المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتطفات من شريط حقوق الإخوة للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله‎


أم محمود
09-01-2010, 03:40PM
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين أما بعد :

فهذه مقتطفات من شريط الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله وهو حقوق الإخوة وانتقيت بعضا منها والشريط بمجموع موضوعاته يستحق أن يسمع وإليك مادة الشريط المنتقاة :



الحق الأول من تلك الحقوق؛ حقوق الأخوّة، أن يُحبّ أخاه لله لا لغرض من الدنيا؛ وهوالإخلاص في هذه العبودية التي هي أن يعاشر أخاه، وأن يكون بينه وبين أخيه المسلم،بينه وبين هذا الصاحب الخاص، أن يكون بينه وبينه محبة لله لا لغرض من الدنيا، فإذاكانت المحبة لله بقيت، أما إذا كانت لغرض من أغراض الدنيا فإنها تذهب وتضمحل. فالإخلاص في المحبة, الإخلاص في معاملة الأخوّة؛ أن يكون المرء يحب المرء لله جلجلاله، كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار» فبين أن هذه الثلاث من كن فيه، ذاق بهن حلاوة الإيمان, ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛منها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله،إذن فليس الشأن أن تكون مُحِبا لأخيك، وإنما الشأن في هذه العبودية التي تمتثل فيها ما أمر الله جل وعلا به، أن تكون محبتُك لهذاالخاص من الناس، أو محبتُك لإخوانك، أن تكون لله لا لغرض من الدنيا، فإذا أحببته فلما في قلبه من محبة الله، لما في قلبه من التوحيد، لما في قلبه من تعظيم الله جل جلاله، لما في قلبه من متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، لما عمل بذلك من إظهار التوحيد على نفسه وجوارحه، وإظهار السنَّة على نفسه وجوارحه، فهذه هي حقيقة المحبة التي هي أول الحقوق، ومعنى كون ذلك حقا أن يخالط المرء إذا خالطه؛ أن يخالطه إذا خالطه وهو يريد من هذه المخالطة أن تكون العلاقة بينهما لله، إذا خالطه على أن المخالطة هذه لله،وهو يُضمر شيئا من أمور الدنيا، فإنه في الحقيقة قد غشه, لأن أخاه لا يعلم ما فيقلبه، فيظن أن مآخاته لله جل وعلا، ومحبته في الله جل جلاله، وفي الحقيقة إنما آخاه لغرض من أغراض الدنيا يصيبها، محبة المرء لله جل جلاله تثمر ثمرات، تثمر أن يكون العبد في محبته لأخيه قد وفَّى بالحقوق التي ستأتي لأنه إذا أحبه لله فإنه في كل معاشرة وكل معاملة يعامل بها أخاه فإنه يخشى الله جل جلاله؛ لأن الذي بعث هذه المحبة في نفسه هو محبة الله جل جلاله فأحب هذا المرء لله، وفي الله، والمحبة الخالصة لله جل جلاله وحده، ولهذا إذا رسخت هذه الحقيقة، وقام المرء بهذا الحق؛ أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، ظهرت آثار ذلك على قلبه، وعلى تصرفاته، وبقدر إخلاصه،وصدقه في محبته للمرء لا يحبه إلا لله، يظهر أثر ذلك في الحقوق التي ستأتي، ومن آثار ذلك وثمراته أن المحبة إذا كانت لله تدوم، وأما إذا كانت لغير الله فإنها لاتدوم، واختبر ذلك في الناس في علاقاتهم بالناس، في علاقاتهم بإخوانهم، في علاقاتهم بأهل العلم، في علاقاتهم بطلبة العلم، في علاقاتهم مع بعض إخوانهم ممن يملك مالا, أو يملك تجارة، أو له جاه، أو له سمعة، وآخاه وصاحَبَه لا لله وإنما لغرض من أغراض الدنيا، فلما حصل ذلك الغرض انقضت تلك الأخوّة وصار غير شاكر له، أو غير مواصل لهفضلا أن يكون أبعد من ذلك -والعياذ بالله- أن يكون ذامّا له مُخْبِرا بسيئاته, مخبرا بأحواله التي رآه منها في سالف زمنه. لا شك أن هذا الحق وهو أول الحقوق؛ أن يوطن المرء نفسه، أن يحب المرء لا يحبه إلا لله يؤتي ثمرات عظيمة في العلاقة، يؤتي ثمرات عظيمة في التعامل، في حفظ الحقوق، وفي العبودية التي هي أعظم تلك الأمور.



الحق الرابع من الحقوق أن تُجنِّب أخاك سوء الظن به, لأن سوء الظن به مخالف لما تقتضيه الأخوة، مقتضى الأخوة أن يكون الأخ لأخيه فيه الصدق والصلاح والطاعة، هذا الأصل في المسلم، الأصل في المسلم أنه مطيع لله جل وعلا، فإذا كان من إخوانك الخاصة، فإنه يكون ثم حقان؛ حق عام له، وحق خاص بأن تجنبه سوء الظن، وأن تحترس أنت من سوء الظن، والله جل وعلا نهى عن الظن، فقال سبحانه ﴿اجْتَنِبُواكَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾[الحجرات:12] قال العلماء على قوله جل وعلا (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) أن الظن منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود، فما كان من الظن محمودا، هو ما كان من قبيل الأمارات والقرائن التي هي عند القضاة، وعند أهل الإصلاح، وأهل الخير، الذي يريد النصيحة أو يريد إقامة القرائن والدلائل عند القاضي، فالقاضي يقيم الحجة ويطلب البيّنة، وكثير منها قائم في مقام الظنون، لكن هنا يجب أن يأخذ بها، فالاجتناب لكثير من الظن؛وهذا الظن هو أن تظن بأخيك سوءا، أن تظن بأخيك شرا، وقد قال عليه الصلاة والسلام «إياكم والظن» فهذا عام، ظنٌّ من جهة الأقوال، ونهي عن الظن من جهة الأفعال، «فإن الظن أكذب الحديث» هذا نصه عليه الصلاة والسلام, الظن هو أكذب مايكون في قلبك، فإن الظن أكذب الحديث إذا حدثتك نفسك من داخلك بظنون، فاعلم أن هذا هو أكذب الحديث، إذن حق أخيك عليك ألا تظن به إلا خيرا، وأن تجتنب معه الظن السيئ كما أمرك الله جل وعلا بذلك بقوله ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّبَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾[الحجرات:12] فالظن السيئ إثم على صاحبه، يأثم به لأنه خالف الأصل، وقد روى الإمام أحمد في الزهد ورواه غيره أن عمر رضي الله عنه قال ناصحا: لاتظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا ( قلت معلقا على كلام عمر رضي الله عنه بل إن من الكلام لمن أراد أن يحمله كله على الشر لفعل وإن أراد أن يحمله كله على الخير لفعل ولكن العاقل هو الذي يحمل الخير على محمله الصحيح والشر على محمله الصحيح ). لاحظ أنه نهى عن الظن السيئ في الأقوال، ما دام أن الكلام يحتمل الصواب، يحتمل الخير فلا تظنن السوء بأخيك، لأن الأصل أنه إنما يقول الصواب، لا يقول الباطل، فإذا كان الكلام يحتمل الصواب فوجِّه إلى الصواب، فيسلم أخوك من النقد ويسلم من الظن السيئ، وتسلم أنت من الإثم، وأيضا يسلم من التأثر؛ تسلم ويسلم هو من أن يتأثر به ويقتدى به، لهذا قال عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد المعروف قال: المؤمن يطلب المعاذير ( قلت معلقا على قول عبد الله بن المبارك رحمه الله فما بالك بمن يدفع المعاذير دفعا تحاول أن توجد عذرا لمن وجد على أخيه أمرا تقول له لعله لا يعلم لعله قصد بكلمته المعنى الفلاني لعل كذا فلا يقبل هذه المعاذير والله المستعان ) . يلتمس المعذرة؛ لأن الأحوال كثيرة، والشيطان يأتي للمسلم فيحدّد الحالة، يُحدِّد معنى الكلمة بشيء واحد حتى يوقع العداوة والبغضاء ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِوَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾[المائدة:91]؛ الشيطان يحدد لك أن تفسير هذه الحالة هو كذا فقط، أن تفسير هذه المقالة هو كذا فقط، حتى تكون ظانّا ظنا سيئا فتأثم، وحتى يكون بينك وبين أخيك النفرة وعدم الائتلاف، وهناك أصل من الأصول في فهم الكلام وهو أن لكل كلام دِلالة؛ ودلالة الكلام عند الأصوليين متنوعة، ومن دلالاته ما يسمى بالدِّلالة الحملية، يعني دلالة السياق على الكلام، هناك كلام إذا أُخذ بمفرده دل على شيء،ولكن إذا أخذ بسياقه؛ يعني بسباقه ولحاقه بما قبله وبما بعده وأوضح المراد، فإذا كان الكلام صادر من مؤمن، صادر ممن بينك وبينه أخوة، سمعت منه كلمة فلا يأتي الشيطان وينفخ فيك أن تحمل هذه الكلمة على المحمل السوء، بل احملها على المحمل الخير يكن فيقلبك إقامة المودة مع إخوانك، وأيضا لا يدخل الشيطان بينك وبين إخوانك، فرعاية الدلالة الحملية؛ دلالة الكلام هذه مهمة، وهي التي يعتمدها أهل العلم في فهم الكلام، وكذلك يعتمدها الصالحون في فهم كلام الناس، لأن الناس إنما يُفهم كلامهم على ما يدل عليه الكلام بكله لا بلفظة منه فقط، فإن الألفاظ قد تخون المتكلم، لكن إذا عُلم مقصده في كل الكلام فإنه يُعذر، وقد بينا أن من كلام الناس -يعني في الدرس الماضي- وهو من باب أولى، من كلام الناس ما هو متشابه يشتبه على الناظر فيه، يشتبه على السامع له، فإذا نظر إلى هذا الكلام نظر طالب للمعذرة, طالب لحمل الكلام على أحسن محامله، فإنه يستريح ويُريح، ويبقى هذا الحق ويكون قد أدّى هذا الحق لأخيه, إذن من فسر كلام أخيه تفسيرا مغالطا؛ زاد فيه، حمله على أسوأ المحامل, فإنه لميؤدِّ حقه، كذلك في باب الأفعال, تصرّف أمامه بتصرف معين، تكلم هذا بكلمة، فإذا الآخر التفت إلى من بجنبه ونظر إليه نظرة، فأتاه الشيطان فقال: هذا ما نظر إلى ذاك،إلا منتقدا لكلامك، أو إلا عائبا لكلامك ونحو ذلك، لا يدخل الشيطان أيضا في تفسيرالأفعال، لأن الأفعال لها احتمالات كثيرة، وقليل من الناس من يسأل أخاه لما تصرفت هذا التصرف، فقد جاء في نفسي منه؟ قليل من يفعل ذلك، ولهذا يأتي الشيطان ويقول: هذا التصرف هو لكذا، وتصرف لأجل هذا المعنى، هو يقصد كذا، هذه التصرفات منه لأجل أن يصل إلى كذا، هو يريد بتصرفه كذا وكذا. التصرفات لها محامل كثيرة، فإذا حملت تلك التصرفات على أمر واحد، وشخَّصت ذلك التصرف فيه، فإنك في الواقع جنيت على نفسك، ولم تحترم عقلك وفكرك، لأنك جعلت احتمالات التصرف احتمالا واحدا, هذا واحد، والثاني أنك جنيت على أخيك، لأنك جعلت تصرفه محمولا على أسوء التصرفات، أسوء المحامل لا على أحسنها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إياكم والظنّ, فإنّ الظنّ أكذبُ الحديث».
الحق الخامس من حقوق الأخوّة أن تتجنّب مع إخوانك المراء والممارات, فإن المراء مُذْهِبٌ للمحبة، ومُذْهِبٌ للصداقة، مُفسد للصداقة القديمة، ومُحلّ للبغضاء والتشاحن والقطيعة بين الناس. ما معنى المراء؟ يعني أن يكون ثَم مناقشة، ثَم بحث؛ يبحث رجل مع رجل، تبحث امرأة مع امرأة إلى آخره, كبير مع صغير, صغير مع كبير، فإذا أتى البحث، هذا يتعصب لرأيه، وهذا يتعصب لرأيه، فيماريه فهذا يشتدّ وذاك يشتدّ، هذه حقيقة الممارات؛ أن ينتصر كل منهما لرأي رآه، فيأتي بالأدلة فيرفع صوته، ثُم بعد ذلك يحصل في النفوس ما يحصل، وقد كان بعض ذلك بين الصحابة، فقد قال أبو بكر مرة لعمر: ما أردتَّ إلا مخالفتي. وهم الصحابة رضوان الله عليهم، فيجب أن يكون المسلم مع أخيه، ومع صحبته، ومع خاصته مُتنزهًا عن الممارات، لأن وجهات النظر في المسائل تختلف، كلما توسع نظر المرء، وتوسع عقله وإدراكه، علم أن النظر في بعض المسائل متسع، لا يكون على جهة واحدة, تناقش مسألة من المسائل فتنظر إليها من جهة, وينظر إليها الآخر من جهة أخرى، فتختلف أنت وهو، فإذا اختلفتما فكل منكما له وجهة نظره،فإذا ماريت واستدللت لقولك وتعصبت ثم رفعت صوتك والآخر كذلك حتى حصلت الشحناء؛ حصلت مفسدة ولم تحصل مصلحة، والعاقل ينظر إلى أن الأمور التي يتناقش فيها الناس عادة في أمورهم تختلف وُجهاتها، لها وجهات كثيرة، ولها أسباب كثيرة، قد يأتي ثالث ورابع فيخرج كل واحد برأي جديد, يُخرج كل واحد ممن أتى رأيا جديدا, وجهة نظر جديدة في المسألة المطروحة، فإذن النقاش لا يعني المراء، إذا بدأت المسألة تدخل في المِراء فانسحب سواء كنت محقا أو ترى من نفسك أن الصواب مع أخيك وليس معك، وقد قال عليه الصلاة والسلام «من ترك المِراء وهو مبطل بنى الله له بيتا في ربض الجنة, ومن ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة» فترك المراء محمود، وهو من حق الأخ على أخيه ألا يستدرجه في أن يماريه، لا يستدرجه في أن يجادله, أن لا يستدرجه في أن يكون هذا يرفع الصوت على هذا، حتى تنقطع الأخوّة وحتى يعدو هذا على هذا بالكلام،وإن لم يعدُ بالكلام، فقد يعدو بقلبه، ويظن أن هذا قصد كذا، وخالفه، ويرى كذا، وهذا لا يقدر هذا إلى آخر ذلك من وساوس الشيطان.
المراء له أسباب؛ أسباب نفسية لابد أن يعالجها المرء في نفسه:
پ من أسبابه أن يُظهر أنه لم يستسلم لوجهة النظر،يقول رأيا خطئا، فيأتي الثاني فيقول أنت أخطأت ليست كذا هي كذا، فيستعظم أن يخطأ, وإذا أخطأ فالحمد لله، العلماء أخطأوا في مسائل في الدماء ورجعوا عنها،أخطأ بعضهم في مسائل في الفروج ورجعوا عنها؛ في مسائل اجتهادية، الرجوع عن الخطأ مَحْمَدَة وليس بعيب،فكل من رجع عن خطأ أخطأه فهو تاج على رأسه،لأنه يدل على أنه روّض نفسه على طاعة الله، وجعل العبودية فوق الهوى، من أسباب المراء هذا الذي ذكرت.
‚ ومن أسبابه الرغبة في الانتصار، هذا يرغب في أن يكون أحسن عقلا، في أن يكون أحسن إدراكا من الآخر، فيبدي وجهات نظر متنوعة، والآخر يبدي وجهات نظر من جهة أخرى، فيريد أن يكون فائقا عليه، فيماريه بأن يقول هذا الذي ذكرت، هذه النقطة خطأ بل الأصح أنها كذا، فيدخل في مراء بأسلوب يوقع الشحناء ويوقع البغضاء في القلوب.
من أسباب المراء أيضا عدم رعاية آفات اللسان، واللسان فيما ينطق، وفيما يتحرك به محاسب عليه،ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقد قال جل وعلا ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[النساء:114], «كُفّ عَلَيْكَ هَذَا» -وأشار إلى لسانه- فقال معاذ: يارسول الله أو إنا محاسبون على ما نقول, قال «ثَكِلَتْكَ أمّك يَا مُعَاذُ, وَهَلْ يَكُبّ النّاسَ في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ, أَوْ قال عَلَى مَنَاخِرِهِمْ, إِلاَ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» فمن أسباب الممارات عدم رعاية إصلاح اللسان، الاستخفاف باللسان، واللسان كما قيل صغير الجِرم لكنه كبير الجُرم؛ يعني أن ما يحصل من الآفات عن طريق اللسان هذه عظيمة، فبها يتفرق الأحباب، بها تحصل الشحناء، بها تحصل العداوة، بها يدخل العدو، بها يدخل من يريد أن يوقع بينك وبين أحبابك، يدخل الكثير من جراء اللسان, فمن لم يحفظ لسانه في مسائل الممارات في المسائل المختلف فيها التي تكون في المجالس عادة، فإنه يقع ولا بد ويكون بينه وبين إخوانه ما لا يحمد.
أخيرا في الممارات وفي المراء, المراء مضاد لحسن الخُلق، فإن الناظر إذا تأمل ما يجب عليه من حسن الخُلق، فإنه لا يماري، لأن الممارات فيها انتصار، وفيها استعلاء على الآخر، وهذا مضاد لحسن الخلق، بل تُبدي ما عندك بهدوء ولين، فإن قُبل منك فالحمد لله، وإلا فتكون قد ذكرت وجهة نظرك, بعض الناس في المجالس يؤدي به المراء أن يكرر نفس الفكرة عشر مرات, عشرين مرة وهي، هي، يعيدها بصيغة أخرى، هذا ما يحمله على ذلك؟ يحمله الانتصار للنفس، أو أسباب أخرى الله أعلم بها، أو غفلة عما يجب عليه،إذا أوردتها مرة فُهمت عنك فلا تماري في ذلك؛ لأن حقيقة المراء أنه مضاد لحسن الخلق، والمسلم مأمور بأن يحسّن خلقه، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك في أحاديث كثيرة.
الحق السادس من حقوق الأخوة بذل اللسان لأخيك؛ اللسان كما أنه في حفظ العرض كففت اللسان عن أخيك، فهنا من الحقوق أن تبذل اللسان له؛ لأن المصاحبة والأخوّة قامت على رؤية الصور فقط، أم على الحديث؟ إنما قامت على الحديث، وحركة اللسان هذا مع حركة لسان الآخر تُقيم بين القلوب تآلفا، فلذلك لابد أن تبذل اللسان لأخيك. لهذا مظاهر:
پ تبذل اللسان في التودُّد له، يعني لا تكن شحيحا بلسانك عن أن تتودد لأخيك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا أحب أحدكم أخاه فليُعلمه فإذا أعلمه فليقل الآخر أحبك الله الذي أحببتني فيه»، هذا من أنواع بذل اللسان، وهذا يورث المودة،يورث المحبة، ومن الناس من يقول هذه الكلمة وهو غير صادق فيها، أو غير عالم بحقيقة معناها، يقول أحبّك في الله، إذا قلت لآخر أحبك في الله، فمعنى ذلك أنه في قلبك محبة لهذا؛ محبة خاصة في الله ولله، فيقتضي أن تحفظ حقه، أما أن تقول له أحبك في الله وأنت في الحقيقة لا تحفظ له حقا، فما حقيقة المحبة إذن، الأول أن تتودد له باللسان؛بمثل أن تقول له هذه الكلمة، بأن تتكلم معه بأحسن الكلام، وقد قال جل وعلا ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾[الإسراء:53]، قال ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الإسراء:53]، فهذا بذل اللسان لأخيه أن تنتقي في معاملتك مع إخوانك ومع خاصتك بل ومع المسلمين بعامة أن تنتقي اللفظ الحسن فقط؟ لا , ولكن أحسن الألفاظ لأن الله جل وعلا أمر بذلك فقال﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾[الإسراء:53] فإذا توددت له باللسان وذكرت له أحسن ما تجد فإن هذا فيه إقامة علاقة القلب ومحبة القلب وفي هذا من المصالح التي تكون في المجتمع المسلم وفي قلوب المؤمنين بعضهم مع بعض ما يضيق المقام عن ذكره وعن تَعداده.
الحق السابع من حقوق الأخوة العفو عن الزَّلات، وهذا باب واسع، باب عظيم؛ لأن ما من متعاشرَين، ما من متصاحبين، ما من متآخيين، أو ما من متآخين، إلا ولابد أن يكون بينهم زلات، لابد أن يطلع هذا من هذا على زلة، على هفوة، لابد أن يكون منه كلمة، لأن الناس بشر، والبشر خطّاء، «كُلّكم خَطّاءٌ. وَخَيْرُ الْخَطّائِينَ التّوّابُونَ» فمن حق الأخوة أن تعفو عن الزلات.
الزلاّت قسمان: زلات في الدين وزلات في حقك, يعني زلات في حق الله وزلات في حقك أنت:
· أما ما كان في الدين؛ إذا زلّ في الدين بمعنى فرّط في واجب؛ عمل معصية،فإن العفو عن هذه الزلة أن لا تشهرها عنه، وأن تسعى في إصلاحه، لأن محبتك له إنماكانت لله، وإذا كانت لله فأن تقيمه على الشريعة، وأن تقيمه على العبودية، هذا مقتضى المحبة, فإذا كانت في الدين تسعى فيها بما يجب؛ بما يصلحها، إذا كانت تصلحها النصيحة فانصح، إذا كان يُصلحها الهجر فتهجر، والهجر كما ذكرنا لكم في درس سالف الهجر نوعان: هناك هجر تأديب, وهناك هجر عقوبة, هناك هجر لحضك، وهناك هجر لحض المهجور، إذا كان هو عمل زلة، فما كان لحضه هو إذا كان ينفع فيه الهجر فتهجره, إذاكان بين اثنين من الأخوة والصحبة والصداقة ما لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر فرأى أحدهما من أخيه زلة عظيمة، رأى منه هفوة بحق الله جل وعلا، فيعلم أنه إذا تركه ولم يجبه، إذا لقيه بوجه ليس كالمعتاد، فإنه يقع في نفسه أنه عصى، ويستعظم تلك المعصية، لأن هذا لا يستغني عن ذاك، فهذا يُبذل في حقه الهجر، لأن الهجر في هذه الحال مصلح ( قلت معلقا على كلام الشيخ حفظه الله هذا الهجر فيمن كانت معصية المهجور أو زلته واضحة للهاجر والمهجور فما بالك بمن يهجر والمهجور لا يقر بأنه أخطأ بل لم يفعل الخطأ أصالة والهاجر يحمل المهجور الخطأ والله المستعان ) ، أما من لا ينفع فيه الهجر، فالهجر نوع تأديب وهو للإصلاح، ولهذا اختلف حال النبي صلى الله عليه وسلم مع المخالفين؛ مع من عصى، فهجر بعضا، ولم يهجر بعضا، قال العلماء: مقام الهجر فيمن ينفعه الهجر فيمن يصلحه الهجر ومقام ترك الهجر فيمن لا يصلحه ذلك).قلت معلقا على كلام الشيخ حفظه الله : بل أعجب أشد العجب من بعض الإخوة الذين يطبقون بعض التطبيقات الغريبة والعجيبة التي يعجب منها السامع فضلا عما حصلت له وهذه التطبيقات غير منضبطة بالشرع عند النظر فيها مثل مسألة الهجر ومسألة التحذير وغيرها من المسائل فهل من الهجر عند من يزعم أن له مقتضى شرعي أن يصار إلى الهجر فورا ويتبادر إلى ذهنه أنه هو الأصلح ولا ينظر إلى جانب التأليف !!! كيف يعلم المرء أن فلان لا يصلح معه إلا الهجر ولا ينفع معه التأليف !!! يا إخوة لا بد علينا أن نضبط مسائل العلم وأن نطبقها كما ضبطنا علمها ولايدخل علينا الشيطان و سوء الظن وحظ النفس فيصبح مزيجا في قالب اليقين وهذا اليقين لا يزول إلا بيقين فلنتنبه لذلك حفظكم الله· (أمّا ما كان من الزلات في حقك، فحق الأخوّة أولا أن لا تعظِّم تلك الزلة, يأتي الشيطان فينفخ في القلب، ويبدأ يكرر عليه هذه الكلمة، يكرر عليه هذا الفعل حتى يعظمها، يعظمها وتنقطع أواصل المحبة والأخوة، ويكون الأمر بعد المحبة وبعد التواصل،يكون هجرانا وقطيعة للدنيا، وليس لله جل جلاله, سبيل ذلك أن تنظر إلى حسناته؛ تقول أصابني منه هذه الزلة، غلط علي هذه المرة، تناولني بكلام، في حضرتك أو في غيبتك،لكن تنظر إلى حسناته، تنظر إلى معاشرته، تنظر إلى صدقه معك في سنين مضت، أو في أحوال مضت، فتعظم الحسنات، وتصغر السيئات، حتى يقوم عقد الأخوة بينك وبينه، حتى لاتنفصل تلك المحبة