المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سنن المسجد التي أخل بها الكثير


حسن بن داود بوقليل
14-02-2004, 12:00PM
بسم الله الرحمن الرحيم

آداب المسجد بين الإفراط والتفريط

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، متمما مكارم الدين، نبينا محمد ، وعلى آله الطاهرين الطيبين، أما بعد:
فإنه من المعلوم لدى كل مسلم أن ديننا الحنيف دين أدب وخلق وسمت، ولهذا فإن الله عز وجل قد بعث نبيه ، لإتمام ما نقص من هذه الآداب والأخلاق التي كانت قبل الإسلام، وكان أهل الجاهلية يفتخرون بها، فقال : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي رواية: "صالح الأخلاق" ( ).
وأعظم الآداب التي ينبغي للمسلم مراعاتها: هي أدب العبد مع ربّه، وذلك بإصلاح ما أفسده الشرك ـ أكبر كان أو أصغرـ، ويكون هذا بتوحيد الله عز وجل وعبادته؛ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
والآداب التي أمر الله بها كثيرة، من ذلك آداب المساجد، التي هي بيوت الله عز وجل، فالمسلم إذا قصد بيت ربّه عز وجل لأداء أعظم عبادة بعد التوحيد وهي الصلاة، حريٌّ به أن يتخلَّق بالسَّمت الحسن، فقد جاء عن سلمان الفارسي  قال: قال رسول الله : " من توضأ وجاء إلى المسجد فهو زائر الله عز وجل، وحق على المزور أن يكرم الزائر" (2)، فجدير بالمسلم إذا دخل المسجد أن يلتزم آدابه، حتى ينال إكرام الله عز وجل له.
والمساجد لم تُبنَ إلاّ لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن وما كان في هذا المعنى، فقد جاء عن النبي  أنه قال عنها: "إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن "(3).
ـ قال النووي ـ رحمه الله ـ: (فيه صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والقذى والبصاق ورفع الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود وما في معنى ذلك)(4).
ـ قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: (وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار، وظاهر الحصر في رواية مسلم عن أنس أنه لايجوز في المسجد شيء غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر، لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به، ولاريب أن فعل غير المذكورات وما في معناه خلاف الأولى، والله أعلم)( ).
ـ قال الإمام الشوكاني ـرحمه الله ـ شارحاً الحديث: (فإن هذا الحصر يدل على أنه لا يجوز غير الصلاة والذكر في المسجد إلا بدليل، كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه أنزل وفد ثقيف في مسجده قبل إسلامهم( )، وثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم أنزل وفد الحبشة في مسجده، ولعبوا فيه بحِرَابهم وهو ينظر إليهم( )، وفي كلا الفعلين مصلحة ظاهرة عائدة على الإسلام) ( ).اﻫ
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي  قال: "لا تتخذوا المساجد طرقاً، إلا لذكر أو صلاة" ( ).

ومن هذه الآداب الكلام المباح في المسجد، فإن الناس فيه طرفان ووسط:
ـ قوم غلوا في النهي عنه، واستدلوا بما لا يصح عن النبي : "الكلام المباح في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" وهو حديث لا أصل له ( ).
ـ وقوم فرطوا في اجتنابه، وأكثروا منه، حتى صار شغلهم الشاغل، وعرفوا به، فإنه من أكثر من شيء عرف به.
ـ وقوم توسطوا بين الفريقين، فلم يمنعوا الناس منه لحاجتهم إليه أحيانا، ولم يشتغلوا به عن عبادة ربهم عز وجل، وهذا هو العدل الذي جاء به الدين، فإن النبي  قد ورد عنه وعن أصحابه رضي الله عنهم، أنهم تكلموا في المسجد كلاما مباحا، مع تعبدهم لله عز وجل حق عبادته، فصدق فيهم قول الله تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" [ النور: 36 ـ 37 ].
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: (أي أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها) ( ).
واعلم ـ رحمك الله ـ أن الإسلام لم يمنع الكلام المباح مالم يكن فيه تشويش على المتعبدين في المسجد، ولكن على أن لا يكون فيه إعراض عن الصلاة، أو تشاغل عنها ( ).
ـ قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ: (والتحدث في المسجد بما لا إثم فيه من أمور الدنيا مباح، وذكر الله تعالى فيه أفضل) ( ).
ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله في المسجد فحسن، وأما المحرم فهو في المسجد أشد تحريماً، وكذلك المكروه، ويكره فيه فضول الكلام)( ).
ـ قال الإمام ابن الحاج ـ رحمه الله ـ: (يُنهى الناس عما يفعلونه من الحِلَق والجلوس جماعة في المسجد للحديث في أمر الدنيا وما جرى لفلان وما جرى على فلان). وقال: (إنما يُجلس في المسجد لما تقدم ذكره من الصلاة والتلاوة والذكر والتفكر أو تدريس العلم، بشرط عدم رفع الصوت وعدم التشويش على المصلين والذاكرين) ( ).
ـ قال الشيخ العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في معرِض ذكر الأمور الجائزة في المسجد: (الكلام المباح أحياناً، بحيث أن لا يجعله ذلك ديدنه، لقول جابر بن سمرة : "شهدت النبي  أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسم معهم"( ).
ـ وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
س: هل يجوز الكلام الدنيوي في داخل المسجد وفي غير وقت الصلاة؟
ج: لا يجوز اتخاذ المساجد أماكن للبيع والتجارة ونحوها من أمور الدنيا مما ترتفع فيه الأصوات؛ لأن المساجد إنما بنيت لذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصلاة فيها، لكن يجوز الكلام القليل في شئون الدنيا على وجه لا يشغل من حولهما من القراء أوالمصلين.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز

انتهى كلام اللجنة الدائمة. (6/280 رقم الفتوى: 8898)

طارق بن حسن
14-02-2004, 10:32PM
جزاك الله خير يا أخ حسن