مشاهدة النسخة كاملة : [متجدد] تطريز رياض الصالحين
ام عادل السلفية
12-01-2016, 07:53AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
مقدمة الشارح :
الحمدُ لِلَّهِ الذَّي منَّ على الصالحين بذِكره وطاعَتِه ، فَرَتَعوا في رياض الجنَّة لشُغْلِهم بمُراقَبَتِه وعِبَادَتِه .
وَأشْهَدُ أنْ لا إِله إِلا اللهُ ، وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه في ربوبيَّته وإلهيَّته وأسمائِهِ وصفاتِهِ ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، وصفيُّه من مخلوقاتِه ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِِ وأتباعِهِ : أهلِ دينِه ووُلاته وسلَّم تسليمًا .
أما بعد :
فإنَّ كتاب ( رياض الصَّالحين ) مِن أنفع الكتب المختصرة ؛ لأنَّه مشتمل على أحاديث صحيحة وآيات كريمة ، تَحُثُّ على سلوك الطُّرق الموصلة إلى الجنَّة ، من الأعمال الصَّالحة ، والآداب الباطنة والظَّاهرة ، فَجَزى الله مؤلَّفه خيرًا ، وغَفَر له ، ولوالديه ، ومشايخه ، وسائر أحبابه ، والمسلمين أجمعين .
وقال الامام النووي رحمه الله :
فَرَأَيتُ : أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَراً منَ الأحاديثِ الصَّحيحَةِ ، مشْتَمِلاً عَلَى مَا يكُونُ طَرِيقاً لِصَاحبهِ إِلى الآخِرَةِ ، ومُحَصِّلاً لآدَابِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ . جَامِعاً للترغيب والترهيب ، وسائر أنواع آداب السالكين : من أحاديث الزهد ورياضات النُّفُوسِ ، وتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ ، وطَهَارَاتِ القُلوبِ وَعِلاجِهَا ، وصِيانَةِ الجَوَارحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا ، وغَيرِ ذلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعارفِينَ .
وَألتَزِمُ فيهِ أَنْ لا أَذْكُرَ إلا حَدِيثاً صَحِيحاً مِنَ الْوَاضِحَاتِ ، مُضَافاً إِلى الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُوراتِ . وأُصَدِّر الأَبْوَابَ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِآياتٍ كَرِيماتٍ ، وَأَوشِّحَ مَا يَحْتَاجُ إِلى ضَبْطٍ أَوْ شَرْحِ مَعْنىً خَفِيٍّ بِنَفَائِسَ مِنَ التَّنْبِيهاتِ . وإِذا قُلْتُ في آخِرِ حَدِيث : مُتَّفَقٌ عَلَيهِ فمعناه : رواه البخاريُّ ومسلمٌ .
وَأَرجُو إنْ تَمَّ هذَا الْكِتَابُ أنْ يَكُونَ سَائِقاً للمُعْتَنِي بِهِ إِلى الْخَيْرَاتِ حَاجزاً لَهُ عَنْ أنْواعِ الْقَبَائِحِ والْمُهْلِكَاتِ . وأَنَا سَائِلٌ أخاً انْتَفعَ بِشيءٍ مِنْهُ أنْ يَدْعُوَ لِي ، وَلِوَالِدَيَّ ، وَمَشَايخي ، وَسَائِرِ أَحْبَابِنَا ، وَالمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ .
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك -رحمه الله
(1313هـ 1376 هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
1- باب الإخلاص وإحضار النية
في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية
الإخلاص هو : إفراد الله سبحانه وتعالى بالقَصْدِ ، وهو أن يريد العبد بطاعته التقرُّب إلى الله دون شيء آخر .
قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [ البينة (5) ] .
أي : وما أُمِرَ أهل الكتاب وغيرهم إلا بِعِبَادة الله وحده لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحنفاء هم : المائلون عن جميع الأديان إلى دين الإسلام .
﴿ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ ، أي : الملة المستقيمة .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [ الحج (37) ] .
أي : لن يصل إلى الله لحوم الهدايا والضحايا ، ولا دماؤها ، ولكن يصله منكم النية والإِخلاص .
قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يلطخون البيت بدماء البُدْن ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فنزلت هذه الآية .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [ آل عمران (29) ] .
أي : فهو العالِم بخفيّات الصدور ، وما اشتملت عليه من الإخلاص أو الرياء .
-----------
المصدر :
http://waqfeya.com/book.php?bid=3723
التصفية والتربية
TarbiaTasfia@
ام عادل السلفية
15-01-2016, 03:45AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
1] وعن أمير المؤمِنين أبي حَفْصٍ عمرَ بنِ الخطابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عبدِ العُزّى بن رياحِ بنِ عبدِ اللهِ بن قُرْطِ بن رَزاحِ بنِ عدِي بنِ كعب بنِ لُؤَيِّ بنِ غالبٍ القُرشِيِّ العَدويِّ رضي الله عنه
قالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ : « إنّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصيبُهَا ، أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكَحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْه » .
مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ .
رَوَاهُ إمَامَا الْمُحَدّثِينَ ، أبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعيلَ بْن إبراهِيمَ بْن المُغيرَةِ بنِ بَرْدِزْبهْ الجُعْفِيُّ البُخَارِيُّ ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُسْلمُ بْنُ الحَجَّاجِ بْنِ مُسْلمٍ الْقُشَيريُّ النَّيْسَابُورِيُّ رضي اللهُ عنهما فِي صحيحيهما اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الكُتبِ المصنفةِ .
هذا حديث عظيم ، جليل القدر كثير الفائدة .
قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى : ينبغي لكل من صنَّف كتابًا أن يبتدئ فيه بهذا الحديث ، تنبيهًا للطالب على تصحيح النية .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى : يدخل في سبعين بابًا من العلم .
وقال البخاري رحمه الله تعالى : باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى ، فدخل فيه : الإيمان ، والوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والأحكام .
قوله : « إنما الأعمال بالنيات » ، إنما للحصر ، أي : لا يعتد بالأعمال بدون النية . « وإنما لكل امرئ ما نوى » .
قال ابن عبد السلام : الجملة الأولى لبيان ما يعتبر مِنَ الأعمال ، والثانية لبيان ما يترتب عليها . انتهى .
والنية : هي القصد ، ومحلها القلب .
قوله : « فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله »، أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا ، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا . « ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه » .
قال ابن دقيق العيد : نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة ، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس ، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معًا ، فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة ، بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة .
والله أعلم .
ام عادل السلفية
15-01-2016, 03:48AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
[2] وعن أمِّ المؤمِنينَ أمِّ عبدِ اللهِ عائشةَ رضي الله عنها
قالت : قالَ رسول الله ﷺ : « يغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ » .
قَالَتْ : قلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! كَيْفَ يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهمْ أسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ؟!
قَالَ : « يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيّاتِهمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ .
في هذا الحديث :
التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم ، وأن العقوبة تلزمه معهم ، وأنه يعامل عند الحساب بقصده من الخير والشر .
وفي حديث ابن عمر مرفوعًا : « إذا أنزل الله بقوم عذابًا ، أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على نياتهم » .
ام عادل السلفية
15-01-2016, 08:24PM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
[3] وعن عائِشةَ رضيَ اللهُ عنها قَالَتْ :
قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- : « لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ،
وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمَعناهُ : لا هِجْرَةَ مِنْ مَكّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إسلاَمٍ .
قال الخطَّابي وغيره : كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم ؛
لقلة المسلمين بالمدينة ، وحاجتهم إلى الاجتماع .
فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا ، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة ،
وبقي فرض الجهاد ، والنية على من قام به ، أو نزل به عدو .
وقال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر ، فالإقامة فيها
أفضل من الرحلة منها ؛ لما يترجى من دخول غيره في الإسلام .
قال الحافظ : كانت الحكمة في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى الكفار ،
فإنهم كانوا يعذبون من أسلم إلى أن يرجع عن دينه .
ام عادل السلفية
16-01-2016, 09:55AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
[4] وعن أبي عبدِ اللهِ جابر بن عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضي اللهُ عنهما قَالَ :
كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ ،
فَقالَ : « إِنَّ بالمدِينَةِ لَرِجَالاً ما سِرْتُمْ مَسِيراً ، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِياً ، إلا كَانُوا مَعَكمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ » .
وَفي روَايَة : « إلا شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ » . رواهُ مسلمٌ .
ورواهُ البخاريُّ عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : « إنَّ أقْواماً خَلْفَنَا بالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادياً ، إلا وَهُمْ مَعَنَا ؛ حَبَسَهُمُ العُذْرُ » .
في هذا الحديث : دليل على أن من صحت نيته ،
وعزم على فعل عمل صالح وتركه لعذر ، أن له مثل أجر فاعله .
ام عادل السلفية
19-01-2016, 08:34AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
5] وعن أبي يَزيدَ مَعْنِ بنِ يَزيدَ بنِ الأخنسِ رضي الله عنهم وهو وأبوه وَجَدُّه صحابيُّون قَالَ :
كَانَ أبي يَزيدُ أخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا ، فَوَضعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ ، فَجِئْتُ فأَخذْتُها فَأَتَيْتُهُ بِهَا . فقالَ : واللهِ ، مَا إيَّاكَ أرَدْتُ ، فَخَاصَمْتُهُ إِلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : « لكَ مَا نَوَيْتَ يَا يزيدُ ، ولَكَ ما أخَذْتَ يَا مَعْنُ » . رواهُ البخاريُّ .
في هذا الحديث : دليل على أن من نوى الصدقة على محتاج ، حصل له ثوابها ، ولو كان الآخذ ممن تلزمه نفقته ، أو غير أهل لها ، كما في قصة الذي تصدَّق على ثلاثة .
ام عادل السلفية
19-01-2016, 08:39AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
6] وعن أبي إسحاقَ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ مالِكِ بنِ أُهَيْب بنِ عبدِ منافِ ابنِ زُهرَةَ بنِ كلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لُؤيٍّ القُرشِيِّ الزُّهريِّ رضي الله عنه أَحَدِ العَشَرَةِ المشهودِ لهم بالجنةِ
قَالَ : جاءنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بي ، فقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! إنِّي قَدْ بَلَغَ بي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى ، وَأَنَا ذُو مالٍ وَلا يَرِثُني إلا ابْنَةٌ لي ، أفأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ : « لا » ، قُلْتُ : فالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فقَالَ : « لا » ، قُلْتُ : فالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : « الثُّلُثُ ، والثُّلُثُ كَثيرٌ - أَوْ كبيرٌ - إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أغنِيَاءَ خيرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يتكفَّفُونَ النَّاسَ ، وَإنَّكَ لَنْ تُنفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغي بِهَا وَجهَ اللهِ إلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِيِّ امْرَأَتِكَ » ،
قَالَ : فَقُلتُ : يَا رسولَ اللهِ ، أُخلَّفُ بعدَ أصْحَابي ؟ قَالَ : « إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعملَ عَمَلاً تَبتَغي بِهِ وَجْهَ اللهِ إلا ازْدَدتَ بِهِ دَرَجةً ورِفعَةً ، وَلَعلَّكَ أنْ تُخَلَّفَ حَتّى يَنتَفِعَ بِكَ أقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخرونَ .
اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحَابي هِجْرَتَهُمْ ولا تَرُدَّهُمْ عَلَى أعقَابهمْ ، لكنِ البَائِسُ سَعدُ بْنُ خَوْلَةَ » . يَرْثي لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه رسلم أنْ ماتَ بمَكَّة . مُتَّفَقٌ عليهِ .
في هذا الحديث : مشروعية عيادة المريض .
وفيه : الإنفاق على من تلزمه مؤنتهم ، والحث على الإخلاص في ذلك .
وفيه : أن من ترك مالاً قليلاً ، فالاختيار له : ترك الوصية ، وإبقاء المال للورثة ، ومن ترك مالاً كثيرًا ، جاز له الوصية بالثلث فما دون .
والله أعلم .
ام عادل السلفية
19-01-2016, 08:42AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
[7] وعنْ أبي هريرةَ عبدِ الرحمنِ بنِ صخرٍ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ، ولا إِلى صُوَرِكمْ ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث : الاعتناء بحال القلب وصفاته ، وتصحيح مقاصده ،
وتطهيره عن كل وصف مذموم ؛ لأن عمل القلب هو المصحح للأعمال الشرعية ، وكمال ذلك بمراقبة الله سبحانه وتعالى .
ام عادل السلفية
21-01-2016, 10:50AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
[8] وعن أبي موسى عبدِ اللهِ بنِ قيسٍ الأشعريِّ رضي الله عنه قَالَ :
سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقاتلُ شَجَاعَةً ، ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً ، ويُقَاتِلُ رِيَاءً ، أَيُّ ذلِكَ في سبيلِ الله ؟
فقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيَا ، فَهوَ في سبيلِ اللهِ » .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قال ابن عباس : كلمة الله : « لا إله إلا الله » .
وفي هذا الحديث : أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة .
وفيه : ذم الحرص على الدنيا ، وعلى القتال لحظ النفس في غير الطاعة .
وفيه : أن الفضل الذي يورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإِعلاء دين الله .
قال ابن أبي جمرة : إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه .
قال الحافظ : القتال يقع بسبب خمسة أشياء : طلب المغنم ، وإظهار الشجاعة ، والرياء ، والحمية ، والغضب ،
وكل منها يتناوله المدح والذم ، فلهذا لم يحصل الجواب بالإِثبات ولا بالنفي .
ام عادل السلفية
21-01-2016, 10:52AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تطريز رياض الصالحين
للعلامة / فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
-رحمه الله-
(1313هـ 1376 هـ)
[9] وعن أبي بَكرَةَ نُفيع بنِ الحارثِ الثقفيِّ رضي الله عنه
أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عايه وسلم قَالَ :
« إِذَا التَقَى المُسلِمَان بسَيْفَيهِمَا فالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النّارِ » .
قُلتُ : يا رَسُولَ اللهِ ، هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المقْتُولِ ؟
قَالَ : « إنَّهُ كَانَ حَريصاً عَلَى قتلِ صَاحِبهِ » .
مُتَّفَقٌ عليهِ .
في هذا الحديث :
العقاب على من عزم على المعصية بقلبه ، ووطَّن نفسه عليها .
ام عادل السلفية
23-01-2016, 08:38AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
10] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : « صَلاةُ الرَّجلِ في جمَاعَةٍ تَزيدُ عَلَى صَلاتهِ في بيتهِ وصلاته فِي سُوقِهِ بضْعاً وعِشرِينَ دَرَجَةً ، وَذَلِكَ أنَّ أَحدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضوءَ ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ ، لا يَنْهَزُهُ إِلا الصَلاةُ ، لا يُرِيدُ إلا الصَّلاةَ : لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بها خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ ، فإِذا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ في الصَّلاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِي تَحْبِسُهُ ، وَالمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ ، يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيهِ ، مَا لَم يُؤْذِ فيه ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ » .
مُتَّفَقٌ عليه ، وهذا لفظ مسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « يَنْهَزُهُ » هُوَ بِفَتْحِ اليَاءِ والْهَاءِ وبالزَّايِ : أَيْ يُخْرِجُهُ ويُنْهضُهُ .
قوله : « لا يريد إلا الصلاة » ، أي : في جماعة ، وفيه : إشارة إلى اعتبار الإخلاص .
وفي هذا الحديث :
إشارة إلى بعض الأسباب المقتضية للدرجات ، وهو قوله : « وذلك أنه إذا توضأ ، فأحسن الوضوء ، ثم خرج إلى المسجد ، لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة » .
ومنها : الاجتماع والتعاون على الطاعة ، والألفة بين الجيران ، والسلامة من صفة النفاق ، ومن إساءة الظن به .
ومنها : صلاة الملائكة عليه ، واستغفارهم له ، وغير ذلك .
ام عادل السلفية
24-01-2016, 09:40AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[11] وعن أبي العبَّاسِ عبدِ اللهِ بنِ عباسِ بنِ عبد المطلب رضي اللهُ عنهما ، عن رَسُول الله ﷺ فيما يروي عن ربهِ تباركَ وتعالى قَالَ :
« إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ والسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ ، فَمَنْ هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَها اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً ، وَإنْ هَمَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إِلى سَبْع مئةِ ضِعْفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ ، وإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلةً ، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً » .
مُتَّفَقٌ عليهِ .
هذا حديث شريف عظيم ، بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم مقدار ما تفضَّل الله به عزَّ وجلّ على خلقه من تضعيف الحسنات ، وتقليل السيئات .
زاد مسلم بعد قوله : « وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة » . « أو محاها ، ولا يَهْلِك على الله إلا هالكٌ » .
قال ابن مسعود : ويلٌ لمن غلبت وحداته عشراته .
قال العلماء : إنَّ السيئة تعظم أحيانًا بشرف الزمان أو المكان ، وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته ، كما قال تعالى : ﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ [ الأحزاب ] .
ام عادل السلفية
24-01-2016, 09:43AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[12] وعن أبي عبد الرحمن عبدِ الله بنِ عمرَ بن الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما ، قَالَ : سمعتُ رسولَ الله ﷺ ، يقول :
« انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ ، فَقالُوا : إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلا أنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ .
قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلاً ولا مالاً ، فَنَأَى بِي طَلَب الشَّجَرِ يَوْماً فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ ، فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلاً أو مالاً ، فَلَبَثْتُ - والْقَدَحُ عَلَى يَدِي - أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَميَّ ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما .
اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ ، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ .
قَالَ الآخر : اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمّ ، كَانَتْ أَحَبَّ النّاسِ إليَّ - وفي رواية : كُنْتُ أُحِبُّها كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النساءَ - فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فامْتَنَعَتْ منِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمئةَ دينَارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا - وفي رواية : فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا ، قالتْ : اتَّقِ اللهَ وَلا تَفُضَّ الخَاتَمَ إلا بِحَقِّهِ ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا .
وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُل واحدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهبَ ، فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوَالُ ، فَجَاءنِي بَعدَ حِينٍ ، فَقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي ، فَقُلْتُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ : مِنَ الإبلِ وَالبَقَرِ والْغَنَمِ والرَّقيقِ ، فقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، لا تَسْتَهْزِئْ بي ! فَقُلْتُ : لا أسْتَهْزِئ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يتْرُكْ مِنهُ شَيئاً . الَّلهُمَّ إنْ كُنتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ » .
مُتَّفَقٌ عليهِ .
في هذا الحديث :
فضل الإخلاص في العمل ، وأنه ينجي صاحبه عند الكرب .
وفيه : فضل بر الوالدين وخدمتهما ، وإيثارهما على الولد والأهل ، وتحمُّل المشقة لأجلهما .
وفيه : العفة والانكفاف عن الحرام مع القدرة .
وفيه : فضل حسن العهد وأداء الأمانة ، والسماحة في المعاملة .
ام عادل السلفية
25-01-2016, 10:42AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
2- باب التوبة
قَالَ العلماءُ : التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب ، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى لا تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط :
أحَدُها : أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ .
والثَّانِي : أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا .
والثَّالثُ : أنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً . فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ .
وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ : هذِهِ الثَّلاثَةُ ، وأنْ يَبْرَأ مِنْ حَقّ صَاحِبِها ، فَإِنْ كَانَتْ مالاً أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه ، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا .
ويجِبُ أنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي .
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ والسُّنَّةِ ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ .
التوبة : الرجوع عن معصية الله تعالى إلى طاعته ، وطلب الاستحلال مِنَ المقذوف ونحوه إن بلغه ذلك ، و إلا كفى الاستغفار ، كما قال النبي ﷺ : « كفارةُ من اغتبته أن تسغفر له »
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ النور (31) ] .
( لعل ) في الأصل للترجي ، وفي كلام الله تعالى للتحقيق ؛ لأنَّ وعده واقع والآية تدل على وجوب التوبة من الصغائر والكبائر .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾ [ نوح (10)] .
وهذه الآية أيضًا تدل على وجوب الاستغفار من جميع الذنوب .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا ﴾ [ التحريم (8) ] .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ، ثم لا يعود إليه ، كما لا يعود اللبن في الضرع .
ام عادل السلفية
26-01-2016, 05:04PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[13] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : سمعْتُ رسولَ الله ﷺ يقول : « والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً » . رواه البخاري .
في هذا الحديث :
تحريض للأمة على التوبة والاستغفار .
قال ابن بطال : الأنبياء أشد الناس اجتهادًا في العبادة ، لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة ، فهم دائبون في شكره ، معترفون له بالتقصير .
