معاذ بن يوسف الشّمّريّ
21-10-2004, 01:33PM
بسم الله الرّحمن الرّحيم
( فائدةٌ في الدّعاء )
الحمد لله ، و الصّلاة و السّلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من تولاّه .
أمّا بعد :
فإنّه يَكثُر أن تَسْمَع الدّاعين ربّهم - هذه الأيّام - يستثنون في دعائهم ؛ فيقول قائلهم : اللّهمّ اغفر لي - إن شئت - ( ! ) ، أو جزاك الله خيرًا - إن شاء الله - ( ! ) ؛ أو نحو ذلك .
و لمّا كان (( الدّعاء هو العبادة ))( ) - كما صحّ من حديث النّعمان بن بشيرٍ - رضي الله عنه - ؛ عند أحمد ، و أصحاب السّنن - إلاّ النّسائيّ ؛ فرواه في الكبرى - ، و غيرهم ، و من حديث البراء - رضي الله عنه - ؛ عند أبي يعلى ، و غيره - ، و قال ربّنا - سبحانه - : [ و قال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين ] ( غافر : 60 ) ؛ فبيّن أنّ الدّعاء هو العبادة .
و لمّا كان للعبادة و الدّعاء آدابٌ ؛ يجب أن تُراعى ؛ و حدودٌ ينبغي أن تُصان ؛ قال - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - ؛ كما في حديث عبد الله بن المغفّل - رضي الله عنه - - عند أحمد ، و أبي داود ، و ابن ماجه ، و غيرهم - يرحمهم الله - - : (( يكون قومٌ يعتدون في الدّعاء و الطّهور ))( ) .
و قال - سبحانه - : [ ادعوا ربّكم تضرّعًا و خُفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين ] ( الأعراف : 55 ) .
و صور الاعتداء - هذا - كثيرةٌ ؛ منها : الاستثناء فيه ، و ترك العزم في المسألة .
ففي الصّحيحين ؛ من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - ؛ أنّه قال : قال رسول الله - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - : (( إذا دعا أحدكم ؛ فليعزم المسألة ؛ و لا يقولنّ : اللّهمّ ؛ إن شئت فأعطني ؛ فإنّه لا مستكره له )) .
و فيهما - أيضًا - ؛ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : (( لا يقولنّ أحدكم : اللّهمّ اغفر لي - إن شئت - ، اللّهمّ ارحمني - إن شئت - ، اللّهمّ ارزقني - إن شئت - ؛ و لْيعزم المسألة ؛ فإنّه يفعل ما يشاء ؛ لا مُكره له )) .
و لا يقولنّ قائلٌ : أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - كان يستثني في دعائه للمريضٍ ؛ فيقول : (( لا بأس ؛ طهورٌ - إن شاء الله - )) ( !!! ) - كما عند البخاريّ في " صحيحه " ؛ من حديث ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - - .
فإن مختصر الجواب : أنّ الاستثناء - هنا - لم يقع من الدّعاء للمريض أن يكون مرضه مطهّرًا إيّاه من سيّئات الذّنوب ؛ بل وقع من أحد الخبرين ؛ الخبر بعدم البأس ، أو الطّهوريّة .
فإنّ من أدب الإسلام أن لا يُهوّل مرضٌ على مريض ؛ فتحًا لواسع باب الرّجاء ، و إيقادًا لجذوة الأمل ، و إيصاداً للتّرويع المُفضي إلى القنوط و الإياس ؛ فلذاك كان يُقال : (( لا بأس )) ؛ مع أنّه قد يكون بأسٌ ؛ بل بأسٌ شديد ؛ فلذلك استثنى - هنا - خشية الخبر غير الصّادق .
و لفظة ( طهور ) ؛ محتملةٌ وجهين : أن تكون إنشاءًا و دعاءًا ؛ أي : خبرًا أُريد به الطّلب ، أو تكون خبرًا محضًا ؛ فإذا كان الاستثناء واردًا في الحديث عليها ، أو عليها و على الخبر بعدم البأس ؛ لا أنّه في الثّاني - فقط - ؛ أقول : إذا كان ذلك فهذا استثناءٌ من الخبر المحض ؛ دون المتضمّن طلبًا .
و مثل ذلك - أيضًا - استثناؤه - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - من قوله عند فطره من صومه - الّذي رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - ؛ عند أبي داود ، و غيره : (( ذهب الظّمأ ، و ابتلّت العروق ، و ثبت الأجر - إن شاء الله - )) .
فهذا استثناءٌ من الخبر ؛ فليس ذا الذّكر دعاءًا ، و طلبًا ؛ بل خبرًا .
و الله أعلم .
و أنا أكتب هذه الفائدة ؛ لأنّه يرى بعض الإخوة الطيّبون في بعض كتاباتي ، و كتابات غيري - بحمد الله - ما يسرّهم ؛ فتراهم يَهْرَعون - مأجورين - إلى الدّعاء للكاتب بصنوف الخير ؛ لولا أنّهم يعكّرون ذلك بالعَدْوِ في المسألة ؛ بأن يستثنوا - هداهم الله - .
فهذا بيانٌ و ذكرى ، و الله يتولّى السّلفيّين .
و الحمد لله ربّ العالمين .
و كتب :
ـــــــــــــــ
( عبد الله )
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معــــاذٌ بن يوســـــف الشّمّريّ
- وفّقه مولاه -
في : إربد - حرسها الله - ،
في : 20 - شعبان - 1425 هـ .
( فائدةٌ في الدّعاء )
الحمد لله ، و الصّلاة و السّلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من تولاّه .
أمّا بعد :
فإنّه يَكثُر أن تَسْمَع الدّاعين ربّهم - هذه الأيّام - يستثنون في دعائهم ؛ فيقول قائلهم : اللّهمّ اغفر لي - إن شئت - ( ! ) ، أو جزاك الله خيرًا - إن شاء الله - ( ! ) ؛ أو نحو ذلك .
و لمّا كان (( الدّعاء هو العبادة ))( ) - كما صحّ من حديث النّعمان بن بشيرٍ - رضي الله عنه - ؛ عند أحمد ، و أصحاب السّنن - إلاّ النّسائيّ ؛ فرواه في الكبرى - ، و غيرهم ، و من حديث البراء - رضي الله عنه - ؛ عند أبي يعلى ، و غيره - ، و قال ربّنا - سبحانه - : [ و قال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين ] ( غافر : 60 ) ؛ فبيّن أنّ الدّعاء هو العبادة .
و لمّا كان للعبادة و الدّعاء آدابٌ ؛ يجب أن تُراعى ؛ و حدودٌ ينبغي أن تُصان ؛ قال - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - ؛ كما في حديث عبد الله بن المغفّل - رضي الله عنه - - عند أحمد ، و أبي داود ، و ابن ماجه ، و غيرهم - يرحمهم الله - - : (( يكون قومٌ يعتدون في الدّعاء و الطّهور ))( ) .
و قال - سبحانه - : [ ادعوا ربّكم تضرّعًا و خُفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين ] ( الأعراف : 55 ) .
و صور الاعتداء - هذا - كثيرةٌ ؛ منها : الاستثناء فيه ، و ترك العزم في المسألة .
ففي الصّحيحين ؛ من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - ؛ أنّه قال : قال رسول الله - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - : (( إذا دعا أحدكم ؛ فليعزم المسألة ؛ و لا يقولنّ : اللّهمّ ؛ إن شئت فأعطني ؛ فإنّه لا مستكره له )) .
و فيهما - أيضًا - ؛ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : (( لا يقولنّ أحدكم : اللّهمّ اغفر لي - إن شئت - ، اللّهمّ ارحمني - إن شئت - ، اللّهمّ ارزقني - إن شئت - ؛ و لْيعزم المسألة ؛ فإنّه يفعل ما يشاء ؛ لا مُكره له )) .
و لا يقولنّ قائلٌ : أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - كان يستثني في دعائه للمريضٍ ؛ فيقول : (( لا بأس ؛ طهورٌ - إن شاء الله - )) ( !!! ) - كما عند البخاريّ في " صحيحه " ؛ من حديث ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - - .
فإن مختصر الجواب : أنّ الاستثناء - هنا - لم يقع من الدّعاء للمريض أن يكون مرضه مطهّرًا إيّاه من سيّئات الذّنوب ؛ بل وقع من أحد الخبرين ؛ الخبر بعدم البأس ، أو الطّهوريّة .
فإنّ من أدب الإسلام أن لا يُهوّل مرضٌ على مريض ؛ فتحًا لواسع باب الرّجاء ، و إيقادًا لجذوة الأمل ، و إيصاداً للتّرويع المُفضي إلى القنوط و الإياس ؛ فلذاك كان يُقال : (( لا بأس )) ؛ مع أنّه قد يكون بأسٌ ؛ بل بأسٌ شديد ؛ فلذلك استثنى - هنا - خشية الخبر غير الصّادق .
و لفظة ( طهور ) ؛ محتملةٌ وجهين : أن تكون إنشاءًا و دعاءًا ؛ أي : خبرًا أُريد به الطّلب ، أو تكون خبرًا محضًا ؛ فإذا كان الاستثناء واردًا في الحديث عليها ، أو عليها و على الخبر بعدم البأس ؛ لا أنّه في الثّاني - فقط - ؛ أقول : إذا كان ذلك فهذا استثناءٌ من الخبر المحض ؛ دون المتضمّن طلبًا .
و مثل ذلك - أيضًا - استثناؤه - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - من قوله عند فطره من صومه - الّذي رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - ؛ عند أبي داود ، و غيره : (( ذهب الظّمأ ، و ابتلّت العروق ، و ثبت الأجر - إن شاء الله - )) .
فهذا استثناءٌ من الخبر ؛ فليس ذا الذّكر دعاءًا ، و طلبًا ؛ بل خبرًا .
و الله أعلم .
و أنا أكتب هذه الفائدة ؛ لأنّه يرى بعض الإخوة الطيّبون في بعض كتاباتي ، و كتابات غيري - بحمد الله - ما يسرّهم ؛ فتراهم يَهْرَعون - مأجورين - إلى الدّعاء للكاتب بصنوف الخير ؛ لولا أنّهم يعكّرون ذلك بالعَدْوِ في المسألة ؛ بأن يستثنوا - هداهم الله - .
فهذا بيانٌ و ذكرى ، و الله يتولّى السّلفيّين .
و الحمد لله ربّ العالمين .
و كتب :
ـــــــــــــــ
( عبد الله )
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معــــاذٌ بن يوســـــف الشّمّريّ
- وفّقه مولاه -
في : إربد - حرسها الله - ،
في : 20 - شعبان - 1425 هـ .