المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متى تكون من العثرات التجاوز عما يصدر من الاخوان من عثرات


عمرو التهامى
20-02-2018, 06:13PM
متى تكون من العثرات التجاوز عما يصدر من الاخوان من عثرات

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من كريم الأخلاق و جميل السجايا ومما يرفع العبد و يعلي منزلته عند الخالق الرازق سبحانه الذى خلقه خُلق الحلم والعفو والتجاوز عن العثرات والصفح عنها بل مقابلتها بالاحسان و الإكرام فذلك خلق الأنبياء : أن لا يزيد سفه السفهاء عليهم و تطاول الحمقى المغفلين و الأغبياء و الماجنين الا حلما و تغافلا و غفرانا و صفحا بل و اكراما
وقد اثنى الرب على نبينا صلى الله عليه وسلم في خلقه لأنه تميز بذلك و بكل خلق جميل وحياء رفيع وأدب جم وتجاهل للعثرات و تغافل عن اللئم والتطاول في مواضع السيئات فقال رب الأرض والسموات سبحانه " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura68-aya4.html) " فكان كريم الاخلاق منه كالعفو عند الغضب سجية لا يكاد يتكلفها ولا يريد بذلك مدحة الخَلق و خدمتهم وشرف ثناءهم انما رضا لله ولتقدي به الأمه
ولذلك جاء في مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان خُلُقُه القرآنَ
قال تعالى " وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ "قال بن تيمية الذي لا عتاب معه .
فلم يكن يحقد ويغضب في غير محل الغضب ولم يكن حقودا حاشاه فان الحقد شؤم على العبد والغضب في غير محله نقص به وهوج و مجمع للشر و لذلك كما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها انها روت عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه حين ادمى قدمه سفاء الطائف بالحجارة ولجأ الى بستان جاء ملك الجبال فسلم عليه وقال إن شئت لأطبقن عليهم الأخشبين... فقال لا تفعل لعل الله يخرج من اصلابهم من يعبد الله لايشرك به شيئا . فلم يحقد بعد غضب ينسيه كريم الأخلاق و الحلم و الصفح
قال ابن حبان رحمه الله : الحقد أصل الشر، ومن أضمر الشر في قلبه ، أنبت له نباتاً مراً مذاقه ، نماؤه الغيظ، وثمرته الندم . ( روضة العقلاء ١٣٤)
بل كان يتغافل ان وجد على رجل شيء يكرهه ما لم يكن اثما قد حضر فقال كما في صحيح البخاري عن عائشة أن رجلاً استأذن على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئسَ أخو العشيرةِ، وبئسَ ابنُ العشيرةِ ...فلما جلس تطلَّقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في وجهِه وانبسطَ إليه ....
وذلك لمصلحة الدعوة والتي كان يقدمها على مصلحته و ذاته و لذلك كان سلفنا يقولون التغافل تسعة أعشار الأخلاق
و يكبر فضله ان تَحَمَل احمقا ظن ان تغافله ضعفا وصبره جبنا بل لا يلتف ويرجو المثوبة من الله
قال بن القيم: مِنَ المروءة التغافُلُ عن عَثَرَات الناس ، وإشعارهم أنَّك لا تعلمُ لأحدٍ منهم عثْرة .(مدارج السالكين لابن القيِّم ٢ / ٣٣٥)
و مبدأ الحقد الغضب وسوء الظن وحب الانتقام فليبرد غضبه وليطهر نفسه من الحقد بالعلم النافع بمعرفة عاقبة من تجاوز عن العثرات و كظم غيظه واعرض عن الانتقام ممن اساء اليه من خَلْقِ رب الأرض والسموات فإن الله سيعطيه من لذة عناق الحور ممن يختار لجمالهن فوق لذة التشفي..وخياله الزائف فخرج أبو داود في سننه عن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كظمَ غيظًا ، وهو قادرٌ علَى أنْ يُنْفِذَه دعاه اللهُ عزَّ وجلَّ علَى رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرَهُ اللهُ منَ الحورِ ما شاءَ .
وليعود نفسه على الصمت عند الاستفزاز فقد خرج الترمذي وابن ابي الدنيا في كتاب الصمت عن عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن صَمت نَجا.
فمن العمل بالعلم الصمت عن محاورة الجاهلين عند التطاول والجرأة قال ابن قتيبة إذا فَاتكَ الأدبُ فالزَمِ الصَّمت .[عيون الأخبار (١٩/٢)]
ولكن تنبه فليس هذا على اطلاقة فإن الحلم إذا قام مقتضى الشدة خور وجبن فمن الخطأ الصمت والإعراض عن من يؤدي الصمت عنه الى ضرر متعديا في الدين فلابد ان يزجر و يوقف عند حده حتى لا يتعدى شره.. وهذا يقدره صاحب الاجتهاد من اهل العلم ومن سلك مسلكهم ولذلك اقر نبينا سب الناس وزجرهم لمن كرر اذية جاره بلا مسوغ شرعي فخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبى هريرة قال قال قال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ! إِنَّ لي جَارً يُؤْذِينِي ، فقال : انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إلى الطَّرِيقِ فانطلقَ فَأَخْرِجَ مَتَاعَهُ ، فَاجتمعَ الناسُ عليهِ ، فَقَالوا : ما شأنُكَ ؟ قال : لي جَارٌ يُؤْذِينِي ، فذكرْتُ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ فقال : انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إلى الطَّرِيقِ فَجَعَلوا يقولونَ : اللهمَّ ! العنهُ ، اللهمَّ ! اخْزِهِ ، فَبلغَهُ فأتاهُ فقال : ارْجِعْ إلى منزلِكَ ، فوَاللهِ ! لا أُؤْذِيكَ
ومما جاء في صحيح البخاري لما القوا عليه وهو ساجد سلا الجزور وتضاحكوا ومالوا من الضحك دعا عليهم وقال اللهم عليك بقريش فهابوا اذ كانوا يرون ان الدعاء بمكة مستجاب
كذا إذا تطاول شخص على رجل من ذوي العلم فأراد بموقف ان يجعله مسخرة ومضحكة فكيف اذا سكتوا من حوله سيقبل العلم منه وتركت هيبة العلم تسقط فالحكيم حينئذ يقف موقف الحزم والترهيب والزجر حتى يبق مكانه ليعلم ويستفاد منه كما قال رجل لأبي هريرة لماذا سموك بابي هريرة فقال اما تفرق مني..!!! خرجه بعض اهل السنن وهو صحيح
علمه هيبة صاحب العلم وان لا ينسيه التباسط هيبته فلا يستفيد منه ولا يستغل الوقت في الانتفاع به بدل مواضيع جانبية أجنبية عن الاستفادة من وقت صاحب العلم الثمين ولذلك يجتهد شياطين الإنس والجن والحساد لإسقاط مكانة صاحب العلم فاول شيء يفكروا فيه العجلة تكذيبه و رميه بهتانا بالكذب بلا تثبت ولا فقه ثم السخرية منه ليفوز الشيطان بقيادة الناس بعد سقوط هيبته للنار فانما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير ولذلك ما تغافل نبينا عمن قال له لم تعدل يا محمد فرد عليه ....وامتنع من قتله تركا للمفسدة الراجحة...فقد قال لذلك الهالك المنافق قالَ لهُ رجلٌ : اعدِل يا نبيَّ اللَّهِ فقالَ لهُ رسولُ اللَّهِ ويحَكَ فمَن يَعدلُ إن لَم أعدِلْ ؟ قد خِبتُ وخسَرتُ إن كنتُ لا أعدِلُ قالَ : إنَّ هذَا وأصحابَهُ يخرجونَ فيكُم ، يقرؤونَ القرآنَ لا يجاوزُ حناجرَهم يمرُقونَ منَ الدِّينِ مروقَ السَّهمِ منَ الرَّميَّةِ فقالَ عمرُ : يا رسولَ اللَّهِ ألا أضربُ عنقَهُ ، فإنَّهُ منافقٌ ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ : معاذَ اللَّهِ أن يتحدَّثَ النَّاسُ أنِّي أقتلُ أصحابي .
وقد غضب بابي وامي ورد في مواضع لم يرى انه جائز السكوت فيها وذلك هو تعريف الحكمة ويحتاج الى تؤدة وعلم وحكمة وفقه ولذلك قال رجل للامام قد اغتبتك فسامحني فقال على شرط الا تعود وابن عثيمين قال له رجل كذلك فاظهر عدم مسامحته توبيخا حتى لا يتجرأ الناس على أهل العلم.
قال تعالى : " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "
اللهم اجعلنا منهم وارزقنا كلمة الحق ونصرة الحق في الرضا والغضب بلا هوى وتعصب لرأي و لا حزب...
آمين... يارب العالمين،،،
كتبه /

أبوعبدالله ماهر بن ظافر القحطاني