-------
[14] وعن الأَغَرِّ بنِ يسار المزنِيِّ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُول الله ﷺ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث أيضًا :
وجوب التوبة والاستغفار ، واستمرار ذلك في كل وقت ، وعلى كل حال .
ام عادل السلفية
04-02-2016, 11:11AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[15] وعن أبي حمزةَ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ - خادِمِ رسولِ الله ﷺ - رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ :
« للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ » . مُتَّفَقٌ عليه .
وفي رواية لمُسْلمٍ : « للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ فأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتى شَجَرَةً فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ » .
في هذا الحديث :
محبة الله تعالى لتوبة عبده حين يتوب إليه ، وأنه يفرح بذلك فرحًا شديدًا يليق بجلاله .
وفيه : أنَّ ما قاله الإنسان في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به .
وفيه : ضرب المثل بما يصل إلى الأفهام من الأمور المحسوسة .
وفيه : بركة الاستسلام لأمر الله تعالى .
-----------
المصدر :
http://waqfeya.com/book.php?bid=3723
التصفية والتربية
TarbiaTasfia@
ام عادل السلفية
04-02-2016, 11:15AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[16] وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : « إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها » .
رواه مسلم .
في هذا الحديث :
طلب من اللطيف الرؤوف الغافر لعباده أن يتوبوا ، ليتوب عليهم .
[17] وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «مَنْ تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ » .
رواه مسلم .
قبول التوبة مستمر ما دام بابها مفتوحًا ، فإذا أغلق لم تقبل . قال الله تعالى ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾ [ الأنعام (158) ] ، يعني : إذا طلعت الشمس من مغربها ، لم ينفع الكافر إيمانه ، ولا العاصي توبته .
ام عادل السلفية
04-02-2016, 11:17AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[18] وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بنِ عمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبي ﷺ ، قَالَ :
«إِنَّ الله عزوجل يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ » .
رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن » .
الغرغرة : وصول الروح الحلقوم .
قال الله تعالى ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباًأَلِيماً ﴾ [ النساء (18) ] ،
وقال تعالى : ﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ﴾ [ غافر (84 ، 85) ] .
ام عادل السلفية
04-02-2016, 11:19AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[19] وعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ رضي الله عنه أسْألُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ ، فَقالَ : ما جاءَ بكَ يَا زِرُّ ؟
فقُلْتُ : ابتِغَاء العِلْمِ ، فقالَ : إنَّ المَلائكَةَ تَضَعُ أجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلْمِ رِضىً بِمَا يطْلُبُ .
فقلتُ : إنَّهُ قَدْ حَكَّ في صَدْري المَسْحُ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ والبَولِ ، وكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ ﷺ فَجئتُ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذكُرُ في ذلِكَ شَيئاً ؟
قَالَ : نَعَمْ ، كَانَ يَأْمُرُنا إِذَا كُنَّا سَفراً - أَوْ مُسَافِرينَ - أنْ لا نَنْزعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيهنَّ إلا مِنْ جَنَابَةٍ ، لكنْ مِنْ غَائطٍ وَبَولٍ ونَوْمٍ .
فقُلْتُ : هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكرُ في الهَوَى شَيئاً ؟
قَالَ : نَعَمْ ، كُنّا مَعَ رسولِ اللهِ ﷺ في سَفَرٍ ، فبَيْنَا نَحْنُ عِندَهُ إِذْ نَادَاه أَعرابيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ : يَا مُحَمَّدُ ، فأجابهُ رسولُ الله ﷺ نَحْواً مِنْ صَوْتِه : « هَاؤُمْ » فقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ ! اغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبي ﷺ ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا ! فقالَ : والله لا أغْضُضُ .
قَالَ الأعرَابيُّ : المَرْءُ يُحبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ ؟
قَالَ النَّبيُّ ﷺ : « المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَومَ القِيَامَةِ » .
فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَاباً مِنَ المَغْرِبِ مَسيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكبُ في عَرْضِهِ أرْبَعينَ أَوْ سَبعينَ عاماً – قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّواةِ : قِبَلَ الشَّامِ – خَلَقَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ مَفْتوحاً للتَّوْبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ .
رواه الترمذي وغيره ، وَقالَ : «حديث حسن صحيح » .
قوله : « حك » ، أي : أثَّر . والهوى : الحب .
وفي الحديث : فضل حب الله ورسوله والأخيار أحياء وأمواتًا .
وفيه : فضل العلم وأهله ، وفي صحيح مسلم ، قال أنس : « ما فرحنا فرحًا أشد ما فرحنا بقول النبي ﷺ : «المرء مع من أحب » .
وقال أنس : « أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر ، فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بعملهم » .
ام عادل السلفية
04-02-2016, 11:22AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[20] وعن أبي سَعيد سَعْدِ بنِ مالكِ بنِ سِنَانٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنّ نَبِيَّ الله ﷺ قَالَ : « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً ، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ .
فقال : إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ ؟ فقالَ : لا ، فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ .
فقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟
فقالَ : نَعَمْ ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ ، ولا تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ ، فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ .
فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِباً ، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى ،
وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ : إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ - أيْ حَكَماً -
فقالَ : قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ » . مُتَّفَقٌ عليه .
وفي رواية في الصحيح : « فَكَانَ إلى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أهلِهَا » .
وفي رواية في الصحيح : « فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي ، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وقَالَ : قِيسُوا مَا بيْنَهُما ، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ » .
وفي رواية : « فَنَأى بصَدْرِهِ نَحْوَهَا » .
فوائد الحديث
في هذا الحديث : فضل العلم على العبادة .
وفيه : والهجرة من دار العصيان ، ومقاطعة إخوان السوء ، واستبدالهم بصحبة أهل الخير والصلاح .
وفيه : دليل على أنَّ القاضي إذا تعارضت الأقوال عنده ، يحكم بالقرائن .
وفيه : أن الذنوب وإن عظمت ، فعفو الله أعظم منها . وأن من صدق في توبته ، تاب الله عليه ، ولو لم يعمل خيرًا إذا عزم على فعله .
ام عادل السلفية
04-02-2016, 10:48PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[22] وَعَنْ أبي نُجَيد - بضَمِّ النُّونِ وفتحِ الجيم - عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ الخُزَاعِيِّ رضي الله عنهما : أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ أتَتْ رسولَ الله ﷺ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ،
فقالتْ : يَا رسولَ الله ، أصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا نَبيُّ الله ﷺ وَليَّها ، فقالَ : «أَحْسِنْ إِلَيْهَا ، فإذا وَضَعَتْ فَأْتِني » فَفَعَلَ فَأَمَرَ بهَا نبيُّ الله ﷺ ، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا .
فقالَ لَهُ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُول الله وَقَدْ زَنَتْ ؟ قَالَ: « لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفضَلَ مِنْ أنْ جَادَتْ بنفْسِها لله ؟! » . رواه مسلم .
في هذا الحديث :
دليل على أنَّ الحد يكفر الذنب ، وأنه يصلي على المرجوم .
وفيه : بيان عظم التوبة ، وأنها تَجُبُّ الذنب وإن عظم .
وفي رواية : « ثم أمر بها ، فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها ، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها ، فتنضَّح الدم على وجه خالد فسبَّها ، فسمع النبي ﷺ سبّه إياها ، فقال : مهلاً يا خالد ، فوالذي نفسي بيده ، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفر له ، ثم أمر بها فصلى عليها ودُفنت » .
قال النووي : فيه : أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات ، وذلك لكثرة مطالبات الناس له ، وظلاماتهم عنده ، تكرار ذلك منه ، وانتهاكه للناس ، وأخذ أموالهم بغير حقها ، وصرفها في غير وجهها . انتهى والله المستعان .
ام عادل السلفية
04-02-2016, 10:52PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[24] وعن أبي هريرة وضي الله عنه أنَّ رسولَ الله ﷺ ، قَالَ :
«يَضْحَكُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يقْتلُ أَحَدهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ ، يُقَاتِلُ هَذَا في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتلِ فَيُسْلِم فَيُسْتَشْهَدُ » . مُتَّفَقٌ عليه .
ختم المصنف الباب بهذا الحديث إشارة إلى أنَّ الإنسان ينبغي له أن يتوب من الذنب الذي اقترفه وإن كان كبيرًا ، ولا يؤيسه ذلك من رحمة الله ، فإن الله واسع المغفرة .
قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [ الزمر (53) ] .
ام عادل السلفية
04-02-2016, 10:55PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
3- باب الصبر
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾ [ آل عمران (200) ] .
الصبر ثلاثةُ أَنواع : صبرٌ على طاعة الله ، وصبرٌ عن محارم الله ، وصبرٌ على أقدار الله . وقد أَمر الله تعالى بالصبر على ذلك كله .
وقوله تعالى : ﴿ وَصَابِرُوا ﴾ أي : غالبوا الكفار بالصبر فلا يكونوا أَشدَّ صبرًا منكم ، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون .
وقوله تعالى : ﴿ وَرَابِطُوا ﴾ أي : أقيموا على الجهاد . قال ﷺ : « رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها » .
وقال ﷺ : « أَلا أَدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات » ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : « إِسباغ الوضوء على المكاره ، وكَثْرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فذلكم الرباط ، فذالكم الرباط » .
وقال تَعَالَى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (155)] ،
على البلايا والرزايا بالذكر الجميل والثَواب الجزيل .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [ الزمر (10) ] .
أي : بغيرِ مكْيالٍ ، ولا وزن ، فلا جزاء فوق جزاء الصبر .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [الشورى (43) ] .
أي : مَنْ صبر فلم ينتصر لنفسه وتجاوز عن ظالمه ، فإِن ذلك من الأمور المشكورة ، والأفعال الحميدة .
وَقالَ تَعَالَى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (153) ]
أي : استعينوا على طلب الآخرة بحبس النَّفْس عن المعاصي ، والصبر على أداء الفرائض ، فإنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ﴾ أي : ثقيلة ﴿ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ أي : المؤمنين حقًّا .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴾ [ محمد (31) ] ، وَالآياتُ في الأمر بالصَّبْر وَبَيانِ فَضْلهِ كَثيرةٌ مَعْرُوفةٌ .
أي : ولنختبرنكم بالتكاليف حتى يتميز الصادق في دينه من الكاذب . قال تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [ الحج (11) ] .
وَالآيَاتُ في الأَمْرِ بِالصَّبْرِ وَبَيَانِ فَضْلهِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفةٌ .
قيل : إنَّ الصبر ذُكِرَ في مئة موضع من القرآن .
ام عادل السلفية
08-02-2016, 03:44PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[26] وعن أبي سَعيد سعدِ بن مالكِ بنِ سنانٍ الخدري رضي الله عنهما : أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رسولَ الله ﷺ فَأعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ : « مَا يَكُنْ عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ . وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر » . مُتَّفَقٌ عليه .
في هذا الحديث :
الحثُّ على الاستعفاف ، وأَنَّ مَنْ رزقه الله الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا ، فقد أعطاه خيرًا كثيرًا .
[26] وعن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ :
« عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث :
فَضْلُ الشكر على السّرّاء والصبر على الضرّاء ، فمن فعل ذلك حصل له خيرُ الدارين ، ومَنْ لم يشكر على النعمة ، ولم يصبر على المصيبة ، فاته الأَجر ، وحصل له الوِزْر .
ام عادل السلفية
08-02-2016, 03:46PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[28] وعن أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا ثَقُلَ النَّبيُّ ﷺ جَعلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْبُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها : وَاكَربَ أَبَتَاهُ . فقَالَ : « لَيْسَ عَلَى أَبيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ » فَلَمَّا مَاتَ ، قَالَتْ : يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ ! يَا أَبتَاهُ ، جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ ! يَا أَبَتَاهُ ، إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ ! فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضي الله عنها : أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُول الله r التُّرَابَ ؟! رواه البخاري .
في هذا الحديث :
جوازُ التوجع للميِّت عند احتضاره ، وأَنه ليس من النياحة .
ومناسبة إِيراده في باب الصبر : صبرُهُ ﷺ على ما هو فيه من سكرات الموت ، وشدائده ، ورضاه بذلك ، وتسكين ما نزل بالسيدة فاطمة من مشاهدة ذلك بقوله : « لا كرب عَلَى أَبيكِ بَعْدَ اليَوْمِ » .
ام عادل السلفية
08-02-2016, 03:48PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[29] وعن أبي زَيدٍ أُسَامَةَ بنِ زيدِ بنِ حارثةَ مَوْلَى رسولِ الله ﷺ وحِبِّه وابنِ حبِّه رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : أرْسَلَتْ بنْتُ النَّبيِّ ﷺ إنَّ ابْني قَد احْتُضِرَ فَاشْهَدنَا ، فَأَرْسَلَ يُقْرئُ السَّلامَ ، ويقُولُ : « إنَّ لله مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى فَلتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ » فَأَرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا . فقامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ ، وَرجَالٌ ، فَرُفعَ إِلَى رَسُول الله ﷺ الصَّبيُّ ، فَأقْعَدَهُ في حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، فَفَاضَتْ عَينَاهُ فَقالَ سَعدٌ : يَا رسولَ الله ، مَا هَذَا ؟ فَقالَ : « هذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ » وفي رواية : « فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَمَعنَى « تَقَعْقَعُ » : تَتَحرَّكُ وتَضْطَربُ .
في هذا الحديث :
جوازُ استحضار أهل الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم ، واستحباب إبرار القسم ، وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاومًّا للحزن بالصبر ,
وفيه : جواز البكاء من غير نوح ونحوه .
ام عادل السلفية
11-02-2016, 06:54PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[30] وعن صهيب رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله ﷺ ، قَالَ :
« كَانَ مَلِكٌ فيمَنْ كَانَ قَبلَكمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ للمَلِكِ : إنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إلَيَّ غُلاماً أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ ؛ فَبَعثَ إِلَيْهِ غُلاماً يُعَلِّمُهُ ، وَكانَ في طرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعدَ إِلَيْه وسَمِعَ كَلامَهُ فَأعْجَبَهُ ، وَكانَ إِذَا أتَى السَّاحِرَ ، مَرَّ بالرَّاهبِ وَقَعَدَ إِلَيْه ، فَإذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِب ، فَقَالَ : إِذَا خَشيتَ السَّاحِرَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإذَا خَشِيتَ أهلَكَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِرُ .
فَبَيْنَما هُوَ عَلَى ذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ
فَقَالَ : اليَوْمَ أعْلَمُ السَّاحرُ أفْضَلُ أم الرَّاهبُ أفْضَلُ ؟ فَأخَذَ حَجَراً، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِهِ الدّابَّةَ حَتَّى يَمضِي النَّاسُ ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَها ومَضَى النَّاسُ ، فَأتَى الرَّاهبَ فَأَخبَرَهُ .
فَقَالَ لَهُ الرَّاهبُ : أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَومَ أفْضَل منِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإن ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ ؛ وَكانَ الغُلامُ يُبْرىءُ الأكْمَهَ وَالأَبْرصَ ، ويداوي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاء .
فَسَمِعَ جَليسٌ لِلملِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فأتاه بَهَدَايا كَثيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا ها هُنَا لَكَ أَجْمعُ إنْ أنتَ شَفَيتَنِي ، فَقَالَ : إنّي لا أشْفِي أحَداً إِنَّمَا يَشفِي اللهُ تَعَالَى ، فَإنْ آمَنْتَ بالله تَعَالَى دَعَوتُ اللهَ فَشفَاكَ ، فَآمَنَ بالله تَعَالَى فَشفَاهُ اللهُ تَعَالَى ،
فَأَتَى المَلِكَ فَجَلسَ إِلَيْهِ كَما كَانَ يَجلِسُ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَنْ رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ قَالَ : رَبِّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيري ؟ قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ ،
فَجيء بالغُلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : أيْ بُنَيَّ ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وتَفْعَلُ وتَفْعَلُ ! فَقَالَ : إنِّي لا أَشْفي أحَداً ، إِنَّمَا يَشفِي الله تَعَالَى .
فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهبِ ؛ فَجِيء بالرَّاهبِ فَقيلَ لَهُ : ارجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَعَا بِالمِنْشَارِ فَوُضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ،
ثُمَّ جِيءَ بِجَليسِ المَلِكِ فقيل لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى ، فَوضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرِق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ،
ثُمَّ جِيءَ بالغُلاَمِ فقيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أصْحَابهِ ،
فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الجَبَل ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فَاطْرَحُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفنيهمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بهِمُ الجَبلُ فَسَقَطُوا ، وَجاءَ يَمشي إِلَى المَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فَعَلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانِيهمُ الله تَعَالَى ،
فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ وتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ ، فَإنْ رَجعَ عَنْ دِينِهِ وإِلا فَاقْذِفُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفِنيهمْ بمَا شِئْتَ ، فانْكَفَأَتْ بِهمُ السَّفينةُ فَغَرِقُوا ، وَجَاء يَمْشي إِلَى المَلِكِ . فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فعلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانيهمُ الله تَعَالَى .
فَقَالَ لِلمَلِكِ : إنَّكَ لَسْتَ بقَاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعيدٍ وَاحدٍ وتَصْلُبُني عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتي ، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ : بسْم الله ربِّ الغُلاَمِ ، ثُمَّ ارْمِني، فَإنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلتَني،
فَجَمَعَ النَّاسَ في صَعيد واحدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ ، ثُمَّ قَالَ : بِسمِ اللهِ ربِّ الغُلامِ ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوقَعَ في صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ فَمَاتَ ، فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ ،
فَأُتِيَ المَلِكُ فقيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ والله نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ . قَدْ آمَنَ النَّاسُ .
فَأَمَرَ بِالأُخْدُود بأفْواهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وأُضْرِمَ فيهَا النِّيرانُ وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجعْ عَنْ دِينهِ فَأقْحموهُ فيهَا ، أَوْ قيلَ لَهُ: اقتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءت امْرَأةٌ وَمَعَهَا صَبيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أنْ تَقَعَ فيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلامُ : يَا أُمهْ اصْبِري فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ ! » . رواه مسلم .
« ذِروَةُ الجَبَلِ » : أعْلاهُ ، وَهيَ - بكَسْر الذَّال المُعْجَمَة وَضَمِّهَا -
و« القُرْقُورُ » : بضَمِّ القَافَينِ نَوعٌ مِنَ السُّفُن
وَ« الصَّعيدُ » هُنَا : الأَرضُ البَارِزَةُ
وَ« الأُخْدُودُ » الشُّقُوقُ في الأَرضِ كَالنَّهْرِ الصَّغير ،
وَ« أُضْرِمَ » : أوْقدَ ،
وَ« انْكَفَأتْ » أَي : انْقَلَبَتْ ،
وَ« تَقَاعَسَتْ » : تَوَقفت وجبنت .
قال القُرطبي : اسم الغلام عبد الله بن ثامر . وذُكر عن ابن عباس أَن الملك كان بنجران .
وفي هذا الحديث : إِثبات كرامة الأَولياء . وفيه : نصرُ مَنْ توكل على الله سبحانه ، وانتصر وخرج عن حَوْل نفسه وقواها . وفيه : أَنَّ أَعمى القلب لا يبصر الحق . وفيه : بيان شرف الصبر والثبات على الدِّين .
ام عادل السلفية
11-02-2016, 07:03PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[31] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : مَرَّ النَّبيُّ ﷺ بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ :
« اتّقِي الله واصْبِري »
فَقَالَتْ : إِليْكَ عَنِّي ؛ فإِنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبَتي وَلَمْ تَعرِفْهُ ، فَقيلَ لَهَا : إنَّه النَّبيُّ ﷺ فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ ﷺ ، فَلَمْ
تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ ،
فقالتْ : لَمْ أعْرِفكَ ،
فَقَالَ : « إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى » .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : « تبكي عَلَى صَبيٍّ لَهَا » .
في هذا الحديث :
أَن ثواب الصبر إِنَّما يحصل عند مفاجأة المصيبة ، بخلاف ما بعدها ، فإن صاحبها يسلو كما تسلو البهائم .
[32] وعن أبي هريرة رضي الله عنه :
أنَّ رسولَ الله ﷺ قَالَ :
« يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلا الجَنَّةَ » .
رواه البخاري .
هذا من الأحاديث القدسية ،
وفيه : أَنَّ مَنْ صبر على المصيبة واحتسب
ثوابها عند الله تعالى ، فإنَّ جزاءه الجنَّة .
ام عادل السلفية
11-02-2016, 07:06PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[33] وعن عائشةَ رضيَ الله عنها :
أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله ﷺ عَنِ الطّاعُونِ ، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ . رواه البخاري .
في هذا الحديث :
فَضْلُ الصبر على الأَقدار والاحتساب لثوابها .
قال بعض العلماء : إِنَّ الصابر في الطاعون يأمن من فَتَّان القبر ؛ لأَنه نظير المرابطة في سبيل الله . وقد صحَّ ذلك في المرابط كما في ( مسلم ) وغيره .
[34] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول : « إنَّ الله تعالى ، قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عبدي بحَبيبتَيه فَصَبرَ عَوَّضتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ » يريد عينيه ، رواه البخاري .
في هذا الحديث القدسي :
أَن من صبر على فقد بصره واحتسب أجره عند الله تعالى : عَوَّضه عن ذلك الجنة .
ام عادل السلفية
19-02-2016, 12:38AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[35] وعن عطَاء بن أبي رَباحٍ قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَباسٍ رضي اللهُ عنهما : ألا أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة ؟ فَقُلْتُ: بَلَى ،
قَالَ : هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ أتتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : إنّي أُصْرَعُ ، وإِنِّي أتَكَشَّفُ ، فادْعُ الله تَعَالَى لي .
قَالَ : « إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أنْ يُعَافِيكِ » فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ،
فَقَالَتْ : إنِّي أتَكَشَّفُ فَادعُ الله أنْ لا أَتَكَشَّف ، فَدَعَا لَهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث :
فَضْلُ الصبر على البلاء ، وعظم ثواب مَنْ فَوَّض أَمره إلى الله تعالى .
[36] وعن أبي عبد الرحمنِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى رسولِ الله ﷺ يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ ،
صَلَواتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ ، ضَرَبه قَوْمُهُ فَأدْمَوهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، يَقُولُ : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي ، فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ » . مُتَّفَقٌ علَيهِ .
في هذا الحديث :
فضلُ الصبر على الأَذي ، ومقابلة الإِساءة والجهل بالإحسان والحِلْم ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35 ﴾ [ فُصِّلت (35) ] .
ام عادل السلفية
19-02-2016, 12:41AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[37] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما ، عن النَّبيِّ ﷺ ، قَالَ : « مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ ، وَلا حَزَنٍ ، وَلا أذَىً ، وَلا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
و« الوَصَبُ » : المرض .
في هذا الحديث :
أَنَّ الأمراض وغيرها من المؤذيات مُطهرةٌ للمؤمن من الذنوب ، فَيَنْبَغِي الصَّبرُ على ذلك ليحصل له الأَجرُ ، والمصاب مَنْ حُرِم الثواب .
[38] وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : دخلتُ عَلَى النَّبيِّ ﷺ وهو يُوعَكُ ، فقلت : يَا رسُولَ الله ، إنَّكَ تُوْعَكُ وَعْكاً شَدِيداً ، قَالَ : « أجَلْ ، إنِّي أوعَكُ كمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُمْ » . قلْتُ: ذلِكَ أن لَكَ أجْرينِ ؟ قَالَ : « أَجَلْ ، ذلِكَ كَذلِكَ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئَاتِهِ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَ( الوَعْكُ ) : مَغْثُ الحُمَّى ، وَقيلَ : الحُمَّى .
أَجَلْ : جوابٌ مثل نعم ، إِلا أَنَّه أَحسن من نعم في التصديق ، ونعم ، أَحسن في الاستفهام .
وفي هذا الحديث :
فضل الصبر على الأَمراض والأَعراض ، وأَنها تُكَفِّر السيِّئات ، وتحط الذنوب .
وفي الحديث الآخر : « أّشدُّ الناس بلاءً الأَنبياء ، ثم الأَمثل ، فالأَمثل » .
-----------
المصدر :
http://waqfeya.com/book.php?bid=3723
التصفية والتربية
TarbiaTasfia@
ام عادل السلفية
19-02-2016, 12:46AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[39] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : « مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ » . رواه البخاري .
وَضَبَطُوا « يُصِبْ » بفَتْح الصَّاد وكَسْرها .
في هذا الحديث :
أَنَّ المؤمن لا يخلو من عِلَّة أَو قلة ، أَو ذلّة ، وذلك خير له حالاً ومآلاً . قال الله تعالى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (155) ].
[40] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فاعلاً ، فَليَقُلْ : اللَّهُمَّ أحْيني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيراً لِي ، وَتَوفّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيراً لي » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث :
النهي عن تمنِّي الموت جزعًا من البلاء الدنيوي ، بل يصبر على قدر الله ويسأَله العافية ، ويفوِّض أَمره إِلى الله .
ام عادل السلفية
19-02-2016, 12:54AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[41] وعن أبي عبد الله خَبَّاب بنِ الأَرتِّ رضي الله عنه قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رسولِ الله ﷺ وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظلِّ الكَعْبَةِ ، فقُلْنَا :
أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ألا تَدْعُو لَنا ؟
فَقَالَ : « قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ في الأرضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نصفَينِ ، وَيُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحَديدِ مَا دُونَ لَحْمِه وَعَظْمِهِ ، مَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ الله هَذَا
الأَمْر حَتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَموتَ
لا يَخَافُ إلا اللهَ والذِّئْب عَلَى غَنَمِهِ ، ولكنكم تَسْتَعجِلُونَ » . رواه البخاري .
وفي رواية : « وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَقَدْ لَقِينا مِنَ المُشْرِكِينَ شدَّةً » .
في هذا الحديث :
مَدْحُ الصبر على العذاب في الدين ، وكراهة الاستعجال . قال الله تعالى : ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴾ [ البقرة (214) ] .
ام عادل السلفية
19-02-2016, 12:57AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[42] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رسولُ الله ﷺ نَاساً في القسْمَةِ ، فَأعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ ، وَأَعطَى نَاساً مِنْ أشْرافِ العَرَبِ وآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ . فَقَالَ رَجُلٌ : واللهِ إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا ، وَمَا أُريدَ فيهَا وَجْهُ اللهِ ، فَقُلْتُ : وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله ﷺ ، فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا قَالَ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ .
ثُمَّ قَالَ : « فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ ؟ »
ثُمَّ قَالَ : « يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر » .
فَقُلْتُ : لا جَرَمَ لا أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثاً .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَوْلُهُ : « كالصِّرْفِ » هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ : وَهُوَ صِبْغٌ أحْمَر .
في هذا الحديث :
استحبابُ الإِعراض عن الجاهل والصفح عن الأَذى والتأَسِّي بمن مضى من الصالحين ، قال الله تعالى : ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ﴾ [ الفرقان (63) ] .
[43] وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ :
« إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يومَ القِيَامَةِ » .
وَقالَ النَّبيُّ ﷺ : « إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ » .
رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن ».
في هذا الحديث :
الحثُّ على الصبر على ما تجري به الأَقدار ، وأَنه خيرٌ للناس في الحال والمآل ، فمن صبر فاز ، ومن سخط فاته الأَجر وثبت عليه الوِزْر ، ومضى فيه القدر .
ام عادل السلفية
20-02-2016, 10:44AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[44] وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ رضي الله عنه يَشتَكِي ، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ ، فَقُبِضَ الصَّبيُّ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ ، قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي ؟ قَالَتْ أمُّ سُلَيم وَهِيَ أمُّ الصَّبيِّ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إليه العَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ منْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ ، قَالَتْ : وَارُوا الصَّبيَّ فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رسولَ الله ﷺ فَأخْبَرَهُ ، فَقَالَ : « أعَرَّسْتُمُ اللَّيلَةَ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا » ، فَوَلَدَتْ غُلاماً ، فَقَالَ لي أَبُو طَلْحَةَ : احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبيَّ ﷺ ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِتَمَراتٍ ، فَقَالَ : « أَمَعَهُ شَيءٌ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، تَمَراتٌ ، فَأخَذَهَا النَّبيُّ ﷺ فَمَضَغَهَا ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبدَ الله . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية للبُخَارِيِّ : قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ : فَرَأيْتُ تِسعَةَ أوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَؤُوا القُرْآنَ ، يَعْنِي : مِنْ أوْلادِ عَبدِ الله المَولُودِ .
وَفي رواية لمسلمٍ : مَاتَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ مِنْ أمِّ سُلَيمٍ ، فَقَالَتْ لأَهْلِهَا : لا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْه عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلِكَ ، فَوَقَعَ بِهَا . فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وأَصَابَ مِنْهَا ، قَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ ، أَرَأَيتَ لو أنَّ قَوماً أعارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ ، أَلَهُمْ أن يَمْنَعُوهُمْ ؟ قَالَ : لا ، فَقَالَتْ : فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ ، قَالَ : فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : تَرَكْتِني حَتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ ، ثُمَّ أخْبَرتني بِابْنِي ؟! فانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رسولَ الله ﷺ فَأخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : « بَارَكَ اللهُ في لَيْلَتِكُمَا » ، قَالَ : فَحَمَلَتْ . قَالَ : وَكانَ رسولُ الله ﷺ في سَفَرٍ وَهيَ مَعَهُ ، وَكَانَ رسولُ الله ﷺ إِذَا أَتَى المَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لا يَطْرُقُهَا طُرُوقاً فَدَنَوا مِنَ المَدِينَة ، فَضَرَبَهَا المَخَاضُ ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ ، وانْطَلَقَ رسولُ الله ﷺ . قَالَ : يَقُولَ أَبُو طَلْحَةَ : إنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أَنَّهُ يُعْجِبُنِي أنْ أخْرُجَ مَعَ رسولِ الله ﷺ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى ، تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ : يَا أَبَا طَلْحَةَ ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أجدُ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا وَضَرَبَهَا المَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلدَت غُلامَاً . فَقَالَتْ لِي أمِّي : يَا أنَسُ ، لا يُرْضِعْهُ أحَدٌ حَتَّى تَغْدُو بِهِ عَلَى رسولِ الله ﷺ ، فَلَمَّا أصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ الله ﷺ . وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيثِ .
في هذا الحديث :
فَضْلُ الصبر والتسليم لأَمر الله تعالى ، وأَنِّ مَنْ فعل ذلك رجي له الإِخلاف في الدنيا ، والأَجر في الآخرة كما في الدُّعاء المأثور : « ( اللهم أَجرني في مصيبتي ، واخلف لِي خيرًا منها » .
وفيه : التسلية عن المصائب ، وتزين المرأَة لزوجها ، واجتهادها في عمل مصالحه ، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورةُ إليها ، ولم يترتب عليها إِبطالُ حق .
وفيه : أَنَّ مَنْ ترك شيئًا لله عوضه اللهُ خيرًا منه .
ام عادل السلفية
20-02-2016, 10:52AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[45] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله ﷺ قَالَ : « لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« وَالصُّرَعَةُ » : بضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وأَصْلُهُ عِنْدَ العَرَبِ مَنْ يَصْرَعُ النَّاسَ كَثيراً .
في هذا الحديث :
مَدْح من يملك نفسه عند الغضب . قال الله تعالى : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ آل عمران (134) ] .
والغضب : جماع الشر ، والتحرز منه جماع الخير ، وقال رجل للنبي ﷺ : أوصني . قال : « لا تغضب » ، فردَّد مرارًا . قال : « لا تغضب » .
وقال عمر بن عبد العزيز : قد أَفْلح مَنْ عُصِم من الهوى ، والغضب ، والطمع .
[46] وعن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ جالِساً مَعَ النَّبيّ ﷺ ، وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ ، وَأَحَدُهُمَا قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ ، فَقَالَ رَسُول اللهِ ﷺ : « إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ، ذَهَبَ عنْهُ مَا يَجِدُ » .
فَقَالُوا لَهُ : إنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ : « تَعَوّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث :
أن الشيطان هو الذي يثير الغضب ويشعل النار ، وأن دواءه الاستعاذة . قال الله تعالى : ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الاعراف (200) ] .
ام عادل السلفية
25-02-2016, 04:24PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[47] وعن معاذِ بنِ أَنسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ ، قَالَ : « مَنْ كَظَمَ غَيظاً ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَهُ ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ » .
رواه أَبو داود والترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) .
رُوى أنَّ الحسين بن علي رضي الله عنهما كان له عبدٌ يقوم بخدمته ويقرب إليه طهره ، فقرب إليه طهره ذات يوم في كُوز ، فلما فَرَغ الحسين من طهوره رفع العبدُ الكوز من بين يديه ، فأصاب فم الكوز رباعية الحسين فكسرها ، فنظر إليه الحسين ، فقال العبد : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ قال : قد كظمتُ غيظي . فقال : ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ . قال : قد عفوت عنك . قال : ﴿ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ قال : اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى .
[48] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبي ﷺ : أوصِني . قَالَ : « لا تَغْضَبْ » فَرَدَّدَ مِراراً ، قَالَ : « لا تَغْضَبْ » . رواه البخاري .
هذه وصيةٌ وجيزة نافعة ؛ لأَنَّ الغضب يجمع الشرَّ كله ، وهو باب من من مداخل الشيطان .
وفي الحديث دليلٌ على عظم مفسدة الغضب ، وما ينشأ منه ؛ لأَنه يُخرج الإِنسان عن اعتداله فيتكلم بالباطل ، ويفعل المذموم والقبيح .
ام عادل السلفية
25-02-2016, 04:29PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[49] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَا يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن صحيح ) .
في هذا الحديث :
أنَّ المصائبَ والمتاعب النازلة بالمؤمن الصابر من المرض ، والفقر ، وموت الحبيب ، وتلف المال ، ونقصه : مكفَّرات لخطاياه كلها .
[50] وعن ابْنِ عباسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ وضي الله عنه ، وَكَانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجْلِس عُمَرَ رضي الله عنه وَمُشاوَرَتِهِ كُهُولاً كانُوا أَوْ شُبَّاناً ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ : يَا ابْنَ أخِي ، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ ، فاسْتَأذَن فَأذِنَ لَهُ عُمَرُ . فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : هِي يَا ابنَ الخَطَّابِ ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ . فَغَضِبَ عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ بِهِ . فَقَالَ لَهُ الحُرُّ : يَا أميرَ المُؤْمِنينَ ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ ﷺ : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [ الأعراف (199) ] وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ ، واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا ، وكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى . رواه البخاري .
في هذا الحديث :
أَنَّه ينبغي لولي الأَمر مجالسة القراء والفقهاء ليذكروه إذا نسي ، ويعينوه إذا ذكر .
وفيه :
الحِلْم والصفح عن الجهال .
قال جعفر الصادق : ليس في القرآن آيةٌ أَجمع لمكارم الأخلاق من هذه .
ورُوي أَنَّ جبريل قال للنبي ﷺ : « إِنَّ ربَّك يأمرك أن تصل مَنْ قطعك ، وتُعطي مَنْ حرمك ، وتعفوَ عَمَّن ظلمك » .
والخطاب ﷺ يدخل في حكمه أُمَّته .
ام عادل السلفية
25-02-2016, 04:36PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[51] وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رَسُول الله ﷺ قَالَ : « إنَّهَا سَتَكونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها ! » قَالُوا : يَا رَسُول الله ، فَمَّا تَأْمُرُنا ؟ قَالَ : « تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسأَلُونَ الله الَّذِي لَكُمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« وَالأَثَرَةُ » : الانْفِرادُ بالشَّيءِ عَمنَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ .
في هذا الحديث :
الصَّبْر على جَور الولاة ، وإِن استأثروا بالأَموال ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم .
[52] وعن أبي يحيى أُسَيْد بن حُضَير رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ قَالَ :
يَا رسولَ الله ، ألا تَسْتَعْمِلُني كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاناً ، فَقَالَ : « إنكُمْ سَتَلْقَونَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوني عَلَى الحَوْضِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« وَأُسَيْدٌ » : بضم الهمزة . « وحُضيْرٌ » : بحاءٍ مهملة مضمومة وضاد معجمة مفتوحة ، والله أعلم .
قيل : إِنَّ وجه المناسبة بين الجواب والسؤال أَنَّ من شأن العامل الاستئثار إِلا مَنْ عصم الله ، فَأشفق عليه ﷺ مِن أَن يقع فيما يقع فيه بعضُ من يأتي بعده من الملوك ، فَيَسْتأثر على ذوي الحقوق ، وهذا من جملة معجزاته ﷺ فقد وقع كما أَخبر .
[53] وعن أبي إبراهيم عبدِ الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله ﷺ في بعْضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ ، انْتَظَرَ حَتَّى إِذَا مالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهمْ ، فَقَالَ : « يَا أيُّهَا النَّاسُ ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ ، فَإِذَا لقيتُمُوهُمْ فَاصْبرُوا ، وَاعْلَمُوا أنّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوفِ » .
ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ ﷺ : « اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانصُرْنَا عَلَيْهمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وبالله التوفيق .
في هذا الحديث :
الدعاء حال الشدائد ، والخروج من الحول والقوة ، والنهي عن تمنِّي لقاء العدو ، والأَمر بالصبر والثبات عند اللقاء .
وفيه :
الحضُّ على الجهاد . وفيه : الجمع بين الأَخذ بالأَسباب ، والتوكُّل على الله تعالى .
ام عادل السلفية
25-02-2016, 04:42PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
4- باب الصدق
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة (119) ] .
أي : اتقوا الله بترك ما نهى عنه ، وكونوا مع الصادقين في نياتهم وأعمالهم وأقوالهم .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ﴾ [ الأحزاب (35) ] .
أي : الصادقين في جميع الأحوال .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ﴾ [ محمد (21) ] .
أي : لو صدقوا الله في الإيمان والطاعة .
وأما الأحاديث :
[54] فالأول : عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : « إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً . وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
البر : اسم جامع للخير كله .
والفجور : الأعمال السيئة .
قال القرطبي : حق على كل من فهم عن الله أن يلازم الصدق في الأقوال ، والإخلاص في الأعمال ، والصفاء في الأحوال .
فمن كان كذلك لحق بالأبرار ، ووصل إلى رضاء الغفار .
وقد أرشد تعالى إلى ذلك كله بقوله عند ذكر أحوال الثلاثة التائبين : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة (119) ] .
ام عادل السلفية
25-02-2016, 05:02PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[55] الثاني : عن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما قَالَ : حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله ﷺ : « دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث صحيح » .
قوله : « يَريبُكَ » هُوَ بفتح الياء وضمها : ومعناه اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ .
معنى هذا الحديث :
يرجع إلى الوقوف عند الشبهات ، ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه .
وفيه إشارة إلى الرجوع إلى القلوب الطاهرة والنفوس الصافية عند الاشتباه ، فإن نفس المؤمن جبلت على الطمأنينة إلى الصدق ، والنفر من الكذب .
[56] الثالث : عن أبي سفيانَ صَخرِ بنِ حربٍ t في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ ، قَالَ هِرقلُ : فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ - يعني : النَّبيّ ﷺ - قَالَ أبو سفيانَ : قُلْتُ : يقولُ : « اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئاً ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ ، وَالصِّدْقِ ، والعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
الصدق من أشرف مكارم الأخلاق ، وهو محبوب عند الخالق والمخلوق .
والعفاف : الكف عن المحارم ، وخوارم المروءة .
ام عادل السلفية
27-02-2016, 03:43PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[57] الرابع : عن أبي ثابت ، وقيل : أبي سعيد ، وقيل : أبي الوليد ، سهل بن حُنَيْفٍ وَهُوَ بدريٌّ رضي الله عنه : أنَّ النَّبيّ ﷺ قَالَ : « مَنْ سَأَلَ الله تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ الله مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث :
أنَّ من نوى شيئًا من أعمال البرّ صادقًا من قلبه أُثيب عليه ، وإن لم يتفق له ذلك .
[58] الخامس : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : « غَزَا نبيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهمْ فَقَالَ لِقَومهِ : لا يَتْبَعَنِّي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأةٍ وَهُوَ يُريدُ أنْ يَبْنِي بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلا أحَدٌ بَنَى بُيُوتاً لَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلا أحَدٌ اشْتَرَى غَنَماً أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلادَها . فَغَزا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاةَ العَصْرِ أَوْ قَريباً مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ : إِنَّكِ مَأمُورَةٌ وَأنَا مَأمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ فَجَاءتْ - يعني النَّارَ - لِتَأكُلَهَا فَلَمْ تَطعَمْها ، فَقَالَ : إنَّ فِيكُمْ غُلُولاً ، فلْيُبايعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلةٍ رَجُلٌ ، فَلَزِقَتْ يد رجل بِيَدِهِ فَقَالَ : فِيكُمُ الغُلُولُ فلتبايعني قبيلتك ، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فَجَاؤُوا بِرَأْس مثل رأس بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ ، فَوَضَعَهَا فَجاءت النَّارُ فَأكَلَتْها . فَلَمْ تَحلَّ الغَنَائِمُ لأحَدٍ قَبْلَنَا ، ثُمَّ أحَلَّ الله لَنَا الغَنَائِمَ لَمَّا رَأَى ضَعْفَنا وَعَجْزَنَا فَأحَلَّهَا لَنَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« الخَلِفَاتُ » بفتحِ الخَاءِ المعجمة وكسر اللامِ : جمع خِلفة وهي الناقة الحامِل .
في هذا الحديث :
أنَّ فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبةِ البقاء .
وفيه :
أنَّ الأمور المهمّة لا ينبغي أن تفوَّض إلا لحازم فارغ البال لها .
قال القرطبي : نهي النبيُّ قومه عن اتباعه على أحد هذه الأحوال ؛ لأنَّ أصحابها يكونون متعلقي النفوس بهذه الأسباب فتضعف عزائمهم ، وتفتر رغباتهم في الجهاد والشهادة ، وربّما يفرط ذلك التعلّق فيفضي إلى كراهة الجهاد وأعمال الخير .
ومقصود هذا النبي ﷺ تفرغهم من العوائق والاشتغال إلى تمنَّي الشهادة بنيِّة صادقة ، وعزم حازم ، ليتحصَّلوا على الحظ الأوفر والأجر الأكبر .
ام عادل السلفية
27-02-2016, 03:46PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[59] السادس : عن أبي خالد حَكيمِ بنِ حزامٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ :
« البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا ، وإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما » .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث :
فضل الصدق والحث عليه ، وذم الكذب والتحذير منه ، وإنه سبب لذهاب البركة .
وفيه : دليل على ثبوت خيار المجلس للبائع والمشتري
ام عادل السلفية
01-03-2016, 11:47PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
5- باب المراقبة
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [ الشعراء (218 ، 219) ].
يقول تعالى مخاطبًا لنبيه محمد ﷺ وتوكَّل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم إلى الصلاة ، وتقلُّبك راكعًا وقائمًا وساجدًا وقاعدًا في الساجدين – أي : المصلين – يعني : يراك إذا صلَّيت منفردًا وإذا صلَّيت في جماعة .
والمراقبة هي أحد مقامَيْ الإحسان ، وهو : أنْ تعبد الله كأنَّك تراه ، فإنْ لم تكنْ تراه فإنه يراك .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم ﴾ [ الحديد (4) ] .
أي : لا ينفكّ علمه عنكم . كم قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ المجادلة (7) ]
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ [ آل عمران (5) ] .
يخبر تعالى أنه يعلم غيبَ السماء والأرض لا يخفى عليه شيء من ذلك .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [ الفجر (14) ].
قال ابن كثير : وقوله تعالى : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ قال ابن عباس : يسمع ويرى . يعني : يرصد خلقه فيما يعملون ، وسيجازي كلاً بسعيه في الدنيا والآخرة ، وسيعرض الخلائقَ كلّهم عليه فيحكم فيهم بعدله ، ويقابل كلاً بما يستحقّه ، وهو المنزّه عن الظلم والجور .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [ غافر (19) ] .
قال ابن كثير : يخبر عزَّ وجلّ عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ، ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حقَّ الحياء ، ويتَّقوه حقَّ تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه .
والآياتُ في الْبَابِ كَثيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
كقوله تعالى : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاء وَلا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يونس (61) ] .
وغيرها من الآيات .
ام عادل السلفية
01-03-2016, 11:50PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
باب المراقبة
وأما الأحاديث :
[60] فالأول : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله ﷺ ذَاتَ يَومٍ ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ ، لا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبيّ ﷺ ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ .
وَقالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أخْبرني عَنِ الإسلامِ ،
فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « الإسلامُ : أنْ تَشْهدَ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسولُ الله ، وتُقيمَ الصَّلاةَ ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البَيتَ إن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلاً » .
قَالَ : صَدَقْتَ . فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقهُ !
قَالَ : فَأَخْبرنِي عَنِ الإِيمَانِ .
قَالَ : « أنْ تُؤمِنَ باللهِ ، وَمَلائِكَتِهِ ، وَكُتُبهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَاليَوْمِ الآخِر ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ » .
قَالَ : صَدقت .
قَالَ : فأَخْبرني عَنِ الإحْسَانِ .
قَالَ : « أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ » .
قَالَ : فَأَخْبِرني عَنِ السَّاعَةِ . قَالَ : « مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ » .
قَالَ : فأخبِرني عَنْ أمَاراتِهَا .
قَالَ : « أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ » .
ثُمَّ انْطَلقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً ، ثُمَّ قَالَ : « يَا عُمَرُ ، أَتَدْري مَنِ السَّائِلُ ؟ » قُلْتُ : اللهُ ورسُولُهُ أعْلَمُ . قَالَ : « فإنَّهُ جِبْريلُ أَتَاكُمْ يعْلِّمُكُمْ دِينَكُمْ » . رواه مسلم .
ومعنى « تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا » أيْ سَيِّدَتَهَا ؛ ومعناهُ : أنْ تَكْثُرَ السَّراري حَتَّى تَلِدَ الأَمَةُ السُّرِّيَّةُ بِنْتاً لِسَيِّدِهَا وبنْتُ السَّيِّدِ في مَعنَى السَّيِّدِ وَقيلَ غَيْرُ ذلِكَ .
وَ« العَالَةُ » : الفُقَراءُ . وقولُهُ : « مَلِيّاً » أَيْ زَمَناً طَويلاً وَكانَ ذلِكَ ثَلاثاً .
هذا حديث عظيم ، مشتمل على جميع الأعمال الظاهرة والباطنة وعلومُ الشريعة راجعة إليه ، فهو كالأمَّ للسُّنَّة ، كما سُمَّيت الفاتحة : أم القرآن .
ام عادل السلفية
01-03-2016, 11:53PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[61] الثاني : عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ وأبي عبدِ الرحمنِ معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله ﷺ قَالَ : « اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ » .
رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) .
هذه وصية عظيمة جامعة لحقوق الله تعالى وحقوق عباده ، قال الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ﴾ [ النساء (131) ] ، وتقوى الله تعالى : طاعته ، بامتثال أمره واجتناب نهيه .
وقال تعالى : ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ هود (114 ، 115) ] .
وقال ابن المبارك : حُسْن الخُلُق : بسط الوجه ، وبذلُ المعروف ، وكفّ الأذى .
وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصّى به النبي ﷺ في هذا الحديث ، فقال عزَّ وجلّ :
﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [ آل عمران (133 : 136) ] .
-----------
المصدر :
http://waqfeya.com/book.php?bid=3723
التصفية والتربية
TarbiaTasfia@
ام عادل السلفية
05-03-2016, 02:30PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[62] الثالث : عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : كنت خلف النَّبيّ ﷺ يوماً ، فَقَالَ :
« يَا غُلامُ ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ .
وَاعْلَمْ : أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن صحيح » .
وفي رواية غيرِ الترمذي : « احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعرَّفْ إِلَى اللهِ في الرَّخَاءِ يَعْرِفكَ في الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ : أنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَاعْلَمْ : أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً » .
هذا الحديث أصل عظيم في مراقبة الله ، ومراعاة حقوقه ، والتفويض لأمره ، والتوكل عليه ،
وشهود توحيده وتفرُّده ، وعجز الخلائق كلَّهم وافتقارهم إليه .
ام عادل السلفية
05-03-2016, 02:35PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[63] الرابع : عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : إِنَّكُمْ لَتعمَلُونَ أعْمَالاً هي أدَقُّ في أعيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله ﷺ مِنَ المُوبِقاتِ . رواه البخاري .
وَقالَ : « المُوبقاتُ » : المُهلِكَاتُ .
في هذا الحديث : كمال مراقبة الصحابة رضي الله عنهم لله تعالى ، وكمال استحيائهم منه .
وفيه : أنَّ الإنسان ينبغي له أن يحذر من صغار الذنوب ، فلعلها تكون المهلكة له في دينه .
كما يتحرز من يسير السموم خشية أن يكون فيها حتفه ، وقد قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ [ فاطر (28) ] .
وفي الحديث : « إن المؤمن يرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه ، والمنافق يرى ذنبه كأنه ذباب مرّ على أنفه » .
[64] الخامس : عن أبي هريرةَ رضي اله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « إنَّ الله تَعَالَى يَغَارُ ، وَغَيرَةُ الله تَعَالَى ، أنْ يَأتِيَ المَرْءُ مَا حَرَّمَ الله عَلَيهِ » .
متفق عَلَيهِ .
و« الغَيْرةُ » : بفتحِ الغين ، وَأَصْلُهَا الأَنَفَةُ .
في هذا الحديث : مراقبة الله تعالى والخوف من غضبه وعقوبته إذا انتُهكت محارمه .
ام عادل السلفية
05-03-2016, 02:39PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[65] السادس : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه : أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ ﷺ ، يقُولُ :
« إنَّ ثَلاثَةً مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ : أبْرَصَ ، وَأَقْرَعَ ، وَأَعْمَى ، أَرَادَ اللهُ أنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعَثَ إِليْهمْ مَلَكاً ، فَأَتَى الأَبْرَصَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ ؟ قَالَ : لَوْنٌ حَسنٌ ، وَجِلدٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِيَ لَوناً حَسنَاً وجِلْدًا حَسَنًا .
فَقَالَ : فَأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليكَ ؟ قَالَ : الإِبلُ - أَوْ قالَ : البَقَرُ شكَّ الرَّاوي - فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ، فَقَالَ : بَاركَ الله لَكَ فِيهَا .
فَأَتَى الأَقْرَعَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ ؟ قَالَ : شَعْرٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَذِرَني النَّاسُ ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهبَ عَنْهُ وأُعْطِيَ شَعراً حَسَناً . قالَ : فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ ؟ قَالَ : البَقَرُ ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً ، وَقالَ : بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا .
فَأَتَى الأَعْمَى ، فَقَالَ : أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَنْ يَرُدَّ الله إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ ؛ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرهُ. قَالَ : فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ ؟ قَالَ : الغَنَمُ ، فَأُعْطِيَ شَاةً والداً ، فَأَنْتَجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا ، فَكانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الإِبلِ ، وَلِهذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ .
ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجلٌ مِسْكينٌ قَدِ انقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَري فَلا بَلاغَ لِيَ اليَومَ إلا باللهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ ، والجِلْدَ الحَسَنَ ، وَالمَالَ ، بَعِيراً أَتَبَلَّغُ بِهِ في سَفَري ، فَقَالَ : الحُقُوقُ كثِيرةٌ . فَقَالَ : كأنِّي اعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فقيراً فأعْطَاكَ اللهُ !؟ فَقَالَ : إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المالَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ ، فَقَالَ : إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ .
وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذا ، وَرَدَّ عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا ، فَقَالَ : إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ .
وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكينٌ وابنُ سَبيلٍ انْقَطَعتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي ، فَلا بَلاَغَ لِيَ اليَومَ إلا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَركَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفري ؟ فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أعمَى فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللهِ لا أجْهَدُكَ اليَومَ بِشَيءٍ أخَذْتَهُ للهِ عزوجل . فَقَالَ : أمْسِكْ مالَكَ فِإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ . فَقَدْ رضي الله عنك ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
و« النَّاقةُ العُشَرَاءُ » بضم العين وفتح الشين وبالمد : هي الحامِل .
قوله : « أنْتَجَ » وفي رواية : « فَنتَجَ » معناه : تولَّى نِتاجها ، والناتج لِلناقةِ كالقابِلةِ للمرأةِ .
وقوله : « وَلَّدَ هَذَا » هُوَ بتشديد اللام : أي تولى ولادتها ، وَهُوَ بمعنى أنتج في الناقة ، فالمولّد ، والناتج ، والقابلة بمعنى ؛ لكن هَذَا لِلحيوان وذاك لِغيرهِ .
وقوله : « انْقَطَعَتْ بي الحِبَالُ » هُوَ بالحاءِ المهملةِ والباءِ الموحدة : أي الأسباب .
وقوله : « لا أجْهَدُكَ » معناه : لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أَوْ تطلبه من مالي .
وفي رواية البخاري : « لا أحمَدُكَ » بالحاءِ المهملة والميمِ ومعناه : لا أحمدك بترك شيء تحتاج إِلَيْه ، كما قالوا : لَيْسَ عَلَى طولِ الحياة ندم : أي عَلَى فواتِ طولِها .
في هذا الحديث : التحذير من كفران النعم ، والترغيب في شكرها ، والاعتراف بها ، وحمد الله عليها .
وفيه : فضل الصدقة ، والحث على الرفق بالضعفاء ، وإكرامهم وتبليغهم مآربهم .
وفيه : الزجرُ عن البخل ؛ لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى .
ام عادل السلفية
05-03-2016, 02:43PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[66] السابع : عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ، وَعَمِلَ لِمَا بعدَ المَوتِ ، والعَاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفْسَهُ هَواهَا وَتَمنَّى عَلَى اللهِ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن » .
قَالَ الترمذي وغيره من العلماء : معنى « دَانَ نَفْسَهُ » : حاسبها .
الكَيِّس : العاقل ، وهو الذي يمنع نفسه عن الشهوات المحرمة ويعمل بطاعة الله تعالى .
والعاجز : هو التارك لطاعة الله المتمنِّي على الله . قال تعالى : ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾ [ النساء (123 ، 124) ] .
[67] الثامن : عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ » . حديث حسن . رواه الترمذي وغيرُه .
هذا الحديث أصل عظيمٌ من أصول الأدب
.
قيل للقمان : ما بلغ بك ما نرى ؟ قال : صِدْقُ
الحديث ، وأداء الأمانة ، وترْكُ ما لا يعنيني .
وقال سهل بن عبد الله التُّسْتَري : مَن تكلَّم فيما لا يعنيه حُرم الصدق .
ورُوي عن النبي ﷺ أنه قال : « أول من يدخل عليكم رجل من أهل الجنة » ، فدخل عليهم عبد الله بن سلام ، فقام إليه ناسٌ فأخبروه ، وقالوا له : أخبرنا بأوثق عملك في نفسك ؟ قال : إن عملي لضعيف ، وأوثق ما أرجو به سلامة الصدر ، وتركي ما لا يعنيني .
قال الغزالي : حدُّ ما لا يعنيك في الكلام : أنْ تتكلَّم بما لو سَكَتَّ عنه لم تأثم ، ولم تتضرر حالاً ولا مآلاً .
ام عادل السلفية
06-03-2016, 01:45PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[68] التاسع : عن عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيّ ﷺ قَالَ : « لا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ » . رواه أبو داود وغيره .
أي : لا يُسأل بأي سبب ضرب امرأته ، لإحتمال أنْ يكون السبب مما يُستحيا من ذكره ، كالامتناع من التمكين ، بل يترك ذلك إليه وإلى مراقبته لمولاه ، إلا إن احتاج الأمر إلى الرفع إلى الحكام .
قال الله تعالى : ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ
حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ﴾ [ النساء (34) ] .
ام عادل السلفية
08-03-2016, 10:03PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
وَ قالَ تَعَالَى : ﴿ وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق (2 ، 3) ].
قال ابن كثير : أي : ومن يتق الله فيما أمره به وتركَ ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجًا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، أي : من جهة لا تخطر بباله .
وفي ( المسند ) عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : « من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا ، ومن كل ضيقٍ مخرجًا ، ورزقه من حيث لا يحتسب » .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [ الأنفال (29) ] والآيات في البابِ كثيرةٌ معلومةٌ .
قال ابن إسحاق : فرقانًا : أي : فصلاً بين الحق والباطل .
قال ابن كثير : فإنَّ من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره ، وُفِّقَ لمعرفة الحق من الباطل ، فكان ذلك سببَ نصره ونجاته ، ومخرجه من أمور الدنيا ، وسعادته يوم القيامة ، وتكفير ذنوبه ، وهو محوها وغفرها وسترها عن الناس ، وسببًا لنيل ثواب الله الجزيل .
ام عادل السلفية
13-03-2016, 07:26PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[69] فالأول : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ : يَا رسولَ الله ، مَنْ أكرمُ النَّاس ؟ قَالَ : « أَتْقَاهُمْ » . فقالوا : لَيْسَ عن هَذَا نسألُكَ ، قَالَ : «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابنُ نَبِيِّ اللهِ ابنِ نَبيِّ اللهِ ابنِ خليلِ اللهِ » قالوا : لَيْسَ عن هَذَا نسألُكَ ، قَالَ : «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْأَلوني ؟ خِيَارُهُمْ في الجَاهِليَّةِ خِيَارُهُمْ في الإِسْلامِ إِذَا فقُهُوا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
و« فَقُهُوا » بِضم القافِ عَلَى المشهورِ وَحُكِيَ كَسْرُها : أيْ عَلِمُوا أحْكَامَ الشَّرْعِ .
أي : أنَّ أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية هم أصحابها في الإِسلام إذا علموا أحكام الشرع .
[70] الثَّاني : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرةٌ ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاء ؛ فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسرائيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ .
رواه مسلم .
في هذا الحديث :
التحذيرُ من الاغترار بالدنيا ، والميل إلى النساء ، فإنهما فتنة لكل مفتون .
ام عادل السلفية
13-03-2016, 07:29PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[71] الثالث : عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه : أنَّ النَّبيّ ﷺ كَانَ يقول : « اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ الهُدَى ، وَالتُّقَى ، وَالعَفَافَ ، وَالغِنَى » . رواه مسلم .
الهدى : الرشاد .
والتقى : امتثال الأوامر واجتناب النواهي .
والعفاف : التنزه عما لا يباح ، وما لا يليق بالمروءة .
والغنى : غنى النفس ، والاغتناء عما في أيدي الناس .
وفيه : شرف هذه الخصال والالتجاء إلى الله في سائر الأحوال .
[72] الرابع : عن أبي طريفٍ عدِيِّ بن حاتمٍ الطائيِّ رضي الله عنه ، قَالَ : سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول : « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَى أتْقَى للهِ مِنْهَا فَليَأتِ التَّقْوَى » . رواه مسلم .
يعني أن من حلفَ على فعل شيء أو تركه ، فرأى غيره خيرًا من التمادي على اليمين واتقى الله ، فَعَلَهُ وَكفَّر عن يمينه .
ام عادل السلفية
14-03-2016, 06:13PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[73] الخامس : عن أبي أُمَامَةَ صُدَيّ بنِ عجلانَ الباهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعتُ رسولَ الله ﷺ يَخْطُبُ في حجةِ الوداعِ ، فَقَالَ : « اتَّقُوا الله وَصلُّوا خَمْسَكُمْ ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ ، وَأَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُمْ ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ » .
رواه الترمذي ، في آخر كتابِ الصلاةِ ، وَقالَ : (حديث حسن صحيح ) .
بدأ بالتقوى لأنها الأساس ؛ لتناولها فعل سائر المأمورات ، وترك سائر المناهي ، وعطف عليها ما بعدها وهو من عطف العام على الخاص ، والله أعلم .
ام عادل السلفية
17-03-2016, 01:22PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[74] فالأول : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ ، فَرَأيْتُ النَّبيّ ومَعَهُ الرُّهَيطُ ، والنبي وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ ، والنبيَّ ولَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لي سَوَادٌ عَظيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فقيلَ لِي : هَذَا مُوسَى وَقَومُهُ ، ولكنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ ، فَنَظَرتُ فَإِذا سَوادٌ عَظِيمٌ ، فقيلَ لي : انْظُرْ إِلَى الأفُقِ الآخَرِ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظيمٌ ، فقيلَ لِي : هذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألفاً يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ » ، ثُمَّ نَهَضَ فَدخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ في أُولئكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِحِسَابٍ ولا عَذَابٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَلَعَلَّهُمْ الَّذينَ صَحِبوا رسولَ الله ﷺ ، وَقالَ بعْضُهُمْ : فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا في الإِسْلامِ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِالله شَيئاً - وذَكَرُوا أشيَاءَ - فَخَرجَ عَلَيْهِمْ رسولُ الله ﷺ ، فَقَالَ : « مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ » فَأَخْبَرُوهُ فقالَ : « هُمُ الَّذِينَ لا يَرْقُونَ ، وَلا يَسْتَرقُونَ ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ؛ وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُون » فقامَ عُكَّاشَةُ بنُ محصنٍ ، فَقَالَ : ادْعُ الله أنْ يَجْعَلني مِنْهُمْ ، فَقَالَ : « أنْتَ مِنْهُمْ » . ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ : ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلنِي مِنْهُمْ ، فَقَالَ : « سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« الرُّهَيْطُ » بضم الراء تصغير رهط : وهم دون عشرة أنفس ، وَ« الأُفقُ » الناحية والجانب . و« عُكَّاشَةُ » بضم العين وتشديد الكاف وبتخفيفها ، والتشديد أفصح .
قوله : « لا يرقون ولا يسترقون » ، أي : لا يرقون غيرهم بالرقية المكروهة ولا يطلبون من الغير أن يرقاهم توكُّلاً على الله . فالرقية مباحة ولا كراهة فيها إذا كانت بالقرآن أو الأدعية المعروفة . وقد قال ﷺ : « لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا » .
قال القرطبي : الرقى والاسترقاء : ما كان منه برقى الجاهلية أو بما لا يُعرف فواجب اجتنابه على سائر المسلمين .
ام عادل السلفية
17-03-2016, 01:25PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[75] الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً : أنَّ رَسُول الله ﷺ كَانَ يقول : « اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَليْك تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ . اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بعزَّتِكَ ؛ لا إلهَ إلا أَنْتَ أنْ تُضلَّني، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، وَالجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري .
قوله : « اللهم لك أسلمت » ، أي : استسلمت لحكمك وأمرك ، وسلمتُ : رضيتُ وآمنتُ وصدقتُ وأيقنتُ .
وفي الحديث : الالتجاء إلى الله والاعتصام به ، فمن اعتزَّ بغير الله ذلّ ، ومن اهتدى بغير هدايته ضلّ ، ومن اعتصم بالله تعالى وتوكَّل عليه عظُم وجلّ .
ام عادل السلفية
28-03-2016, 04:32PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[76] الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً ، قَالَ : حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبرَاهيمُ ﷺ حِينَ أُلقِيَ في النَّارِ ، وَقَالَها مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قَالُوا : إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيْماناً وَقَالُوا : حَسْبُنَا الله ونعْمَ الوَكيلُ . رواه البخاري .
وفي رواية لَهُ عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ آخر قَول إبْرَاهِيمَ ﷺ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ : حَسْبِي الله ونِعْمَ الوَكِيلُ .
قوله : ﴿ حسبنا الله ﴾ ، أي : هو كافينا .
﴿ ونعم الوكيل ﴾ ، أي : الموكول إليه الأمور .
ورُوي أنَّ إبراهيم ﷺ لما أرادوا إلقاءه في النار ، رفع رأسه إلى السماء فقال : « اللَّهُمَّ أنت الواحدُ في السماء ، وأنا الواحد في الأرض ، ليس أحدٌ يعبدك غيري ، حسبي الله ونعم الوكيل » . فقال الله عزَّ وجلّ : ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
ام عادل السلفية
28-03-2016, 04:35PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[77] الرابع : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَقْوامٌ أفْئِدَتُهُمْ مِثلُ أفْئِدَةِ الطَّيرِ » . رواه مسلم .
قيل : معناه متوكلون ، وقيل : قلوبهم رَقيقَةٌ .
هذا الحديث أصلٌ عظيم في التوكل .
وحقيقته : هو الاعتماد على الله عزَّ وجلّ في استجلاب المصالح ودفع المضار .
قال سعيد بن جبير : التوكُّل جماع الإِيمان .
واعلم أنَّ التوكُّل لا ينافي السعي في الأسباب ، فإنَّ الطير تغدو في طلب رزقها . وقد قال الله تعالى : ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ [ هود (6) ] .
قال يوسف بن أسباط : كان يقال : اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله ، وتوكَّل توكُّل رجل لا يصيبه إلا ما كُتب له .
وفي حديث جابر عن النبي ﷺ : « لن تموتَ نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حرم » .
ام عادل السلفية
28-03-2016, 04:38PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[78] الخامس : عن جابر رضي الله عنه : أَنَّهُ غَزَا مَعَ النبي ﷺ قِبلَ نَجْدٍ ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُول الله ﷺ قَفَلَ معَهُمْ ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ في وَادٍ كثير العِضَاه ، فَنَزَلَ رَسُول الله ﷺ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بالشَّجَرِ ، وَنَزَلَ رَسُول الله ﷺ تَحتَ سَمُرَة فَعَلَّقَ بِهَا سَيفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً ، فَإِذَا رسولُ الله ﷺ يَدْعونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : « إنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيفِي وَأنَا نَائمٌ فَاسْتَيقَظْتُ وَهُوَ في يَدِهِ صَلتاً ، قَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قُلْتُ : الله - ثلاثاً- » وَلَمْ يُعاقِبْهُ وَجَلَسَ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية قَالَ جَابرٌ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله ﷺ بذَاتِ الرِّقَاعِ ، فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لرسول الله ﷺ ، فجاء رَجُلٌ مِنَ المُشْركينَ وَسَيفُ رَسُول الله r معَلَّقٌ بالشَّجَرَةِ فَاخْتَرطَهُ ، فَقَالَ : تَخَافُنِي ؟ قَالَ : « لا » . فَقَالَ : فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : « الله » .
وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في " صحيحه " ، قَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟
قالَ : « اللهُ » . قَالَ : فَسَقَطَ السيفُ مِنْ يَدهِ ، فَأخَذَ رسولُ الله ﷺ السَّيْفَ ، فَقَالَ : « مَنْ يَمْنَعُكَ مني ؟ » . فَقَالَ : كُنْ خَيرَ آخِذٍ . فَقَالَ : « تَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وَأَنِّي رَسُول الله ؟ » قَالَ : لا ، وَلَكنِّي أُعَاهِدُكَ أنْ لا أُقَاتِلَكَ ، وَلا أَكُونَ مَعَ قَومٍ يُقَاتِلُونَكَ ، فَخَلَّى سَبيلَهُ ، فَأَتَى أصْحَابَهُ ، فَقَالَ : جئتُكُمْ مِنْ عنْد خَيْرِ النَّاسِ .
قَولُهُ : « قَفَلَ » أي رجع ، وَ« الْعِضَاهُ » الشجر الَّذِي لَهُ شوك ، و« السَّمُرَةُ » بفتح السين وضم الميم : الشَّجَرَةُ مِنَ الطَّلْح ، وهيَ العِظَامُ مِنْ شَجَرِ العِضَاهِ ، وَ« اخْتَرَطَ السَّيْف » أي سلّه وَهُوَ في يدهِ . و « صَلْتاً » أي مسلولاً ، هُوَ بفتحِ الصادِ وضَمِّها .
في هذا الحديث : قوة يقينهِ ﷺ ، وتوكُّله على الله عزَّ وجلّ ، وعفوه ، وحلمه ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، ومحاسن أخلاقه ، وكمال كرمه ، وقد قال الله تعالى : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [ القلم (4) ] .
ام عادل السلفية
28-03-2016, 04:41PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[79] السادس : عن عُمَر رضي الله عنه قَالَ : سمعتُ رَسُول الله ﷺ يقول : « لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً » . رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) .
معناه : تَذْهبُ أَوَّلَ النَّهَارِ
خِمَاصاً : أي ضَامِرَةَ البُطُونِ مِنَ الجُوعِ ، وَتَرجعُ آخِرَ النَّهَارِ
بِطَاناً . أَي مُمْتَلِئَةَ البُطُونِ .
أي : لو توكلتم على الله في ذهابكم ومجيئكم وتصرُّفكم لسهّل لكم رزقكم .
ام عادل السلفية
28-03-2016, 04:44PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[80] السابع : عن أبي عُمَارة البراءِ بن عازب رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « يَا فُلانُ ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فراشِكَ ، فَقُل : اللَّهُمَّ أسْلَمتُ نَفْسي إلَيْكَ ، وَوَجَّهتُ وَجْهِي إلَيْكَ ، وَفَوَّضتُ أَمْري إلَيْكَ ، وَأَلجأْتُ ظَهري إلَيْكَ رَغبَةً وَرَهبَةً إلَيْكَ ، لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إلا إلَيْكَ ، آمنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ ؛ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ . فَإِنَّمِتَّ مِنْ لَيلَتِكَ مِتَّ عَلَى الفِطْرَةِ ، وَإِنْ أصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيراً » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية في الصحيحين ، عن البراءِ ، قَالَ : قَالَ لي رَسُول الله ﷺ : « إِذَا أَتَيْتَ مَضْجِعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءكَ للصَّلاةِ ، ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيمَنِ ، وَقُلْ ... وذَكَرَ نَحْوَهُ ثُمَّ قَالَ : وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ » .
في هذا الحديث : فضل الاستسلام ، والتفويض ، والالتجاء إلى الله عزَّ وجلّ .
ام عادل السلفية
28-03-2016, 04:49PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[81] الثامِنُ : عن أبي بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه عبدِ اللهِ بنِ عثمان بنِ عامرِ بنِ عمر ابنِ كعب بنِ سعدِ بن تَيْم بنِ مرة بن كعبِ بن لُؤَيِّ بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه - وَهُوَ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ صَحَابَةٌ - رضي الله عنهم - قَالَ : نَظَرتُ إِلَى أَقْدَامِ المُشْرِكينَ وَنَحنُ في الغَارِ وَهُمْ عَلَى رُؤُوسِنا ، فقلتُ : يَا رسولَ الله ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ : « مَا ظَنُّكَ يَا أَبا بَكرٍ باثنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في هذا الحديث : تنبيه على أنَّ من توكَّل على الله كفاه ، ونصره ، وأعانه ، وكلأه وحفظه .
ام عادل السلفية
28-03-2016, 04:51PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[82] التاسع : عن أم المُؤمنينَ أمِّ سَلَمَةَ وَاسمها هِنْدُ بنتُ أَبي أميةَ حذيفةَ المخزومية رضي الله عنها : أنَّ النَّبيّ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ ، قَالَ : « بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ، أَوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ » حديثٌ صحيح ، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحةٍ . قَالَ الترمذي : ( حديث حسن صحيح ) . وهذا لفظ أبي داود .
[83] العاشر : عن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَنْ قَالَ - يَعْني : إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ - : بِسمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاباللهِ ، يُقالُ لَهُ : هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيطَانُ » . رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم . وَقالَ الترمذي : ( حديث حسن ) ،
زاد أبو داود : « فيقول - يعني : الشيطان - لِشيطان آخر : كَيفَ لَكَ بِرجلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ ؟ » .
معنى « لا حول ولا قوَّة إلا بالله » ، أي : لا حول عن المعاصي إلا بعصمة الله . ولا قوَّة على الطاعات إلابالله .
ورُوي عن ابن مسعود قال : كنت عند رسول الله ﷺ فقلتها . فقال : « تدري ما تفسيرها ؟ » ، قلت : الله ورسوله أعلم . قال : « لا حول عن معصية الله ، ولا قوَّة على طاعة الله إلا بمعونة الله » . أخرجه البزّار .
قال بعض العلماء : ولعل تخصيصه بالطاعة والمعصية ؛ لأنهما أمران مهمان في الدين .
ام عادل السلفية
31-03-2016, 01:25PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[84] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : كَانَ أَخَوانِ عَلَى عهد النَّبيّ ﷺ وَكَانَ أحَدُهُمَا يَأتِي النَّبيَّ ﷺ وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أخَاهُ للنبي ﷺ ، فَقَالَ : «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ » . رواه الترمذي بإسناد صحيحٍ عَلَى شرطِ مسلم .
« يحترِف » : يكتسب ويتسبب .
في الحديث : تنبيهٌ على أنَّ من انقطع إلى الله كفاه مهماته .
وأنَّ العبدَ يُرزق بغيره ، كما في الحديث الآخر : «وهل ترزقون – أو قال : تنصرون – إلا بضعفائكم » .
ام عادل السلفية
31-03-2016, 01:31PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
8- باب الاستقامة
قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [ هود (112) ] .
أي : استقم على دين ربك ، والعمل به ، والدعاء إليه .
والاستقامة : هي لزوم المنهج المستقيم .
قال عمر رضي الله عنه : الاستقامة : أنْ تقوم على الأمر والنهي ، ولا تروغ عنه روغان الثعلب .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [ فصلت (30 :32) ].
يخبر تعالى أنَّ من وحَّده واستقام على طاعته أنه آمن عند الموت ويوم القيامة ، وأنَّ جزاءه الجنة .
وقوله : ﴿ نزلاً ﴾ أي : رزقًا مهيَّأً .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأحقاف (13 ، 14) ] .
أي : استقاموا على التوحيد ، واتباع الكتاب والسنة .
ام عادل السلفية
11-04-2016, 11:41PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[85] وعن أبي عمرو ، وقيل : أبي عَمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَولاً لا أسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً غَيْرَكَ . قَالَ : « قُلْ : آمَنْتُ بِاللهِ ، ثُمَّ استَقِمْ » . رواه مسلم .
هذا الحديث جمع معاني الإِسلام والإِيمان كلها ، وهو على وفاق قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ .
قال بعض العارفين : مرجع الاستقامة إلى أمرين :
* صحة الإيمان بالله .
* واتباع ما جاء به رسول الله ظاهرًا وباطنًا .
وقد قال النبي ﷺ : « استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلامؤمن » .
ام عادل السلفية
11-04-2016, 11:43PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[86] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بعَمَلِهِ » قالُوا : وَلا أَنْتَ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : « وَلا أنا إلا أنْ يَتَغَمَّدَني الله برَحمَةٍ مِنهُ وَفَضْلٍ » . رواه مسلم .
وَ« المُقَاربَةُ » : القَصدُ الَّذِي لا غُلُوَّ فِيهِ وَلا تَقْصيرَ ، وَ« السَّدادُ » : الاستقامة والإصابة . وَ« يتَغَمَّدني » : يلبسني ويسترني .
قَالَ العلماءُ : مَعنَى الاستقامَةِ لُزُومُ طَاعَةِ الله تَعَالَى ، قالوا : وهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِم ، وَهِيَ نِظَامُ الأُمُورِ ؛ وبِاللهِ التَّوفِيقُ .
في هذا الحديث : دلالةٌ على أنه ليس أحد من الخلْق يقدر على توفية حق الربوبية . لقوله ﷺ : « ولا أنا ، إلا أن يتغمَّدني الله برحمة منه وفضل » .
ولكن الأعمال سببٌ لدخول الجنة . كما قال تعالى : ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل (32) ] ، والتوفيق للأعمال الصالحة من فضل الله ورحمته .
ام عادل السلفية
11-04-2016, 11:46PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
9- باب التفكير في عظيم مخلوقات الله تَعَالَى
وفناء الدنيا وأهوال الآخرة وسائر أمورهما وتقصير النفس
وتهذيبها وحملها عَلَى الاستقامة
التفكر في المخلوقات : كالعرش ، والكرسي ، والسماء والأرض يدل على كمال الخالق وعظمته .
وفي الحديث : « ما السماء والأرض ، وما بينهما في العرش إلا كحلقة أُلْقيتْ في فلاة من الأرض » ، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ الزمر (67) ] .
والتفكُّر في فناء الدنيا : يبعثه على الزهد فيها ، والإِقبال على الآخرة .
والتفكُّر في أهوال الآخرة : يبعثه على فعل الطاعات ، وترك المنهيات ، وتقصير أمل النفس بذكر الموت ، وتهذيبها من الأخلاق السيئة .
وحملها على الاستقامة يورثها العز في الدنيا والآخرة .
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [ سبأ (46) ] .
يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء الزاعمين أنك مجنون : إنما أعظكم آمركم وأوصيكم بواحدة ، هي : أن تقوموا لله من غير هوى ولا عصيبة مثنى وفرادى ، أي : اثنين اثنين ، وواحدًا واحدًا . ثم تتفكروا جميعًا في حال محمد ﷺ فتعلموا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
ام عادل السلفية
11-04-2016, 11:58PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾ الآيات [ آل عمران (190 ، 191) ] .
التفكر في المخلوقات أفضل العبادات .
وفي بعض الآثار بينما رجلٌ مستلق على فراشه إذْ رفع رأسه فنظر إلى السماء والنجوم ، فقال : « أشهد أن لك ربًّا وخالقًا اللَّهُمَّ اغفر لي » فنظر الله إليه فغفر له .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [ الغاشية (17 :21) ] .
يحثُّ تعالى على النظر إلى أنواع المخلوقات الدالة على وحدانيته ، واقتداره على الخلق ، والبعث ، وغير ذلك ، وخُصَّت هذه الأربع من بين المخلوقات ، لأنها ظاهرة لكل أحد ، وخُصَّت الإبل من بين المركوبات لأنها أعجب ما عند العرب .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا ﴾ الآية [ محمد (10)].
يحثُّ تعالى على المسير في الأرض ، فينظروا آثار الأمم قبلهم واضمحلالهم بعد وجودهم ، وكمال قوتهم ، فيعلمون أنَّ الحيّ القيُّوم هو الله وأنَّ غيره فانٍ فلا يركنوا إلى الدنيا ولا يغترُّوا بها .
والآيات في الباب كثيرة .
ام عادل السلفية
12-04-2016, 12:00AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
ومن الأحاديث الحديث السابق : « الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ » .
لفظ الحديث : « الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وعمل لما بعد الموت ، والعاجزُ من أتْبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني » .
معنى دان نفسه : حاسبها .
فإنَّ محاسبته لها وعدم تركها هملاً إنما ينشأ عن تفكُّره في الدنيا وزوالها ، وفي نفسه وانتقالها ، كأنك بالدنيا ولم تكن ، وبالآخرة ولم تزل ، فيحاسب نفسه فيمنعها عمّا لا ينبغي ، ويحملها على ما ينبغي . وبالله التوفيق .
ام عادل السلفية
12-04-2016, 12:05AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
10- باب المبادرة إلى الخيرات
وحثِّ من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات ﴾ [ البقرة (148) ] .
أي سارعوا إليها قبل فواتها .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ آل عمران (133) ] .
يقول تعالى : بادروا إلى مغفرة من ربكم أعمال توجب المغفرة ، كالإسلام ، والتوبة ، وأداء الفرائض ، وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ، وخصَّ العرض بالذكر ؛ لأنَّ طول كل شيء غالبًا أكثر من عرضه ، وأما طولها فلا يعلمه إلا الله .
ام عادل السلفية
12-04-2016, 12:08AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
وأما الأحاديث :
[87] فالأولُ : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رَسُول الله ﷺ قَالَ : « بَادِرُوا بِالأعْمَال فتناً كقطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ ، يُصْبحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً ، وَيُمْسِي مُؤمِناً ويُصبحُ كَافِراً ، يَبيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا » . رواه مسلم.
في هذا الحديث : الحث على اغتنام الأعمال الصالحة قبل ظهور ما يمنعها.
[88] الثَّاني : عن أبي سِروْعَة - بكسر السين المهملة وفتحها - عُقبةَ بن الحارث رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيتُ وَرَاءَ النَّبيّ ﷺ بالمَدِينَةِ العَصْرَ ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعاً ، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ ، فَخَرَجَ عَلَيهمْ ، فَرأى أنَّهمْ قَدْ عَجبُوا مِنْ سُرعَتهِ ، قَالَ : « ذَكَرتُ شَيئاً مِنْ تِبرٍ عِندَنَا فَكَرِهتُ أنْ يَحْبِسَنِي فَأمَرتُ بِقِسْمَتِهِ » . رواه البخاري .
وفي رواية لَهُ : « كُنتُ خَلَّفتُ في البَيْتِ تِبراً مِنَ الصَّدَقةِ فَكَرِهتُ أنْ أُبَيِّتَهُ » . « التِّبْرُ » : قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ .
في هذا الحديث : المبادرة لأداء القُرُبات ، وفعل الخيرات .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 02:33AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[89] الثالث : عن جابر ﷺ قَالَ : قَالَ رجل للنبي ﷺ يَومَ أُحُد : أَرَأيتَ إنْ قُتِلتُ فَأَيْنَ أَنَا ؟ قَالَ : « في الجنَّةِ » فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ في يَدِهِ ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث : المبادرة إلى الخير ، والمسارعة إليه .
وفيه : ما كان الصحابة عليه من حب نصر الإسلام ، والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله وثوابه .
[90] الرابع : عن أبي هريرة ﷺ ، قَالَ : جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَقَالَ : يَا رسولَ الله ، أيُّ الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْرَاً ؟ قَالَ : « أنْ تَصَدَّقَ وَأنتَ صَحيحٌ شَحيحٌ ، تَخشَى الفَقرَ وتَأمُلُ الغِنَى ، وَلا تُمهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغتِ الحُلقُومَ قُلْتَ لِفُلان كذا ولِفُلانٍ كَذا ، وقَدْ كَانَ لِفُلانٍ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« الحُلقُومُ » : مَجرَى النَّفَسِ . وَ« المَرِيءُ » : مجرى الطعامِ والشرابِ .
في هذا الحديث : فضل الصدقة في حال الصحة .
وروى أبو داود وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : « لأن يتصدَّق المرءُ في حياته بدرهم خير له من أنْ يتصدق بمئة عند موته » .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 02:37AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[91] الخامس : عن أنس رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ أخذ سيفاً يَومَ أُحُدٍ ، فَقَالَ : « مَنْ يَأخُذُ منِّي هَذَا ؟ » فَبَسطُوا أيدِيَهُمْ كُلُّ إنسَانٍ مِنْهُمْ يقُولُ : أَنَا أَنَا .
قَالَ : « فَمَنْ يَأخُذُهُ بحَقِّه ؟ » فَأَحْجَمَ القَومُ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ ﷺ : أنا آخُذُهُ بِحَقِّهِ ، فأخذه فَفَلقَ بِهِ هَامَ المُشْرِكِينَ . رواه مسلم .
اسم أبي دجانةَ : سماك بن خَرَشة . قوله : «أحجَمَ القَومُ » : أي توقفوا . وَ« فَلَقَ بِهِ » : أي شق . « هَامَ المُشرِكينَ » : أي رُؤُوسَهم .
في هذا الحديث : المبادرة إلى قتال المشركين بالجد إذا أمكن ذلك .
وفي بعض السير عن الزبير قال : وجدت في نفسي حين سألت النبي ﷺ السيف فَمُنِعْتُهُ ، وأعطاه أبا دجانة ، فقلت : والله لأنظرن ما يصنع فاتّبعته ، فأخذ عصابة حمراء فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت . فخرج وهو يقول :
أنا الذي عاهدني خليلي ( ونحن بالسفح لدى النخيل
(أَلا أقوم الدهر في الكيول ( أضرب بسيف الله والرسول
(فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 02:53AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
11- باب المجاهدة
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ العنكبوت (69) ] .
المجاهدة : مفاعلة من الجهد ، فإن الإنسان يجاهد نفسه باستعمالها فيما ينفعها ، وهي تجاهده بضد ذلك .
قال بعض العلماء : جهاد النفس هو الجهاد الأكبر . وجهاد العدو هو الجهاد الأصغر .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾ [ المزمل (8) ] : أي : انْقَطِعْ إِلَيْه .
يقول تعالى : ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾ ، أي : أكثر من ذكره ، وأخلِص واجتهد في وقت فراغك .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [ الحجر (99) ] .
أي : الموت
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7) ] .
في هذا الآية تشويق لتقديم العمل الصالح بين يديه ليجد ثوابه عند قدومه على ربه .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾ [ المزمل (20) ] .
أي ما أخرجتم لله خير لكم وأعظم أجرًا عند الله مما ادخرتم .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [ البقرة (273) ] .
يعني : فيجزيكم بخير منه .
والآيات في الباب كثيرة معلومة .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 02:56AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[93] السابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : « بادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً ، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إلافَقراً مُنسياً ، أَوْ غِنىً مُطغِياً ، أَوْ مَرَضاً مُفسِداً ، أَوْ هَرَماً مُفْنداً ، أَوْ مَوتاً مُجْهزاً ، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ فالسَّاعَةُ أدهَى وَأَمَرُّ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) .
في هذه الحديث : الحث على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل الموانع الطارئة .
[94] الثامن : عَنْهُ : أن رَسُول الله ﷺ قَالَ يَومَ خيبر : « لأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ » . قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : مَا أحبَبْتُ الإِمَارَة إلا يَومَئِذٍ ، فَتَسَاوَرتُ لَهَا رَجَاءَ أنْ أُدْعَى لَهَا ، فَدَعا رسولُ الله r عليّ بن أبي طالب t فَأعْطَاهُ إيَّاهَا ، وَقالَ : « امْشِ وَلا تَلتَفِتْ حَتَّى يَفتَح اللهُ عَلَيكَ » . فَسَارَ عليٌّ شيئاً ثُمَّ وَقَفَ ولم يلتفت فصرخ : يَا رَسُول الله ، عَلَى ماذا أُقَاتِلُ النّاسَ ؟ قَالَ : « قاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلا اللهُ ، وَأنَّ مُحَمداً رسولُ الله ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلك فقَدْ مَنَعوا مِنْكَ دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا بحَقِّهَا ، وحسَابُهُمْ عَلَى الله » . رواه مسلم .
« فَتَسَاوَرْتُ » هُوَ بالسين المهملة : أي وثبت متطلعاً .
في هذا الحديث : الحث على المبادرة إلى ما أمر به ، والأخذ بظاهر الأمر وترك الوجوه المحتملات إذا خالفت الظاهر لأنَّ عليَّا وقف ولم يلتفت .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:00AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
وأما الأحاديث :
[95] فالأول : عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إنَّ الله تَعَالَى قَالَ : مَنْ عادى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ ، فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا ، وَإنْ سَأَلَني لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ » . رواه البخاري .
« آذَنتُهُ » : أعلمته بأني محارِب لَهُ . «اسْتَعَاذَني » روي بالنون وبالباءِ .
الولي : مَنْ تولى الله بالطاعة والتقوى ، فإنَّ الله يتولاه بالحفظ والنصرة .
وفي الحديث : الوعيد الشديد لمن عادى وليًّا من أجل طاعته لله عزَّ وجلّ.
وأنَّ أحب العبادة إلى الله أداء فرائضه .
وأنَّ من تقرَّب إلى الله بالنوافل أحبه ، ونصره ، وحفظه ، وأجاب دعاءه ، ورقاه من درجة الإِيمان إلى درجة الإِحسان ، فلا ينطقُ بما يسخط الله ، ولا تُحَرَّك جوارحه في معاصي الله .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:04AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[96] الثاني : عن أنس رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ فيما يرويه عن ربّه عزوجل قَالَ :
« إِذَا تَقَربَ العَبْدُ إلَيَّ شِبْراً تَقَربْتُ إِلَيْه ذِرَاعاً ، وَإِذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَربْتُ مِنهُ بَاعاً ، وِإذَا أتَانِي يَمشي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً » . رواه البخاري .
معنى هذا الحديث : أنَّ من تقرَّب إلى الله بشيء من الطاعات ولو قليلاً قابله الله بأضعاف من الإِثابة والإِكرام ، وكلما زاد في الطاعة زاده في الثواب ، وأسرع برحمته وفضله .
[97] الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصِّحَّةُ ، وَالفَرَاغُ » . رواه . البخاري .
في هذا الحديث : أنَّ من لم يعمل في فراغه وصحته فهو مغبون . قال الله تعالى : ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [ التغابن (9) ] .
وفي الحديث : « اغتنم خمسًا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل موتك » .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:08AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[98] الرابع : عن عائشة رَضي الله عنها : أنَّ النَّبيّ ﷺ كَانَ يقُومُ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقُلْتُ لَهُ : لِمَ تَصنَعُ هَذَا يَا رسولَ الله ، وَقدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : « أَفَلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْداً شَكُوراً » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، هَذَا لفظ البخاري .
ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة .
في هذا الحديث : أَخْذُ الإِنسان على نفسه بالشدة في العبادة ، وإنْ أضرَّ ذلك ببدنه إذا لم يفض به إلى الملل . قال النبي ﷺ : « خذوا من الأعمال ما تطيقون ، فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا » .
وفيه : أنَّ الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:11AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[99] الخامس : عن عائشة رضي الله عنها ، أنَّها قَالَتْ : كَانَ رَسُول الله ﷺ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا اللَّيلَ ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
والمراد : العشر الأواخر مِنْ شهر رمضان .
و«المِئْزَرُ » : الإزار ، وَهُوَ كناية عن اعتزالِ النساءِ .
وقيلَ : المُرادُ تَشْمِيرُهُ للِعِبَادةِ ، يُقالُ : شَدَدْتُ لِهَذَا الأمْرِ مِئْزَري : أي تَشَمَّرْتُ وَتَفَرَّغْتُ لَهُ .
في هذا الحديث : الجِدُّ والاجتهاد في العبادة ، خصوصًا في الأوقات الفاضلة ، واغتنام صالح العمل في العشر الأواخر من رمضان ؛ لأنَّ فيها ليلة خير من ألف شهر .
[100] السادس : عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ وَفي كُلٍّ خَيرٌ . احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلا تَعْجَزْ . وَإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أنّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدرُ اللّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعلَ ؛ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ » . رواه مسلم .
المؤمنُ القوي ، هو من يقوم بالأوامر ويترك النواهي بقوة ونشاط ، ويصبر على مخالطة الناس ودعوتهم ، ويصبر على أذاهم .
وفي الحديث : الأمر بفعل الأسباب والاستعانة بالله .
وفيه : التسليم لأمر الله ، والرضا بقدر الله .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:14AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[101] السابع : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : «حُجِبَتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ » .
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : « حُفَّتْ » بدل « حُجِبَتْ »وَهُوَ بمعناه : أي بينه وبينها هَذَا الحجاب فإذا فعله دخلها .
في هذا الحديث : أنَّ الجنة لا تُنال إلا بالصبر على المكاره ، وأنَّ النَّار لا يُنْجَى منها إلا بفطام النفس عن الشهوات المحرمة .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:16AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[102] الثامن : عن أبي عبد الله حُذَيفَةَ بنِ اليمانِ رضي الله عنهما ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ ﷺ ذَاتَ لَيلَةٍ فَافْتَتَحَ البقَرَةَ ، فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ ، ثُمَّ مَضَى . فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا في ركعَة فَمَضَى، فقُلْتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً : إِذَا مَرَّ بآية فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : «سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ » فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : « سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » ثُمَّ قَامَ قِيامًا طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى » فَكَانَ سُجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ . رواه مسلم .
في هذا الحديث : فضلُ تطويل صلاة الليل ، قال الله تعالى : ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾الزمر (9) ] .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:19AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[103] التاسع : عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ ﷺ لَيلَةً ، فَأَطَالَ القِيامَ حَتَّى هَمَمْتُ بأمْرِ سُوءٍ ! قيل : وَمَا هَمَمْتَ بِهِ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أنْ أجْلِسَ وَأَدَعَهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث : أنه ينبغي الأدب مع الأئمة ، بأن لا يخالفوا بقول ، ولا فعل مالم يكن حرامًا ، فإن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيء .
[104] العاشر : عن أنس رضي الله عنه عن رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : « يَتْبَعُ المَيتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَملُهُ ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبقَى عَملُهُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث : الحث على تحسين العمل ليكون أنيسه في قبره .
ام عادل السلفية
18-05-2016, 03:22AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[105] الحادي عشر : عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبيّ ﷺ : « الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثلُ ذلِكَ » . رواه البخاري .
في هذا الحديث : الترغيب في قليل الخير وإن قلَّ ، والترهيب عن قليل الشر وإن قل . وأنَّ الطاعة مقَّربة إلى الجنة ، والمعصية مقرَّبة إلى النار ، قال الله تعالى : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7 ، 8) ]
في الحديث : إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها درجات ، وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب .
ام عادل السلفية
30-05-2016, 02:00AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[106] الثاني عشر : عن أبي فِراسٍ ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ خادِمِ رَسُول الله ﷺ ، ومن أهلِ الصُّفَّةِ رضي الله عنه ، قَالَ : كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رسولِ الله ﷺ فآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ : « سَلْنِي » فقُلْتُ : اسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ . فَقَالَ : « أَوَ غَيرَ ذلِكَ » ؟ قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ : « فأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث : الحث على الإكثار من الصلاة ، وأنه يوجب القرب من الله تعالى ، ومرافقة النبي ﷺ في الجنة ، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ﴾
[ النساء (69) ] ، وقال تعالى : ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [ العلق (19) ] .
ام عادل السلفية
30-05-2016, 02:06AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[107] الثالث عشر : عن أبي عبد الله ، ويقال : أَبُو عبد الرحمن ثوبان - مولى رَسُول الله ﷺ - رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ : « عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ للهِ سَجْدَةً إلارَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرجَةً ، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئةً » . رواه مسلم .
سبب رواية ثوبان لهذا الحديث : أن معدان بن طلحة قال : أتيت ثوبان فقلت : أخبرني بعمل أعمل به يدخلني الله به الجنة ؟ - أو قال بأحب الأعمال إلى الله – فسكتَ ، ثم سأله ، فسكت ، ثم سأله الثالثة ، فقال : سألت عن ذلك رسول الله ﷺ ، فقال : « عليك بكثرة السجود ... » . الحديث .
وفي آخره : فلقيت أبا الدرداء فسألته ، فقال لي مثل ما قال ثوبان .
ام عادل السلفية
30-05-2016, 02:19AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[108] الرابع عشر : عن أَبي صَفوان عبد الله بنِ بُسْرٍ الأسلمي رضي1 ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « خَيرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرهُ ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ » . رواهالترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن » .
« بُسْر » بضم الباء وبالسين المهملة .
في هذا الحديث : فضلُ طول العمر إذا أُحسن فيه العمل .
وفي بعض الروايات : « وشركم من طال عمره وساء عمله » .
[109] الخامس عشر : عن أنس رضي الله عنه ، قَالَ : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رضي الله عنه عن قِتالِ بدرٍ ، فَقَالَ : يَا رسولَ الله ، غِبْتُ عَنْ أوّل قِتال قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ ، لَئِن اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشركِينَ لَيُرِيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ .
فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمونَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يعني : أصْحَابهُ - وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يَعني : المُشركِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلهُ سَعدُ بْنُ مُعاذٍ ، فَقَالَ : يَا سعدَ بنَ معاذٍ ، الجَنَّةُ وربِّ الكعْبَةِ إنِّي أجِدُ ريحَهَا منْ دُونِ أُحُدٍ . قَالَ سعدٌ : فَمَا اسْتَطَعتُ يَا رسولَ الله مَا صَنَعَ !
قَالَ أنسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعاً وَثَمانينَ ضَربَةً بالسَّيفِ ، أَوْ طَعْنةً بِرمْحٍ ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكونَ فما عَرَفهُ أَحَدٌ إلا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ .
قَالَ أنس : كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أن هذِهِ الآية نزلت فِيهِ وفي أشباهه : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ﴾ [ الأحزاب (23) ] إِلَى آخِرها . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قوله : « لَيُرِيَنَّ اللهُ » روي بضم الياء وكسر الراء : أي لَيُظْهِرَنَّ اللهُ ذلِكَ للنَّاس ، وَرُويَ بفتحهما ومعناه ظاهر ، والله أعلم .
في هذا الحديث : جواز الأخذ بالشدة في الجهاد وبذل المرء نفسه في طلب الشهادة ، والوفاء بالعهد .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:16AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[110] السادس عشر : عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيءٍ كَثيرٍ ، فقالوا : مُراءٍ ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ، فقالُوا : إنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا ! فَنَزَلَتْ : ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاجُهْدَهُمْ ﴾ [ التوبة (79) ] . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَ« نُحَامِلُ » بضم النون وبالحاء المهملة : أي يحمل أحدنا عَلَى ظهره بالأجرة ويتصدق بِهَا .
قوله : ( لما نزلت آية الصدقة ) قال الحافظ : كأنه يشير إلى قوله تعالى : ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ الآية [ التوبة (103) ] .
قوله : « وجاء رجل فتصدَّق بصاع » ، وكان تحصيله له بأن أجّر نفسه على النزع من البئر بصاعين من تمر ، فذهب بصاع لأهله وتصدَّق بالآخر .
وفي هذا : أنَّ العبد يتقرب إلى الله بجهده وطاقته ، وحسب قدرته واستطاعته .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:20AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[111] السابع عشر : عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أَبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر جندب بن جُنادة رضي الله عنه ، عن النَّبيّ ﷺ فيما يروي عن اللهِ تَبَاركَ وتعالى ، أنَّهُ قَالَ : « يَا عِبَادي ، إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا .
يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ ضَالّ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاستَهدُوني أهْدِكُمْ .
يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أطْعَمْتُهُ فَاستَطعِمُوني أُطْعِمْكُمْ .
يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ .
يَا عِبَادي ، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيلِ وَالنَّهارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ .
يَا عِبَادي ، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ في مُلكي شيئاً .
يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذلِكَ من مُلكي شيئاً .
يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُوني فَأعْطَيتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ .
يَا عِبَادي ، إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيراً فَلْيَحْمَدِ الله وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ » .
قَالَ سعيد : كَانَ أَبُو إدريس إِذَا حَدَّثَ بهذا الحديث جَثا عَلَى رُكبتيه . رواه مسلم .
وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، قَالَ : لَيْسَ لأهل الشام حديث أشرف من هَذَا الحديث .
هذا حديث جليل شريف ، وهو من الأحاديث القدسية التي يرويها النبي ﷺ عن الله عز وجل .
وفي هذا الحديث : قبح الظلم وأن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم .
وأنَّ الله تعالى يحب أن يسأله العباد ويستغفروه .
وأنَّ ملكه لا يزيد بطاعة الخلق ولا ينقص بمعصيتهم .
وأن خزائنه لا تنفذ ولا تنقص .
وأن ما أصاب العبد من خير فمن فضل الله تعالى ، وما أصابه من شر فمن نفسه وهواه .
وهو مشتمل على قواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه وآدابه ، وغير ذلك .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:27AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
12- باب الحث عَلَى الازدياد من الخير في أواخر العمر
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [ فاطر (37) ] .
قَالَ ابن عباس والمُحَقِّقُونَ : أَو لَمْ نُعَمِّرْكُمْ سِتِّينَ سَنَةً ؟ وَيُؤَيِّدُهُ الحديث الَّذِي سنذْكُرُهُ إنْ شاء الله تَعَالَى ، وقيل : معناه ثماني عَشْرَة سَنَةً ، وقيل : أرْبَعينَ سَنَةً ، قاله الحسن والكلبي ومسروق ونُقِلَ عن ابن عباس أيضاً .
وَنَقَلُوا أنَّ أَهْلَ المدينَةِ كانوا إِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ أربْعينَ سَنَةً تَفَرَّغَ للعِبادَةِ ، وقيل : هُوَ البُلُوغُ .
وقوله تَعَالَى : ﴿ وجَاءكُمُ النَّذِيرُ ﴾ قَالَ ابن عباس والجمهور : هُوَ النَّبيّ ﷺ ، وقيل : الشَّيبُ ، قاله عِكْرِمَةُ وابن عُيَيْنَة وغيرهما . والله أعلم .
قوله تعالى : ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [ فاطر (37) ] .
هذا توبيخ من الله تعالى لأهل النار . يقول : أَوَ مَا عشتم في الدنيا أعمارًا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم .
قال قتادة : اعلموا أنَّ طول العمر حجَّة ، فنعوذ بالله أنْ نُعيَّر بطول العمر ، قد نزلت هذه الآية : ﴿ أَوَ لَم نُعَمِركُم مَّا يَتَذَكَّرُ ﴾ ، وأنَّ فيهم لابن ثماني عشرة سنة .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا : إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه : ﴿ أَوَ لَم نُعَمِركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيِه مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ .
وقال الشاعر :
إذا بلغ الفتى ستين عامًا
( فقد ذهب المسرة والفتاء )
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:31AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[112] وأما الأحاديث فالأول : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « أعْذَرَ الله إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أجَلَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً » . رواه البخاري .
قَالَ العلماء : معناه لَمْ يَتْرُكْ لَهُ عُذراً إِذْ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ . يقال : أعْذَرَ الرجُلُ إِذَا بَلَغَ الغايَةَ في العُذْرِ .
المعنى : أنَّ الله تعالى لم يُبْقِ للعبد اعتذارًا .
كأن يقول : لو مُدَّ لي في الأجل لفعلت ما أُمرت به . فينبغي له الاستغفار والطاعة ، والإقبال على الآخرة بالكلية .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:34AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[113] الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ عمر رضي الله عنه يُدْخِلُنِي مَعَ أشْيَاخِ بَدرٍ فكأنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ في نفسِهِ ، فَقَالَ : لِمَ يَدْخُلُ هَذَا معنا ولَنَا أبْنَاءٌ مِثلُهُ ؟! فَقَالَ عُمَرُ : إنَّهُ منْ حَيثُ عَلِمْتُمْ ! فَدعانِي ذاتَ يَومٍ فَأدْخَلَنِي مَعَهُمْ فما رَأيتُ أَنَّهُ دعاني يَومَئذٍ إلا لِيُرِيَهُمْ ، قَالَ : مَا تقُولُون في قولِ الله تعالى : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ ؟ [ النصر :1].
فَقَالَ بعضهم : أُمِرْنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ إِذَا نَصَرنَا وَفَتحَ عَلَيْنَا ، وَسَكتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيئاً . فَقَالَ لي : أَكَذلِكَ تقُول يَا ابنَ عباسٍ ؟ فقلت : لا. قَالَ : فما تقول ؟ قُلْتُ : هُوَ أجَلُ رَسُول الله r أعلَمَهُ لَهُ ، قَالَ : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾وذلك علامةُ أجَلِكَ ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾ [ النصر (3) ] .
فَقَالَ عمر رضي الله عنه : مَا أعلم مِنْهَا إلا مَا تقول . رواه البخاري .
في هذا الحديث : فضل ابن عباس وسِعة علمه ، وكمال فهمه ، وتأثير لإجابة دعوة النبي ﷺ أنْ يفقٌهه الله في الدين ، ويعلمه التأويل .
فكم من صغير لاحظته عناية
( من الله فاحتاجت إليه الأكابر)
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:43AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[114] الثالث : عن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : مَا صلّى رَسُول الله ﷺ صلاةً بَعْدَ أنْ نَزَلتْ عَلَيهِ : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ إلا يقول فِيهَا : «سُبحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية في الصحيحين عنها : كَانَ رَسُول الله ﷺ يُكْثِرُ أنْ يقُولَ في ركُوعِه وسُجُودهِ : «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي »، يَتَأوَّلُ القُرآنَ .
معنى : « يَتَأَوَّلُ القُرآنَ » أي يعمل مَا أُمِرَ بِهِ في القرآن في قوله تَعَالَى: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ﴾ .
وفي رواية لمسلم : كَانَ رَسُول الله ﷺ يُكثِرُ أنْ يَقُولَ قَبلَ أنْ يَمُوتَ :
« سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمدِكَ أسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إلَيْكَ » . قَالَتْ عائشة : قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، مَا هذِهِ الكَلِماتُ الَّتي أرَاكَ أحْدَثْتَها تَقُولُهَا ؟ قَالَ : «جُعِلَتْ لي عَلامَةٌ في أُمَّتِي إِذَا رَأيْتُها قُلتُها ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ … إِلَى آخِرِ السورة .
وفي رواية لَهُ : كَانَ رسولُ الله ﷺ يُكثِرُ مِنْ قَولِ : « سبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ أسْتَغفِرُ اللهَ وأتُوبُ إِلَيْهِ ».
قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ ، أَراكَ تُكثِرُ مِنْ قَولِ سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدهِ أسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إِلَيْه ؟ فَقَالَ : « أخبَرَني رَبِّي أنِّي سَأرَى عَلامَةً في أُمَّتي فإذا رَأيْتُها أكْثَرْتُ مِنْ قَولِ : سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمدهِ أسْتَغْفرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْه فَقَدْ رَأَيْتُهَا : ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ فتح مكّة ، ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾ » .
في هذا الحديث : مواظبته ﷺ على التسبيح والتحمد والاستغفار في ركوعه وسجوده ، وأشرف أوقاته وأحواله .
وفيه : خضوعه ﷺ لربه وانطراحه بين يديه ، ورؤية التقصير في أداء مقام العبودية ، وحق الربوبية .
وفيه : الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:46AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[115] الرابع : عن أنس رضي الله عنه قَالَ : إنَّ اللهَ عزوجل تَابَعَ الوَحيَ عَلَى رسولِ الله ﷺ قَبلَ وَفَاتهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيَ عَلَيِّه . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
الحِكمة في كثرة الوحي عند وفاته ﷺ ، لتكمل الشريعة فلا يبقى مما يوحى إليه بشيء . قال الله تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ [ المائدة (3) ] .
وكان خلقه ﷺ القرآن يعمل بما فيه .
[116] الخامس : عن جابر رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : « يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث : تحريضٌ للإِنسان على حسن العمل ، وملازمة الهَدْي المحمدي في سائر الأحوال ، والإِخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال ، ليموت على تلك الحالة الحميدة فيُبعث كذلك ، وبالله التوفيق .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:50AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
13- باب في بيان كثرة طرق الخير
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [ البقرة (215) ] .
فيجزيكم عليه .
وَ قالَ تَعَالَى : ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله ﴾ [ البقرة (197)] .
فلا يُضيِّعه .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7) ] .
يعني : يرى جزاءه في الآخرة .
قال سعيد بن جبير : كان المسلمون يَرَوْن أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه ، وكان آخرون يَرون أنْ لا يُلامون على الذنب اليسير : الكذبة ، والنظرة ، والغيبة ، وأشباهها . فنزلت : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ [ الزلزلة (7 ، 8) ] .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ﴾ [ الجاثـية (15)] .
والآيات في الباب كثيرة .
كقوله تعالى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل (97) ] وغيرها .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:53AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[117] الأول : عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ : يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : « الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ » .
قُلْتُ : أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ ؟
قَالَ : « أنْفَسُهَا عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَناً » .
قُلْتُ : فإنْ لَمْ أفْعَلْ ؟
قَالَ : «تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ » .
قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ ؟
قَالَ : « تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ » . مُتَّفَقٌ عليه .
« الصَّانِعُ » بالصاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور ، وروي « ضائعاً »
بالمعجمة : أي ذا ضِياع مِنْ فقرٍ أَوْ عيالٍ ونحوَ ذلِكَ ، « وَالأَخْرَقُ » : الَّذِي لا يُتقِنُ مَا يُحَاوِل فِعلهُ .
في هذا الحديث : بيان كثرة طرق الخير ، وأن الإنسان إذا عجز عن خصلة من خصال الخير قدرعلى الأُخرى ، فإذا عجز عن ذلك كفَّ شرّه عن الناس . وما لا يُدرك كلّه لا يترك جُلُّه .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:55AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[118] الثاني : عن أبي ذر أيضاً رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قَالَ : « يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى منْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ : فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحمِيدةٍصَدَقَة ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأمْرٌ بِالمعرُوفِ صَدَقةٌ ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ ، وَيُجزئُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى».
رواه مسلم .
« السُّلامَى » بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم : المفصل .
قال في القاموس : المفاصل : مفاصل الأعضاء ، الواحد منها كَمَنْزِلٍ . والمِفْصَلُ : كمِنْبَرٍ . اللسان .
وفي هذا الحديث : فضيلة التسبيح وسائر الأذكار ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنَّ الصدقة تكون بغير المال من جميع أنواع فعل المعروف والإِحسان .
وفيه : فضل صلاة الضحى ، وأنها تكفي من صدقات الأعضاء ؛ لأنَّ الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 01:59AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[119] الثالث : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبيُّ ﷺ : «عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّريقِ ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِئِ أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث : التنبيه على فضل كل ما نفع الناس أو أزال عنهم ضررًا . وأنَّ القليل من الخير والشر مكتوب على العبد ، قال الله تعالى : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7 ، 8) ] .
[120] الرابع : عَنْهُ : أنَّ ناساً قالوا : يَا رَسُولَ الله ، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ ،
قَالَ : « أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ : إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً ، وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً ، وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ »
قالوا : يَا رسولَ اللهِ ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ ؟
قَالَ : « أرَأيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ » . رواه مسلم .
« الدُّثُورُ » بالثاء المثلثة : الأموال وَاحِدُهَا : دثْر .
في هذا الحديث : فضل التنافس في الخير ، والحرص على العمل الصالح ، وجبر خاطر من لا يقدر على الصدقة ، ونحوها ، وترغيبه فيما يقوم مقامها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير .
وفيه : أنَّ فعل المباحات إذا قَارنَهُ بنيَّة صالحة يؤجر عليه العبد .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 02:01AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[121] الخامس : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لي النَّبيّ ﷺ : «لا تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث : الحثُّ على فعل المعروف قليلاً كان أو كثيرًا ، بالمال ، أو الخُلُق الحسن .
[122] السادس : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ورواه مسلم أيضاً من رواية عائشة رَضي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسان مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمئة مفْصَل ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وحَمِدَ الله ، وَهَلَّلَ اللهَ ، وَسَبَّحَ الله ، وَاسْتَغْفَرَ الله ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً ، أَوْ عَظماً عَن طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف ، أَوْ نَهَى عَنْ منكَر ، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمئَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ » .
السُّلاَمَى : المِفْصل . فيصبح على ابن آدم كل يوم ثلاثمئة وستون صدقة بعدد مفاصله . فمن أتى بعددها من الطاعات الفعلية والقولية فقد أدّى شكر الله فيها .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 02:05AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[123] السابع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « مَنْ غَدَا إِلَى المسْجِد أَوْ رَاحَ ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« النُّزُلُ » : القوت والرزق وما يُهيأُ للضيف .
في هذا الحديث : فضل المشي إلى صلاة الجماعة في المسجد
[124] الثامن : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ ، لا تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قَالَ الجوهري : الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ : وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ .
في هذا الحديث : الحث عى صلة الجارة ولو بظلف شاة ، وفي معناه الحديث الآخر : « إذا طبختَ مرقةً فأكْثِر ماءَها ، وتعاهد جيرانك » .
[125] التاسع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : «الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً : فَأفْضَلُهَا قَولُ : لا إلهَ إلا اللهُ ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ ، والحياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« البِضْعُ » من ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح . وَ« الشُّعْبَةُ » : القطعة .
شعب الإيمان : هي الأعمال الشرعية ، وهي تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان ، وأعمال البدن .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 02:09AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[126] العاشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : «بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ ، فَسَقَى الكَلْبَ ، فَشَكَرَ الله لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » قالوا : يَا رَسُول اللهِ ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْراً ؟ فقَالَ : « في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية للبخاري : « فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ » وفي رواية لهما : « بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيل ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ » .
« المُوقُ » : الخف . وَ« يُطِيفُ » : يدور حول «رَكِيَّةٍ » : وَهِي البئر .
في هذا الحديث : فضْل الإِحسان إلى الحيوان ، وأنه سبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة .
[127] الحادي عشر : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : «لَقدْ رَأيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَرِيقِ كَانَتْ تُؤذِي المُسْلِمِينَ ». رواه مسلم .
وفي رواية : « مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهرِ طَرِيقٍ ، فَقَالَ : وَاللهِ لأُنْحِيَنَّ هَذَا عَنِ المُسْلِمينَ لا يُؤذِيهِمْ ، فَأُدخِلَ الجَنَّةَ » .
وفي رواية لهما : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ عَلَى الطريقِ فأخَّرَه فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » .
في هذا الحديث : فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضررًا ، وأنَّ ذلك سبب للمغفرة ودخول الجنة .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 02:12AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[128] الثاني عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا » . رواه مسلم .
معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام : أنَّ الحسنةَ بعشر أمثالها.
وفي الحديث الآخر : إشارة إلى الحث على إقبال القلب والجوارح على الخطبة ، واجتناب العبث .
[129] الثالث عشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : « إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينهِ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث : فضل الوضوء ، وأنه يمحو خطايا الجوارح ويكفر الذنوب .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 02:16AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[130] الرابع عشر : عَنْهُ ، عن رَسُول الله ﷺ قَالَ : « الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث : سعة رحمة الله تعالى ، وأنَّ المدوامة على الفرائض تكفر الصغائر من الذنوب ، وقال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [ النجم (32) ] .
[131] الخامس عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ » قَالُوا : بَلَى ، يَا رسولَ اللهِ ، قَالَ : « إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ » . رواه مسلم .
إسباغ الوضوء : استيعاب أعضائه بالغسل . وسُمِّيت هذه الثلاث رباطًا ؛ لأنَّ أعدى عدو للإنسان نفسه ، وهذه الأعمال تسدُّ طرق الشيطان والهوى عن النفس ، فإن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 02:18AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[132] السادس عشر : عن أبي موسى الأشعرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« البَرْدَانِ » : الصبح والعصر .
وجه تخصيصهما بالذكر عن سائر الصلوات : أنَّ وقت الصبح يكون عند لذّة النوم ، ووقت العصر يكون عند الاشتغال ، وأنَّ العبد إذا حافظ عليهما كان أشد محافظة على غيرهما .
133] السابع عشر : عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً » . رواه البخاري .
في هذا الحديث : عظيم فضل الله ، وأنَّ من كان له عمل دائم فتركه لعذر صحيح ، أنه يكتب له مثل عمله .
ام عادل السلفية
02-06-2016, 02:21AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[134] الثامن عشر : عن جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ » رواه . البخاري ،ورواه مسلم مِنْ رواية حُذَيفة t .
في هذا الحديث : أن كل ما يفعل الإنسان من أعمال البرَّ والخير فهوصدقة يُثاب عليها .
[135] التاسع عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَلا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلا كَانَ لَهُ صَدَقَةً » . رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : « فَلا يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْساً فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلا دَابَّةٌ وَلا طَيْرٌ إلا كَانَ لَهُ صَدَقة إِلَى يَومِ القِيَامةِ » .
وفي رواية لَهُ : « لا يَغرِسُ مُسْلِمٌ غَرساً ، وَلا يَزرَعُ زَرعاً ، فَيَأكُلَ مِنهُ إنْسَانٌ وَلا دَابَةٌ وَلا شَيءٌ ، إلاكَانَتْ لَهُ صَدَقَةً » .
وروياه جميعاً من رواية أنس رضي الله عنه .
قوله : « يَرْزَؤُهُ » أي ينقصه .
في هذا الحديث : سعة كرم الله تعالى ، وأنَّه يثيب على ما بعد الحياة ، كما يثيب عليه في الحياة ، وأنَّ ما أخذ من الإنسان بغير عمله فهو صدقة له.
ام عادل السلفية
03-06-2016, 01:19AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[136] العشرون : عَنْهُ ، قَالَ : أراد بنو سَلِمَةَ أَن يَنتقِلوا قرب المسجِدِ فبلغ ذلِكَ رسولَ الله ﷺ ، فَقَالَ لهم : « إنَّهُ قَدْ بَلَغَني أنَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تَنتَقِلُوا قُربَ المَسجِد ؟ » فقالُوا : نَعَمْ ، يَا رَسُول اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلِكَ . فَقَالَ : « بَنِي سَلِمَةَ ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ، ديَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ » . رواه مسلم .
وفي روايةٍ : « إنَّ بِكُلِّ خَطوَةٍ دَرَجَةً » . رواه مسلم .
ورواه البخاري أيضاً بِمَعناه مِنْ رواية أنس ﷺ .
وَ« بَنُو سَلِمَةَ » بكسر اللام : قبيلة معروفة مِنَ الأنصار ، وَ« آثَارُهُمْ » : خطاهُم .
في هذا الحديث : أنَّ المشي إلى المسجد من الحسنات التي تُكتب لصاحبها . ويشهد له قوله تعالى : ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [ يس (12) ] .
[137] الحادي والعشرون : عن أبي المنذِر أُبيِّ بنِ كَعْب t ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلاً أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ ، وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ ، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ : لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَاراً تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء وفي الرَّمْضَاء ؟ فَقَالَ : مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ » . رواه مسلم .
وفي رواية : « إنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ » .
« الرَّمْضَاءُ » : الأرْضُ التي أصابها الحر الشديد .
في هذا الحديث : دليل على فضل تكثير الخطا إلى الذهاب إلى المسجد ، وأنه يكتب له أجر ذهابه إلى المسجد ورجوعه إلى أهله .
ام عادل السلفية
03-06-2016, 01:25AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[138] الثاني والعشرون : عن أبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عمرو بن العاصِ رَضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : «أرْبَعُونَ خَصْلَةً : أعْلاَهَا مَنيحَةُ العَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَة مِنْهَا ؛ رَجَاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا ، إلا أدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الجَنَّةَ » . رواه البخاري .
« المَنيحَةُ » : أنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا لِيَأكُلَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ .
قوله : « أربعون خصلة » . أي : من البِرّ دون منيحة العنز ، كالسلام ، وتشميت العاطس ، وإماطة الأذى عن الطريق ، ونحوذلك من أعمال الخير ، قال الله تعالى : ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة (7)] .
[139] الثالث والعشرون : عن عَدِي بنِ حَاتمٍ رضي الله عنه قَالَ : سمعت النَّبيّ ﷺ يقول : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشقِّ تَمْرَةٍ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لهما عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرى إلا مَا قَدَّمَ ، وَيَنظُرُ بَيْنَ يَدَيهِ فَلا يَرَى إلا النَّار تِلقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » .
في هذا الحديث : الحضُّ على الزيادة من صالح العمل ، والتقليل من سيء العمل ، وأنَّ الصدقة حجاب عن النار ، ولو قَلَّت بمال ، أو كلام .
ام عادل السلفية
03-06-2016, 01:32AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[140] الرابع والعشرون : عن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ ، فَيَحمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا » . رواه مسلم .
وَ« الأَكْلَةُ » بفتح الهمزة : وَهيَ الغَدْوَةُ أَو العَشْوَةُ .
في هذا الحديث : بيان فضل الحمد عند الطعام والشراب ، وهذا من كرم الله تعالى ، فإنه الذي تفضَّل عليك بالرزق ، ورضي عنك بالحمد .
[141] الخامس والعشرون : عن أَبي موسى رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ :
« عَلَى كلّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَجِدْ ؟
قَالَ : « يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ »
قَالَ : أرأيتَ إن لَمْ يَسْتَطِعْ ؟
قَالَ : « يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ »
قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ،
قَالَ : « يَأمُرُ بِالمعْرُوفِ أوِ الخَيْرِ »
قَالَ : أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟
قَالَ : « يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث : الحثُّ على اكتساب ما تدعوإليه حاجة الإنسان من طعام ، وشراب ، وملبس ، ليصون به وجهه عن الناس ، واكتساب ما يتصدق به ليحصل له الثواب الجزيل .
وفيه : فضل إعانة المحتاج والمضطر ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
وفيه : فضل الأمر بالمعروف والخير .
وفيه : أنَّ الإمساك عن الشرّ صدقةٌ .
ام عادل السلفية
03-06-2016, 01:37AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
14- باب الاقتصاد في الطَّاعَة
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [ طـه (1 ، 2) ] .
أي : لتتعب
الاقتصادُ : التوسُّط في العبادة إبقاء للنفس ، ودفعًا للملل ؛ لأنَّ النفس كالدابة إذا رَفق بها صاحبها حصل مراده ، وإن أتعبها انقطعت .
قال الضحاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله ﷺ قام به هو وأصحابه فقال المشركون من قريش : ما أُنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى .
فأنزل الله تعالى : ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ [ طـه (1 : 3) ] .
قال قتادة : لا والله ما جعله شقاء ، ولكن جعله رحمة ونورًا ودليلاً إلى الجنة .
قال مجاهد : هي كقوله : ﴿ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل (20) ] . وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [ البقرة (185) ] .
نزلت هذا الآية في جواز الفطر في السفر ، وهي عامة في جميع أمور الدين كما قال تعالى : ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [ الحج (78) ] .
ام عادل السلفية
03-06-2016, 01:40AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[142] وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النَّبيّ ﷺ دخل عَلَيْهَا وعِندها امرأةٌ ، قَالَ : «مَنْ هذِهِ ؟ » قَالَتْ : هذِهِ فُلاَنَةٌ تَذْكُرُ مِنْ صَلاتِهَا . قَالَ : « مهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَواللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا » وكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَ« مهْ » : كَلِمَةُ نَهْي وَزَجْر . ومَعْنَى « لا يَمَلُّ اللهُ » : لا يَقْطَعُ ثَوَابَهُ عَنْكُمْ وَجَزَاء أَعْمَالِكُمْ ويُعَامِلُكُمْ مُعَامَلةَ المَالِّ حَتَّى تَمَلُّوا فَتَتْرُكُوا ، فَيَنْبَغِي لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مَا تُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيهِ لَيدُومَ ثَوابُهُ لَكُمْ وَفَضْلُهُ عَلَيْكُمْ .
قال ابن الجوزي : إنما أحَبَّ العمل الدائمَ ؛ لأنَّ مداوم الخير ملازم للخدمة .
وقال المصنف : بدوام القليل تستمر الطاعة ، بالذكر ، والمراقبة والإخلاص ، والإقبال على الله .
ام عادل السلفية
04-06-2016, 10:06PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[143] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيّ ﷺ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبيّ ﷺ ، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا
وَقَالُوا : أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ ﷺ قدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ .
قَالَ أحدُهُم : أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً .
وَقالَ الآخَرُ : وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ .
وَقالَ الآخر : وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً .
فجاء رسولُ الله ﷺ إليهم ،
فَقَالَ : « أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا واللهِ إنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
الخشية : خوفٌ مقرون بمعرفة . قال الله تعالى : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [ فاطر (28) ] .
وكان النبي ﷺ يفطر ليتقوَّى على الصوم ، وينام ليتقوَّى على القيام ، ويتزوَّج لكسر الشهوة وإعفاف النفس .
وفي الحديث : النهي عن التعمُّق في الدين والتشبه بالمبتدعين .
ام عادل السلفية
04-06-2016, 10:10PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[144] وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أنّ النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ » . قالها ثَلاثاً . رواه مسلم .
« المُتَنَطِّعونَ » : المتعمقون المتشددون في غير موضِعِ التشديدِ .
المتنطَّع : المتكلَّف في العبادة بما يشق فعله ولا يلزمه ، والخائضُ فيما لا يعنيه وفيما لا يبلغه عقله .
[145] عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلا غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ » . رواه البخاري .
وفي رواية لَهُ : « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا » .
قوله : « الدِّينُ » : هُوَ مرفوع عَلَى مَا لَمْ يسم فاعله . وروي منصوباً وروي « لن يشادَّ الدينَ أحدٌ » .
وقوله ﷺ : « إلا غَلَبَهُ » : أي غَلَبَهُ الدِّينُ وَعَجَزَ ذلِكَ المُشَادُّ عَنْ مُقَاوَمَةِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ . وَ« الغَدْوَةُ » : سير أولِ النهارِ . وَ« الرَّوْحَةُ » : آخِرُ النهارِ . وَ« الدُّلْجَةُ » : آخِرُ اللَّيلِ .
وهذا استعارة وتمثيل ، ومعناه : اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ عزوجل بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ بِحَيثُ تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ ولا تَسْأَمُونَ وتبلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ ، كَمَا أنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسيرُ في هذِهِ الأوْقَاتِ ويستريح هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَب ، واللهُ أعلم .
معنى الحديث : لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع عن عمله كله أو بعضه ،فتوسطوا من غير إفراط ، ولا تفريط ، وقاربوا إن لم تستطيعوا العمل بالأكمل ، فاعملوا ما يقرب منه ، وأبشروا بالثواب على العمل الدائم وإنْ قل ، واستعينوا على تحصيل العبادات بفراغكم ونشاطكم ، قال الله تعالى : ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [ الشرح (7 ، 8) ] .
ام عادل السلفية
04-06-2016, 10:13PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[146] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : دَخَلَ النَّبيُّ ﷺ المَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ ، فَقَالَ : « مَا هَذَا الحَبْلُ ؟ » قالُوا : هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ . فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ : « حُلُّوهُ ، لِيُصلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَرْقُدْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذ الحديث : الحث على الاقْتِصاد في العبادة ، والنهي عن التعمُّق فيها ، والأمر بالإقبال عليها بنشاط ، وجواز تنفُّل النساء في المسجد إذا أمنت الفتنة .
[147] وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : « إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّومُ ، فإِنَّ أحدكم إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
في هذا الحديث : أمر الناعس في الصلاة أنْ ينصرف منها ، يعني : بعدما يتمها خفيفة .
ام عادل السلفية
04-06-2016, 10:20PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[148] وعن أَبي عبد الله جابر بن سمرة رضي الله عنهما ، قَالَ : كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النَّبيِّ ﷺ الصَّلَوَاتِ ، فَكَانتْ صَلاتُهُ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً . رواه مسلم .
قوله : « قَصْداً » : أي بين الطولِ والقِصرِ .
في هذا الحديث : استحباب القصد في الصلاة ، والخطبة وجميع الأمور .
[149] وعن أبي جُحَيْفَة وَهْب بنِ عبد اللهِ رضي الله عنه قَالَ : آخَى النَّبيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبي الدَّرْداءِ ، فَزارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرداءِ فَرَأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ : مَا شَأنُكِ ؟ قَالَتْ : أخُوكَ أَبُو الدَّردَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ في الدُّنْيَا ، فَجاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً ، فَقَالَ لَهُ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أنا بِآكِلٍ حَتَّى تَأكُلَ فأكل ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّردَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ . فَلَمَّا كَانَ من آخِر اللَّيلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُم الآن ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ : « صَدَقَ سَلْمَانُ » . رواه البخاري .
في هذا الحديث : مشروعية المؤاخاة في الله ، وزيارة الإخوان ، والمبيت عندهم ، وجواز مخاطبة الأجنبية للحاجة ، والنصح للمسلم ، وتنبيه من غفل ، وفضل قيام آخر الليل ، وجواز النهي عن المستحبات إذا خشي أنَّ ذلك يفضي إلى السآمة والملل ، وتفويت الحقوق المطلوبة ، وكراهية الحمل على النفس في العبادة ، وجواز الفطر من صوم التطوع للحاجة والمصلحة .
ام عادل السلفية
04-06-2016, 10:23PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[150] وعن أَبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنهما ، قَالَ : أُخْبرَ النَّبيُّ ﷺ أنِّي أقُولُ : وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيلَ مَا عِشْتُ . فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : « أنتَ الَّذِي تَقُولُ ذلِكَ ؟ » فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ وأمِّي يَا رسولَ الله . قَالَ : « فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ ، فإنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا وَذَلكَ مِثلُ صِيامِ الدَّهْرِ » قُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : « فَصُمْ يَوماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ » قُلْتُ : فَإنِّي أُطِيقُ أفضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : « فَصُمْ يَوماً وَأفْطِرْ يَوماً فَذلِكَ صِيَامُ دَاوُد ﷺ ، وَهُوَ أعْدَلُ الصيامِ » .
وفي رواية : « هُوَ أفْضَلُ الصِّيامِ » فَقُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : « لا أفضَلَ مِنْ ذلِكَ » ، قال : وَلأنْ أكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيّامِ الَّتي قَالَ رَسُول الله ﷺ أحَبُّ إليَّ مِنْ أهْلي وَمَالي .
وفي رواية : « أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وتَقُومُ اللَّيلَ ؟ » قُلْتُ : بَلَى ، يَا رَسُول الله ، قَالَ : « فَلا تَفْعَلْ : صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ؛ فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِعَيْنَيكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإنَّ بِحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ ، فإنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذلِكَ صِيَامُ الدَّهْر »فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ، قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، إنِّي أجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : « صُمْ صِيَامَ نَبيِّ الله دَاوُد وَلا تَزد عَلَيهِ » قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ دَاوُد ؟ قَالَ : «نِصْفُ الدَّهْرِ » فَكَانَ عَبدُ الله يقول بَعدَمَا كَبِرَ : يَا لَيتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَة رَسُول الله ﷺ .
وفي رواية : « أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهرَ ، وَتَقْرَأُ القُرآنَ كُلَّ لَيْلَة ؟ » فقلت : بَلَى ، يَا رَسُول الله ، وَلَمْ أُرِدْ بذلِكَ إلا الخَيرَ ، قَالَ : « فَصُمْ صَومَ نَبيِّ اللهِ دَاوُد ، فَإنَّهُ كَانَ أعْبَدَ النَّاسِ ، وَاقْرَأ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْر » قُلْتُ : يَا نَبيَّ اللهِ ، إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : « فاقرأه في كل عشرين »قُلْتُ : يَا نبي الله ، إني أطيق أفضل من ذلِكَ ؟ قَالَ : « فَاقْرَأهُ في كُلِّ عَشْر » قُلْتُ : يَا نبي اللهِ ، إنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : « فاقْرَأهُ في كُلِّ سَبْعٍ وَلا تَزِدْ عَلَى ذلِكَ » فشدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ وَقالَ لي النَّبيّ ﷺ : « إنَّكَ لا تَدرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمُرٌ » قَالَ : فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لي النَّبيُّ ﷺ . فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ قَبِلتُ رُخْصَةَ نَبيِّ الله ﷺ .
وفي رواية : « وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً » .
وفي رواية : « لا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ » ثلاثاً .
وفي رواية : « أَحَبُّ الصِيَامِ إِلَى اللهِ تَعَالَى صِيَامُ دَاوُد ، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ : كَانَ ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى » .
وفي رواية قال : « أنْكَحَني أَبي امرَأةً ذَاتَ حَسَبٍ وَكَانَ يَتَعَاهَدُ كنَّتَهُ ﷺ - أي : امْرَأَةَ وَلَدِهِ - فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا . فَتقُولُ لَهُ : نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشاً ، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفاً مُنْذُ أتَيْنَاهُ . فَلَمَّا طَالَ ذلِكَ عَلَيهِ ذَكَرَ ذلك للنَّبيِّ ﷺ ، فَقَالَ : « القِنِي بِهِ » فَلَقيتُهُ بَعد ذلك ، فَقَالَ : «كَيْفَ تَصُومُ ؟ » قُلْتُ : كُلَّ يَومٍ ، قَالَ : « وَكَيْفَ تَخْتِمُ ؟ » قُلْتُ : كُلَّ لَيْلَةٍ ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أهْلِهِ السُّبُعَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ، يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ ليَكُونَ أخفّ عَلَيهِ باللَّيلِ ، وَإِذَا أَرَادَ أنْ يَتَقَوَّى أفْطَرَ أيَّاماً وَأحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كرَاهِيَةَ أنْ يَترُكَ شَيئاً فَارَقَ عَلَيهِ النَّبيَّ ﷺ .
كل هذِهِ الرواياتِ صحيحةٌ ، مُعظمُها في الصحيحين ، وقليل مِنْهَا في أحدِهِما .
في هذا الحديث : دليل على أنَّ أفضل الصيام صوم يوم وإفطار يوم وكراهة الزيادة على ذلك .
قال الخطابي : محصل قصة عبد الله بن عمرو : أنَّ الله تعالى لم يتعبد عبده بالصوم خاصة ، بل تعبّده بأنواعٍ من العبادات ، فلو استفرغ جهده لقصَّر في غيره ، فالأَوْلى الاقتصاد فيه ليتبقى بعض القوة لغيره .
قال الحافظ : وفي قصة عبد الله بن عمرو من الفوائد : بيان رفق رسول الله ﷺ بأمته ، وشفقته عليهم ، وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم ، وحثّه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ، ونهيهم عن التعمُّق في العبادة لما يخشى من إفضائه إلى الملل أو ترك البعض ، وقد ذم الله تعالى قومًا لا زموا العبادة ثم فرطوا فيها .
وفيه : جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة ، والأوراد ، ومحاسن الأعمال ، ولا يخفى أنَّ محل ذلك عند أمن الرياء . انتهى ملخصًا .
ام عادل السلفية
10-06-2016, 11:09PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[151] وعن أبي رِبعِي حنظلة بنِ الربيعِ الأُسَيِّدِيِّ الكاتب أحدِ كتّاب
رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكر رضي الله عنه فَقَالَ : كَيْفَ أنْتَ يَا حنْظَلَةُ ؟ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ! قَالَ : سُبْحَانَ الله مَا تَقُولُ ؟! قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُول الله ﷺ يُذَكِّرُنَا بالجَنَّةِ وَالنَّارِ كأنَّا رَأيَ عَيْنٍ فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُول الله ﷺ عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً ، قَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه : فَوَالله إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فانْطَلَقْتُ أَنَا وأبُو بَكْر حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُول الله ﷺ . فقُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُول اللهِ ! فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « وَمَا ذَاكَ ؟ » قُلْتُ : يَا رَسُول اللهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ والجَنَّةِ كأنَّا رَأيَ العَيْن فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً . فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ ، لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونونَ عِنْدِي ، وَفي الذِّكْر ، لصَافَحَتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً » ثَلاَثَ مَرَات . رواه مسلم .
قولُهُ : « رِبْعِيٌّ » بِكسر الراء . وَ« الأُسَيِّدِي »بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشددة .
وقوله : « عَافَسْنَا » هُوَ بِالعينِ والسينِ المهملتين أي : عالجنا ولاعبنا . وَ« الضَّيْعاتُ »: المعايش .
قوله ﷺ : « ساعة وساعة » ، أي : ساعة لأداء العبودية ، وساعة للقيام بما يحتاجه الإنسان .
قال بعض العارفين : الحال التي يجدونها عند النبي ﷺ وفي الذكر مواجيد ، والمواجيد تجيء وتذهب ، وأما المعرفة ، فهي ثابتة لا تزول .
وفي حديث أبي ذر المشهور : « وعلى العاقل أنْ يكون له ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكَّر فيها في سمع الله إليه ، وساعة يخلو فيها لحاجته من مطعم ومشرب » . وبالله التوفيق .
ام عادل السلفية
10-06-2016, 11:27PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
15- باب المحافظة عَلَى الأعمال
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الحديد (16) ] .
قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ ﴾ ، يعني ألم يحن .
قيل : نزلت في شأن الصحابة لما أكثروا المزاح .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ [ الحديد (27) ] .
الرهبانية التي ابتدعوها : رفض النساء : واتخاذ الصوامع .
وفيه : تنبيه على أنَّ مَن أوجب على نفسه شيئًا لزمه .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ﴾ [ النحل (92) ] .
وهي امرأة حمقاء من أهل مكة ، كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه .
قال الخازن : والمعنى : أن هذه المرأة لم تكف عن العمل ، ولا حين عملت كفت عن النقض ، فكذلك من نقص عهده لا تركه ، ولا حين عاهد وفَى به . انتهى .
والآية عامة في كل من أبطل عمله .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [ الحجر (99) ] .
أي : دُمْ على عبادة ربك حتى يأيتك الموت .
ام عادل السلفية
10-06-2016, 11:49PM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[152] وعنِ ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : بينما النَّبيُّ ﷺ يخطب إِذَا هُوَ برجلٍ قائم فسأل عَنْهُ ، فقالوا : أَبُو إسْرَائيلَ نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمْسِ وَلا يَقْعُدَ ، وَلا يَسْتَظِل ، وَلا يَتَكَلَّمَ ، وَيَصُومَ ، فَقَالَ النَّبيّ ﷺ : « مُرُوهُ ، فَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ » . رواه البخاري .
في هذا الحديث : دليل على أنَّ من تقرَّب إلى الله تعالى بعمل لم يتعبده الله به ، أنه لا يلزمه فعله ، وإنْ نذره .
ومن نذر عبادة مشروعة لزمه فعلها .
وفي الحديث الآخر : « من نذر أنْ يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه » .
ام عادل السلفية
11-06-2016, 01:02AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
16- باب في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها
قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [ الحشر (7) ] .
في هذا الآية دليل على وجوب امتثال أوامره ونواهيه ﷺ
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [ النجم ( 3 ، 4) ] .
أي : لا يقول الرسول ﷺ إلا حقًّا ، وليس عن هوى ولا غرض ؛ لأنَّ ما يقوله وحيٌ من الله عز وجلّ .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [ آل عمران (31)] .
نزلت هذه الآية حين ادَّعى أهل الكتاب محبَّة الله فمن ادَّعى محبة الله وهو على غير الطريقة المحمدية فهو كاذب في نفس الأمر .
قال بعض العلماء : ليس الشأن أن تحِب إِنما الشأن أن تُحَبَّ .
قال الحسن البصري : زعم قوم أنهم يحبُّون الله فابتلاهم الله بهذه الآية .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر ﴾ [ الأحزاب (21) ] .
الأُسوة : الاقتداء به ﷺ في أقواله ، وأفعاله ، وأحواله .
ام عادل السلفية
11-06-2016, 01:11AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [ النساء (65) ] .
سبب نزول هذه الآية : أنَّ رجلاً من الأنصار خاصمه الزبير في شراج الحرة كانا يسقيان به كلاهما ، وكان الزبير الأعلى .
فقال رسول الله ﷺ : « اسقِ يَا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك » فغضب الأنصاري فقال : يَا رسول الله ، أن كان ابن عمِتك ، فَتَلَوَّن وجه رسول الله ﷺ ثم قال للزبير : « اسقِ ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر ، فاستوعى رسول الله ﷺ حينئذ حق الزبير ، وكان رسول الله ﷺ أشار على الزبير برأي أراد سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله ﷺ استوعى للزبير حقه ، في صريح الحكم . قال الزبير : « والله ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [ النساء (65) ] .
قال ابن كثير : يُقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة ، أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكم الرسول ﷺ في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يَجِبُ الانقياد له ظاهرًا وباطنًا .
كما ورد في الحديث : «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به » .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ [ النساء (59) ] .
قَالَ العلماء : معناه إِلَى الكتاب والسُنّة .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾[ النساء (80) ] .
أي : من يطع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله ؛ لأنَّ الله أمر بطاعته وإتباعه .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ الشورى (52) ].
يعني : دين الإسلام .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ النور (63) ] .
في هذه الآية : وعيد شديد لمن خالف أمر النبي ﷺ ، إما فتنة في الدنيا أو عذاب في الآخرة .
وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [ الأحزاب (34) ] .
في هذه الآية : أمرٌ لنساء النبي ﷺ أن لا ينسيَنَّ هذه النعمة الجليلة القدر وهي ما يُتلى في بيوتهن من كتاب الله تعالى ، وسنَّة رسوله ﷺ .
والآيات في الباب كثيرة .
أي : في باب المحافظة على السنة والاقتداء به ﷺ واتباعه .
ام عادل السلفية
13-06-2016, 02:21AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[156] فالأول : عن أبي هريرةَ ﷺ عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤالِهِمْ واخْتِلافُهُمْ عَلَى أنْبيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بشيءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
هذا الحديث له سبب ، وهو أنه ﷺ خطب وقال : « يا أيها النَّاس ، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا » ، فقال رجلٌ : أكُلُّ عام يا رسول الله ؟ فسكتَ حتى قالها مرارًا ، فقال رسول الله ﷺ : « لو قلت : نعم . لوجبت ، ولما استطعتم » ، ثم قال : « دعوني ما تركتكم .. »الحديث .
وهو من قواعد الإسلام المهمة ، قال الله تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [ الحشر (59) ] .
وقال تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [ التغابن (16) ] .
ويُستفاد منه : كراهة كثرة المسائل من غير ضرورة .
قال مالك رحمه الله تعالى : « المِراء والجدال يذهب بنور العلم من قلب الرجل » .
وفي بعض الآثار : « إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العلم ، وأغلق عنه باب الجدل ، وإذا أراد الله بعبد شرًّا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العلم » .
ام عادل السلفية
26-06-2016, 01:43AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[157] الثاني : عن أَبي نَجيحٍ العِرباضِ بنِ سَارية رضي الله عنه قَالَ : وَعَظَنَا رسولُ اللهِ ﷺ مَوعظةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ ، فَقُلْنَا : يَا رسولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا ، قَالَ : « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً ، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة ». رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن صحيح » .
« النَّواجذُ » بالذال المعجمةِ : الأنيَابُ ، وَقِيلَ : الأضْراسُ .
الخلفاء الراشدون هم : أبو بكر وعمر وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم .
وفي الحديث : التمسُّك بالسنَّة في الاعتقاد والأعمال والأقوال ، والتحذير من البِدع ، وهي ما أُحْدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة .
قوله : « أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة » . هاتان الكلمتان تَجْمَعَان سعادة الدنيا والآخرة .
قال الحسن : والله لا يستقيم الدِّينُ إلا بالأُمراء وإن جاروا ، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون .
ام عادل السلفية
26-06-2016, 01:45AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[158] الثَّالثُ : عَنْ أَبي هريرةَ رضي الله عنه : أنَّ رَسُول الله ﷺ قَالَ : « كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلا مَنْ أبَى » . قيلَ : وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : « مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى » . رواه البخاري .
في هذا الحديث : أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة ، وأن كُلّهم يدخلون الجنة إلا من عصى الله ورسوله واتَّبع شهواته وهواه ،
قال الله تعالى ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [ النازعات (37 : 41) ] .
ام عادل السلفية
26-06-2016, 01:48AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[159] الرابع : عن أَبي مسلم ، وقيل : أَبي إياس سَلمة بنِ عمرو بنِ الأكوع رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُول الله ﷺ بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ : « كُلْ بِيَمِينكَ » قَالَ : لا أسْتَطيعُ . قَالَ : « لا استَطَعْتَ » . مَا مَنَعَهُ إلا الكِبْرُ فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .
في هذا الحديث : مشروعية الأكل باليمين ، وكراهة الأكل بالشمال مع عدم العذر .
ام عادل السلفية
26-06-2016, 01:50AM
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[160] الخامس : عن أَبي عبدِ الله النعمان بن بشير رَضيَ الله عنهما ، قَالَ : سمعت رَسُول الله ﷺ يقول : « لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : كَانَ رَسُول الله ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حتى كأنَّما يُسَوِّي بِهَا القِدَاحَ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ . ثُمَّ خَرَجَ يَوماً فقامَ حَتَّى كَادَ أنْ يُكَبِّرَ فرأَى رَجلاً بَادياً صَدْرُهُ ، فَقَالَ : « عِبَادَ الله ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » .
في هذا الحديث : وعيدٌ شديد على من لم يسوَّ الصفوف ، والحثّ على تسويتها ، وجواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة .
vBulletin® v3.8.10, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir