله لكن بغير إذنه فلا يحرم هذا الذي يظهر أنه هو الفرق والقول الثاني هو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة وقد دلّ عليه حديث جابر رضي الله عنه عن النبي _ ( قَالَ صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ ) . خامساً : يدل حديث أبي قتادة أن المحرم إذا أشار على الصيد للحلال أو أعان عليه بشيء حرم عليه لقوله ( هل أشار إليه أحد منكم قالوا لا ) وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث أن أبا قتادة ركب فرسه وأخذ رمحه فسقط منه السوط بعد أن ركب فقال لرفقته ناولوني السوط فأبوا فنزل فأخذه ثم ركب فشد على الحُمُر فقتل منها أتاناً سادساً: تدل الروايات على أنهم أكلوا من لحم ذلك الحمار ثم شكوا فتركوا أكله حتى يلتقوا بالنبي ﷺ وفيه دليل على أن الاجتهاد في زمنه ﷺ جائز . سابعاً: ما ذكر من امتناعهم عن مناولته السوط دال على أن رسول الله ﷺ كان قد علّمهم ذلك قبل سفرهم وهو دليل على أن النبي ﷺ بلّغ ما أُنزل إليه من ربه وفقّه أصحابه في الدين صلوات ربي وسلامه عليه . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - الدرس الأخير في كتاب الحج [250] الحديث الثاني : عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه ( أنه أهدى إلى النبي ﷺ حماراً وحشياً وهو بالأبواء –أو بودّان – فرده عليه فلما رأى ما في وجهي قال إنا لم نرده عليك إلا أنّا حرم ). وفي لفظ لمسلم (رجل حمار ) وفي لفظ ( شق حمـار ) وفي لفظ ( عجز حمار ) . موضوع الحديث : أن المحرم لا يجوز له أن يأكل صيداً صيد لأجله المفردات حماراً وحشياً : الحمر الوحشية تعتبر نوعاً من أنواع الصيد وهي حلال بخلاف الحمر الأهلية قوله بالأبواء أو بودان : موضعان معروفان بين مكة والمدينة قوله فلما رأى ما في وجهي : أي من الكآبة والحزن قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم وفي لفظ لمسلم رجل حمار وفي لفظ شق حمار وفي لفظ عجز حمار وعلى هذا فالرواية الأولى من إطلاق الكل على البعض إذ أن الروايات الأخرى تفسر المقصود من الرواية الأولى المعنى الإجمالي عندما سافر النبي ﷺ إلى الحج وسمع الناس فرحوا بمجيئه ولعل الصعب بن جثّامه سمع بسفر النبي ﷺ فأراد أن يهدي إليه هدية ورأى أن تقديم لحم حمار وحش إلى النبي ﷺ من أحسن ما يهدى إليه لكونه في سفر ولم يكن يعلم أن ما صيد للمحرم يحرم على المحرم الذي صيد له أكله فاعتذر النبي ﷺ من قبول الهدية لأنهم كانوا محرمين فقه الحديث أغلب فقه هذا الحديث قد تقدم في الحديث قبله ويؤخذ من الحديث حسن الاعتذار وتوضيح ما يجهله المهدي إن كانت الهدية لا يبيح الشرع أخذها حرصاً على مشاعر الأخ المسلم أن تجرح لقول النبي ﷺ إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله- بــاب صـلاة الخـــوف قال الصنعاني : الخوف غم على ما سيكون والحزن غم على ما مضى قال وليس المراد من قولهم صلاة الخوف أن الخوف يقتضي صلاة كقولنا صلاة العيد ولا أنه يؤثر في تغيير قدر الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر وإنما المراد أن الخوف يؤثر في كيفية إقامة الفرائض بل في إقامتها بالجماعة كما ذكره الرافعي وغيره . واختلف في وقت شرعيتها فقال ابن بزيزة اتفق أهل العلم بالآثار على أن النبي ﷺ لم يكن يصلي صلاة الخوف حتى نزل قوله تعالى ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) فلما نزلت صلاها وهذه الآية نزلت بعسفان سنة ست بعد رمضان حين همّ المشركون أن يثبوا على النبي ﷺ وأصحابه في صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الظهر والعصر فصلى رسول الله ﷺ صلاة الخوف أخرجه أحمد وأصحاب السنن عن أبي عياش الزرقي أهـ من العدة على شرح ابن دقيق العيد للعمدة . [152] الحديث الأول : عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة وقضت الطائفتان ركعة ركعة موضوع الحديث : صلاة الخوف المفردات قوله في بعض أيامه : أي في بعض حروبه والعرب تسمى الحرب يوماً وإن كان لعدة أيام كما قالوا يوم ذي قار ويوم كذا . قوله فقامت طائفة معه : أي صلت معه . الطائفة : الجماعة من الناس وهل يطلق على الواحد طائفة الأظهر أنه لا يطلق على الواحد طائفة إلا إذا كان يمثل المنهج الحق كما قال الله تعالى عن إبراهيـم علـيـه السلام أن إبراهيم ( كان أمة قانتاً لله ) إزاء العدو : أي تجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون أي أنهم ذهبوا فوقفوا أمام العدو وهم محرمون ثم جاءت الطائفة الثانية وصلى بهم ركعة ثم ذهبوا ووقفوا أمام العدو وجاءت الطائفة الأولى فأتموا لأنفسهم ركعة وسلموا ثم جاءت الطائفة الثانية فأتموا لأنفسهم ركعة فتم لكل طائفة ركعة مع النبي ﷺ وركعة باستقلالهم أي قضوها وحدهم . المعنى الإجمالي لقد شرع الله صلاة الخوف للنبي ﷺ وأمته محافظة على الجماعة وعناية بها إذ لو لم يكن المقصود المحافظة على الجماعة لصلى كل شخص وحده ولم يكن فيه هذه المشقة والله أعلم مجمل هذا حديث أن النبي ﷺ قسم أصحابه إلى قسمين قسم يحرس العدو وقسم يصلي معه فصلى بالطائفة التي معه ركعة ثم ذهبوا إلى الحراسة وهم على إحرامهم ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة فذهبوا ووقفوا أمام العدو وجاءت الطائفة الثانية وقضت لنفسها ركعة فكانت لكل طائفة ركعة مع النبي ﷺ وركعة قضوها لأنفسهم وبالله التوفيق فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث مشروعية صلاة الخوف وبذلك قال الجمهور وإن حكم صلاة الخوف باق إلى يوم القيامة ونقل عن أبي يوسف أن صلاة الخوف لا تصلى إلا مع النبي ﷺ وأنها لا تفعل من بعده قال الصنعاني هي إحدى الروايتين عنه ونقل مثله عن الحسن بن زياد اللؤلؤي والمزني ومذهب الجمهور هو الصحيح لأن الأصل في أفعال النبي ﷺ التأسي ولا تخرج أفعاله عن ذلك إلا بدليل ولا دليل . ثانياً : يؤخذ منه أن صلاة الخوف لها عدة صور ثبتت في السنة ذلك لأن العدو إما أن يكون بين المسلمين وبين قبلتهم وإما أن يكون العدو في غير جهة القبلة وهذه الصفة التي وردت في حديث ابن عمر كان العدو فيها في غير جهة القبلة فصلى بكل طائفة من أصحابه ركعة وأتموا لأنفسهم ركعة ركعة هذه صورة من صور صلاة الخوف فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة ويتضح من هذه الصورة أنهم قد اتجهوا إلى غير القبلة وذهبوا يحرسون وهم في إحرام صلاتهم وإنما أبيح ذلك أي انحرافهم عن القبلة ومواجهتهم للعدو إنما أبيحت من أجل صلاة الخوف وإلا فالأصل أن من انحرف عن القبلة عامداً بطلت صلاته وقد اختلف أهل العلم هل تفعل هذه الصور كلها أو يفعل بعضها دون بعض . قال ابن دقيق العيد فإذا ثبت جوازها بعد الرسول ﷺ على الوجه الذي فعله فقد وردت عنه فيها وجوه مختلفة في كيفية أدائها تزيد على العشرة فمن الناس من أجاز الكل واعتقد أنه عمل بالكل ومن الفقهاء من رجح بعض الصفات المنقولة فأبو حنيفة ذهب إلى حديث ابن عمر هذا واختار الشافعي رواية صالح بن خوات عمن صلى مع النبي ﷺ صلاة الخوف واختار مالك ترجيح الصفة التي ذكرها سهل بن أبي حثمة والتي رواها عنه في الموطأ موقوفاً أما أحمد فلم يذكر ابن دقيق العيد رأيه في المسألة وذكر ذلك الصنعاني في العدة فقال وأما أحمد فقال ابن القيم قال الإمام أحمد كل حديث يروى في صلاة الخوف فالعمل به جائز وقال فيها ستة أو سبعة أوجه كلها جائزة وهذا القول لعله هو الأولى حتى يختار الإمام الهيئة التي تناسب وقته ووضعه والله أعلم .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [153] الحديث الثاني : عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمّن صلى مع رسول الله ﷺ صلاة ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم . الرجل الذي صلى مع رسول الله ﷺ هو سهل بن أبي حثمة . موضوع الحديث : صلاة الخوف المفردات ذات الرقاع : هي اسم لغزوة كانت في جهة نجد قيل أنها بعد خيبر وقيل قبلها وجاه العدو : أي واقفون أمامه ثم ثبت قائماً : أي حال كونه قائماً . حتى أتموا لأنفسهم : أي أتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم الطائفة الأخرى : هي الفرقة التي لم تدخل معه في الصلاة أولاً فصلى بهم الركعة التي بقيت أي بالنسبة له ثم ثبت جالساً :أي مكث جالساً حتى أتموا لأنفسهم ثم سلم بهم المعنى الإجمالي في هذا الحديث صفة من صفات صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة وهذه الصفة هو أن قائد الجماعة المسلمين يقسم الجماعة الذين معه إلى فرقتين فرقة تحرس العدو وفرقة تصلي معه ويصلي بهم الركعة الأولى فإذا قام للثانية أكملوا لأنفسهم ثم انصرفوا فوقفوا تجاه العدو وهو ما زال قائماً ثم تأتي الفرقة الأخرى ويصلي بهم الركعة الثانية فإذا جلس للتشهد أتموا لأنفسهم الركعة الثانية بالنسبة لهم ثم يتشهدون ويسلم بهم فتحوز الفرقة الأولى مع الإمام تكبيرة الإحرام وركعة وتحوز الفرقة الثانية ركعة والسلام مع الإمام وبهذا يكون قد حصل بينهم التعادل بحيازة الفضل مع الإمام وامتازت هذه الصفة أن كل فرقة تكمل لنفسها قبل أن تتفرق والنبي ﷺ ينتظر الفرقة الثانية في الركعة الثانية حتى تأتي بعد أن تسلم الفرقة الأولى من الصلاة ثم تقف تجاه العدو ويثبت في التشهد أي يطيل الانتظار حتى تكمل الفرقة الثانية الركعة التي بقيت عليهم ويتشهدون ثم يسلم بهم فقه الحديث أولاً : أن هذه الصفة فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة ثانياً : أنه يقسم الجماعة الذين معه إلى فرقتين قلوا أو كثروا ثالثاً : أن الفرقة الأولى تصيب مع الإمام تكبيرة الإحرام وركعة رابعاً :أنهم يتمون لأنفسهم ركعة ويسلمون والإمام واقف ينتظر الفرقة الثانية خامساً : أن الفرقة الأولى بعد أن تتم لنفسها تذهب فتقف تجاه العدو ثم تأتي الفرقة الثانية فتصف وراء الإمام فإذا ظن أنهم قد أدوا ركن القراءة ركع بهم وسجد وانتظرهم جالساً ثم أكملوا لأنفسهم فإذا ظن أنهم قد أدوا ركن التشهد سلم بهم سادساً : ربما ظن ظان أن هذا الحديث منقطع باعتبار سهل بن أبي حثمة مات النبي _ وهو صغير وليس كذلك ولكنه نقل عمن صلى مع النبي _ أي صالح بن خوات بن جبير نقل عمن صلى مع النبي _ في ذات الرقاع ولعل الصواب أنه خوات بن جبير والد صالح وكيف ما كان فإن الجهل بالصحابي لا يغير شيئاً وهو هنا صريح في أنه عن أصحاب النبي _ الذين صحبوه وصلوا معه في ذات الرقاع إذاً فالحديث صحيح ولا يحتاج إلى كلام أكثر من هذا سابعاً : قال ابن دقيق العيد هذا الحديث هو اختيار الشافعي في صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة ومقتضاه أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية قائماً في الثانية وهذا في الصلاة المقصورة أو الثنائية في أصل الشرع يعني كصلاة الفجر أما الرباعية فهل ينتظرهم قائماً في الثالثة أو قبل قيامه فيه اختلاف للفقهاء في مذهب مالك وإذا قيل أنه ينتظرهم قبل قيامه فهل تفارقه الطائفة الأولى قبل تشهده وبعد رفعه من السجود أو بعد التشهد اختلف الفقهاء فيه وليس في الحديث دلالة لفظية على أحد المذهبين وإنما يؤخذ بطريق الاستنباط منه ومقتضى الحديث أيضاً أن الطائفة الأولى تتم لنفسها مع بقاء صلاة الإمام وفيه مخالفة للأصول في غير هذه الصلاة قال الصنعاني أقول من حيث خروجهم قبل الإمام كما نبه عليه الشارح آنفاً إلا أنه رجحها من حيث المعنى المراد من صلاة الخوف . قلت : الذي يظهر أن صلاة الخوف ما دام قد أبيح فيها ترك استقبال القبلة وهو شرط في صحة الصلاة فخروجهم قبل الإمام بأمر من الشارع لا اعتراض عليه . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [154] الحديث الثالث : عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال : شهدت مع رسول الله ﷺ صلاة الخوف فصففنا صفين خلف رسول الله ﷺ والعدو بيننا وبين القبلة وكبر النبي ﷺ وكبرنا جميعاً ثم ركع وركعنا جميعاً ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي ﷺ السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي ﷺ وركعنا جميعاً ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه – الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى – فقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي ﷺ السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي ﷺ وسلمنا جميعاً . قال جابر : كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم وذكره مسلم بتمامه . وذكر البخاري طرفاً منه وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي ﷺ في الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع موضوع الحديث : صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة المفردات شهدت : حضرت . فصففنا صفين : أي جعلنا رسول الله ﷺ صفين . والعدو بيننا وبين القبلة : أي كان العدو في جهة القبلة قوله وكبرنا جميعاً ثم ركع وركعنا جميعاً ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً : أي الصفين جميعاً اشتركوا في التكبير والقراءة والركوع والرفع منه . قال ثم انحدر بالسجود : أي هبط بالسجود . والصف الذي يليه : أي الذي إلى جهته وهو الصف المقدم وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي ﷺ السجود أي أكمله . وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود :أي سجدوا بعدما وقف النبي ﷺ والصف الذي معه ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم بأن دخل كل واحد بين اثنين الصف المؤخر يتقدمون والصف المقدم يتأخرون حتى إذا وقف الصف المؤخر في مكان المقدم ووقف الصف المقدم في مكان المؤخر ركع النبي ﷺ بهم جميعاً ثم رفع بهم جميعاً ثم سجد هو والصف الذي يليه …إلى كمال الحديث المعنى الإجمالي في هذا الحديث صفة من صفات صلاة الخوف وهذه الصفة فيما إذا كان العدو في جهة القبلة فإن الإمام أو قائد الجيش يقسم الجيش فرقتين فرقة تكون صفاً مقدماً وفرقة تكون صفاً ثانياً ثم يصلي بهم فيكبر بهم جميعاً ويقرئون جميعاً ويركعون جميعاً ويرفعون من الركوع جميعاً ثم يسجد ويسجد معه الصف الذي يليه ثم إذا قام للركعة الثانية سجد الصف المؤخر الذي كان يحرس العدو فإذا قاموا تقدم المؤخر وتأخر المقدم وفعل في الركعة الثانية كما فعل في الأولى وتشهد بهم جميعاً وسلم بهم جميعاً . فقه الحديث أولاً : يؤخذ من هذا الحديث صفة صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة ثانياً : أنه يقسمهم نصفين بحيث يكونوا نصفين . ثالثاً :يشتركون معه جميعاً في تكبيرة الإحرام وفي القراءة وفي الركوع وفي الرفع من الركوع لأن حراسة العدو وهم ركوع متيسرة . رابعاً : إذا رفع رأسه من الركوع سجد وسجد الصف الذي معه فإذا أكمل السجود هو والصف الذي يليه قام للركعة الثانية ثم سجد الصف المؤخر فإذا سجدوا وقاموا للركعة الثانية تقدم المؤخر وتأخر المقدم بحيث يرجع الصف المقدم إلى وراء ويتقدم الصف المؤخر حتى يقفوا في مكان الصف المقدم ويقف الصف المقدم في مكان الصف المؤخر . خامساً : أما كيفية عمله في ذلك فهو أن يدخل كل رجل من الصف المؤخر بين رجلين من الصف المقدم سادساً : يعمل بهم في الركعة الثانية كما عمل في الركعة الأولى سابعاً : إذا جلسوا جميعاً للتشهد انتظرهم حتى يلحق الصف المؤخر ويتشهدوا ثم يسلم بهم جميعاً ثامناً : في هذه الصفة والصفات المتقدمة يبرز للمتأمل أن النبي _ يحرص على التعادل بينهم في حيازة الفضل مع الإمام وفي الحراسة تاسعاً : أنهم يشتركون جميعاً مع النبي _ ومع الإمام غيره في تكبيرة الإحرام والقراءة والركوع والرفع منه وفي التشهد الأخير والسلام عاشراً : هل يمكن في هذا الزمن تطبيق صلاة الخوف إذا كان العدو في مكان بارز ؟ الجواب لا لأنهم لو اجتمعوا استغل العدو اجتماعهم فضربهم بالصواريخ والمدافع وقتلهم جميعاً . الحادي عشر : ما هو الوضع المناسب للحرب في هذا الزمن ؟ الوضع المناسب للحرب في هذا الزمن أن كل واحد يصلي على حده في مخبئه أو على مصفحته أو دبابته والمهم أن كل واحد يصلي بحسب وضعه الذي وضع فيه من قبل القيادة . الثاني عشر : إنما عمل النبي ﷺ صلاة الخوف من أجل الجماعة ومن هنا تعلم أن صلاة الجماعة لها أهمية عظيمة لأن النبي ﷺ لم يتركها في حال الحرب ومبارزة الأعداء الثالث عشر : إذا علمنا هذا فإن الواجب علينا أن نحرص على إقامة الجماعة وعدم التأخر عنها مهما كان الأمر إلا لعذر لا يمكن الإنسان معه الإتيان إلى المسجد كالمرض الشديد وما إلى ذلك . الرابع عشر : إذا كانت الصلاة رباعية والخوف حاصل في الحضر أو هناك مبرر بأن يصلي صلاة الخوف كما سبق أن مثلنا بأن يحصل زلزال تتهدم معه المنازل أو فيضانات تغرق منه منازل بعض الناس أو حريق نسأل الله العافية من ذلك كله فإنهم يعذرون بأن يؤدوا صلاة الخوف أو يحيط بهم عدو في بلدهم فإذا صلوا رباعية فهو بالخيار أن يصلي بجماعة ثم تذهب وتأتي جماعة أخرى ويصلي بهم صلاة ثانية تكون لهم فرضاً وله نفل وهذا قد حصل وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على ذلك . وإما أن يصلي بفرقة ركعتين ويتمون لأنفسهم ويصلي بالفرقة الثانية ركعتين ويتمون لأنفسهم ركعتين ومن جهة أخرى إذا كانت صلاة الخوف في المغرب فليصل بالفرقة الأولى ركعتين وبالفرقة الثانية ركعة وينتظر على كمال الركعتين حتى تتم الفرقة الأولى وتنصرف تجاه العدو ثم تأتي الفرقة الثانية فيصلي بهم ركعة ثم ينتظر جالساً وهم يتمون لأنفسهم فتصلي الفرقة الثانية ركعة ثم تجلس للتشهد ثم يقومون ويأتون بالركعة الثانية ويتشهدون ويسلم بهم الإمام . الخامس عشر : كيف يصلي المسلمون إذا جاء عليهم الوقت في حال منازلتهم للعدو ؟ ورد في هذا حديث عند البخاري في صحيحه يقول أنس بن مالك رضي الله عنه شهدت فتح تستر فتهيأ لنا الفتح عند إضاءة الفجر فأخرنا الصلاة إلى أن انتهينا من الفتح وصلينا صلاة الصبح ضحى وما أحب أن لي بتلك الصلاة الدنيا وما عليها . ومن أجل هذا الحديث قال قوم إذا تهيأ الفتح للمسلمين مع دخول الوقت فلهم أن يؤخروا الصلاة حتى يفتح لهم ، وقال قوم بل يصلون في حال المنازلة والمسايفة يصلي كل واحد منهم ركعة يكتفي فيها بالإيماء إيماء الركوع والسجود ويتوجه أينما توجه يعني أنه يسقط عنه استقبال القبلة استدلوا على ذلك بحديث ابن عباس قال فرض الله الصلاة أربعاً وصلاة السفر ركعتين وصلاة الخوف ركعة وقالوا يصلي كل واحد ركعة كيفما تهيأ له ويومي بالركوع والسجود وبالله التوفيق . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - كتـــاب الجنــــائز عن أبي هريرة رضي الله عنه نعى النجاشي ............ الخ قال الصنعاني أقول جمع جنازة مشتق من جنز إذا ستر قاله ابن فارس وغيره ، المضارع يجنز بكسر النون والجنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح ويقال إنها للميت ويكسر للنعش عليه الميت ويقال عكسه فإن لم يكن عليه ميت فهو سرير أو نعش والجمع بالفتح لا غير . [155] الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نعى النبي ﷺ النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً . موضوع الحديث: الصلاة على الغائب المفردات : نعى : ينعى إذا أخبر بموت الميت وقد يقال أن النعي هو الأخبار بموت الميت على صفة مخصوصة لكن ظاهر الحديث يدل على أنه مجرد الأخبار النجاشي : هو اسم أعجمي لكل من ملك الحبشة كما أن المقوقس اسم لمن ملك مصر وكسرى اسم لمن ملك فارس وقيصر اسم لمن ملك الروم وهكذا . في اليوم الذي مات فيه : أي في نفس اليوم وخرج بهم إلى المصلى: الظاهر أنه مصلى العيد وكبر أربعاً : أي أربع تكبيرات المعنى الإجمالي يخبر أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ أخبر أصحابه بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصلى عليه صلاة الغائب فقه الحديث يؤخذ من هذا الحديث أولاً : جواز النعي وهو الإخبار بموت الميت وقد ورد النهي عن ذلك فعن حذيفة رضي الله عنه ( قال إذا مت فلا تؤذنوا بي إني أخاف أن يكون نعياً فإني سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن النعي ) والظاهر أن النهي عن النعي يتجه على حالة مخصوصة وهو ما كان يعمله أهل الجاهلية فإنهم كانوا يرسلون راكباً ينادي في الناس بقوله إني أنعى إليكم فلاناً وذلك إما على سبيل المفاخرة والتكبر أو ما أشبه ذلك . أما النعي الجائز فهو ما كان لمقصد شرعي صحيح كإعلام أهل الصلاح والخير بموته ليحضروا تشييعه والصلاة عليه ودفنه تحصيلاً لكثرة الشفعاء في ذلك الميت وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال ( ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا ) وأخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت النبي ﷺ يقول ( ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعوا فيه ) فإذا كان النعي لهذا الغرض فهو صحيح أما إن كان المقصود منه المباهاة فذلك هو الذي نهى عنه النبي ﷺ. ثانياً :قوله نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ،فيه معجزة للنبي ﷺ إذ أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه مع البعد الكبير الذي بين المدينة والحبشة في ذلك الزمن الذي لم يكن فيه اتصال ولا برق ولا هاتف ولا طائرات ولا شيء . ثالثاً:قوله وخرج بهم إلى المصلى أخذ منه من يرى عدم جواز صلاة الجنازة على الميت في المسجد وقد ذهب إلى ذلك المالكية والحنفية زاعمين أو بعضهم أن ميتة الآدمي نجسة كسائر الميتات وأنه لا يجوز إدخالها في المسجد ، علماً بأن عائشة رضي الله عنها لما أمرت أن يُدخل سعد بن أبي وقاص إلى المسجد لتصلي عليه ضمن المصلين أنكروا عليها فقالت ( والله ما صلى رسول الله ﷺ على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد ) وقد وردت آثار أن أبا بكر رضي الله عنه صُلي عليه في المسجد وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صُلي عليه في المسجد ، وقد ذهبت الشافعية والحنابلة وأهل الحديث إلى جواز الصلاة على الميت في المسجد وهو الحق إن شاء الله . رابعاً :أخذ من هذا الحديث الصلاة على الغائب فقد صف النبي ﷺ أصحابه وصلى على النجاشي صلاة الغائب وهذا هو قول الشافعي وأحمد وعموم المحدثين وخالف في ذلك مالك وأبو حنيفة وقالا لا يُصلى على الغائب مع أن الحديث صريح في هذا لكنهم اعتذروا عن الحديث باعتذارات ، منــها أن النجاشي لم يصل عليه في أرض الحبشة فأراد النبي ﷺ أن يقيم عليه فرض الصلاة ، ومنها أنه رفع للنبي ﷺ فرآه فتكون حينئذ صلاته عليه كالصلاة على ميت يراه الإمام ولا يراه المأموم ، قال الصنعاني وأنّى ذلك كما قال الشارح ذكروا أعذاراً أخر لا تساوي سماعها فلا يشتغل بها . ويجاب على الاعتذارين السابقين بأن دعوى أن النجاشي لم تقم عليه صلاة الميت في بلده فأراد النبي ﷺ إقامتها تخصيص بلا دليل بل بمجرد الظن ، وأما أن جنازته رفعت للنبي ﷺ فرآه فهذا أبعد من الأول ومثل هذا لا يثبت بالاحتمال . خامساً: في قوله فصف بهم دليل على أن النبي ﷺ قد صفهم صفوفاً ويأتي في حديث جابر كنت في الصف الثاني أو الثالث يوم صلى النبي ﷺ على النجاشي ، وقد استحب بعض أهل العلم أن تكون الصفوف ثلاثاً وإن كانوا قليلين . سادساً : في قوله وكبر أربعاً دليل لمن قال أن التكبير على الميت أربع تكبيرات وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة ، منها ما جعل التكبير فيه أربعاً ومنها ما جاء التكبير فيه خمساً ومنها ما جاء التكبير فيه ستاً ومنها ما جاء التكبير فيه سبعاً وقد ورد عن ابن عباس أنه كبر ثلاثا وكل ذلك سائغ في ذلك الزمن فقد قيل أنهم كانوا يكبرون على أهل بدر أكثر من غيرهم والذي استقر عليه الآمر أربعاً وهو الذي تشير إليه أكثر الأحاديث . وذلك أن التكبيرة الأولى تكون بعدها القراءة وهي بالفاتحة والتكبيرة الثانية تكون بعدها الصلاة على النبي ﷺ أي الصلاة الابراهيمية كما في التشهد والتكبيرة الثالثة يكون بعدها الدعاء وينبغي أن يخلص للميت فيدعو أولاً دعاء عاماً كما أثر وهو أن يقول اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الأيمان بعد قوله اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وذكرنا وانثانا ثم يخصص الدعاء للميت فيقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد إلى آخر ما هو مذكور ثم يكبر الرابعة ويسلم . سابعاً :لم يذكر السلام هاهنا وقد أختلف أهل العلم فيه هل هو تسليمة واحدة أو تسليمتان فذهب أحمد بن حنبل في الرواية المشهورة عنه إلى أنه يسلم من صلاة الميت بتسليمة واحدة وذكر أنه ثبت ذلك عن ستة من الصحابة وذكر صاحب المغني أنه رأي كثير من التابعين وذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة أن الواجب تسليمة وأن المستحب تسليمتان كالصلاة . .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [156] الحديث الثاني: عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث . موضوع الحديث : الصفوف في صلاة الجنازة المفردات النجاشي :قد تقدم ذكره المعنى الإجمالي يخبر جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي ﷺ صلى على النجاشي صلاة الغائب وأنه كان ممن صلى إلا أنه لا يذكر هل كان في الصف الثاني أو الثالث هذا إذا كان الشك منه . فقه الحديث أولاً : يؤخذ من هذا الحديث أن المستحب أن يصف المصلون على الجنازة ثلاثة صفوف ثانياً :يؤخذ من الحديث أن الصفوف التي كانت في تلك الصلاة ثلاثة إلا أنه شك في موقعه هل كان في الثاني أو الثالث . ثالثاً: ويستفاد من هذا الحديث استحباب جعل المصلين ثلاثة صفوف وإن كان عددهم قليلاً ولا يمنع الزائد إذا كثر المصلون . أما كيفية الصلاة والتكبيرات فقد سبق ذكرها في الحديث الأول وربما أن تكون هناك حاجة إلى شئ من التوضيح وهو ما دليل تخصيص التكبيرة الأولى بقراءة الفاتحة والثانية بالصلاة على النبي ﷺ والثالثة بالدعاء والرابعة بالسلام . والجواب قد بوب البخاري بقراءة الفاتحة فيها وذكر حديث ابن عباس وأنه جهر بقراءة الفاتحة فيها وقال لتعلموا أنها السنة وقول الصحابي أن من السنة كذا أو أنها السنة أو هذا هو السنة معتبر له حكم الرفع بل ذكر الحاكم أنهم أجمعوا أن قول الصحابي من السنة كذا حديث مسند. قال الحافظ ابن حجر كذا نقل الإجماع مع أن الخلاف مع أهل الحديث والأصوليين شهير . وأخرج الشافعي والنسائي والحاكم وأبو يعلى من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها يعني صلاة الجنازة بأم القرآن ) زاد النسائي وأبو يعلى وسورة قال النووي إسنادهما صحيح . أما كون الصلاة بعد التكبيرة الثانية وهي الصلاة الابراهيمية فذلك أيضاً منقول عن السلف وهو منا سب لما تقرر في الشرع من الثناء على الله قبل الدعاء ثم الصلاة على النبي ﷺ ثم بعد ذلك الدعاء . وأما السلام فذكر الصنعاني دليله بقوله وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن أبي أمامه أنه من السنة وروي عن إبراهيم الهجري أنه قال (أمنا عبد الله بن أبي أوفى على جنازة ابنته فكبر أربعا فمكث ساعة حتى ظننا أنه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له ما هذا قال إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وهذا الحديث إن صح فهو دليل على من قال بالاكتفاء بالتسليمة الواحدة وقد سبق أن الشافعي وبعض العلماء جمعوا بين الوارد في السلام واحدة أو اثنتين أن الواحدة واجبة والثانية كمال ومن أكتفي بالواحدة كفاه ذلك ومن أراد الكمال سلم التسليمتين اهـ. من العدة للصنعاني بتصرف وبالله التوفيق. .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [157] الحديث الثالث : عن عبدالله بن عباس رضى الله عنهما أن النبي ﷺ صلى على قبر بعدما دفن فكبر عليه أربعاً . موضوع الحديث : مشروعية الصلاة على القبر المفردات قوله بعدما دفن : أي بعدما دفن صاحبه فيه قوله كبر أربعاً : أي أربع تكبيرات المعنى الإجمالي يخبر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ صلى على قبر بعدما دفن فيه صاحبه فكبر أربعاً وصلاة النبي ﷺ نور وقد ورد ( أن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم ) . فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث جواز الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة قبل دفنها وقد أجاز ذلك قوم إتباعاً لهذا الحديث وغيره ومنع ذلك آخرون والحديث حجة عليهم فقد صح أن النبي ﷺ صلى على المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد وأنها ماتت فدفنوها ليلاً فلما أصبح سأل عنها فأخبروه أنها ماتت فقال هلا آذنتموني قالوا كنت نائماً وخشينا أن نوقظك والليل ظلمة فقال دلوني على قبرها فدلوه على قبرها فصلى عليها ) . قال ابن حجر إن صاحب القبر السوداء التي كانت تقم المسجد وقد ورد آن النبي ﷺ صلى على قبر أم سعد ابن عبادة وكانت دفنت وهو في الغزو فصلى عليها بعدما قدم وورد أنه ( صلى على قبر رجل آخر) فهذه الأحاديث تدل على جواز الصلاة على القبر وقد اختلف من أجاز ذلك في المدة التي يٌصلى على القبر فيها فقال بعضهم إلى ثلاث وقال بعضهم إلى شهر أما ما ورد في هذا الحديث فقد ورد أنه في صبيحة دفنها ودليل من قال إلى شهر ما ورد (أن النبي ﷺ صلى على أم سعد بعد شهر من دفنها ) . ثانياً : قوله فكبر عليها أربعاً فيه دليل لمن قال أن التكبير على الجنازة أربعاً وهم الجمهوركما تقدم . ثالثاً :يؤخذ منه أن صلاة الجنازة جائزة في المقبرة لأنها ليس فيها ركوع ولا سجود وأن النهي عن الصلاة في المقبرة مخصص بالصلاة المعروفة وهي ذات الركوع والسجود .-------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [158] الحديث الرابع: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كُفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولاعمامة. موضوع الحديث : التكفين المفردات قوله يمانية:نسبة إلى اليمن وفي بعض الروايات سحولية وفي بعضها يمانية سحولية. قال الصنعاني في العدة وهي بضم السين المهملة منسوبة إلى السحول قرية باليمن تعمل فيها ويقال بفتح السين أهـ قلت الفتح أشهر وسمعته من بعض أهل تلك الجهة بفتح السين وهي قرية من قرى إب معروفة إلى الآن فهذه الأثواب تنسب إليها ، قولها ليس فيها قميص ولاعمامة يحتمل أنه لم يكفن في قميص ولاعمامة ويحتمل أن الثلاثة الأثواب خارجة عن القميص والعمامة . لكن قولها كفن في ثلاثة أثواب مفهومه أنه لم يكفن في غيرها وهذا هو الذي رجحه ابن دقيق العيد وتبعه على ذلك الصنعاني ببيان أوضح وأظهر. المعنى الإجمالي الكفن هو ما يزود به العبد من الدنيا تستر به عورته حتى تواريه الأرض.والأصل فيه هو ما يستر عورة الإنسان إكراماً له لأن الله يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ …)[لإسراء : 70 ] ولقد أختار الله لرسوله أنه كفن في ثلاثة أثواب كلها لفائف بيض وإذاً فهذا أفضل الكفن لأن الله عز وجل لا يختار لرسوله إلا الأفضل . فقه الحديث أولاً :يؤخذ من هذا الحديث إختيار أن يكون الكفن أبيض وقد جاء في الحديث عن ابن عباس قال :قال رسول الله ﷺ (ألبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ) ثانياً: يؤخذ منه أن أفضل الكفن ثلاث لفائف ولم يذكر إلا كونه كفن في ثلاثة أثواب بيض غير أن التكفين في اللفافة لابد أن تكون اللفافة كافية لتغطية الجسد جميعاً بأن يكون الثوب عريضاً ويستحب أن يخالف بينها بأن تكون مجمع اللفافة الأولى على الجانب الأيمن واللفافة الثانية مجمعها على الجانب الأيسر واللفافة الثالثة مجمعها في الوسط. ثالثاً:هل المراد أنه كفن في ثلاثة أثواب بدون قميص ولاعمامة أو أنه كفن في ثلاثة أثواب ما عدا القميص والعمامة ؟ وقد سبق أن قلت أن ابن دقيق العيد رجح الاحتمال الأول وجعله هو الأظهر وتبعه على ذلك الصنعاني وهو الحق فيما أرى لأن جملة كفن في ثلاثة أثواب المفهوم منها أنه لم يكفن في غيرها وذهب قوم إلى الاحتمال الثاني زاعمين أن الثلاثة الأثواب ما عدا القميص والعمامة . قلت هذا اختلاف في الأفضل وإذاً فإن الواجب ما يستر البدن وما زاد يعتبر جائزاً ما لم يخرج إلى حد الإسراف وهنا يمكن أن نقول أن الإسراف إما أن يكون في نوع الكفن أو في كميته والكل مكروه فلا تجوز المبالغة العظيمة في ثمن الكفن ولافي تكثيره وينبغي أن أنبه أن حديث ( حسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتزاورون فيها ) حديث لا يصح وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [159] الحديث الخامس : عن أم عطية الأنصارية قالت دخل علينا رسول الله ﷺ حين توفيت ابنته فقال (( أغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك -إن رأيتن ذلك -بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه وقال أشعرنها به )) تعني إزاره وفي رواية سبعاً وقال ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها وأن أم عطية قالت : وجعلنا رأسها ثلاثة قرون . موضوع الحديث: كيفية غسل الميت المفردات حين توفيت ابنته : المشهور أن هذه البنت هي زينب بنت محمد رضي الله عنها و ﷺ على أبيها وزوجة أبي العاص بن الربيع توفيت سنة ثمان من الهجرة وقيل أنها أم كلثوم قوله أغسلنها ثلاثاً أو خمساً: أي ثلاث غسلات أو خمس غسلات قوله بماء وسدر: بأن يخلط السدر مع الماء لكن لايطغى عليه بالأسمية فلا يقال سدر ولكن يقال ماء مخلوط بسدر قوله واجعلن في الأخيرة : أي في الغسلة الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافورهو بذر شجر له رائحة طيبة وخاصية في حفظ البدن فإذا فرغتن فآذنني :أي أخبرنني قالت فلما فرغنا آذناه أي أخبرناه فأعطانا حقوه : بالفتح للحاء المهملة وورد بالكسر أما القاف فهي ساكنة على كلا الحالين بعدها واو مفتوحة والضمير يعود على النبي ﷺ والمراد بالحقو أو الحقوفي الأصل هو مربط الفخذين في الجسد والأصل أن هذه التسمية لموضع معقد الإزار ثم نقلت إلى الإزار فسمي الإزار حقواً آو حقواً بالموضع الذي يربط فيه . قوله أشعرنها إياه : أي اجعلنه شعاراً لها ، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد وقد قال النبي ﷺ للأنصار حين جمعهم بعد حنين من أجل مقالة قالها بعض سفهائهم وقال لهم ( الأنصار شعار والناس دثار ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعباًً وسلك الأنصار وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) . قوله الأنصار شعار أي مثل الثوب الذي يلي الجسد والذي لا يستغنى عنه قط . المعنى الإجمالي تعبد الله عز وجل عباده بأن يغسلوا موتاهم إكراماً لهم وتعبداً لربهم فأمر رسول الله ﷺ بغسل الموتى بماء وسدر وأمر أن تكون الغسلات وتراً وأمر أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً وقد أمر النبي ﷺ غاسلات ابنته بأن يخبرنه عند الفراغ من الغسل فلما أخبرنه أعطاهن إزاره ليشعرن به ابنته رضي الله عنها تبركاً بما لامس جسده صلوات الله وسلامه عليه ولا يجوز التبرك بأي أحد سواه مهما بلغ صلاحه وبلغت عبادته فلو كان ذلك جائزاً لفعله الصحابة بأفضلهم أبي بكر رضي الله عنه . فقه الحديث أولاً:يؤخذ من قولها فقال أغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك ........الحديث يؤخذ منه وجوب غسل الميت استدلالاً بصيغة الأمر والأمر يقتضي الوجوب لقوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ..) [النساء : رقم 59 ] وقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) [الأنفال : رقم 24 ] وقول النبي ﷺ ( فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) . ثانياً :هل الأمر هنا يكون وجوبه في مطلق الغسل أو أنه لا بد أن يكون على الهيئة التي أمر بها الشارع حيث يقول أغسلنها ثلاثاً أو خمساً ....الخ الحديث . وقد أشار ابن دقيق العيد إلى الخلاف الواقع عند الأصوليين فيما إذا أمر الشارع بشيئين هل يكون في كليهما على الوجوب وهو هنا مطلق الغسل والإيتار فمطلق الغسل لا خلاف في كونه للوجوب فيما يظهر ولكن هل يتناول الوجوب الصفة التي عينه عليها وهو الإيتار الظاهر أن ذلك يشمله ويكون الأمر للوجوب فيهما معاً لأن الشارع قال أغسلنها ثلاثاً أو خمساً فجعل الثلاث مقصودة في الأمر وإن لم تكف انتقل الغاسل إلى الخمس وأشار الصنعاني إلى أن إيجاب الثلاث قال به الظاهريةوالكوفيون والمزني. والحق فيما أرى مع من قال بذلك لأن الشارع حين قال أغسلنها ثلاثاً أمر بمطلق الغسل والصفة التي يكون عليها فيكون أدنى ما قيدت به الثلاث فهي واجبة وما بعدها مندوب إلا أن يكون الحال مقتضيا ًللزيادة . وبالله التوفيق ثالثاً:يؤخذ من ذلك أيضاً جواز الزيادة على ثلاث ولكن الإيتار مطلوب فإن انقي جسد الميت بأربع وجب الإتيان بخامسة وإن انقي بست وجب الإتيان بسابعة لقوله إن رأيتن ذلك فقيد الزيادة بما إذا كانت الحالة مقتضية لذلك حسب رأي الغاسل ولا يزيد على السابعة لأن الإمام أحمد كره الزيادة عليها وقال ابن عبد البر لا أعلم أحد اً قال بمجاوزة السبع وقال الماوردي إنها سرف . رابعاً:قوله بماء وسدر هذا من الصفة التي أمر بها الشارع وقلنا أنها داخلة في الوجوب لاتجاه الطلب عليها وهل يكون السدر في الغسلة الأولى والثانية معاً أو تكون الغسلة الأولى بماءٍ قراح والثانية بماءٍ وسدر والثالثة بماءٍ وكافور . خامساً: يؤخذ منه أن السدر المخلوط بالماء لا يسلب الماء طهوريته بل الماء يكون باقٍ على طهوريته لأنه لم يغلب على أسميته فأفاد ذلك أن الماء الممزوج بشيء قليل لا يزيل عنه اسم الماء ولا يضره بل يبقى على طهوريته . سادساً:يؤخذ منه استحباب الكافور في الغسلة الأخيرة لأن الكافور له خاصية في حفظ البدن وتجفيفه وطرد الهوام عنه ومنع إسراع الفساد إليه وعلى هذا فلا يقوم المسك وغيره من أنواع الطيب مقامه إلا إذا لم يوجد . سابعاً: يؤخذ من قوله إبدأن بيامينها ومواضع الوضوء منها أن البدأ يكون بمواضع الوضوء ثم يكون بالميامن عند الغسل وذلك تشريف لمواضع الوضوء وللميامن . ثامناً:يؤخذ من قولها وجعلنا رأسها ثلاثة قرون أن ذلك شرع وسنة أن يُسرح شعر الميتة فيجعل ثلاث ضفائر وتسدل خلفها وإلى ذلك ذهب الجمهور وذهب الأحناف إلى أن شعر المرأة يسدل ولا يضفر أي يسدل على جوانب وجهها ومؤخر رأسها ولكنه قول بلا دليل والدليل هو مع من ذهب إلى تسريح شعر المرأة وضفره . تاسعاً:أختلف أهل العلم في قول أم عطية وجعلنا رأسها ثلاثة قرون هل يكون له حكم الرفع لأن الظاهر أن ذلك كان من فعلهن وليس بأمر النبي ﷺ والذي يظهر أن ذلك له حكم الرفع بمعنى إذا كان من فعلهن فلا بد أن يكون إقراراً من النبي ﷺ لهن على ما فعلن ولا يتصور أن يفعلن خطئاً في عهد النبي ﷺ وفي تجهيز ابنته ولا ينبه عليه بل الظاهر خلاف ذلك وأنهن لا يفعلن ذلك إلا بأمر من الشارع أو بتقرير منه . عاشراً: يؤخذ من قولها فلما فرغن آذناه فأعطانا حقوه وقال أشعرنها به تعني إزاره ومعنى ذلك اجعلنه شعاراً لها والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد كما تقدم تفسيره وذلك كما قال أهل العلم تبركاً بما لامس جسده يعني النبي ﷺ . الحادي عشر :هل يجوز التبرك بغيره صلوات الله وسلامه عليه الجواب لا يجوز التبرك بغيره لأنه لو كان جائزاً لفعله أصحاب النبي ﷺ بخيرهم بعده وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ولفعله التابعون بأصحاب النبي ﷺ ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع أحد من أصحاب النبي ﷺ فدل على اختصاصه به صلوات الله وسلامه عليه وذلك إجماع منهم . الثاني عشر : إذا علم هذا فإن قول من قال من المتأخرين بجواز التبرك بغير النبي ﷺ قول بلا دليل وخروج عن الإجماع بعد انعقاده فلا ينظر إلي من قال به وإن كان القائلون به كثير لأن الشرع قد كمل في حياته ﷺ ومن استحدث حكماً بعد إجماع الصحابة يغاير إجماعهم فإنه قد فتح باب شر أراد الله عز وجل إغلاقه على يد أصحاب رسول الله ﷺ وبإجماعهم فكم رأى الناس من أمور شركية وبدعية حصلت بسبب القول بجواز التبرك فأدى ذلك إلى الشرك الأكبر فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولنسمع ما قاله العلامة الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله في باب الزيارة المشروعة والتحذير من الزيارة المبتدعة وهو خاتمة كتاب الجنائز أما اتخـاذ القبر مسـجـداً وأن يجعـله عيداً كعـابد الوثــــن والذبح والنذر على القبــــور وهتف ذا الزائر بالمقبـــــور كقول يا باهوت يا جيــلانـي أدرك أجب أغث لذا اللهفـــان يـريـد منه دفع شر دهــمـاً أو جلب خيــر دون خالق السماء فذي هي المصيبـة العظمى التي لم يجن مثـلها علـى ذي الملــة وذلك الشرك الصـريح الأكـبر فــاعـله بدون شك يكــــفر لكنه في هذه الأعصـــــار قد أصبــح المألوف للـــزوار وأصبــح الدين بغاية الخـفـا فحســبـنـا الله تعالى وكفــى فـيا أولي العقول والأحــلام هـل ذا أتى فــي ملة الإســلام هـل في كتاب الله قد وجدتمـوا ذا أم بســـنة النبي بل حدتمـوا عنها إلى وساوس الشيـطــان وزخـرف الغرور والبـهتـــان أمـا نهـاكـم ربكم عن ذا أمـا بــيـِن مـا أحل ممــا حـرما أما إليـكـــم الرسول أرسلا مـبـيـــنـاً كتابه المــنـزلا أغـير ديـن الله تبـغــون ألا حيـاءً من رب السـمـوات العلى تدعون من لا يستجـيـبـكم ولا لنـفــــسه يمـلك لا نفعاً ولا ضراً فأنى يملكونه لكــــم وهم عباد كـلفوا أمثـــالـكــم فلا وربي أبداً لا تفلـــحـوا مـا دمتـم التوحيــد لم تصححوا يـا قوم بادروا إلى الخـلاص وحـقـقوا شــــهادة الإخلاص وبالكتاب المستقيم اعتصـمـوا كلاً وسنة الرســـــول إلتزموا وما تنازعتـم فـــردوه إلـى هذين لا تبغــــون عنها حـولا ويا أولي العلم ألم يبقى بكــم من غيرة لنصــــرة دين ربكم قـومــوا بعزم صادق مبيـن وبـيـنوا للناس أمـر الــديـن إلى آخر ما قال رحمه الله. والذي أريد أن أقوله أن كل ما حصل على القبور من بدع وشركيات كان سببها هو إباحة التبرك بغير الرسول ﷺ فبالغ الناس في ذلك حتى استحلوا دعوة المقبورين فإنا لله وإنا إليه راجعون . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله- [160] الحديث السادس: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال فأوقصته- فقال رسول الله ﷺ ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً . وفي رواية ولا تخمروا وجهه ولا رأسه . موضوع الحديث : موت المحرم في حال إحرامه هل يقطع عنه حكم الإحرام أم لا المفردات فوقصته أو قال أوقصته أو قال أقصعته والكل بمعنى واحد والمراد أنها كسرت عنقه قوله اغسلوه بماء وسدر: يعني بأن يوضع السدر بالماء ويغسل بهما معاً من أجل التنظيف قوله كفنوه في ثوبيه وفي رواية ثوبين :بمعنى أنه يكفن في ثوبي إحرامه قوله ولا تحنطوه :نهي عن جعل الحنوط فيه وهو الطيب الذي يجعل في الميت فيمنع عن المحرم لكونه باقياً له حكم الإحرام قوله ولا تخمروا رأسه وفي رواية عند مسلم ولا تخمروا وجهه ولا رأسه : يؤخذ منه عدم جواز تغطية الرأس لمن مات على إحرامه وكذلك الوجه. قوله فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً:هذه الجملة تعليلية لما سبق من كونه يمنع عنه الحنوط وتخمير الرأس والوجه المعنى الإجمالي أمر النبي ﷺ بمن مات محرماً أن يغسل بالماء والسدر وأن يكفن في ثوبين ونهى عن تحنيطه وتخمير رأسه ووجهه من أجل أنه يبعث يوم القيامة ملبياً . فقه الحديث أولاً:يؤخذ من هذا الحديث أن من مات محرماً يبقى على حكم الإحرام فيغسل بالماء والسدر ويمنع عنه الطيب ويكفن في ثوبيه ولا يغطى رأسه ولا وجهه لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً وبذلك أخذ الحنابلة والشافعية وذهبت الحنفية والمالكية إلى أنه يعامل معاملة غير المحرم وجعلوا الموت سبباً في انقطاع الإحرام وهو مخالفة للدليل فإن الحكم علل بأنه يبعث يوم القيامة ملبياً والمرجع فيما بعد الموت وفي سائر الأحكام إلى الشارع والقياس لا يعارض به النص فوجب المصير إلى النص أما اعتذار بعض الحنفية بأن هذا في هذا الشخص وحده ولا يعلم وقوعه في غيره فهو اعتذار باطل يعرف ذلك كل من له إلمام بعلم الشريعة فالنبي ﷺ إنما علل بقوله بأنه يبعث يوم القيامة ملبياً بما سبق من الأحكام وهو تكفينه في ثوبيه والنهي عن تحنيطه وعن تخمير رأسه ووجهه هذا هو القول الصحيح وبالله التوفيق . ثانياً:يؤخذ من هذا الحديث أن تغطية الوجه للمحرم لا تجوز وقد اختلف في ذلك أهل العلم لكن رواية مسلم قاضية بذلك ولا تخمروا وجهه ولا رأسه. ثالثاُ :يؤخذ منه أن هذه الأحكام إنما ثبتت من أجل وجود الإحرام . رابعاً: يؤخذ منه مشروعية الحنوط في الميت لأن مفهوم قوله ولا تحنطوه أن النهي إنما هو باعتبار كونه محرماً. -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [161] الحديث السابع : عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا . موضوع الحديث: هو النهي للنساء عن اتباع الجنائز أما نهي كراهة وأما نهي تحريم وكونه نهي كراهة يدل عليه هذا الحديث. المفردات قولها نهينا : مبني للمجهول بحذف الفاعل للعلم به وهو في حق صحابة رسول الله ﷺ فإذا قال الصحابي أَمرنا أو نَهينا فالمراد بذلك رسول الله ﷺ لأنه هو الآمر والناهي لهم دون غيره قولها ولم يعزم علينا :العزم في اللغة هو الإلزام أو التأكيد على الشئ وهنا نفت أم عطية العزم فدل على أنه لم يكن ذلك النهي مؤكداً وهذا هو القول المختار . المعنى الإجمالي الشرع من الله ومن رسوله ﷺ مبنياً على ما يعلمه جل وعلا من المصالح ودرء المفاسد التي يعلمها الله دون غيره ورسوله مبلغ عنه وفي هذا الحديث دليل على أن الله عزوجل لما علم ما تنطوي عليه طبيعة النساء من الضعف وعدم التحمل نهاهن عن اتباع الجنائز نهياً غير مؤكد المنع فكأنه يؤخذ منه كراهة ذلك للنساء للعلة التي أشرنا إليها سابقاً وبالله التوفيق . فقه الحديث أولاً:يؤخذ من هذا الحديث أن قول الصحابي نهينا أو أمرنا أنه محمول على أن الآمر أو الناهي هو الرسول ﷺ وهذا هو القول المختار عند أهل المصطلح والأصول ثانياً:يؤخذ من قولها نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا دليل على أن النهي حصل ولكنه لم يكن عزيمة بالمنع وهذا الحديث قد عارضته أحاديث تفيد المنع وأحاديث تفيد الجواز فمن الأحاديث التي تفيد المنع ما ورد عن ابن عباس قال ( لعن رسول الله _ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود والترمذي قلت: وصحح الألباني رحمه الله - هذا الحديث بلفظ ( لعن الله زوارات القبور ) في صحيح الجامع برقم 4985 وحسنه من حديث حسان بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة رقم 1281 ، 1280 ، 1279 ) وأشار في حديث ابن عباس إلى ضعف رواية ( زائرات ) . ومنها قوله لفاطمة لما رآها مقبلة قال : لها ما الذي أخرجك من بيتك قالت ذهبت إلى أهل هذا الميت لأترحم لهم على ميتهم فقال لها أبلغت معهم الكدى قالت لا قال لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة ) رواية أبي داود وذكر فيه تشديداً ولفظه عند النسائي والحاكم لو بلغت معهم الكدى ( يعني المقابر) ( ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك) وهذه الرواية الأخيرة فيها نظر لأن مدارها على ربيعه بن يوسف وهو صدوق له مناكير كما قال في التقريب وبربيعة ضعفها الألباني رغم أن الحاكم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على ذلك فقال على شرطهما مع أن ربيعة لم يخرج له أحد من الشيخين وإنما خرج له في السنن أما الأحاديث الدالة على الجواز فمنها عن أنس رضي الله عنه قال مر النبي ﷺ بإمرأةٍ تبكي عند قبر فقال ( اتقي الله واصبري قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي ﷺ فأتت باب النبي ﷺ فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك يا رسول الله فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) كذلك أيضاً ما ورد أن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن وتمثلت ببيت تميم بن نويرة وكنــا كندمـاني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لـن يتصــدعا فلما تفـرقنا كأني ومالـــكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معــاً وهذا يدل على أن عائشة لا تعلم في زيارة القبور الزيارة السنية منعاً باتاً. وكذلك الحديث الذي أشار إليه هنا وهو أن عمر ابن الخطاب رأى امرأة في جنازة فصاح بها فنهاه النبي ﷺ ومن أجل ذلك فقد اختلف أهل العلم في الجمع بين هذه الأحاديث فمنهم من قال أن ذلك جائز لغير الشواب وهو مروي عن مالك وهذا القول نظر فيه إلى علة الافتتان بالنساء ومنهم من قال بأن النهي عن اتباع الجنائز نهي كراهة لا تحريم وعليه يدل حديث أم عطية حيث قالت نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا والكراهة هنا كراهة تنـزيه فقط أما حديث ( لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) فهذا مقصود به النساء اللاتي يذهبن إلى المقابر لقصد الزيارة البدعية أو الشركية لاقترانه باتخاذ المساجد على القبور وهو محرم واتخاذ السرج عليها وهو محرم وهذا هو القول الصحيح وكون الصيغة مبالغة لذلك فإن المقصود به كثيرات الزيارة للقبور بقصد مبتدع أو قصد شركي فالمبتدع أن تأتي إليه المرأة للتبرك ولاعتقادها أن الدعاء عنده مستجاب والقصد الشركي أن تدعوا صاحب القبر في حاجتها وذلك شرك أكبر مخرج من الملة . وعلى هذا فلا تعارض بين ذلك الحديث أي حديث ابن عباس في السنن بلفظ ( لعن الله زائرات القبور..الخ ) وحديث أم عطية فتلك الأحاديث تحمل على الزيارة الشركية والبدعية وحديث أم عطية يحمل على الزيارة السنية وأن النهي فيه نهي تنـزيه لا تحريم وهذا هو القول الراجح إن شاء الله ، وبالله التوفيق. -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [162] الحديث الثامن: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال أسرعوا بالجنازة فإنها إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم . موضوع الحديث : الإسراع بالجنازة في التجهيز والمشي إلى القبر المفردات : أسرعوا بالجنازة :الإسراع معروف وهو يكون بسرعة التجهيز للميت وبسرعة الذهاب بها أو المشي بها إلى المقبرة بالجنازة :بالفتح اسم للميت وبالكسر اسم للنعش الذي يحمل عليه لذا قالوا الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل أي أن الفتح للميت والكسر للآلة أو للسرير الذي يحمل عليه ولهذا قال الشاعر: كل ابن أنثى وإن طـــالت ســـلامته يوماً على آلة حدباء محمول وعلى هذا فإن الإسراع يكون بالميت إذ هو المقصود وإلا فما معنى الإسراع بالآلة قوله فإنها إن تك صالحة: أي أن الجنازة إذا كانت من أهل الصلاح والخير فأنتم تقدمونها إلى خير قال فخير تقدمونها إليه وإن كانت من أهل الفساد والشر فشر تضعونه عن رقابكم . ولهذا جاء في الحديث أن الجنازة إذا حملت تقول بصــوت يسمعه كل من خلق الله إلا الجن والإنس( فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين يذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق ) المعنى الإجمالي أمر الشارع ﷺ بالإسراع بتجهيز الجنازة والذهاب بها إلى مثواها إذ لافائدة في بقائها ولهذا قال فإنها إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم فقه الحديث أولاً: أختلف أهل العلم في المراد بالإسراع هل المراد به الإسراع بالتجهيز أو المراد به الإسراع بالمشي والظاهر أن المشرع ﷺ يريد كلا الأمرين وقد ذهب إلى أن المراد الإسراع بالمشي ابن حزم الظاهري وحمله على الوجوب وكذلك رجح النووي أن المراد بالإسراع الإسراع بالمشي لقوله فشر تضعونه عن رقابكم . وقال القرطبي لا يبعد أن يكون كلاً منهما مطلوباً . قلت وهو الصواب إن شاء الله . ثانياً:هل الأمر بالإسراع للوجوب أو للندب حمله الجمهور على الندب وحمله ابن حزم على الوجوب . ثالثاً: قد ورد في الإسراع بالجنازة حين حملها ما رواه أبو داود عن ابن مسعود قال (سألنا رسول الله _ عن المشي مع الجنازة قال مادون الخبب ) وأخرج أحمد من حديث أبى بردة بن أبي موسى عن أبيه أنه قال( مرت برسول الله ﷺ جنازة تمخض مخض الزق قال فقال رسول الله ﷺ عليكم القصد) والمراد بالقصد السرعة التي تكون معقولة ولهذا قال ابن دقيق العيد وذلك بحيث لا ينتهي الإسراع إلى شدة يخاف منها حدوث مفسدة بالميت وقد جعل الله لكل شيء قدراً . أما قوله فإنها إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه أي فأنتم تقدمونها إلى خير وإن تك غير ذلك أو سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم فهذه العلة التي من أجلها أمر بالإسراع وهو أن بقاء الميت بين أهله بعد وفاته ليس فيه فائدة ولامعنى معقول لذلك فإن الحكمة حينئذ هو الإسراع بتجهيزها والذهاب بها إلى مثواها وقد جاء في الحديث عن على بن أبى طالب أن النبي ﷺ (قال له ياعلي ثلاث لاتؤخرها الصلاة إذا آنت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤاً) إلا أن في سنده كلام غير أنه لايبلغ بالحديث إلى درجة الترك . وبالله التوفيق. -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [163] الحديث التاسع: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال صليت وراء النبي ﷺ على امرأة ماتت في نفاسها فقام في وسطها . موضوع الحديث : موقف الإمام من الجنازة المفردات قوله ماتت في نفاسها:أي بسببه والنفاس قيل أنه الدم الذي يخرج من المرأة بعد ولادتها فقام في وسطها :قد اختلف في فتح السين وإسكانها هل بينهما فرق فرق بينهما بأن السكون للمكان الذي بين شيئين يقال جلس وسطاً بين الساريتين وجلس وسط الدار وقد أطال الصنعاني في العدة الكلام على هذه المسألة فليراجع. المعنى الإجمالي أن النبي ﷺ حينما صلى على امرأة ماتت قام في وسطها يعني حذاء وسطها وأن هذه هي السنة كما ورد أنه يقف إذا صلى على الرجل عند رأسه فقه الحديث يؤخذ من الحديث أن موقف الإمام إذا صلى على رجل يكون عند رأسه وإذا صلى على امرأة يكون حذاء وسطها وقد علل ذلك بأن المقصود به أن يكون الإمام سترةً من النظر إلى حجم المرأة لأن النساء في ذلك الوقت لم يكن يسترن هكذا قالوا وهل المراد إذا كان قد وقعت هذه العلة أنه ينتفي بانتفائها ؟ الجواب لا بل يتبع ما نطقت به الأدلة ،والأدلة تدل على أن النبي ﷺ كان يقف عند رأس الرجل وعجز المرأة أو وسط المرأة فهذه هي السنة سواء علمنا الحكمة في ذلك أو لم نعلمها فعلينا الامتثال لأمر الشارع صلوات الله وسلامه عليه . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [164] الحديث العاشر: عن أبى موسى -عبدالله بن قيس-الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ برئ من الصالقة والحالقة والشاقة . موضوع الحديث: النهي عن هذه الأمور والبراءة من فاعليها المفردات الصالقة:بالصاد ويقال بالسين من الصلق وهو رفع الصوت رفعاً يكون فيه إزعاج هذا هو ما يظهر لي لأن الصلق هو الإحراق بالنار أو بماء حار ولهذا قال تعالى (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ …) [الأحزاب : 19 ] بمعنى أنهم تكلموا فيكم كلاماً موجعاً لاذعاً والحالقة: هي التي تحلق رأسها عند المصيبة والشاقة :هي التي تشق ثوبها عند المصيبة أيضًا . وقد كانت هذه الأمور مفعولة في الجاهلية ولما جاء الإسلام نهى عنها وحذر منها . قوله برئ :من البراءة والتبري هوأن يقصد به التبري إلى الله عز وجل من فعل من برئ منه كما قال عن نبي الله إبراهيم أنه قال لقومه ( إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ …) [الممتحنة : 4 ] والقصد من التبري عدم الموافقة وإظهار الغضب من المتبرئ منه المعنى الإجمالي تبرأ النبي ﷺ ممن تسخط المصيبة .مصيبة الموت وعمل فيها شيئاً من هذه الأمور التي هي الصلق بالصوت وحلق الشعر وشق الثوب . فقه الحديث يؤخذ من هذا الحديث تحريم هذه الأمور التي هي الصلق والحلق والشق تسخطاً للمصيبة التي وقعت بقدر الله عز وجل والمطلوب من المؤمن الرضا بالقدر فإن لم يكن رضا فليكن صبراً والرضا مرتبة أعلى من الصبر لأن الصبر سكوت مع لوعة وحرق من المصيبة . أما الرضا فهو بخلاف ذلك بحيث يرى أنه لو خير بين الثواب وبين إرجاع ما فقد منه لاختار الثواب على ذلك فهو أي الرضا درجة عالية والصبر على الابتلاء فيه أجر عظيم فكيف بالرضا وقد جاء في الحديث قوله ﷺ ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) . علماً بأن التسخط لا يرد من المصيبة شيئاً . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [165] الحديث الحادي عشر: عن عائشة رضي الله عنها قالت لما اشتكى النبي ﷺ ذكر بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها ماريه وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها فرفع رأسه ﷺ وقال (( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله )). موضوع الحديث: تحريم البناء على القبور والإخبار بأن الذين يفعلون ذلك هم شرار الخلق عند الله تعالى المفردات الكنيسة:هي معبد النصارى جمعها كنائس رأينها:فيه التعبير بالجمع عن المثنى وهذا موجود في اللغة. بأرض الحبشة :أي بلادهم يقال لها ماريه أي تسمى بهذا الاسم وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة أما أم سلمة فقد تقدمت ترجمتها في الجزء الأول وأما أم حبيبة فهي بنت أبي سفيان بن حرب هاجرت مع زوجها عبيدالله بن جحش إلى الحبشة فتنصر زوجها ومات نصرانياً ثم أرسل النبي ﷺ عمرو بن أمية الضمري بكتاب إلى جعفر بن أبى طالب وإلى النجاشي يخطبها ووكل جعفر في قبول النكاح عنه وعقد بها ابن عمها سعيد بن العاص ثم نقلت إليه بعد أن امهرها عنه النجاشي قولها أتتا أرض الحبشة :هي في هجرتهن مع أزواجهن فذكرتا من حسنها:أي جمال ظاهرها وكثرة التصاوير فيها فرفع رأسه : أي النبي ﷺ وقال أولئك أي بالخطاب للمؤنث إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله المعنى الإجمالي لم يشغل النبي ﷺ ما هو فيه من المرض عن النصح والتوجيه ورد الباطل وذم أهله بما يستحقونه من الذم والإخبار بما لهم عند الله تعالى من سوء العاقبة وشر المنقلب فقد سمع زوجتيه أم سلمة بنت أبي أمية المخزومية وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية العبشمية حين ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة وأطرتا في ذكر حسنها وتصاوير فيها فرفع رأسه مخبراً ًبأن ذلك الحسن المظهري يصحبه القبح المخبري وذلك أن أولئك القوم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ولكون ذلك بدعة ومن ذرائع الشرك بالله فقد ذم النبي ﷺ ذلك العمل وذم أصحابه لكونهم يصورون فيه تلك الصور ليعبدوها وينسون خالقهم ورازقهم الذي أحياهم وسيميتهم ويبعثهم ويجازيهم بأعمالهم لذلك فهم شرار الخلق عند الله تعالى جزاءً لهم على سوء صنيعهم وقبح عملهم .وبالله التوفيق. فقه الحديث أولاً:يؤخذ من الحديث تحريم البناء على القبور وقد ورد في ذلك نهي عن النبي ﷺ حيث نهى عن البناء على القبر والكتابة عليه وأن يزاد فيه على ترابه وأن يرفع أكثر من شبر وأن يجصص فعن جابر رضي الله عنه قال( نهى ﷺ أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ ) وفي لفظ للنسائي( نهى أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص زاد سليمان بن موسى أو يكتب عليه ) ووردت أحاديث بلعن من يتخذ عليها المساجد والسرج فروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال( لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) . وهذه الأمور تعد من البدع العظيمة المفضية إلى الشرك بالله لأنهم إذا بنوا على القبر اتخذوه مزاراً وزاروه وطلبوا من صاحبه الحوائج من جلب المنافع ودفع المضار. ثانياً :يؤخذ من الحديث تحريم بناء المساجد على القبور والمراد بالمساجد المعابد ولهذا عبر الشارع ﷺ عن ذلك بقوله (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرا ر الخلق عند الله) وكما في الحديث الآتي لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . ثالثاً: يؤخذ منه أن هذا العمل من أفظع الأعمال وأقبحها وأن الذين يعملون أو يسكتون عمن يفعله سكوت الراضي لا يصلحون أن يسموا دعاة ولا يجوز أن يتخذوا أئمة بل من فعل ذلك فهو من شرار الخلق وإن زعم أنه يتبنى دعوةً إلى الله فأي دعوة لا تنبني على التوحيد فهي دعوة باطلة وصاحبها صاحب ضلال ومن هنا تعلم أن المنهج الإخواني والمنهج التبليغي منهجين خاطئين يشتملان على ضلال فحسن البناء حاضر في مشهد السيدة زينب وكان يرى من يتطوفون بالقبور ولم يعرف أنه نهى عن ذلك في موقف من مواقفه ولا خطبة من خطبه بل وقع الشرك منه حين قال هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا وسامح الكل فيما قد مضى وجرى أي أن رسول الله ﷺ حضر معهم حفل المولد وسامحهم وغفر ذنوبهم وهذا شرك أكبر. أما جماعة التبليغ فمسجدهم الذي انطلقت منه دعوتهم فيه خمسة قبور ومؤسس ذلك المنهج محمد إلياس كان قبورياً وكان يجاور عند القبور يلتمس بركتها والله الشاهد أني لا أريد الوقوع في عرض أحد ولا الكلام في أحد إلا أن يكون في ذلك مصلحة للدين ونصح للمسلمين ولم يلجئني على الكلام في هؤلاء إلا بيان الحق لمن يعتقدون فيهم الإمامة والصلاح رابعاً:يؤخذ منه أيضاً بطلان الصلاة في المسجد الذي بني على قبر كما سيأتي في الحديث بعد هذا . خامساً:يؤخذ منه تحريم الصور وذلك يؤخذ من قوله بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور . وقد اختلف أهل العلم في جواز تصوير ما لا ظل له بعد اتفاقهم على تحريم الصور التي لها ظل فذهب قوم إلى تحريم ذلك مطلقاً وذهب قوم إلى جوازه مطلقاً وذهب قوم إلى أن التحريم يتعلق بما إذا كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل وإن قطع الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز ذلك قال وهذا هو الأصح حكى ذلك الصنعاني عن الحافظ ابن حجر . والقول الرابع إن كان فيما يمتهن جاز وإن كان معلقأ حرم . أهـ . قلت : هناك فرق بين التصوير الذي هو الفعل وبين الاستعمال فأما التصوير فيحرم كله على القول الأصح إلا فيما يعمله الآدمي كالسيوف والخناجر والبيوت والسيارات وكل ما يعمله بنوا آدم من الآلات وغيرها . وقد اختلف السلف فيما لا روح فيه من المخلوقات كالشجر وما أشبه ذلك فذهب قوم إلى جواز تصوير الشجر وغيره مما لا روح فيه وممن قال ذلك ابن عباس فقد ورد أنه استفتاه شخص وقال إنه لا يعيش إلا من التصوير فقال له إن كنت فاعلاً ولابد فعليك بهذا الشجر وما لا روح فيه ورد هذا القول بأنه اجتهاد من ابن عباس وأن الحديث النبوي يدل على منعه كما جاء في الحديث القدسي (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة) فأشار في الذرة إلى ما فيه روح وأشار بالشعيرة إلى ما لا روح فيه . قالوا ونحن لا نصدق بأن الشجر لا روح فيه بل الشجر فيه روح بحسبه وله حياة بحسبه وقد قال الله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمْ الأَْرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) [يس : 33] وهذا قول مجاهد وهو الحق الذي تؤيده الأدلة أن الفعل أي فعل التصوير لا يجوز مطلقاً إلا فيما يعمله بنوا آدم كالأبنية وآلات المراكب المحدثة كالسيارات والطائرات وآلات الحرب المحدثة كالدبابات والمصفحات وما أشبه ذلك وما لم يكن من عمل ابن آدم فلا يجوز تصويره حتى ولو كان مما لا روح فيه وقد أخبر الله عز وجل عن الجماد بأنه يسبح فقال ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) [الإسراء : 44 ] وقال في سورة البقرة ( وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة 74 ] فأخبر أن بعض الحجارة تهبط من خشية الله وذلك دليل على ما فيها من الإحساس الذي خلقه الله عز وجل فيها. أما الاستعمال فهو أيضاً فيه تفصيل فقد نهى النبي ﷺ عن الصور وأمر بطمسها وإزالتها وأخذ على بعض أصحابه ألا يجد صورة إلا طمسها ولا قبراً مشرفاً إلا سواه ففي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال :قال لي علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) وفي لفظ آخر(ولا صورة إلا طمستها) (وجذب قرام عائشة التي كانت قد سترت به سهوتها وفيه صورة ) وهذا يدل على أن الصور التي ليس فيها ظل أنها محرمة أيضاً لأن الصور التي في القرام إنما كانت منقوشة نقشاً وقد استثنى منه جواز الاستعمال ما كان في ثوب يمتهن كالأزر الذي تستر به العورة والصورة إذا كانت في الوسادة أو الفراش فإنها تمتهن وتداس لذلك جاز استعمالها من أجل أنها تهان كذلك أيضاً يستثنى ما قطع رأسه وقطعت أجزاؤه فإنه يجوز استعماله كما دل على ذلك حديث الترمذي ( أن جبريل وعد رسول الله _ أن يأتيه ثم لم يأت وبعد ذلك جاء إليه وأخبره بأنه جاء ومنعه من الدخول أن في البيت كلباً وأن فيه صوراً فأمر بالكلب فأخرج أو قال له فأمر بالكلب فيخرج وأمر بالصور فتقطع رؤوسها حتى تكون كالشجر ) . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [166] الحديث الثاني عشر : عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ في مرضه الذي لم يقم منه :- (( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )). قالت :ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً موضوع الحديث: تحريم بناء المساجد على القبور المفردات قوله في مرضه الذي لم يقم منه : المقصود به المرض الذي توفي فيه ﷺ لعن الله اليهود والنصارى: اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله أو الدعاء على اليهود والنصارى بأن يبعدهم الله ويطردهم من رحمته فهو إما إخبار عن طرد الله إياهم من رحمته وإما دعاء عليهم بذلك . قوله اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد:هذه الجملة تعليل للعن الذي سبقه أي لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد أي جعلوها معابد يتعبدون فيها .قالت ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً الرواية الصحيحة خٌشي بضم الخاء وكسر الشين المعجمة أي خشيت عائشة رضي الله عنها وخشي الصحابة أن يتخذ مسجداً فكان ذلك مانعاً لهم من إبرازه . فقه الحديث أولاً:يؤخذ من هذا الحديث تحريم بناء المساجد على القبور سواء كانت تلك القبور قبور أنبياء أو غيرهم ويستفاد التحريم من لعن النبي ﷺ لمن يفعلون ذلك لأن عملهم هذا ذريعة إلى الشرك بالله فلذلك كانوا ملعونين بفعل هذه الذريعة. ثانياً: قرر أهل العلم أن المسجد إذا أحدث على القبر وجب هدم المسجد وإذا جعل القبر في المسجد وجب إخراج رفات القبر من المسجد ثالثاً:بناء المساجد على القبور بدعة محرمة وليست شركاً بذاتها ولكن لكونه يكون ذريعة إلى الشرك فلذلك حرم من أجل ما يتوصل به إليه رابعاً: يؤخذ منه تحريم الصلاة في المسجد الذي بني على القبر أو جٌعل فيه قبر وهذا يؤدي إلى بطلان الصلاة في ذلك المسجد سواء كان القبر سابقاً على المسجد أو وضع فيه بعد بناءه وسواء كان القبر في قبلة المسجد أو في غيرها ولعل هذا الحكم هو الأحوط . وذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم الذي يؤدي إلى بطلان الصلاة هو ما إذا كان القبر في قبلة المسجد وإلى هذا مال بعض أهل العلم ولكن الأحوط القول بالبطلان سواء كان القبر في قبلة المسجد أو غيرها لقوله ﷺ (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) خامساً:الأمر المنهي عنه هو الصلاة ذات الركوع والسجود أما صلاة الجنائز فليست مقصودة ولا يمنع منها على القول الصحيح بدليل أن النبي ﷺ صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد وصلى على قبر أم سعد ابن عبادة وهذا يدل على أن صلاة الجنازة ليست داخلة في النهي لأنها ليس فيها ركوع ولا سجود ومن هنا نعلم خطأ من أدخل صلاة الجنازة في النهي وهو ما يظهر من كلام ابن دقيق العيد رحمه الله سادساً:لعن النبي ﷺ لليهود والنصارى بسبب اتخاذهم لقبور أنبيائهم مساجد وذلك لما يؤدي إليه من الشرك الأكبر فكم قد رأى الناس من قبور أنشئت عليها مساجد أو أدخلت في المساجد بعد ما بنيت فصار الناس يتطوفون بها ويصلون إليها ويسألون أصحابها ما لا يسأل إلا من الله عز وجل. سابعاً:لا فرق بين قبر النبي ﷺ وقبر غيره فلقد اهتم النبي ﷺ بهذا الأمر وخاف أن يتخذ قبره عيداً وقال اللهم لا تجعل قبري عيداً اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد خوفاً من أن تقع أمته في الشرك الذي حذر الله منه وأرسل الرسل للتحذير منه . ثامناً:لقد استجاب الله دعاء نبيه ﷺ فألهم القائمين على بناء المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك أن يبنوا على قبره وقبري صاحبيه مثلثاً يمنع من استقباله وجعله مسجداً لذلك يقول ابن القيم فـأجـاب رب العالمين دعـاءه وأحـاطه بثـلاثـة جــدران تاسعاً:أما إدخال قبر النبي ﷺ وصاحبيه المسجد فهذا حصل في عهد الوليد بن عبد الملك وغضب منه خيار التابعين ومنهم سعيد بن المسيب وغيره ولم يكن برضى أهل العلم هذا التصرف إلا أنه لم يكن أحد يستقبل الحجر فلما صارت التوسعة في عهد الأتراك جٌعل ما وراء الحجر داخلاً في المسجد ولكنه بعيد عن القبور جداً وأما إنشاء القبة التي فوق القبر فقد أنشئت في القرن السابع وكذلك أيضاً أنها لم تكن برضا أهل العلم وإنما كانت من فعل قوم بعيدين عن العلم وبعيدين عن الحق والعقيدة الصحيحة وقد حصل ما حصل ومنذ دخلت الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز وبالأحرى استولت على الحرمين وهي دائبة والحمد لله في نشر عقيدة التوحيد ومنع المتمسحين والمتبركين . وقد تبين من هذا العرض أنه لا حجة لأحد في كون القبور أدخلت في جانب المسجد فقد علم أنها لم تكن عن مشورة من أهل العلم وإنما كانت من تصرفات أقوام إلتزامهم بالعقيدة ضعيف وبالله التوفيــق. -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [167] الحديث الثالث عشر: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : (( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية )). موضوع الحديث: تحريم هذه الأفعال عند نزول مصيبة الموت المفردات ضرب الخدود:المقصود منه الذي يحصل عندما يموت الميت فإن كثيراً من النساء يضربن خدودهن ويخمشن وجوههن ويشققن جيوبهن قوله وشق الجيوب :الجيب هو الفتحة التي يدخل منها الرأس فإذا وقعت المصيبة فإن بعض النساء تشق ثوبها حتى تخرج منه وتحثي على رأسها التراب وتصيح وتولول قوله ودعا بدعوى الجاهلية: هو ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من قولهم واجبلاه وا ناصراه واسنداه وما أشبه ذلك. المعنى الإجمالي تبرأ النبي ﷺ ممن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية لأن ذلك تسخط لقضاء الله وقدره فقال ليس منا من ضرب الخدود .............ألخ فقه الحديث أولاً:يؤخذ من هذا الحديث تحريم هذه الخصال التي ذكرت في الحديث من ضرب الخدود وشق الجيوب ونتف الشعور وحثي التراب على الرأس وما إلى ذلك من الأمور التي تنبئٌ عن التسخط بالقدر فالإسلام حرم النياحة وحرم ما شاكلها من هذه الأمور التي تنبئٌ عن التسخط وعدم الرضا بالمقدور بل وعدم الصبر على قضاء الله وقدره . ثانياً: هذه الأعمال من الكبائر هي والنياحة وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم (النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ) . ثالثاً: إنما حرمت هذه الأمور لأنها تسخط لقدر الله عز وجل وعدم رضي به والواجب على المسلم أن يرضى بقدر الله عز وجل وقد قال( ﷺ لابنته حينما أرسلت إليه تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت فقال الرسول ﷺ ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب ) فأمره لها وأمره للمرأة التي مر بها وهي تبكي على القبر فقال لها يا هذه اتق الله واصبري فقالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي فلما قيل لها إنه رسول الله ﷺ ذهبت إلى بيته لتعتذر فلم تجد عند بيته بوابين فقالت يا رسول الله إني لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى هو أمر لجميع أمته . وجاء في الحديث أن الملائكة تؤمن على ما يقوله أهل الميت عند الموت أي من خير أو شر وعلى هذا فالأولى بالإنسان الرضا فإن لم يكن الرضا فالصبر فالصابر موعود بالأجر والعوض من المصيبة أما المتسخط والداعي بدعوى الجاهلية فإنه لا يرد من قدر الله شيئاً فإن قدر الله نافذ على رغم أنفه وعلى ذلك فهو يحرم من أجر المصيبة الموعودة للصابرين. وفي الحديث ( قال إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد) فهذا ثواب الصابرين وذاك عقاب المتسخطين وعلى العبد المسلم أن يسأل الله عز وجل التوفيق لما فيه الخير والسداد وألا يفوت على نفسه ثواب المصيبة بعد أن أصيب بها فيجمع على نفسه مصيبتين. -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [168] الحديث الرابع عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول ﷺ (( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان )) قيل : وما القيراطان ؟ قال : (( مثل الجبلين العظيمين )) . ولمسلم (( أصغرهما مثل أحد )). موضوع الحديث : فضل اتباع الجنازة المفردات من شهد الجنازة:أي حضرها والجنازة هي جثة الميت المنقولة إلى القبر وقد تقدم ذلك في أول كتاب الجنائز. قوله حتى تدفن : الدفن يكون بتسوية التراب عليها . القيراطان : جزءان من الأجر الله أعلم بهما لكن ورد في الحديث أنهما مثل الجبلين العظيمين وهذا يدل على أن أمور الآخرة في الثواب والعقاب فوق ما يتصور الإنسان من أمور الدنيا ومثل ذلك قوله ﷺ : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) وذكر في بعض الروايات أربعين خريفاً . المعنى الإجمالي المعنى الإجمالي في هذا الحديث الترغيب في متابعة الجنازة أي جنازة المسلم حتى يصلى عليها وحتى تدفن لما فيه من الأجر العظيم . فقه الحديث أولاً:يؤخذ من هذا الحديث أن من تبع الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط واحد ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان وهما جزءان من الأجر وقد مثل بالجبلين العظيمين . ثانياً: أن هذا الأجر حاصل لمن تبع الجنازة إيماناً واحتساباً ليس إلا أما من تبعها مجاملة لأهلها فهذا لا يدرى هل يحصل له الأجر أم لا ؟ . ثالثاً: المعروف الآن أن الناس يحشدون في جنائز الأشراف والكبراء دون غيرهم من الفقراء وخاملي الذكر وهذا أمر لا ينبغي بل ينبغي أن يكون اتباع الجنازة مقصود به الاحتساب وحصول الأجر الموعود ونعوذ بالله من نزغات الشيطان ونزوات الإنسان ونسأل الله أن تكون أعمالنا خالصة لوجهه مقصوداً بها ما عنده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - كتــاب الــزكـــاة تعريف الزكاة هي الحق المفروض في المال المعين من الشارع الواجب إعطاءه عند تعلق الوجوب ومعناها يأخذ شيئين : النماء الذي هو الزيادة والطهرة التي هي التطهير من دنس المعاصي والله سبحانه وتعالى يقول (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة : 103 ] ويقـول( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) )[ الشمس : 9 ] أي طهرها من المعاصي (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس : 10 ] أي دنّسها بها . فالزكاة بمعنى النماء قد اعترض عليه بقول القائل إني حينما يكون عندي ألف ريال (1000) ريال فأتصدق منها بخمسة وعشرين ريال (25) ريال فإنها تكون قد نقصت فكيف يقال أنها بمعنى النماء وأقول إن إخبار الشارع ﷺ بأمر لا يتخلف إلا عند تخلف سببه أو وجود مانع من موانعه ولا شك أن الصدقة سبب في زيادة المال إذا كانت على الوجه المطلوب شرعاً فالله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالإنفاق إنفاقاً باعتدال ونهانا عن التبذير فإن نحن أنفقنا على الوجه المشروع قاصدين بذلك وجه الله عز وجل فإننا قد عملنا السبب الذي به يزيد المال حساً ومعنى وإن نحن منعنا ذلك فإنا قد عملنا السبب الذي يوجب التلف ونقص المال وصدق رسول الله ﷺ إذ يقول ( ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا … ) فأخبر النبي ﷺ أن المال المتصدق منه يجعل الله فيه البركة فينمو ويزيد وأن المال الذي لا تؤدى زكاته يوجب الله فيه المحق ويسلط عليه الآفات ويسلط على صاحبه المصائب التي تجتاح ماله نسأل الله العفو والعافية . هذا في الزيادة الدنيوية أما في الزيادة الأخروية فهي قد أخبر عنها الشارع أيضاً بقوله ﷺ (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوّه حتى تكون مثل الجبل ) هذا لفظ البخاري رقم 1410 وقد تبين من هذا أن معنى النماء الذي دل عليه اسم الزكاة حاصل فيها إذا كان صاحبها قد أنفق على الوجه المشروع مبتغياً بذلك وجه الله تعالى . أما كونها طهرة فهو يلاحظ من جهتين من جهة تطهيرها للمال الباقي بعد الزكاة يبقى حلالاً طيباً نقياً ومن ناحية أخرى فهي تطهر معطيها تطهره من رذيلة البخل التي ذم الله بها أقواماً وتجعله في صفوف الباذلين المتصدقين لله رب العالمين وقد اتضح ما يتعلق بهذا الاسم من المعاني والحمد لله وضوحاً بدون تعقيد . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [169] الحديث الأول : عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : (( إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فاخبرهم : أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فاخبرهم : أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )). موضوع الحديث : أصول الدعوة وبيان البدأ بالأهم فالمهم المفردات قوله لمعاذ بن جبل : أقول معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن مشهور من أعيان الصحابة شهد بدراً وما بعدها وكان إليه المنتهى في الأحكام والقرآن مات بالشام سنة ثماني عشرة تقريب ترجمة 6771 قوله حين بعثه إلى اليمن : اختلف في وقت بعثه إلى اليمن ولعله بعد الفتح وقال بعض أهل العلم هو بعد غزوة تبوك وقيل بعد حجة الوداع والصحيح أنه قبل ذلك . إنك ستأتي قوماً أهل كتاب : إخبار النبي ﷺ لمعاذ بهذا من أجل أن يأخذ أهبته لمناظرتهم . قال فإذا جئتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله : هذا يدل على أن هاتين الشهادتين هي أول ما يدعى إليه فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم إلى أن قال فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم . الكرائم : جمع كريمه وهي الطيبة المحبوبة من المال ذات اللبن من الماشية . قوله واتق دعوة المظلوم : أي اجتنب أسبابها في ترك الظلم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب . المعنى الإجمالي أرسل النبي ﷺ معاذ بن جبل إلى جهة من اليمن وهي جهة خولان وصنعاء وتعز إلى عدن كما أرسل أبا موسى على الناحية الغربية المحاذية للبحر وقد أوصى معاذ بن جبل بأن يستعد لدعوه أهل الكتاب فإن دعوتهم تحتاج إلى استعداد وأمره أن يبدأ بالشهادتين ثم الصلاة ثم الزكاة ونهاه عن أخذ كرائم الأموال لأن أخذها نوع من الظلم والمظلوم له عند الله دعوة مستجابة وأن دعوته تخرق الحجب لذلك فإنها ينبغي أن تتقى وبالله التوفيق . فقه الحديث أولاً :يؤخذ منه عناية الإمام بالدعوة إلى الله تعالى وإرسال الدعاة ولا يختص ذلك بإلإرسال إلى القوم الكفار بل يجب إرسال الدعاة إلى المجتمعات التي يكثر فيها الجهل والظلم وعدم التقيد بالأحكام الإسلامية حتى ولو كانوا مسلمين في الاسم والهوية . ثانياً: وصية الإمام لمن أرسله للدعوة إلى الله وأن ينبهه لما يجب الاستعداد له لقوله ( إنك ستأتي قوماً أهل كتاب ) ثالثاً:الوصية بتقديم الأهم على المهم وهذا عام في الدعوة بأن يقدم فيها الأهم وهي العقائد التي لا يصح إسلام العبد إلا بها كتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وتعريف ما يناقض الشهادتين . رابعاً :أن أهم شيء ينبغي أن يدعى إليه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهذه الشهادة لا تقبل من قائلها إلا أن يكفر بما يعبد من دون الله من الطواغيت فإن قالها وهو يعبد مع الله غيره لم تنفعه ولو قالها في اليوم مائة ألف مرة خامساً:لا بد أن يعرف الداعي معنى لا إله إلا الله وهو النفي والإثبات ويعلمها المدعوين ليمتثلوها ظاهراً وباطناً والله سبحانه وتعالى يقول ( إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [الزخرف : 86 ] ومن العلم بمعناها معرفة شروطها السبعة التي ذكرها أهل العلم . سادساً: مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله الإذعان لأمره ونهيه وتصديق خبره والإيمان بما أخبر عنه من المغيبات الماضية والآتية وإنها حق وصدق ليست ألغازاً ولا تورية ولا أموراً وهمية وأن يبتعد المكلف عن التأويلات التي يرد بها خبر الرسول _ والله سبحانه وتعالى يقول (…. وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء : 135] سابعاً : يؤخذ من قوله فإن هم أطاعوا لك بذلك أنه لا يدعى للصلاة إلا من أذعن للشهادتين وقام بما تقتضيه كل واحدة منهما . ثامناً :يؤخذ منه فرضية الصلوات الخمس في كل يوم وليلة . تاسعاً : يؤخذ من حصرها بخمس أنه ليس هناك فرض في الصلاة غيرها أما أن يكون هناك واجب من الصلوات فالظاهر أنها لا تنفيه والفرق بين الفرض والواجب أن الفرض هو ما لا يتم الإسلام إلا بفعله والواجب ما يأثم تاركه وإسلامه باق على حاله أي أن تركه لا يناقض الإسلام مثل الوتر عند الحنفية وتحية المسجد عند قوم وهو الصحيح للأمر بها وقت المنع . وصلاة العيدين عند من يرى أنها فرض كفاية عاشراً: أنه يجب على من أذعن للصلوات الخمس أن يأتي بها على ما شرعها الله من وقت وأعداد ركعات وتكبير وهيئات وتقدم شروط كالطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ومن النجاسات وطهارة البقعة والثوب . الحادي عشر :قد صح أن ترك الصلاة كفر من حديث أنس وبريدة وصح عن عبدالله بن شقيق ( أن أصحاب النبي ﷺ كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ) وعلى هذا فإن من ترك الصلاة بالكلية كفر كفراً مخرجاً من الملة يستتاب فإن تاب وإلا قتل ولا يعاد إذا مرض ولا تتبع جنازته إذا مات ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه وارثه المصلي ولا يرث هو من مورثه المصلي . الثاني عشر: يؤخذ من قوله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم إن الزكاة لا يدعى إليها ولا تطلب إلا ممّن أذعن للصلاة وعمل بها وقد جاءت النصوص في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مرتبة للزكاة على الصلاة كقوله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : 5] الثالث عشر:إن الزكاة مبينة بينتها السنة وهي في 1- النقدين وما عمل منهما كالحلي بواقع ربع العشر ويلحق بذلك عروض التجارة 2- وفي ما أخرجت الأرض من الثمار المقتاتة المدخرة بواقع العشر إذا سقيت بماء السماء وبواقع نصف العشر إذا سقيت بالآلات 3- زكاة بهيمة الأنعام وهي مبينة في كتب الفقه وسيأتي بيان بعضها. فهذه ثلاثة أشياء تجب فيها الزكاة . الرابع عشر: إن الصدقة المعينة من الشارع تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء . الخامس عشر: كل من أخذت منه الزكاة فهو غني فلا يعطى منها وهذا قول جمهور العلماء لظاهـر الأدلة ومنها هذا الحديث ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وقال قوم إن ذلك لا يمنع من إعطاء الزكاة لمن يكون ما عنده لا يفي بحاجته وهو ما يسمى بالمسكين الذي ليس عنده غناً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولعل هذا الأخير هو الأرجح . وذلك يكون بالنظر إلى حال من وجبت عليه زكاة قليلة وكان ماله المزكى لا يفي بحاجته والله أعلم . السادس عشر :هل الضمير في أغنيائهم وفقرائهم يعود على كل جماعة بعينها أو يعود على عموم المسلمين فمن قال أن الضمير يعود على عموم المسلمين أجاز نقل الزكاة ومن قال أن الضمير يعود على أهل بلدة بعينها منع من نقل الزكاة إلا بعد استغناء فقراء ذلك البلد . السابع عشر:يؤخذ من قوله فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم إن كريمة المال ممنوعة في الصدقة إلا أن يشاء المتصدق المعطي . وكريمة المال هي التي يحرزها صاحب المال وينظر إليها نظرة إعجاب وهي الفاخرة من ماله كالحلوبة والحامل والربى وهي المرباة وفحل الغنم وما أشبه ذلك . الثامن عشر:إذا كان أخذ الكرائم في الزكاة محرم فإن في ذلك دليل على بطلان ما يزعمه أهل الإشتركية من أخذ بعض الأموال الزائدة عن حاجة صاحبها والله سبحانه وتعالى يقول (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : 188 ] والنبي ﷺ قال في خطبته في حجة الوداع (... إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا….. التاسع عشر: يؤخذ منه أن الزكاة مصرفها هو بيت مال المسلمين وقابضها ومتوليها والناظر فيها هو إمام المسلمين فلا يجوز أن توزع من دون إذنه فمن فعل ذلك ضمن أي بأن يضمنها لبيت مال المسلمين إلا الزكاة السرية أي زكاة المال السري وهي النقود التي لا يعلمها أحد ولكن إذا كانت مودعة في البنوك أو الشركات التجارية فإن الزكاة فيها تلزم لبيت مال المسلمين لأنها خرجت من السر إلى العلن فكانت كسائر الزكوات . العشرون :يؤخذ من قوله واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب يؤخذ من هذا النص أن الظلم موجب لاستجابة دعوة صاحبه ولو كان فاجراً أو كافراً وقد جاء في الحديث أن دعوة المظلوم تخرق الحجب فينبغي للمسلم أن يتجنبها وأن لا يكون متسبباً في دعوة المظلوم عليه لأنه إذا فعل ذلك فقد أساء إلى نفسه واستوجب غضب ربه وفي الحديث ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [170] الحديث الثاني من أحاديث الزكاة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال : رسول ﷺ ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة ). موضوع الحديث : بيان أنصبة ما ذكر فيه وأنه لا زكاة فيما دونها . المفردات الأواق :جمع أوقية يقال أوقية بضم الهمزة وكسر القاف وتشديد الياء آخرها تاء مربوطة وكثير من الناس ينطقها بدون همزة وبالأخص العامية وجمع الاوقية أواقي كسرية وسراري وتجمع أيضاً على وقايا والأوقية اسم لعدد من الدراهم وهي أربعون درهماً فالخمس الأواق مائتي درهم وقد كانت الدراهم في عهد النبي ﷺ نوعان بغلية وطبرية فالبغلية نسبة إلى ملك يقال له رأس البغل وهي السود وكل درهم منها ثمانية دوانق والطبرية نسبة إلى طبرية الشام والدرهم منها أربعة دوانق فلما كان عهد عبد الملك جمع العلماء وضرب دراهم إسلامية كل منها ستة دوانق وقد نوزع في هذا بأن النبي ﷺ لم يحل على مجهول ومضمون كلام القائل أن الشارع أحال على مجهول وهو خطأ قلت : الصحيح أن النبي ﷺ أحال على كل شئ بحسبه فالدراهم البغلية تزكى بحسبها لكن يبقى النصاب متردداً بين درهم ثمانية دوانق ودرهم أربعة فإن قلنا بالحيطة للفقراء جعلنا النصاب في مائتي درهم طبرية وإن قلنا بالحيطة لأصحاب الأموال جعلنا النصاب معتبراً بالدراهم البغلية لكن لما جاء عبد الملك وضرب الدراهم الإسلامية المتوسطة اعتبرت هي المقصودة بالنصاب فيكون النصاب مائتي درهم وباعتبار أن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل فيكون نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً أما بالنسبة للجرامات فإن المائتي درهم خمسمائة وخمسة وتسعون جراماً (595) جرام والتحقيق بالدقة أن المائتي درهم تكون بالجرامات خمسمائة جرام وأربعة وتسعون جراماً (594) جراماً أي ستمائة جرام تنقص ستة جرامات . قوله ذود : الذود اسم للواحدة من الإبل إذا كانت فوق ثلاث ودون عشر ويقال أنه لا واحداً له من لفظه أما الخمسة أوسق فهي جمع وسق والوسق ستون صاعاً نبوياً فالخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي والصاع النبوي أربعة أمداد والمد ما أقله رجل متوسط بكفيه . قلت : لعل هذا التعريف بالمد أعتبر في ذلك الزمان فلعل المتوسط الحجم من الرجال في ذلك الزمن يساوي الكبير الجسم في هذا الزمن ولأهل العلم كلام في مقدار المد لعله أدق لا نطيل فيه فليرجع إليه في كتاب الإيضاح والتبيان بمعرفة المكيال والميزان لابن الرفعة وتحقيق محمد الخاروق دكتور في جامعة أم القرى والثلاثمائة الصاع النبوي تعدل خمسة وسبعون صاعاً بالصاع المعروف في منطقتنا منطقة جازان وبالله التوفيق . المعنى الإجمالي أخبر النبي ﷺ أمته في هذا الحديث حديث أبي سعيد أنه لا زكاة في ما دون خمس ذود من الإبل ولا زكاة فيما دون خمس أواق من الورق أي الفضة ولا زكاة فيما دون خمسة أوسق من الحبوب وهذه رحمة من الله بعباده يجب أن يعرفوا مقدار ما للشرع من حكم فيكون ذلك سبباً لزيادة الإيمان وبالله التوفيق . فقه الحديث أولاً: أنه لا زكاة فيما دون ما ذكر من الإبل والورق والحبوب واختلف أهل العلم فيما إذا كان النقص يسيراً هل يجبر وتجب الزكاة فذهب مالك إلى أن النقص البسيط لا يعتبر مانعاًَ من وجوب الزكاة وذهب البعض الآخر إلى أن النقص يمنع الوجوب سواء كان قليلاً أو كثيراً . ثانياً: علم من قوله ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) أن الصدقة في الفضة وعروض التجارة تجب في مائتي درهم فما فوقها بشرط أن يحول عليها الحول فلا تنقص في مدة الحول عن النصاب فإن نقصت في أثناء الحول ثم جبرت في آخره لم تجب الزكاة في ذلك وإنما تعتبر من الوقت الذي جبرت فيه فيبدأ الحول من حين حصل الجبر . ثالثاً : نصاب الورق مائتي درهم أما الزكاة التي تجب في المائتين فهي ربع العشر أي في كل مائتين خمسة دراهم وما زاد فهو بحسابه والمائتي درهم هي خمسون ريالاً بالريال السعودي لأن الريال السعودي أربعة دراهم رابعاً : لم يذكر في هذا الحديث نصاب الذهب وقد قال بعض أهل العلم أن نصاب الذهب ليس فيه حديث صحيح وممن قال هذا ابن عبد البر وتبعه في ذلك جماعة من أهل العلم إلا أن ابن عبد البر نفسه قد نقل الإجماع على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً إلا ما روي عن الحسن البصري والزهري أنه أربعون مثقالاً وهو قول شاذ لا يعتد به وقد أخرج أبو داود صحيفة عمرو بن حزم من طريق حفيده أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وفيها بيان أنصبة الزكاة وبين فيها نصاب الذهب بإسناد لا مطعن فيه وأقره المنذري قلت : تتعاضد الأحاديث الواردة في ذلك على شئ من الضعف بها مع الإجماع الحاصل على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً وقد بين في كتاب الإيضاح والتبيان أن المثقال زنته بالدقة أربعة جرامات وثلاثة وعشرون بالمائة من الجرام . خامساً : وقد جبر ذلك بزيادة اثنين في المائة فصار المثقال أربعة جرامات وربع وعلى هذا فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانون جراماً بضرب أربعة وربع في عشرين مثقال وإذا قلنا بالدقة فإنه ينقص أربعين بالمائة من الخامس والثمانين وذلك اعتباراً بالذهب الخالص أما إذا كان الذهب مخلوطاً بشيء كعيار واحد وعشرين الذي يكون الخلط فيه بنسبة الثمن فإن النصاب فيه يكون ستة وتسعين جراماً تقريباً أما إذا كان الذهب من عيار ثمانية عشر فيزاد ربع الكمية ، وربعها واحد وعشرون جراماً وخمسة عشر بالمائة من الجرام الثاني والعشرون يضاف على أربعة وثمانين وستين بالمائة يكون بالدقة مائة وخمسة جرامات وخمسة وسبعين بالمائة فيقال عيار واحد وعشرين نصابه ستة وتسعون جراماً من الذهب المخلط وعيار ثمانية عشر نصابه مائة وستة جرامات من الذهب المخلط فإنه حينئذ بهذه المقادير يكون في كل منهما الذهب الصافي خمسة وثمانون جراماً وذلك هو النصاب الذي تجب فيه الزكاة بشرط أن لا ينقص أثناء الحول وبالله التوفيق. فائدة : اختلف أهل العلم في الحلي الملبوس سواء كان من الذهب أو الفضة هل تجب فيه الزكاة أم لا فذهب الجمهور من الصحابة فمن بعدهم إلى أن الذهب الملبوس لا زكاة فيه قياساً على البقر العوامل وإلى ذلك ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وذهب قوم إلى وجوب الزكاة في الحلي سواء كان ملبوساً أو غير ملبوس منهم جماعة من الصحابة وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة وبعض أهل العلم في زماننا هذا منهم الشيخ عبد العزيز بن باز وابن عثيمين وهذا هو القول الصحيح فيما أرى وأدين الله به لأنه قد صحت به ثلاثة أحاديث أحدها حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما في المرأة اليمنية التي أتت إلى النبي ﷺ ( وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال أتؤدين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار قال فخلعتهما فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هما لله ولرسوله ﷺ وقد صح في ذلك حديثان آخران حديث عن أم سلمة وحديث عن عائشة رضي الله عنهما وكل هذه الأحاديث تفيد وجوب الزكاة في الحلي الملبوس سواءً كان ذهباً أو فضة وقد صححها الألباني في صحيح سنن أبي داود باب الكنز ما هو وزكاة الحلي رقم ( 1382و1383 و1384 ) . أما الاستدلال بالآية الكريمة ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) [الزخرف : 18 ] على عدم وجوب الزكاة في الحلي الملبوس فهو استدلال في غير محله إذ أن الامتنان بذلك لا يمنع وجوب الزكاة في الحلي والله تعالى أعلم . قوله : (ولا فيما دون خمس ذود صدقة ) تفيد هذه الجملة أن أقل نصاب من الإبل تجب فيه الصدقة هو خمس من الإبل وما دونها فليس فيه شئ فإذا بلغت خمساً ففيها شاة إلى تسع فإذا بلغت عشراً ففيها شاتان فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض أي ما أكملت سنة وطعنت في الثانية ( أو ابن لبون ) إلى خمس وثلاثين فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون وهي ما أكملت سنتان وطعنت في الثالثة إلى خمس وأربعين فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل وهي ما أكملت ثلاث سنين وطعنت في الرابعة إلى أن تبلغ ستين ، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة وهي ما أكملت أربع سنين وطعنت في الخامسة إلى أن تبلغ خمساً وسبعين ، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين ، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان ، (إلى مائة وعشرين فإذا زادت ففي كل اربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ) . قوله : ( ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة ) تقدم توضيح الوسق لغة ومقداره ، والخمسة الأوسق هي ثلاثمائة صاع نبوي ، وخمسة وسبعون بالمكيال المحلي الذي يمثل الصاع منه أربعة آصع بالصاع النبوي ، وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كانت الحبوب دون خمسة أوسق بشيء قليل هل يجبر هذا القليل وتجب الزكاة هذا محل نظر وخلاف بين أهل العلم والأظهر أن الزكاة لا تجب إلا إذا بلغت الحبوب هذه الكمية ثم أن الواجب هو العشر فيما سقت السماء ، ونصف العشر فيما سقي بمؤنة كالنضح على الإبل سابقاً وكالآبار الارتوازية التي تروى منها الأراضي الزراعية بواسطة الضخ بالمكائن ، ثم اختلفوا في الأنواع التي تجب فيها الزكاة فذهب الجمهور إلى أن الزكاة تجب في كل مدخر ومقتات من الحبوب كالبر والشعير والتمر والزبيب وهذه الأربعة الأنواع هي المذكورة في الأحاديث وما عدا ذلك من الحبوب المدخرة والمقتاتة كالأرز والذرة والدخن والكناب وما أشبه ذلك فإن كان مدخراً ولم يكن مقتاتاً إلا في حالة الضرورة كالقطنيات فهذه فيها خلاف ضعيف وقد ذهبت الظاهرية إلى أن الزكاة لا تجب إلا في الأربعة المذكورة في الحديث وهي البر والشعير والتمر والزبيب وفي مقابل ذلك ذهب أبو حنيفة إلى وجوب الزكاة في كل ما يقصد من زراعته نماء الأرض من الثمار والرياحين والخضراوات إلا الحطب والقصب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر وذهبت الهادوية إلى وجوب الزكاة في الخضراوات والقصب وكل ما أخرجت الأرض إلا أنهم خالفوا أبا حنيفة فاعتبروا الأوسق فيما يكال عملا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه واعتبروا نصاب الورق في الخضراوات وما أشبهها فجعلوا الزكاة فيما لم يكن معتبراً بالقيمة فإذا بلغت قيمته مائتي درهم وجبت فيه الزكاة والذي يظهر لي أن مذهب الجمهور هو الصحيح وهو أن الزكاة واجبة في كل ثمر يقتات ويدخر وما عدا ذلك فقد ورد فيه العفو من الشارع ﷺ وفي ذلك حديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [171] الحديث الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة )) . وفي لفظ (( إلا زكاة الفطر في الرقيق )). موضوع الحديث : عدم وجوب الزكاة في العبيد والخيل أي في أعيانهم بخلاف ما إذا كان شئ من ذلك للتجارة . المفردات ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة :أي ليس فيها زكاة والمقصود بالصدقة هنا الزكاة المفروضة . قوله إلا زكاة الفطر في الرقيق : وهم العبيد المعنى الإجمالي شرع الله يسر وقد نفى الله عز وجل الحرج فيه كما قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا …)الآية [الحج : 78 ] . ومن عدم الحرج في الإسلام أن الله سبحانه وتعالى عفا عن الزكاة فيما يحتاجه العبد من الضروريات كالعبد المستخدم في الخدمة لسيده والفرس المركوب والبقر العوامل ومنيحة البيت والمرباة للأكل كل هذه معفو عنها فلا تجب فيها الزكاة اللهم إلا ما اشترى عرضاً للتجارة وكان المقصود منه استحصال الربح فيه وبالله التوفيق . فقه الحديث قال ابن دقيق العيد الجمهور على عدم وجوب الزكاة في عين الخيل واحترزنا بقولنا في عين الخيل عن وجوبها في قيمتها إذا كانت للتجارة . قوله الجمهور على عدم وجوب الزكاة في عين الخيل يفهم من هذا أن هناك خلاف في وجوبها في عين الخيل والخلاف لأبي حنيفة كما ذكره في قوله وأوجب أبو حنيفة في الخيل الزكاة وحاصل مذهبه أنه إذا اجتمع الذكور والإناث وجبت الزكاة فيها عنده قولاً واحداً وإن انفردت الذكور أو الإناث فعنه في ذلك روايتان من حيث أن النماء بالنسل لا يحصل إلا باجتماع الذكور والإناث وإذا وجبت فهو مخير بين أن يخرج عن كل فرس دينار أو يقوم يعني يُثَمّن الخيل ويخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم . قلت : قول أبي حنيفة هذا مصادم للنص الشرعي في عدم وجوب الزكاة في الخيل إذا كانت للقنية كما أنه قد عفا عما دون أربعين من الغنم وعما دون خمس من الإبل وعما دون عشرين من البقر وعفا عن العوامل وهي البقر التي يحرث عليها فكذلك عفا الشارع عن الخيل فإذا كان النبي ﷺ يقول ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة فكيف يقال أن عليه في فرسه صدقة ولعل أبا حنيفة كان معذوراً لعدم بلوغ الحديث إليه أو لأنه فهم من الحديث أن العفو عما كان مركوباً لصاحبه من الخيل وما كان مستخدماً لسيده من العبيد ولكن قول النبي ﷺ مقدم على كل رأي . قول الشارح رحمه الله تعالى واحترزنا بقولنا لعين الخيل عن وجوبها في قيمتها إذا كانت للتجارة ثم قال وقد استدل الظاهرية بهذا الحديث على عدم وجوب زكاة التجارة وقيل أنه قول للشافعي في القديم من حيث الحديث يقتضي عدم الزكاة الخيل والعبيد مطلقاً ويجيب الجمهور عن استدلاله بوجهين . قلت : المقصود من هذا أن الجمهور يجيبون عن استدلال الظاهرية في هذا الحديث على عدم وجوب زكاة العروض بوجهين ثم قال أحدهما القول بالموجب وأن زكاة التجارة متعلقها القيمة لا العين فالحديث يدل على عدم التعلق بالعين . قلت : يعني أن الشارع عفا عن الزكاة في عين الخيل إذا كانت للقنية فإن اشتريت الخيل أو العبيد للتجارة بأن كان المقصود بها البيع لتحصيل الربح فإن الزكاة تكون متعلقة بالقيمة لا بالعين فإن نوى المشتري للخيل التجارة ثم بعد ذلك حول نيته إلى القنية سقطت الزكاة لتحول النية عنها . قال والثاني أن الحديث عام في العبيد والخيل فإذا أقام الدليل على عدم وجوب زكاة التجارة كان هذا الدليل أخص من ذلك العام من كل وجه فيقدم عليه إن لم يكن فيه عموم من وجه إلى آخره وأقول : إن قول المؤلف هذا يقصد به أن الدليل الخاص على عدم وجوب الزكاة في التجارة مقدم على الدليل العام وهو كذلك وإذا نظرنا في الأدلة على وجوب الزكاة في التجارة نجد أن فيها ما هو مفهوم ومنها ما هو منطوق فمن المفهوم قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَْرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) [البقرة : 267 ] قال مجاهد نزلت في التجارة . قلت : الكسب يعم التجارة وغيرها فلو كسب الإنسان مالاً من أجره أو تجارة أو حرث أو غير ذلك ثم بقي عنده حولاً وكان المال يبلغ نصاباً وجبت فيه الزكاة وعلى هذا فإن الآية عامة في الكسب إلا أن تفسير مجاهد يجعل الكسب في التجارة داخل في عمومها . ثانياً :الأدلة الصريحة منها ما هو ضعيف ومنها ما هو مقارب فالحديث الذي رواه الحاكم أن النبي ﷺ قال : (في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته ) والبز بالباء والزاي المعجمة ما يبيعه البزازون كذا ضبطه الدارقطني والبيهقي . قال ابن عبد البر وروي والبر بضم الباء والراء المهملة وفي البر صدقته وعلى هذا فالدليل لا يكون صالحاً للاستدلال على عروض التجارة إلا إذا كان الراجح هو اللفظ الأول . وفي سنن أبى داود عن سمرة أن النبي ﷺ (كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع ) إلا أن الحديث ضعيف ضعفه الألباني وغيره وهناك حديث عن عبدالله بن عمر وعائشة وهو ضعيف أيضاً. وأخرج الشافعي وأحمد وعبد الرزاق والدارقطني عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه أنه قال ( كنت أبيع الأدم فمر بي عمر بن الخطاب فقال لي أدّ صدقة مالك فقلت يا أمير المؤمنين إنما هو في الأدم قال قوّمه وأخرج صدقته ). قلت : حديث حماس أخرجه أبو عبيد بن القاسم بن سلاّم في كتاب الأموال ( أن عمر قوّم بضاعته التي كانت معه فجاءت قيمتها عشرون ديناراّ فأخذ منه نصف دينار صدقة عنها ) وهذا الأثر صحيح وروى البيهقي عن ابن عمر قال ( ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة ) قال ابن المنذر الإجماع قائم على وجوب الزكاة في مال التجارة وممن قال بوجوبها الفقهاء السبعة قال لكن لا يكفر جاحدها للاختلاف فيها . قلت : إثباته للاختلاف دال على عدم صحة الإجماع إلا أن يقال أن الخلاف للظاهرية ولم يعتد ابن المنذر بقولهم فالله تعالى أعلم والمهم أن جماهير أهل العلم أطبقوا على وجوب الزكاة في عروض التجارة وإن كانت الأحاديث المرفوعة التي تدل على وجوبها فيها لا تخلوا من مقال واحتمال مع قلتها ولكن هناك آثار صحيحة تسندها مع مفهوم الآية ولذلك فإن ما ذهب إليه الجماهير هو الحق إن شاء الله ويبقى معنا الكلام على وجوب زكاة الفطر في الرقيق كما في الرواية الثانية وقد حقق الصنعاني في العدة أن هذه الرواية ليست في الصحيحين وإنما هي من إفراد مسلم والجمهور على أن زكاة الفطر المتعلقة بأعيان العبيد متجهة على أسيادهم الذين يستغلونهم في الخدمة . وقال قوم أن الزكاة عليهم أي على العبيد وعلى السيد إن لم يؤد الزكاة عن عبيده بأن يمكنهم من الكسب من أجل أدائها وحكي هذا القول عن مالك قال الصنعاني وحكاه القاضي عن أبي ثور قلت : القول بوجوبها على الأسياد هذا هو القول الصحيح كما أنه يجب على صاحب البيت ومعيل العائلة زكاة الفطر عن نسائه وأولاده كما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ( فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ). وقد تبين أن وجوب الزكاة أي زكاة الفطر التي تتعلق بأعيان العبيد أنها على أسيادهم وبالله التوفيق -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله- [172] الحديث الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ((العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس )). موضوع الحديث : إسقاط المؤاخذة بما جنته العجماء من بعضها على بعض وكذلك لو سقطت بئر على حافرها أو بانيها وكذلك لو سقط المعدن على من يشتغل فيه فإنها كلها لا دية فيها ولا جناية مأخوذة على صاحبها . المفردات العجماء : هي الدابة المستعملة من ذوات الأربع التي أباح الله لحمها ولبنها أو أباح ركوبها والحمل عليها قوله جبار : أي هدر لا شئ فيما جنته . والبئر : هي التي تحفر لأخذ الماء منها وهي جبار لو سقطت على حافرها أو بانيها أو سقط فيها أحد فإنه لا دية فيها ولا جناية إلا أن يكون الحافر متسبباً لذلك وكذلك المعدن إذا سقط على من يشتغل فيه الركاز :هو المال المركوز في الأرض من دفن الجاهلية . قوله في الركاز الخمس :أي إذا وجد ذلك في الأرض ليست لأحد ولا عليها ملك . المعنى الإجمالي شرع الله عز وجل أن ما جرحته العجماء التي لا سيطرة عليها لأحد وما حصل في البئر من شئ من غير سبب أو المعدن بغير سبب مالكه فإنه عفو من الله عز وجل لا شئ فيه ولا ضمان وأنه إذا وجد مال مدفون في الأرض من دفن الجاهلية فإن فيه الخمس وهذه الأحكام شرعها الله عز وجل لما فيها من المصلحة والعدل . فقه الحديث أولاً : يؤخذ من هذا الحديث أن ما جرحته العجماء من بعضها على بعض فإنه يعتبر هدراً لأنه ليس لصاحبها سيطرة عليها وهل هذا خاص بجنايتها على الأبدان فقط أو عام بجنايتها على الأبدان والأموال ثانياً : هل يقيد ذلك بما جرح قال الصنعاني أقول لفظ الجرح ليس في الرواية التي ساقها المصنف وإنما هو ثابت في بعض ألفاظ الصحيحين وفي بعضه العجماء جبار جرحها وفي لفظ البخاري جبار قال عياض والنووي وآخرون ليس ذكر الجرح في هذه الرواية قيداً وإنما المراد إتلافها بأي وجه كان سواء حصل بجرح أو غيره . ثالثاً:قال ابن دقيق العيد وأما جناياتها على الأموال فقد فصل في المزارع بين الليل والنهار وأوجب على المالك ضمان ما أتلفته بالليل دون النهار وفي حديث عن النبي ﷺ يقتضي ذلك قلت : قول الله تعالى (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا …. ) الآية [الأنبياء : 78-79] ذكر المفسرون أن النفش هو إفساد الماشية للزرع ليلاً وقد ورد في حديث عن النبي ﷺ أنه أمر على أهل المزارع بحفظها في النهار وعلى أهل المواشي بحفظها بالليل) وهذا الحديث يوافق ما ذكر في الآية على تفسير النفش بأنه إفساد الماشية للمزارع في الليل وعلى هذا فيكون على صاحب الماشية ضمان ما أفسدته ماشيته بالليل دون النهار وفي المسألة خلاف فيما يجب على أهل المزارع حفظه وهو ما كان في فلاةٍ من العادة أن ترسل فيه المواشي بدون راعي أما إذا كانت المزارع منتشرة وكثيرة فعلى صاحب الماشية حفظها وأن يرسلها مع راع يحفظها ويكون مسؤولاً عنها هذا هو الأقرب والله تعالى أعلم. وقد قال النبي ﷺ ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ) أما القصة المشار إليها في الآية فخلاصتها أن رجلاً له عنب أو بستان من عنب والآخر له غنم فذهب الغنم ودخل في بستان العنب فأفسده فتحاكما إلى داود ثم مرّا على سليمان فحكم سليمان أن يأخذ صاحب الغنم البستان ويسقيه ويقوم عليه حتى يعود كما كان ويأخذ صاحب البستان الغنم ليأخذ ما يجئ منه حتى يعود البستان كما كان ويعيد كل منهما ما عنده من حق إلى صاحبه وهو يؤيد ما جاء في حديث البراء أن النبي ﷺ ( قَالَ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَكُلِّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهَا فَقَضَى أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ ) . المسألة الثانية : قوله والبئر جبار أي أن البئر إذا سقطت على حافرها أو على بانيها وإن كان مستأجراً فإن ما حصل فيها لا يضمنه صاحبها إلا أن يكون متسبباً بحفرها في طريق الناس ولم يجعل عليها علامات تمنع من السقوط فيها . المسألة الثالثة : والمعدن جبار المعدن هو ما خلقه الله في الأرض من الخامات النافعة كالذهب والفضة وغير ذلك فإذا سقط على الذي يشتغل فيه فإن ذلك لا ضمان فيه لقوله ﷺ والمعدن جبار وفي هذا الحديث وهذه الفقرة بالذات ردّ على ما قرر في نظام الشركات أن من أصيب وهو يعمل في شركة بأي حادث فيها ترتب عليها إزهاق نفسه أو قطع عضو من أعضائه أن الشركة تكون ضامنة لذلك بالدية فما دونها وهذا الحديث يدل على بطلان هذا النظام والله تعالى أعلم. قوله وفي الركاز الخمس تقدم أن الركاز هو المال الذي يوجد مدفوناً في الأرض من ضرب الجاهلية فمن وجده فعليه فيه الخمس والباقي يكون ملكاً له أما إذا وجد مال من ضرب الإسلام ولا يعرف الذي دفنه فهو يعتبر لقطة والله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء وهل يعرف بهذه اللقطة لمدة سنة الظاهر أنه كذلك أما إن كانت في دار معروف صاحبها وقد مات أو انتقل فهي تعاد إلى ورثته إذا علم أنه كان صاحب مال والمسألة فيها تفصيل عند الفقهاء هذه خلاصته وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [173] الحديث الخامس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول ﷺ عمر رضي الله عنه على الصدقة فقيل : منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ : (( ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله وأما خالد : فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأما العباس : فهي عليّ ومثلها )) ثم قال: (( يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ )). موضوع الحديث : بعث الجابي على الصدقة المفردات ابن جميل : ذكر ابن الأمير في التعليقات المسمى على العدة عن ابن منده أنه قال لا يعرف اسمه وذكره ابن الجوزي فيمن لا يعرف إلا بالنسبة إلى أبيه فقط قال واتفقوا أنه من الأنصار قوله خالد بن الوليد : أي المخزومي الصحابي الجليل صاحب الجهاد العظيم والفتوحات الكثيرة. أما العباس : فهو عم الرسول ﷺ وكما جاء في الحديث أما علمت يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه . قوله ما ينقم : كأن معنى الكلام أنه ليس له شئ ينقمه إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وهذه نعمة من حقها أن تشكر إذاً فلا شئ ينقمه ابن جميل ولكن المنع كان يدل على أنه كان منافقاً ولكن يقال أنه تاب وحسنت توبته . قوله احتبس : أي أوقف أدراعه وأعتاده في سبيل الله جعلها وقفاً على المجاهدين . قوله أما العباس فهي عليّ ومثلها : أي أنها دين على النبي ﷺ باعتبار أن النبي ﷺ احتاج مالاً فأخذ من العباس زكاة عامين مقدماً . قوله أما شعرت : أما علمت وعرفت أن عم الرجل صنو أبيه . الصنو : هو الأخ تشبيهاً بالنخلة التي يكون أصلها واحد ويتفرع منها جذعان قال الله عز وجل (… صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ .. )الآية[الرعد : 4 ] المعنى الإجمالي أرسل النبي ﷺ عمر بن الخطاب متصدقاً أي قابضاً للصدقة فلما رجع إلى النبي ﷺ أخبره بأن ابن جميل منع زكاته وكذلك خالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب لذلك فقد أنكر النبي ﷺ على ابن جميل صنيعه وذمه بذلك فقال ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله وقد اعتذر لخالد بأنه لا يصدر منه المنع طالما وهو قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله ومن يفعل المندوب طلباً للأجر والثواب لا يمكن أن يمنع الواجب ويحتمل أن يكون خالد ليس له شئ يؤدي زكاته رضي الله عنه ثم اعتذر للعباس بأنه قد أخذها منه صلوات الله وسلامه عليه . فقه الحديث أولاً: قول ابن دقيق العيد في بعث عمر على الصدقة هل هي الواجبة أو المندوبة واستظهر ابن دقيق العيد رحمه الله أنها الواجبة قلت: وهو الحق لأن ذم ابن جميل على المنع يدل على أنها الصدقة الواجبة فلو كانت الصدقة المندوبة ما ترتب على ذلك ذم لابن جميل وبالله التوفيق . كذلك من المعروف أن بعث الجابي إنما يكون في الصدقة المفروضة دون الصدقة التطوعية . ثانياً : يؤخذ من قوله وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً الدفاع عمن عرف بالخير إذا ادعي عليه بأنه منع واجباً . ثالثاً :قوله وقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله في ذلك كلام كثير حول احتباس الأدراع والأعتاد هل هي جعلت في مقابل الصدقة أو جعلت قيمتها وكل هذا في نظري غير وجيه والحق فيما أرى هو ما ذكر سابقاً وهو أن خالد بن الوليد أوقف دروعه وعتاده على المجاهدين في سبيل الله تقرباً إلى الله وطلباً للمثوبة عنده ومن يفعل ذلك لا يمنع الواجب . رابعاً : في قوله احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله دليل لمن قال بتحبيس المنقول أي بإيقافه وجعله وقفاً في ما ينتفع به قال الأمير الصنعاني في العدة قوله واختلف الفقهاء في ذلك أي في تحبيس المنقولات ووقفها فقال مالك لا يصح وقف المنقول مطلقاً وقال أبو حنيفة لا يصح وقف الحيوان وعنه ولا وقف الكتب وقال بصحة ذلك الشافعية وغيرهم قال المحقق قلت : وهي رواية عن الإمام أحمد أختارها جمع من أصحابه وهي المذهب قال الصنعاني قالوا لإجماع المسلمين على صحة وقف الحصر والمصابيح في المساجد من غير نكير أهـ . قال ابن الأمير قلت ولا يخفى عدم نهوضه دليلاً فإنه لا نكير في أنه مختلف فيه فلا دلالة على رضا الساكت حتى يكون إجماعاً سكوتياً لكن الدليل حديث الباب وقوله ﷺ فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده أهـ . قلت : وما احتج به القائل من عدم الإنكار لعله ينتهض دليلاً مع وجود الدليل الذي يؤيده وكأنهم اتفقوا على العمل بذلك في كل زمان ومكان لم ينكره أحد من العلماء لوجود الدليل عليه من إقرار المعصوم ﷺ لفعل خالد والظاهر أن خالداً لم يفعله إلا بعد استشارة الرسول ﷺ واستفتائه ومن ذلك إيقاف الكتب والمصاحف وآلات النعش وما أشبه ذلك مما اعتاد الناس أن يعملوه والأصل فيه إقرار النبي ﷺ على تحبيس المنقول وإذا كان أهل الجاهلية كان الأغنياء منهم يستعدون بمثل ذلك للحاجة كما دل عليه استعارة النبي ﷺ من صفوان بن أمية لامة الحرب من الدروع والسيوف فإن أهل الإسلام قد جعلوا ذلك تعبدا لله سبحانه وتعالى بإجازة من الشارع بذلك وإقراراً لهم عليه والله تعالى أعلم . خامساً : يؤخذ من قوله في سبيل الله أن عملهم هذا كان عدةً للمجاهدين في سبيل الله الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله ويؤخذ من هذا أنه لا يجوز الوقف ولا الحبس في نصرة حزب أو قبيلة أو شخص وإن فعل فهو لا يكون في سبيل الله ولا يعد من العمل الصالح لأن فيه تفريق للأمة التي أمرها الله أن تكون واحدة والله تعالى يقول (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين ) [الحجرات : 9] ومن هذا نقول أن قتال أهل البغي والمحاربين يعد من الجهاد في سبيل الله والله تعالى أعلم . سادساً : يؤخذ من قوله وأما العباس فهي عليّ ومثلها أن هذه العبارة يتردد معناها بين شيئين إما أن يكون النبي ﷺ تحملها عن عمه ويظهر لي أن هذا بعيد فإذا كان العباس عنده مال يوجب الزكاة فلا يمكن أن يتحملها النبي ﷺ عنه ويتركه لا يؤدي زكاته فإن ذلك قد يعتبر إعانة على ترك الأداء مع وجود ما يوجب المقتضي للواجب وهو وجود النصاب عنده والشارع يعود الناس ويحملهم على أداء الواجبات بطيب نفس . والاحتمال الثاني أن النبي ﷺ قد أخذها أي أخذ الزكاة مقدماً لعامين من العباس وهذا هو اللائق الذي يتعين توجيهاً لهذه العبارة وإن كانت الأحاديث الواردة في ذلك فيها ضعف فمنها ما أخرجه الترمذي من حديث علي بلفظ ( هي عندي قرض لأني استسلفت منه صدقة عامين ) قال الحافظ ابن حجر في إسناده مقال ومثله عند الدار قطني إلا أن فيه ضعف والحاصل أن روايات أنه ﷺ تقدم منه زكاة عامين ضعيف أهـ . قلت : وإن كانت هذه الروايات ضعيفة ضعفاً مقارباً إلا أن هذا هو الأنسب والأليق فالنبي ﷺ كان يحتاج المال في تجهيز الغزاة وفي إجازة الوفود فلعله قد احتاج مالاً فاستسلفها من العباس وهذا هو أحسن ما يحمل عليه الحديث فيما أرى . سابعاً : يؤخذ من قوله أما علمت يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه يؤخذ من هذا فضيلة للعباس في كونه عم النبي ﷺ وهذا القول كأنه صدر من النبي ﷺ درءاً للقالة في العباس بأنه منع لا سيما وهو عم النبي ﷺ وكونه ممن تبعه وآمن به فله فضل الإيمان وفضل القرابة وبذلك لا ينبغي القول فيه بأنه منع وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [174] الحديث السادس: عن عبدالله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس وفي المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئاً فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال : (( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ ))- كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمّن قال : (( ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ؟ )) قالوا :الله ورسوله أمّن قال : (( لو شئتم لقلتم : جئتنا كذا وكذا ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحـوض )). موضوع الحديث : إعطاء المؤلفة قلوبهم من الغنائم المفردات قال لما أفاء الله على رسوله :الفيء لغة الرجوع من فاء بمعنى رجع والفئ اسم لما يؤخذ من أموال الكفار بدون قتال وهنا المقصود به الغنيمة ففيه تسامح بالتسمية . يوم حنين :أي يوم غزوة حنين . قوله وفي المؤلفة قلوبهم : بمعنى أنه أعطاهم مع أن الأصل أنهم ليس لهم شئ في الغنيمة وإنما وهبهم رسول الله ﷺ ما وهبهم تأليفاً لأن لهم نفوذ فيمن ورائهم . قوله وجدوا في أنفسهم : قال الصنعاني أقول من الموجدة وهي الغضب . قوله إذ لم يصبهم ما أصاب الناس : أي لكونهم لم يعطوا شيئاً خلاف القسمة التي أصابت المجاهدين منهم فخطبهم فقال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً من الوجود قوله ضلالا: أي كنتم على باطل تعبدون غير الله وتمنعون الحقوق ويقتل بعضكم بعضاً ليغنم ماله لا تعرفون شيئاً من الدين الذي أتيتكم به . فهداكم الله بي :أي بسببي . وكنتم متفرقين : من التفرق وهو الاختلاف وقد كان الأنصار بينهم عداوة يقتل الأوسي الخزرجي والعكس فألفكم الله بي :أي جمعكم على يدي وبسببي . عالة فقراء فأغناكم الله بي : أي بما أعطاكم من الغنائم التي أصبتموها على يدي . الله ورسوله أمّن :أي أكثر مناً . قوله لو شئتم لقلتم جئنا كذا وكذا :ما كنى عنه هنا قد صرح به في رواية أخرى أتيتنا مخذولا فنصرناك ومكذباً فصدقناك ومطروداً فآويناك . ألا ترضون : أداة عرض أن يذهب الناس بالشاة والبعير إلى رحالهم وتذهبون برسول الله ﷺ إلى رحالكم . الرحال : محل الإقامة ومعنى ذلك أن الذي تأخذونه أفضل مما أخذوه . الوادي : هو مجتمع السيول والشعب كذلك لكن الشعب أصغر من الوادي . الأنصار شعار : الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد . الدثار : الذي يكون من أعلى . قوله ستجدون بعدي أثرة : أي استأثاراً بالمال عنكم فاصبروا حتى تلقوني على الحوض . المعنى الإجمالي لما فتح الله على نبيه محمد ﷺ من الغنائم الكثيرة في موقعة حنين وبعد أن ترك حصار الطائف عاد إليها أي إلى الغنائم وكان أكثرها من المواشي إذ اجتمع أكثر من أربعين ألفاً من الإبل ومائة وعشرين من الغنم فأعطى النبي ﷺ أقواماً حديثوا عهد بالإسلام ليتألفهم فأنكر ذلك بعض الأنصار أما خيارهم فإنهم يعلمون أن تصرف رسول الله ﷺ تصرف بحق فلما بلغته مقالتهم حيث قال بعض سفهائهم يعطي رسول الله ﷺ الغنائم لأقوام تقطر سيوفنا من دمائهم ويدعنا فأمر النبي ﷺ بجمعهم له في قبة فاجتمعوا فقال ما مقالة بلغتني عنكم .. ألخ ما ذكر . فعاتبهم معاتبة خفيفة واعترف لهم بما قدموه من نصرة له وللإسلام الذي جاء به فطابت نفوسهم وعرفوا بذلك عظيم ما ذخر الله لهم من صحبة رسوله ورجوعهم به إلى رحالهم بالإضافة إلى ما ادخره الله لهم في الدار الأخرى على ما قدموه وبذلوه فأمرهم ﷺ بالصبر على ما سيلقونه بعده من الأثرة فصلوات الله وسلامه على نبيه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم القيامة. فقه الحديث أولاً: يؤخذ من هذا الحديث تسمية الغنيمة فيئاً . ثانياً : يؤخذ منه إعطاء المؤلفة قلوبهم . ثالثاً : أن التأليف يعطى فيه ضعاف الإيمان من أجل أن يكونوا قوة للإسلام . رابعاً : يؤخذ من هذا الحديث أن أصحاب الإيمان القوي العميق يوكلون إلى إيمانهم باعتبار أنهم لا يهتمون لأمر الدنيا . خامساً : إنما فعل الصحابة ذلك لأنهم يعرفون أن رسول الله ﷺ معصوم من الخطأ وأنه لا يتصرف إلا بما فيه مصلحة الحق ونصرته . سادساً: فيه معاتبة النبي ﷺ للأنصار على ما بلغه عنهم من القالة فيشرع فيه العتاب بمن وثقت من إيمانه وصدق نيته . سابعاً : فيه اعتراف النبي ﷺ فيما للأنصار من فضل في نصرتهم له . ثامناً : يؤخذ من قول الأنصار الله ورسوله أمّن أن المنة لله ثم لرسوله عليهم . تاسعاً : يؤخذ من قوله ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله ﷺ إلى رحالكم فيه دلاله على ضآلة ما أخذ الناس وعظيم ما أخذوا . عاشراً: لقد أكد النبي ﷺ ما سبق بقوله لو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها . الحادي عشر : يؤخذ من قوله الأنصار شعار والناس دثار أن النبي ﷺ أعتبرهم خاصة دون الناس . الثاني عشر : قوله إنكم ستلقون بعدي أثرة أي استأثاراً بالمال دونكم فاصبروا أمرهم بالصبر الثالث عشر : يؤخذ من ذلك أيضاً تحريم الخروج على الولاة وإن جاروا واستأثروا بالمال دون غيرهم لقوله ستلقون من بعدي أثرة فاصبروا ولم يقل فثوروا . الرابع عشر : قوله اصبروا حتى تلقوني على الحوض هذا وعد من الله ورسوله ﷺ للأنصار أنه سيثيبهم على نصرتهم لرسول الله ﷺ ونشرهم لدينه وإعلائهم لكلمته وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - باب صدقة الفطر صدقة الفطر وزكاة الفطر كلاهما جاء به الحديث الصحيح هكذا قال الصنعاني رحمه الله في العدة وأقول : إن كلا اللفظين يطلق على هذا الواجب إلا أن لفظ صدقة أعم من زكاة لأن الزكاة إنما يراد بها المفروض والصدقة تشمل المفروض وغير المفروض وإضافتها إلى الفطر من إظافة الشيء إلى سببه وذلك أن هذه الصدقة أوجبها الله شكراً على إتمام الصوم وجبراً لما فيه من النقص إن كان وإغناءً للفقراء عن العمل في يوم العيد أو التجول من أجل الحصول على قوت اليوم وبالله التوفيق. [175] الحديث الأول: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر- أو قال : رمضان - على الذكر والأنثى والحر والمملوك : صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير قال : فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير . وفي لفظ أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . موضوع الحديث : زكاة الفطر المفردات الزكاة : تطلق ويراد بها الواجب المالي سواء تعلق بالأنصبة أو تعلق بالفطر وهل المراد بها الطهرة أو يراد بها النماء فقد ورد اللفظ في المعنيين فمن النماء قولهم زكى الحب إذا بلغ غايته ومن الطهرة قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس : 9-10] قوله فرض : هل المراد بالفرض القطع أو المراد به التقدير وكلاهما قد ورد لكن اشتهار اللفظ في القطع الذي هو الوجوب أكثر . قوله صدقة الفطر : أي التي تجب به والمراد به الفطر من رمضان أي نهايته . قوله على الذكر والأنثى والحر والمملوك :أي على كل واحد منهم صاعاً من الأجناس المذكورة من تمر أو من شعير وقد ورد لفظ الزبيب والبر والأقط أي من كل منها صاع ومن هنا لبيان الجنس . قال فعدل الناس به نصف صاع من بر :أي جعلوه عدل صاع أي نضيره إذا كان نصف صاع من البر فإنه يعدل صاعاً من غيره . قوله تؤدى : أي تعطى قبل خروج الناس إلى الصلاة المعنى الإجمالي ما أعظم شرع الله وما أبلغ حكمته في شرعه فقد جعل في يوم عيد الفطر صدقة الفطر حقاً واجباً على الأغنياء يدفعونه إلى الفقراء ليستغنوا به في يومهم ذلك وليكون دليلا على البذل والمواساة في حق أغنياء المسلمين ففرض زكاة الفطر وجعل هذا الفرض متجهاً على رئيس الأسرة وكافل العائلة يقوم به عمن تحت يده من النساء والأطفال والمماليك وبالله التوفيق . فقه الحديث أولاً : حكم هذه الصدقة استدل الجمهور بقول الصحابي فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر على أن هذه الزكاة فرض واجب على من وجدها مع قوت يومه بل قد حكى ابن المنذر وغيره الإجماع على وجوبها قال الصنعاني لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم من التفرقة بين الفرض والواجب قال وفي نقل الإجماع في ذلك نظر لأن إبراهيم بن عليّة وأبا بكر ابن كيسان الأصم قالا إن وجوبها نسخ واستدلوا على ذلك بحديث قيس بن سعد بن عبادة قال : ( أمرنا رسول الله ﷺ بصدقة الفطر قبل أن تنـزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله ) . وتعقب بأن في إسناده راوياً مجهولاً وقد وضعه الألباني في الصحيحة ولم يقل صحيح . قلت : أولا: أن هذا الحديث لا يعتمد عليه لضعفه ، ثانياً :لأنه تعارضه أحاديث صحيحة تدل على استمرار الفرضية وعمل الصحابة بها ومن بعدهم إلى يومنا هذا . ثالثاً: أن قولهم بعدم الوجوب لا يكون خارقاً للإجماع لعدم الدليل الذي يستند إليه والإجماع لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل رابعاً: أن الإجماع مستند إلى أدلة صحيحة وصريحة . أما قول الحنفية بالوجوب وأنه دون الفرض في قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب وأقول إن قول الحنفية هذا لا يدل على عدم الوجوب بل يدل على عدم الفرضية وإذاً فإنها واجب يأثم تاركه ولا يقاتل عليه ومن قال بخلاف ذلك فقد شذ والشاذ لا حكم له . ثانياً : يؤخذ من هذا الحديث وما في معناه أن هذه الصدقة تتعلق بالفطر وهل تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان أو بطلوع الفجر أو بطلوع الشمس من يوم العيد وكل من هذه الأقوال قد قيل وأقواها أن الوجوب يتعلق بمن هو عليه بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان لأنه هو الفطر الحقيقي فلا واجب ينتظر بعده وأنها تؤدى في ليلة العيد ويومه قبل الخروج إلى الصلاة وأحسن وقتها وأفضله ما بين صلاة الصبح من يوم العيد والخروج إلى الصلاة وقد ورد في ذلك حديث حسنه الألباني ثالثاً :اختلف في جواز تقديمها ووجوب قضاءها بعد الصلاة إن فرط حتى صلى الإمام والكلام في جواز التقديم يتوقف على صحة الحديث الوارد فيه وكذلك أداؤها بعد الصلاة هل تكون قضاءً أو صدقة من الصدقات . رابعاً :قوله صاعاً من تمر ...إلخ هذا هو المقرر في الشرع أنه صاع من الأجناس المذكورة والكلام في هذه المسألة يتعلق بأمرين هل يجوز أن تعطى من غير الأجناس المذكورة إذا كان ذلك الجنس مقتاتاً للناس وهل يجوز أن يعطى من البر نصف صاع بدلاً عن الصاع فأما كونه يتوقف على الأجناس المذكورة فالظاهر أن تلك الأجناس هي التي كانت معروفة في المدينة إلا أن لفظ الطعام يشمل كل مقتات وهذا هو الظاهر لقوله في بعض الألفاظ أو صاعاً من طعام وإن كان الطعام في الغالب يطلق على البر إلا أنه يشمل ما كان مقتاتا في غير الضرورة كالأرز والذرة والدخن وما أشبه ذلك . أما كون البر نصف صاع منه يعدل صاعاً من غيره فهذا سيأتي في الحديث الثاني والقول بأنه يخرج من غالب قوت البلد هذا هو الحق فيما أرى . خامساً :الصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي وخالف في ذلك أبو حنيفة وجعل الصاع ثمانية أرطال واستدل مالك بنقل الخلف عن السلف في المدينة وهو استدلال صحيح قوي في مثل هذا ولما ناظر مالك بن أنس إمام دار الهجرة أبا يوسف صاحب أبي حنيفة بحضرة الرشيد في المسألة رجع أبو يوسف إلى قوله وذلك أن مالكاً قال لمن حضره من أهل المدينة قم يا فلان فأت بصاع جدك وقم يا فلان فأت بصاع جدتك حتى اجتمع عنده آصع فحزرت تلك الآصع فوجد كل واحد منها خمسة أرطال وثلث وكل واحد من هؤلاء قال حدثني أبي عن جدي أنه أدى إلى النبي ﷺ بهذا الصاع وذلك يقول حدثني أبي عن جدتي وهكذا . قال المحقق وهذه القصة تؤيد رأي من يرى أن بلاغات مالك موصولة وهو الصحيح . سادساً : اختلف أهل العلم في الأقط هل هو واجب كالذي ذكر معه من الحبوب المقتاتة أو الثمار ذلك لأن الأقط هو لبن مجفف يكون قطعاً بعد الصنعة لم يخرج دهنه وكون هذا يكون عند أهل البادية فهو أرفق بهم وهل يجزئ عمن أداه من الحواضر هنا حصل خلاف بين أهل العلم فمنهم من رآه مجزئاً بذكره في الحديث ومنهم من علق أجزاؤه على عدم وجود غيره ولعل هذا هو الأقرب والله أعلم . سابعاً : في قوله على الذكر والأنثى والحر والمملوك والصغير والكبير من المسلمين دلالة على عموم هذا الواجب حتى على من ولد قبل خروج الناس إلى المصلى من يوم العيد أما من ولد بعد ذلك فلم يلحقه الوجوب في الظاهر واختلف أهل العلم في إخراجها عن الحمل فأثر عن عثمان بن عفان فعله والظاهر أنه اجتهاد منه فيكون مباحاً لمن أراد ذلك لا واجباً . ثامناً: اختلف في المملوك هل الوجوب متجه عليه أو على سيده فذهب الجمهور إلى أن الوجوب متجه على سيده وذهب داود الظاهري إلى أن الوجوب متجه عليه ويمكنه سيده من الكسب لذلك . تاسعاً: يؤخذ من قوله من المسلمين أن العبيد الكفار لا تجب الفطرة عنهم وإنما تجب عن المسلمين وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf . |
بسم الله الرحمن الرحيم تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [176] الحديث الثاني : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نعطيها في زمن النبي ﷺ صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال : أرى مداً من هذه يعدل مدين قال أبو سعيد : أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله ﷺ . موضوع الحديث : زكاة الفطر وأن نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره المفردات تقدم الكلام على حديث ابن عمر وفيه شرح كثير من مفردات هذا الحديث . قوله وجاءت السمراء : هي نوع من البر (الحنطة) وإنما رأى معاوية هذا الرأي لأن هذا النوع من الحنطة يربو ويزيد إذا طحن . المد : هو ربع صاع بالآصع النبوية . المعنى الإجمالي يخبر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه بأنهم كانوا يعطونها في زمن النبي ﷺ صاعاً من جميع الأجناس وأنه في زمن معاوية جاء معاوية إلى المدينة حاجاً أو معتمراً وقال أرى إن نصف صاع من السمراء يعدل صاعاً من غيرها فأخذ الناس به أما أبو سعيد فقد استمر على ما كان يخرجه في زمن النبي ﷺ . فقه الحديث تقدم الكلام على حكم زكاة الفطر ومقدارها وعلى من تجب ومتى تجب وهنا سأبين ما جاء عن معاوية في جعله نصف صاع من بر يعدل صاعاً من غيره فـأقــول: أولاً: اختلف أهل العلم في هذه المسألة فقال أبو حنيفة نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره وذهب الجمهور إلى أن الواجب أداء صاع من كل جنس من الأجناس المذكورة في هذا الحديث وغيرها مما لم يذكر وهذا هو القول الحق إن شاء الله وذلك لأن جعل نصف الصاع من البر يعدل صاعاً من غيره هو رأي لمعاوية رضي الله عنه خالفه في ذلك أبو سعيد الخدري وهو صحابي جليل أقدم صحبة من معاوية وأكثر ملازمة للنبي ﷺ منه . ثانياً :إذا تعارض قول الصحابي مع قول صحابي آخر ففي هذه الحالة يقدم أقربها إلى الحق وأشبهها بالصواب وأحسنها ملائمة للأدلة التوقيفية هذا بقطع النظر عن كون أحد القولين يعارض نصاً صريحاً عن المعصوم ﷺ إذا علمنا هذا فإن رأي معاوية عارض الدليل الشرعي عن الحبيب المصطفى ﷺ وبهذا يجب علينا أن نقدم النص الصريح على رأي الصحابي لا سيما وقد نصص فيه على الطعام وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في البر عند الإطلاق أما المعنى اللغوي فإن الطعام يطلق على كل ما أقتاته الناس وعلى هذا فيشمل الأطعمة المقتاتة التي لم تذكر هنا كما قد سبق ترجيحه في الحديث الأول ويدخل فيها البر دخولاً أولياً لأنه أفضل الأقوات وأحسنها بالإضافة إلى أن الله تعالى خاطبنا باتباع رسوله ﷺ دون سواه وبالله التوفيق . -------- تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ. تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحي النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ] [ المجلد الثالث ] رابط تحميل الكتاب : http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ . |
Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd