المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحذير المصلّين من قطع الصّفّ بالأساطين


معاذ بن يوسف الشّمّريّ
21-10-2004, 02:11PM
بسم الله الرحمن الرحيم


تحذير المصلّين
من قطع الصّفّ بالأساطين



إنّ الحمد لله ؛ نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره .
و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيّئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضلّ له .
و من يُضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلاّ الله ؛ وحده لا شريك له .
و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله .

أمّا بعد :

فإنّ أصدق الحديث كلام الله - سبحانه - ، و خير الهدي هدي محمّدٍ – صلّى الله عليه و على آله و سلّم - ، و شرّ الأمور محدثاتها ، و كلّ محدثةٍ بدعة ، و كلّ بدعةٍ ضلالة ، و كلّ ضلالةٍ في النّار .

أمّا بعد :



فإنّه وقع الخلاف في مساجد المسلمين في حكم الصّلاة في الصّفوف المقّطّعة بالسّواري ، و المنبر الطّويل ، و المدافيء ، و الأساطين ؛ فانتصر لشرعيّته ناسٌ من الحزبيّين الحركيّين ؛ فرأيت - مستعيناً بالله العظيم - أن أرقم نصيحةً للمصلّين ؛
تحذيراً من هذا الشّرّ الجسيم ، و نصرةً لسنّة خاتم المرسلين - صلّى الله و سلّم عليه و على آله و صحبه أجمعين - .

فأقول - و بربّي أصول و أجول - :


[ أوّلاً ] :

1- عن معاوية بن قُرّة بن إياسٍ الُمزنيّ ؛ عن أبيه - رضي الله عنه - ؛ قال : (( كنّا نُنهى أن نصفّ بين السّواري على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم - ونُطرد عنها طرداً )) .

و في روايةٍ : (( كنّا نُنهى عن الصّلاة . . . )) .

و في أخرى : (( كنّا على عهد رسول الله - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - نُطرد طردًا أن نقوم بين السّواري في الصّلاة )) .

- أخرجه ابن ماجه ، و ابن خزيمة ، و ابن حبّان ، والحاكم ، و الطّبرانيّ ، و البيهقيّ ، و الطّيالسيّ ، و الدّولابيّ - رحمهم الله - ، وغيرهم .

- وهو حديثٌ صحيح ؛ ثبّته ابن خزيمة , وابن حبّان , و صحّحه الحاكم , و وافقه الذهبيّ ، و شيخنا الألبانيّ - يرحمهم الله - وغيرهم .

2 - قال أنسٌ - رضي الله عنه - : (( كنّا نتّقي هذا - [ أي : الصّلاة بين السّواري ] - على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم - )).

- أخرجه أحمد ، و النّسائيّ ، وأبو داود ، والتّرمذيّ ، و ابن خزيمة ، و ابن حبّان ، و الحاكم ، و عبد الرّزّاق ، و ابن أبي شيبة ، و البيهقيّ - رحمهم الله - ، وغيرهم .

- وهو حديثٌ صحيح ؛ ، ثبّته ابن خزيمة ، وابن حبّان ، و صحّحه الحاكم ، و الذّهبيّ ، و الحافظ ابن حجر ، وقال التّرمذيّ : (( حسنٌ صحيح )) ، وحسّنه السّيوطيّ ، وصحّحه شيخنا الألبانيّ ، و غيرهم - أيضا - .

- وقد جاء حديث أنسٍ - رضي الله عنه - بلفظ : (( ُنهينا أن نصلّيَ بين الأساطين )) .

- أخرجه ابن أبي شيبة - رحمه الله - ؛ وهو صحيح .

3 - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - ؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم - قال : (( . . . من وصل صفّاً وصله الله ، ومن قطع صفّاً قطعه الله )) .

- أخرجه أحمد ، و النّسائيّ ، و أبو داود ، و ابن خزيمة ، و الحاكم ، و البيهقيّ - رحمهم الله - ، وغيرهم .

- وهو حديثٌ صحيح ؛ ثبّته ابن خزيمة ، و صحّحه الحاكم ، والمنذريّ ، والذّهبيّ ، وابن حجر ، و السّيوطيّ ، و حسّنه النّوويّ ، و صحّحه شيخنا الألبانيّ ، و أحمد شاكر - رحمهم الله - ، وغيرهم .


[ ثانياً ] :

النّهي السّابق يفيد التّحريم ؛ لقوله - تعالى - : } وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا { [ الحشر : 7 ] ؛ فكيف و قد انضاف إلى ذلك ما استفاض عن النّبيّ - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - من الأمر بتسوية الصّفوف ، و النّهي عن قطعها ، و الدّعاء على فاعل ذلك بأن يقطعه الله - سبحانه - ، و الوعيد الشّديد على فعله ؟!.

هذا مع دعوة الإسلام إلى الاجتماع ، و التّراص الظّاهر و الباطن ، و دلالة الكتاب و السّنّة على ارتباط الظّاهر بالباطن ؛ فتفرّق الظّاهر دليلٌ على تفرّق الباطن ، و انقطاع أواصر الظّاهر دليل ذلك في الباطن ؛ و هذا لا نزاع في حرمته .

- وقد ذهب إلى حرمة هذا الأمر كثير ٌمن أهل العلم ؛ فهم :

- ثلّةٌ من فحول الأئمّة صرّحوا بوجوب تسوية الصّفوف ، و حرمة ما ينقضها - كقطع الصّفّ و نحوه - .

- و ثلّةٌ أخرى صرّحوا بالتّحريم في خصوص مسألة الصّلاة بين الأساطين و السّواري .

- فأماّ الأُوَل ؛ فمنهم : عمر - رضي الله عنه - ؛ إذ كان يضرب الأقدام لتسوية الصّفّ ؛ و ما كان ليضرب أحداً ، و يستبيح بشرةً محرّمةً على غير فرض ، و كذلك كان يفعل بلالٌ - رضي الله عنهما - ؛ يفعلانه بحضرة الصّحابة ؛ و لا ينكر عليهما أحد ، و هو قول أنسٍ - أيضاً - ، و غيرهم من الصّحابة . و هذا قول سعيدبن جُبير ، و عطاء ، و غيرهم .

- و به يقول : البخاريّ ، و ابن خزيمة ، و ابن حزم ، و شيخ الإسلام ، و ابن حجر ، و المنذريّ ، و النّوويّ ، و الشّوكانيّ ، و الصّنعانيّ ، و الألبانيّ - رحمهم الله - ، و غيرهم .

- و أمّا الثّلّة الثّانية ؛ فمنهم : أنس بن مالك ، ورُوي عن : ابن مسعود ، وحذيفة ، وابن عبّاسٍ - رضي الله عنهم - .

- ولا يُعلم لهم مخالفٌ في الصّحـــابة - كما قال ابن سيّد النّاس - رحمه الله - - .
- وذهب إلى النّهي - أيضاً - : إبراهيم النّخعيّ ، والإمام أحمد بن حنبل - و هو مذهبه - ، و إسحاق بن راهويه - رحمهم الله جميعاً - ، وطائفةٌ من أهل الحديث ؛ كالبخاريّ ، و التّرمذيّ ، و ابن خزيمة ، و ابن حبّان ، و البغويّ ، و البيهقيّ ، ، و ابن حجر ، و السّنديّ ، و المباركفوريّ ، و شرف الحقّ العظيم آباديّ ، و الألبانيّ ، وغيرهم - رحمهم الله - .

و من الفقهاء : ابن حبيب ، و ابن العربيّ ، و المحبّ الطّبريّ ، و ابن قدامة .

- وقال الشّوكاني - عفا الله عنّا و عنه - عن حديثي قرّة وأنس : (( ... و الحديثان المذكوران في الباب يدلاّن على كراهة الصّلاة بين السّواري ؛ و ظاهر حديث معاوية بن قرّة عن أبيه ، و حديث أنسٍ - الّذي ذكره الحاكم - أنّ ذلك محرّم )) .


[ ثالثاً ] :

- مثل سواري المسجد في الحكم : المدافئ ، وخِزانات المصاحف ، والمنبر الطّويل ، ونحو ذلك .

- و علّة الحكم هي القطع ؛ فأمّا الإمام ، و المنفرد ، و الصّفّ القصير - قدر ما بين السّاريتين - فلا يدخل في هذا الباب .

- و لا يحلّ لمن جاء فرداً و الصّفوف ممتلئةٌ ، و لا للجماعة إنشاء الصّفّ المقطوع بالسّواري و الأساطين .

- و لا يحلّ الالتحاق به - أيضاً - ؛ بل يصلّون في صفٍّ جديدٍ ؛ و لو كان الرّجل وحده ؛ لكنّ المنفرد إن استطاع أن يجذب رجلاً أو أكثر من الصّفّ المقطوع ليصلّوا - معه - في صفّه الجديد فإنّ ذلك يلزمه .

- و من هذا يُعلم أنّ الصّفّ الأوّل الفاضل هو أوّل صفٍّ متّصلٍ - كما قال سفيان الثّوريّ ، و غيره - ؛ و أمّا المنقطع ففي حكم الملغى .

- هذا و يخرج الحكم عن التّحريم إلى الجواز في حالة الضّرورة ؛كامتلاء المسجد ... ؛ فهنا عليه أن يتقدّم أو يتأخّر - عن الأساطين - ؛ فإمّا ... ؛ و إلاّ ... ؛ و إنّا لله و إنّا إليه راجعون ( ! ) .


[ رابعاً ] :

- أمَا و قد عرفنا حرمة الصّلاة في الصّفوف المقطّعة ؛ فهل هي ( صحيحةٌ مع الإثم ) ؛ أم أنّها باطلة ؟!.

- فأقول – سائلاً مولاي السّداد و التّوفيق - :

ليست الصّلاة في الصّفوف المقطّعة باطلة ؛ و قد ذهب إلى بطلان ذلك لمنافاته تسوية الصّفوف (( منجنيق الغرب )) ابن حزمٍ - عفا الله عنّا و عنه - ؛ و ردّ عليه ذلك ابن حجرٍ في " الفتح " ، و السّيوطيّ في " بسط الكفّ " ؛ و لا مكان - في هذه العُجالة المعدّة لتُعلّق في بعض المساجد - لنقض قوله ، و بيان وهيه .




[خامساً] :

- وبعد هذا البيان ؛ فإنّا ناقلون قول بارينا - عزّ وجلّ و علا - : { فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليم } [ النّور : 63 ] ، و قولـه - سبحانه - : { فلا و ربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهـم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليما } [ النّساء : 65 ] .

- فلا يجوز لمسلمٍ يخاف الله - عزّ و جلّ - ، ويعلم أنْ سيموت أن يقدّم عقله على دين الله - سبحانه وتعالى - ، ولا يحلّ لامرئٍ تقديم إرثه عن آبائه وأجداده ، أو تعصّبه لقول رجلٍ - أيٍّ كان - على حديث حبيبنا و هادينا محمّدٍ - عليه و على آله الصّلاة و السّلام - .

فاعجب و امتلئ عجباً ممّن يريد ( الجهاد ) ؛ و لا يستطيع مجاهدة نفسه ؛ لتنفيذ أمرٍ ، أو امتثال نهيٍ نبويّ ( !!! ) .

و لله درّ القائل :

إذا رُمـت أن تتـوخّى الهـدى .... و أن تــأتيَ الـحقّ من بابــه
فـدع كـلّ قـولٍ و من قـاله .... لقول الـنـّبيّ و أصـحـابـه
فلـن تنجُ من مـحدثات الأمور .... بـغـير الـحديث و أربـابـه



و الله أعلم .

و الحمد لله ربّ العالمين .


و كتب :
ــــــــــــ
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معــــاذبن يوســــــف الشّمّريّ
- وفّقه مولاه -
في : الأردن - إربد - حرسها الله - ،
في : 25 - ذو القعدة - 1418 هـ .

معاذ بن يوسف الشّمّريّ
21-10-2004, 02:15PM
بسم الله الرّحمن الرّحيم



الجواب على اعتراضات بعض الإخوة على أحكامي على أحاديث كتابتي
" تحذير المصلّين من قطع الصّفّ بالأساطين "



إنّ الحمد لله ؛ نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره .
و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيّئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضلّ له .
و من يُضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلاّ الله ؛ وحده لا شريك له .
و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله .

أمّا بعد :

فإنّ أصدق الحديث كلام الله - سبحانه - ، و خير الهدي هدي محمّدٍ - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - ، و شرّ الأمور محدثاتها ، و كلّ محدثةٍ بدعة ، و كلّ بدعةٍ ضلالة ، و كلّ ضلالةٍ في النّار .
أمّا بعد :

فلقد كنت نشرت كتابةً ؛ علوانها : " تحذير المصلّين من قطع الصّفّ بالأساطين " .

فكتب بعض الإخوة - وفّقه الله - اعتراضاتٍ على تخريجي المختصر لبعض أحاديثها .

و خلاصة ما كتب :

تجهيل هارون بن مسلمٍ ؛ المتفرّد برواية حديث قرّة بن إياسٍ المزنيّ - رضي الله عنه - .

و تضعيف رواية النّهي في حديث أنسٍ - رضي الله عنه - بالانقطاع .

أمّا جواب ذلك ؛ فأن أقول :

بُوركت - أخي - و جُزيت خيرًا لمشاركتك ؛

لولا :

أنّ أبا مسلمٍ هارون بن مسلمٍ - رحمه الله - حسن الحديث - على الأقلّ ؛

لا كما قلتَ - أصلحك الله - :

(( وهذا سندٌ ضعيف ؛

هارون بن مسلمٍ أبو مسلمٍ : مجهول ؛ كما قال الإمام ابن المدينيّ ، و الإمام أبو حاتٍم - رحمهم الله تعالى - .

قال الحافظ ابن رجبٍ - رحمه الله - في " شرح البخاري " (4/ 59 ) : قال ابن المدينّي : إسناده ليس بالصّافي ،

قال : وأبو مسلمٍ - هذا - مجهول .

وقال الإمام أبو حاتمٍ - رحمه الله - في " الجرح والتعديل 9 : 94 " : مجهول .

وكذلك قال الحافظ الذّهبيّ في " الميزان 4: 286 " : (( هارون بن مسلمٍ ؛ عن قتادة : مجهول )) .

وكذلك قال العلاّمة مقبلٌ الوادعيّ - رحمه الله - في " مستدرك الحاكم 1: 327 " .

ولذلك لم يذكره في كتابه " الصّحيح المسند ممّا ليس في الصّحيحين" )) ا.هـ

فأقول - مستعينًا بالله العظيم - :

بل اعذرني إن قلت : بحثك تنقصه الأمانة ( ! ) ؛

ففيه ما فيه من بتر النّصوص ، و نقل ما يوافق القول من عبارات أئمّة الجرح و التّعديل ( ! ) .

و بيان ذلك :

أنّك تنقل عن الذّهبيّ - رحمه الله - قوله في هارون : (( مجهول )) ؛

و أغفلت - أصلحك الله - قوله - معقّبًا - : (( قلت : روى عنه أبو داود الطّيالسيّ ، و سلمٌ بن قتيبة ، و عمر بن سنان )) ؛ و هذا ردٌّ لذلك التّجهيل - كما لا يخفى من صنيع الذّهبيّ في " ميزانه " - ؛ فالذّهبيّ ينقل كلّ ما قاله ابن عديٍّ في الرّجال - غالبًا - ؛ ثمّ يتعقّبه بقوله : (( قلت )) .

و الذّهبيّ لا يرى جهالة هارون - كما زعمت - ؛ بل يصحّح حديثه - هذا - الّذي تفرّد به ؛ كما في موافقته الحاكم على تصحيحه ( 1 / 218 ) .

و تصحيح إسنادٍ تفرّد به رجلٌ تعديلٌ له - كما لا يخفى - إن شاء الله - - .

هذا فيما يتعلّق بالذّهبيّ - رحمه الله - .

و أمّا أبو حاتمٍ - رحمه الله - ؛

فكان حقّك التّوقّف في قوله - رحمه الله - ؛

لسببين اثنين :

الأوّل : أنّه متعنّتٌ ؛ معروفٌ بذلك - رحمه الله - ؛

و لقد قال الذّهبيّ - رحمه الله - في " السّير : 13 / 260 " :

(( إذا وثّق أبو حاتمٍ رجلاً ؛ فتمسّك بقوله ؛ فإنّه لا يوثّق إلاّ رجلاً صحيح الحديث ،

و إذا ليّن رجلاً ، أو قال فيه : (( لا يحتجّ به )) ؛ فتوقّف ؛

حتّى ترى ما قال غيره فيه ؛

فإن وثّقه أحدٌ ؛ فلا تبِن على تجريح أبي حاتمٍ ؛

فإنّه متعنّتٌ في الرّجال ؛

فقد قال في طائفةٍ من رجال " الصّحاح " :

ليس بحجّة ، ليس بقويّ ، أو نحو ذلك )) ا.هـ

هذا هو السّبب الأوّل .

و الثّاني : أنّ أبا حاتمٍ - رحمه الله - عنه في هارون - هذا - روايتان :

الأولى : مجهول .

و الثّانية : شيخ .

و طبعة " الجرح و التّعديل " الوحيدة - علمي - الّتي نقلت منها ؛

فيها :

(( شيخٌ [ مجهول ] )) .

و كذلك في " تعجيل المنفعة : 427 " لابن حجر ؛ نقلاً عن أبي حاتمٍ - رحمهما الله - .

و من قيل فيه : شيخ ، ليس كمن قيل فيه : مجهول ، و كذلك ليست هذه العبارة كعبارة : شيخ مجهول .

فالأمانةَ الأمانةَ في النّقل .

بقي أن أقول :

أنّ هارون - هذا - لم يروِ ما يُنكر عليه ؛ بل لحديثه شاهدٌ ( حديث أنس ) ؛ و روى عنه جماعة ؛

منهم : من ذكرهم الذّهبيّ - عليه رحمة الله - ،

و عمر بن سنان الصُّغديّ ؛

الّذي ظنّ أبو حاتمٍ أنّه الوحيد الّذي يروي عن هارون ؛

أمّا و قد عرفت أنّه روى عنه ثلاثةٌ غيره ؛ كلّهم ثقات ؛

و لم يروِ ما ينكر ؛ بل لحديثه شاهدٌ ؛ و وثّقه ابن حبّان ، و لا شكّ أنّ من صحّح حديثه يوثّقونه ؛

لأنّه متفرّدٌ بروايته - كما قال البزّار - .

و المصحّحون هم : ابن خزيمة ، و ابن حبّان ، و الحاكم ، و الذّهبيّ ، و الألبانيّ - رحمهم الله - .

و لو لم يكن فيهم إلاّ ابن خزيمة - رحمه الله - لكفى ؛

فإخراجه الحديث في أصول كتابه توثيقٌ منه لرجاله ؛ لقوله - مرارًا - في " صحيحه " :

(( . . . بنقل العدل عن العدل ؛ موصولاً إليه - صلّى الله عليه و على أله و سلّم - ؛ من غير قطعٍ في أثناء الإسناد ، و لا جرحٍ في ناقلي الأخبار الّتي نذكرها - بمشيئة الله - تعالى - - )) ا.هـ

فرجال أصول ابن خزيمة عدولٌ ؛ معروفو العدالة - عنده - ؛ فكيف بإسنادٍ تفرّد به رجل ؟!؛ و أخرجه ابن خزيمة ؟!.

لا شكّ أنّه يعدّله ، و يعرفه .

و ليس يخفاك - أخي - أنّ من عَلِم حجّةٌ على من لم يعلم ؛ و من قال : مجهول ؛ فهذا علمه ؛ و لا يقضي على من علم ؛ فالنّفي ليس علمًا ، و عدم العلم ليس علمًا للعدم .

و لذلك أخطأ الحافظ في تقريبه عندما زعم أنّ هارون مستور ؛ إذ المستور - عنده - من قيل فيه : مجهول ، و لم يوثّق .

و هارون وثّقه ابن حبّان .

فكيف يقول فيه : مستور ؟!.

المهمّ :

هارون حسن الحديث - على الأقلّ - ،

و حديثه صحيحٌ بشهادة حديث أنسٍ - رضي الله عنه - ؛

إذ ما كان الصّحابة ليتّقوا السّواري في الصّفوف هذا الاتّقاء بدون نهيٍ ( ! ) .

فتدبّر ( ! ).

و قد ذكر شهادة حديث أنسٍ لحديثنا ناسٌ ؛

منهم :

البوصيريّ في " مصباح الزّجاجة : 1 / 191 " ؛ فقال :

(( و له شاهدٌ من حديث أنسٍ ؛ رواه أبو داود ، و التّرمذيّ ، و النّسائيّ )) .

و استشهد به - أيضًا - إمامنا الألبانيّ - رحمه الله - في " الصّحيحة : 1 656 ، و 936 ، و 939 " ، و " تمام المنّة : 297 " .

و قولي في هارون بن مسلمٍ أبي مسلمٍ - رحمه الله - هو خلاصة قول إمامنا الحافظ الألبانيّ - رحمه الله - ؛ الّذي شرحه في الأماكن المذكورة - آنفًا - ، و في " تيسير انتفاع الخلاّن بثقات ابن حبّان " ؛ فجزاه الله عنّا ، و عن الحديث خيرًا .

هذا ما يتعلّق بحديث قرّة - رضي الله عنه - .

و أمّا ما يتعلّق بحديث أنسٍ ؛ المرويّ - عند ابن أبي شيبة - بلفظ : (( نُهينا أن نصلّي بين الأساطين )) ؛ فإنّه صحيحٌ - كما ذكرت - ؛ و ذلك بشهادة حديث قرّة بن إياسٍ المزنيّ - رضي الله عنهما - .

فلا مكان لقولك :

(( أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنّف 2 : 148 " ؛ قال : حدّثنا هُشيم ؛ قال : أخبرنا خالدٌ ؛ (( عمّن حدثه )) ؛ عن أنس ؛ فذكره .

وهذا سندٌ منقطعٌ ؛ لا يصحّ )) .

أقول :

لا يسلم لك تضعيفه ؛ إذ تصحيحي إيّاه لشواهده ؛ لا لذاته ؛

إذ قلتُ :

(( أخرجه ابن أبي شيبة - رحمه الله - ؛ وهو صحيح )) ؛

فلم أصحّحه لذاته ؛ و لا قلت : سنده صحيح .

على أنّي لو قلت : إسناده صحيح ؛ فإنّ ذلك قد يحتمل صحّته لغيره - كما لا يخفى - .


و بهذا تسلم أحكامي على أحاديث الكتابة من الاعتراضات المذكورة .

اللّهمّ فلك الحمد .

و اسلم - أخي - من كلّ شرٍّ و سوء .


و الحمد لله ربّ العالمين .



و كتب :
ــــــــــــــــــ
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معـــــاذٌ بن يوســـــف الشّمّريّ
- أعانه ربّه -
في : إربد - حرسها الله -
في : ليلة 18 - شعبان - 1425 هـ .