المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفتح الرباني في تبرئة الشيخ الألباني والرد على الأفاك الجاني


أبو حــــــاتم البُلَيْــــــدِي
22-10-2007, 03:12PM
الفتح الرباني في تبرئة الشيخ الألباني
والرد على الأفاك الجاني



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الرسول النبي الأمي المصطفى وعلى الآل والصحب ومن تبع الهدى وللأثر اقتفى، أما بعد:
قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله:[ اعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب ‏﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾‏ ].
لقد شاع وذاع بين العوام فضلا عن طلبة العلم خبر " الظاهرة " شمس الذين الجزائري الذي ظهر مراده من مقالاته من أول يوم كتب فيه.
وإن السكوت عن أمثال هؤلاء محمدة يشكر الإنسان عليها، إلا إذا استدعى الأمر ردَّ شبهة قد تتسلل إلى قلوب الناس ثم تصير عندهم دينا ومعتقدا يدينون الله به.
وفي هذه المقال باختصار ردُّ كذبة افتراها هذا الأفاك على فضيلة الشيخ العلامة محي السنة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، وأنا أقتصر هنا على ذكر تزكية واحدة لأحد أعمدة الدعوة السنية النقية وهو شيخ الإسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله ، حيث قال في الشيخ الألباني:
ما رأيت تحت أديم السماء عالماً بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وسئل سماحته عن حديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم-: << إن الله يبعث لهذه الأمه على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينه >> فسئل من مجدد هذا القرن، فقال -رحمه الله-: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم. ا.هـ

ومما هو ظاهر أن الشيخ الألباني - رحمه الله - قد زكاه علمه وثمرته في هذه الدعوة المباركة، فمن النادر أن تجد أناسا من العوام من لا يعرف الشيخ - رحمه الله - ولو معرفة اسمية فقط ، وهذا ما أغاظ أعداء الإسلام والسنة فراحوا يحاولون محاولة الغريق اليائس تشويه صورة هذا العالم الرباني عند الناس، ولكنهم عبثاً يحاولون، قال الله تعالى: ‏﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾‏
أي‏:‏ يقوم بنصر دينه، مخلصا له في ذلك، يقاتل في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا‏.‏ تفسير العلامة السعدي.
وهذا وعد من الله لينتصرن لأوليائه الأتقياء، ولقد رُفِعَتْ أقلامُ أهل الحق وأقوالُهم بالرد على هذا المجرم الأفاك الذي اعتدى على ورثة النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك انتصارا لدين الله عز وجل.

قال هذا الأفاك في مقال نشرته إحدى الصحف الجزائرية:
" تجويز ‬الزنا ‬على ‬أمهات ‬المؤمنين
ذهب الألباني إلى أن أمهات المؤمنين وزوجات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجوز عليهن الزنا!! الأمر الذي جعل تلميذه وصاحبه ورفيقه القديم الشيخ نسيب الرفاعي يفارقه ويثور غضبا لعرض سيد الخلق ثم ألف كتابه « نوال المنى في إثبات عصمة أمهات وأزواج الأنبياء من الزنا » وهو مطبوع متداول لمن يريد الاطلاع عليه، وقد استدل على أن أمهات المؤمنين محفوظات من الزنا لأنهن في بيت النبوة ولم يقع أن نقل وثبت أن زوجة لنبي فعلت الفاحشة لقول تعالى « الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات » النور، 26، واستدل ‬أيضا ‬بقوله ‬تعالى « ‬الزانية ‬لا ‬ينكحها ‬إلا ‬زان ‬أو ‬مشرك ‬وحرّم ‬ذلك ‬على ‬المؤمنين »‬، ‬النور،. ‬3 " ا.هـ

والذي يقف على هذا الكلام يظن أن الشيخ الألباني قال هذا الكلام، وهذا الأفاك تعمد ذكر لفظة " جواز " لشدة قبحها عند قارئها فهو صاحب مكر عامله الله بما يستحق.
ولكن الحق أبلج والباطل لجلج، وأعرض عليكم أيها القراء الكرام كلام الشيخ العلامة الألباني رحمه الله كاملاً حتى تقفوا على حقيقة الأمر، وأنه مبحث علمي يجب فيه الكلام بالحجة والبرهان ، وليس بالعاطفة والهذيان.

قال العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ( 6 / 26 – 35 ):

عائشة رضي الله عنها محفوظة غير معصومة

<< أما بعد يا عائشة ! فإنه قد بلغني عنك كذا و كذا، [ إنما أنت من بنات آدم ]، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه>>. و في رواية : << فإن التوبة من الذنب الندم >>.
أخرجه البخاري ( 8 / 363 - 364 - فتح ) و مسلم ( 8 / 116 ) و أحمد ( 6 / 196 ) و الرواية الأخرى له ( 6 / 364 ) و أبو يعلى ( 3 / 1208 و 1218 ) و الطبري في " التفسير " ( 18 / 73 و 75 ) و البغوي ( 6 / 74 ) من حديث عائشة - ‎رضي الله عنها - في حديثها الطويل عن قصة الإفك و نزول الوحي القرآني ببراءتها في آيات من سورة النور : ( إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم ... ) الآيات ( 11 - 20 ) ، و الزيادة التي بين المعقوفتين هي لأبي عوانة في " صحيحه " , و الطبراني في " معجمه " كما في " الفتح " ( 8 / 344 و 364 ).
و قوله : << ألممت >> . قال الحافظ: أي وقع منك على خلاف العادة، و هذا حقيقة الإلمام، و منه: ألمت بنا والليل مرخ مستورة. قال الداوودي : " أمرها بالاعتراف، و لم يندبها إلى الكتمان، للفرق بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و غيرهن، فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن و لا يكتمنه إياه، لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك بخلاف نساء الناس، فإنهن ندبن إلى الستر ".
ثم تعقبه الحافظ نقلا عن القاضي عياض فيما ادعاه من الأمر بالاعتراف، فليراجعه من شاء.
لكنهم سلموا له قوله: إنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك.
و ذلك غيرة من الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، و لكنه سبحانه صان السيدة عائشة - رضي الله عنها - و سائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهن ، و نزول التبرئة بخصوص السيدة عائشة - رضي الله عنها - ، و إن كان وقوع ذلك ممكنا من الناحية النظرية لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهن ، و لهذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم في القصة موقف المتريث المترقب نزول الوحي القاطع للشك في ذلك الذي ينبئ عنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الترجمة : << إنما أنت من بنات آدم، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله .. >> ، و لذلك قال الحافظ في صدد بيان ما في الحديث من الفوائد: " و فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي. نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ". يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع ببراءة عائشة - رضي الله عنها - إلا بعد نزول الوحي. ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن الوقوع ، و هو ما يدندن حوله كل حوادث القصة وكلام الشراح عليها ، و لا ينافي ذلك قول الحافظ ابن كثير ( 8 / 418 ) في تفسير قوله تعالى: ‏﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين ﴾‏ ( التحريم : 10 ). " و ليس المراد بقوله: ‏﴿ فخانتاهما ﴾‏ في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور ".
وقال هناك ( 6 / 81 ) : " ثم قال تعالى: ‏﴿ و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم ﴾‏، أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين ، و تحسبون ذلك يسيرا سهلا ، و لو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا ، فكيف و هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الأمي خاتم الأنبياء و سيد المرسلين ، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة نبيه و رسوله ما قيل ، فإن الله سبحانه و تعالى يغار لهذا ، وهو سبحانه لا (1) يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك ، حاشا و كلا ، و لما لم يكن ذلك ، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء زوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا و الآخرة ، و لهذا قال تعالى: ‏﴿ و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم ﴾‏ ". ا.هـ
أقول: فلا ينافي هذا ما ذكرنا من الإمكان ، لأن المقصود بـ " العصمة " الواردة في كلامه - رحمه الله - و ما في معناها إنما هي العصمة التي دل عليها الوحي الذي لولاه لوجب البقاء على الأصل ، و هو الإمكان المشار إليه ، فهي بالمعنى الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: << فالمعصوم من عصمه الله >> في حديث أخرجه البخاري و غيره ، و ليس المراد بها العصمة الخاصة بالأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، و هي التي تنافي الإمكان المذكور ، فالقول بهذه في غير الأنبياء إنما هو من القول على الله بغير علم ، و هذا ما صرح به أبو بكر الصديق نفسه في هذه القصة خلافا لهواه كأب ، فقد أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رضي الله عنها رأسها ، فقالت: ألا عذرتني ؟ فقال: أي سماء تظلني ، و أي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم ؟! (2) وهذا هو الموقف الذي يجب على كل مسلم أن يقفه تجاه كل مسألة لم يأت الشرع الحنيف بما يوافق هوى الرجل ، و لا يتخذ إلهه هواه.
و اعلم أن الذي دعاني إلى كتابة ما تقدم ، أن رجلا عاش برهة طويلة مع إخواننا السلفيين في حلب ، بل إنه كان رئيسا عليهم بعض الوقت ، ثم أحدث فيهم حدثاً دون برهان من الله و رسوله ، و هو أن دعاهم إلى القول بعصمة نساء النبي صلى الله عليه وسلم و أهل بيته و ذريته من الوقوع في الفاحشة ، و لما ناقشه في ذلك أحد إخوانه هناك ، و قال له: لعلك تعني عصمتهن التي دل عليها تاريخ حياتهن ، فَهُنَّ في ذلك كالخلفاء الأربعة و غيرهم من الصحابة المشهورين ، المنزهين منها و من غيرها من الكبائر ؟ فقال : لا ، إنما أريد شيئا زائدا على ذلك و هو عصمتهن التي دل عليها الشرع، و أخبر عنها دون غيرها مما يشترك فيها كل صالح و صالحة، أي العصمة التي تعني مقدما استحالة الوقوع ! و لما قيل له: هذا أمر غيبي لا يجوز القول به إلا بدليل، بل هو مخالف لما دلت عليه قصة الإفك، و موقف الرسول وأبي بكر الصديق فيها، فإنه يدل دلالة صريحة أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعتقد في عائشة العصمة المذكورة، كيف وهو يقول لها : << إنما أنت من بنات آدم ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ...>> الحديث:
فأجاب بأن ذلك كان من قبل نزول آية الأحزاب 33 :‏﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ﴾‏ ! جاهلا أو متجاهلا أن الآية المذكورة نزلت قبل قصة الإفك ، بدليل قول السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن صفوان بن المعطل السلمي : " فعرفني حين رآني ، و كان يراني قبل الحجاب " و فيه أنها احتجبت منه. و دليل آخر، و هو ما بينه الحافظ رحمه الله بقوله ( 8 / 351 ) : " و لا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، و في حديث الإفك : أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل زينب عنها. فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك ".
ثم اشتدت المجادلة بينهما في ذلك حتى أرسل إلي أحد الإخوان الغيورين الحريصين على وحدة الصف خطابا يشرح لي الأمر، و يستعجلني بالسفر إليهم ، قبل أن يتفاقم الأمر ، و ينفرط عقد الجماعة. فسافرت بالطائرة - و لأول مرة - إلى حلب، و معي اثنان من الإخوان، و أتينا الرجل في منزله، واقترحت عليهما أن يكون الغداء عنده تألفا له، فاستحسنا ذلك.
و بعد الغداء بدأنا بمناقشته فيما أحدثه من القول، و استمر النقاش معه إلى ما بعد صلاة العشاء، و لكن عبثاً، فقد كان مستسلما لرأيه، شأنه في ذلك شأن المتعصبة الذين يدافعون عن آرائهم دون أي اهتمام للأدلة المخالفة لهم ، بل لقد زاد هذا عليهم فصرح في المجلس بتكفير من يخالفه في قوله المذكور ، إلا أنه تنازل - بعد جهد جهيد - عن التكفير المشار إليه ، و اكتفى بالتصريح بتضليل المخالف أيا كان ! و لما يئسنا منه قلنا له : إن فرضك على غيرك أن يتبنى رأيك و هو غير مقتنع به ، ينافي أصلا من أصول الدعوة السلفية ، و هو أن الحاكمية لله وحده ، و ذكرناه بقوله تعالى في النصارى:‏﴿ اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله ﴾‏، و لهذا فحسبك أن يظل كل منكما عند رأيه ، ما دام أن أحدكما لم يقنع برأي الآخر، و لا تضلله ، كما هو لا يضللك ، و بذلك يمكنك أن تستمر في التعاون معه فيما أنتما متفقان عليه من أصول الدعوة و فروعها. فأصر على فرض رأيه عليه و إلا فلا تعاون، علما بأن هذا الذي يريد أن يفرض عليه رأيه هو أعرف منه و أفقه بالدعوة السلفية أصولا و فروعا، و إن كان ذاك أكثر ثقافة عامة منه.
و صباح اليوم التالي بلغنا إخوانه المقربين إليه بخلاصة المناقشة، و أن الرجل لا يزال مصرا على التضليل وعدم التعاون إلا بالخضوع لرأيه.
فأجمعوا أمرهم على عزله، و لكن بعد مناقشته أيضا، فذهبوا إليه في بيته - بعد استئذانه طبعا - و أنا معهم، وصاحباي فطلبوا منه التنازل عن إصراره و أن يدع الرجل على رأيه، و أن يستمر معهم في التعاون ، فرفض ذلك ، و بعد مناقشة شديدة بينه و بين مخالفه في الرأي وغيره من إخوانه ، خرج فيها الرجل عن طوره حتى قال لمخالفه لما ذكره بالله : أنا لا أريد أن تذكرني أنت بالله ! إلى غير ذلك من الأمور التي لا مجال لذكرها الآن ، و على ضوء ما سمعوا من إصراره ، و رأوا من سوء تصرفه مع ضيوفه اتفقوا على عزله ، و نصبوا غيره عليهم.
ثم أخذت الأيام تمضي، و الأخبار عنه تترى بأنه ينال من خصمه و يصفه بما ليس فيه، فلما تيقنت إصراره على رأيه و تقوله عليه ، و هو يعرف نزاهته و إخلاصه قرابة ثلاثين سنة ، أعلنت مقاطعته حتى يعود إلى رشده ، فكان كلما لقيني و هش إلي و بش أعرضت عنه. و يحكي للناس شاكيا إعراضي عنه متجاهلا فعلته، و أكثر الناس لا يعلمون بها، في الوقت الذي يتظاهر فيه بمدحي و الثناء علي و أنه تلميذي ! إلى أن فوجئت به في منزل أحد السلفيين في عمان في دعوة غداء في منتصف جمادى الأولى لسنة ( 1396 ) فسارع إلى استقبالي كعادته، فأعرضت عنه كعادتي، و على المائدة حاول أن يستدرجني إلى مكالمته بسؤاله إياي عن بعض الشخصيات العلمية التي لقيتها في سفري إلى ( المغرب ) ، وكنت حديث عهد بالرجوع منه، فقلت له: لا كلام بيني و بينك حتى تنهي مشكلتك !
قال: أي مشكلة ؟ قلت: أنت أدرى بها، فلم يستطع أن يكمل طعامه.
فقصصت على الإخوان الحاضرين قصته، و تعصبه لرأيه، و ظلمه لأخيه المخالف له، و اقترحت عقد جلسة خاصة ليسمعوا من الطرفين. و كان ذلك بعد يومين من ذلك اللقاء، فبعد أن انصرف الناس جميعا من الندوة التي كنت عقدتها في دار أحدهم في ( جبل النصر ) و بقي بعض الخاصة من الإخوان، بدأ النقاش، فإذا بهم يسمعون منه كلاما عجبا، و تناقضا غريبا، فهو من جهة يشكوني إليهم لمقاطعتي إياه، وأنه يهش إلي و يبش، و يتفاخر في المجالس بأني شيخه، و من جهة أخرى لما يجري البحث العلمي بيني وبينه يصرح بتضليلي أيضا و بمقاطعتي ! فيقول له الإخوان: كيف هذا، و أنت تشكو مقاطعته إياك ؟! فلا يجيب على سؤالهم، و إنما يخوض في جانب آخر من الموضوع.
وباختصار فقد انكشف للحاضرين إعجابه برأيه و إصراره عليه، و تعديه على من يزعم أنه شيخه و جزمه بضلاله، و الله المستعان. فإذا قيل له: رأيك هذا هو وحي السماء، ألا يمكن أن يكون خطأ ؟ قال: بلى، فإذا قيل له: فكيف تجزم بضلال مخالفك مع احتمال أن يكون الصواب معه؟ لم يحر جوابا، و إنما يعود ليجادل بصوت مرتفع، فإذا ذكر بذلك قال: عدم المؤاخذة، لقد قلت لكم: هذه عادتي ! فلا تؤاخذوني ! فطالبه بعض الحاضرين بالدليل على العصمة التي يزعمها، فتلى آية التطهير :‏﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ﴾‏، فقيل له : الإرادة في هذه الآية شرعية أم كونية، فأجاب: كونية ! فقيل له: هذا يستلزم أن أولاد فاطمة أيضا معصومون ! قال: نعم. قيل و أولاد أولادها؟ فصاح و فر من الجواب. و واضح من كلامه أنه يقول بعصمة أهل البيت جميعا إلى يوم يبعثون، و لكنه لا يفصح بذلك لقبحه. فقام صاحب الدار و أتى برسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - و قرأ منها فصلا هاما في بيان الفرق بين الإرادة الشرعية و الإرادة الكونية، فالأولى محبته تعالى و رضاه لما أراده من الإيمان والعمل الصالح، و لا تستلزم وقوع المراد، بخلاف الإرادة الكونية، فهي تستلزم وقوع ما أراده تعالى، و لكنها عامة تشمل الخير و الشر، كما في قوله تعالى : ‏﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾‏، ( يس : 82 )، فعلى هذا، فإذا كانت الإرادة في آية التطهير إرادة شرعية فهي لا تستلزم وقوع المراد من التطهير، و إنما محبته تعالى لأهل البيت أن يتطهروا، بخلاف ما لو كانت إرادة كونية فمعنى ذلك أن تطهيرهم أمر كائن لابد منه، و هو متمسك الشيعة في قولهم بعصمة أهل البيت، و قد بين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ضلالهم في ذلك بيانا شافيا في مواطن عديدة من كتابه " منهاج السنة "، فلا بأس من أن أنقل إلى القراء الكرام طرفا منه لصلته الوثيقة بما نحن فيه، فقال في صدد رده على الشيعي المدعي عصمة علي رضي الله عنه بالآية السابقة : " و أما آية ( الأحزاب 33 ) : ( و يطهركم تطهيرا ) فليس فيها إخبار بذهاب الرجس وبالطهارة، بل فيها الأمر لهم بما يوجبهما، و ذلك كقوله تعالى ( المائدة 6 ) : ‏﴿ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج و لكن يريد ليطهركم ﴾‏، و ( النساء : 26 ) : ‏﴿ يريد الله ليبين لكم و يهديكم ﴾‏، و ( النساء : 28 ) : ‏﴿ يريد الله أن يخفف عنكم ﴾‏.
فالإرادة هنا متضمنة للأمر و المحبة و الرضا ليست هي الملتزمة لوقوع المراد، و لو كان كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته. و هذا على قول شيعة زماننا أوجه، فإنهم معتزلة يقولون: إن الله يريد ما لا يكون، فقوله تعالى : ‏﴿ يريد الله ليذهب عنكم الرجس ﴾‏ إذا كان بفعل المأمور و ترك المحظور، كان ذلك متعلقا بإرادتهم و بأفعالهم، فإن فعلوا ما أمروا به طهروا. و مما يبين أن ذلك مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الكساء على علي و فاطمة و الحسن و الحسين ثم قال : << اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا >>. رواه مسلم من حديث عائشة، و رواه أهل السنن من حديث أم سلمة.
وفيه دليل على أنه تعالى قادرا على إذهاب الرجس والتطهير، و أنه خالق أفعال العباد، ردا على المعتزلي. و مما يبين أن الآية متضمنة للأمر و النهي قوله في سياق الكلام :
‏﴿ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينه ﴾ - إلى قوله - ‏﴿ و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى * و أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن الله و رسوله * إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا * و اذكرن ما يتلى في بيوتكن ﴾‏، ( الأحزاب 30 - 34 ) ، فهذا السياق يدل على أن ذلك أمر و نهي، و أن الزوجات من أهل البيت، فإن السياق إنما هو في مخاطبتهن و يدل الضمير المذكر على أنه عم غير زوجاته كعلي و فاطمة وابنيهما " (3) .
و قال في " مجموعة الفتاوى " ( 11 / 267 ) عقب آية التطهير: " و المعنى أنه أمركم بما يذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا، فمن أطاع أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بخلاف من عصاه ".
و قال المحقق الآلوسي في تفسير الآية المذكورة بعد أن ذكر معنى ما تقدم عن ابن تيمية ( 7 / 47 - بولاق ): " و بالجملة لو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت و طهركم تطهيرا. و أيضا لو كانت مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون الصحابة لاسيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لقوله تعالى فيهم:
‏﴿ ولكن يريد ليطهركم و ليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ﴾‏، بل لعل هذا أفيد لما فيه من قوله سبحانه :‏﴿ و ليتم نعمته عليكم ﴾‏، فإن وقوع هذا الإتمام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي و شر الشيطان ". و للبحث عنده تتمة لا يخرج مضمونه عما تقدم، و لكن فيه تأكيد له، فمن شاء فليراجعه.
فأقول : لقد أطلت الكلام في مسألة العصمة المزعومة، لأهميتها و لصلتها الوثقى بحديث عائشة - رضي الله عنها - و تذكيرا للأخر المشار إليه لعله يجد فيما كتبت ما ينير له سبيل الهداية، و العودة لمواصلة أخيه، راجعا عن إضلاله، و للتاريخ و العبرة أخيراً. ثم توفي الرجل بعد كتابه هذا بسنين طويلة إلى رحمة الله و مغفرته، و معذرة إلى بعض الإخوان الذين قد يرون في هذا النقد العلمي و فيما يأتي ما لا يروق لهم، فأذكرهم بأن العلم الذي عشته دهري هو الذي لا يسعني مخالفته، و ما قول البخاري و سليمان بن حرب الآتي تحت رقم 2630 في ( حرب بن ميمون ) : " هو أكذب الخلق " - و ذلك بعد موته - عنهم ببعيد. انتهى النقل.
السلسلة الصحيحة: المجلد السادس - القسم الأول / صفحة 26 - 35

وبعد نقل كلام الشيخ - رحمه الله - كاملاً في هذه المسألة يتبين لكل من كان في قلبه شك في هذه المسألة من هو المصيب من المخطئ.
وليس أنا من يضيف عقب كلام العلماء، ولكن أقتبس من كلام الشيخ - رحمه الله - في هذا المبحث عبارة تدل على حبه وغيرته على عرض أمهات المؤمنين - رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن - وأنه ينزههن - كما دلت على ذلك سيرتهن النقية - من الفاحشة، حيث قال رحمه الله: " و لكنه سبحانه صان السيدة عائشة - رضي الله عنها - و سائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهن " وهذه النقول كافية بحمد الله لتبرئته العلامة الألباني مما افتراه عليه هذا الأفاك الجاني.

* وأحببت في الأخير أن أُعَرِّضَ بهذا الفصل للحد من تجاوزات هذا الدَّعي:
لقد صال وجال بالطعن في علماء الأمة والدفاع عن أهل الأهواء وعلى رأسهم سيد قطب ومن قبله من معتزلة وجهمية وأشاعرة وصوفية انتهاءً إلى الحزبية العصرية من إخوانية وتبليغية وكلما ازدادت الفرق والأحزاب ازداد مناصرة لها بالباطل..

المهم:
قد شَنَّعَ هذا الكاتب كثيراً على العلماء الذين انتقدوا بعض أهل البدع والأهواء، وركز على الشيخ ربيع في انتقاده لسيد قطب، كما أنه لم يفوت العلماء الآخرين الذين انتقدوا أهل البدع.
وعلينا ألا نُفَوِّتَ مثل هذه الافتراءات حتى نطالبه بما يبين ويكشف حقيقته للناس:

الكاتب شمس الدين بوروبي:
- نطلب منك أن تعرض على الأفاضل من القراء الأخطاءَ التي انتقدها الشيخ ربيع بن هادي المدخلي على سيد قطب نقطةً نقطة، ثم تنتقدها من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف، وأنا أجزم لك - موقناً - أن الشيخ ربيعاً - حفظه الله - سيتراجع عن كل الأخطاء التي ستبينها له بالدليل.

- نطلب منك أن تعرض الأخطاء التي انتقدها الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - على يوسف القرضاوي وتبين للقراء أن القرضاوي هو المصيب وأن الشيخ مقبلاً هو المخطئ.
ولا تنس - لزاماً - ذكر أمر القرضاوي الذي قال كلمة الكفر الأكبر وهو يسخر من الله عز وجل وينقص من عظمته بقوله: " أيها الأخوة قبل أن أقوم من مقامي هذا أحب أن أقول كلمة عن نتائج الإنتخابات الإسرائيلية العرب كانوا معلقين كل آمالهم على نجاح بيريز وقد سقط بيريز وهذا مما نحمده في إسرائيل نتمنى أن تكون بلادنا مثل هذه البلاد من أجل مجموعة قليلة يسقط واحد والشعب هو الذي يحكم ليس هناك التسعات الأربع أو التسعات الخمس التي نعرفها في بلادنا تسعة وتسعين وتسعة وتسعين من مية ماهذا؟ ((( لو أن الله عرض نفسه على الناس ما أخذ هذه النسبة ولكنها الكذب والغش والخداع نحيِّ إسرائيل على ما فعلت )))". وهذا الكلام موجود بصوته والعياذ بالله.

- نطالبك بذكر بقية الأخطاء التي انتقدها أهل السنة على أهل الأهواء الذين ذكرتهم مثل " سفر الحوالي " و " محمد حسان " و " القرني " ... وغيرهم، ثم قم ببيان خطئهم فيما انتقدوه على هؤلاء الأشخاص، ولك الوقت الذي يناسبك لتفعل ذلك.
أيها الإخوة والأحبة، اعلموا أن هذا الشخص ما ضر إلا نفسه، وأن أصغر طلبة العلم السنيين يستطيع إفحامه فضلاً عن الشيوخ أهل العلم، فلا تبتئسوا بما كان يقول وينشر، إن كل ما قاله سيكون حصرة عليه بإذن الله ثم يهزم هو ومن يدعمه ويولون الدبر خائبين.
وكلمة الله هي العليا، والحمد لله أولاً وآخراً.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً.

محبكم
البُلَيْــــــدِي
ليلة الإثنين 10 شوال 1428
الموافق لـ 22 أكتوبر 2007
البليدة - الجزائر

ــــــــــــــــ
[1] كذا الأصل , و لعل الصواب " لم " كما يدل عليه قوله الآتي : " و لما لم يكن ذلك ... " .
[2] كذا في " روح المعاني " للآلوسي ( 6 / 38 ) و عزاه الحافظ في " الفتح " ( 8 / 366 ) للطبري و أبي عوانة .
[3] " المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض و الاعتزال " ( ص 168 )، و راجع منه ( ص 84 ، 427 - 428 و 446 - 448 و 473 و 551 ) . اهـ .