تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام ((المجلد الثاني))


ام عادل السلفية
18-03-2015, 03:59PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله-


【 باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم 】


[83] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا كبّر سكت هُنيهة قبل
أن يقرأ . فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أرايت سكوتك بين التكبير والقراءة ، ما تقول ؟ .
قال : { أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللّهم نقني من
خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد }.


موضوع الحديث :

الاستقتاح في الصلاة ، والاستفتاحات على أنواع ثلاثة : دعاء كهذا وثناء كحديث أبي سعيد
الخدري : { سبحانك اللهم وبحمدك }، ومزيج من الثناء والدعاء كحديث علي. ، وابن عباس
عند مسلم .


المفردات :

هنيهة : مصغر هنة أي وقت يسير .
بأبي وأمي : أي أفديك بأبي وأمي .
نقني : طهرني حتى أكون نقياً .
الدرن : الوسخ .
الثلج : هو الماء المتجمد بالطبع لا بالصناعة .
البرد : قطع بيض تنـزل مع المطر تشبه الملح الذكر .


المعنى الإجمالي :

سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله ﷺ عما يقوله في سكتته بين التكبير والقراءة ،
فأخبره رسول الله ﷺ أنه يقول هذا الدعاء الجامع النافع المقتضي للمباعدة بينه وبين
خطاياه بعداً لا لقاء بعده ، كالبعد الذي بين المشرق والمغرب ، وأن ينقيه من خطاياه ، أي ينظفه
منها كتنظيف الثوب الأبيض الذي غسل بالمنظفات ، وأن يغسله بالماء والثلج والبَرَد .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله : كان رسول الله ﷺ إذا كبّر سكت هنيهة قبل أن يقرأ . دليل أنه داوم
على هذه السكتة ؛ لأن (كان) تفيد الاستمرار غالباً ، وهو متعقب بما لا ينتهض هنا .


ثانياً : فيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من استحباب هذا الذكر وغيره من الأذكار الواردة في
الاستفتاح بين التكبير والقراءة خلافاً للمالكية القائلين بكراهة ذلك .


وخلافاً للهادوية بأن التوجيه محله قبل التكبير ، ففي هذا الحديث وحديث علي عند مسلم ردٌّ
عليهم بما ثبت عن المعصوم ﷺ ، والشرُّ في مخالفته واتباع أقوال الرجال .


ثالثاً : في قوله : " ما تقول ؟ " إشعار بأنه كان يقول شيئاً في هذه السكتة ولعله استدل على ذلك
باضطراب لحيته كما قال ابن دقيق العيد .


رابعاً : يؤخذ منه حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعلّم الدين وتتبعهم لأحوال النبي ﷺ
في أقواله وأفعاله .


خامساً : يؤخذ من قوله : " أقول ...الخ " استحباب الدعاء بما ورد فيه بين التكبير والقراءة وهو
الذي يسمى الاستفتاح ، وهذا الحديث هو أصح ما ورد في الاستفتاح لأنه متفق عليه ، وقد روى
مسلم من حديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان إذا قام إلى الصلاة قال :
{ وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونئسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ...}الحديث .


وفي رواية غير يوسف بن الماجشون وهما :
عبد الرحمن بن مهدي وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشُون كان رسول الله ﷺ إذا
استفتح الصلاة كبّر ثم قال : وجهتُ وجهي .. الحديث . ورواه ابن خزيمة ، والشافعي في "الأم"
وقيّداه بالمكتوبة .


وذكر الحافظ في الفتح (2/23) وتبعه الشوكاني أن مسلماًَ قيّده بصلاة الليل ، وتعقبه الشيخ
عبد العزيز بن باز - رحمه الله – ونسب ذلك إلى الوهم ، وعندي أن نسبة الحافظ إلى الوهم
في هذا ليس بجيد فلعله أخذ ذلك من وضع مسلم له في صلاة الليل أو أن زيادة "من جوف
الليل" كان في نسخته ، والمهم أن الشافعي أخذ بهذا التوجيه واختار أحمد بن حنبل دعاء { سبحانك
اللهم وبحمد وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك } رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها ،
وفي سنده مقال . وأخرجه الخمسة عن أبي سعيد ، وفي سنده علي بن علي الرفاعي متكلم فيه
أيضاً ، ووثقه يحيى بن معين .


ورواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً عليه ، وقد اختاره الإمام أحمد
– رحمه الله – بأنه ثناء محض ، والثناء على الله أفضل من الدعاء ، أما حديث أبي هريرة _
فهو دعاء محض وسنده أصح من كل الاستفتاحات ، وحديث علي مزيج من الثناء والدعاء ، ولعل
الأولى أن يعمل الإنسان بكل هذه الاستفتاحات ، يعمل بهذا تارة ، وبهذا تارة ، لأنها كلها صحيحة
وإن كان حديث أبي هريرة أصح . والله أعلم .


سادساً : استعمل النبي ﷺ الدعاء بالمباعدة للعصمة في المستقبل والغسل والتنقية لما
قد حصل في الماضي وبهذا يعتبر أنه قد سأل الله أن يقيه شر الذنوب الماضية بمحوها وإزالتها
والآتية بالمباعدة عنها وعن أسبابها .


سابعاً : في الجمع بين الماء والثلج والبَرد لطيفة وهي أن النبي ﷺ أشار بالمطهرات الحسية إلى
المطهرات المعنوية ، وهي العفو والمغفرة والرحمة كما يقول بعض العلماء ،فالماء والثلج والبَرد
مطهرات حسية للدنس الحسي والعفو والمغفرة والرحمة مطهرات معنوية للدنس المعنوي ،
ومع أن هذه المطهرات قد جمعت بين التبريد والتنظيف والمعاصي من صفاتها الحرارة والوساخة لذلك
طلب ما يزيل هذه الصفات بأضدادها .
والله أعلم .

َ


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ


تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


[ المجلد الثاني : ص / 5 - 10]


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]


http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf

التصفية والتربية

TarbiaTasfia@

ام عادل السلفية
19-03-2015, 09:11PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[84] : عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله ﷺ يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة
بـ [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ]، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك ، وكان
إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً ، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى
يستوي قاعداً ، وكان يقول في كل ركعتين التحية ، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ، وكان
ينهى عن عقبة الشيطان ، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم " .

موضوع الحديث :


بيان كيفية صلاة النبي ﷺ ليأخذ المكلف منها القدوة والأسوة ويعمل جاهداً على تطبقيها في
صلاته امتثالاً لقوله : {صلوا كما رأيتموني أصلي } .

المفردات :


يشخص رأسه : يرفعه .
يصوبه : يخفضه عن ظهره .
التحية : هي اسم للتشهد (التحيات) .
يفرش رجله اليسرى : أي يجعلها تحت مقعدته مبسوطة ظاهر القدم إلى الأرض وباطنها تحت المقعدة .
وينصب اليمنى : أي عن يمينه بأن يستقبل بأطراف أصابعه القبلة والقدم منصوبة .


عُقْبة الشيطان : هي بضم العين وإسكان القاف وإضافتها إلى الشيطان يدل على قبحها ، وصورتها أن
يفرش الرجل قدميه ويجعلها عن يمينه وعن يساره ويفضي بعقبه إلى الأرض بينهما .
افتراش الشبع : أي افتراشاً كافتراش الشبع ، وهو وضع المصلي لذراعيه مع كفيه .

المعنى الإجمالي :


وصفت عائشة رضي الله عنها صفة صلاة النبي ﷺ فأخبرت أنه يدخل في الصلاة بالتكبير أي
بلفظ "الله أكبر" ، ويفتتح بالقراءة بـ [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ]أي أنه يقرأ الفاتحة قبل السورة ، أو
أنه لا يجهر بالبسملة قبل الفاتحة ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يعتدل قائماً ،
وإذا رفع رأسه من السجدة الأولى لم يسجد ثانية حتى يطمئن قاعداً ، وكان يقول في كل ركعتين
التحية أي يتشهد بعد كل ركعتين ، وكان يجلس جلسة الافتراش في التشهد وكان ينهى عن الجلسة
التي تسمى بعقبة الشيطان ، وينهى عن بسط الذراعين في السجود ويخرج من الصلاة بالتسليم .


فقه الحديث :


قال ابن دقيق العيد : سهى المصنف في إيراد هذا الحديث في هذا الكتاب ، فإنه مما انفرد
به مسلم عن البخاري ، فرواه من حديث حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة
رضي الله عنها ، وشرط الكتاب تخريج الشيخين للحديث . قال ابن حجر : وله علة ، لأنه أخرجه
مسلم من رواية أبي الجوزاء عن عائشة ولم يسمع منها . اهـ
قلت : وإخراج مسلم له يدل على صحته عنده ، وفيه عشر مسائل :


الأولى : تعيين التكبير في التحريمة بلفظة "الله أكبر" وهو مذهب الثلاثة : مالك والشافعي وأحمد ،
وأجاز أبو حنيفةإبدال اسم أكبر بما دل على معناه كأجل وأعظم .

وأوجب ابن حزم هذا الاسم وأجاز إبدال لفظ الجلالة بالرحمن أو الرحيم ، أو غيرهما من الأسماء
مستدلاً بقوله تعالى : [وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ] (الإسراء: من الآية111) .
لكن يترجح مذهب الثلاثة ،
للعمل المتداول المنقول جيلاً عن جيل من عصر النبوة إلى يومنا هذا على هذا اللفظ في التحريمة ،
ولما روى ابن ماجة من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا
قام إلى الصلاة اعتدل قائماً وقال : الله أكبر ، قال الحافظ : رجاله ثقات ، لكن فيه إرسال . قال :
وروى البزار من حديث علي بسند صححه ابن القطان ، أن النبي ﷺ كان إذا قام إلى الصلاة
من الليل قال : "الله أكبر ، وجهت وجهي ... الخ " .

قال ابن القطان : وهذا يعني تعيين لفظ "الله أكبر" عزيز الوجود غريب في الحديث لا يكاد يوجد حتى
لقد أنكره ابن حزم وقال : ما عرف قط . وهو في مسند البزار وإسناده من الصحة بمكان ، قال
الحافظ : قلت : هو على شرط مسلم . اهـ


الثانية : استدل بقول عائشة والقراءة بـ [الحمد لله رب العالمين ] من لم يرَ البسملة من الفاتحة وهم
المالكية ، ومن يرى الإسرار بها وهم الحنفية والحنابلة ، أما الشافعي فقال : إنما معنى الحديث
أنه يبدأ بالفاتحة قبل السورة .

كما يقال قرأت تبارك الذي بيده الملك وأنت تريد السورة بأكملها والبسملة منها ، وسيأتي مزيد
بيان لذلك – إن شاء الله – والله أعلم .


الثالثة : يؤخذ من قولها : " وكان إذا ركع .... الخ " ، سنية المحاذاة بين الرأس والظهر وكراهة
التشخيص والتصويب الذي سبق بيانه ، بل السنة أن يَهصُرَ المصلي ظهره ويجعل رأسه محاذياً
لظهره لا أرفع منه ولا أنزل .


الرابعة : يؤخذ من قولها : " وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً " وجوب الاعتدال
بين الركوع والسجود وهو مذهب الأئمة الثلاثة ولم يوجبه أبو حنيفة تمشياً على أصله وهو تقديم المطلق
على المقيد مستدلاً بقوله تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] (الحج:77) .
قال : إن الله أمر في هذه الآية بمطلق الركوع والسجود فإذا حصل ما يسمى ركوعاً وسجوداً لغوياً
كفى . ويجيب الأئمة الثلاثة والجمهور بأن الأمر المطلق الوارد في القرآن بالركوع والسجود وعموم
الصلاة قد بيّنه رسول الله ﷺ بفعله وقوله ، وقال : { صلوا كما رأيتموني أصلي } وأنكر
على من صلى ولم يتم الركوع والسجود وأمر بالإعادة ونفى عنه الصلاة الشرعية بقوله : { ارجع
فصل فإنك لم تُصل } . وكان قد حصل منه ما يسمى صلاة في اللغة فاتجه النفي إليها ، وتبين بأن
الصلاة لا تسمى صلاة في الشرع ولا تبرأ بها الذمة إلا إذا وقعت على النحو الذي بينه رسول الله ﷺ ،
وقد تبين بهذا ضعف ما ذهب إليه هذا الإمام – رحمه الله – والله أعلم .


الخامسة : يؤخذ من قوله :" وكان إذا رفع رأسه من السجود ...الحديث " وجوب الطمأنينة فيه
والبحث فيه وفي الركوع والسجود والاعتدال بين الركوع والسجود واحد .


السادسة : يؤخذ من قولها : " وكان يقول في كل ركعتين التحية ..." وجوب التشهد الأول وهو
مذهب الإمام أحمد ، وقال مالك وأبو حنيفة بسنية التشهدين جميعاً وقال الشافعي بسنية الأول
وفرضية الثاني ، وسأستوفي البحث في بابه – إن شاء الله - .


السابعة : يؤخذ من قولها : "وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى .." حجة لمذهب أبي
حنيفة ، أن جلسة التشهد الافتراش سواء كان أولاً أو أخيراً ، وقال مالك بعكسه ، وهو سنية
التورك فيهما ، وقال الشافعي وأحمد بالفرق بين الأول والأخير ، فالأول جلسته الافتراش ، والثاني
جلسته التورك كما ورد في حديث أبي حميد ، وهو الراجح الذي يؤكده الأدلة .


الثامنة : يؤخذ من قولها : "وكان ينهى عن عُقبة الشيطان" كراهية هذه الهيئة ، وفسرت بتفسيرين :
أحدهما : أن يفرش قدميه على الأرض ويجلس بعقبه عليهما .
الثاني : أن ينصب قدميه ويفضي بعقبه إلى الأرض بينهما .
وقد تعقب الصنعاني ابن دقيق العيد في الصورة الأولى بأنها هي الواردة في حديث ابن عباس عند
مسلم وأخبر أنها هي السنة أي في الجلسة بين السجدتين ، وجعل الصورة الثانية أن يجلس
بإليتيه على الأرض وينصب ساقيه .
قلت : هذه الصورة هي التي فسر بها الإقعاء وهو مكروه باتفاق ، إلا أن الإقعاء غير عُقبة الشيطان ،
والأقرب أنها هي الصورة الثانية التي يفضي فيها المصلي بعقبه إلى الأرض بين قدميه ، وهذا هو
الأقرب إلى تسميتها عقبة والله أعلم .


التاسعة : يؤخذ من قولها : " وكان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه " كراهية افتراش الذراعين في
السجود ، وتتأكد الكراهية بمشابهة السبع .


العاشرة : يؤخذ من قولها : " وكان يختم الصلاة بالتسليم " دليل لمن قال بوجوب السلام وهم
الجمهور ، وقال أبو حنيفة : لا يجب ، مستدلاً بحديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً بلفظ : { إذا جلس
في آخر صلاته فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته } وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم
الأفريقي وهو ضعيف ، ومذهب الجمهور هو الأرجح ، لما عليه من الأدلة الكثيرة التي لا سبيل
إلى ردها ، منها هذا الحديث ومنها حديث علي : " وتحليلها السلام " وهو حديث صحيح صححه
الترمذي وابن عبد البر وأحمد شاكر وضعفه بعضهم بعبد الله بن محمد بن عقيل ، والطعن فيه
من قبل حفظه ، لكن حكى الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال فيه : مقارب الحديث
كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجزن بحديثه ، والأحاديث الدالة على
السلام كثيرة ولكن أغلبها وردت من الفعل وفي الإيجاب به نزاع عند أهل الأصول غير أنه
هنا يفيد الوجوب لأمور


هنا يفيد الوجوب لأمور ثلاثة :


أحدها : أن صلاة النبي ﷺ وقعت بياناً للمجمل الوارد في القرآن أعني الأمر بالصلاة فقد بينه
ﷺ بفعله .
ثانيها : أن النبي ﷺ قال : { صلوا كما رأيتموني أصلي } فأمره هذا أمر بأفعاله الواردة في
الصلاة ومن لازم ذلك أنها واجبة .
ثالثها : أنه لم يعرف أن النبي ﷺ خرج من صلاته بغير سلام ، ومواظبته عليه طول
عمره تدل على الوجوب . والله أعلم .


فائدة :

في قول عائشة رضي الله عنها : " وكان يختم الصلاة بالتسليم " دليل لمن قال بوجوب التسليمتين
باعتبار أن (أل) للعهد الذهني ، أي التسليم المعهود في الذهن ، ويؤيد هذا المفهوم بأدلة كثيرة ،
فيها الصحيح والحسن والضعيف ، ومن أصحها حديث عامر بن سعد عن أبيه عند مسلم قال :
كنت أرى رسول الله _ يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده ، وعزاه في المنتقى إلى
أحمد والنسائي ، وحديث ابن مسعود عند أحمد والأربعة بسند صحيح ولفظه عند أبي داود ، أن النبي
_ كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده "السلام عليكم ورحمة الله ، السلام
عليكم ورحمة الله " ، وحديث أبي معمر عند مسلم ، وحديث جابر بن سمرة رواه مسلم ، وفي آخر
حديثه : " علام تؤمئون بأيديكم " الخ، أما الاكتفاء بتسليمة واحدة فقد وردت فيه أحاديث
كلها ضعيفة إلا ما رواه الترمذي من طريق أبي حفص التنيسي، عن زهير بن محمد ، عن هشام بن
عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله _ كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة
تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئاً ، ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه . ووافقه الذهبي ، وتكلم البخاري في زهير بن محمد فقال : أهل الشام يروون عنه
مناكير ، ورواية أهل العراق عنه أشبه وأوضح .
وقال أبو حاتم : هو حديث منكر .
وضعفه الطحاوي وصوب ابن معين والنووي وابن عبد البر عدم رفعه ورجحوا أنه موقوف على
عائشة ، لكن وجد الحديث مرفوعاً من طريق أخرى عزاها الحافظ في التلخيص إلى بن حبان
والسراج في مسنده ، وقال هو على شرط مسلم غير أنه يدل على أن وقوع ذلك إنما كان في قيام
الليل ، وعلى هذا فجواز الاكتفاء بالتسليمة والواحدة إنما كان في النافلة لثبوت الحديث بذلك ،
وقد اختلف القائلون بالتسليمتين في حكمها هل هي واجبة كلها أم لا ؟
فقال بوجوب التسليمتين
الإمام أحمد – رحمه الله – بل ذهب في المشهور عنه إلى أن التسليمتين ركن من أركان الصلاة .
وذهب الشافعي – رحمه الله – إلى وجوب الأولى ، وسنية الثانية .
وذهب أبو حنيفة ومالك – رحمهما الله – إلى سنيتها .


وما ذهب إليه الإمام أحمد هو الأرجح ؛ لمواظبة النبي _ على فعلها وقولـه : { صلوا كما رأيتموني
أصلي } وما ورد من إطلاق في بعض الأحاديث ، فهو محمول على المقيد . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ

[ المجلد الثاني ]


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]


http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

التصفية والتربية

TarbiaTasfia@

ام عادل السلفية
20-03-2015, 06:29PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[85] : عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما - : أن النبي ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه
إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال : "سمع الله لمن
حمده ، ربنا ولك الحمد" ، وكان لا يفعل ذلك في السجود . متفق عليه .


موضوع الحديث :

بيان مواضع الرفع في الصلاة وصفته .


المفردات :

حذو : الحذو والحذاء المقابلة والمساواة ، أي جعل يديه مساوية لمنكبيه في الارتفاع .
المكنبين : هما الكتفان .
افتتح الصلاة : أي دخل فيها بالتكبير .


المعنى الإجمالي :

شرعت الصلاة لذكر الله والتذلل لعظمته والخضوع لجلاله ، ومن أجل ذلك كان افتتاحها بإسناد
الكبرياء له وحده لا شريك له والمتضمن لعلو القدر "الله أكبر" ، أي مصحوباً برفع اليدين المتضمن
لعلو القهر وعلو الذات ، فكان المشرَّع _ يرفع يديه إلى أن تحاذي منكبيه حين يكبر للإحرام ،
وحين يكبر للركوع ، وحين يسمعل رافعاً من الركوع ، أما السجود فلم يحفظ ابن عمر الرفع فيه ـ
وقد حفظه غيره كما سيأتي إن شاء الله . والله أعلم .


فقه الحديث :

يؤخذ من الحديث مشروعية الرفع في المواضع الثلاثة وهي عند تكبيرة الإحرام ، وعند التكبير
للركوع ، وعند الرفع من الركوع .


فأما عند تكبيرة الإحرام فقد أجمعت الأمة على مشروعيته إلا ما روي عن الإمام الهادي من أهل
البيت لأنه ثبت بالتواتر عن النبي ﷺ ، قال البيهقي عن شيخه أبو عبد الله الحاكم أنه قال :
لا نعلم سنة اتفق على روايتها الأربعة الخلفاء ، ثم العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أكابر
الصحابة مع تفرقهم في البلدان الشاسعة غير هذه السنة ، قال البيهقي : وهو كما قال أستاذنا .


ثم اختلفوا فيما عداه ، فذهب الإمام أحمد – رحمه الله – إلى إثباته في هذه الثلاثة المواضع
وفي القيام من التشهد الأول لحديث ابن عمر عند البخاري بلفظ : " وإذا قام من الركعتين رفع يديه " ،
وعن علي نحوه عند الترمذي ، وصححه ، وهو عند أبي داود من حديث أبي حميد الساعدي _ في صفة
صلاة النبي ﷺ ، وقد ادعى مذهباً للشافعي – رحمه الله – مضافاً إلى المواضع الثلاثة المذكورة
في حديث ابن عمر ؛ لأنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي .


قلت : ينبغي لقائل ذلك أن يطّرده في كل مسألة خالف فيها مذهب الشافعي حديثاً صحيحاً ،
وهو نص في المسألة لا يحتمل التأويل كهذا . والله أعلم .


وذهب الإمام مالك إلى إثبات الرفع في الثلاثة المواضع وعنه رواية ثانية بقصره على تكبيرة
الإحرام والمشهور عنه الأول .


وذهب أبو حنيفة وأهل الكوفة إلى قصر الرفع على تكبيرة الإحرام فقط .
وقال الحافظ في الفتح :
" وأما الحنفية فعولوا أي في ترك الرفع في غير تكبيرة الإحرام على رواية مجاهد أنه صلى
خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك .


وأجيب بالطعن في إسناده ؛ لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه بأخره ، وعلى تقدير صحته فقد
أسند ذلك سالم ونافع وغيرهما عنه ، والعدد الكثير أولى من واحد ، لا سيما وهم مثبتون وهو نافٍ
مع أن الجمع بين الروايتين ممكن وهو أنه لم يره واجباً ففعله تارة وتركه أخرى " اهـ فتح (2/22) .


قلت : روى أبو داود حديثاً عن ابن مسعود _ من طريق عاصم بن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود
عن علقمة قال : قال : عبد الله بن مسعود _ : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله _ ، فصلى فلم
يرفع يديه إلا مرة واحدة .


قال أبو داود : هذا حديث مختصر من حديث طويل ، وليس بصحيح .
وأسند الترمذي عن عبد الله
بن المبارك أنه قال : ثبت حديث من يرفع يديه ولم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي ﷺ لم يرفع
يديه إلا في أول مرة ، وروى أبو داود من طريق يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ،
عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى
قريب من أذنيه ثم لا يعود .


حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا سفيان ، عن يزيد نحو حديث شريك – يعني السابق – لم يقل :
ثم لا يعود ، قال سفيان ، قال لنا بالكوفة : بعد ثم لا يعود ، قال أبو داود : روى هذا الحديث هشيم
وخالد ، وابن إدريس عن يزيد لم يذكروا : ثم لا يعود .


قال الحافظ في لتلخيص (1/221-222) : واتفق الحُفاظ على أن قوله : " ثم لم يعد " مدرج في
الخبر من قول يزيد بن أبي زياد ، ورواه عنه بدونها شعبة والثوري وخالد الطحان وزهير وغيرهم
من الحفاظ وحكى تضعيفه عن أحمد بن حنبل والبخاري ويحيى والدارمي والحميدي وغير واحد .


ومما احتجت به الحنفية حديث جابر بن سمرة _ عند مسلم : ما لي أراكم رافعي أيديكم
كأنها أذناب خيل شُمس ، اسكنوا في الصلاة . وليس فيه دليل على ذلك ؛ لأنه مختصر من حديث
طويل تبين من سياقه أن النهي إنما هو عن رفع الأيدي مع السلام ، وبذلك صرّح ابن حبان ،
حكاه الحافظ في التلخيص (1/221) .

واحتجوا أيضاً بما روي عن ابن عباس _ أن النبي ﷺ كان يرفع يديه كلما ركع ، وكلما رفع ،
ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك ، قال فيه ابن الجوزي لا أصل له والمعروف عن ابن
عباس خلافه ، وقد تبين للقارئ من هذا العرض عدم انتهاض شيء من أدلة الحنفية التي اعتمدوا
عليها في ترك الرفع فيما عدا تكبيرة الإحرام لو كان خالياً عن المعارضة فضلاً عن أن تعارض به الأحاديث
الصحيحة .


ومن هنا تعلم أن المحاماة عن المذاهب قد تأصلت في الناس ، نحمد الله على السلامة .
ثانياً : يؤخذ منه أن غاية الرفع إلى حذاء المنكبين أي ما يقابلها . قال ابن دقيق العيد – رحمه الله –
هو اختيار الشافعي في منتهى الرفع ، وأبو حنيفة اختار الرفع إلى حذو الأذنين ، وفيه حديث آخر يدل عليه .
قلت : هو حديث مالك بن الحويرث عند مسلم بلفظ : " كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي
بهما أذنيه " .


وقال : ورجح مذهب الشافعي بقوة السند لحديث ابن عمر وبكثرة الرواة لهذا المعنى ،فروى عن الشافعي
أنه قال : روى هذا الخير بضعة عشرة نفساً من الصحابة ، وربما سلك طريق الجمع – أي الشافعي –
فحمل خبر ابن عمر على أنه رفع يديه حتى حاذت كفاه منكبيه ، والخبر الآخر على أنه رفع
يديه حتى حاذت أطراف أصابعه أذنيه .
قال الصنعاني : هو جمع حسن .
قلت : ويؤيده حديث عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه عند أبي داود بلفظ : " كان رسول الله ﷺ
إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ويحاذي بإبهاميه أذنيه " ثم كبر . رجاله رجال
الصحيح إلا أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه كما ذكر الأئمة . والله أعلم .

أما ترتيب التكبير مع الرفع ففيه أقوال ، أحدها تقديم الرفع على التكبير دليله حديث ابن عمر
عند مسلم بلفظ : " رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبّر " .
أما حديث عبد الجبار المتقدم فهو منقطع كما عرفت .

الثاني : تقديم التكبير على الرفع دليله حديث مالك بن الحويرث عنده – أيضاً – بلفظ إذا صلى كبر
ثم رفع يديه ، وفي آخره وحدث أن رسول الله ﷺ كان يفعل هكذا . قال الحافظ : ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع .
قلت : إذا ثبت عن رسول الله ﷺ فلا يهمنا ، قال به أحد أم لا ، ما لم يعلم له ناسخ ،
ولا ناسخ هنا ، بل الذي يظهر من فعل النبي ﷺ جواز الجميع ، نعم إذا ثبت الإجماع على ترك
العلم بحديث فإنه يدل على نسخه وإن لم يعلم الناسخ كما قال الشيخ حافظ – رحمه الله - :
وليس الإجماع على ترك العمل **
بناسخ لكـن على الناسخ دل


الثالث : يرفع مع التكبير يبتدئ معه وينتهي معه ، دليله حديث عبد الجبار بن وائل عند أبي داود :
حدثني أهل بيتي عن أبي مرفوعاً بلفظ : يرفع يديه مع التكبير . وهو منقطع ، وفي سنده مجهول
إلا أنه يعتضد بحديث ‏
عبد الرحمن بن عامر اليحصبي عند البيهقي نحو حديث عبد الجبار ذكر ذلك الحافظ في التلخيص
واستنبطه البخاري من حديث ابن عمر .

الرابع : يرفع غير مكبر ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما دليله حديث ابن عمر عند أبي داود مرفوعاً بلفظ :
" رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر وهما كذلك " . غير أن في إسناده محمد بن المصفي
الحمصي ، قال فيه ابن حجر : صدوق له أوهام وكان يدلس ، وبقية بن الوليد وهو مدلس
أيضاً ، ولكنهما قد صرحا بالتحديث هنا .

الجمع : قد رأيت أن كلا من الأقوال الأربعة يستند إلى دليل يظهر معارضته لغيره ، والأولى
الجمع بجواز الجميع . والله أعلم .
ثالثاً : يؤخذ من قوله " رفعهما كذلك ، وقال سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " سنية الجمع بين
التسميع والتحميد للمأموم لقوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وبه يقول الشافعي وعطاء وابن
سيرين ، لكن يعارضه حديث أبي هريرة المتفق عليه : { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ،
فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمد } ، وبحديث أيضاً عند
البخاري والترمذي مرفوعاً بلفظ : إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده ، فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد ،
فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه } ، وهما نصان في أن المأموم ذكره التحميد
دون التسميع في الاعتدال ، وبذلك أخذ الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – في المأموم وأخذ بحديث
ابن عمر في الإمام والمنفرد وهو الأرجح لما علم من القواعد الأصولية أن القول مقدم على الفعل
لا سيما وهذا أمر مرتب على التسميع ، أما حديث أبي هريرة _ أن النبي ﷺ قال :
" إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده فليقل من وراءه سمع الله لمن حمده " . أخرجه الدارقطني
في باب نسخ التطبيق (1/339 ، 340) .
وأخرج بعده اللفظ الآخر : " فليقل من وراءه اللهم ربنا ولك الحمد " ، وقال : هذا هو المحفوظ
بهذا الإسناد . والله أعلم .‏


نقله الحافظ في الفتح وقال – أيضاً – بعد ذكر الخلاف في المسألة : وزاد الشافعي أن المأموم
يجمع بينهما أيضاً ، لكن لم يصح في ذلك شيء .
أما ما ذهب إليه مالك وأبو حنيفة – رحمهما الله تعالى – من أن الإمام لا يقول : ربنا ولك الحمد .
فهو مذهب ضعيف ، ولعدم استناده إلى حجة قوية ، أما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد
البر الإجماع على أنه يجمع بينهما . والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ من قوله : " وكان لا يفعل ذلك في السجود " عدم مشروعية الرفع في السجود ،
وإليه ذهب الجمهور ، ولكن روى ابن حزم في المحلى حديثاً بسنده إلى محمد بن بشار ، قال :
حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله
عنهما أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا قال سمع الله لمن حمده ، وإذا
سجد ، وبين الركعتين يرفعهما إلى ثدييه ، ثم قال : قال علي : هذا الإسناد لا داخلة فيه ، وما كان
ابن عمر ليرجع إلى خلاف ما روى من ترك الرفع عند السجود إلا وقد صح عنده فعل النبي
_ لذلك . اهـ
وروى الطحاوي في "المشكل" الرفع في السجود عن ابن عمر مرفوعاً ، حكاه الحافظ في الفتح
(2/223) وحكم عليه بالشذوذ ، وقال - أيضاً - : وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه فنقل
الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير المواضع الثلاثة ، وتعقب بصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس
وطاووس ونافع وعطاء ، كما أخرجه عبد الرازق وغيره عنهم بأسانيد قوية .
وقد قال به من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر ، وأبو علي الطبري ، والبيهقي ، والبغوي ،
وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وهو شاذ ،
وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع من السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي _ يرفع يديه في صلاته إذا ركع ،
وإذا رفع رأسه من ركوعه ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما أذنيه .
قال : وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب قبل هذا ، ولم ينفرد سعيد
أي ابن أبي عروبة بروايته ، فقد تابعه همام ، عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحة ا هـ.
وروى ابن حزم في "المحلى" بسنده إلى ابن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الوهاب ابن عبد المجيد
الثقفي ، عن حميد ، عن أنس _ أن رسول الله _ كان يرفع يديه في الركوع والسجود .


قال الشيخ أحمد شاكر) – رحمه الله – في تعليقه على المحلى : هذا إسناد صحيح جداً ،
وهو كما قال . فإن رواته كلهم أئمة ، أخرج لهم الجماعة .

وروى أبو داود من طريق أبي هريرة _ بسند رجاله رجال مسلم قال : كان رسول الله _ إذا كبر للصلاة
جعل يديه حذاء منكبيه ، وإذا ركع فعل مثل ذلك ، وإذا وقع للسجود فعل مثل ذلك ، وإذا قام من
الركعتين فعل مثل ذلك . ذكر الحافظ في "التلخيص" وقال : رجاله رجال الصحيح .
وفي الباب عن وائل بن حجر عند أبي داود إلا أنه منقطع ؛ لأن علقمة لم يسمع من أبيه
ولكن يتأيد بهذه الأحاديث الثابتة .

والحاصل أن الرفع في السجود قد ثبت من رواية ثلاثة من الصحابة هم :


1- مالك بن الحويرث .
2- أنس بن مالك .
3- أبو هريرة –
_ - بأسانيد صحيحة .
وإنما تركه الجمهور لأنهم رجحوا حديث ابن عمر ومذهب الذين اثبتوه أرجح لأمور ثلاثة :
أولها : أن القاعدة الاصطلاحية أن المثبت مقدم على النافي ، لأنه معه زيادة علم ، ومن حفظ
حجة على من لم يحفظ .
ثانيها : أن النافي واحد والمثبتين ثلاثة ، واحتمال الخطأ والنسيان في حق الواحد أقرب منه في
حق الاثنين ، فكيف إذا كانوا ثلاثة ، فإن احتماله عليهم أبعد .


ثالثها : أن ابن عمر نفسه قد ثبت عنه الرفع في السجود بسند في غاية الصحة ، ولا يعود إليه إلا وقد
ثبت له عن النبي ﷺ.



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
21-03-2015, 04:37PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[86] : عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله ﷺ : { أُمرتُ أن
أسجد على سبعة أعظم ؛ على الجبهة – وأشار بيده إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف
القدمين } متفق عليه .


موضوع الحديث :

أعضاء السجود في الصلاة .


المفردات :

أُمرت : مبنى للمجهول ، وحذف الآمر للعلم به وهو الله – عز وجل - .
أعظُم : جمع عظم ، وهي الأعضاء المذكورة في الحديث .
الجبهة : بدل من سبعة وهي مقدم الناصية .
أشار : أي أومأ .
اليدين : المراد بهما الكفين .
أطراف القدمين : أي مقدمها .


المعنى الإجمالي :

خلق الله الخلق للعبادة ، والعبادة الطاعة مع خضوع وتذلل ، وإن من أبرز سمات الخضوع وأوضح
علامات التذلل أن تعفّر أشرف عضو فيك وهو الوجه بالتراب ، وتلصقه بالرغام طاعة وتعبداً وتذللاً
لجلال ذي الجلال والكمال ، ومن أجل ذلك كان الساجد موصوفاً بالقرب من ربه في السجود ،
وناسب أن يكون ذكره التسبيح المستلزم للكمال ليكون مقراً بنقص نفسه بلسان الحال ومثنياً
بكمال ربه بلسان المقال ، وقد أمر الله نبيه ﷺ بالسجود على هذه الأعضاء جميعاً لتحصل
الهيئة المطلوبة وليكون لجميع هذه الأعضاء حظ في العبادة . والله أعلم .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله : " أمرت أن أسجد " الخ . وجوب السجود على هذه الأعضاء كلها ،
ووجه الدلالة منه أن الأمر يقتضي الوجوب إلا أن يصرفه صارف ولا صارف هنا ، فكان وجوب
الجمع هو الظاهر ، ولا يختص الوجوب بالنبي ﷺ لأن الأمر له أمرٌ لأمته .
بل وقد ورد في بعض روايات البخاري "أمرنا" وبالوجوب أخذ الإمام أحمد وإسحاق وطاووس ،
وهو أحد قولي الشافعي ، ورجحه النووي في شرح مسلم على القول الآخر ، وقال مالك وأبو حنيفة
وهو القول الثاني للشافعي بوجوب السجود على الجبهة فقط إلا أن أبا حنيفة يرى أن الواجب هو
الجبهة والأنف وكلاهما يجزئ عن الآخر ، وقال الشافعي باستحباب السجود على الأنف ولم يوجبه ،
وأوجب أحمد والأوزاعي وابن حبيب من المالكية الجميع بينهما وهو الأرجح ؛ لأن النص جعلهما كالعضو
الواحد حيث قال : الجبهة وأشار بيده إلى أنفه ، وقد استنبط منه البخاري ذلك فقال : باب
السجود على الأنف ، وأورد الحديث وأصرح منه في الدلالة على الوجوب ما أخرجه الدارقطني عن
أبي قتبة حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : قال رسول الله ﷺ { لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين } أخرجه
الدارقطني ، قال لنا أبو بكر : لم يسنده عن سفيان وشعبة إلا أبو قتيبة ، والصواب عن عاصم
عن عكرمة مرسل .


وقال في "نصب الراية" بعد ذكر كلام الدارقطني : قال ابن الجوزي في التحقيق وأبو قتيبة ثقة
أخرج عنه البخاري ، والرفع زيادة وهي من الثقة مقبولة .


وذكر المعلق على نصب الراية نقلاً عن "الزوائد" (2/126) عن ابن عباس - رضي الله عنهما –
عن رسول الله ﷺ قال : من لم يلزق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته " . رواه الطبراني
في الكبير والأوسط ن ورجاله موثقون . اهـ.


قال : واخرجه الحاكم في المستدرك (1/270) ، وقال : صحيح على شرط البخاري وقال :
وقد وقفه شعبة عن عاصم .


قلت : في تصحيح ابن الجوزي للحديث مع ما عرف به من التشدد في التصحيح وتوثيق الهيثمي
لرجال الحديث الثاني .


وظاهر حديث ابن عباس المتفق عليه دلالة بينة على وجوب السجود على الأنف ، وبهذا تعلم
أن مذهب القائلين بالوجوب فيه وفي عموم الأعضاء السبعة وهو الراجح ، لموافقة النصوص .
والله أعلم .


ثانياً : اختلف العلماء في وجوب مباشرة هذه الأعضاء لموضع السجود وعدم مباشرتها فقال الجمهور
بعدم الوجوب ، ومنهم الأئمة الثلاثة ، وقال الشافعي بوجوب مباشرة الجبهة واختلفت عنه الرواية
فيما عداها وهذا الاختلاف فيما إذا كان الحائل ثوباً متصلاً بالمصلي متحركاً بحركته ولم تكن
ثم ضرورة ، أما في الضرورة فيجوز لحديث أنس بن مالك الآتي : كنا نصلي مع رسول الله ﷺ
في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه .



قال النووي في شرح مسلم : فيه دليل لمن أجاز السجود على طرف ثوبه المتصل به ، وبه قال
أبو حنيفة والجمهور ، ولم يجوز الشافعي وتأوّل الحديث وشبهه على السجود على منفصل .
أما أحاديث السجود على كور العمامة فكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة ، أما على الثوب المنفصل
فيستدل لجوازه بأحاديث منها حديث أنس في صلاة النبي ﷺ على الحصير ، وقد مضى
في الجزء الأول (ص132 ، الطبعة الأولى الحديث رقم 74 ) .
ومنها حديث ميمونة كان النبي ﷺ يصلي على الخمرة . أخرجه البخاري رقم (381) .



ومنها حديث عائشة رضي الله عنها الذي سيأتي في باب السترة أن النبي ﷺ كان يصلي
وهي معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه ، وفي لفظ : " ورجلي في قبلته ،
فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي ، فإذا قام بسطتها " وبهذا يتبين أن النبي ﷺ قد صلى
على الحصير وعلى الخمرة وعلى الفراش وفي حكم ذلك كل ما بسط على الأرض كائناً
ما كان مادام يتصف بالطهارة .
والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
22-03-2015, 04:04PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله-



[87] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة يكبّر
حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، حين يرفع صلبه من الركوع ،
ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ، ثم يكبر حين يهوي ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يكبر حين
يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها ، ويكبر
حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس . متفق عليه .


موضوع الحديث :

تكبير الانتفال وأنه في كل خفض ورفع ماعدا الرفع من الركوع فذكر التسميع .

المفردات :

حين يقوم : أي حين يقف .
حين يرفع صلبه : الصلب هو عمود الظهر الفقري الذي تحيط به الأضلاع .
حين يهوي : أي حين ينحط من القيام إلى السجود حتى يقضيها أي يكملها .

المعنى الإجمالي :

للصلاة هيئات وأذكار ، ولكل هيئة من تلك الهيئات ذكر يختص به ، وقد خص الشارع _ الانتقال
بالتكبير فجعله ذكراً له فشرع التكبير في كل انتقال سواء كان من خفض إلى رفع ، أو من
رفعٍ إلى خفض إلا الرفع من الركوع فإنه جعل التسميع والتحميد ذكراً له . والله أعلم .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله : يكبر حين يقوم . أن تكبيرة الإحرام لا تجزئ إلا من قيام للقادر عليه ،
فكل انحناء يبطل اسم القيام عند التكبير فإنه يبطل التحريم ويقتضي عدم انعقاد الصلاة فرضاً .
أفاده ابن دقيق العيد – رحمه الله - .


ثانياً : فيه دليل على إتمام التكبير وأنه مشروع في كل خفض ورفع مع التسميع في الرفع من
الركوع ، وقد أجمع عليه بعد أن كان فيه خلاف بين القدماء ، وفي عدم الإتمام حديث رواه
أبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبزى أنه صلى مع رسول الله _ وكان لا يتم التكبير . لكن ذكر
الصنعاني في العدة أن البخاري نقل في التاريخ عن أبي داود الطيالسي أنه قال : هو حديث باطل .


ثالثاً : اختلف العلماء في حكم تكبير الانتقال بعد الإجماع على مشروعيته فقال الجمهور بسنيته ،
وذهب الإمام أحمد وداود الظاهري ، وإسحاق إلى وجوبه وهو الأرجح لحديث خلاد بن رافع
رضي الله عنه عني المسي في صلاته – عند أبي داود بلفظ : " إنه لا تتم صلاة لأحد من
الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء – يعني مواضعه – ثم يكبر الله - جل وعز – ويثني عليه ،


ويقرأ بما تيسر من القرآن ، ثم يقول الله أكبر ، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله ثم يقول سمع الله
لمن حمده حتى يستوي قائماً ثم يقول الله أكبر ثم يسجد ، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ،
ثم يقول : " الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً ، ثم يقول الله أكبر ، ثم يسجد حتى تطمئن
مفاصله ، ثم يرفع رأسه فيكبر ، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته " . ورجاله رجال الصحيح . والله أعلم .


تنبيه :

إذا حكمتُ على حديث بصحة أو ضعف ، ولم أعزُ ذلك إلى أحد فاعلم أنه بعد بحث واستقراء .
والله أعلم .


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)









َ

ام عادل السلفية
23-03-2015, 07:11PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[88] : عن مطرف بن عبد الله قال : صليتُ أنا وعمران بن حصين _ خلف علي بن أبي طالب
_ فكان إذا سجد كبر ، وإذا رفع كّبر ، وإذا نهض من الركعتين كبّر ، فلما قضى أخذ بيدي عمران
بن حصين وقال : قد ذكرني هذا صلاة محمد ﷺ أو قال : صلى بنا صلاة محمد ﷺ..


موضوع الحديث :

إتمام التكبير .

المفردات :

نهض : أي قام .
قضى : أي أكمل صلاته .

المعنى الإجمالي :

صلى مطرف وعمران بن حصين الصحابي المشهور وراء علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان
يكبر في الانتقال ، إذا خفض ، وإذا رفع ، فلما انقضت الصلاة أقبل عمران على مطرف وقال :
لقد ذكرني هذا صلاة محمد ﷺ أي أن صلاته كانت تشبه صلاة النبي ﷺ.


فقه الحديث :

أولاً : في الحديث دليل على إتمام التكبير ، وقد كان فيه خلاف في آخر عهد الصحابة – رضوان
الله عليهم – وذلك لأن بني أمية تركوا التكبير في بعض الانتقالات في الأركان ، وفيه حديث
عند أبي داود ذكرته في شرح الحديث السابق ، وذكرنا ما نقله البخاري عن الطيالسي فيه أنه حديث
باطل ، وفي سنده عند أبي داود الحسن بن عمران العسقلاني وثقه ابن حبان وقال : يغرب ، ولا شك
أن ابن حبان فيه تساهل معروف ، وطريقته توثيق من لم يعلم فيه قدحاً ، وقد وثق رجالاً في كتاب
"الثقات" ، ثم ضعفهم في "الضعفاء" ، وهنا قد خالفه إمامان عظيمان في هذا الشأن هما محمد بن
إسماعيل البخاري ، أمير المؤمنين في الحديث ، وأبو داود الطيالسي ، وعلى فرض صحة سنده ، فهو
شاذ مقابل بالمحفوظ ، وقد انعقد الإجماع مؤخراً على إتمام التكبير عملاً بالأحاديث الصحيحة
والمشهورة . والله أعلم .


ثانياً : يؤخذ منها ما كان عليه الصحابة من المحافظة على السنن وبيان ما يخالفها .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
24-03-2015, 08:05PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[89] : عن البراء بن عازب رضي الله عنه. قال : رمقتُ الصلاة مع محمد ﷺ فوجدت
قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء .
وفي رواية البخاري : ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء .


موضوع الحديث :

تساوي الأركان مع ركن القيام للقراءة والجلوس للتشهد أو دونهما .

المفردات :

رمقتُ : لحظتُ لحظاً خفيفاً .
قريباً من السواء : أي كانت قريبة التساوي في المقدار الزماني .

المعنى الإجمالي :

يخبر البراء بن عازب رضي الله عنه أنه لحظ صلاة رسول الله ﷺ مراراً وقدرها ليعلمها
ويعمل بها في صلاته ، فكانت على النحو التالي :
1- يطول الركوع والسجود والاعتدال .
2- يخفف القراءة والتشهدد حتى تكون هذه الأركان قريبة التساوي في المقدار الزماني ،
وقد يطول القراءة والتشهد فتكون ما عداها قريبة من السواء .


فقه الحديث :

هذا الحديث أخرجه البخاري في الصحيح في ثلاثة مواضع (792) و(801) و(820) من
نسخة الفتح بتحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز ، كلها من طريق الحكم ابن عتيبة عن أبي ليلى
عن البراء رضي الله عنه ، وكلها متقاربة اللفظ إلا ما زاده بدل بن المحبر في روايته من استثناء القيام
والقعود كما في الرواية الثانية ، وقد رواه أبو الوليد ، عن شعبة عن الحكم ومحمد بن عبد الرحيم ،
عن أبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري ، عن مسعر ، عن الحَكَم .


وجعلا المحكوم عليه بالتقارب هو الركوع والسجود والاعتدال ، أما الرواية الأولى التي ساقها صاحب
العمدة وفيها ذكر القيام والقعود من جملة المحكوم عليه بالتقارب في المقدار فهي من رواية هلال
بن أبي حميد عن ابن أبي ليلى ، ولم أرها في صحيح البخاري ، بل هي في صحيح مسلم فقط ،
وعلى هذا فهي ليست من شرطه ولم ينبه على ذلك ابن دقيق العيد ولا ابن حجر ن لكن نبه
عليه الصنعاني في العدة .


ومن هنا يظهر لك التعارض بين رواية الحكم ورواية هلال ، وبينهما فرق كبير في الحفظ والإتقان ،
فالحكم. أحفظ من هلال عند أهل هذا الشأن .


وهلال وإن أخرج له البخاري ومسلم فقد تكلم فيه ابن معين ، وعلى هذا فلم يبعد من نسب
روايته إلى الوهم ، والذي يظهر لي ترجيح رواية الحكم على روايته لأمور :

أولها : أن الحكم أحفظ من هلال عند أهل هذا الشان .
ثانياً : أن روابته توافق ما ثبت عن النبي ﷺ من طرق أنه كان يطيل القراءة غلباً في الظهر
والفجر وأحياناً في غيرها كما تقدم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يقرأ
في الصبح بالستين إلى المائة في كل ركعة وكان ينصرف منها حين يعرف الرجل جليسه ومن
حديث عائشة رضي الله عنها أنه ﷺ كان يصليها معه نساء من المؤمنات ثم يرجعن إلى بيوتهن
ما يعرفهن أحد من الغلس ولو كان النبي ﷺ يمد في سائر الأركان كما يمد في القراءة أو
قريباً من ذلك لما انصرف من صلاة الصبح إلا بعد طلوع الشمس .


ثانياً : أن مخرج الحديث متحد فمداره في جميع طرقه على ابن أبي ليلى فدل ذلك على أن
الاختلاف إنما هو ممن دونه .


أما ابن دقيق العيد فقد مال إلى تصحيح رواية هلال وجمع بين الروايتين بالحمل على تعدد
الحالات ففي بعضها تستوي ماعدا القيام والقعود .


وحكى الحافظ عن بعض العلماء أنه جعل معنى قوله قريباً من السواء أنه كان إذا أطالها أطال
بقية الأركان وإذا خففها خفف بقية الأركان ومثله بين السجدتين .


ثالثاً : يؤخذ منه مشروعية تطويل ركن الاعتدال من الركوع كتطويل الركوع والسجود ونقل الحافظ
في الفتح أن المرجح عند الشافعية عدم تطويله وإليه أشار الشافعي في الأم ولكن نص على
كراهته فقط .


وبالغ بعض أصحابه فأبطل الصلاة بالتطويل فيه زاعماً أنه يقطع الموالاة وخالفهم النووي فأجاز
التطويل لما عليه من الأدلة الصحيحة الصريحة منها هذا الحديث والذي بعده ومنها حديث حذيفة
رضي الله عنه عند مسلم أنه صلى مع النبي ﷺ ذات ليلة فقرأ سورة البقرة والنساء وآل عمران
ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربي العظيم ، فكان ركوعه نحواً من قيامه ، ثم قال : سمع الله
لمن حمده ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع .


قال النووي الجواب عن هذا الحديث صعب وهو كما قال ، فإن قلت لعل في حديث حذيفة المذكور
دليل على صحة رواية هلال ، فالجواب : أن حديث البراء في المكتوبة ، وحديث حذيفة
في النافلة . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
25-03-2015, 07:48PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[90] : عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال : إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله
ﷺ يصلي بنا ، قال ثابت : كان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه ، كان إذا رفع رأسه من الركوع
انتصب قائماً ، حتى يقول القائل قد نسي ، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي ،
وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي.


موضوع الحديث :

مشروعية تطويل ركن الاعتدال من الركوع وبين السجدتين .

المفردات :

لا آلو : لا أقصر .
انتصب قائماً : أي وقف .
مكث : أي أبطأ جالساً .
حتى يقول القائل : يظن المأموم أنه قد نسي .

المعنى الإجمالي :

مسوؤلية الصحابة رضوان الله عليهم بعد نبيهم نشر الدين وتبليغ أحكامه التي أخذوها عنه ﷺ ،
ولإحساس أنس رضي الله عنه بهذه المسؤولية قال لأصحابه : إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله
ﷺ يصلي بنا ، فكان من صفة صلاته أن يمكث بعد الرفع من الركوع والرفع من السجود طويلاً ،
حتى يظن بعضهم من طول مكثه أنه قد نسي .


فقه الحديث :

أما فقه الحديث فقد تقدم في الحديث قبله فلا داعي لإعادته .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
26-03-2015, 07:45PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[91] : عن أنس _ قال : ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله ﷺ


موضوع الحديث :

تخفيف الصلاة مع إتمامها .

المفردات :

قط : اسم يُنفى به ما مضى من الزمان .

المعنى الإجمالي :

كان النبي ﷺ يأمر بالتيسير ويدعو إليه بالقول والفعل امتثالاً لقوله تعالى
: _ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج_ (الحج: من الآية78) . ومن التيسير التخفيف في
الصلاة مع إعطاء العبادة حقها من الكمال والتمام ، لذلك كانت صلاته – عليه الصلاة والسلام
– خفيفة في تمام .

فقه الحديث :

تكلم العلامة ابن دقيق العيد – رحمه الله – على هذا الحديث بكلام حسن رأيت أن أنقله
برمته ، فقال : حديث أنس بن مالك رضي الله عنه يدل على طلب أمرين : التخفيف في حق الإمام
مع الإتمام ، وعدم التقصير ، وذلك هو الوسط العدل والميل إلى أحد الطرفين خروج عنه – أي العدل
– أما التطويل في حق الإمام فإضرار المأمومين وقد تقدم ذلك ، والتصريح بعلته . – يريد قوله :
" فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة " – وأما التقصير عن الإتمام فبخس لحق العبادة ، ولا يراد
بالتقصير هاهنا التقصير في ترك الواجبات الذي يرفع حقيقة الصلاة وإنما المراد – والله أعلم
– التقصير عن المسنونات والتمام بفعلها . اهـ.


قلت : الأظهر – والله أعلم – أن المراد بالتخفيف القراءة كما أخرج ذلك مسلم عن أنس رضي الله عنه
قال أنس : كان رسول الله ﷺ يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة ، فيقرأ بالسورة
الخفيفة أو بالسورة القصيرة . والاقتصار في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات أو قريباً
من ذلك ، وفي الاعتدال على الذكر الوارد فيه وفي التشهد والصلاة على النبي ﷺ والتعوذ من أربع ،
وبذلك يحصل التخفيف والتمام . والله أعلم .


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
27-03-2015, 08:08PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[92] : عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرْمي البصري قال : جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا ،
فقال : إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة ، أصلي كيف رأيت رسول الله ﷺ يصلي . فقلت
لأبي قلابة : كيف كان يصلي ؟ قال : مثل صلاة شيخنا هذا ، وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود
قبل أن ينهض.


موضوع الحديث :

مشروعية جلسة الاستراحة وهي جلسة خفيفة عند القيام من الركعة الأولى إلى الثانية ومن الثالثة إلى الرابعة .


المفردات :

ينهض : أي يقوم .


المعنى الإجمالي :

يخبر أبو قلابة – رحمه الله – أن مالك بن الحويرث الصحابي جاءهم في مسجدهم فصلى بهم
تطوعاً قصد تعليمهم كيفية صلاة رسول الله ﷺ ، ولما سئل أبو قلابة عن صلاته التي علمهم إياه
أخبر أنها كصلاة شيخهم وهو عمرو بن سلمة الجرمي ثم وصف صلاة شيخهم المذكور أنه
كان يجلس إذا رفع من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة قبل أن يقوم إلى الثانية والرابعة وهي
التي تسمى بجلسة الاستراحة .


فقه الحديث :

في الحديث دليل لمن قال بسنية جلسة الاستراحة وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد ، قال قوم :
لا تشرع . منهم مالك وأبو حنيفة وهو قول للشافعي ورواية عن أحمد أيضاً ، مستدلين بحديث وائل بن
حجر عند البزار بلفظ : " فكان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة قام كما
هو ولم يجلس ". حكاه الصنعاني في السبل ، وقال ضعفه النووي .


قلت : وعلى فرض صحته لا يدل على عدم مشروعية هذه الجلسة الثابتة بالأحاديث الصحيحة ،
ونفي وائل بن حجر لها لا يدل على عدم مشروعيتها ولا عدم فعل النبي ﷺ لها ، بل غاية
ما فيه أن النبي ﷺ كان يفعلها أحياناً ويتركها أحياناً ، فالفعل لبيان السنية ، والترك لبيان الجواز ،
ومن هنا تعلم أن المذهب الأول هو الراجح ، لقوة دليله . والله أعلم .


ثانياً : يؤخذ منه ما كان عليه الصحابة من فهم المسؤولية الملقاة عليهم إزاء من بعدهم ، حيث كانوا
يشعرون بهذه المسؤولية فنقلوا الدين الذي أخذوه عن النبي ﷺ إلى من بعدهم بالقول والفعل ،
وهذه هي مسؤولية كل جيل بالنسبة إلى من بعده . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
29-03-2015, 12:21AM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



[93] : عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله. عنه أن النبي ﷺ كان إذا صلى فرّج بين يديه
حتى يبدو بياض أبطيه.


موضوع الحديث :

التجافي في السجود .


المفردات :

فرّج : باعد .
حتى يبدو : أي يظهر .
بياض إبطيه : أي لون جلدهما من شدة المجافاة ، ولأن النبي ﷺ لم يكن على بطيه شعر .


المعنى الإجمالي :

خلق الله الإنسان بما فيه من حواس وأعضاء ثم أمره أن يعملها جميعاً في عبادته جل وعلا ،
لينال كل عضو حظه من عبادة ربه سبحانه وتعالى ، لذلك كان النبي ﷺ إذا صلى فرج بين يديه
أي نحاهما عن جنبيه ووضع كفيه ورفع مرفقيه ، حتى يبدو بياض إبطيه ، ويرفع بطنه عن فخذيه ،
وبذلك يكون قد أعمل جميع جوارحه في عبادة ربه ، بل في أفضل العبادة وهو السجود ، وهذه
الهيئة يسميها الفقهاء التخوية .


فقه الحديث :

في الحديث دليل على سنية التجافي في السجود ؛ لإظهار النشاط في العبادة الذي هو ضد
الكسل وهيئة الكسالى ، وقد ورد في صحيح مسلم عن ميمونة رضي الله عنها : "أن النبي ﷺ كان
يجافي يديه حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر من تحته لمرت "، إلا أن هذه الهيئة محمولة على الاستحباب ،
لما روى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ : " شكا أصحاب رسول الله ﷺ إليه مشقة
السجود عليهم إذا انفرجوا فقال : " استعينوا بالرُكب "، قال ابن عجلان أحد رواته : وذلك أن يضع
مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود وأعيا ، أفاده في الفتح وسكت عن الحديث ، فلم يحكم
عليه بصحة أو ضعف ن وعند رجوعي لسنن أبي داود رأيت الحديث فيه بسند رجاله رجال الصحيح .


ثانياً : قصر بعض الفقهاء حكم التجافي على الرجال دون النساء ، بحجة أن المطلوب من النساء التستر ،
والتجافي تبديد للأعضاء وإبراز لها ، فكان منافياً لما طلب منهن ، وعندي في ذلك تفصيل ، وهو :
أن النساء داخلات بلا شك في قول النبي ﷺ : " صلوا كما رأيتموني أصلي " فلا يخرجن عنه
إلا بدليل يخصهن ، ولا دليل فيما أعلم ، إلا الحكم العام القاضي بوجوب التستر على المرأة إذا
خرجت أو كانت المرأة في بيتها بحيث تأمن تسرب أبصار الرجال إليها فالأفضل في حقها التجافي ،
وإن كانت في مكان لا تأمن فيه تسرب الأبصار إليها ، فالأفضل في حقها الضم . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
30-03-2015, 01:47AM
بسم الله الرحمن الرحيم






تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[94] : عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال سألت أنس بن مالك : أكان النبي ﷺ يصلي في نعليه
قال : نعم.

موضوع الحديث :

الصلاة في النعلين .

المعنى الإجمالي :

لما كان من المقاصد الشرعية مخالفة أهل الكتاب وإزالة كل شيء فيه مشقة وحرج على المسلم ،
أمر النبي ﷺ بالصلاة في النعال وصلى فيها .

فقه الحديث :

في الحديث دليل على مشروعية الصلاة في النعلين ، واختلف العلماء في حكمه فقال قوم بإباحته ،
وقال قوم باستحبابه واستحبابه هو المفهوم من الأحاديث الواردة بالأمر كحديث شداد بن أوس
رضي الله عنه عند أبي داود مرفوعاً بلفظ : " خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم ".
قال الشوكاني لا مطعن في إسناده وحديث أبي سعيد الخدري عنده أيضاً مرفوعاً بلفظ : " إذا جاء
أحدكم المسجد فليقلب نعليه ، فإن رأى قذراً فليمسحه وليصل فيهما ". وإسناده حسن .


فإن قلت : الأمر يقتضي الوجوب فلم لا يكون الصلاة في النعال واجباً لهذا الأمر؟ .
فالجواب يصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الندبية بالإجماع على عدم الوجوب ، وبما روى أبو
داود عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً ليجعلهما
بين رجليه ، أو ليصل فيهما ".


قال العراقي : صحيح الإسناد ، وروى نحوه عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده .
وقال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله - : وقد زعم الجاهلون أن هذا خاص بأرض أو زمن ، وهو زعم
يدل على فساد الفطرة ، وتدسس النفس في مزابل التقليد الأعمى ، وانتكاس العقول وغلبة الهوى في
محاربة النصوص .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
30-03-2015, 06:09PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



[95] عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ كان يصلي وهو حامل أمامة
بنت زينب بنت رسول الله ﷺ ، ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس : فإذا سجد وضعها ،
وإذا قام حملها .

موضوع الحديث :

العمل في الصلاة وأن حمل الصبي من العمل الجائز في الصلاة إذا كان لحاجة .

المفردات :

ولأبي العاص بن الربيع : أي أن أمامة بنت زينب بنت. رسول الله ﷺ من زوجها أبي العاص
بن الربيع .

المعنى الإجمالي :

صلى النبي ﷺ بالناس وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب ليعلم الناس أن مثل هذا العمل سائغ في
الصلاة إذا كان لحاجة ، وليطعن في الأنفة الجاهلية المبنية على التغطرس والكبرياء والعظمة الجوفاء ؛
لأن العرب كانوا يأنفون من حمل البنات بل ويئدونهن . فسحقاً ثم سحقاً لمن زعم أن شريعته تهضم المرأة
حقها ، مع أنه ينتمي إلى دينه ، فليت شعري من يُفهمهم أن دين الحق والعدل وحفظ المصالح
والحقوق للأفراد والجماعات هو الإسلام ، وأن ما ملأوا به أجوافهم وقلوبهم ، وأسماعهم وأبصارهم ،
من مبادئ الشرق أو الغرب ، ما هي إلا فضلات عقول مريضة وقلوب منكوسة ، وأذهان منحرفة ،
فليس لها قائد إلا الهوى ، ولا سائق إلا الشيطان .

فقه الحديث :

أولاً : في الحديث دليل على جواز حمل الصبي في الصلاة ، وأن ذلك ليس بمبطل لها ، وهو قول
أكثر أهل العلم ، وحمله مالك في رواية عنه على الضرورة ، وفي رواية عنه أنه محمول على النافلة ،
وعنه رواية ثالثة أنه منسوخ ، ولكنه لم يظهر مستند النسخ ، أما القائلون به فهم حملوه على أنه عمل غير
متوال .


ثانياً : أخذ منه أن ثياب الأطفال محمولة على الطهارة ؛ لأنها الأصل ، ولا تخرج عن الطهارة إلا
بتيقن النجاسة . والله أعلم .


ثالثاً : أخذ من الحديث جواز إدخال الأطفال في المساجد ، ومثله في ذلك حديث أبي هريرة عند
أحمد بن حنبل – رحمه الله – في ركوب الحسن والحسين على ظهره ﷺ وهو ساجد ، وحديث
أبي بكرة عند البخاري رقم (3746) بلفظ سمعت رسول الله ﷺ على المنبر والحسن إلى جنبه يقول :
" ابني هذا سيد ..." الحديث .


وكانت ولادة الحسن في السنة الثالثة من الهجرة .
أما حديث معاوية عند الطبراني بلفظ : " جنبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم " فهو ضعيف ،
وعند ابن ماجة من حديث واثلة بن الأسقع نحوه ، وهو ضعيف أيضاً ، وعلى فرض صحتهما يحمل
النهي على من لا يؤمن إحداثه في المسجد ، أو على التنـزيه ، ويحمل الفعل على بيان الجواز والله أعلم .


رابعاً : أن الحركات التي للحاجة لا تبطل الصلاة ولو كثرت ، إذا قد صح أنه ﷺ فتح الباب ،
وأمر بقتل الحية والعقرب ، ورقى المنبر ونزل عنه ، وهو يعلمهم الصلاة . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
31-03-2015, 05:29PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[96] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال : " اعتدلوا في السجود ، ولا يبسط
أحدكم ذراعيه انبساط الكلب " .

موضوع الحديث :

الهيئة المطلوبة في السجود .

المفردات :

بسط الذراعين : وضعهما على الأرض مع الكفين .

المعنى الإجمالي :

أمر النبي ﷺ بالاعتدال في السجود على وفق الهيئة المطلوبة شرعاً وهي ارتفاع الأسافل على
الأعالي ، ووضع الكفين ورفع المرفقين ومجافاة الذراعين عن الجنبين ، والبطن عن الفخذين ،
والنهي عن بسط الذراعين داخل تحت حيز الأمر بالاعتدال .

فقه الحديث :

في الحديث دليل على وجوب الاعتدال في السجود ، ومعنى الاعتدال الإتيان بالهيئة المطلوبة
شرعاً ، وذلك لا يتم إلا بأمور :


أولاً : أن يكون السجود على جميع الأعضاء السبعة الواردة في حديث ابن عباس كما تقدم .


ثانياً : أن يضع كفيه ويرفع مرفقيه ويجافي ضبعيه عن جنبيه ، ويتحامل علىجبهته ويجافي بطنه
عن فخذيه ، وقد صح عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت : كان رسول الله ﷺ إذا سجد تجافى
حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر من تحت يده مرت . رواه عبد الرزاق بسند صحيح وأصله في البخاري
وهذه الهيئة هي الأصل ورخص في الاعتماد بالأيدي على الركب لمن وجد مشقة في التجافي كما
روى عبد الرزاق عن الثوري عن سمي قال : حدثنا النعمان ابن أبي عياش الزرقي قال : شكا أصحاب
رسول الله _ الاعتماد بأيديهم في السجود فرخص أن يستعينوا بأيديهم على ركبهم في السجود فقال سفيان
وهي رخصة للمتهجد .


ثالثاً : أن ترتفع الأسافل على الأعالي فلو تساوت ففي بطلان الصلاة وجهان لأصحاب الشافعي
قاله ابن دقيق العيد .
وعلى هذا فإنه لابد أن يكون محل السجود مساوياً لمحل القيام حتى ترتفع الأسافل عند السجود ،
أما إذا كان موضع السجود مرتفعاً بحيث يكون رأس الساجد محاذياً لوركه فذلك هو المحظور لأنه
ينافي الخضوع الذي شرع السجود من أجله .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
01-04-2015, 08:13PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -




باب
وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود



[97] : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ دخل المسجد ، فدخل رجل فصلى ، ثم جاء فسلم
على النبي ﷺ فقال : "ارجع فصل فإنك لم تصل " فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على
النبي ﷺ فقال : " ارجع فصل فإنك لم تصل " ثلاثاً . فقال : والذي بعثك بالحق فما أحسن
غيره فعلمني . فقال : "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى
تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً ، ثم
اسجد حتى تطمئن ساجداًَ ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ".

موضوع الحديث :


وجوب الطمأنينة في الصلاة وأنه لا تتم صلاة أحد إلا بها .

المفردات :


الرجل المذكور : هو خلاد بن رافع .
ارجع فصل فإنك لم تصل : النفي للصلاة الشرعية أي أن الصلاة التي صلاها لا تسمى صلاة في
الشريعة .
والذي بعثك بالحق : أي أرسلك بالحق .
فما أحسن غيره : الضمير يعود إلى الفعل المتقدم .
ما تيسر : ما سهل عليك .
ثم افعل ذلك في صلاتك كلها : أي في ركعات صلاتك كلها .


المعنى الإجمالي :


وفيه جمع الطرق التي بلغت درجة الصحة بينما النبي _ جالس في المسجد دخل رجل فصلى
صلاة لم يتم ركوعها ولا سجودها ، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فرد عليه السلام ثم قال له : " ارجع
فصل فإنك لم تصل " ، فعل ذلك ثلاث مرات والنبي ﷺ يأمره بالإعادة كلما صلى ، ثم قال : والذي
بعثك بالحق لا أحسن غيره فعلمني ، فعلمه الكيفية المذكورة .


قولـه : " والذي بعثك بالحق لا أحسن غيره فعلمني " . وفي رواية : فقال الرجل : فأرني وعلمني فإنما
أنا بشر أصيب وأخطئ ، فقال : " إذا قمت إلى الصلاة فكبر " ، وفي رواية : " فتوضأ كما أمرك الله ، ثم
تشهد وقم " ، وفي رواية : " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله ، فيغسل وجهه
ويديه إلى المرفقين ثم يمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ، ثم يكبر الله ويمجده ، ثم اقرأ ما تيسر معك من
القرآن " ، وفي رواية : " إن كان معك من القرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله " ، وفي رواية :
" ثم اقرأ بأم القرآن ، ثم اقرأ بما شئت ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً " ، وفي رواية : " ثم يقول الله أكبر
فيركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي " ، وفي رواية : " فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد
ظهرك وتمكن لركوعك ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً " ، وفي رواية : " حتى تطمئن قائماً " ، وفي لفظ :
" فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً " ، وفي رواية : " ثم
يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم ارفع حتى تطمئن جالساً " ،

وفي روية : " ثم يكبر فيرفع حتى يستوي قاعداً على مقعدته ويقيم صلبه" ، وفي رواية : " فإذا رفعت
رأسك فاجلس على فخذك اليسرى " ، وفي رواية :
" فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالساً ، ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد ثم افعل ذلك في
صلاتك كلها " ، وفي رواية : " ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً " .



قال ابن حجر : وقد قال بعضهم هذا دليل على إيجاب جلسة الاستراحة ، ولم يقل به أحد ، وأشار البخاري
إلى أن هذه اللفظة وَهْمٌ ، فإنه عقبه بقوله : قال أبو أسامة في الأخير تستوي قائماً ، وحكى عن البيهقي
قريباً من ذلك ، قال : ويمكن أن يحمل – إن كان محفوظاً – على الجلوس للتشهد ، وتقوى به رواية إسحاق . اهـ.



ويعني برواية إسحاق الرواية السابقة ما رواه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ :" ثم
اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم اقعد حتى تطمئن قاعداً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم اقعد
حتى تطمئن قاعداً ، ثم افعل ذلك في كل ركعة " .



ويعني برواية إسحاق الرواية السابقة بلفظ : " فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالساً " إلى أن
قال : فهذا مجموع الروايات القوية في حديث أبي هريرة ورفاعة (_) . اهـ. نقلاً عن الفتح بتصرف .


فقه الحديث :


جاء استدلال الفقهاء بهذا الحديث على وجهين :
الأول : الاستدلال بما ذكر فيه على الوجوب .
الثاني : الاستدلال بعدم الذكر فيه على عدم الوجوب . قال : ابن دقيق العيد تكرر من الفقهاء الاستدلال
بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعدم وجوب ما لم يذكر فيه ، فأما وجوب ما ذكر فيه فلتعلق
الأمر به وأما عدم وجوب غيره فليس ذلك لمجرد كون الأصل عدم الوجوب ؛ بل لأمر زائد على ذلك ،
وهو أن الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل وتعريف بواجبات الصلاة وذلك يقتضي انحصار الواجبات
فيما ذكر إلى أن قال : إن على طالب التحقيق ثلاث وظائف :
أحدها : أن يجمع طرق هذا الحديث . ويحصي الأمور المذكورة فيه ، ويأخذ بالزائد ؛ لأن الأخذ بالزائد
واجب(_). اهـ.



قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام ابن دقيق العيد : قلت : امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه
القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة ، وقد أمليت


الزيادات التي اشتملت عليها . اهـ.
قلت : قد نقلت ما أملاه من الزيادات فتخلص منها المسائل الآتية :
أولها : الوضوء كما أمر الله ، وفيه دليل على وجوب الترتيب .
ثانيها : الشهادتين بعد الوضوء لقوله _ : " فتوضأ كما أمرك الله ، ثم تشهد وأقم " . ولا أعرف أحداً
قال بوجوبها .
ثالثها : الإقامة ، وفي حكمها خلاف تقدم مع الآذان في بابه .
رابعها : الاستقبال وهو شرط في صحة الصلاة بلا خلاف أعلمه .
خامسها : التكبير للإحرام وهو ركن من أركان الصلاة بل شرط في انعقادها ، وفيه دليل على تعيين لفظ التكبير ،
وقد تقدم الكلام فيه .



سادسها : الاستفتاح ومأخذه من قوله : "ثم يكبر الله ويحمده ويمجده" ولا أعرف من قال بوجوبه .
وذكره في هذا الحديث يدل للوجوب ، اللهم إلا أن يقال ما صح الإجماع على عدم وجوبه مما ذكر
في هذا الحديث كان – أي الإجماع – صارفاً له عن الوجوب إلى الندبية ويكون الاستفتاح واحداً منها .



سابعها : قراءة الفاتحة وما تيسر في كل ركعة ، وفي ذلك بحث سيأتي .
ثامنها : التكبير والتحميد والتسبيح لمن لم يستطع قراءة الفاتحة ، وسيأتي فيه بحث .
تاسعها : جعل الراحتين على الركبتين ومد الظهر .
عاشرها : التمكين فيه حتى تطمئن المفاصل وتسترخي .
الحادي عشر : الاطمئنان في الرفع من الركوع حتى ترجع العظام إلى مفاصلها .
الثاني عشر : تمكين الجبهة في السجود والتحامل عليها حتى تطمئن المفاصل وتسترخي .



الثالث عشر : الاعتدال بين السجدتين والطمأنينة فيه .
الرابع عشر : الافتراش في الجلسة بين السجدتين ، ويعارضه حديث طاووس عن ابن عباس عند
مسلم أنه قال في الإقعاء ، أنه من السنة فقال طاووس (_) : إنا لنراه جفاء بالرجل ، فقال : إنه من سنة
نبيكم ﷺ ، والإقعاء هو جلوس المصلي بإليتيه على عقبيه أي على أعقاب قدميه وهما منصوبتان ،
وهذا الإقعاء هو غير الإقعاء المنهي عنه ، فذاك صفته أن يجلس المصلي بعقبه على الأرض وينصب ساقيه ،
وعلى هذا فيكون حديث ابن عباس صارفاً للأمر بالافتراش بين السجدتين الوارد في بعض الروايات في
حديث المسيء كما تقدم عن الوجوب إلى الاستحباب ، وعن تعيين الافتراش إلى التخيير بينه وبين الإقعاء
الوارد في حديث ابن عباس مع ترجيح الافتراش على الإقعاء للأمر به ، وحمل بعضهم رواية الأمر بالافتراش
وهو قولـه : " فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى " حملوه على الجلوس للتشهد .



الخامس عشر : الطمأنينة في السجود الثاني كالأول ، واستدل الجمهور بذكر الطمأنينة في الركوع
والسجود والاعتدال منهما على وجوبها في الكل ، وللحنفية في ذلك خلاف مرجوح كما تقدم .
السادس عشر : وجوب تكبير النقل والجمهور على سنيته كما تقدم والحديث دليل لما ذهب
إليه الإمام أحمد رحمه الله من الوجوب .



السابع عشر : جلسة الاستراحة إن صحت بها الرواية ، وقد تقدم أن البخاري رحمه الله حكم
عليها بالوهم .
الثامن عشر : وجوب التشهد الأول ، وفي وجوبه خلاف ، سيأتي في بابه إن شاء الله .
التاسع عشر : الجلوس له ، وسيأتي فيه بحث أيضاً .
العشرون : الافتراش في التشهد ، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه . والله أعلم .

الحادي والعشرون : وجوب الإعادة على من أخل بالطمأنينة .



الوجه الثاني : الاستدلال بما لم يذكر فيه على عدم الوجوب وفيه مسائل :
أحدها : النية وهي فرض باتفاق ، كذا عدها منها النووي والحافظ في الفتح ، وعندي في ذلك نظر ،
فإن قوله : " فإذا قمت إلى الصلاة " مشعر بالقصد وهو النية .
الثانية : القعود الأخير وهو متفق على وجوبه .
الثالثة : التشهد الأخير ، وسيأتي الخلاف فيه في بابه إن شاء الله .
الرابعة : الصلاة على النبي _ فيه ، سيأتي .
الخامسة : التسليم من الصلاة ، وقد تقدم البحث فيه وتبين أن الراجح وجوبه .



السادسة : وضع اليمنى على اليسرى على الصدر ، والأرجح وجوبه لحديث أبي حازم(_) عن
سهل بن سعد عند البخاري بلفظ : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى
في الصلاة . قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي _ ، وهذا حكمه الرفع إذ لا آمر للصحابة
سوى النبي _(_)، والأمر يقتضي الوجوب إلا أن يصرفه صارف ، ولا أعلم ما يصلح لصرفه ، والله أعلم .



السابعة : إذا استدل على عدم وجوب شيء بعدم ذكره في هذا الحديث ثم جاء الأمر به في حديث
آخر ، قدم الأمر به على عدم الذكر في هذا الحديث ؛ لأنه أقوى . والله أعلم .


تنبيه :
كل ما تقدم من المسائل فيما يتعلق بأفعال الصلاة من حيث الوجوب وعدمه ، وإليك مسائل أخرى تؤخذ
من هذا الحديث :
الأولى : تكرير السلام ولو لم يطل الفصل أو الفراق ولم يبعد .
الثانية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الثالثة : حسن التعليم بغير تعنيف .
الرابعة : الاعتراف بالتقصير لقوله : " لا أحسن غيره فعلمني " .
الخامسة : طلب المتعلم من العالم أن يعلمه .



السادسة : ملازمة جواز الخطأ لحكم البشرية وهو إقرار .
السابعة : حسن خلقه _ ولطفه وحسن معاشرته .
الثامنة : استحباب التعليم بكل ما له تعلق بما وقع فيه الإخلال لقوله : "إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ
الوضوء كما أمرك الله ثم استقبل القبلة فكبر " والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)


التصفية والتربية
TarbiaTasfia@

ام عادل السلفية
02-04-2015, 08:14PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[98] : عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب " .

موضوع الحديث :

أهمية فاتحة الكتاب في الصلاة وبطلان صلاة من لم يقرأ بها .

المفردات :

لا صلاة : لا نافية للجنس ، والنفي هنا يتوجه على الصلاة الشرعية المعتد بها التي يترتب على فعلها
حصول الثواب وانتفاء العقاب ، والمعنى لا صلاة صحيحة ، ومن موصولة في محل جر باللام والباء
زائدة للتأكيد ، والله أعلم .

المعنى الإجمالي :

فاتحة الكتاب سورة عظيمة تتضمن الثناء على الله بما هو أهله من الكمالات ، ثم إفراده بالعبادة
لأنه لا يستحق العبادة شرعاً وعقلاً إلا صاحب هذه الكمالات ، التي نقص فيها بوجه من الوجوه ، ثم إقرار
العبد بالعجز والقصور عن الاستقلال بمصالح نفسه وذلك بطلبه العون من الله بارئه وخالقه والمتصرف فيه
ثم سؤاله الهداية إلى الطريق المستقيم طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وأن يجنبه الطرق المنحرفة المعوجة ، وهذه الصفة بارزة في العقيدة النصرانية والوثنية الضالة ، أو ناشئاً عن
العناد والمكابرة مع معرفة الحق ، وهذا الصفة بارزة في اليهود ، ومن هدي إلى الطريق المستقيم فقد أصاب
الخير كله لأنها هي الطريق الجامعة لخيري الدنيا والآخرة ولما كانت كذلك أمر الشارع بقراءتها في كل
صلاة ، ونَزل الصلاة التي لا يقرأ فيها بفاتحة الكتابة منـزلة العدم فقال :
" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " . والله أعلم .

فقه الحديث :

في الحديث دليل لما ذهب إليه الجمهور من فرضية قراءة فاتحة الكتاب على كل مصل سواء كان إماماً
أو مأموماً أو منفرداً ، إلا أن الحنابلة والمالكية خصوا الفرضية بالسرية في حق المأموم ، وما لم يسمع فيها
قراءة الإمام من الجهرية . وذهبت الحنفية فيما نقل عنهم إلى عدم الوجوب ، مستدلين بقوله سبحانه وتعالى :
_ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ _ (المزمل: من الآية20) .


لكن رد ذلك الحافظ في "الفتح" ورجح أنهم يقولون بالوجوب ، ولكن لا يقولون بالشرطية ، وتبعه على
ذلك الشوكاني ، أما الذين قالوا بعدم وجوبها على المأموم في الجهرية المسموعة كالحنابلة والمالكية
أو في الجميع كالحنفية ، فاستدلوا بحديث : "من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة". إلا أنه حديث
ضعيف ضعفه الحافظ في الفتح وحكى تضعيفه عن الحفاظ وقال في التلخيص .


فائدة :

حديث " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " مشهور من حديث جابر وله طرق عن جماعة من الصحابة
كلها معلولة .
قلت : وعلى هذا فإنه لا ينتهض للاستدلال به ، واستدلوا أيضاً بقوله سبحانه : _ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا _ (الأعراف:204) . ولا حجة لهم في الآية ؛ لأن الأمر بالإنصات عام مخصوص بالأحاديث
الدالة على وجوب قراءة فاتحة الكتاب من غير فرق بين إمام ومأموم ، كهذا الحديث ، وعلى وجوبها على
المأموم نصاً كحديث ابن حبان في صحيحه ، أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن يحيى
الذهلي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن العلا بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله ﷺ : " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " .


قلت : وإن كنت خلف الإمام ؟ ، قال : فأخذ بيدي وقال : " اقرأ بها في نفسك " قال الزيلعي في
نصب الراية : ورواه ابن خزيمة في صحيحة كما تراه . قاله النووي في "الخلاصة" .


قلت : أخرجه ابن خزيمة برقم (490) كما تراه هنا سنداً ومتناً وزاد في آخره : " يا فارسي " ، وأخرجه
برقم (489) من طريق يعقوب الدروقي حدثنا ابن علية ، عن ابن جريج ، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن ،
أن أبا السائب أخبره سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : " من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم
القرآن فهي خداج غير تمام " .


فقلت : يا أبا هريرة إني أكون أحياناً وراء الإمام ، قال : فغمز ذراعي وقال : يا فارسي اقرأ بها في نفسك .
وأخرجه مسلم من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن العلاء ، عن أبيه ،
عن أبي هريرة ولفظه قريب من لفظ الحديث الماضي وزاد في آخره : فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول :
قال الله تعالى : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ..." الحديث ، وهذه الأحاديث
كلها صحاح ، رجالها كلهم أئمة مخرج لهم في الصحيحين وغيرهما ، ولذلك فهي حجة على من خالفها .


ومن أدلة وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم في الجهرية والسرية على السواء حديث عبادة
بن الصامت رضي الله عنه قال : صلى رسول ﷺ الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال :
"إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم" ، قلنا : يا رسول الله ، إي والله ، قال : " لا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه
لا صلاة لمن لا يقرأ بها " ، وفي لفظ : " فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن " .
أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني وقال : رجاله كلهم ثقات . ورواه البخاري في جزء القراءة ،
وصححه وأخرجه ابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال : حدثني مكحول ، عن محمود
بن الربيع ، عن عبادة وتابعه زيد بن واقد عن مكحول .


وبهذا يتبين أنه لا حجة فيه لمن قال بعدم الوجوب على المأموم وعلى فرض أن قوله : " فانتهى الناس عن
القراءة مع رسول الله. ﷺ " محفوظاً عن الصحابي ، فإنه يحمل على الانتهاء عما عدا فاتحة الكتاب
فلا يخالف المحفوظ . والله أعلم .


ثانياً : اختلف القائلون بوجوبها ، هل تجب في كل ركعة من الصلاة أو في أكثرها أو في ركعة واحدة منها ؟ ،
فذهب الشافعية والحنابلة إلى الأول وهي رواية عن مالك وذهب أبو حنيفة وزيد بن علي والناصر إلى قراءتها
في الأوليين فقط مع الاختلاف السابق عن أبي حنيفة في تعيين الفاتحة ، وذهب الحسن البصري وهو
رواية عن مالك وبه قال داود الظاهري وإسحاق إلى وجوبها في ركعة واحدة ، والمذهب الأول أرجح لقوله
ﷺ من حديث المسيء : " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " وفي رواية لأحمد وابن حبان والبيهقي :
" ثم افعل ذلك في كل ركعة " بعد أن أمره بالقراءة ولحديث أبي سعيد : أمرنا رسول الله ﷺ أن نقرأ بفاتحة
الكتاب في كل ركعة ، عزاه الحافظ في التلخيص إلى ابن الجوزي في التحقيق ، قال : فقال روى
أصحابنا من حديث عبادة وأبي سعيد قالا فذكره ، قال : وما عرفت هذا الحديث . اهـ.


قال : وفي سنن ابن ماجة معناه ، وهو ضعيف الإسناد .
قلت : يستأنس به وإن كان ضعيفاً مع الرواية السابقة " وافعل ذلك في صلاتك كلها " ، ومع حديث أبي
قتادة الذي سيأتي بعد هذا أن النبي ﷺ كان يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، وفي الأخريين
بفاتحة الكتاب ، فإذا ضممنا هذا إلى قوله ﷺ " صلوا كما رأيتموني أصلي " تكونت منها حجة على
وجوب قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة . والله أعلم .


ثالثاً : اختلفوا في المسبوق إذا لحق الإمام راكعاًَ هل يعتد بالركعة ويعفى عنه من القراءة أم لا ؟ .
فذهب الجمهور إلى أنه يعتد بها مستدلين بحديث أبي بكرة عند الشيخين أنه دخل المسجد والنبي ﷺ
راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف ، فقال النبي ﷺ : " زادك الله حرصاً ولا تعد ".


وهو صحيح غير صريح في الاعتداد إذْ لم يذكر أنه أنه اعتد بتلك الركعة ، واستدلوا أيضاً بما رواه الدارقطني
من حديث أبي هريرة مرفوعاً من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة من صلاته يوم الجمعة فليضف إليها أخرى ،
وفي سنده ياسين بن معاذ وهو متروك ، وأخرجه الدارقطني بلفظ آخر من طريق فيها سليمان بن داود
الحراني وهو متروك أيضاً ، ومن طريق آخر فيها صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف ، ذكر ذلك الشوكاني
في نيل الأوطار ، وقال ورد حديث من أدرك ركعة من صلاة الجمعة بألفاظ لا تخلو طرقها من مقال حتى
قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه لا أصل لهذا الحديث ، إنما المتن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها ،
وكذا قال الدارقطني والعقيلي ، وأخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد
أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه ﷺ . اهـ.


قلت : أخرجه البيهقي بهذا اللفظ ، وقال بعد إخراجه : قال أبو حمد : هذه الزيادة قبل أن يقيم الإمام
صلبه يقولها يحيى بن حميد عن قرة وهو مصري ، قال أبو أحمد : سمعت ابن حماد يقول : قال البخاري :
يحيى بن حميد عن قرة عن ابن شهاب سمع من ابن وهب مصري لا يتابع في حديثه(_) .


واحتجوا أيضاً بما رواه أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ : " إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا
ولا تعدوا شيئاً ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " ، وفي سنده يحيى بن أبي سليمان المدني وهو منكر
الحديث قاله البخاري(_) .


فقد ترى أن هذه الأحاديث ليس فيها دليل لمن قال بالاعتداد ، أما حديث أبي بكرة فلاحتماله ، ومع
الاحتمال يسقط الاستدلال كما يقولون ، وأما سائر الأحاديث فلعدم انتهاض شيء منها للاحتجاج والأصل
وجوب قراءة الفاتحة والقيام بقدر قراءتها ، ولا يسقطان إلا بدليل صحيح ، وإلى ذلك ذهب البخاري في
جزء القراءة وإليه ذهب الشوكاني وحكاه عن ابن خزيمة وابن السبكي من محدثي الشافعية ، وحكاه البخاري
في جزئه عن كل من يرى وجوب قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة من الصحابة .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
03-04-2015, 06:51PM
بسم الله الرحمن الرحيم






تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله.-



تكملة الدرس السابق :

هذا ما كتبته وكنت أعتقده برهة من الزمن ، ثم ترجح لدي بعد ذلك الاعتداد لأمور :
أحدها : مارواه الدارمي في سننه بقوله أخبرنا مسدد ، حدثنا يزيد بن زريع. ، حدثنا حميد الطويل ،
حدثنا بكر بن عبد الله المزني ، عن حمزة بن المغيرة ، عن أبيه ، أنه قال : فانتهينا إلى القوم وقد قاموا
يصلي بهم عبد الرحمن ابن عوف وقد ركع بهم ، فلما أحس النبي ﷺ ذهب يتأخر ، فأومأ إليه بيده
فصلى بهم فلما سلم قام النبي صلى وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا .

والحديث رجاله كلهم ثقات أئمة مخرج لهم في الصحيحين إلا حمزة بن المغيرة فإنه من رجال مسلم ،
فإن قيل حميد الطويل مدلس .


فالجواب : أنه قد صرح بالتحديث في هذا الحديث ، فإذا ضممنا إلى هذا الحديث حديث عروة
بن المغيرة بن شعبة في القصة نفسها حيث قال – أي المغيرة بن شعبة - : ثم أقبل فأقبلت معه يعني
النبي ﷺ حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم ، فأدرك الرسول ﷺ إحدى
الركعتين فصلى مع الناس الركعة الآخرة ، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله ﷺ يتم صلاته ،
ورواه الدارمي من طريق فيها عبد الله بن صالح كاتب الليث ، وهو صدوق ثبت في كتابه إلا أنه أكثر
الغلط ، وفي روايته : فصلى بهم عبد الرحمن ركعة من صلاة الفجر قبل أن يأتي رسول الله ﷺ ، ثم
جاء رسول الله ﷺ فصف مع الناس وراء عبد الرحمن في الركعة الثانية .
وأخرجه أبو داود من طريق
أحمد بن صالح المصري ، عن ابن وهب وأحمد بن صالح من رجال البخاري ، وفي روايته : فوجدنا
عبد الرحمن قد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر ، فإذا ضممنا هذه الأحاديث بعضها إلى بعض ، تكون لنا
منها دليل على الاعتداد بالركعة لمن لحق الركوع .


وجه الاستدلال :
وجه الاستدلال منها أن هذه الأحاديث كلها متفقة أن عبد الرحمن بن عوف والناس صلوا ركعة قبل
مجيء النبي ﷺ ، وأن النبي ﷺ أدرك الركعة الثانية معهم ، أما على أي حال أدركهم في الركعة
الثانية فهذا لم يذكر إلا في رواية حمزة عند الدارمي فقد ذكر فيها أن النبي ﷺ أدركهم في الركوع
وأنه لم يقض إلا ركعة واحدة وسنده صحيح على شرط مسلم ، فتبين أنه اعتد بها وهذا مما فتح الله
به عليَّ ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

الأمر الثاني : تبين لي أخيراً أن أبا بكرة رضي الله عنه إنما ركع قبل أن يصل إلى الصف حرصاً على أن
يلحق الركوع مع النبي ﷺ ولو لم يكن يحتسب تلك الركعة التي لحق ركوعها ما حرص على
الركوع ذلك الحرص ، ولهذا فقد قال أبو بكر البيهقي في كتابه السنن الكبرى ، باب : من ركع دون الصف ،
وفي ذلك دليل على إدراك الركعة ولولا ذلك ما تكلفوه .


الأمر الثالث : أخرج البيهقي بسند صحيح وهو مرسل عن عبد العزيز بن رفيع عن رجل عن النبي ﷺ
قال : " إذا جئتم والإمام راكع فاركعوا وإن كان ساجداً فاسجدوا ، ولا تعتدوا بالسجود إذا لم يكن معه الركوع " .


‎ وأخرج عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت الاعتداد بالركعة لمن لحق الركوع وأخرج عن
مالك بلغه أن أبا هريرة كان يقول من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ، ومن فاتته قراءة أم القرآن فقد
فاته خير كثير .



الأمر الرابع : أن الاعتداد يناسب يسر الشريعة وسماحتها ، فقد يقال أنه يُعفى عن المسبوق في قراءة
الفاتحة تيسيراً عليه ، وقد كان هذا الترجيح بعد استخارة تبعها مواصلة أبحاث ، ولله الحمد والمنة وهو
الهادي إلى سواء السبيل .


رابعاً : يؤخذ من قوله : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " أن من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة
له ويعارضه حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي. الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى فقال : إني لا أستطيع
أن أتعلم شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني في صلاتي ، قال : " قل سبحان الله والحمد لله .. الخ "
رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن إبراهيم السكسكي وابن حبان والحاكم من طريق أبي خالد الدالاني وقد
وثقه أبو حاتم ، وقال النسائي : لا بأس به .


وقال إبراهيم السكسكي : ضعفه شعبة . وقال ابن عدي استشهد به البخاري . وقال ابن القطان :
ضعفه قوم فلم يأتوا بحجة . وله شاهد ضعيف عند الطبراني ، وعلى هذا فالحديث فيه ضعف مقارب
ويصح أن يكون من ما لا بأس به غير أنه لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة ، اللهم إلا أن يقال
أنه محمول على الحالة الراهنة ، بمعنى أنه لا يستطيع التعلم في تلك الساعة لعسر فهمه وضعف حفظه ،
فأرشده النبي ﷺ إلى هذا الذكر حتى يتعلم ، وبهذا يحصل التوفيق بين الأدلة . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
04-04-2015, 06:15PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -




[99] : عن أبي قتادة رضيي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة
الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ، وفي الأخريين بأم الكتاب وكان يطول
في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية.


موضوع الحديث :

القراءة في الصلاة .


المفردات :

الأوليين : تثنية أولى .
والأخريين : تثنية أخرى .


المعنى الإجمالي :

يخبر أبو قتادة رضي الله عنه في هذا الحديث عن قراءة رسول الله ﷺ في الصلاة أنه يقرأ في الأولى
والثانية بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة منها ، وفي الثالثة والرابعة بفاتحة الكتاب فقط لا يقرأ معها
شيئاً ، وأنه يطول في الأول ويقصر في الثانية من أجل أن يلحق المتأخر ، وأنه يسمعهم الآية أحياناً أي يجهر
بها في السرية .


فقه الحديث :

أولاً : في الحديث دليل على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ، وقد تقدم بحث ذلك بما فيه
الكفاية .


ثانياً : فيه دليل على مشروعية قراءة سورة مع فاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين . قال ابن دقيق العيد :
وهو متفق عليه ، والعمل به متصل من الأمة ، وإنما اختلفوا في الوجوب وعدمه .

ثالثاًً : يؤخذ من تطويل الركعة الأولى على الثانية حتى يلحق المتأخر ، وفي صحيح مسلم عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع ، فيقضي
حاجته ، ثم يتوضأ ، ثم يأتي ورسول الله ﷺ في الركعة الأولى مما يطيلها .


رابعاً : يؤخذ منه الإسرار في موضع الجهر والجهر في موضع الإسرار لا يوجب سجود السهو ،
ولا يخل بصحة الصلاة .


خامساً : يؤخذ من قوله وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ، أن الزيادة على فاتحة الكتاب في
الركعتين الأخريين لا تشرع ، ويعارضه حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم أن النبي ﷺ كان
يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة بقدر ثلاثين آية ، وفي الركعتين الأخريين قدر
خمس عشرة آية ، أو قال النصف من ذلك ...... الحديث .
والجمع بينه وبين حديث أبي قتادة أن النبي ﷺ كان يفعل هذا ، وأن الكل جائز . والله أعلم .


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
06-04-2015, 04:29AM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -


[100] : عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقرأ في المغرب بــ : الطور .

[101] : عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان في سفر فصلى العشاء الاخرة،
فقرأ في إحدى
الركعتين والتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.

موضوع الحديثين :

القراءة في المغرب. والعشاء.

المفردات :

الطور : اسم لسورة من طوال المفصل، افتتحت باقسم بالطور، فحذفت واو القسم، وبقي اسم الطور علما
على السورة، والطور : اسم لجبل في سيناء كلّم الله عليه نبيه موسى عليه السلام، وذكر في القرآن في مواضع..

والتين والزيتون : شجرتان لهما ثمر. يأكله الناس، وقد ذكرهما الله ﷻ في هذه السورة مقسماً بهما،
وذكر الزيتون. في سورة الأنعام والمؤمنين.

المعنى الإجمالي :

يخبر جبير بن مطعم. أن النبي ﷺ ﷺ بــــ : "الطور " في المغرب، وهي من طوال المفصل ، ويخبر
البراء بن عازب أن النبي ﷺ ﷺ بــ : "التين " في العشاء وهي من. قصاء المفصل ؛ فدل ذلك
على مشروعية التطويل في المغرب، والتقصير في العشاء.

فقه الحديثين
:
ورد في القراءة في الصلاة أحاديث مختلفة المقادير، وهي بمجوعها تدل على التوسعة فيي القراءة واستحباب
التطويل في وقتي الظهر والفجر، والتوسط في العصر والعشاء. ، والتخفيف في المغربب، وقد يخالف فيطوّل
فيما العادة فيه التقصير، ويقصّر فيما العادة فيه التطويل.

أما إنكار زيد بن ثابت رضي الله عنه على مروان المداومة على قراءة المفصل في المغرب، فهو إنكار
للجريي على وتيرة واحدة.
فإن_قلت : فأين الدليل على أغلبية الإيجاز من فعل النبي ﷺ؟

قلت : حديث رافع بن خديج عند البخاري : كنا نصلي المغرب مع النبي ﷺ، فينصرف أحدنا
وإنه ليبصر مواقع نبله. لأن ". كان " تفيد الاستمرار، ولا يبصر أحدهم مواقع نبله بعد الخروج من الصلاة ؛
إلا لأن النبي ﷺ يقرأ. فيها بقصار المفصل.

أما الأدلة على تطويل النبي ﷺ في الظهر والصبح، فهي كثيرة :

-منها : حديث أبي برزة الأسلمي، وفيه : كان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان
يقرأ فيها بالستين إلى المائة. وقد مضى في الجزء الأول ص 123.
- ومنها : حديث أبي قتادة الذي قبل هذا، وفيه : وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح، ويقصّر
في الثانية.

-ومنها : حديث أبي سعيد عند مسلم الذيي ذكرته في شرح حديث أبي قتادة، ولفظه : لقد كانت
صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله ﷺ
قائم في الركعة الأولى مما يطولها.

وروى النسائي بسند رجاله كلهم موثوقون، عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال : كنا نصلي خلف.
النبي ﷺ الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة "لقمان" و"الذاريات" ‏ إلى غير ذلك.

أما التوسط في العصر :
فيدل له حديثا أبي سعيد عند مسلم أنهم حزروا قيام رسول الله ﷺ في الظهر قدر ثلاثين آية وفي
العصر قدر النصف من ذلك ، وفي حديثه الثاني أنهم حزروا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر
[ألم ، السجدة ] ، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك وفي الأوليين من العصر قدر قيامه في
الركعتين الأخريين من الظهر ،

وأما التوسط في العشاء :
فيدل له حديث جابر في قصة معاذ عند الشيخين حيث قال له النبي ﷺ. : " فلولا صليت بسبح اسم
ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى " وما ذكر هو الغالب .

وقد ورد عن النبي ﷺ ما يخالف ذلك . فقد روى النسائي بسند جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه
أن النبي ﷺ قرا في الصبح بالمعوذتين ، وروى النسائي أيضاً عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي ﷺ
قرأ في المغرب بالأعراف ، ورجاله رجال مسلم وأصله في البخاري ، وله شاهد من حديث عائشة عنده
– أي النسائي – إلا أن في سنده بقية بن الوليد مدلس ، وقد عنعن . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
07-04-2015, 12:00AM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -


[102] : عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ بعث رجلاً على سرية ، فكان يقرأ في صلاتهم
فيختم بقل هو الله أحد ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك " ،
فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن عز وجل ، فأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال رسول الله ﷺ :
" أخبروه أن الله تعالى يحبه ".


موضوع الحديث :


جواز تكرار سورة بعينها في جميع ركعات الصلاة .


المفردات :


المحبة : في اللغة الوداد وكل ما قيل في المحبة من تفسير فالمراد به محبة المخلوق للمخلوق أما محبة
الله للعبد فهي صفة من صفاته تحمل على ما تقضيه في اللغة من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تأويل
ولا تعطيل .

السرية : الفرقة القليلة تغزو ، سميت بذلك لأن غالب سيرهم يكون بالليل ، إما لأن ذلك أرفق بهم
أو بقصد التخفي لقلتهم ، أما في اصطلاح أهل المغازي والسير ، فهم يطلقون السرية والبعث على
ما لم يخرج فيها النبي ﷺ والغزوة على ما خرج فيها .


وقد يسمون السرية غزوة إذا كثر عدد جيشها وبعد وجههم كما قالوا غزوة مؤتة . والله أعلم .


المعنى الإجمالي :


المحبة دافع يتحكم بإرادة العبد فيضطرها إلى التوجه إلى جهة المحبوب فيحصل المحب على الراحة
بملابسة محبوبه ، والملابسة تحصل بذكر المحبوب والتحدث عن صفاته حتى قيل من أحب شيئاً
أكثر من ذكره ، لهذا تحكمت محبة هذا الصحابي لربه ولصفات ربه التي ملكت عليه قلبه ومشاعره
تحكمت في إرادته حتى جعلته لا يستطيع ترك قراءة سورة الإخلاص التي تشتمل على صفة الله
عز وجل حتى شكاه أصحابه إلى النبي ﷺ لجهلهم بما في قلبه ، ولكنهم ذهبوا شاكين متزمتين
وحاسدين ثم رجعوا حامدين ومُكبرين (أخبروه أن الله تعالى يحبه) .


فقه الحديث :


أولاً : فيه جواز القراءة في الركعة الواحدة بسورتين فأكثر وقد روى البخاري عن ابن مسعود
رضي الله عنه أنه قال : إني لأعرف القرائن ، أي السور التي كان رسول الله ﷺ يقرن بينها في
الركعة ثم عد سوراً ، وروى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قرأ في صلاة الليل
بسورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران .


ثانياً : فيه فضل سورة الإخلاص وأنها صفة الرحمن ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن كما صح عنه
ﷺ فيما رواه الشيخان وغيرهما ، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتاباً سماه " جواب أهل العلم
والإيمان أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن " .


ثالثاً : فيه أن محبة هذه السورة موجبة لمحبة الله لأنها صفة الله ، ومن أحب صفة الله أحبه الله .


رابعاً : قول ابن دقيق العيد يحتمل أن يريد بمحبته قراءة هذه السورة خطأ لأنه لو كانت محبة الله
للعبد هي قراءة هذه السورة لما كان لهذا الصحابي مزية ، بل يلزم من ذلك أن كل من قرأ هذه السورة
يحبه الله ولو كان منافقاً أو كافراً ، فإذا فسرت المحبة بأنها مجرد القراءة لزم منه ذلك .


وقولـه : ويحتمل أن يكون لما شهد به كلامه من محبته لذكر صفات الرب وصحة اعتقاده خطأ أيضاً ،
لأنه تفسير لمحبة الله عز وجل التي هي صفة من صفاته بخلقه سبحانه وتعالى محبة الذكر في قلب العبد ،
فهو تفسير لصفة الله تعالى بفعله في غيره ، والصفة معنى قائم بالذات وخلقه محبة الذكر في قلب العبد
أثر من آثار اسمه الخالق ، واسمه الرحمن وآثار الأسماء ظهور مقتضياتها في غير المسمى بها ، وهو
الله جل شأنه ، فالخلق أثر من آثار اسمه الخالق يطلق على المخلوق وعلى الخلق الذي هو فعل الاسم
المقدس في غيره ، وكذلك يقال في الصفة . فعلم من هذا بطلان ما فسر به ابن دقيق العيد – رحمه الله – .



والذي حمل الشيخ – رحمه الله – على هذه المجازفة هو الفرار من التجسيم لأن إثبات الصفة
يقتضي ذلك على حد زعمه .
والحق ما ذهب إليه السلف الصالح – رحمهم الله – وهو أن إثبات الصفة إثبات وجود لا إثبات كيفية .


قال الإمام مالك – رحمه الله :
" الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " .


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وأما ما سألت عنه من الصفات ، وما جاء منها
بالكتاب والسنة ، فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ، ونفي الكيفية ، والتشبيه عنها " ،
وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله ، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه ، والتكييف ،
وإنما القصد في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين ، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه.


والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله ،
فإذا كان معلوماً أن إثبات ذات الباري تعالى إنما هو إثبات وجود ، لا إثبات كيفية فكذلك إثبات صفاته
إنما هو إثبات وجود ، لا إثبات تحديد وتكييف . اهـ نقلاً من الحموية .


ولا نبطل بأكثر من هذا فلاستقصاء البحث في ذلك كتب تختص به وهي كتب العقائد ،


#وخلاصة القول أن المحبة صفة من صفات الله – عز وجل – ثابتة بالكتاب والسنة كقوله تعالى :
_ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا _ (الصف: من الآية4) ، وقال : _ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ _
(التوبة: من الآية108) ، وقال : _ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ _ (التوبة: من الآية4) . إلى غير ذلك ،


ويجب إثباتها ، واعتقاد معناها الذي تقتضيه على وجه الكمال الذي يليق بجلاله تعالى ، والله الموفق
والهادي إلى سبيل الرشاد .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
07-04-2015, 07:41PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -


[103] : عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : لمعاذ : " فلولا صليت بـ_ سبح اسم ربك
الأعلى _ ، _ والشمس وضحاها _ ، _ والليل إذا يغشى _ ، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو
الحاجة "_.


موضوع الحديث :

القراءة في الصلاة ومشروعية التخفيف فيها .


المفردات :

فلولا : بمعنى هلا ومعناها التحضيض .
الكبير : الطاعن في السن الذي استولى عليه الضعف لكبره .
الضعيف : يدخل فيه الضعيف خلقة ومن عرض له الضعف لمرض أو شبهه .
ذو الحاجة : صاحب الحاجة .

المعنى الإجمالي :

الشرع الإسلامي يتصف بالسماحة واليسر وعدم الشديد ، لأن التشديد والتعسير من مساوئهما التنفير ،
لذلك أمر النبي ﷺ من أم الناس أن يخفف مراعاة لحالة الضعفاء وذوي الحاجة ، فإذا صلى لنفسه
فليطول ما شاء .

فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث مشروعية التخفيف والتيسير في الصلاة لمن أم الناس .

ثانياً : يؤخذ منه أن قراءة هذه السور تخفيف .

ثالثاً : يؤخذ منه عناية الشرع بالضعفاء ومراعاة أحوالهم ، وقد قال النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص
حين قال : اجعلني إمام قومي ، قال له :" أنت إمامهم واقتد بأضعفهم " .

رابعاً : يؤخذ منه مشروعية التخفيف في صلاة العشاء ، لأنها هي السبب وقد تقدم تقريباً بحث القراءة
في الصلاة واختلاف مقاديرها ، وأن المقصود منه التوسعة .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
09-04-2015, 11:34PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -


باب ترك الجهر بـ [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ]


[104] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه ؛ أن النبي ﷺ وأبا بكر ، وعمر كانوا يستفتحون الصلاة
بالحمد لله رب العالمين ، وفي رواية : صليت مع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم.


ولمسلم : صليت خلف النبي ﷺ وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فكانوا يستفتحون بـ[ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ]، لا يذكرون [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ] في أول قراءة ولا في آخرها .

موضوع الحديث :

إسرار البسملة في الصلاة الجهرية .

المفردات :

يستفتحون : يدخلون أو يبدؤون الصلاة على حذف مضاف أي القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين ،
ويجوز في الحمد الرفع على الحكاية إذا كان المعنى أنه يبدأ بهذا اللفظ ، ويجوز فيه الجر إذا كان المعنى
يبدؤون بالفاتحة قبل السورة ، والحمد لله رب العالمين : اسم لها في أول قراءة هي الفاتحة ولا في آخرها
هي السورة .

المعنى الإجمالي :

يخبر أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يدخلون في قراءة الصلاة بالحمد لله
رب العالمين أي يبدؤون بهذا اللفظ دون ذكر البسملة ، أو دون إسماعها ، وعلى الوجه الثالث تحمل
الروايتان الأخيرتان .

فقه الحديث :

اعلم أن بحث الإسرار بالبسملة بحث كبير وهام ، ولذلك فقد أفرده جماعة من العلماء بالتأليف ،
كابن عبد البر ، والدارقطني، والمقدسي ، وغيرهم ، ومدار البحث في هذا الموضوع يرتكز على أمرين :


الأمر الأول : قرآنية البسملة .
الأمر الثاني : قراءتها في الصلاة ، وهل تسر أو تجهر ؟ .
فأما الأمر الأول : وهو قرآنية البسملة ، فقد اختلف العلماء فيه .
فذهب مالك في المشهور عنه
أنها ليست قرآناً إلا من سورة النمل ، ونقل هذا القول عن الأوزاعي ، وابن جرير الطبري ، وداود الظاهري وحكاه
الطحاوي. عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، وهو رواية عن أحمد ، وقول لبعض أصحابه ، واختاره ابن
قدامة في "المغني" ، وذهب أحمد إلى أنها آية من الفاتحة وليست قرآناً من باقي السور ، وهو قول إسحاق ،
وأبي عبيد ، وأهل الكوفة وأهل مكة وأهل العراق ، قال : وهو أيضاً رواية عن الشافعي ، وقال الشافعي هي
آية من كل سورة سوى براءة ، قال : وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء وطاووس
ومكحول قال : وحكاه ابن كثير عن أبي هريرة وعلي وسعيد بن جبير والزهري وهو رواية عن أحمد .
اهـ نقلاً من تعليقات أحمد شاكر على الترمذي .


وإذ قد سردنا مذاهب العلماء فسنستعرض الأدلة ونؤيد ما تؤيده فنقول وبالله التوفيق :


وقال الشافعي هي آية من كل سورة سوى براءة ، قال : وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن
الزبير وعطاء وطاووس ومكحول


روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : بينا رسول الله بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ، ثم
رفع رأسه فضحك . فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : " أنزلت عليّ آنفا سورة " فقرأ [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ] " الحديث ، وعزاه في المنتقى للنسائي وأحمد ، فهذا يدل على أن البسملة من السورة
حيث قال : أنزلت عليّ سورة ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم منها ، وهذا دليل واضح على قرآنيتها ، ويضاف
إلى ذلك إجماع الصحابة على كتابتها في أول كل سورة ماعدا براءة ، وزعم القرطبي أن ذلك لا يدل
على قرآنيتها فقال : فإن قيل إنها تثبت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله كما نقلت
في النمل وذلك متواتر عنهم .
قلنا : ما ذكرتموه صحيح ولكن لكونها قرآناً ولكونها فاصلة بين السور ... أو للتبرك (94/95) .

قلت : ما قرر القرطبي مردود ؛ لأن الأمة أجمعت على أنه لم يدخل المصحف شيء سوى القرآن ، حتى لقد استبعدوا
حين كتبوا المصاحف في عهد عثمان _ ما كتب على المصاحف من تفسير وإيضاح ، فلو كانت البسملة من
غير القرآن لاستبعدوها ، ومن هنا تبين ضعف ما ذهب إليه مالك ومن نحى منحاه من قولهم أن البسملة
غير قرآن إلا في سورة النمل فقط .


أما كونها من الفاتحة فقد دل عليه مارواه الدارقطني والبيهقي ، من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :
"إذا قرأتم _ الحمد لله _ فاقرأوا _ بسم الله الرحمن الرحيم _ فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني
_ وبسم الله الرحمن الرحيم _ إحدى آياتها " . ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم (742) وقال :
صحيح ، وأومأ أنه في الأحاديث الصحيحة (1183) .


وقال الحافظ في التلخيص : وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات وصححه غير واحد من الأئمة ورجح وقفه
على رفعه ، وأعله ابن القطان بتردد نوح فيه ، فإنه رفعه تارة ووقفه أخرى . قال : وأعله ابن الجوزي من
أجل عبد الحميد بن جعفر فإن فيه مقالاً ومتابعة نوح له مما يقويه . اهـ .


قلت : يظهر لي من إسناده أن نوح بن أبي بلال شيخه فيه وليس بمتابع ، وقد اقتنيت سنن الدارقطني بعد
فرأيت الحديث فيه (1/312) ونوح بن أبي بلال شيخ عبد الحميد بن جعفر فيه وفي آخره قال أبو بكر الحنفي
ثم لقيت نوحاً فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله ولم يرفعه وقال الحافظ ويؤيده
رواية الدارقطني من طريق أبي أويس عن العلائي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان إذا
قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم قال أبو هريرة هي الآية السابعة .


قلت : رواه الدارقطني عن منصور بن أبي مزاحم عن أبي أويس من طريقين الأول من طريق أبي طالب أحمد
بن نصر حدثنا أحمد بن محمد ابن منصور بن أبي مزاحم حدثنا جدي حدثنا أبو أويس والطريق الثاني حدثنا
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي حدثنا عثمان ابن خُرّزاذ حدثنا منصور بن مزاحم .


وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي في التلعيق المغني على الدارقطني (ص306) على الحديث :
أبو أويس وثقه جماعة وضعفه آخرون ، وممن ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم الرازي ،
وممن وثقه الدارقطني وأبو زرعة ، وقال ابن عدي : يكتب حديثه ، وروى له مسلم في صحيحه ومجرد
الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة إذا لم يسلم من كلام الناس
إلا من عصمه الله . قاله الزيلعي . اهـ .


وحديث أم سلمة أنه ﷺ : كان إذا قرأ القرآن بدأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فعدها آية ثم قرأ الحمد لله
رب العالمين فعدها ست آيات . أخرجه الشافعي من رواية البويطي أخبرني غير واحد عن حفص بن غياث
والطحاوي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق عمر بن حفص عن أبيه .الأحاد


وأما الأمر الثاني : وهو قراءة البسملة في الصلاة فقد اختلف العلماء فيه ، فذهب مالك في المشهور عنه إلى
عدم قراءتها في الصلاة أصلاً لا سراً ولا جهراً ، وذهب أحمد بن حنبل وأبو حنيفة إلى قراءتها سراً في
الجهرية والسرية ، وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود مع اختلاف عن بعضهم .


وذهب الشافعي إلى أنها تبع للسورة فيسر بها في السرية ويجهر بها في الجهرية وهو مروي عن أبي هريرة
وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي بن كعب بأسانيد صحيحة ، وقال به من التابعين مجاهد وسعيد بن جبير
ومعمر والزهري وسليمان التيمي ، حكى ذلك عنهم عبد الرزاق والشافعي .
استدل القائلون بالإسرار بحديث
أنس هذا وهو مروي في الصحاح والسنن والمسانيد بألفاظ مختلفة ، ذكر المصنف أصولها غير أن اللفظ
المتفق عليه منها " كانوا يستفتحون أو يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " .


ولهذا فقد ادعى جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر والخطيب أن ماعداه من الألفاظ مضطرب ، وأنها رويت
بالمعنى ، واستدلوا على ذلك بإعراض البخاري عنها وإلى ذلك أشار الحازمي في الناسخ والمنسوخ ، وقد تصدى
الحافظ بن حجر لهذه الدعوى فردها وأثبت صحة جميع ألفاظه بما ثبت له من الطرق والمتابعات في جميع أدوار
السند من بدايته إلى نهايته ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إلى فتح الباري (ج2) أبواب صفة الصلاة ،
باب : ما يقال بعد التكبير ، واستدلوا أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها الذي سبق معنا في أول هذا
الجزء بلفظ : "كان يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمن ".


وتأول الشافعي هذين الحديثين بأن المراد منها أنه كان يبدأ بالفاتحة قبل السورة وذلك لا ينفي قراءة البسملة
وهذا التأويل يتمشى في حديث عائشة وفي اللفظ المتفق عليه من حديث أنس ، أما سائر الألفاظ فلا يتمشى
فيها .


واستدلوا أيضاً بما رواه الخمسة إلا أبا داود عن ابن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سمعني أبي وأنا
أقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : أي بني محدث .. الحديث .‏
وقد ضُعف بسعد الجريري ، فإنه قد اختلط في آخر عمره ، ضعف أيضاً بجهالة ابن عبد الله بن مغفل ،
أما الإسرار فهو ثابت من حديث أنس بألفاظ لا تحتمل التأويل ، ولا يجوز أن ننتحل التأويلات المتعسفة
ولا أن نتمسك بأوهى الأسباب لتضعيف ما صح لا لشيء سوى أنه لم يوافق مذهب إمام معين ، فالله لم
يكلفنا باتباع فلان ولا علان وإنما كلفنا باتباع عبده ورسوله محمد صلى كما قال تعالى : [ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما _ (النساء:65) ،
ولسنا بمثابة سرد الأدلة على وجوب التسليم لأمره فذلك شيء لا يحتمل الشك ، ولكن العجيب أن
ترى باحثاً يتحامل على بعض النصوص فيردها لا لشيء سوى أنها لم توافق مذهب إمامه .


والذي ينبغي أن تعلمه أيها القارئ الكريم أن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت ، وأنه لا ينبغي الإنكار على
من فعل واحداً منها . قال الشوكاني في "نيل الأوطار" : وأكثر ما في المقام الاختلاف في مستحب ومسنون
وليس شيء من الجهر وتركه يقدح في الصلاة ببطلان ، بالإجماع ، فلا يهولنك تعظيم جماعة من
العلماء لهذه المسألة والخلاف فيها . اهـ .‏


ولعلك تلاحظ أني قد تعجلت بإثبات أحاديث الجهر قبل سبرها وتطلب مني ذلك فأقول : وردت في الجهر
أحاديث كثيرة غير أن الكثير منها لم يسلم من الطعن وسأذكر منها ما بلغ درجة الصحة أو قاربها .


وأولها ما رواه النسائي بسنده عن نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ... الحديث وفي آخره يقول : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ.


ورواه ابن خزيمة (1/251) في باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والمخافتة جميعاً
مباح ليس واحد منها محظور ، وهذا من اختلاف المباح .


وقد ادعى بعضهم عدم صراحته ويبعد جداً أن يقسم صحابي أنه أشبههم صلاة برسول الله ﷺ ،
وفي صلاته شيء يخالف صلاة رسول الله ﷺ، وإذا ضم إلى ذلك أن صحبته لرسول الله ﷺ
كانت متأخرة وأنه كان أحفظ القوم للسنن كان أبين في الدلالة .


وقد ضعف الشيخ الألباني – رحمه الله – الحديث بسعيد بن أبي هلال لأنه اختلط تبعاً لابن حزم .
قلت : قال الحافظ : لم أر لابن حزم سلفاً في تضعيفه إلا أن الساجي حكى عن أنه اختلط. وروى البخاري
في صحيحه من طريق قتادة قال : سالت أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله _ ؟ قال : كانت مداً ثم
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم ، وهو أعم من كونه خارج الصلاة .
ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم ، وهو أعم من كونه خارج الصلاة .


ثالثاً : ما رواه الشافعي في "الأم" فقال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : حدثني عبد الله بن عثمان بن خيثم
عن إسماعيل بن عبيد أو ابن عبيد الله بن رفاعة عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم فلم يقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم ، ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع ، فناداه المهاجرون حين سلم الأنصار : أن يا معاوية سرقت صلاتك ،
أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير ؟ . ورجال إسناده كلهم ثقات . ورواه الشافعي أيضاً من طريق
يحيى بن سليم وقال أحسبه أحفظ .


ورواه أيضاً من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ،
عن أبي بكر بن حفص بن عمر عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو شاهد لحديث عبيد الله بن رفاعة ،
ورواه الحاكم من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن الربيع بن سليمان عن الشافعي بالسند
المذكور وقال : صحيح على شرط مسلم ، فقد احتج بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم .
ووافقه على ذلك الذهبي .


رابعاً : ما رواه الحاكم قال : ومنها ما حدثناه أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمذان قال :
حدثنا عثمان بن خرزاذ الأنطاكي ، قال : حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني قال : صليت خلف
المعتمر بن سليمان مالا أحصي صلاة الصبح والمغرب ، فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة
الكتاب وبعدها ، وسمعت المعتمر يقول : ما آلو أن اقتدي بصلاة أبي وقال أبي : ما آلو أن اقتدي بصلاة
أنس ، وقال أنس : ما آلو أن اقتدي بصلاة الرسول ﷺ . وقال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم
ثقات . ووافقه الذهبي وأشار ابن دقيق العيد في شرح العمدة إلى تصحيحه ، وهو كما قالوا .


خامساً : ما رواه الحاكم أيضاً قال ومنها ما حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال : حدثنا علي بن
أحمد بن سليمان حدثنا سليمان بن داود المهري قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل
عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله ﷺ يجهر ببسم الله
الرحمن الرحيم .

قال الحاكم رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ووافقه الذهبي .


سادساً : ما رواه الدارقطني من طريق العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ :
" أنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم اله الرحمن الرحيم " رواه الدارقطني (1/306) من طريق أبي
أويس ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة وأبو أويس قال عنه في التقريب : قريب مالك وصهره ، صدوق يهم .
وقال في التعليق المغني على الدارقطني على الحديث : أبو أويس وثقه جماعة وضعفه آخرون .
وممن ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم ، وممن وثقه الدارقطني وأبو زرعة وقال ابن عدي :
يُكتب حديثه .
وروى له مسلم في صحيحه ، ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم
السنة ، إذ لم يسلم من كلام الناس إلا من عصمه الله قاله الزيلعي .


قلت : ترجم له في التهذيب (5/477) (ص280و81 و82) ترجمة مطولة ورأيت كلام الأئمة
حوله يدور حول عبارات صالح مقارب ، ليس بالقوي ، يحتمل حديثه ، يكتب حديثه ، وقليل من صرح بتضعيفه ،
وهذا يدل على أن ضعفه من قبل حفظه فقط ، ومثل هذا يرتفع بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره .


سابعاً : ما رواه الدارقطني والبيهقي من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله ﷺ : إذا قرأتم _ الحمد لله _ فاقرأوا : _ بسم الله الرحمن الرحيم _ إنها أم القرآن
وأم الكتاب والسبع المثاني ، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ". وقد تقدم الكلام عليه ، وأن الألباني
– رحمه الله- صححه ، وحكى الحافظ تصحيحه موقوفاً عن جماعة من أهل العلم بالحديث وائمة
هذا الشأن فارجع إليه (1/233) .


ثامناً : حديث أم سلمة عند الحاكم أنها قالت :كان رسول الله ﷺ يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
يقطعها حرفاً حرفا ، قال الحاكم : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ،
وقد تقدم .


تاسعاً : حديث ابن عباس عند الترمذي قال : كان النبي ﷺ يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم .
قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك ، وأبو خالد هو الوالبي . اهـ.
قلت : قال الحافظ : اسمه هرمز ويقال هَرِم ، مقبول من الثانية وفد على عمر اهـ.


وذكر الزيلعي في "نصب الراية" أن العقيلي وابن عدي ضّعفا هذا الحديث بجهالة أبي خالد ، إذ زعم
بعضهم أنه مجهول .


قلت : هذا زعم لا يثبت عن البحث العلمي ، فهاهو الترمذي قد عرفه ، وقال الحافظ في التهذيب :
وعنه الأعمش ومنصور وفطر بن خليفة وإسماعيل بن حماد ابن أبي سليمان وزائدة بن نشيط ، وقال ابن أبي
حاتم : صالح الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات ، فتبين بهذا أنه غير مجهول ؛ لأن الجهالة تنتفي
عن الشخص إذا روى عنه اثنان فأكثر كما تقرر في علم المصطلح ، وهذا قد روى عنه خمسة وزيادة يقال
أن قول الترمذي هو الوالبي يغلب على ظني أنها مقحمة .


وخلاصة القول أن هذا الحديث مما يحتج به في المتابعات وسنده مقارب وقد احتج أهل العلم بمثله
في المتابعات .
أما هنا فالأحاديث عشرة ، منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما هو مقارب يرتفع
بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره ، وهي بمجموعها تكون حجة قوية لا يجوز إطراحها بل يجب الأخذ بها ،
ومن أجل ذلك أقول : أن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت ، ولا يلام من أخذ بواحد منهما ، فمن جهر
فبسنة أخذ ، ومن أسر فبسنة أخذ ، وإلى ذلك ذهب بعض المحققين من العلماء كابن القيم – رحمه الله –
وبه أخذ شيخنا عبد الله بن محمد القرعاوي ، وتلميذه حافظ بن
أحمد الحكمي رحمهما الله
تعالى وعليه مشى حافظ في نظم " السبل السوية " حيث قال :

وجاء في البسملة الإسرار *كذاك في الجهر أتت أخبار
وقد أسرها النبي وقد جهر *بها وكل قد روى لما حضر
وأنس قد شاهد الحالين. * ثم رواهما مفصلين


وإليه مال الشيخ عبد العزيز بن بازفي تعليقة على الفتح مع ترجيح الإسرار على الجهر كما سيأتي .
فإن قيل أحاديث الإسرار رواها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم فلذلك تكون ارجح
لشهرتها وصحتها .


فالجواب عنه من وجوه :

الوجه الأول : أن حديث الإسرار عن أنس وحده وقد عارضه روايته هو ورواية غيره كما مضى .


الوجه الثاني : أن الرواية عن أنس مختلفة فتارة يروي الإسرار وتارة أخرى يروي الجهر وتارة يخبر بأنه قد
نسي الجميع .
والجمع حاصل بين هذه الروايات وذلك أن أنساً طال عمره حتى نيف على المائة ، ومن طال عمره هذا
الطول فإنه لابد أن ينسى كثيراً .


وسليمان بن طرخان التيمي والد المعتمر توفي في 143 بعد أن عاش سبعاً وتسعين سنة فيكون قد
عاش في القرن الأول أربعاً وخمسين سنة منها سبع وأربعون في حياة أنس ، وعلى هذا فإنه قد أخذ عنه
الجهر قبل أن يطرقه الكبر وحين كان يؤم الناس ثم نسي فسأله أبو مسلمة سعيد بن يزيد فأجابه بأنه
قد نسي ثم تذكر الإسرار فأجاب به قتادة بحضرة جماعة من أقرانه الذين تتلمذوا على أنس بن مالك
ثم تذكر الجهر أيضاً فأجاب به قتادة أيضاً .


وبقريب من هذا الجمع جمع الحافظ في الفتح ج2ص228 حيث قال وغايته أن أنساً أجاب قتادة
بالحكم دون أبي مسلمة فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قولـه في رواية أبي مسلمة ما سألني عنه أحد
قبلك أو قاله لهما فحفظه قتادة دون أبي مسلمة فإن قتادة أحفظ من أبي مسلمة بلا نزاع اهـ.


قلت : أما سليمان التيمي فقد أخذ الجهر من فعل أنس لا من قوله .
ثم قال الحافظ : وإذا انتهى
البحث إلى أن محصل حديث أنس نفي الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين الروايات ،
فمتى وجدت رواية فيها إثبات قدمت على نفيه لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافي ، بل لأن أنساً يبعد
أن يصحب النبي ﷺ عشر سنين ثم أبا بكر وعمر وعثمان خمساً وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر
بها في صلاة واحدة ، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا كأنه لبعد عهده به ثم تذكر منه الافتتاح
بها سراً ولم يستحضر الجهر بالبسملة فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر اهـ.


وتعقبه الشيخ عبد العزيز بن باز فقال : هذا فيه نظر ، والصواب تقديم ما دل عليه حديث أنس من شرعية
الإسرار بالبسملة لصحته وصراحته في هذه المسألة وكونه نسي ذلك ثم ذكره لا يقدح في روايته كما علم
ذلك في الأصول والمصطلح وتحمل رواية من روى الجهر بالبسملة على أن النبي _ كان يجهر في بعض
الأحيان ليعلم من وراءه أنه يقرأها وبهذا تجتمع الأدلة . اهـ.


الوجه الثالث : أن الجهر قد ثبت من رواية غيره ولم يختلف عنهم فثبت من رواية أبي هريرة مرفوعاً كما
تقدم ، وعنه موقوفاً وهو أحفظ القوم وصحبته للنبي ﷺ متأخرة .
وثبت عن ابن عمر من فعله وهو معروف بحرصه الشديد على متابعة السنن .
وثبت عن ابن عباس من
فعله ومرفوعاً يحتمل الصحة ورواه عبد الرازق عن أبي ابن كعب أيضاً ، وليست رواية أنس وحده بأولى
بالاتباع من روايته مع غيره .


الوجه الرابع : أن البسملة آية من الفاتحة ، وكونها من الفاتحة يلزم منه أن تكون تبعاً لها في الإسرار والجهر ،
فتُسر فيما تُسر فيه الفاتحة والسورة ، وتجهر فيما نُجهر فيه الفاتحة والسورة ، ولولا أن الإسرار ثابت لاتجه عدم
جواز إسرارها فيما تجهر فيه الفاتحة والسورة . والله أعلم .


الوجه الخامس : أن الإسرار دائماً يؤدي إلى ترك البسملة عند كثير من الناس ، ومن وترك البسملة ترك
آية من الفاتحة ، ومن ترك آية من الفاتحة فصلاته باطلة لقول النبي ﷺ : { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } .
وقد صح أن البسملة آية من الفاتحة كما تقدم ويلزم من ذلك بطلان صلاة من لم يقرأها مع الفاتحة
وهذا أمر يجب التنبه له والتنبيه عليه . والله أعلم ، ومعذرة عن الإطالة ، فالمقام مقام بيان ، والحاجة داعية .
والله المستعان .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
11-04-2015, 03:15PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[باب سجود السهو]


[104] : عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي – قال ابن سيرين : سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا – قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبّك بين أصابعه ، وخرجت السَّرعان من أبواب المسجد فقالوا : قصرت الصلاة ، وفي القوم أبو بكر وعمر ، فهابا أن يكلماه ، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله ! أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ . قال : لم أنس ولم تُقصر فقال : بل نسيت ، فقال : أكما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا : نعم . فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر ن ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، فربما سألوه ثم سلم ، قال : نبئت أن عمران بن الحصين ، قال : ثم سلم .


موضوع الحديث :

سجود السهو إذا سلم على نقص .


المفردات :

إحدى صلاتي العشي : العشي هو ما بعد الزوال ، وقد وردت الروايات في تعيينها مختلفة فتارة بالشك ، وتارة بالجزم بالظهر ، وتارة بالجزم بالعصر ، والجمع بين هذه الروايات حاصل بأن الراوي تردد مرة فروى بالشك ، وجزم بالظهر مرة ، وبالعصر مرة .


اتكأ : استند عليها .
كأنه غضبان : فعلان من الغضب .
شبك بين أصابعه : أدخل بعضها بين بعض .
وخرجت السَّرعان : بفتح السين المشددة وفتح الراء المهملة ويجوز إسكانها ، أي المسارعون للخروج والمتعجلون فيه .
قُصرت : بضم القاف وكسر الصاد مبني للمجهول وبفتحها وضم الصاد مبني للمعلوم والصلاة على الوجه الأول نائب فاعل ، وعلى الوجه الثاني فاعل .
هابا : من الهيبة وهي الخشية ، أي خوف يصحبه تعظيم .
ذو اليدين : صاحب اليدين .
لم أنسَ ولم تقصر : أي حسب علمي .
نبئت : أخبرت .


المعنى الإجمالي :

الرسل أكمل الناس عقولاً ، وأثبتهم قلوباً ، وأحسنهم تحملاً ، وأقومهم بحق الله تعالى ومع هذا فإنهم لم يخرجوا عند حدود البشرية ، ورسول الله _ أكمل الرسل في هذه الصفات ، ومع ذلك فقد طرأ عليه النسيان بحكم بشريته ليشرع الله لعباده أحكام السهو ، فقد صلى بهم إحدى صلاتي العشي التي هي الظهر أو العصر فسلم على ركعتين ، وسكت الصحابة ظناً منهم أن الصلاة قصرت واستبعاداً للنسيان منه _ ، فقام ذو اليدين وسأله : أقصرت الصلاة أن نسيت يا رسول الله ؟! فأجاب بنفي الجميع حسب علمه ، وبعد ذلك استثبت من الصحابة ، فأخبروه أنه قد نسي ، فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم سجد للسهو سجدتين يكبر في كل انتقال ، ولم يحفظ ابن سيرين السلام من حديث أبي هريرة ، وحفظه عن عمران بن حصين بواسطة .


فقه الحديث :

أولاً : اختلفت الرواية في الشك ، هل هو من أبي هريرة أو من ابن سيرين ؟ وهل هي الظهر أو العصر ؟.
والحقيقة أن مثل هذا الشك لا يضر لا سيما ومحل الحكم محفوظ .


ثانياً : اختلف العلماء في جواز النسيان عليه النبي _ ، فقيل لا يجوز النسيان عليه مطلقاً وإنما يتعمد صورة النسيان ليسنّ . قال ابن دقيق العيد : وهذا باطلٌ قطعاً ؛ لإخباره ﷺ أنه نسى .
قلت : ليت قائل هذا القول استحيا من الله ! إذ يكذب رسوله ﷺ من حيث يزعم أنه ينـزهه ، وينتقصه من حيث يزعم أنه يغالي فيه ويرفع من قدره ، وقد فرق جماعة من العلماء بين الأقوال التبليغية ، والأفعال ، وأجازوا النسيان في الثاني دون الأول .


قال ابن دقيق العيد : وهو مذهب عامة العلماء والنظار . وهذا الحديث مما يدل عليه ، وأهل هذا القول قالوا إنه لا يقر على النسيان في الأفعال التبليغية احترازاً عما فعله بحكم الجبلة .
وأجاز آخرون النسيان في الجميع – أي الأقوال والأفعال – أما القاضي عياض فقد نقل الإجماع على عدم جوازه في الأقوال التبلغية ، وتعقبه الحافظ في الفتح .


قلت : الذي دلت عليه الآيات القرآنية جوازه في الأقوال التبليغية مقيداً بالمشيئة الشرعية كما في قوله تعالى : _ سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ _ (الأعلى:6،7) . وقوله تعالى : _ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا _ (البقرة: من الآية106) . من النسيان في _ نُنْسِهَا _ لا من النسأ وهو التأخير .


والذي يجب أن يتفطن له المسلم أن الرسل بشر ، ولكن الله منحهم أعلى درجات الكمال البشري ، بل وزيادة على ذلك أن الله حرسهم من الغفلة حتى في النوم ، وهذا شيء يختصون به دون غيرهم .
وفي الحديث : أن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، وهذا يطّرد فيما إذا لم تكن مصلحة التشريع في النسيان ، فإذا كانت مصلحة التشريع في النسيان ردّهم الله إلى الطبع البشري لكي يحقق بذلك حكماً لولا النسيان لم يتحقق على الوجه المطلوب ؛ لأنه لو قال لهم : إذا نسيتم كذا فافعلوا كذا ما كان لـه الأثر الكامل الذي يحصل بالصورة الفعلية ، وذلك لا يكون إلا بنسيانه _ ، والله سبحانه أعلم بالصواب .


ولهذا قال في حديث ابن مسعود _ : "إني بشر أنسى كما تنسون" وأقرّ ذا اليدين حين قال له : "بلى قد نسيت" ، أما حديث : "لا أنسى بل أُنسي" فهو لم يثبت ؛ لأنه من بلاغات مالك ، ولم يوجد ذلك مسنداً كما نص على ذلك أصحاب الحديث . والله أعلم .


ثالثاً : يؤخذ من قوله : "وصلى ما ترك" جواز البناء على ما تقدم بعد السلام والكلام ، وإليه ذهب الجمهور ، ونقل عن سحنون أنه لا يجيز البناء إلا إذا سلم على اثنتين ، ونقل الشوكاني عن الهادوية أنهم لا يجيزون البناء فيما خرج منه المصلي بسلامين ، والحديث دليل عليهم إلا أنهم قد ادعوا نسخ ذلك ، ورد أنه قد روى البناء عمران بن حصين وإسلامه كان متأخراً .


رابعاً : اختلف القائلون بالبناء في جوازه هل يتحدد بوقت أم لا ؟ .
فقال الجمهور ما لم يطل الفصل ، والأوْلَى أن يرجع في ذلك إلا العرف فيما زاد على الوارد في هذا الحديث فإن فيه السَّرعان خرجوا من باب المسجد وأن النبي ﷺ قام إلى خشبة في المسجد فاتكأ عليها ، وفي رواية : قد دخل بيته ، ومع هذا فقد بنى على الركعتين الأوليين وأتم الباقي ، فإذا زاد على ذلك وفحش الفصل أو تلبس بعبادة أخرى أعاد الصلاة من جديد ، والله أعلم .


خامساً : يؤخذ من الحديث أن السجود لا يتعدد بتعدد السهو ، فقد سلم النبي _ وقام ومشى واتكأ على الخشبة وراجع ذا اليدين واستثبت من الباقين ، ولم يسجد إلا سجدتين ، وهذا هو مذهب الجمهور وهو أن سجود السهو يتداخل ، وحكى عن الأوزاعي وابن أبي ليلى أن السجود يتعدد بتعدد السهو ، وقيل : إن كان السهوان من جنس واحد سجد لهما سجدتين ، وإن كان كل واحد من جنس كأن يكون أحدهما زيادة والآخر نقصاً ، سجد لكل واحد سجدتين ، وهو رواية عن أحمد واستدلوا بحديث : " لكل سهو سجدتان " رواه أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش ، وفيه كلام إذا روى عن غير الشاميين ، وهذا الحديث رواه عن عبيد الله بن عبيد أبو وهب الكلاعي الدمشقي أحد الشاميين ، وثّقه عثمان الدارمي ودحيم ، وقال ابن معين : لا بأس به ، وتابعهم الهيثم بن حميد الغساني عند ابن أبي شيبة في المصنف ، والمهم أن الحديث بسنده هذا ليس مما يطرح ، ولا سيما وله شواهد ، وتأويل الحديث أولى من اطراحه ، وقد تأوله بعضهم أن المعنى : لكل ساهٍ سجدتان ، جمعاً بينه وبين سائر الأحاديث . والله أعلم .


سادساً : يؤخذ منه أن تعدد الأفعال المنافية للصلاة سهواً أو بظن التمام لا تبطل الصلاة ، وفرق في هذا مذهب الشافعي بين الأفعال الكثيرة والقليلة ، فأبطلوا بالكثيرة دون القليلة ، واستدل لعدم البطلان بما ذكر في الحديث ، أفاده ابن دقيق العيد – رحمه الله - .


سابعاً : يؤخذ منه دليل على مشروعية سجود السهو .
ثامناً : يؤخذ منه دليل على أنه سجدتان .


تاسعاًَ : يؤخذ منه دليل على أنه في آخر الصلاة ؛ لأن النبي ﷺ لم يفعله إلا في آخرها ، والحكمة في ذلك احتمال وجود سهو آخر فيكون جابراً للكل ، وفرع الفقهاء على ذلك أنه لو سجد ثم تبين له أنه لم يكن في آخرها لزمه إعادته في آخر الصلاة . ذكر ذلك ابن دقيق العيد .
قلت : وعلى هذا فإنه يلزم المسبوق إذا سجد مع إمامه في أثناء صلاته أن يعيده في آخرها إذا انفرد . والله أعلم .


عاشراً : يؤخذ منه أن السجود في مثل هذه الصورة محله بعد السلام ، وقد اختلف العلماء في ذلك .
فذهب الشافعي إلى أن سجود السهو كله قبل السلام . وذهب أبو حنيفة إلى أنه كله بعد السلام ، وذهب مالك إلى أنه إذا كان لنقص فهو قبل السلام ، وإن كان لزيادة فهو بعد السلام ، ذهب أحمد إلى أنه يسجد في المواضع التي سجد فيها الرسول _ كما سجد ، فما سجد فيه قبل السلام نسجد فيه قبل السلام ، وما سجد فيه بعد السلام نسجد فيه بعد السلام .


هذا ما نقله أهل الحديث عن مذهب الإمام أحمد ، والمشهور في المذهب التخيير .
قال في المحرر : ويجوز السجود للسهو قبل السلام وبعده ، وقبله أفضل ، وقد أوصل الشوكاني الأقوال في موضع سجود السهو إلى ثمانية ، ولعل الراجح منها أن يسجد العارف بمواضع سجود النبي _ كما سجدها ، ويخير من لا علم عنده بين السجود قبل السلام وبعده ، وإلى التخيير ذهب جماعة من المحققين ، وهو الذي رجحه البيهقي – رحمه الله - .


الحادي عشر : يؤخذ منه وجوب سجود السهو على المأمومين مع إمامهم وإن لم يحصل منهم سهو لأن جميع المأمومين سجدوا مع النبي _ ولم يحصل منهم سهو واستدل لذلك بما رواه الدارقطني بلفظ : " ليس على من خلف الإمام سهو فإن سهى الإمام فعليه ، وعلى من خلفه " وفي سنده خارجة بن مصعب وهو ضعيف ، وفي الباب عن ابن عباس رواه أبو أحمد بن عدي في ترجمة عمر بن أبي عمر العسقلاني وهو متروك . اهـ فتح .


قلت : الحديث الأول له مفهومان :
المفهوم الأول : أنه ليس على من خلف الإمام سهو ، ومقتضاه أن سهو المأموم لا يوجب سجوداً لا عليه ولا على إمامه .
المفهوم الثاني : إيجاب السجود على المأموم مع إمامه وإن لم يسه ، وهذا تؤخذ دلالته من حديث الباب لا من هذا الحديث الضعيف .


الثاني عشر : يؤخذ منه مشروعية التشهد لسجود السهو إذا كان بعد السلام ، وبه قال أحمد وإسحاق وبعض الشافعية وبعض المالكية ، أما إذا كان السجود قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد بعده ، وحكي عن الليث إعادته وهو رأي شاذ ، والقول في مشروعيته في السجود الذي بعد السلام هو الأرجح ؛ لما روى الترمذي من طريق محمد بن يحيى النيسابوري ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أشعث بن عبد الملك ، عن ابن سيرين ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين _ ، أن النبي _ صلى بهم فسهى ، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب ، وفي بعض النسخ الاقتصار على التحسين فقط .


قال أحمد شاكر – رحمه الله - : والذي نقله العلماء عن الترمذي التحسين فقط . ورواه أبو داود وسكت عليه ولا يسكت إلا على ما هو صحيح أو مقارب ، ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ في الفتح : ضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين ، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد ، قال : وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة قلت لابن سيرين : التشهد ، قال : لم أسمع شيئاً في التشهد ... إلى أن قال : وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد من حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد ، كما أخرجه مسلم فصارت زسادة أشعث شاذة ، ولهذا قال ابن المنذر : لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت ، لكن ورد التشهد عن ابن مسعود عند أبي داود ، والنسائي ، وعن المغيرة بن شعبة عند البيهقي ، وفي إسنادهما ضعف .


فقد يقال أن الأحاديث الثلاثة ترتفع إلى درجة الحسن ، قال العلائي : وليس ذلك ببعيد ، وقد صح عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة اهـ. فتح .
قلت : والقول بتحسينه هو الأولى ؛ بل هو أقل ما يقال فيه لما يأتي :

أولاً : أن زيادة الثقة مقبولة كما تقرر في علم المصطلح ، وأشعث بن عبد الملك الحمراني قال فيه الحافظ : ثقة ثبت ، ورمز له "خ" أي : روى له البخاري ، وتوهيم الثقة خلاف الأصل .

ثانياً : أن هذه الزيادة لا تعارض رواية الجماعة حتى يحكم بشذوذها ؛ لأن رواية الجماعة لم تتعرض للتشهد بنفي ولا إثبات ، وإذا كان كذلك فإن هذه الزيادة تعد بمثابة حديث مستقبل .

ثالثاً : أن نفي محمد بن سيرين يحمل على حديث أبي هريرة _ أي أنه لم يسمع في التشهد شيئاً من حديث أبي هريرة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ، حيث قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد ، عن سلمة بن علقمة ، قال : لمحمد : في سجدتي السهو تشهد ؟ قال : ليس في حديث أبي هريرة .
قلت : بل إن هذا النفي يشعرك أن هناك رواية عن غيره ، والله أعلم .


الرابع عشر : يؤخذ من قول محمد بن سيرين : فنبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم مشروعية السلام من سجود السهو إذا كان بعد السلام ، وهو ثابت من حديث عمران _ عند مسلم – رحمه الله – فيجب المصير إليه لثبوته ، والله أعلم .


تنبيه :

ورد في هذا الحديث أن الصحابة – رضوان الله عليهم – تابعوا النبي _ في تسليمه على نقص لاحتمال النسخ في حياة النبي _ ، ولذلك قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت ؟ . فأجاب بقوله :" لم أنس ، ولم تقصر الصلاة " ، أي حسب علمي ، فقال ذو اليدين : بل نسيت ، ومن هنا ينبغي التنبيه على أنه لا يجوز للمأمومين أن يسحبوا ، فإن تنبه وإلا فارقوه ، ولا يجوز لهم أن يسلموا معه على نقص مع علمهم بالسهو ، ومن سلم معه وهو يعلم بطلت صلاته ، وعليه أن يعيد من جديد ، وإن قام الإمام لخامسة وجب عليهم أن يسبحوا له ولا يجوز لهم أن يتابعوه على القيام ، فمن تابعه على القيام وهو يعلم بطلت صلاته ، وإن سبحوا له ولم يرجع وجب عليهم أحد أمرين : إما مفارقته ، وإما انتظاره حتى يكمل ، فيسلم ويسلمون معه . والله أعلم وبالله التوفيق .


ملحق : وفي الحديث من المسائل غير ما يتعلق بالسهو ما يأتي :
أولاً : فيه جواز التشبيك بين الأصابع بعد تمام الصلاة لقوله : وشبك بين أصابعه ، فيخصص النهي الوارد في ذلك بما قبل الصلاة جمعاً بين الحديثين ، والله أعلم .
ثانياً : فيه فضيلة أبي بكر وعمر في الصحابة ، وأنهما أفضل الصحابة ؛ بل أفضل الأمة على الإطلاق ، ويرد فيه على الشيعة في تقديمهم لعلي بن أبي طالب عليهما ، رضوان الله عليهم أجمعين .
ثالثاً : فيه ما كان عليه الصحابة من إجلال لرسول الله _ .
رابعاً : يؤخذ منه أن من أنكر شيئاً بناء على ما في ظنه لا يعد كاذباً ولا آثماً وإن تبين خلاف ذلك ، ويفرع عليه أن من حلف على شيء بحسب علمه ثم تبين خلاف ذلك ، فإنه لا يعد آثماً ، ولا تكون يمينه فاجرة ، ولا يلزمه حنث . والله أعلم .





تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
11-04-2015, 06:25PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[105] : وعن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه ، وكان من أصحاب النبي ﷺ ، أن النبي ﷺ صلى
بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس ، فقام الناس معه ، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه
كبّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلّم .

موضوع الحديث :

مشروعية سجود السهو لمن ترك التشهد الأول سهواً .

المفردات :

فقام من الركعتين الأوليين : أي بعد تمام الركعتين .
ولم يجلس : أي لم يجلس للتشهد الأول ، وجملة لم يجلس تأكيد للفعل قام .
قضي الصلاة : أي أكملها .
وانتظر الناس تسليمه : أي توقعوا أن يسلم .

المعنى الإجمالي :

سهى النبي الكريم ﷺ عن التشهد الأول فقام وتركه وتابعه الناس في القيام حتى إذا أكمل الصلاة ولم يبق
سوى السلام كبر وهو جالس ، وسجد سجدتين قبل السلام ، ثم سلم ، وكان ذلك السجود جبراً للتشهد المتروك .

فقه الحديث :

يؤخذ من الحديث دليل لمن قال أن السجود إذا كان من نقص فهو قبل السلام ، وهو قول مالك – رحمه الله –
وليس فيه دليل على مطلق السجود عن النقص أنه قبل السلام ، فقد ثبت من حديث أبي هريرة الماضي وعمران
بن حصين أن النبي ﷺ سجد بعد السلام ، وكان سهوه عن نقص ، اللهم إلا أن يقال بالفرق بين نقص ينجبر
بالسجود ، ونقص لا ينجبر إلا بالإتيان به .
نعم فيه دليل على من قال إن سجود السهو كله بعد السلام ، وهم الحنفية والله أعلم .


ثانياً : يؤخذ منه أن التشهد الأول والجلوس له غير واجبين ، قال ابن دقيق العيد من حيث أنه جبر بالسجود ،
ولا يجبر الواجب إلا بتداركه وفعله .
قلت : هذا يتمشى على مذهب من يرى أن الواجب نظير الفرض كالشافعية ، أما على مذهب من يفرق
بينهما كالحنابلة والحنفية فإن الواجب عندهم يجبر بسجود السهو والركن لا يجبر إلا بالإتيان به . والله أعلم .

ثالثاً : يؤخذ منه أن سجود السهو لا يتعدد بتعدد السهو ، فإنه هنا ترك التشهد الأول والجلوس له وسجد لهما
سجدتين ، وقد تقدم فيه بحث في الحديث السابق .

رابعاً : يؤخذ منه وجوب متابعة المأمومين للإمام على القيام عن هذا الجلوس إذا استمر .

خامساً : إذا تذكر الإمام قبل أن يستتم قائماً ، فعليه أن يعود ، وهل عليه سجود سهو أم لا ؟ في ذلك خلاف :
ذهب النخعي ، وعلقمة ، والأسود ، والشافعي إلى أنه لا سهو عليه ، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود ،
وابن ماجة ، وأحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. قال : قال رسول الله ﷺ : " إذا قام أحدكم من الركعتين
فلم يستتم قائماً فليجلس " ، وفي رواية : " ولا سهو عليه ، وإن استتم قائماً فلا يجلس وسجد سجدتي السهو " ،
ومداره على جابر الجعفي وهو متروك ، قال أبو داود بعد إخراج هذا الحديث من طريقه : لم أخرج في كتابي عن
جابر الجعفي غير هذا الحديث .


وذهب الإمام أحمد والعترة إلى أنه يجب السجود وإن لم يستتم لفعل القيام ، لما رواه البيهقي والدارقطني عن
أنس موقوفاً عليه : أنه تحرك للقيام في الركعتين الأخيرتين من العصر على جهة السهو فسبحوا له فقعد ،
ثم سجد للسهو . وفي بعض طرقه قال : هذه السنة ، قال الحافظ في التلخيص : تفرد به سليمان بن بلال
عن يحيى بن سعيد عن أنس ، ورجاله ثقات .


قلت : وبهذا يظهر رجحان مذهب الإمام أحمد ومن معه ، لأمور ثلاثة :
أولها : أن أنساً قال في بعض
طرق الحديث : وهذه السنة ، وما كان كذلك فهو في حكم الرفع كما تقرر من علم المصطلح .
ثانيها : أن النبي ﷺ سجد في حديث الباب ولم يفصل .
ثالثها : أن التحرك للقيام على سبيل النسيان والوهم سهو ، وكل سهو يجب أن يجبر بالسجود كما
أفاده حديث : "لكل سهو سجدتان" وغيره .


أما حديث جابر الجعفي فهو مع ضعفه مخالف للنصوص الصحيحة ، وكذلك حديث ابن عمر عند الحاكم
والبيهقي والدارقطني : " لا سهو إلا من قيام عن جلوس ، أو جلوس عن قيام " . فهو ضعيف أيضاً ، في سنده
أبو بكر العنسي ، مجهول ، وإن كان ابن أبي مريم فهو ضعيف ، رغم أن الذهبي قد وافق الحاكم على
تصحيحه ، وجلَّ من لا يغفل . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
12-04-2015, 05:00PM
بسم الله الرحمن الرحيم






تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -


[باب المرور بين يدي المصلي]

[106] : عن أبي جهيم الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لو يعلم
المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم ، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ".
قال أبو النضر : لا أدري أربعين يوماً ، أو شهر ، أو سنة .


ترجمة الصحابي أبو جهميم :
قال ابن دقيق العيد : عبد الله بن جهيم وقال في الكاشف للذهبي أبو جهيم بن الحارث بن الأنصاري له صحبة
عن يسر بن سعيد وعبد الله بن يسار .

موضوع الحديث :

بيان إثم المار بين يدي المصلي وأنه أعظم من الوقوف مدة طويلة من الزمن .


المفردات :

بين يدي المصلي : أي أمامه .
ماذا عليه : أي شيء عليه والاستفهام للتفخيم .
من الإثم : من لبيان الجنس .
لكان : جواب لو .
أن يقف : إن وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم كان ، وخيراً خبرها ، أي لكان الوقوف أربعين خيراً له
من المرور بين يديه .

المعنى الإجمالي :

بيَّن الشارع الحكيم أن أعظم مشقة تحصل على العبد في الدنيا هي أيسر على العبد من يسير الإثم على ما يظنه
العبد سهلاً كالمرور بين يدي المصلي ، فمشقة الوقوف أربعين يوماً الذي هو أقل احتمالاً في تفسير الأربعين
أخف من إثم المرور بين يديه .

فقه الحديث :

أولاً : الرواية المشهورة أن زيد بن خالد الجهني أرسل بُسر بن سعيد إلى أبي جهيم يسأله ، وهذه رواية
مالك بن أنس ، وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم وابن ماجة وغيرهما ، وخالفهما ابن عيينة
فرواه عن أبي النضر فقال عن بسر ابن سعيد قال : أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله ، كما رواه ابن
أبي خيثمة وخطأه يحيى بن معين وقال : الصواب رواية مالك . اهـ ويمثل به لمقلوب السند .


ثانياً : عِيبَ على صاحب العمدة أنه أثبت جملة من الإثم في كتابه مع أنها ليست ثابتة ، فلم ترد في شيء
من الصحاح والسنن والمسانيد ، وإنما وردت في رواية للكشميهني وحده "من الإثم" وخالفه جميع رواة البخاري
فرووه بدونها ، وورد في رواية لابن أبي شيبة يعني من الإثم .


ثالثاً : مميز أربعين غير متعين أي مشكوك فيه ، وكذلك هو في رواية غير ابن عيينة رواية واحدة ، وكذلك
رواه الحافظ عن ابن عيينة ، كما أخرجه أحمد ، وابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور وغيرهم ، وورد في رواية
في مسند البزار بالجزم فقال : "لكان أن يقف أربعين خريفاً" وأشار الحافظ إلى ضعفها ، فقال : ويبعد أن
يكون الجزم والشك من راوٍ واحدٍ في حالة واحدة .

رابعاً : يؤخذ منه تحريم المرور بين يدي المصلي ، وأن المار قد عرض نفسه لإثم كبير وخطر عظيم إذا كان
المصلي بدون سترة أو كانت له سترة ومرّ بينه وبينها ، وقد قسّم ابن دقيق العيد المرور إلى أربعة أقسام ،


وأربع حالا :
الأولى : أن يكون للمار مندوحة والمصلي لم يتعرض ، أي كانت له سترة فيختص المار بالإثم .


الثانية : عكس ذلك وهو أن لا يكون للمار مندوحة والمصلي قد تعرض ، أي ترك السترة فيختص المصلي
بالإثم .


الثالثة :أن لا يكون للمار مندوحة ولم يتعرض المصلي ، فلا يأثمان معاً .
الرابعة : أن يكون للمار مندوحة
والمصلي قد تعرض ، فيأثمان معاً .


قال الحافظ بعد أن ساق كلام ابن دقيق العيد : وظاهر الحديث يدل على المنع من المرور مطلقاً ، ولو لم
يجد مسلكاً ؛ بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته .
قلت : وهذا هو الحق ؛ لأن الحديث علق الإثم على المرور ولم يفصل ؛ بل جعل الوقوف مدة طويلة خيرٌ
من المرور . والله أعلم .


خامساً : يؤخذ منه أن الإثم المترتب على المعصية في الآخرة وإن قل فهو أعظم من أي مشقة في الدنيا مهما
كانت شديدة وفظيعة . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
13-04-2015, 05:22PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[107] : عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره
من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه ، فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان ".

موضوع الحديث :

سترة المصلي ومشروعية دفع من أراد أن يمر بين يدي المصلي وبين سترته .


المفردات :

إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس : أي يمنع قطع صلاته .
فليدفعه : أي يمنعه من المرور أمامه .
فليقاتله : أي ليدفعه دفعاً شديداً .
فإنما هو شيطان : أي مدفوع بأمر الشيطان فصار لذلك شيطاناً ، والشيطان مأخوذ من شَطَنَ ، بمعنى بعُدَ أي
بعيد عن الله وعن رحمته .

المعنى الإجمالي :

يأمر الشرع باتخاذ الحزم والحيطة في الأمور كلها ، وأهم أمور الدين والدنيا الصلاة ، لذل حث الشارع الحكيم
على العناية بها واتخاذ السترة لها قبل الدخول فيها والدنو من السترة ومنع من أراد قطع صلاته بالمرور بينه وبينها ،
ومقاتلته إن أصر على ذلك بالدفع الشديد ، فإنما هو شيطان ، فالشيطان هو الذي يحرص على قطع أعمال
الخير وأهمها الصلاة .

فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه ..."
يؤخذ منه أن الدفع لا يجوز إلا إذا صلى إلى سترة معتبرة شرعاً ، وقد ورد تقييد جواز الدفع بوجود السترة
من رواية سليمان بن المغيرة وهو هذا اللفظ ، وورد من رواية يونس غير مقيد أخرجها البخاري في بدء
الخلق ، نبَّه على ذلك الحافظ ، وذكر عن الإسماعيلي أن سليم بن حيان تابع يونس على عدم التقييد عن
حميد بن هلال قال : والمطلق محمول على المقيد .


قلت : وهي القاعدة الأصولية ، ولكن الذي يظهر لي أن التقييد إنما هو لوجوب الدفع أو استحبابه .
وإذا قصر بترك السترة فإنه لا يستحب له الدفع مع تقصيره ، وهل يجوز للمار أن يمر بين يديه ؟ في هذه الحالة
لا يحرم والأولى تركه ، هذا هو ظاهر كلام الحافظ فيما نقله عن الشافعية في الروضة ، وتعقبه الشيخ عبد العزيز
بن باز وقال : اللهم إلا أن يضطر المار إلى ذلك لعدم وجود متسع إلا ما بين يديه .
قلت : الظاهر من حديث أبي جهيم السابق عدم جواز المرور وإن لم يجد متسعاً ، وهو الذي فهمه راوي
الحديث أبو سعيد الخدري كما يتضح من قصته مع الشاب .
وماذا يضير المار لو وقف حتى يسلم المصلي والنبي ﷺ يقول : " لكان أن يقف أربعين خير له من
أن يمر بين يديه " .


ثانياً : يؤخذ من قوله : " إلى شيء يستره من الناس " أن الدفع لا يجوز إلا عند وجود السترة المعتبرة شرعاً
وهي قدر مؤخر الرَّحل ، كما ثبت عند مسلم من طريق عائشة وطلحة بن عبيد الله وأبي ذر رضي الله عنهم
أجمعين ، ولفظ حديث عائشة : سئل رسول الله ﷺ. ، وفي لفظ : في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال :
" مثل مؤخرة الرَّحل " والرَّحْل : بالراء المشددة والحاء المهملة هو الذي يوضع على ظهر الجمل للركوب عليه .


وبهذه الأحاديث أخذ الجمهور فقالوا أقل ما يجزئ في سترة المصلي مثل مؤخرة الرحل ، وذلك ذراع أو
ثلثي ذراع على خلاف .
واختلفوا في جلة هذه السترة ، فقال مالك : كجلة الرمح ، وروى عبد الرازق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي ﷺ قال : " يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرحل في دقة الشعرة " .
قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين وليس عندهما آخره ، وهو يدل على عدم التحديد في الجلة .
والله أعلم .


وقد ذهب الإمام أحمد وإسحاق إلى حديث الخط الذي رواه أبو داود وفيه : " فمن لم يجد فليخط خطا " وقد
ضُعَّف هذا الحديث بجهالة حريث بن عمار الراوي له عن أبي هريرة وحفيده أبي محمد بن عمرو بن حريث ،
أو أبي عمرو بن محمد بن حريث ، ورواه عبد الرازق في المصنف من طريق ابن جريج قال : أخبرني إسماعيل
بن أمية عن حريث بن عمار عن أبي هريرة فأسقط الواسطة وهو ابن حريث ، ورجح ابن خزيمة رواية بشر بن
المفضل وسماه أبي عمرو بن حريث عن أبيه ، وضعفه الألباني وقال : إنه مضطرب ، ونقل الحافظ في
التهذيب عن الطحاوي أنه قال :مجهول ، ونقل الخلال عن أحمد أنه قال : حديث الخط ضعيف . وقال الدارقطني :
لا يصح ولا يثبت ، وقال الشافعي في سنن حرملة : ولا يخط المصلي بين يديه إلا أن يكون في حديث
ثابت فيتبع . اهـ تهذيب (12/181) .


وسئل الإمام أحمد عن الخط فوصفه مقوساً كالمحراب ، وهو أولى من قول من قال يكون مستقيماً عن يمين
المصلي ، ألا أن دليله ضعيف كما تقدم .


ثالثاً : يؤخذ منه مشروعية المدافعة لمن أراد المرور بينه وبين سترته ، وهل تجب أو تُسنّ ؟
ذهبت الظاهرية إلى الوجوب ، وذهب الجمهور إلى السنية ، حتى قال النووي : لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بوجوب
هذا الدفع ، وتعقبه الحافظ بأن المعروف عن الظاهرية القول بالوجوب .
قلت : الوجوب أظهر هنا لورود الأمر ، ولا صارف ، وعلى هذا فيأثم المصلي إن قصر فيه ، فإن قيل الإجماع
على عدم الوجوب يصلح لصرفة من الوجوب إلى الندبية ، قلنا : وأين الإجماع والظاهرية تقول بالوجوب ؟
والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ من قوله : "فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان " جواز المقاتلة بدفع أشد من الدفع الأول كما فسره
فعل الراوي في صدر هذا الحديث عند البخاري ،


وحاصل القصة : أن أبا سعيد كان في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس ، فأراد شاب من بني أبي
معيط أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره ، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديه فعاد ليجتاز ،
فدفعه أبو سعيد أشدّ من الأولى ، فنال من أبي سعيد ، ودخل على مروان فشكى إليه ما لقي من أبي سعيد ،
ودخل أبو سعيد خلفه على مروان ، فقال مالك : ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي ﷺ يقول :
"... الحديث " ،
وتتمة حديث الباب ، ولم يصب من حمل المقاتلة على ظاهرها فإن ذلك يتنافى مع خشوع الصلاة .
والله أعلم .


خامساً : يؤخذ من قوله : "فإنما هو شيطان" جواز هذه التسمية لكل من حاول قطع عمل خيري ، أو فتح
باب شر ، وإن هذا الاسم لا يختص بالشيطان الجني والله تعالى يقول : _ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً
شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا
يَفْتَرُونَ _ (الأنعام:112) .


سادساً : يؤخذ منه مشروعية الدفع في الحرم المكي لعموم حديث أبي سعيد ، وبه أخذ جماعة من السلف ، وحكى
عن ابن عمر أنه دفع في الكعبة أي عندها .
وقد ذهب آخرون إلى سقوط الدفع والسترة في الحرم المكي ، وأن ذلك عفو وممن قال بهذا القول ابن الزبير
وطاووس وابن جريج ومحمد بن الحنفية ، مستدلين بما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وعبد الرازق في المصنف
من طريق كثير بن كثير بن عبد المطلب بن أبي وداعة عن أبيه عن جده قال : رأيت رسول الله ﷺ يصلي
في المسجد الحرام ، والناس يطوفون بالبيت بينه وبين القبلة بين يديه ، ليس بينه وبينهم سترة . هذا لفظ
عبد الرزاق ، ولفظ النسائي : رأيت رسول الله ﷺ طاف بالبيت سبعاً ، ثم صلى ركعتين بحذائه في
حاشية المقام ، وليس بينه وبين الطواف أحد .


وقد أشار محقق المصنف حبيب الأعظمي إلى أن فيه علة ، وقال الشوكاني في النيل الحديث من رواية
كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده ، وفي سنده مجهول .
قلت : الروايات التي رأيتها كلها متفقة على أن الحديث عن كثير بن أبي كثير ، عن أبيه ، عن جده ، ألا رواية
عند أبي داود قال فيها : عن بعض أهله ، عن جده ، وقد اتفق على الرواية الأولى ثلاثة من الحفاظ هم
سفيان بن عيينة وعمرو بن قيس الملائي عند عبد الرزاق ، وابن جريج عند النسائي وابن ماجة ، وهؤلاء
الثلاثة كلهم ثقاة أئمة مخرج لهم في الصحيحين وغيرهما ، وكثير بن كثير ثقة ، وأبوه مقبول ، وجده صحابي
من مسلمة الفتح .


فتبين بهذا صحة الحديث ، وإن كان قد ورد في بعض الروايات عن بعض أهله كما في سنن أبي داود فإن ذلك
البعض قد تعين بالرواية الآخرى أنه أبوه ، وإن كان غير أبيه فإن ذلك يحمل على أن الحديث كان مشهوراً
عند أهل بيت المطلب فحمله عن أبيه وعن غيره ، وحدَّث به تارة عن أبيه ، وتارة عن بعض أهله ، والذي
يخشى منه تدليس ابن جريج ، وبالمتابعة له قد زال ، علماً بأن ابن جريج وكثير مكيّان وقد عاشا في
زمن واحد ، وبلد واحد ، فاتضح بذلك صحة الحديث ، وتعين الأخذ به ولعل السبب في العفو عن ذلك
في الحرم ؛ لأنه مثابة المسلمين ومجتمعهم ، فيقع فيه من الزحام ما يصعب الاحتراز معه، والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
14-04-2015, 07:59PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[108] : وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : أقبلتُ راكباً على حمار أتانٍ وأنا يومئذٍ قد ناهزت
الاحتلام ، ورسول الله ﷺ يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررتُ بين يدي بعض الصف فلم ينكر
ذلك علي أحد .

موضوع الحديث :

المرور بين يدي المصلي ، وهل يقطع صلاته مرور الحمار بين يديه ؟

المفردات :

أتان : هي الأنثى من الحمر ولا يقال فيها أتانة .
ناهزت : قاربت الاحتلام .
إلى غير جدار : كأنه يشير إلى أنه كان يصلي إلى غير سترة ، وقيل : لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة .

المعنى الإجمالي :

يخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه أقبل إلى مصلى النبي ﷺ بمنى ورسول الله ﷺ يصلي بالناس ،
فمر بالأتان بين يدي بعض الصف
ثم أرسلها ودخل في الصف يصلي ، فلو كان مرور الحمار بين يدي المصلي يبطل الصلاة لأنكروا ذلك عليه ،
ولكن عدم الإنكار يدل على عدم الإبطال .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
16-04-2015, 04:32PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[109] : وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله ﷺ ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد
غمزني ، فقبضت رجلي ، فإذا قام بسطتهما ، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح .


موضوع الحديث :

سترة المصلي ، وأن الاضطجاع أمام المصلي لا يعد قطعاً ولو كان من امرأة .


المفردات :

بين يدي رسول الله ﷺ : أي أمامه .
ورجلاي في قِبلته : أي في محل سجوده .
فقبضت رجلي : سحبتها من محل سجوده .
بسطتهما : أي أعدتهما إلى مكانهما الأول .


المعنى الإجمالي :

تخبر عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنام أمام النبي ﷺ وهو يصلي صلاة الليل ، وليس له مكان يسجد
فيه إلا موضع رجليهما ولم يَعُدُّه النبي ﷺ قطعاً .


فقه حديثي عائشة وابن عباس رضي الله عنهما :

أولاً : يؤخذ من الحديث أن المرأة والحمار لا يقطعان الصلاة ، وهو معارض لحديث أبي ذر عند مسلم بلفظ :
قال رسول الله ﷺ : " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره من الناس إذا كان بين يديه مثل آخرة الرَّحل ،
فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود " .


قلت : يا أبا ذر : ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ ، قال : يا ابن أخي
سألت رسول الله ﷺ كما سألتني ، فقال : "الكلب الأسود شيطان" .
وحديث أبي هريرة عنده أيضاً بلفظ قال : قال رسول الله ﷺ : " يقطع الصلاة المرأة والحمار
والكلب ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ".


وقد ورد تقييد المرأة بالحائض عند أبي داود من طريق ابن عباس ، قال الزيلعي في "نصب الراية" : قال يحيى
بن سعيد لم يرفعه غير شعبة ، وقال أبو داود : وقفه سعيد وهشام وهمام ، عن قتادة ، عن ابن عباس .


قلت : وإذ قد صح موقوفاً فإنه مما لا مجال للرأي فيه ، فله حكم الرفع والله أعلم .

وقد اختلف العلماء في القطع المنصوص هنا هل المراد به نقص الأجر أو الإبطال .
فذهب الجمهور إلى أن المراد به نقص الأجر ، وممن قال بذلك الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي .
وذهب داود الظاهري إلى أن المراد بالقطع الإبطال بالكلية ، فمن مرت واحدة من هذه الثلاث بين يديه وهو
بدون سترة ، أو كانت له سترة فمرت بينه وبين سترته بطلت صلاته ، ماعدا المرأة المضطجعة ، صرح بذلك
ابن حزم في المحلى ، وذهب الإمام أحمد إلى الإبطال بالكلب الأسود ، واختلف قوله في المرأة والحمار .


وقد استدل الجمهور على عدم الإبطال بأحاديث :
1-2: منها هذان الحديثان واعتذر القائلون بالقطع عن الحديثين بما يلي :
قالوا حديث عائشة ليس فيه حجة ؛ لأنه لم يكن فيه مرور ، والقطع مقيد بالمرور لأنه يحصل به شدة
التشويش دون الاضطجاع أمام المصلي .
أما حديث ابن عباس فإنه ليس فيه حجة أيضاً ؛ لأنه لم يقطع بين الإمام وبين سترته ، ولا بين المأمومين
والإمام ؛ بل كان مروره بين يدي بعض الصف ، وهذا المرور لا يقطع الصلاة .

موقفه ................................................
3- ومنها حديث أبي سعيد الخدري عند أبي داود بلفظ قال : قال رسول الله ﷺ : " لا يقطع الصلاة شيء ،
وادرؤوا ما استطعتم فإنما هو شيطان " . وفي سنده مجالد بن سعيد الهمداني أخرج له مسلم مقروناً ، وقال الحافظ :
ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره ، وأبو الوداك جبر بن نوف البكالي أخرج له مسلم أيضاً ، وقال
فيه الحافظ : صدوق يهم .
قلت : مثل هؤلاء لا يطرح حديثهم بل يرتفع بالشواهد لدرجة الصحيح لغيره .


4- ومنها حديث أبي أمامة عند الطبراني في "الكبير" من طريق عفير بن معدان ، عن سليم بن عامر ،
عن أبي أمامة ، عن النبي ﷺ قال : " لا يقطع الصلاة شيء" ، وقد نقل الشيخ أحمد شاكر في تعليقة
على الترمذي أن الهيثمي قال في مجمع الزوائد : إسناده حسن وضعفه ابن الجوزي بعفير بن معدان ،
وقال الحافظ في التقريب : عفير بن معدان الحمصي المؤذن ضعيف من السابعة .


5- ومنها حديث أنس قال في "نصب الراية" : وأما حديث أنس فأخرجه الدارقطني عن صخر بن عبد الله
بن حرملة ؛ أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول ، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ صلى بالناس فمر
بين أيديهم حمار ، فقال عياش ابن أبي ربيعة : سبحان الله ، سبحان الله ، فلما سلّم رسول الله ﷺ
قال : من المسبح آنفاً ؟ قال : أنا يا رسول الله ، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة . قال : "لا يقطع الصلاة شيء" .


وضعفه ابن الجوزي بصخر بن عبد الله ، وقال ابن عدي : يحدث عن الثقات بالأباطيل ، عامة ما يرويه منكراً
ومن موضوعاته ... وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه قال الزيلعي وتعقبه صاحب التنقيح وقال : إنه
وهم في صخر هذا ، فإن صخر بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز لم يتكلم فيه ابن عدي
ولا ابن حبان بل ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي : هو صالح .
وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة
روى عن مالك والليث وغيرهما . اهـ.


وقال الحافظ : صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجي ،حجازي مقبول ، غلط ابن الجوزي فنقل عن ابن عدي
أنه اتهمه وإنما المتهم صخر بن عبد الله الحاجبي .
وبهذا يتبين أن الحديث من قبيل الحسن إن شاء الله .


وقال الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله – في تعليقه على المحلى والترمذي – بعد أن ساق
الكلام المتقدم : ثم إن الباغندي قال من مسند عمر بن عبد العزيز : حدثنا هشام بن خالد الأزرق ، أنبأنا
الوليد بن مسلم ، عن بكر بن مضر المصري ، عن صخر بن عبد الله المدلجي ، قال سمعت عمر
بن عبد العزيز يحدث عن عياش بن ربيعة قال : بينما رسول الله ﷺ يصلي يوماً بأصحابه .. الحديث . مثل
ما تقدم ، قال : وهذا إسناد صحيح ، إلا أن عمر بن عبد العزيز لم يسمع من عياش بن ربيعة فقد مات سنة
15هـ ، ولكنه محمول على الرواية الأخرى عن أنس ، وكأن عمر لما سمعه من أنس صار مرة يرويه عن أنس ،
ومرة يرسله عن عياش يريد بذلك رواية القصة لا ذكر الإسناد ، وهذا كثير عند رواة الحديث وخصوصاً
القدماء ، وهو صريح في أن الأحاديث التي فيها الحكم بقطع الصلاة بالمرأة والحمار والكلب منسوخة
فقد سمع عياش أن الحمار يقطع الصلاة ، وعياش من السابقين الأولين هاجر الهجرتين ثم حبس بمكة
وكان النبي ﷺ. يدعو لـه كما ثبت في الصحيحين ، فعلم الحكم الأول ثم غاب عن نسخه ، فأعلمه
الرسول ﷺ أن الصلاة لا يقطعها شيء ، وهذا تحقيق دقيق واستدلال طريف لم أر من سبقني إليه . اهـ.
من تعليق أحمد شاكر على المحلى والترمذي .


6- ومنها ما رواه أبو داود والنسائي من طريق عبد الملك بن شعيب بن الليث قال : حدثني أبي ، عن جدي ،
عن يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عمر بن علي ، عن العباس بن عبيد الله بن عباس ، عن الفضل بن عباس
رضي الله عنه قال : أتانا رسول الله ﷺ ونحن في بادية لنا ومعه العباس ، فصلى في صحراء ليس بين
يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه ، فما بالى ذلك .


سند هذا الحديث رجاله كلهم ثقات . ولهذا فإن ابن حزم الظاهري لم يجد شيئاً يضعفه به غير أنه أعله
بالانقطاع بين عباس بن عبيد الله وبين عمه الفضل بن العباس .
وقد ذكر الحافظ بن حجر في الإصابة عباساً ممن روى عن عمه الفضل وكذلك قال ابن أبي حاتم في
الجرح والتعديل عن أبيه أن عباساً سمع من عمه الفضل ، وقال في تهذيب التهذيب (5/123) ، قال
أعله ابن حزم بالانقطاع ، قال : لأن عباساً لم يدرك عمه الفضل ، وهو كما قال ، وقرر في المصدر نفسه
(5/280) في ترجمة الفضل أن رواية العباس عن عمة مرسلة .


7- ومنها حديث الشيطان الذي عرض للنبي ﷺ في صلاته ، وفي لفظ صححه الألباني في صفة الصلاة
وعزاه إلى أحمد والدارقطني والطبراني ولفظه : " وصلى صلاة مكتوبة فضم يده ، فلما صلى ، قالوا يا رسول الله ،
أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته .." الحديث ، والمروي
في الصحيحين أنه في صلاة الليل .


قلت : هذه الأحاديث يعضد بعضها بعضاً ، وتبلغ بمجموعها درجة الصحة التي لا سبيل إلى ردها وهي
تفيد مفاداً واحداً هو عدم القطع الذي هو الإبطال سواء سلكنا مسلك الجمع ، وقلنا المراد بالقطع الوارد
في حديثيي أبي ذر وأبي هريرة النقص بما يحصل للعبد من التشويش كما هو مذهب الجمهور ، أو سلكنا
مسلك النسخ الذي مال إليه الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – وبه يقول بعض العلماء . والله أعلم .


ثانياً : يؤخذ من قوله : "فمررت بين يدي بعض الصف .." الحديث ، أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ،
أو أن الإمام سترة لمن خلفه .


أما حديث " سترة الإمام سترة لمن خلفه " عزاه في جمع الفوائد إلى الطبراني في الأوسط بضعف ، وقال في
أعذب الموارد : في سنده سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف ، كذا في مجمع الزوائد .
ثالثاً : يؤخذ منه أن لمس المرأة لا يبطل الوضوء إلا إذا كان بشهوة ، وذهب الشافعي إلى الإبطال بمطلق اللمس
مستدلاً بآية التيمم _ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ _ ويرده تفسير ابن عباس للملامسة بالجماع .


وفي الحديث دليل واضح على أن مطلق اللمس لا يبطل الوضوء ، فالحق ما ذهب إليه الإمام أحمد أن
اللمس لا يبطل الوضوء ، إلا إذا كان بشهوة وذلك والله أعلم لا يكون إلا بدون حائل ، ومع
وجود الحائل لا تحصل الشهوة .

رابعاً : يؤخذ منه ما كان عليه النبي ﷺ من التقلل من الدنيا ، حتى أن بيته لا يتسع لمكان يصلي
فيه غير مضجع زوجته ، والله أعلم .


خامساً : يؤخذ منه أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح في باب الجمعة ، والله أعلم .‏


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
16-04-2015, 04:48PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[باب جامع]


[110] : عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " إذا دخل
أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " .


موضوع الحديث :

تحية المسجد .

المفردات :

إذا دخل : إذا ظرفية شرطية ، ودخل فعل الشرط .
فلا يجلس : جواب الشرط وجزاؤه .
حتى يصلي ركعتين : حتى غاية للنهي عن الجلوس قبل الركوع .


المعنى الإجمالي :

نهى النبي ﷺ كل داخل للمسجد أن يجلس قبل أن يصلي ركعتين ؛ لأن المساجد بيوت الله ، ومن دخل
على الملك بيته لابد أن يقدم لـه التحية ، وتحية ملك الملوك ورب الأرباب وجبار السموات والأرض ومبدعهما
أن تخضع لجلاله وتحني جبهتك لعزته بأن تصلي لـه ركعتين ، وقد أشار إلى ذلك رسول الله ﷺ حيث
يقول : " أعطوا المساجد حقها " .

فقه الحديث :

أولاً : اختلف العلماء في حكم هاتين الركعتين فذهب الجمهور إلى أنها سنة وحكاه الحافظ في الفتح إجماعاً
فقال واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب ونقله ابن بطال عن أهل الظاهر والذي صرح به ابن
حزم عدمه .اهـ.


وجنح ابن دقيق العيد في شرح العمدة إلى الوجوب فقال : " ونقل عن بعض الناس أنهما واجبتان تمسكاً بالنهي
عن الجلوس قبل الركوع وعلى الرواية الأخرى التي وردت بصيغة الأمر يكون التمسك بصيغة الأمر ولا شك
أن ظاهر الأمر بالوجوب وظاهر النهي التحريم ومن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى دليل " . اهـ.


وقال الصنعاني في العدة تعليقاً على قول ابن دقيق العيد هذا ، أقول هذا هو الصواب وإيجابهما هو الجاري
على مقتضى الأوامر والنواهي ، وهذا الاعتذار الذي ذكره الشارح قد أبان وجه ضعفه وظهر من كلامه قوة القول
بوجوبهما وهو الذي نختار ، وقد قطع النبي _ خطبته وأمر من رآه دخل المسجد وهو يخطب ولم يصلهما ،
أمره بصلاتهما وهو من مؤكدات الإيجاب وكذلك الشوكاني صرح بالوجوب في النيل حيث قال : " إذا عرفت
هذا لاح لك أن الظاهر ما قال أهل الظاهر من الوجوب " .


قلت : القول بالوجوب هو الأولى لوجود الأمر ولا صارف ، أما صرفه بحديث " خمس صلوات كتبهن الله .." ،
وحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله أخبرني ما فرض الله عليَّ من صلاة ، قال :
" الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً " وفي آخره قال : والذي أكرمك لا أطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله
عليَّ شيئاً . فقال الرسول صلى : " أفلح إن صدق أو دخل الجنةة إن صدق " .


أقول : صرف الأمر عن الوجوب إلى الندبية بهذين الحديثين ليس بجيد لما يأتي :
أولاً : أن هذين الحديثين وردا في الصلوات المتكررة في اليوم والليلة .
ثانياً : الأظهر الفرق بين الواجب والفرض ، وأن درجات الوجوب متفاوتة فأعلى درجات الوجوب وآكدها ما يسمى
فرضاً وركناً ، والركن ما لا يصح الشيء بدونه كأركان الإسلام الخمسة ، والركن في العبادة ما لا تصح بدونه
كالركوع والسجود في الصلاة فلا تصح الصلاة إلا بالإتيان بهما والركن في العقد ما لا يصح العقد إلا به كأركان
النكاح ، فهذه الأركان هي في الأصل واجبات لكنها امتازت بزيادة تأكيد في الوجوب ، ولذلك كانت تعتبر ركناً ،
أي جزءاً مما هي فيه ولا يصح بدونها ، ولكن لا ينفي ذلك وجود واجبات أخرى هي أقل منها في الوجوب ،
وفرقوا بينهما بأن الركن في الصلاة مثلاً مالا ينجبر بسجود السهو بدون الإتيان به ، أما الواجب فهو ما ينجبر
بالسجود من الإيتان بالمتروك كالتشهد الأول مثلاً وتكبير النقل عند من يرى وجوبه .


ومثل ذلك قالوا في الحج فقالوا : الركن في الحج ما لا يصح الحج إلا به ولا يجبره الدم ، كالوقوف بعرفة
والطواف والسعي ، الواجب ما يجبره الدم كالجمع بين الليل والنهار بعرفة ورمي الجمار والمبيت بمنى
وما أشبه ذلك .
وهنا نقول : وجود واجبات أو فرائض الإسلام تعتبر أركاناً فيه لا يصح بدونها لا ينفي وجود واجبات أخرى
هي أقل من الأولى في التأكيد والأهمية ، والتفريق بين الفرض والواجب هو الحق كما هو رأى الحنفية والحنابلة .


ثالثاً : أن الذين حصروا الوجوب في الصلوات الخمس قد أوجبوا صلوات غيرها كالعيدين والجنازة والوتر عند
من يرى وجوبه ، وركعتي الطواف عند من يرى وجوبها .
رابعاً : أن قوله : " أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق " بعد قوله : والذي أكرمك لا أطوع شيئاً معناه
– والله أعلم – أن من أتى بالصلوات سيكون مآله الفلاح ونهايته الجنة ، ولكن ذلك لا ينفي وقوع اللوم
والعذاب عليه قبل ذلك إن قصر في شيء من الواجبات الأخرى ، أو ارتكب شيئاً من المحرمات .


كما صح عن النبي ﷺ. أن أقواماً من الموحدين يدخلون النار ويعذبون فيها ، فإذا أتى إليهم الشافعون
ليخرجوهم من النار يجدونهم قد امتحشوا ، فلا يعرفونهم إلا بمواضع السجود وحرام على مواضع السجود
أن تأكلها النار .
والمهم أن إخبار النبي ﷺ عن الفلاح هو إخبار عن المآل بقطع النظر عن كون العبد يدخل الجنة أولاً
أو بعد العذاب ، والله أعلم .


خامساً : من تكرر دخوله إلى المسجد هل يؤمر بتكرار الركوع كلما دخل أم يسقط عنه قياساً على الحطابين
والفكاهين والمترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عنهم ؟ .
قال ابن دقيق العيد والحديث يقتضي تكرار الركوع بتكرار الدخول .


قلت : الفرق حاصل بين هذا وذاك ، فهنا علق الأمر بالركوع على مجرد الدخول أما في الإحرام فإن
الأمر به معلق على إرادة الحج والعمرة قال ﷺ : " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج
والعمرة " . ولهذا قال الصنعاني – رحمه الله – الأولى أن هذه الصورة وجهها غير صبيح وبين الجامع بين
عدم التحية وعدم الطواف بون فسيح .


قلت : وما صرح به ابن دقيق العيد والصنعاني هو الأولى إن شاء الله والله أعلم .
سادساً : إذا صلى العبد في المسجد هل يركع أم لا ؟ لأنه جاء عن النبي ﷺ أنه لم يصل قبل العيد ولا بعدها ،
ذكر ذلك ابن دقيق العيد ، وقال والنبي ﷺ لم يصل العيد في المسجد .‏
قلت : كونه لم يصل قبلها في الصحراء لا يمنع من فعل التحية في المسجد إذا وقعت صلاة العيد فيه .
والله أعلم .


سابعاً : إذا ركع ركعتي الفجر في بيته ثم أتى المسجد ولم تقم الصلاة فيه يركع ركعتي التحية ؟
الأظهر أنه يركع لأن الأمر بها في حال الخطبة يدل على طلب فعلها فيما هو أقل منه شأناً من باب أولى .
والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
17-04-2015, 07:26PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[111] : عن زيد بن أرقم _ قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى
نزلت : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ _ فأمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام .
الراوي : زيد بن أرقم الخزرجي صحابي جليل غزا مع النبي _ سبع عشرة غزوة ، وهو الذي أخبر النبي ﷺ
بكلام عبد الله بن أبي بن سلول المنافق فحلف ما قال فأنزل الله تصديق زيد في سورة المنافقين .


موضوع الحديث :


تحريم الكلام في الصلاة ما عدا الذكر وقراءة القرآن والدعاء .


المفردات :

وهو إلى جنبه : أي قريباً منه .
وقوموا لله قانتين : أي خاشعين أو ساكتين ، وللقنوت عدة معان ، وهي : الخشوع ، والسكوت ، والدعاء ،
وطول القيام ، ودوام الطاعة ، والإقرار بالعبودية .


المعنى الإجمالي :

يخبر زيد بن أرقم أن الكلام في الصلاة كان مباحاً في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ _ ،
فأمروا بالسكوت عن كلام الناس وقصر الكلام في الصلاة على ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث دليل على النسخ وهو إجماع ممن يعتد به .
ثانياً : يؤخذ منه أن القنوت المذكور في هذه الآية المراد به السكوت عن الكلام وهو قصر اللفظ المشترك
على بعض معانيه وتعيينه لواحد منها وهو كالنص فيه لأن قول الصحابي حتى نزل قوله تعالى : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ
_ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، يدل على أن المراد بالقنوت في هذه الآية السكوت ولا يقال أن هذا
حصل من الصحابي بطريق اجتهادي بل هذا الحكم من الصحابي لا يخلو عن أحد أمرين :
إما أن يكون الصحابي أخذه عن النبي ﷺ أي أن المراد بالقنوت السكوت وعلى هذا فهو مرفوع ويتعين هذا
المعنى لكلمة القنوت هنا .


والثاني : أن يكون الصحابي أخذه من قرائن الأحوال التي احتفت بالآية وقت نزولها كمنع النبي _ عن الكلام
بعد نزولها وعلى هذا فإنه مقدم على غيره .
قال ابن دقيق العيد : والأرجح في هذا كله حمله على ما أشعر به كلام الراوي فإن المشاهدين للوحي
والتنـزيل يعلمون بسبب التنـزيل والقرائن المحتفة به ما يرشدهم إلى تعيين المحتملات وبيان المجملات ،
فهم في ذلك كله كالناقلين للفظ يدل على التعليل والتسبيب ، وقد قالوا : إن قول الصحابي في الآية نزلت
في كذا يتنـزل منـزلة المسند .


وقال الصنعاني في العدة في تعليقه على الكلام الآنف الذكر : " أقول : بل المقطوع به أن لا يطلق الراوي
في مقال الاحتمال إلا ما صار عنده قطعاً لا يبقى معه احتمال كما قرر في أصول الحديث . اهـ.
ثانياً : اختلف الفقهاء في أشياء هل تبطل الصلاة أم لا ؟ وهي النحنحة والبكاء والنفخ .
فأما النحنحة فإن الشوكاني حكى عن أبي حنيفة ومحمد والهادوية أنها مفسدة ، وقد ذهب إلى ذلك الإمام يحيى
والشافعي وأبي يوسف كذا في البحر النيل 2/323 .
قلت : المشهور عند الشافعية أنها تفسد الصلاة بناء على أن النحنحة يبين فيها حرفان قال في المهذب : فإن
تنحنح أو تنفس أو نفخ أو بكى أو تبسم عامداً ، ولم يبن منه حرفان لم تبطل صلاته . وبعدم البطلان والفساد
قالت الحنابلة في الثلاثة اعتماداً على الأحاديث الواردة في ذلك ، ولعله هو الأقرب . ففي النحنحة ما رواه
النسائي بسند رجاله كلهم ثقات عن عبد الله بن نجي ، عن علي _ قال : كان لي من رسول الله _ ساعة
آتيه فيها ، فإذا أتيته استأذنت إن وجدته يصلي فتنحنح دخلت وإن وجدته فارغاً أذن لي . إلا أنه قد اختلف
فيه على عبد الله بن نجي فتارة قال عن علي وتارة قال عن أبيه عن علي وصله أبو أسامة ، عن شرحبيل
بن مدرك . ورواه مرسلاً جرير وإسماعيل بن عياش كلاهما ، عن مغيرة بن مقسم ، عن الحارث العكلي
عن ابن نجي ، عن عليّ .


ووراه ابن خزيمة في صحيحه (2/54) وقال : قال أبو بكر : قد اختلفوا في هذا الخبر عن عبد الله نجي فلست
أحفظ أحداً قال عن أبيه غير شرحبيل بن مدرك هذا ، ورواه عمارة بن القعقاع ومغيرة بن مقسم جميعاً ، عن الحارث
العكلي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن عبد الله بن نجي ، عن عليّ . وقال جرير ، عن المغيرة ، عن الحارث
وعمارة ، عن الحارث يسبح . وقال أبو بكر بن عياش ، عن المغيرة يتنحنح . اهـ.


قلت : ينحصر الخلاف في هذا في ثلاث نقط : واحدة في المتن ، واثنتان في السند ، فأما التي في المتن فهي
إبدال "يتنحنح" بـ"يسبح" ، وكلا اللفظين ثابت والجمع بينهما ممكن وهو أن يحمل على أنه كان أحياناً يسبح ،
وأحياناً يتنحنح ، فيبقى الاستدلال بالحديث على جواز النحنحة قائم كما هو ، وأما النقطتان اللتان في السند
فهما زيادة نجي بين عبد الله بن نجي وعلي ، وزيادة أبي زرعة عمرو بن جرير بين الحارث العكلي وعبد الله بن نجي .


والنقطة الثانية بسيطة ؛ فإنه يحمل على أن الحارث العكلي سمع الحديث من عبد الله بن نجي بواسطة ، وسمعه
منه بدون واسطة ، ثم إن الواسطة وهو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ثقة متفق على الإخراج له وهو وعبد الله بن نجي
من الطبقة الثالثة والحارث من السادسة .


أما النقطة الأولى وهو إثبات واسطة بين عبد الله بن نجي وعلي بن أبي طالب والواسطة هو نجي وبإسقاط نجي
يكون السند منقطعاً على ما ذكره الألباني – رحمه الله – وبإثباته يضعف الحديث بجهالة نجي .
والحاصل أن الألباني أعلّ الحديث بعلتين هما الانقطاع والجهالة ، أما الانقطاع فبناء على أن عبد الله بن نجي
لم يسمع من علي ابن أبي طالب ، وقد قال ابن حجر : روى عن أبيه ، وكان على مطهرة علي وعمار وحذيفة
والحسين بن علي وغيرهم .


قلت : إذا كان قد روى عن حذيفة وعمار وقد توفيا قبل علي بأعوام وكان أبوه نجي على مطهرة علي رضي الله
عنهم أجمعين فما الذي يمنعه من سماع علي وإذ قد وثقه النسائي ، وقال البزار : سمع هو وأبوه من علي ،
فإن الحديث محمول على الاتصال لتوفر الدواعي على ذلك بالمعاصرة واللقي ، فيبعد جداً أن يكون أبوه
على مطهرة علي ولا يلقى علياً ، مع أن الخلفاء الراشدين كانوا لا يحتجبون من الناس ، وقد ذكر ابن ماكولا أن
نجياً كان له عشرة أولاد قُتل منهم سبعة مع علي رضي الله عنه ، أما نجي فقد وثقه العجلي فقال : تابعي ثقة ،
فالحديث في رأيي لا يبعد أن يكون حسناً . والله أعلم .


ثم إن النحنحة ليست كلاماً حتى تبطل الصلاة فهي لا تسمى كلاماً في العرف اللغوي ، والحديث
دال على المنع من الكلام .


قال ابن دقيق العيد رحمه الله : "والأقرب أن ينظر إلى مواقع الإجماع والخلاف حيث لا يسمى الملفوظ
به كلاماً ، فما أجمع على إلحاقه بالكلام ألحقناه ، وما لم يجمع عليه مع كونه لا يسمى كلاماً فيقوى فيه عدم
الإبطال ، قالوا من هذا استبعد القول بإلحاق النفخ بالكلام ، ومن ضعف التعليل فيه قول من علل البطلان
به بأنه يشبه الكلام وهذا ركيك مع ثبوت السنة الصحيحة أن النبي ﷺ نفخ في صلاة الكسوف في سجوده .


وقال الصنعاني : واعلم أن الكلام المنهي عنه هو المخاطبة كما قال الراوي يخاطب بعضنا بعضاً ، ثم قال :
ونهينا عن الكلام ، أي الذي نهي عنه وهو المخاطبة ، وكذلك حديث "لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"
المراد به من مخاطباتهم ، والتنحنح والأنين والتأوه ليست من الكلام ، فإنه ما تركب من حرفين ولا مركب
فيما ذكر " اهـ.


قلت : وكذلك البكاء ، فقد صح عن النبي ﷺ أنه كان يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل ، وأقر عائشة
لما قالت : " إن أبا بكر رجل رقيق ، إذا قرأ غلبه البكاء " .
وكان عمر يُسمع نشيجه من مؤخر الصفوف ، ومما ذكر تبين أنه ليس شيء منها يبطل الصلاة ويكره فعل
شيء منها لغير حاجة . والله أعلم .


رابعاً : نشأ من هذا الحديث إشكال وهو أن ظاهر حديث زيد بن أرقم أن نسخ الكلام كان بعد الهجرة ؛
لأن زيد بن أرقم أنصاري حديث السِنّ ، لم يسلم إلا بعد الهجرة مع أن الآية مكية ، وحديث ابن مسعود حين
قدم من الحبشة سلّم على النبي ﷺ وهو في الصلاة فلم يرد عليه وقال بعد ذلك : "إن الله يحدث في أمره
ما يشاء وإن الله أحدث أن لا تكلموا في الصلاة" .
والجواب عنه صعب ، إلا أن يقال : إن إباحة الكلام في الصلاة تكررت وتكرر بذلك التحريم والله أعلم . اهـ.

نقلاً عن ابن دقيق العيد .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
19-04-2015, 01:06AM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -


[112] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله _ أنه قال : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ،
فإن شدة الحر من فيح جهنم " .


موضوع الحديث :

الإبراد بالظهر في شدة الحر .


المفردات :

أبردوا : أخروا حتى تدخلوا في البرد .
شدة الحر : أي قوته وفورانه .
من فيح جهنم : أي ما تفوح به من فائض حرها وسمومها الذي أذن الله لها به أن ترسله إلى أهل الأرض ليستدلوا به
على ما وراءه من حرارتها التي لا يطيقها البشر وقانا الله حرها ، وصرف عنها عذابها ، إن عذابها كان غراماً .


المعنى الإجمالي :

اشتداد الحر في الهواجر حين تسامت الشمس الرؤوس في الصيف يثير القلق وعدم الإطمئنان ، مما يمتنع معه
أداء الصلاة على الوجه الأكمل ، فلذلك أمر النبي ﷺ أن تؤخر الظهر في اشتداد الحر حتى ينكسر الحر
وتخف حدته لكي تؤدى الصلاة بخشوع ، وذلك لأن اشتداد الحر من فيح جهنم أي مما أذن الله لها أن تقذف
به إلى الأرض من فائض حرارتها ، نعوذ بالله من ذلك .


فقه الحديث :

أولاً : اختلف العلماء في الإبراد هل هو سنة أو رخصة وبنوا على ذلك أن الإبراد لا يشرع لمن يصلي في
بيته إذا كان الإبراد رخصة ويشرع في حقه الإبراد إذا كان سنة .


قال ابن دقيق العيد : إنه سنة لورود الأمر به مع ما اقترن به من العلة ، وهو أن شدة الحر من فيح جهنم .


ثانياً : يؤخذ من قوله : " إذا اشتد الحر فابردوا " أن الإبراد لا يسن إلا عند الحر ، لأنه علق عليه بإذا الشرطية ،
ومفهومه أن الإبراد لا يسن في الربيع وهو لفظ حديث رواه النسائي عن أنس رضي الله عنه بلفظ : " كان النبي
ﷺ إذا كان الحر أبرد " ، وإذا كان البرد عجّل ، وقد أوردته في شرح الحديث رقم 47 ، ورجاله خرّج
لهم البخاري وقد ذكره البخاري معلقاً كما سبق إلا أن أبا خلدة الراوي له عن أنس من الطبقة الخامسة وقد رواه
عن أنس بلا واسطة وصرح بسماعه منه وهو ثقة وحديثه مؤيد بمفهوم هذا الحديث والله أعلم .


ثالثاً : نقل الصنعاني في العدة عن الكرماني الإجماع على عدم وجوب الإبراد .

ونقل عن القاضي عياض القول بالوجوب عن قوم ، والذي يظهر لي أن القول بالسنية أقرب ؛ وذلك أن أحاديث
الإبراد تعارضت مع الأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت ، فأفادت الإباحة للتأخير من دون إثم . والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ منه أن الخشوع وأسبابه أولى بأن يحرص عليها من أول الوقت ومثل هذا قوله : " لا صلاة بحضرة
طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " .


خامساً : التعليل بشدة الحر من فيح جهنم ، هل هو على حقيقته أنه من فيح جهنم ، أو أنه من جنس فيح جهنم ،
وحمله على الحقيقة أولى كما هو مذهب الجمهور ، وأيده القاضي عياض وابن حجر واستدل له بحديث :
" اشتكت النار إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين ، نفسٌ في الشتاء ، ونفسٌ في الصيف ، فهو أشد ما تجدون
من الحرارة ، وأشد ما تجدون من البرد " .


سادساً : أن الإبراد هو إلى أن تنكسر حدة الحر قليلاً وليس معنى الحديث إلى أن يذهب الحر بالكلية ، بدليل
حديث خباب عند مسلم : " شكونا على النبي _ شدة الرمضاء ف جباهنا وأكفنا فلم يشكنا " ، وفي معناه
حديث أنس الآتي رقم (113) وليس بينهما وبين حديث الباب تعارض كما توهمه بعضهم ، إذ إن حديث
الباب لا يقتضي التأخير إلى أن يذهب الحر بالكلية ولكن إلى أن تخف حدته قليلاً ، وإذا كان كذلك فإن الصلاة
رغم الإبراد تقع في وقت لا يستطيع الإنسان فيه أن يضع جبهته ولا كفيه على الأرض دون حائل يمنع الحرارة ،
وكل من عرف المدينة وما حولها في أيام الحر يعلم بالضرورة أنه يدخل أول وقت العصر في أيام الصيف والحر
موجود ، فكيف إذا صليت الظهر في أوسط وقتها .


ومن هذا تبين أن الإبراد ليس معناه إلى أن يذهب الحر بالكلية ؛ إذ لو قال بذلك قائل لزم من قوله أن يخرج
الوقت قبل أن تصلي الظهر . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@

ام عادل السلفية
19-04-2015, 07:40PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -


[113] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : "من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها ،
لا كفارة لها إلا ذلك قال تعالى : _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ .
ولمسلم : " مَن نسي صـلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها " .


موضوع الحديث :

وجوب قضاء الفوائت التي فاتت بعذر النوم أو النسيان عند الذكر أو الاستيقاظ .


المفردات :

مَنْ : اسم شرط .
نسي : فعل الشرط .
وصلاة : مفعول .
فليصلها : جواب الشرط ، وجزائه إذا ذكرها أي متى ذكرها ، والضمير في يصليها وذكرها يعود على الصلاة
المنسية .
لا كفارة : لا نافية للجنس ، وكفارة اسمها .
إلا ذلك : أي إلا صلاتها عند الذكر أو الاستيقاظ .

المعنى الإجمالي :

من عدالة الشرع الإسلامي الحكيم في أحكامه وتكاليفه أنه أسقط التبعة عن العبد في حالة النوم والنسيان _ رَبَّنَا لا
تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا _ وألزمه بقضاء الفائتة بعد زمن هذين العذرين عند زواله فمتى ذكر الناسي أو استيقظ النائم
وجب عليه أن يقضي ما فاته ، وهذا ما لم يكن النوم مقصوداً ومعتمداً ، فمن اعتاد مثلاً أن ينام عن الصبح يومياً إلى
أن تطلع الشمس أو تكاد ، لا يكون النوم في حقه عذراً وكذا من تعمد السهر إلى وقت السحر مثلاً أو استيقظ عند
دخول الوقت أو قربه ونام أو سمع النداء واستثقل به النوم ، كل هؤلاء لا يكون النوم في حقهم عذراً . والله أعلم .

فقه الحديث :

أولاً : اختلف في الاستشهاد بالآية هل هو من كلام رسول الله _ أو مدرج من كلام قتادة والراجح الأخير لأنه قد ورد
في رواية لمسلم بلفظ قال قتادة _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ .


ثانياً : القراءة المشهورة في الآية _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ بإضافة ذكري إلى الضمير المعظم ، وقرأها ابن شهاب
_ للذكرى _ على زنة فُعلى مشددة الفاء ، واختلف في معناها فقيل : معناها للتذكر بها أو فيها ،
وقيل : المراد أقم الصلاة حين تذكرها ، وقيل المراد لأذكرك بالمدح أي أمدحك على ذلك ، وقيل : المراد عند
تذكيري لك إياها ، قال الحافظ : وهذا يعضد قراءة من قرأ _ للذكرى _ .
وقد رجح ابن جرير القول الأول وهو ظاهر الآية ، غير أنه لا ينفي احتمال الآية للمعاني الأخرى .


ثالثاً : يجب قضاء الصلاة إذا فاتت بالنوم أو النسيان . قال ابن دقيق العيد : وهو منطوقه ولا خلاف فيه .

رابعاً : أن اللفظ يقتضي توجه الأمر بقضائها عند ذكرها ؛ لأنه جعل الذكر ظرفاً للمأمور به وهو القضاء فيلزم فعله عند
وجوده ، وهل يلزم على الفور أو على التراخي ؟ في ذلك خلاف .


فمن قال على التراخي : استدل بقصة نوم النبي _ وأصحابه عن الصبح حيث أمرهم ، فاقتادوا الرواحل شيئاً ثم نزلوا
فتوضأوا ، وفي لفظ من حديث عمران بن حصين : " فلما رفع رسول الله ﷺ رأسه ورأى الشمس قد بزغت
قال ارتحلوا وسار بنا حتى ابيضت الشمس نزل فصلى الغداة . قالوا : فاقتياد الرواحل وخروجهم من الوادي يدل على
أن القضاء ليس على الفور .


والجواب عن هذا : أنه عمل لمصلحة الصلاة فلم يمنع ، يدل على ذلك قولـه : " إن هذا منـزل حضَرَنَا فيه الشيطان " .
فكان الخروج والابتعاد عن ذلك المنـزل من مصلحة الصلاة فلذلك لا يعد تأخيراً ، ولا يكون مانعاً من الفورية .
ولا يشرع الخروج من كل مكان وقعت فيه المعصية أو وقع فيه التفريط أو الغفلة استدلالاً بفعل النبي ﷺ ،
فإن هذا أمر لا يعرفه إلا نبي .


خامساً : اختلف العلماء في قضاء المتروكة عمداً ، فذهب الجمهور إلى قضائها مستدلين بهذا الحديث ، قال
النووي : فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أو بغير عذر ، وإنما قيد في الحديث بالنسيان
لخروجه على سبب لأنه إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب ، وهي من باب التنبيه بالأدنى على
الأعلى .. إلى أن قال : وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يجب قضاء بغير عذر ، وزعم أنها أعظم من أن يخرج
من وبال معصيتها بالقضاء ، وهذا خطأ من قائله وجهله .
وقال العلامة ابن رشد في كتابه بداية المجتهد (1/176) : ومن رأى أن الناسي والعامد ضدان والأضداد
لا يقاس بعضها على بعض ، إذ أحكامها مختلفة وإنما تقاس الأشباه ؛ لم يجز قياس العامد على الناسي ، والحق
في هذا أنه إذا جعل الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغاً ، وأما من جعل من باب الرفق بالناسي العذر لـه ،
وأن لا يفوته ذلك الخير فالعامد في هذا ضد الناسي ، والقياس غير سائغ ؛ لأن الناسي معذور والعامد غير معذور ،
والأصل أن القضاء لا يجب بأمر الأداء ، وإنما يجب بأمر مجدد على ما قال المتكلمون ؛ لأن القاضي قد فاته أحد
شروط التمكن من وقوع الفعل على صحته ، وهو الوقت إذا كان شرطاً من شروط الصحة . والتأخير عن الوقت
في قياس التقديم عليه ، لكن قد ورد الأثر بالناسي والنائم وتردد العامد بين أن يكون شبيهاً أو غير شبيه . والله الموفق
للحق .


أما المغمى عليه فإن قوماً أسقطوا عنه القضاء فيما ذهب وقته ، وقوم أوجبوا عليه القضاء ومن هؤلاء من اشترط عليه
القضاء في عدد معلوم ، وقالوا يقضي في الخمس فما دونها ، والسبب في اختلافهم تردده بين النائم والمجنون ،
فمن شبهه بالنائم أوجب عليه القضاء ، ومن شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب . اهـ.

واستدل المانعون من القضاء بأن حقوق الله المؤقتة لا تقبل في غير أوقاتها ، فكما لا تقبل قبل دخول وقتها فكذلك
لا تقبل بعد خروجه ، وأن العبادة إن فسرت بموافقة الأمر فهذه لم توافق الأمر ، وإن فسرت بما أبرأ الذمة فهذه لم
تبرأ بها الذمة .
قالوا في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. مرفوعاً : " من أفطر يوماً من رمضان بغير عذر لم
يقضه عنه صيام الدهر " . اهـ فكيف يقال يقضيه عنه يوم مثله .

قلت : الذي يظهر لي أن الترك عمداً ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يترك الصلاة محتملاً لعذر أو متأولاً لتأويل ، فمثل هذا يناظر ويعرف بالحق فإن رجع جاز له القضاء .
القسم الثاني : من تركها من دون عذر ولا تأويل فإن الأحاديث مصرحة بكفره لحديث جابر عند مسلم وأبي داود
والترمذي وابن ماجة قال : قال رسول الله ﷺ : " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " . وحديث بريدة رضي
الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " . رواه
الخمسة وصححه النسائي والعراقي .


أما الفقهاء فقد اختلفوا في كفر تارك الصلاة ، فذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد أنه لا يكفر ولكن يُقتل حداً ،
وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب وهو إحدى الروايتين عن أحمد
بن حنبل ، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه ، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي .


وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي ، أفاده الشوكاني
ورجح القول بكفره – إن شاء الله – لصحة دليله .
أما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : " خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم
يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن مات ولم يأت بهن فليس له عند الله
عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر لـه " . فإنه متأول على احتمال صحته على ما جاء في الشطر الأول فإن فيه من
أتى بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له ..الخ فكان دخول الجنة مشروط بالإتيان بها كاملة ويحمل
النفي في قوله ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر لـه محمول على المنتقص منها
استخفافاً عكس الشطر الأول من الحديث ، وهذا على احتمال صحته كما قلت فإن في حديثي المدلجي حكم
عليه القشيري بالجهل ، وذكره ابن حبان في الثقات وهو معروف بتساهله ، وصحح الحديث الألباني في صحيح
الجامع الصغير رقم 3237 و3238 ولفظ الرقم الأول فيه بعض المخالفة للفظ الحديث الآنف الذكر وكلاهما
عن عبادة وهو مؤيد ما جمعت به هنا فإن لفظه : " خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوئهن
وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد ،
إن شاء غفر وإن شاء عذبه " ، وبهذا يتبين أن الأدلة ليس بينها تعارض وأن الصواب القول بكفر تارك الصلاة .
وبالله التوفيق .


فإن قال قائل : أنا مؤمن بوجوب الصلوات ولكن لا أريد أن أصلي .
قلنا له : كذبتَ ، لو كنت مؤمناً بوجوبها لدفعك الإيمان إلى أداء الصلاة ؛ لأن الله ركز في طبع كل إنسان أن يطلب
ما يؤمن بجدواه عنه ومنفعته له ، ويجتنب ويترك ما يؤمن بضرره عليه .
فلو كنت مؤمناً بأن الصلاة فريضة إلهية يترتب على فعلها الفلاح والفوز برضى الله ودخول الجنة لكان ذلك حافزاً لك
على أدائها ، لأنا نراك تحرص على ما ينفعك في الدنيا وتتفانى في تحصيله ، فتتعب فيه جسمك وتفني فيه
وقتك ، والسبب في ذلك أنك اقتنعت بأنه ينفعك فحرصت عليه ، فلو كنت مؤمناً بجدوى الصلاة عنك ومنفعتها
لك لحرصت عليها كما تحرص على أمور دنياك مع العلم أن صلاة واحدة نفعها أعظم من الدنيا كلها فقد
ثبت عن النبي _ أنه قال : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " فإذا كان هذا في النافلة فكيف به في الفريضة .
ومن جهة أخرى فإن الشر المترتب على تركها أعظم من كل شر يحذره الإنسان ، فمثلاً الإنسان يؤمن بأن النار
محرقة فلذلك يفر منها ويحذر الوقوع فيها ، والإنسان يؤمن بأن الثعبان قاتل فلذلك يفر منه ، وأن الأسد قاتل
فلذلك يفر منه فراره من النار والثعبان والأسد ففراره من هذه الأشياء ناشئ عن إيمانه بضررها ، فمن آمن بأن ترك الصلاة
موجب للنار ولذلك فإن ضرره أشد من الوقوع في النار الدنيوية ، أو الإقدام على مسك الأسد أو الحية فإن هذا
الإيمان سيحمله على أدائها ، وقد تبين بأن من زعم أنه مؤمن بفريضة الصلاة ولم يؤدها فإنه كاذب في دعواه بل
كافر جاحد بلسان حاله وإن لم يسم جاحداً بلسان مقاله وبالله التوفيق .


سادساً : يؤخذ من قوله فليصلها إذا ذكرها ، أن من ذكر صلاة منسية وهو في صلاة واجبة الترتيب مع المنسية فإنه
يقطع التي هو فيها أو يحولها إلى تطوع وفي ذلك خلاف يدل على وجوب القضاء عند الذكر وذلك يعم من ذكرها
وهو في الصلاة .


قال ابن دقيق العيد : وحيث يقال بالقطع فوجه الدليل منه أنه يقتضي الأمر بالقضاء عند الذكر ومن ضرورة ذلك
قطع ما هو فيه ومن أراد إخراج شيء من ذلك فعليه أن يبين مانعاً من إعمال اللفظ في الصورة التي يخرجها
ولا يخلو هذا التصرف من نوع جدل ، وقال الصنعاني : وهو دليل على الفورية فيلزم خروجه مما هو فيه وقطعه
والإتيان بما ذكره وهو عام في كل أوقات الذكرى فلا يخرج عنها شيء إلا بدليل ولم يقم هنا دليل وبوب الحافظ
البيهقي في السنن باب من ذكر صلاة وهو في أخرى .. الخ .
قلت : الذي يظهر لي أن المضي في الصلاة التي هو فيها وتحويلها إلى تطوع أولى ولا يتنافى مع الفورية فإن
من ذكر فائتة وهو حاقن له أن يقضي حاجته ويتوضأ ولا يكون في ذلك منافاة للفورية والله قد نهى عن إبطال
الأعمال والله أعلم .


سابعاً : يؤخذ من قوله : " لا كفارة لها إلا ذلك " أن كفارة المتروكة بنوم أو نسيان هو قضائها لا يكفرها شيء سوى
ذلك ، ومن هنا يقال أن المتروكة عمداً لا يكفرها شيء إلا التوبة والدخول في الإسلام من جديد ، أما الجمهور
فيقولون أن من ترك واجباً حتى فات وقته ترتب في ذمته ولزمه قضائه والذي يظهر لي أن هذه القاعدة تتمشى في
غير الصلاة أما الصلاة فقد جعل النبي _ تركها كفراً والله تعالى يقول عن أهل النار المخلدين فيها : _ مَا سَلَكَكُمْ
فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ _ (المدثر:24-44) . والله أعلم .


فإن قال قائل يمكن أن تحمل هذه الأحاديث التي أوردتموها في كفر تارك الصلاة على أن ذلك من بابا كفر دون
كفر كحديث سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .

والجواب عليه من وجهين :
أولاً : أن إطلاق اسم الكفر في السنة إنما ورد على الأفعال أما التروك فلم يرد في شيء منها فيما أعلم ولهذا ورد
عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الدين تركه كفر غير الصلاة .
ثانياً : أن الله عز وجل أخبر عن أهل النار أنهم لما سئلوا عما أدخلهم النار أجابوا بأربعة أشياء ، أولها : ترك الصلاة ،
حيث قالوا : _ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ _ (المدثر:43-48) . فدل على أن ترك الصلاة كفر أو ناشئ
عن الكفر كما تقدم ، وقد صح عن النبي _ أن المصلين الموحدين الذين يدخلون النار بكبائر إذا أذن الله في
إخراجهم منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين تدخل عليهم الملائكة ليخرجونهم فيجدونهم قد
امتحشوا إلا موضع السجود منهم وحرام على مواضع السجود أن تأكلها النار فدل على أن من ترك الصلاة حرم
من الشفاعة وخلد في النار . والله أعلم .





تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
21-04-2015, 12:46AM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



[114] : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ﷺ عشاء الآخرة ،
ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة .


ترجمة الراوي :

أما جابر بن عبد الله فقد تقدمت ترجمته ، ولكن سأكتب ترجمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لكونه صاحب
القصة ، فهو : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عابد بن عدي بن كعب الخزرجي الأنصاري ، المقدم
في علم الحلال والحرام قال ابن حجر في الإصابة ، وفي الحديث :
" وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل " ، قدم النبي ﷺ المدينة وهو شاب في التاسعة عشرة من
عمره وحضر بدراً وهو ابن إحدى وعشرين ، وتوفي في طاعون عمواس في السنة 18هـ على قول الأكثر .


موضوع الحديث :

اقتداء المفترض بالمتنفل .


المفردات :

عشاء الآخرة : الوصف بالآخرة خرج على اعتبار أنها إحدى صلاتي العشي .


المعنى الإجمالي :

كان قوم معاذ يعدونه أفضلهم فيحبون أن يقدموه إماماً لهم ، وكان هو يحب أن يصلي مع النبي ﷺ حرصاً منه
على الفضل المترتب على ذلك فيصلي مع النبي ﷺ مفترضاً ويعود إلى قومه فيصلي بهم نفلاً .


فقه الحديث :

أولاً : في الحديث دليل على جواز اختلاف نية الإمام والمأموم ويعارضه حديث إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا
تختلفوا عليه والجمع بينهما أن يحمل النهي على الاختلاف في الأفعال كما فسره آخر الحديث .


أما الاختلاف في النيات فقد دلت الأدلة الشرعية على جوازه كما مضى في الجزء الأول ص138، 139 فقد
أوردت الأدلة هناك على جواز اختلاف النيات بما أغنى عن إعادته ومنها هذا الحديث حيث يدل على جواز اقتداء
المفترض بالمتنفل واعتذر عنه من منع ذلك كالأحناف والمالكية والحنابلة في الراوية المشهورة بأعذار
تتلخص فيما يلي :
أولها : أن الاحتجاج من باب ترك الإنكار به من النبي ﷺ وذلك من شرطه العلم به .


ثانياً : أن النية أمر باطن لا يطلع عليه إلا بالإخبار من الناوي فجاز أن تكون نيته مع النبي ﷺ الفرض وجاز
أن تكون النفل ولم يرد عن معاذ ما يدل على أحدهما .


ثالثاً : ادعاء أن تكون قصة معاذ منسوخة .

رابعاً : أن الضرورة دعت إلى ذلك لقلة القراء ولم يكن لهم غنى عن معاذ ولم يكن لمعاذ غنى عن صلاته مع النبي ﷺ. .
هذا ملخص ما اعتذروا به عن الحديث ، وحاصل ما يجاب به عن هذه الاعتذارات الآتي فيجاب عن الاعتذار
الأول بثلاثة أجوبة :
أولها : أن علم النبي ﷺ : ليس بمشروط إذا علم أن الله لا يقر أصحاب رسول الله صلى على باطل إبان تنـزل
الوحي لأنه سبحانه يقول : _ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ _ (التوبة: من
الآية115) .


وإذا لم يعلم رسول الله فالله يعلم ، ولا يتصور أن يضل معاذ زمناً طويلاً يصلي بقومه صلاة باطلة في الشرع ولا ينبه
الله رسوله على ذلك ، إذ من لازمه أن الله أقرهم على باطل في زمن حياة الرسول وتنـزل الوحي عليه وذلك محال ،
وإذا علمنا أن بعض أصحاب النبي ﷺ يقول كنا على عهد رسول الله ﷺ نتقي الانبساط مع نسائنا خشية
أن ينـزل فينا قرآن ، حتى مات رسول الله ﷺ فانبسطنا إلى نسائنا .
إذا علم هذا فإنه يعطينا دلالة واضحة على مدى الحذر الذي كان يحذره أصحاب رسول الله _ خوفاً من تنـزل
القرآن فيهم .
أفيعقل بعد هذا أن يقر الله معاذاً وجماعة مسجده على الباطل زمناً طويلاً لا ينكره عليهم ؟ ما هذا إلا محال .


ثانياً : يبعد جداً أن يصلي معاذ مع النبي ﷺ كل يوم خمس مرات ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك
الصلوات يبقى على ذلك زمناً طويلاً ولا يسئل رسول الله ﷺ وهو من هو في حرصه على العلم والفقه في
الدين حتى ورد في الحديث وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ .


ثالثاً : أنه قد ورد في شكوى من شكاه إلى النبي ﷺ بسبب التطويل ، ما يدل على علمه بذلك ومن أول
ذلك لم يصحبه التوفيق .


أما ما يجاب عن الاعتذار الثاني فهو شيئان :

أولها : أنه لا يظن بمعاذ أن يترك الفريضة مع النبي ﷺ ويصليها مع غيره .

ثانيها : أن النبي ﷺ قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فهل يظن بمعاذ أن يترك ما أمر به
النبي ﷺ ويفعل غيره , ويجاب عن الاعتذار بالنسخ أنه دعوى بلا دليل أما النهي عن الصلاة في اليوم مرتين
إن ثبت فهو لا يدل على أن الصلاة في اليوم مرتين كان مشروعاً بنص شرعي ثابت قبل النهي والنسخ هو رفع حكم
شرعي بنص شرعي متأخر عنه ولم يكن هنالك حكم سابق حتى ينسخ .


ويجاب عن الاعتذار الرابع أن دعوى قلة القراءة في أصحاب رسول الله ﷺ دعوى باطلة بل الثابت خلاف
ذلك فالقراء من أصحاب رسول الله ﷺ كانوا غير قليلين قطعاً فكل الرجال والنساء والولدان قد قرأوا شيئاً
من القرآن الذي يؤدون به صلاتهم أو زيادة ولكن الذين جمعوا القرآن كله في حياة النبي ﷺ كانوا قليلين فعلاً
أما مجرد قراءة القرآن فذلك لا يخلو منه أحد وكيف يتصور أن يقل القراء في أصحاب رسول الله ﷺ والقرآن
قد امتزج بحياتهم ولحومهم ودمائهم فهو يصوغ واقعهم ويسيطر على حياتهم سيطرة تامة ، فمنه يتعلمون الصلة بالله
وبرسوله ﷺ ، ومنه يتعلمون صياغة العلاقات الأسرية والاجتماعية والاقتصادية في السلم وفي الحرب
وفي كل شيء ، أفيعقل بعد هذا أن يكون القراء في أصحاب رسول الله ﷺ كانوا قليلين ؟
وقد تبين بما سبرناه من الأجوبة إن هذه الاعتذارات ما كانت إلا دفاعاً عن المذاهب ومحاماة عنها .
نسأل الله السلامة .


ثالثاً : يؤخذ منه مشروعية انتظار الإمام الراتب ولو تأخر عن أول الوقت لأن مدة صلاته مع النبي ﷺ مع الانتظار
يأخذ شيئاً من الوقت .

رابعاً : يؤخذ منه إعادة الصلاة نفلاً إذا اقتضت المصلحة ذلك .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
21-04-2015, 11:13PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -


[115] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع رسول الله ﷺ في شدة الحر فإذا لم
يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه .


موضوع الحديث :

جواز سجود المصلي على الثوب المتصل به المتحرك بحركته .


المفردات :

في شدة الحر : أي منتهى قوته .
أن يمكن جبهته : أي يثبتها على الأرض في السجود من شدة الحر .
بسط ثوبه : أي طرحه على الأرض فسجد عليه .


المعنى الإجمالي :

يخبر أنس رضي الله عنه أنهم كانوا يصلون مع النبي ﷺ الظهر في شدة الحر فكانوا يسجدون على الثياب
اتقاء للحر حين لا يستطيعون ملاقاته بجباههم .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ منه أن النبي صلى كان يقدم الظهر في أول وقتها ويعارضه الأمر بالإبراد والجمع حاصل بحمل
حديث الأمر بالإبراد أنه إلى أن تنكسر شدة الحر قليلاً وبذلك تجتمع الأدلة انظر شرح الحديث رقم 112 .


ثانياً : اختلف العلماء في الإبراد هل هو سنة أو رخصة فمن قال إن الإبراد رخصة فلا إشكال عليه لأن التقديم
حينئذٍ يكون سنة والإبراد جائز ومن قال إن الإبراد سنة فقد ردد بعضهم القول في أن يكون منسوخاً أعني التقديم
في شدة الحر قال ابن دقيق العيد قلت : بما تقدم من الجمع تبين أنه لا تعارض كما أشار إليه بقوله ويحتمل
عندي أن يكون ثمة تعارض لأنا إن جعلنا الإبراد إلى حيث يبقى ظل يمشي فيه أو إلى ما زاد على الذراع فلا يبعد
أن يبقى مع ذلك حر يحتاج معه إلى بسط الثوب فلا تعارض .


ثالثاً : فيه دليل على جواز استعمال الثياب وغيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض . قاله ابن دقيق العيد رحمه الله .


قلت : هذا يحتمل أمرين :
أحدهما : وضع الثوب على الأرض بحيث يكون كالخمرة والفراش وما أشبه ذلك ، وهذا لا أعلم في جوازه
خلافاً .
والثاني : الثوب المتصل بالمصلي والمتحرك بحركته الذي ذكره في المأخذ الرابع وهذا فيه خلاف بين العلماء
أجازه الجمهور ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ، ورواية عن أحمد ، ومنعه الشافعي وهو رواية عن أحمد ذكرها
صاحب المغني عن الأثرم (1/517) .
قلت : هذا القول هو الأرجح في رأيي كما روى مسلم عن خباب رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله ﷺ
حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا .
قال في المغني ولأنه سجد على ما هو حامل له أشبه ما إذا سجد على يديه اهـ.


قلت : ويجمع بين حديث خباب وحديث أنس بوجهين :
أحدهما : أن يحمل حديث أنس على الثوب المنفصل عن المصلي وحديث خباب على السجود على الثوب المتصل
بالمصلي حيث أذن لهم في الأول ولم يأذن في الثاني وهو الذي يقصده كلام النووي فيما نقله عن الشافعي
وكلام الشافعي نفسه في الأم .


والثاني : أن يحمل حديث أنس على ما لا يمكن تحمله وحديث خباب على الحر الذي يكمن تحمله مع مشقة
وبذلك تجمع الأدلة ويزول التعارض ، أما أحاديث السجود على كور العمامة فهي ضعاف لم يصح فيها شيء وإلى
ذلك أشار ابن قدامة في المغني والبيهقي في السنن ولكن صح في ذلك حديث مرسل عن الحسن والجمهور
على تضعيف مراسيل الحسن كما علم في الأصول ، أما ما قرره ابن دقيق العيد في المأخذ الرابع ترشيحاً لصحة
استدلال من استدل بحديث أنس على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي المتحرك بحركته أخذاً من
قلة ثياب الصحابة بحيث يكون بعض الثوب على المصلي وبعضه في محل السجود لا يتحرك بحركة لابسه .


وأقول : ليس في الأمر ما يدعو إلى مثل هذه التأويلات في رأي لأمور :
أولاً : أن نسبة الثوب إلى المصلي لا يلزم منه كونه لابساً له في وقت الصلاة بل الإضافة إضافة تمليك أو اختصاص .
ثانياً : أن الصحابة وإن كانت حالتهم الاقتصادية يغلب عليها الضيق غير أن كثير منهم وأكثرهم يلبسون الأردية
مع الأزر وقد يلبسون القميص ولعل في حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة الذي رواه الشيخان أن القليل منهم من
له ثوب واحد وذلك من قوله ما له ثوب غيره وقد يشعر بالجانب الآخر قول النبي ﷺ أو لكلكم ثوبان .


ثالثاً : أن الفاء في قوله بسط ثوبه فسجد عليه المقتضية للتعقيب لا يلزم منها أن يكون الثوب محمولاً للمصلي فلو
طرحه على الأرض عند سجوده في أول كل ركعة صدق عليه التعقيب بقطع النظر عما بعدها من الركعات .


رابعاً : أن الجمع بين الحديثين ممكن كما سبق فلا داعي لتأويل متعسف واحتمال بعيد والله أعلم والذي يتلخص
من هذا البحث أن الإفضاء بالجبهة والكفين إلى محل السجود واجب إلا في حالة الضرورة من حر لا يطاق أو برد
لا يحتمل فيجوز اتقاؤه بثوب منفصل يطرح على الأرض فإن لم يكن فبثوب متصل فبثوب متصل ليحصل بذلك
الاستقرار النفسي الذي به يتم الخشوع في الصلاة . والله أعلم .





تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
22-04-2015, 08:13PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[116] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد
ليس على عاتقيه منه شيء " .


موضوع الحديث :

النهي عن الصلاة في الثوب الواحد إلا أن يجعل على منكبيه منه شيء أو النهي عن الصلاة وهو مكشوف
المنكبين .


المفردات :

لا يصلي : قال الحافظ بن كثير كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء وجَههُ أنّ لا نافية وهو خبر بمعنى النهي قال :
ورواه الدارقطني في غرائب مالك بلفظ بغير ياء ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك لا يصلين .


المعنى الإجمالي :

مقابلة الملوك ولقاء الأشراف والسادة يتطلب من الإنسان أن يكون على أكمل الأحوال وأحسن الهيئات فكيف بمقابلة
ملك الملوك وسيد السادات ؟ فقد أمر النبي ﷺ. من أجل ذلك أن يستر المصلي منكبيه في الصلاة ليكون
على أكمل الأحوال عند مناجاة ربه تعالى .


فقه الحديث :

يؤخذ من الحديث مشروعية ستر المنكبين في الصلاة لمن قدر على ذلك وهل ذلك واجب أو مندوب فيه خلاف
بين العلماء فالجمهور حملوا النهي الوارد في هذا الحديث على التنـزيه والأمر في الحديث بلفظ من صلى في ثوب
واحد فليخالف بين طرفيه ومن طريق معمر عن يحيى عند أحمد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه على الندب وذهب
الإمام أحمد إلى الوجوب مع القدرة وهل هو شرط في صحة الصلاة أم لا ، عنه روايتان أحدهما لا تصح صلاة
من قدر على ذلك والثانية يأثم يترك ذلك مع القدرة وصلاته صحيحة ولا شك أن الوجوب هو المتعين مع القدرة
لوجود الأمر ولا صارف إلا أن القول بالشرط وإبطال صلاة من قدر على ذلك ولم يفعل مبالغة لا دليل عليها
ولا يجوز أن تبطل صلاة عبد إلا بمستند شرعي والقول بالتأثيم مع صحة الصلاة هو الأولى ، والتأثيم مقيد
بوجود ثوب آخر أو إزار واسع لما رواه البخاري في الصحيح رقم (361) عن سعيد بن الحارث قال سألنا جابر بن
عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال خرجت مع النبي ﷺ في بعض أسفاره فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته
يصلي وعلي ثوب واحد فاشتملت به وصليت إلى جانبه فلما انصرف قال ما السرى يا جابر فأخبرته بحاجتي فلما
فرغت قال ما هذا الاشتمال الذي رأيت قلت كان ثوب – يعني ضاق – قال فإن كان واسعاً فالتحف به وإن كان
ضيقاً فاتزر به وعنده عن أبي هريرة رقم 358 أن سائلاً سأل رسول الله _ فقال أو لكلكم ثوبان وعنده من حديث
عمر بن أبي سلمة وأم هاني رقم 354 و 357 أن النبي ﷺ. صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه وفي لفظ
على عاتقيه وعنده من حديث سهل رقم 362 قال كان رجال يصلون مع النبي ﷺ عاقدي أزرهم على أعناقهم
كهيئة الصبيان

ومن الأحاديث نأخذ ما يلي :
1- أن كل مصل واجب عليه أن يستر عاتقيه إلا أن يعجز عن ذلك امتثالاً لأمر النبي ﷺ .
2- فإن لم يفعل مع القدرة على ذلك فهو آثم وصلاته صحيحة .
3- من لم يجد إلا ثوباً واحداً صلى فيه وخالف بين طرفيه إن كان واسعاً فإن كان ضيقاً اتزر به وليس عليه في ذلك ولم
يصب من جعل حديث جابر صارفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة والأمر من الوجوب إلى الندبية كما أشار إلى
ذلك ابن دقيق العيد والصنعاني (2/510) لأنه مقيد في حديث جابر بحالة ضيق الثوب أما في حالة اتساعه فيبقى
الأمر بلا صارف بل إن حديث جابر زاده تأكيداً حيث قال فإن كان واسعاً فالتحف به ومذهب الإمام مقيد
بالقدرة كما مضى والله أعلم .


4- يلزم من صلى في ثوب واحد مخالفاً بين طرفيه أن يشد على بطنه شيئاً يحفظه كهيمان أو منطقة أوصل
حتى لا تنكشف عورته بانفراج الثوب عند الركوع والسجود ويعقد طرفيه على عاتقيه والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
23-04-2015, 07:29PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله-


[117] : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا
وليقعد في بيته وأتى بقدر فيه خضروات من بقُوْلٍ فوجد لها ريحاً فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال : قربوها إلى
بعض أصحابي فلما رآه كره أكلها قال : فإني أناجي من لا تناجي .


موضوع الحديث :

الرخصة لمن أكل الثوم والبصل والكرات في ترك صلاة الجماعة ما لم يجعل ذلك وسيلة مقصودة لترك الجمعة
فإن فعل ذلك قاصداً به الاعتذار عن الجماعة كان فعله حراماً وهو آثم .


المفردات :

الثوم والبصل : شجرتان معروفتان ينشأ عن أكلها رائحة كريهة في فم الآكل وتذهب الرائحة أو تخف إذا أميتا طبخاً
وذكر أهل الطب أن الشذاب إذا مضغ بعد أكلها يقضي على رائحتها .
فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا : إذن في التخلف عن الجماعة أو تهديد بحرمان ثواب الجماعة ، بقدر : القدر هو إناء
يطبخ فيه الطعام ، فيه خضروات : بضم الأولى وفتح الثانية أو فتح الأولى وكسر الثانية أفاده الصنعاني في العدة
ولم يذكر ابن الأثير في النهاية سوى فتح الخاء وكسر الضاد وهو أشهر قوله فأخبر بما فيها من البقول : وهو جمع
بقل والمراد بالبقل ما يأكله الإنسان نيئاً من ورق الأشجار .
قولـه : قال كل فإني أناجي من لا تناجي : المراد بذلك مناجاة الملك ، والمناجاة : هي المفاهمة سراً والأمر
هنا أمر إباحة .


المعنى الإجمالي :

نهى النبي ﷺ من أكل الثوم والبصل والكرات نيئاً أن يدخل المسجد وأمره بإعتزاله والجلوس في بيته وأتى النبي
ﷺ بطعام في قدر مطبوخ فيه ثوم فتركه ﷺ وقال قربوها إلى بعض أصحابي ولكن الصحابي كره ذلك حين
رأى النبي ﷺ تركها فقال له النبي صلى كل فإني أناجي من لا تناجي أي أنه يكلم الملك .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ منه كراهية أكل هذه البقول ذوات الروائح الكريهة لمن تلزمه صلاة الجماعة إلا إذا كان في وقت
يمكنه أن لا يذهب إلى المسجد إلا بعد أن تذهب الرائحة من فمه كأن يأكلها بعد العشاء أو بعد صلاة الصبح لمارواه
ابن خزيمة في صحيحه (3/85) من حديث أبي سعيد وفيه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى
يذهب ريحه .


ثانياً : أن الكراهة مقصودة على النيئ منها أما ما يطبخ حتى يذهب ريحه فلا كراهة فيه وعلى هذا يحمل قوله كل فإني
أناجي من لا تناجي ويزيده وضوحاً قوله أتى بقدر فيه خضروات فكونها في القدر يدل على أنها مطبوخة أما قوله
فوجد لها ريحاً فالمراد به ريح البقول مطبوخة يختلف عن رائحتها بعد الأكل وأما ترك النبي ﷺ لها فهو تنـزهاً لكونه
يناجي جبريل ويدل لـه ما رواه ابن خزيمة وابن حبان من حديث أم أيوب قالت نزل علينا رسول الله ﷺ فتكلفنا له
طعاماً فيه بعض البقول فذكر الحديث وفيه كلوا فإني لست كأحد منكم إني أخاف أن أوذي صاحبي ومما يدل لـه
أيضاً ما رواه مسلم وابن خزيمة أن عمر بن الخطاب صلى خطب الناس يوم الجمعة ثم قال أيها الناس إنكم تأكلون
شجرتين ما أرهما إلا خبيثتين هذا الثوم وهذا البصل وقد كنت أرى الرجل يوجد منه ريحه فيؤخذ بيده فيخرج إلى
البقيع ، ومن كان أكلها فليمتها طبخاً وأخرج أبو عوانة من حديث جابر قال النبي ﷺ من أكل من هذه الشجرة
صلى يعني الثوم – فلا يغشنا في مسجدنا ، قال ما يعني قال ما أراه إلا نَيَّئة وعلى ذلك حمله البخاري فقال في
صحيحه باب ما جاء في الثوم النيئ .


ثالثاً : يؤخذ منه كراهة دخول المساجد بهذه الريح يكون قد تعرض لأذية الملائكة والصالحين من عباد الله وعلى هذا
يحمل النهي في قوله فلا يقربن مساجدنا واستدل به بعضهم على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين ورده ابن دقيق
العيد والحافظ في الفتح وعبد العزيز بن باز تعليقاً .


رابعاً : ورد في رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب عند الشيخين ببدر وخالفه سعيد بن عفير عند البخاري وأبو الطاهر
وحرملة بن يحي عند مسلم فقالوا كلهم بقدر ورجح بعضهم الراوية الأولى بأن ابن وهب فسر البدر بأنه طبق ورجح
الحافظ رواية الجماعة وهو الذي يظهر من صنيع البخاري في تخصيصه النهي بالنيئ وبه يحصل الجمع بين الأدلة أما
امتناعه ﷺ من أكله مطبوخاً فذاك من خصائصه كما أشار إليه ابن خزيمة في قوله ذكر ما خص الله به نبيه من
ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخاً .


خامساً : خص بعضهم مسجد النبي ﷺ بالنهي واستدل بما ورد بلفظ فلا يقربن مسجدنا وهو مرجوح لأمرين :
أولها : أن العلة ليست خاصة بمسجد النبي ﷺ ، بل هي عامة في جميع المساجد .


والثاني : قد ورد بلفظ المساجد وبلفظ المسجد وذلك يدل على العموم ؛ بل قد ورد أن سبب الحديث الآتي كان في
غزوة خيبر ، وبذلك يتضح المراد به المصلي أياً كان . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
24-04-2015, 05:51PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



[118] : عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : " من أكل الثوم والبصل والكرات فلا يقربن مسجدنا ،
فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان ".


فقه الحديث :

قد سبق في شرح الحديث السابق ما يغني عن إعادته هنا وقد زاد في هذا الحديث الكراتْ وهو في معنى البصل
والثوم وقد ذكرته في شرح الحديث الذي مضى والعلة فيها واحدة قال ابن دقيق العيد وقد توسع القائسون في هذا
حتى ذهب بعضهم إلى أن من كان به بخر أو جرح له ريح كريه يجري هذا المجرى .


قلت : ومن ما يلتحق بذلك ويأخذ حكمه بلا شك ولا مرية الدخان أي التتن بجميع أنواعه سواء منه المحرق كالسجائر
والشيشة بالجراك أو التتن المطعون وهو ما يسمى بالشمة أو البردقان أو المشموم وهو العنجر كل هذه الأشياء
تلتحق بالبصل والثوم في العلة المانعة من دخول المساجد وهي التتن أو الخبث الذي يؤذي الملائكة وصالحي
بني آدم بل هي أشد نتناً وخبثاً وبينها وبين البصل والثوم فوارق منها أن البصل والثوم حلال بنص الحديث وبإجماع المسلمين
على حلها ومن حكي عنه من الظاهرية أنه حرمها فليس ذلك لذاتها عنده ولكن لأنها تمنع من صلاة الجماعة وهي
واجبة على الأعيان والمشهور عن الظاهرية خلافه .


ومنها أن البصل والثوم من المأكولات النافعة لجسم الإنسان بإجماع الأطباء ، أما الدخان فهو ضار للجسم أشد
الضرر بإجماع الأطباء وقد أعلنت هيئة الصحة العالمية سنة 1975 أن التدخين أشد خطراً على صحة الإنسان
من أمراض السل والجذام والطاعون والجدري مجتمعة .


وتقول مجلة HEXAUON مجلد رقم 3 عام 1978 والصادرة من سويسرا إن شركات التبغ تنتج سيجارتين
يومياً لكل إنسان على وجه الأرض ولو أخذت هذه الكمية دفعة واحدة (أي في الوريد) لاستطاعت السجائر أن تبيد
الجنس البشري في ساعات وبالمقارنة فإن القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في 16/ أغسطس 1945
فتكت بـ(260.000) ألف من الناس بينما تفتك السجائر في كل عام بعشرة في المائة على الأقل من جميع الوفيات
في البلاد المتقدمة


وقد ذكر الأطباء أن التدخين يسبب عشرين نوعاً من الأمراض القاتلة وتقسيمها كالآتي :
أ- الجهاز التنفسي ، وفيه أربعة أمراض :
1. سرطان الرئة .
2. سرطان الحنجرة .
3. الالتهاب الشعبي المزمن .
4. الأمغزيما .


ب- القلب والجهاز الدوري ، وفيه ثلاثة أمراض :
1. جلطات القلب وموت الفجأة .
2. جلطات الأوعية الدومية للمخ وما ينتج عنها من شلل .
3. اضطراب الدورة الدموية في الأطراف وجلطاتها .


ج- الجهاز الهضمى ، وفيه خمسة أمراض :
1. سرطان الشفة .
2. سرطان الفم والبلعوم .
3. سرطان المرئ .
4. قرحة المعدة والاثنا عشر .
5. سرطان البنكرياس .


د- الجهاز البولي ، وفيه ثلاثة أمراض :
1. أورام المثانة الحميد .
2. سرطان المثانة .
3. سرطان الكلى .


فهذه خمسة عشر مرضاً وهناك خمسة أمراض تقع للمرأة الحامل والأطفال وأمراض نادرة ، هذا عدا ما يسببه من
مضاعفات لأمراض كثيرة كالربو والتهاب الجلد وأمراض الأنف والأذن والحنجرة وإذ قد ثبت ضرره فإنه
يحرم تناوله لأن الله تعالى يقول : _ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً _ (النساء: من الآية29) .

ونحن نقول للناس عامة والمدرسين خاصة اتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله فيمن تحت أيديكم .


ومنها أنه أشد خبثاً من البصل والثوم وأشد إيذاء للملائكة وصالحي بني آدم فينبغي أن يمنع متعاطيه من دخول المساجد
بل يجب أن يمنع الناس من شربه بالكلية لأنه حرام قطعاً لما سبرته آنفاً من انعدام النفع فيه وثبوت الضرر البالغ
وثبوت الخبث أيضاً والله تعال يقول : _ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ _ (الأعراف: من الآية157) .


ولأن الإنفاق فيه إسراف وتبذير والله تعالى يقول : _ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ _ (الأعراف: من الآية31) .
ويقول : _ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ _ (غافر: من الآية43) . ويقول : _ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ
_ (الإسراء: من الآية27) . ولو أن إنساناً كسب شيئاً من المال ثم أحرقه لعد مجنوناً مع أن إحراق المال خارج الجسم
فيه مصيبة واحدة أما إحراقه بالدخان داخل الجسم ففيه مصيبتان إتلاف المال وضرر الجسم

وخلاصة القول أن الدخان حرام لما يأتي :
لانعدام النفع فيه فهو لا منفعة فيه أصلاً .
لثبوت ضرره لما فيه من مواد سامة وقاتلة كالنيكوتين والقار أي القطران .
لثبوت خبثه ، وخبثه أجمع عليه العقلاء
ولا عبرة بالمدخنين لأن نفوسهم مريضة .
لأنه إسراف وتبذير وإنفاق للمال في غير مصلحة .
لأنه مخدر ومفتر وقد ثبت في السنة النهي عن كل مخدر ومفتر . ولعل بعض الجاهلين يقول مالي ولي أن أفعل به ما
أشاء ونقول لهؤلاء إن المال أمانة في يدك وأنت مسؤول عن كسبه ومسؤول عن تصريفه وفي الحديث : " لن تزول
قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها وماله من أين اكتسبه وفيم انفقه ".
وبالله التوفيق .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
25-04-2015, 10:49PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



[باب التشهد]

[119] : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال علمني رسول الله ﷺ التشهد كفي بين كفيه – كما يعلمني
السورة من القرآن : " التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " وفي لفظ " إذا قعد أحدكم
في الصلاة فليقل : التحيات لله " وذكره وفيه فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء
والأرض وفيه فليتخير من الدعاء ما شاء " .


موضوع الحديث :

التشهد في الصلاة .


المفردات :

التشهد تفعل سمي بذلك لاشتماله على التلفظ بالشهادتين تغليباً على ما سواهما من الأذكار لشرفها ،
التحيات : جمع تحية : وهي كل ما يحيا به الملوك من الألفاظ الدالة على التعظيم وكلها مستحقة لله عز وجل ،
الصلوات : جمع صلاة وهي الصلاة المعهودة على الأرجح دون سواه ، الطيبات : وهي الأقوال والأفعال والأوصاف
الطيبة والدالة على الكمال كلها مستحقة لله تعالى ، السلام عليك أيها النبي : هذا دعاء على الأصح وكذلك ما بعده
إلى قوله "وعلى عباد الله الصالحين" .


المعنى الإجمالي :

يخبر عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ علَّمه التشهد كفه بين كفي النبي ﷺ أي : قابضاً على كف ابن مسعود
بكفيه معاً وذلك من كمال الاعتناء وشدة الحرص فصلى الله وسلم على المعلم الهادي معلم الخير
والهادي إلى طريق السلامة .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله : "فليقل" أن التشهد واجب وفي ذلك خلاف بين العلماء فذهب الشافعي وأحمد إلى أن
الأخير ركن ، واختلفا في التشهد الأول فذهب الشافعي وأحمد إلى أن الأخير ركن ، واختلفا في التشهد الأول
فذهب الشافعي إلى أنه سنة . وذهب أحمد إلى أنه واجب ، وفي رأيي أن الخلاف بين المذهبين هنا لفظي ،
وعند الشافعية الواجب والفرض مترادفان دليلهم حديث ابن بحينة السابق في سجود السهو والمنقول عن الحنفية
والمالكية القول بسنيتهما وعن أبي حنيفة رواية أن الأخير واجب كالإمامين وحكى النووي الوجوب رواية عن مالك .
والقول بالوجوب هو الأولى إن شاء الله لإطلاق الأمر وعدم تفسيره . والله أعلم .


ثانياً : اختلف الأئمة في المختار من ألفاظ التشهد فذهب أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله إلى اختيار تشهد ابن مسعود
هذا ؛ لأنه أصح ما روي في التشهد وقال الترمذي بعد إيراده : " قال أبو عيسى حديث ابن مسعود وقد روى
عنه من غير وجه وهو أصح حديث روي عن النبي _ في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب
النبي ﷺ ومن بعدهم من التابعين ، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق " اهـ. (2/84) .
وذهب الشافعي إلى ترجيح حديث ابن عباس الذي رواه مسلم وغيره
ولفظه : " التحيات المباركات الصلوات
الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " . بناء على أن حديث ابن عباس أكثر ألفاظ الثناء لزيادة المباركات فيه .


واختار مالك التشهد المروي عن عمر وفيه زيادة " الزاكيات" وزيادة "لله" بعد كل لفظ ثناء ، وزيادة "بسم الله" في أول
التشهد في بعض ألفاظه أخرجه في الموطأ ص87.86 عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر وعن نافع عن
عبد الله بن عمر وفيه زيادة التسمية وعن عائشة نحوه إلا أن لفظ الجلالة لم يذكر إلا في آخر الثناء .
وقد ورد ذكر التسمية من رواية أيمن بن نابل عن أبي الزبير عن جابر لكن أشار الترمذي إلى تضعيفه فقال : وروى أيمن
بن نابل المكي عن أبي الزبير عن جابر وهو غير محفوظ .
قلت : حديث أيمن عن أبي الزبير عن جابر الذي أشار إليه أخرجه النسائي ص138 وابن ماجة رقم 903 ولفظه
يشبه لفظ حديث ابن مسعود إلا أنه زاد في أوله "بسم الله" وفي آخره " أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار " وأيمن ثقة
روى له البخاري
.
وقد ورد ذكر التسمية في تشهد زيد بن علي ولفظه كما ذكره الشوكاني : " بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى
كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله ... " الخ .
واختار هذا اللفظ الهادوية إلا أني لا أعرف مدى صحته وقد سكت عليه الشوكاني ، والذي يتبين جواز التشهد
بكل لفظ ثابت عن النبي ﷺ وقد حكى الاتفاق على ذلك النووي وأبو الطيب الطبري ويترجح تشهد ابن مسعود لأمور :
لصحته فهو أصح حديث ورد في التشهد واتفق عليه الشيخان .
لاتفاق ألفاظه ، فهو على كثرة طرقه
ألفاظه متفقة .


لأن ألفاظ الثناء فيه معطوف بعضها على بعض والعطف يفيد التغاير ، فهو لذلك يُعد كل لفظ فيه ثناء مستقلاً
أما غيره من التشهدات فذكرت بدون عطف فصارت كاللفظ المؤكد . والله أعلم .
ثالثاً : يؤخذ من قوله : " فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض " أن الألف
واللام التي لاستغراق الجنس تعم أهل السماء والأرض إذا وجدت في وصف كهذا .
رابعاً : يؤخذ من أن هذا الدعاء يشمل جميع الملائكة وجميع المؤمنين الأولين منهم والآخرين الموجودين منهم والميتين
ومن سيوجد من المؤمنين إلى يوم القيامة ، وفيه تنويه بأهل الصلاح وما لهم من الفضل المدخر بدعوة كل مصلَّ
منذ بعث رسول الله _ إلى يوم القيامة .


خامساً : ويؤخذ منه بطريق المفهوم العكسي أي مفهوم المخالفة عظيم حرمان الفساق والكفار والمنافقين حيث حرموا
من دعوات المصلين واستغفار الملائكة ، فالويل لهم ما أفظع خسارتهم وأفدح مصيبتهم لو علموا والله أعلم .


سادساً : ويؤخذ من قوله : " ثم ليتخير من المسألة ما شاء " أنه يجوز كل سؤال يتعلق بالدنيا والآخرة . قال ابن
دقيق العيد رحمه الله : إلا أن بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي استثنى بعض صور من الدعاء تقبح ...
قلت : الدعاء جائز ما لم يخرج الداعي عن آداب الدعاء وفي الحديث عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه سمعت
رسول الله ﷺ يقول : " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور " .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
27-04-2015, 04:47AM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -


[120]: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عُجرة رضي الله عنه فقال : ألا أهدي لك هدية إن النبي ﷺ
خرج علينا فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا الله كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ فقال : " قولوا اللهم صلي
على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آله محمد ،
كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " .


ترجمة الصحابي :

كعبُ بن عُجرة – بضم أوله وإسكان الجيم – ابن أمين بن عدي البلوي ، ويقال القضاعي حليف الأنصار .
قال الحافظ في الإصابة : وزعم الواقدي أنه أنصاري من أنفسهم ورده كاتبه محمد بن سعد بأن قال : طلبت نسبه
في الأنصار فلم أجده . حضر الحديبية ونزلت فيه آية الفدية : _ أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ _ ، توفي في خلافة معاوية
سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث وخمسين روى أحاديث عن النبي ﷺ .


موضوع الحديث :

الصلاة على النبي ﷺ. في التشهد من الصلاة .


المفردات :

أهدي لك هدية : أتحفك تحفة ثمينة .
فكيف نصلي عليك : أي ندعو لك .
والصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى ، ومن الآدميين الدعاء ، الآل يطلق على معان منها الأتباع عامة
قال تعالى : _ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ _ (غافر: من الآية46) . ومنها القرابة كما في قوله
تعالى : _ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ _ (الحجر:59-60) .
وكما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم وذكر الحديث في خطبة النبي ﷺ في غدير خم وفيه الوصية بكتاب
الله والحث على التمسك به واتباعه وقال : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " . فقال حصين بن سبرة : ومن
أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته وأهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قال : من
هم ؟ قال : آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس .


ومنها : أن الآل هم المتقون من أتباعه ويدل له حديث : " ليس آل فلان لي بأولياء إنما أوليائي منكم المتقون" .
ومنها : أن الآل هم الذرية خاصة واستدل له بحديث عائشة عند مسلم وأم سلمة عند الترمذي أن النبي ﷺ أدخل
علياً وفاطمة والحسن والحسين في كساء كان معه وقال : _ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً _(_) (الأحزاب: من الآية33) .


قوله :إنك حميد مجيد : حميد صيغة مبالغة بمعنى محمود أي كثير الصفات المقتضية للحمد أو المحمود من خلقه
كثيراً ، أو المستحمد إلى عباده بمعنى أنه يحمد لهم لقليل من العمل مع التوحيد والإخلاص فيباركه وينميه ،
والكل سائغ فيه ، فهو الموصوف بهذه الصفات كلها ، وهو في الأول بمعنى المستحق للثناء ، وفي الثاني الذي اتجه
جميع العباد إليه بالثناء لما له من الكمالات ولما أسداه وأولاه من النعم ، وفي الثالث بمعنى الشكور لعباده القليل من
العمل ويعطي عليه الثواب الكثير .


ومعنى مجيد : صيغة مبالغة من المجد وهو الشرف والعظمة والسؤدد ، أي أنك المستحق لكل صفات الشرف والسؤدد ،
وأتى بأن المكسورة الدالة على التعليل قبل هاتين الصفتين لتكون تعليلاً لما سبق له من الكمالات وألفاظ التعظيم في
التشهد والصلاة وأنه المستحق لذلك دون غيره . والله أعلم .


المعنى الإجمالي :

للنبي الكريم – الذي أنقذنا الله به من الضلالة وعلمنا به من الجهالة وبصرنا به من العمى ونجانا به من النار ؛ بل نلنا
باتباعه أعظم فوز في جنة الخلد وفي جوار الله رب العالمين – حقوقٌ على أتباعه أهمها : امتثال أمره ، وتصديق خبره ،
والصلاة عليه إذا ذكر ، وأن يذكر إذا ذكر الله تنويها بعلو مكانته وسمو درجته ، وأنه هو المثل البشري الأعلى للقدوة
والأسوة والحب والمتابعة ؛ لذلك قرن الله اسمه باسمه في الأذان والإقامة ، ويشرع الصلاة والتسليم عليه في كل
صلاة ن فألهم الله أصحابه أن يسألوه بهذا السؤال : قد علمنا الله كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا
نحن صلينا عليك في صلاتنا ؟ فقال : " قولوا اللهم صل على محمد .. الخ " ، فصلى الله وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون
وصلى عليه المصلون .


فقه الحديث :

أولاً : اختلف العلماء في الصلاة على النبي ﷺ هل هي واجبة في الصلاة أم لا ؟ فذهب الشافعية وأحمد في الرواية
المشهورة عنه وإسحاق وحكاه في النيل عن عمر وابنه وابن مسعود من الصحابة وجابر بن زيد والشعبي ومحمد
بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر. والهادي والقاسم قال : واختاره أبو بكر بن العربي – رحمه الله – من المالكية .


وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب منهم مالك وأبو حنيفة والثوري وهو رواية عن أحمد قال في المغني وعن أحمد
أنها غير واجية .


استدل القائلون بالوجوب بالأمر في قوله تعالى : " قولوا اللهم صل على محمد .. الخ " ولا يخفى أن هذا الأمر
كان جواباً على سؤال السائل عن الكيفية ، ولقائل أن يقول : إن الجواب بالكيفية لا يفيد وجوب الماهية ،
وإلى ذلك جنح الشوكاني في النيل (1/286) حيث قال : ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة
في الأحاديث تعليم كيفية وهي لا تفيد الوجوب ، فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره : إذا أعطيتك درهماً
هل أعطيك سراً أو جهراً فقال له : أعطنيه سراً كان ذلك أمراً بالكيفية التي هي السرية لا أمر بالإعطاء وتبادر هذا
المعنى لغة وشرعاً وعرفاً لا يُدفع .


قلت : وللقائلين بالوجوب أن يجيبوا بأن أصل الإيجاب مستفاد من الآية : _ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً _ (الأحزاب:56) .
ولهذا فإن الصحابة لم يسألوا عنه ولكن سألوا عن الكيفية التي يؤدون بها هذا الواجب ، علمنا الله كيف نسلم عليك
فكيف نصلي عليك ؟ فأجابهم بقوله : " قولوا اللهم صلى على محمد .. الخ " ، فكان الجواب تقرير للوجوب المستفاد
من الآية وبيان الكيفية التي يؤدي بها .


ومما يدل على الوجوب في الصلاة ما رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في
تحقيقه لصحيح ابن خزيمة من حديث أبي مسعود عقبة بن عامر رضي الله عنه بلفظ أقبل رجل حتى جلس بين يدي
رسول الله ﷺ ونحن عنده فقال : يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه . فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا
في صلاتنا ؟ صلى الله عليك ؟ قال : فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال : " إذا أنتم صليتم عليّ
فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على
محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم

إنك حميد مجيد " .


علمنا الله كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ فأجابهم بقوله : " قولوا اللهم صلى على محمد .. الخ " ، فكان
الجواب تقرير للوجوب المستفاد من الآية وبيان الكيفية التي يؤدي بها .
ومما يدل على الوجوب في الصلاة ما رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في تحقيقه
لصحيح ابن خزيمة من حديث أبي مسعود عقبة بن عامر رضي الله عنه بلفظ أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول
الله ﷺ ونحن عنده فقال : يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه .
فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ صلى الله عليك ؟ قال : فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله
ثم قال : " إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
إنك حميد مجيد " .


ومما يدل على الوجوب أيضاً الوعيد على من ترك الصلاة عليه إذا ذكر والدعاء عليه بإرغام أنفه وبالبعد من رحمة الله
وتسميته بخيلاً ، فقد روى الترمذي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " رغم أنف رجل ذكرت
عنده فلم يصل عليّ ، ورغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه
الكبر فلم يدخلاه الجنة " .
ثم قال وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وحديث أنس عند النسائي مرفوعاً : " من ذكرت عنده فليصل عليّ فإنه
من صلى عليّ " الحديث سنده صحيح ، وروى الترمذي بسنده إلى علي بن أبي طالب ﷺ قال : قال رسول
الله ﷺ : " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ " ، وقال : قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح
غريب .


فإن قيل : هذه الأحاديث مقيدة لوجوب الذكر وهو أعم من كونه داخل الصلاة فأين الدليل على الوجوب
في الصلاة وبعد التشهد بالذات ؟
فالجواب : أما حديث أبي مسعود البدري فهو مقيد للوجوب داخل الصلاة وإن لم يعين موضع الوجوب منها .
وأما حديثا أبي هريرة وعلي فهما قيدا الوجوب بالذكر سواء حصل داخل الصلاة أو خارجها ، وأما تحديد موضوع
الوجوب بما بعد التشهد فذلك يؤخذ باستنباط فقهي دقيق وهو أنه : لما شرع في التشهد الثناء على الله والتسليم
على النبي ﷺ وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض وختم بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمداً عبده ورسوله فختم التشهد بذكره ناسب أن يصلي عليه بعد ذلك بالكيفية التي علمها رسول الله _ أصحابه ،
لتكون هذه الصلاة خاتمة للتشهد وفاتحة للدعاء المشروع بعد التشهد ، وبهذا التقرير يتضح رجحان ما ذهب
إليه الإمامان أحمد بن حنبل والشافعي من وجوب الصلاة على النبي _ في التشهد الأخير ، وهل تبطل صلاة من
تركه عمداً ؟ هذا الذي يظهر لي .


وقال بذلك الشافعي وإسحاق وعن أحمد روايتان ، قال في المغني : قال المروزي : قيل لأبي عبد الله : إن ابن
راهويه يقول لو أن رجلاً ترك الصلاة على النبي في التشهد بطلت صلاته . قال : ما أجترأ أن أقول هذا ، وقال
في موضع آخر : هذا شذوذ ، إلى أن قال : وظاهر مذهب احمد وجوبه . فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد
أنه قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبيَّنتُ فإذا الصلاة
واجبة .
واستدل القائلون بعدم الوجوب بأدلة لا تنتهض للاستدلال على محل النـزاع . منها حديث : " إذا تشهد أحدكم
فليستعذ بالله من أربع " رواه مسلم . عن أبي هريرة ؟


لتكون هذه الصلاة خاتمة للتشهد وفاتحة للدعاء المشروع بعد التشهد ، وبهذا التقرير يتضح رجحان ما ذهب إليه
الإمامان أحمد بن حنبل والشافعي من وجوب الصلاة على النبي _ في التشهد الأخير ، وهل تبطل صلاة
من تركه عمداً ؟ هذا الذي يظهر لي .


وقال بذلك الشافعي وإسحاق وعن أحمد روايتان ، قال في المغني : قال المروزي : قيل لأبي عبد الله : إن ابن
راهويه يقول لو أن رجلاً ترك الصلاة على النبي في التشهد بطلت صلاته . قال : ما أجترأ أن أقول هذا ، وقال في
موضع آخر : هذا شذوذ ، إلى أن قال : وظاهر مذهب احمد وجوبه . فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد أنه
قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبيَّنتُ فإذا الصلاة
واجبة .
واستدل القائلون بعدم الوجوب بأدلة لا تنتهض للاستدلال على محل النـزاع . منها حديث : " إذا تشهد أحدكم
فليستعذ بالله من أربع " رواه مسلم . عن أبي هريرة ؟


وجه الاستدلال : أن النبي ﷺ أمر بالاستعاذة من هذه الأربع بعد التشهد ، وذلك ينفي وجود واجب بينها .
والجواب : أن يقال : أولاً : أن الصلاة على النبي ﷺ من مسمى التشهد فهي تتميم له .


ثانياً : أن الأمر بالاستعاذة لا ينفي وجود ذكر آخر ، وغاية ما يدل عليه أن النبي ﷺ أمر أن يكون هذا مما يقال
بعد التشهد .
واستدلوا أيضاً بحديث ابن مسعود عند أبي داود من رواية الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد الله
في التشهد وفيه :
" إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد " . ورواه أحمد
والدارقطني وقال فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي ﷺ وفصله شبابه عن زهير وجعله
من كلام عبد الله بن مسعود ، وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي ﷺ ؛ لأن ابن ثوبان
رواه عن الحسن بن الحر كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد
بن أبان من روايتهم على ترك ذكره في آخر الحديث . مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله
بن مسعود على ذلك والله أعلم .


وبهذا تعلم أن هذه الزيادة مدرجة وليست من كلام النبي ﷺ وليس فيها حجة وقد تبين بهذا أن وجوب الصلاة
لا مدفع له والله أعلم .
ثم إن القائلين بالوجوب في الصلاة خصوه بالتشهد الأخير مستدلين بحديث الرضف رواه النسائي من طريق الهيثم بن أيوب
الطالقاني ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله
بن مسعود ، رجال الحديث كلهم ثقات ، مخرَّج لهم في الصحيحين أو أحدهما إلا أبا عبيدة فقد أخرج له
أصحاب السنن ، والجمهور على أنه لم يسمع من أبيه وإلا الهيثم أخرج له النسائي فقط وهو ثقة وعزاه في المغني
لأبي داود ، ولم أره فيه ، بل هو في النسائي ولفظه : كان النبي ﷺ في الركعتين كأنه على الرضف .
قلت : حتى يقوم . قال ذلك يريد ، والرضف : وهو
الحجارة المحماة .


وذكر في تعليق على سنن النسائي أن الإمام أحمد روى في المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : علمني
رسول الله ﷺ التشهد في وسط الصلاة وآخرها ، فإذا كان في وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد ... الحديث
قال الهيثمي : رجاله موثوقون . وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح . وذكره الحافظ في التلخيص ، والزيلعي في نصب
الراية وحكى في المغني أن الإمام أحمد روى عن مسروق قال كذا إذا جلسنا مع أبي بكر كأنه على الرضف
حتى يقوم وحكى عن الإمام أحمد أنه كان يفعل ذلك فهذا يدل على أنه صحيح عنده .


ثانياً : اختلف العلماء في وجوب الصلاة على الآل وهما وجهان لأصحاب الشافعي ، وظاهر مذهب الإمام أحمد
أن الوجوب مقصور على الصلاة على النبي ﷺ وحده دون الآل . ذكره في المغني وقال قال بعض أصحابنا :
تجب الصلاة على الوجه الذي في خبر كعب ؛ لأنه أمر ، والأمر يقتضي الوجوب . والأول أولى اهـ.


قلت : بل القول بوجوب الكيفية الواردة في حديث كعب أولى ؛ لأنها بيان للواجب ، ثم هي مأمور بها أيضاً
كما تقدم بيانه وأيده الصنعاني في العدة (3/22) .


ثالثاً : اختلفوا في الآل من هم ؟ فقيل :
الأول : من حرمت عليهم الصدقة . وهذا منصوص الشافعي وأحمد والأكثر من العلماء ، قال الصنعاني في العدة وقالت
الحنفية : هم بنو هاشم خاصة .
الثاني : أن آله هم أزواجه وذريته خاصة ؛ لوروده في حديث أبي حميد : "اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ".
الثالث : أنهم أتباعه إلى يوم القيامة . قال حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم واقدم من روى هذا عنه جابر بن
عبد الله ذكره البيهقي ، ورواه عن سفيان الثوري قال : ورجحه النووي في شرح مسلم واختار الأزهري اهـ.
الرابع : أنه الأتقياء من أمته . حكاه جماعة من الشافعية .


قلت : وهو الأرجح في رأيي لما يأتي :
أولاً : أن النبي ﷺ قال فيما وراه البخاري ومسلم من طريق عمرو بن العاص رضي الله عنه : " إن آل فلان ليسوا
لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ، ولكن لهم رحم ابلها ببلالها " ، والله تعالى يقول : _ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ _ (التحريم: من الآية4) . وفي حديث
عبد الله بن عمر عند أبي داود في الفتن بسند يحتمل الصحة ؛ لأن رجال سنده كلهم ثقات موصوفون
بالصدق وفيه :
" ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني ، إنما أوليائي المتقون ".
الحديث رقم 4242 .


ثانياً : أن السلام في أول التشهد شرع مختصاً بالصالحين فيحسن أن يكون الآل في الصلاة هم أهل الصلاح والتقوى
ليناسب المشروع في التشهد ولا ينافي تقييد الولاية في هذين الحديثين بأهل الصلاح والتقوى . والله أعلم .


رابعاً : قال ابن دقيق العيد رحمه الله : اشتهر بين المتأخرين سؤال وهو أن المشبه به فكيف يطلب للنبي ﷺ
صلاة تشبه بالصلاة على إبراهيم – أي مع أنه قد ثبت أن النبي ﷺ أفضل من إبراهيم ومن جميع الرسل ؟ اهـ.


وقد أجيب على هذا الإشكال بأجوبة لم يخل شيء منها عن إيرادات ، ولا أرى من وراء هذا البحث طائل يوجب
التحرير ، لكن نزولاً على رغبة بعض الباحثين يمكن أن يقال : إن أحسن الأجوبة المسبورة هو أن آل إبراهيم
معظمهم أنبياء ورسل فيأخذون حظوظهم على قدر منازلهم ، والنبي ﷺ معهم ، ثم يطلب للنبي ﷺ صلاة
مثل الصلاة التي حصلت لإبراهيم وآله وليس في آل النبي ﷺ نبي ، فيأخذون حظوظهم بقدر منازلهم ،
فيبقى الفاضل للنبي ﷺ فيكون المتحصل له أكثر من المتحصل لإبراهيم . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
27-04-2015, 11:24PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله - ‏


[121] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يدعو : "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر
وعذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال" وفي لفظ لمسلم : " إذا تشهد أحدكم فليستعذ
بالله من أربعٍ : يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم .." ثم ذكر نحوه .


موضوع الحديث :

الدعاء بعد التشهد .


المفردات :

أعوذ : بمعنى ألجأ واعتصم بك يا رب مما ذكر من عذاب القبر .
العذاب : هو تعرض الإنسان لما يؤلمه بحرارته كالنار ، أو بثقله كالصدمات بالأثقال ، أو التردي من الشواهق ،
أو بضيقه كالسجون الضيقة تحت الارض ، أو بغوصه في البدن كغرز إبرة في الجسم ولهذا قال تعالى : _ كَلَّا
إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ _ (المطففين:7) . وهذا بالنسبة لعذاب الدنيا ، أما عذاب البرزخ وعذاب الآخرة
فهو شيء لا يستطاع وصفه .


فتنة المحيا : هي البلوى التي يختبر بها العبد ليُرى ثباته على الحق أو تحوله عنه متأثراً بها أي بالفتنة التي يتعرض
لها كما قال تعالى : _ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ _ (الأنبياء: من الآية35) . _ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى
الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً _ (الكهف:7) . _ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ _ (آل عمران: من
الآية186) .

المحيا : أي الحياة وفتنة المحيا ما يتعرض له الإنسان في حياته من تقلبات قد توقعه في المعصية تارة ، والكفر تارة
والشرك أخرى ، والفتنة تكون إما بالغنى ، وإما بالفقر والحاجة ، وإما بالمرض ، وإما بتقلبات السياسة ، وإما بضغوط
المجتمع ، وإما بحب الأهل والولد ، وإما بالرغبة في الدنيا والطمع فيها ، وإما بالرهبة من عدو أو غير ذلك مما
يتعرض له العبد في حياته .


فتنة الممات : يحتمل أن يكون المراد به ما يكون عند الموت من أمر الخاتمة إذ قد ورد أن الشيطان يتعرض للإنسان
ليحوله عن الإيمان حتى في آخر لحظة من عمره كالحكاية التي حكيت عن الإمام أحمد عند موته وإما أن يكون
المراد به بعد الموت عند نزول القبر من تعرض العبد لفتنة السؤال من قبل الملكين نكير ومنكر وقد صح عن النبي
ﷺ في ذلك أحاديث لا أطيل بذكرها وفي ذلك يقول الله عز وجل : _ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ _ (إبراهيم:27) . اللهم ثبتنا يا رب .


المسيح : بالسين المهملة والحاء المهملة أيضاً وقيل بالخاء من المسخ والثابت الأول ، وهذا اللفظ يطلق على الدجال
وعلى نبي الله عيسى عليه السلام فإذا أريد به الدجال قيد به ، أما عيسى عليه السلام فلقب له لأنه لا يمسح ذا عاهة
إلا برئ أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً أي مدهوناً وأما الدجال : فلأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة
وقيل لأنه ممسوح العين اليمنى .


والدجال : من الدجل وهو التضليل وذلك لأنه يضلل الناس فيقول لهم هو ربهم ويأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت
فتنة من الله لعباده والعياذ بالله .


المعنى الإجمالي :

شرع الله عز وجل لعباده على لسان رسوله ﷺ أن يستعيذوا به في دفع الفتن عنهم وأن يقيهم عذاب القبر
وعذاب النار لأنه لا قبل لهم بدفع ذلك ولا طاقة لهم بصرف ضرر هذه الأمور الضارة عن أنفسهم إن لم يكن لهم
عون وهداية وتوفيق من الله وشرع بعد التشهد ليكون ذلك في آخر الصلاة التي هي أفضل قربة إلى الله ؛ لأن
ذلك أحرى للإجابة . والله أعلم .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث مشروعية التعوذ بالله من هذه الخصال لشدة خطورتها وضررها على العبد .
ثانياً : يؤخذ منه أنها بعد التشهد لأنه أقرب للإجابة .
ثالثاً : يؤخذ منه أن المشروع للعبد أن يتقرب أولاً إلى الله بفعل ما أمره ثم يسأله بعد ذلك فهو أولى بأن
يجاب وذلك أن إجابة الله لعبده مشروطة باستجابة العبد له بفعل أوامره واجتناب نواهيه كما أشار إلى
ذلك القرآن حيث يقول الله تعالى : _ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا
لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ _ (البقرة:186) .


رابعاً : يؤخذ منه شدة خطر الفتن التي يتعرض لها العبد في حياته وبعد موته وأنه لا يستطيع الخلوص منها إلا بحول
وقوة من الله .

خامساً : يؤخذ منه شدة خطر الدجال وعظم فتنته ، مما جعل النبي ﷺ يحذر أمته ويأمرهم بالاستعاذة بالله
من شره .
سادساً : الاستعاذة من عذاب القبر وعذاب النار استعاذة من أسباب العذاب المؤدية إليه .


سابعاً : أن الموافقة في الاسم بين المؤمن والكافر لا تضر وذلك لأن نبي الله عيسى _ سمي المسيح ، والدجال سمي
المسيح وإذا أريد الدجال بين بالوصف والله أعلم .

ثامناً : خص الفقهاء هذا الدعاء وغيره بالتشهد الأخير ، قال ابن دقيق العيد : وليعلم أن قوله ﷺ إذا تشهد أحدكم
عام في التشهد الأول والأخير معاً ، وقد اشتهر بين الفقهاء استحباب التخفيف في التشهد الأول وعدم استحباب
الدعاء بعده حتى تسامح بعضهم في الصلاة على الآل فيه إلى أن قال والعموم الذي ذكرنا يقتضي الطلب بهذا الدعاء
فمن خصه فلابد من دليل راجح وإن كان نصاً فلابد من صحته .


قلت : النص هو حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وقد علمت أنه قد أعل بعدم سماع أبي عبيدة من أبيه
ولكن يتأيد بحديث ابن مسعود عند أحمد رحمه الله علمني رسول الله ﷺ التشهد في وسط الصلاة وآخرها فإذا
كان في وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد قال الهيثمي رجاله موثقون وصححه أحمد شاكر وبهذا يتبين رجحان
ما ذهب إليه الفقهاء ، والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
28-04-2015, 08:52PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -




[122] : وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى علمني
دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر
لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم " .


موضوع الحديث :

الدعاء في الصلاة وهذا الحديث من جوامع الأدعية والإستغفارات .


المفردات :

دعاء أدعو به في صلاتي : الدعاء هو طلب العبد من ربه سبحانه طلب يصحبه خضوع وافتقار ومسألة .
ظلمت نفسي ظلماً كثيراً : إخبار أن الذنوب ما هي إلا ظلم من الإنسان لنفسه بإيقاعها فيما لا طاقة لها به ، أما الرب
عز وجل فهو في غنى عن طاعة المطيعين ويتنـزه أن تضره معصية العاصين وفي الحديث القدسي : " يا عبادي إنكم
لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " .
ظلماً كثيراً : فيه إخبار بكثرة وقوع الإنسان في الذنوب والظلم للنفس وذلك بالتقصير في الواجبات إما بالتأخير
وعدم المسارعة أو بعدم تأديتها على الوجه المطلوب وإما بدخول الرياء والعجب فيها وإما بترك بعضها والتهاون
فيه إيثار الراحة أو خوفاً من الملامة من بعض الجاهلين أو غير ذلك ، أما المعاصي فكثير ما يقع فيها العبد
بدافع الطمع أو بدافع الهوى أو رضا المخلوق أو طاعة للشيطان ولهذا فإن العبد لا يخلو في كل لحظة من عمره
من تقصير في واجب أو وقوع في ذنب ؛ فلهذا قال ظلماً كثيراً . والله
أعلم .
من عندك : أي تفضلاً منك عليّ وإن كنت لا استوجبه تفضلاً محضاً .


المعنى الإجمالي :

طلب أبو بكر الصديق _ من رسول الله ﷺ أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فعلمه هذا الدعاء الجامع النافع
المتضمن لمغفرة كل ظلم بدر من العبد بحكم بشريته وبحكم دنياه التي يتقلب فيها والتي لا يخلو فيها أحد
من ظلم وقد تضمن هذا الدعاء على قلته عدة أمور هي أساس في العقيدة :
أولها : اعتراف العبد بالتقصير في حق ربه .
ثانيها : إفراد الله بالألوهية في قوله "ولا يغفر الذنب إلا أنت".
ثالثها : تفويضه إليه وتخليه عن السببية في قوله "فاغفره لي مغفرة من عندك " .
رابعها : استكانة العبد لربه وتذلـله له وافتقاره إليه بطلب التفضل المحض .
خامسها : وصف العبد لربه بالمغفرة والرحمة .

فقه الحديث :

يؤخذ من هذا الحديث سنية هذا الدعاء في الصلاة أما في أي مكان فيها فهذا لم يرد بالتحديد ومواضع الدعاء
في الصلاة موضعان .


قال ابن دقيق العيد رحمه الله : هذا الحديث يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين لمحله ولو
فعل فيها حيث لا يكره الدعاء في أي الأماكن كان ، ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين إما السجود وإما
بعد التشهد اهـ.
وقال في العدة : أما محلات الدعاء في الصلاة التي ورد أنه كان يدعو فيها رسول الله ﷺ فهي سبعة مواضع
كما ذكره ابن القيم في زاد المعاد ويجمعها قولنا مواضع كانت في الصلاة لأحمد إذا ما دعا قد خصصوها بسبعة :

مواضع كانـت في الصـلاة لأحمد
إذا مـا وعـاقد خصـوصها بسبعة
عقـيب افتـتاح ثم بعـد قـراءة
وحـال ركوع واعتـدال وسـجدة
وبيـنهما بـعد التشـهد هـذه
مواضـع تـروى عن ثـقات بصحة


وتحريرها :
1- دعاء الاستفتاح .
2- بعد القراءة كما ورد أنه كان إذا قرأ فمر بآية رحمة سأل أو آية عذاب استعاذ .
3- في الركوع .
4- في الاعتدال من الركوع .
5- في السجود .
6- في الاعتدال بين السجدتين .
7- بعد التشهد .
قلت : أكثر هذه المواضع لها أذكار معينة كالاستفتاح وذكر الاعتدال من الركوع وبين السجدتين ، فينبغي المثابرة
على الوارد إلا إذا أطال فلا مانع أن يدعو بغير ما ورد ، والذي ثبت الحث على الدعاء فيه هو السجود لحديث
أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ، وبعد التشهد لقوله صلى
ثم ليتخير من الدعاء أعجبه أو من المسألة ما شاء .


ثانياً : فيه دليل على أن الإنسان لا يخلو من ذنب أو تقصير في واجب دائماً ويدل عليه قوله _ : " استقيموا ولن تحصوا ،
وأعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ". عزاه في الجامع الكبير إلى أحمد والحاكم
والبيهقي من حديث ثوبان والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو وسلمة ابن الأكوع ، وصححه الألباني في صحيح
الجامع الصغير رقم 963 ، وحديث : " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " عزاه في تخريج الجامع الصغير
إلى أحمد والترمذي والحاكم وقال حسن وهو برقم 4391 .


ثالثاً : يؤخذ منه أن الأليق بالعبد التخلي عن الاعتماد على الأسباب لا لأنها ليس لها تأثير بل ما أمر الله بها إلا لربط
مسبباتها بها كربط دخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح وربط عصمة الدم والمال بالشهادتين وما من شيء إلا ربط
مسببه بسبب كربط المغفرة بالتوبة ولكن لا يكون مدلياً بها على الله وينص الحديث أن توفيق الله للعبد للعمل الصالح
تفضل من الله وقبول العمل على ما فيه من آفات النقص والخلل تفضل منه وثوابه على العمل الصالح تفضل منه مع
أن العمل الصالح مغمور في جانب النعم الكثيرة والمتعددة الثابتة منها والمتجددة وعلى هذا فليس للعبد شيء
يوجب إدلاله بالعمل مع ما ذكر . والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ منه رد على المعتزلة في قولهم أن الأعمال الصالحة موجبة للثواب وجوباً عقلياً إذ لو كان كما قالوا
لقال فاغفر لي باستغفاري ولا يخفى أن هذا إلزام للباري تعالى من قبل عباده وفي ذلك من سوء الأدب مع الله ما فيه .
والحق أن الله لا يلزم بشيء من قبل خلقه ولا يجب عليه شيء لخلقه ولكنه وعد ووعده الحق أن يثيب المطيعين
ويرحم المؤمنين لا إلزاماً ووجوباً ولكن رحمة منه وفضلا والله لا يخلف الميعاد .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
29-04-2015, 11:18PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -


[123] : عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما صلى رسول الله ﷺ صلاة بعد أن نزلت عليه [إذا جاء نصر
والفتح ] إلا يقول فيها سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ،
وفي لفظ : كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي .


موضوع الحديث :

الذكر في الركوع والسجود .


المفردات :

ما صلى : ما نافية وإلا استثناء بعدها وصلاة مفعول صلى .
إلا يقول فيها : أي إلا قال سبحانك بمعنى أسبحك أي أنزهك والمصدر ناب عن الفعل .
وبحمدك : يحتمل أن تكون الباء سببية أي بسبب إنعامك علي بالتوفيق أسبحك ، ويحتمل أن تكون للملابسة
أي حال كوني متلبساً بحمدك ورجح هذا المعنى الصنعاني في العدة (3/44) لجمعه _ بين التسبيح والتحميد في
الحديث وفائدة الجمع بين هذه الثلاث أن التسبيح تنـزيه الله عن النقائص والعيوب والحمد اعتراف لـه بالكمالات
المقتضية للمحامد كلها اللهم اغفر لي إقرار بالنقص واعتراف بالذنب وتوحيد لله بطلب المغفرة منه تعالى دون سواه .


المعنى الإجمالي :

جعل الله لنبيه ﷺ علامة تدل على دنو أجله وهي دخول الناس في دين الله أفواجاً أي جماعات بعد أن كانوا
يدخلون فيه واحداً واحدا فإذا رأى ذلك أكثر من التسبيح والتحميد وطلب المغفرة وقد نفذ ذلك بعد نزول السورة
ورأى العلامة وجعل ذلك ذكراً للركوع والسجود .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ منه مشـروعية هذا الذكر في الركوع والسجود ، سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ، أو سبحانك
ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، أو سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي .


ثانياً : يؤخذ منه مشروعية ضم التحميد إلى التسبيح من الذكر الآخر سبحانك ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى ،
وقد ورد بذلك نص عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أخرجه أبو داود برقم (870) وفيه رجل مجهول
ولفظه : فكان رسول الله ﷺ إذا ركع قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً ، وإذا سجد قال سبحان ربي
الأعلى وبحمده ثلاثاً ، وقال قال أبو دواد : وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة .


وأصل الحديث لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله ﷺ اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت
سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم أخرجه الحاكم (1/245) فسمى المبهم إياس بن عامر وقال
صحيح وقد اتفقا على الاحتجاج برواته كلهم إلا إياس بن عامر وهو مستقيم الإسناد ، ورده الذهبي بقوله اياس
ليس بالمعروف ، وأيده الألباني ؛ لأنه لم يرو عنه غير ابن أخيه موسى بن أيوب وقال لم يورده الذهبي في الميزان .


قلت : ولا الحافظ في اللسان وأخرجه ابن ماجة رقم 887 باب التسبيح في الركوع والسجود بدون الزيادة أيضاً
وترجم في التهذيب لاياس بن عامر رقم 717 ونقل عن العجلي أنه قال لا بأس به قال وذكره ابن حبان في
الثقات ، قلت : ابن حبان يوثق من لا يعلم فيه جرحاً قال وصحح له ابن خزيمة ، قلت : وابن خزيمة يتساهل
في التصحيح وبهذا تعلم أن الحديث ضعيف إلا أنه يتأيد بهذا الحديث الصحيح وإن تقيد باللفظ الوارد فحسن
والله أعلم .


ثالثاً : يؤخذ منه ما كان عليه النبي _ من المتابعة للقرآن ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق
النبي ﷺ قالت كان خلقه
القرآن .


رابعاً : يؤخذ من قوله اللهم اغفر لي دليل لمن قال أن النبي ﷺ. ليس معصوماً من الصغائر وفي ذلك خلاف بين
أهل العلم ليس هذا محل بسطه ولعل الأقرب في هذا أن النبي ﷺ معصوم من قصد المعصية سواء كانت
صغيرة أو كبيرة وقد يقع فيما يعد من اللمم من قبيل اجتهاد يخطئ ولكن لعلو مقامه يعتبر منه كذنب كقوله تعالى :
_ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ _ (التوبة: من الآية43) .


وقوله : _ وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ _ (النساء: من الآية107) .
وكقوله تعالى _ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ _ (آل عمران: من الآية128) . أما الأقوال التشريعية فهو معصوم فيها قال تعالى : _ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى _ (النجم:3-4) . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
30-04-2015, 09:24PM
بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



باب الوتر


[124] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال سأل رجل النبي ﷺ وهو على المنبر ما ترى في صلاة
الليل ؟ قال : " مثنى ، مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة ، فأوترت له ما صلى " . وإنه كان يقول : "
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ".


موضوع الحديث :

صلاة الليل والوتر .


المفردات :

وهو على المنبر : جملة حالية أي سأله حال وجوده على المنبر .
ما ترى في صلاة الليل : ما استفهامية .
قال مثنى مثنى : أي هي مثنى مثنى أي اثنتين اثنتين ، فالضمير مبتدأ ومثنى خبر وهو معدول عن اثنين واثنتين .


فإذا خشي أحدكم الصبح : أي خاف أن يدركه الفجر قبل أن يوتر .
صل واحدة فأوترت له ما صلى : أي صلى ركعة واحدة .
فأوترت له ما صلى : أي صيرته وتراً .
الوتر : هو الفرد من العدد وهو ما لا ينقسم على اثنين بدون انكسار .
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً : أي اجعلوا الوتر خاتمة لها .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله ﷺ صلاة الليل مثنى ، مثنى
. أن الأفضل في صلاة الليل أن تكون مثنى ، مثنى . أي يسلم من كل ركعتين وبه أخذ مالك فمنع الزيادة على
ركعتين في النافلة وزعم بعض الحنفية أن يتشهد بعد كل ركعتين ورد بأنه قد ورد تفسير مثنى عن راوي الحديث عبد الله
بن عمر من طريق عقبة بن حريث عن مسلم قال قلت لابن عمر رضي الله عنه ما مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين .


أما الشافعية فقد أجازوا الزيادة على اثنتين مطلقاً بشرط أن لا يزيد على تشهد في الشفع ولا على ركعة في الوتر .
قلت : وقد صرح في المهذب بتفضيل الصلاة مثنى على الزيادة على ذلك .
وهو المصرح به في مذهب الحنابلة
كما أفاده في الكشاف وإنما فضل أهل العلم الصلاة مثنى في صلاة الليل لأنها وردت من القول والفعل أما الزيادة
على اثنتين فقد وردت من الفعل فقط .


ثانياً : أنها وردت بصيغة تشبه الحصر قال ابن دقيق العيد رحمه الله ، وإنما قلنا إنه ظاهر اللفظ لأن المبتدأ محصور
في الخبر فيقتضي ذلك حصر صلاة الليل فيما هو مثنى وقال في العدة لأنه معرف بالإضافة وتعريفه يفيد قصره على الخبر .


ثالثاً : أن الصلاة مثنى أيسر على العبد لأنه يسلم بعد كل ركعتين فيقضي حاجته إن كان له حاجة.


وقد صح عن النبي ﷺ أنه صلى أربعاً وأربعاً وثلاثاً وصح عنه أنه صلى خمساً بتشهد وسلام وأنه صلى سبعاً
بتشهدين وسلام ، وأنه صلى سبعاً بتشهدين وسلام يجلس على السادسة ثم يتشهد ثم يقوم فيأتي بالسابعة ثم
يتشهد ويسلم وأنه صلى تسعاً بتشهدين وسلام يجلس على الثامنة فيتشهد ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم .


فهذه الأحاديث تدل على أن الأمر في ذلك واسع وكل ذلك جائز إلا أن الصلاة مثنى مثنى أفضل لما ذكرنا
والله أعلم .


يؤخذ منه أن وصف المثنوية بصلاة الليل دون صلاة النهار إلا أنه قد وردت رواية عن أصحاب السنن وابن خزيمة
في صحيحه وأحمد وغيرهم من طريق علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر بلفظ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
وقد رد قوم هذه الرواية وحكموا على راويها بالوهم لأن الأثبات من أصحاب ابن عمر رووا عنه هذا الحديث بدون
زيادة والنهار ، وهم نافع وسالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن دينار وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وطاووس
وعبد الله بن شقيق . ولهذا قال يحيى بن معين ومن علي الأزدي حتى أقبل منه ، أي من يكون إلى جانب هؤلاء الأئمة
الأثبات ، وحكم النسائي على راويها بالخطأ .


قال في الفتح لكن روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" ،
أخرجه بن عبد البر م طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة
من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذاً . قال وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر أن ابن عمر كان يصلي
بالنهار أربعاً اهـ.


وقد احتج يحيى بن سعيد الأنصاري على بطلان هذه الزيادة بأن ابن عمر كان يصلي في النهار أربعاً أربعاً فلو
كانت صحيحة لم يخالفها .
ورغم شذوذ هذه الزيادة ومخالفة راويها لمن هم أعلى منه ثقة وأفضل منه حفظاً وأكثر منه ملازمة لعبد الله بن عمر
وهم عدد وهو واحد ، ومع مخالفتها أيضاً لما صح عن الراوي رغم هذا كله فإن بعضهم قد صححها .
ومن المعاصرين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فإنه قال في تعليقه على صحيح ابن خزيمة الحديث رقم 1210 :
قلت : إسناده صحيح ، كما حققته في صحيح أبي داود رقم 1172 وغيره . ناصر .


وحكى الحافظ في التلخيص تصحيحه عن ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
ومن صححه فقد أيده بإطلاق حديث
عبد الله بن الحارث عند أبي داود وفي سنده عبد الله بن نافع بن العمياء وهو ضعيف وأخرج الترمذي نحوه عن
ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس مرفوعاً بلفظ الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع
وتمسكن وفي سنده أيضاً عبد الله بن نافع المذكور قال الحافظ في التلخيص وله طرق أخرى منها ما أخرجه الطبراني
في الأوسط والدارقطني في غرائب مالك . وقال به الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر .


قلت : الحنيني هو إسحاق بن إبراهيم الحنيني . قال في التقريب ضعيف ، قال الذهبي في الكاشف ضعفوه ، ومنها
ما أخرجه الدارقطني من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، وفي إسناده نظر .
قلت : تبين من هذا الاستعراض لطرقه أنها كلها ضعيفة وأن تصحيحه لا يعدو أن يكون تساهلاً والله أعلم .


قال ابن دقيق العيد كما يقتضي ظاهره "أي حديث صلاة الليل مثنى مثنى" عدم الزيادة على الركعتين فكذلك
يقتضي عدم النقصان منها ، وقد اختلفوا في التنفل بركعة مفردة والمذكور في مذهب الشافعي جوازه وعن أبي
حنيفة منعه
قلت : المعروف عن مذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز الإيتار بركعة ولو صلى قبلها مثنى ، أما غير الحنفية فقد جوزوا
الإيتار بركعة إذا تقدمتها صلاة ومنعوا التنفل بركعة مفردة لم تتقدمها صلاة إلا ما ذكر عن مذهب الشافعي أنه يجيز ذلك .


وقال في المغني : قال بعض أصحابنا : ولا يصح التطوع بركعة ولا بثلاث ، وهذا كلام الخرقي .
وقال أبو الخطاب في صحة التطوع بركعة روايتان أحدهما يجوز كما روى سعيد قال جرير عن قابوس عن أبيه قال
دخل عمر المسجد فصلى ركعة ثم خرج فتبعه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة فقال هو تطوع فمن
شاء زاد ومن شاء نقص ، ولنا أن هذا خلاف قول رسول الله ﷺ صلاة الليل مثنى مثنى ولأنه لم يرد الشرع
بمثله والأحكام إنما تتلقى من الشارع اهـ.


واستدل الشافعية لجواز التطوع بركعة مفردة بحديث الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر عزاه الألباني
في تخريج الجامع الصغير 3764 للطبراني في الأوسط وقال حسن وذكره الصنعاني في العدة بلفظ فمن شاء استكثر
ومن شاء استقل وقال صححه ابن حبان .


قلت : وعلى تقدير صحته فليس فيه دليل على موضع النـزاع لأن أل في الصلاة للعهد الذهني ولم يعهد
عن الشارع ﷺ أنه صلى ركعة مفردة لم يتقدمها شيء ، وقد قال ﷺ : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .
وهل يصح الإيتار بركعة مفردة لم تتقدمها صلاة .
يقال في هذا ما قيل في سابقه اللهم إلا أن ينام عن وتره فيقوم متأخراً قد طرقه الفجر أو كاد فيوتر بواحدة مبادرة
للفجر وقد فعله عبد الله بن مسعود وحذيفة .


وأما الحنفية فقد خصصوا الإيتار بواحدة بحالة الضرورة كهذه الصورة واستدلوا على ذلك بقوله فإذا خشي أحدكم
الصبح صلى واحدة .


رابعاً : يؤخذ من قوله : " فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى ". وفي رواية عبد الرحمن بن
القاسم ، عن أبيه عن عبد الله بن عمر _ عند البخاري رقم 993 : " فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك
ما صليت " ، دليل على مشروعية الإيتار بركعة وإلى ذلك ذهب الجمهور ومنعت ذلك الحنفية فقالوا لا يصح الوتر
إلا بثلاث وقد نقل الإيتار بركعة عن جماعة من الصحابة منهم عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعبد الله
بن عباس وعبد الله بن مسعود وحذيفة ، أخرج ذلك عنهم عبد الرزاق في المصنف بأسانيد صحيحة .


وروى محمد بن نصر في قيام الليل الإيتار بركعة عن ابن عمر ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي هريرة ، وفضالة
بن عبيد وأبي موسى ، ومن التابعين عن عطاء ومحمد بن سيرين والحسن البصري وبن شهاب الزهري ، وحكاه
أيضاً عن مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو ثابت عن النبي ﷺ من قوله وفعله ، فأما القول
ففي حديث عبد الله بن عمر الثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها وفيه فإذا خشي أحدكم الصبح صلى
واحدة توتر له ما قد صلى ، وفي لفظ عبد الرحمن بن القاسم الذي ذكرته في هذا البحث فإذا أردت أن تنصرف
فاركع ركعة توتر لك ما صليت .


وأما الفعل فقد ثبت إيتاره بركعة من حديث ابن عباس عند البخاري ومسلم من حديث عائشة عند مسلم ومن حديث
ابن عمر عن البخاري ومسلم .


وقال الشوكاني في السيل الجرار (1/326) : أما الإيتار بركعة فقد ثبت ثبوتاً متواتر وذلك واضح ظاهر لمن له أدنى
اطلاع على السنة المطهرة اهـ.
وروى الطحاوي في معاني الآثار بسند في غاية الصحة من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان
رسول الله ﷺ يصلي فيما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة .


وهذه الأحاديث الصحاح كلها أدلة ساطعة تدل على سنية الإيتار بركعة وترد على من كره ذلك .
والله يعلم أنه ضاق صدري حينما قرأت باب الوتر في معاني الآثار للطحاوي فرأيته- رحمنا الله وإياه – على كثرة
ما أورد من أحاديث وآثار تدل على سنية الإيتار بواحدة أو بثلاث متصلة بتشهد وسلام ، أو بثلاث يفصل شفعها
عن وترها بتشهد وسلام ، فتعود إلى الإيتار بواحدة ، يدعى إجماعاً على خلاف ما دلت عليه هذه الأحاديث
والآثار ، ويتأول الأحاديث والآثار بتأويلات متعسفة لكي توافق رأي إمامه .
وكم ترى من جهبذ في العلم كهذا يحاول التخلص من سنة ثابتة لكي ينـزل على رأي إمامه كأن رأي الإمام هو
الأصل وسنة النبي ﷺ هي الفرع وفي هذا من شرك التحكيم ما فيه .


خامساً : يؤخذ من قوله " فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة " وفي رواية فليركع ركعة توتر له ما صلى أن وقت
الوتر ينتهي بطلوع الفجر ، قال ابن دقيق العيد وفي مذهب الشافعي وجهان أحدهما أنه ينتهي بطلوع الفجر
والثاني أنه ينتهي بصلاة الصبح . اهـ.


قلت : وفي المذهب الحنبلي أن وقته ينتهي بطلوع الفجر قال في المغني ، ووقته ما بين العشاء وطلوع الفجر
الثاني فلو أوتر قبل العشاء لم يصح وتره ، وقال الثوري وأبو حنيفة إن صلاها قبل العشاء ناسياً لم يعده وخالفه
صاحباه فقالا يعيد ، وكذلك قال مالك والشافعي اهـ.
وهذا القول هو الذي تؤيده الأدلة وعليه الإجماع .


قال المقريزي في مختصر قيام الليل والوتر للمروزي في باب وقت الوتر والذي اتفق عليه أهل العلم أن ما بين صلاة
العشاء وطلوع الفجر وقت للوتر ، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يصلي الفجر وقد روى عن النبي ﷺ
أنه أمر بالوتر قبل طلوع للفجر اهـ.
قلت : وحديث عائشة الآتي بلفظ من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى وانتهى وتره إلى السحر .
يدل دلالة واضحة أن وقت الوتر ينتهي بانقضاء وقت السحر ، ووقت السحر ينقضي بطلوع الفجر الثاني .


ومما يدل على انقضاء وقت الوتر بطلوع الفجر القاني حديث أبي سعيد عند مسلم أنهم سألوا النبي ﷺ عن الوتر
فقال أوتر قبل الصبح وفي لفظ له أوتر قبل أن تصبحوا .
وقد أخذنا بما صح عن النبي ﷺ وما انعقد عليه الإجماع من أمته وتركنا ماعدا ذلك لأنه اجتهاد من غير معصوم
والله أعلم .


سادساً : يؤخذ من قوله فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت . دليل على وجوب الوتر إلا أن في الاستدلال
بهذا الحديث على الوجوب نظر لأنه كان جواباً على سؤال واستدل القائلون بالوجوب أيضاً بحديث إن الله وتر يحب
الوتر فأوتروا يا أهل القرآن، وليس فيه دليل على الوجوب العام وإن صح واستدل للوجوب أيضاً بحديث أن الله
زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر قال في نصب الراية روى من حديث خارجة بن
حذافة ومن حديث عمرو بن العاص وعقبة بن عامر ومن حديث ابن عباس ومن حديث أبي بصرة الغفاري ، ومن حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .


ومن حديث ابن عمر ومن حديث أبي سعيد ثم ساقها ، ونقل عن البزار أنه قال في مسنده : وقد روى في هذا المعنى
أحاديث كلها معلولة ونقل عن ابن الجوزي في التنقيح أنه قال لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزاد فيه .
قلت : وعلى تقدير صحة هذا الحديث فليس فيه دليل على الوجوب بل غاية ما فيه أنه يدل على الفضيلة ؛ لأن كلمة
الإمداد والزيادة لا تفيد الوجوب . والله أعلم .


واستدل للوجوب أيضاً بحديث ابن بريدة " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " . أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود
وابن أبي شيبة وأخرج ابن أبي شيبة من طريق معاوية بن قرة عن أبي هريرة نحو حديث ابن بريدة ، وفي سنده خليل
بن مرة الضبعي البصري ضعيف من السابعة قاله في التقريب وهو منقطع بين معاوية وأبي هريرة واستدل للوجوب أيضاً
بحديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا أخرجه الشيخان وتعقب بأن صلاة الليل ليست بواجبة فكذا آخره .

وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب اهـ.
قال الشيخ مباركفوري في تحفة الأحوذي . قلت : هذا الحديث إنما يدل على وجوب جعل آخر صلاة الليل
وتراً لا على وجوب نفس الوتر المطلوب هذا لا ذا فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح ، وكذا
الاستدلال بحديث جابر أوتروا قبل أن تصبحوا رواه الجماعة إلا البخاري ليس بصحيح فإنه إنما يدل على وجوب الإيتار
قبل الإصباح لا على وجوب نفس الإيتار .
واستدل أيضاً بحديث أبي أيوب عند أبي داود والنسائي وابن ماجة مرفوعاً بلفظ الوتر حق على كل مسلم فمن أحب
أن يوتر بخمس فليفعل الحديث .


قال في مختصر السنن وقد وقفه بعضهم ولم يرفعه إلى رسول الله ﷺ. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة
مرفوعاً كما ذكرناه من رواية بكر بن وائل عن الزهري وتابعه على رفعه الإمام أبو عمرو الأوزاعي وسفيان بن حسن
ومحمد بن أبي حفصة وغيرهم ويحتمل أن يكون يرويه مرة من فتياه ومرة من روايته اهـ.
وقال في معالم السنن وقد دلت الأخبار الصحيحة أنه لم يرد بالحق الوجوب الذي لا يسع غيره ومنها خبر عبادة
بن الصامت رضي الله عنه لما بلغه أن أبا محمد "رجلاً من الأنصار" يقول الوتر حق فقال كذب أبو محمد ثم
روى عن رسول الله ﷺ حديث خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة الحديث اهـ.


وبهذا تعلم أن كل ما أجلب به الحنفية لا ينتهض للوجوب ولا يصلح دليلاً عليه ، نعم هذه الأحاديث تفيد الحث
على الوتر والمبالغة في تأكيده ولذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوتر سنة وليس بواجب ولهم أدلة على ما
ذهبوا إليه منها الصحيح ومنها الضعيف وأصح تلك الأدلة وأبينها في الدلالة على ما ذهبوا إليه ما رواه الشيخان عن
ابن عمر بلفظ كان رسول الله ﷺ يسبح على الراحلة قِبَل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها
المكتوبة ، وهذا لفظ مسلم ، وأخرج البخاري هذا اللفظ عن الليث معلقاً من طريق يونس عن ابن شهاب عن سالم
عن أبيه وقال الحافظ وصله الإسماعيلي بالإسنادين المذكورين قبل ببابين وقد أخرجه جماعة غيرهم قال النووي في
شرح مسلم على قوله ويوتر على الراحلة ، فيه دليل لمذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه يجوز الوتر على
الراحلة في السفر حيث توجه وأنه سنة وليس بواجب .


وقال أبو حنيفة رحمه الله هو واجب ولا يجوز على الراحلة .
ومما يدل على عدم الوجوب حديث علي المتقدم الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله
ﷺ وحديث عبادة الذي سبقت الإشارة إليه أنه قال حين أخبر عن أبي محمد أنه يقول الوتر حق فقال كذب
أبو محمد سمعت رسول الله ﷺ يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد الحديث . ومما يدل على عدم
الوجوب ما أخرجه مسلم عن عائشة أن النبي ﷺ. صلى في المسجد ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة
فكثر الناس الحديث وفيه فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن
تفرض عليكم ، وأخرج ابن نضر في قيام الليل والوتر من طريق عيسى بن جارية وفيه لين عن جابر بمعنى حديث
عائشة وفيه فقلنا يا رسول الله رجونا أن تخرج فتصلي بنا فقال إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر .


أما حديث : "ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى" . فهو ضعيف ؛ لأنه من رواية أبي جنّاب
الكلبي وهو ضعيف ، وتابعه جابر الجعفي وهو أضعف منه وتابعهما أيضاً وضاح بن يحيى ، عن مندل بن علي ،
عن يحيى بن سعيد عن عكرمة وهو ضعيف أيضاً ، قال ابن حبان : لا يحتج به كان يروي الأحاديث التي كأنها
معلولة ومندل أيضاً ضعيف ، ولهذا فقد أطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد وابن الصلاح وابن الجوزي
والبيهقي والنووي وروى الدارقطني له شاهداً من حديث أنس وفيه عبد الله بن محرر وهو ضعيف جداً اهـ.
ومن ما سبرته تعلم أن الوتر سنة مؤكدة وليس بواجب ، وفيما ذكرته مقنع لمن أراد الحق وتجرد عن الهوى
. والله أعلم .


سابعاً : يؤخذ من قوله ﷺ : وأنه كان يقول : " اجعلوا آخر صلاتكم باليل وتراً " وجوب ختم صلاة الليل بالوتر
وجعله في آخرها ، وقد اختلفوا في ذلك هل هو على الإيجاب أم على الندب ؟ .
فذهب جماعة إلى وجوب جعل الصلاة من آخر الليل وتراً واحتجوا بقولـه ﷺ : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل
وتراً " ، حكى ذلك عنهم المروزي في قيام الليل ، وقال : منهم إسحاق بن إبراهيم وجماعة من أصحابنا يذهبون
إلى هذا اهـ.

وهؤلاء يأمرون من أوتر من أول الليل ثم قام آخره أن يشفع وتره بركعة ثم يصلي مثنى ، فإذا كان آخر صلاته أوتر ،
وهذا مروي عن جماعة من الصحابة منهم عثمان بن عفان قال : إني إذا أردت أن أقوم من الليل أوترت بركعة فإذا
قمت ضممت إليها ركعة ، فما شبهتها إلا بالغريبة من الإبل تضم إلى الإبل .
وفعله عبد الله بن عمر وأخبر أنه من رأيه
لا رواية وهو مروي أيضاً – أي الشفع بركعة – عن أبي سعيد الخدري وعروة بن الزبير ، وأسامة بن زيد .‏
وأبى ذلك الأكثرون وقالوا : إذا أوتر أول الليل ثم قام آخر الليل فصلى ركعة أخرى لتشفع وتره الأول بعد السلام والكلام
والحدث والنوم لم تشفعه بعد ما ذُكر بل تكون وتراً آخراً ، فإذا أوتر من آخر صلاته كان قد صلى ثلاثة أوتار
وخالفوا قول النبي ﷺ لا وتران في ليلة وعن ابن عباس أنه لما بلغه فعل ابن عمر لم يعجبه وقال ابن عمر يوتر
في ليلة ثلاثة أوتار .

وهؤلاء يقولون إن أوتر ثم قام من آخر الليل صلى شفعاً حتى يصبح فإنه إذا صلى شفعاً إلى الوتر يكون قد قطع
صلاته على الوتر وممن قال بهذا القول عبد الله بن عباس وعائشة وأبو هريرة ورافع بن خديج وأبو بكر الصديق وعمار
بن ياسر وعائذ ابن عمرو ومن التابعين سعيد بن جبير وسعبد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن قال محمد بن
نصر وهذا مذهب الشافعي وأحمد وهو أحب إليّ وإن شفع وتره إتباعاً للأخبار التي رويناها رأيته جائزاً .

وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن الشعبي أنه سئل عن نقص الوتر فقال إنما أمرنا بالإبرام ولم نؤمر بالنقص وروى
عدم النقض عمن ذكروا سابقاً وعن سعد بن أبي وقاص وعلقمة والحسن وإبراهيم النخعي ومكحول وقال الترمذي
وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد وابن المبارك وهذا أصح لأنه روى من غير وجه أن النبي ﷺ قد
صلى بعد الوتر ركعتين .


قلت : الصلاة بعد الوتر قد أخرجها مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي في حديث سعد بن هشام عن عائشة رضي
الله عنها وأخرجه أبو داود من طريق علقمة بن وقاص عن عائشة وأخرج الترمذي وأحمد وابن ماجة أن النبي
ﷺ كان يصلي بعد الوتر ركعتين زاد ابن ماجة وهو جالس من طريق الحسن عن أمه عن أم سلمة.


وحكى الساعاتي تصحيحه عن الدارقطني وأخرج أحمد أيضاً عن أبي أمامة _ الركعتين بعد الوتر وهو جالس وقال
فقرأ بـ_ إذا زلزلت _ و _ قل يا أيها الكافرون _ وإذ قد ثبت أن النبي ﷺ صلى بعد الوتر ركعتين فالجمع
بين هذه الأحاديث وبين قول النبي ﷺ " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ، أن هذه الأحاديث التي أثبتت
أن النبي ﷺ صلى بعد الوتر ركعتين صرفت الأمر في قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً من الإيجاب إلى الندبية
إذ أن فعله كان بياناً للجواز . هذا هو رأي الجمهور قال النووي الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما ﷺ بعد الوتر
جالساً لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك وأبى ذلك الشوكاني في النيل فقال أما الأحاديث التي فيها الأمر للأمة
بجعل آخر صلاة الليل وترا فلا معارضة بينها وبين فعله ﷺ للركعتين بعد الوتر لما تقرر في الأصول أن فعله لا
يعارض القول الخاص بالأمة بلا معنى للاستنكار . اهـ.


وأقول : الحق أن الأصل في أفعاله ﷺ التشريع إلا ما دل الدليل على خصوصيته به ولا دليل على الخصوصية
هنا فلم يبق سوى التشريع وبذلك يترجح قول من قال أن النبي ﷺ فعلها لبيان الجواز وخلاصة هذا البحث أن
حديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" محمول على الاستحباب وأن الأفضل في الوتر أن يكون آخر صلاة
الليل شفعاً ، وأن من أوتر أول الليل وقام في آخره تشرع له الصلاة شفعً ، وأن نقض الوتر لا يمكن ولا يشرع بل هو
اجتهاد من غير معصوم خالف النص . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
03-05-2015, 11:54PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



125] : عن عائشة رضي الله عنها قال : من كل الليل أوتر رسول الله ﷺ ، من أول الليل ، وأوسطه ،
وآخره ، وانتهى وتره إلى السَحَر..


موضوع الحديث :

وقت الوتر .


المفردات :

من كل الليل أوتر : أي صلى وتره في أول الليل ، وصلى وتره في أوسط الليل وصلاه في آخر الليل .
وانتهى وتره : أي وصل وقت وتره إلى السحر أي وقت السحور .


المعنى الإجمالي :

تخبر عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ تنقل بوتره في كل الليل ليشرّع لأمته جواز الوتر في كل الليل وحتى
لا يكون على أحد من أمته حرج إذا صلاه في أي وقت من الليل وانتهى وقت أداء وتره إلى السحر .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث أن كل الليل وقت للوتر ويبدأ من بعد صلاة العشاء إلى وقت السحر .


ثانياً : يؤخذ منه أن الأفضل في الوتر أن يكون في آخر الليل ، وذلك إذا فسرنا وانتهى وتره إلى السحر أي انتهى
عمله لوتره في آخر عمره إلى السحر ولكن هذا يعكر عليه أن النبي ﷺ قد كان مشدداً على نفسه في قيام الليل
منذ نبوته حتى أنزل الله عليه _ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى _ (طـه:1-2) ، فهو قول مرجوح
والراجح أن المعنى وانتهى وتره إلى السحر بالنسبة إلى الليل وليس بالنسبة إلى عمره ولكن أفضلية تأخير الوتر تؤخذ
من الآيات القرآنية التي تحث على قيام الليل مع قوله "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".


ثالثاً : يؤخذ منه أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر الثاني وقد تقدم في الحديث الذي قبله بحث هذه المسألة
والخلاف فيها والترجيح .


رابعاً : يؤخذ منه أن الوتر أول الليل أفضل لمن لا يثق من نفسه بالقيام ، وقد ورد في ذلك حديث رواه مسلم وأحمد
والترمذي وابن ماجة بلفظ من خاف ألا يقوم ولأحمد من ظن منكم ألا يستيقظ آخر الليل فليوتر أوله ، الحديث
وفي آخره للجميع فإن قراءة آخر الليل مشهودة وفي رواية محضورة وذلك أفضل .

خامساً : إذا أوتر العبد أول الليل ثم استيقظ من آخره فهل يشفع وتره أو يصلي شفعاً حتى يصبح سبق بحث هذه
المسألة مستوف ولله الحمد والمنة .


سادساً : إذا فات وقت الوتر بنوم أو نسيان فهل يقضيه أم لا ؟
ذهب إلى قضائه جماعة من أهل العلم
مستدلين بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكر أو استيقظ ،
أخرجه الترمذي وابن ماجة في سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم متروك ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وأخرجه أبو داود بسند صحيح صححه العراقي وغيره كما ذكر ذلك الشوكاني
في النيل وبحديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي ﷺ بلفظ إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر أخرجه الحاكم وقال
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي


. وبحديث أبي نهيك أن أبا الدرداء خطب الناس فقال : " لا وتر لمن أدركه الصبح " فانطلق رجال إلى عائشة
فأخبروها فقالت كذب أبو الدرداء كان النبي صلى يصبح فيوتر ، أخرجه المروزي وسنده حسن . وبحديث معاوية
بن قرة قال جاء رجل إلى النبي صلى فقال إني لم أوتر حتى أصبحت فقال إنما الوتر من الليل فأعاد عليه فأمره أن
يوتر وفي سنده خالد بن أبي كريمة صدوق يخطئ ويرسل كثيراً ، وبحديث ابن عمر عند الدارقطني مرفوعاً من فاته وتره
من الليل فليقضه من الغد ، وفي سنده أبو عصام رواد وفيه مقال ونهشل بن سعيد الورداني وهو متروك وكذبه إسحاق .


وهذه الأحاديث بمجموعها تكون حجة للقائلين بالقضاء ولهذا فقد قال بالقضاء جماعة من الصحابة والتابعين
منهم عبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومن التابعين القاسم بن محمد وسعيد بن
جبير وعطاء وأبي نضرة وطاووس وغيرهم وحكاه الشوكاني عن الأئمة الأربعة إلا أنهم اختلفوا في الوقت الذي يقضي
فيه فقال بعضهم يقضيه ما لم يصل الصبح وقال بعضهم يقضيه ما لم تطلع الشمس وقال بعضهم يقضيه ما لم يصل
الظهر أو ما لم تزل الشمس ، وهذا القول الأخير هو الأسعد بالدليل لحديث عمر بن الخطاب مرفوعاً من نام عن حزبه
من الليل وعن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل . رواه الجماعة إلا
البخاري ومعلوم أن ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس غير مقصود لأنه وقت نهي بعموم قوله ﷺ من نام عن
صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وعليه يحمل فعل الصحابة للوتر بعد طلوع الفجر أنهم فعلوا قضاء ولم يفعلوا
أداء وبهذا تجتمع الأدلة .


فإن قيل فكيف تجمع بين الأحاديث الدالة على قضاء الوتر وبين حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم وغيره
كان رسول الله ﷺ إذا عمل عملاً أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة .


فأقول : الجمع بينهما أن حديث عائشة فيمن كان له ورد من الليل لا يتركه فمتى نام عنه أو مرض صلى من النهار
ثنتي عشرة ركعة وأحاديث قضاء الوتر فيمن فاته الوتر وحده . والله أعلم .


وقد ذهب قوم إلى عدم فضاء الوتر وهو مروي عن ابن عباس وابن شهاب ونافع والحسن والبصري وقتادة ومكحول
وإبراهيم النخعي والشعبي ومالك بن أنس والشافعي في رواية الزعفراني عنه والإمام أحمد بن حنبل وأيوب وأبو
خيثمة وإسحاق وذكر ذلك عنهم ابن نصر المروزي في قيام الليل واحتج لهم بما رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً
إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا قبل طلوع الفجر وقال سليمان بن موسى قد تفرد به على
هذا اللفظ قال وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق لا يرون الوتر بعد
صلاة الصبح .


قلت : سليمان بن موسى الأموي الأشدق قال في التقريب صدوق فقيه في حديثه بعض لين وخلط قبل موته بقليل .


واحتج لهم أيضاً بما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ من أدركه الصبح ولم يوتر
فلا وتر له وإسناده صحيح وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد مرفوعاً
بلفظ نادى منادي رسول الله صلى " لا وتر بعد الفجر " إلا أنه في سنده أبا هارون العبدي وهو متروك ، وقد
كذبه بعضهم ولكن حديث ابن خزيمة صحيح صححه الألباني – رحمه الله – وهو كما قال ، وإذ قد صح حديثا ابن
عمر وابي سعيد وظاهرهما المنع من الإيتار بعد الصبح مطلقاً .


والقاعدة الاصطلاحية أن ينظر بين الحديثين المتعارضين فإن أمكن الجمع بينهما عمل به وإلا رجع إلى الترجيح
وهنا يمكن الجمع بأن يحمل حديث ابن عمر على أنه إذا طلع الفجر الثاني فقد ذهب وقت الأداء ويحمل حديث
ابن عمر على أنه إذا طلع الفجر الثاني فقد ذهب وقت الأداء ويحمل حديث أبي سعيد أن من أدركه الصبح ولم يوتر
فلا وتر له أداء ويحمل ما عدا ذلك من الأحاديث الدالة على الأمر بفعله بعد الفجر محمول على القضاء وكذلك
فعل الصحابة له بعد طلوع الفجر يحمل على أنهم فعلوه قضاء وبهذا تجتمع الأدلة ويعمل بكل حديث في موضعه
من غير تصادم بين الأدلة الشرعية ولا إطراح لبعضها . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
05-05-2015, 08:39PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[126] : عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشر ركعة ، يوتر
من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منها إلا في آخرها.


موضوع الحديث :

عدد ركعات صلاة الليل .


المفردات :

يوتر من ذلك بخمس : أي يجعلها وتراً لكونها متصلة بسلام وتشهد واحد .


المعنى الإجمالي :

تخبر عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ. كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس
متصلة لا يفصل بينها بتشهد ولا سلام .


فقه الحديث :

أولاً : اختلفت الروايات عن عائشة رضي الله عنها في عدد صلاة النبي ﷺ بالليل فرواية تقول كان
يصلي إحدى عشرة ركعة أربعاً وأربعاً وثلاثاً ولا يزيد عليها لا في رمضان ولا في غيره وهي رواية أبي سلمة بن
عبد الرحمن عنها ، والرواية الثانية تقول كانت صلاة النبي ﷺ بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا
الفجر وهي رواية القاسم بن محمد عنها.


والرواية الثالثة تقول كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء الصبح ركعتين خفيفتين
فتكون الثلاث عشرة من غير ركعتي الفجر ، وهذه الرواية توافق الحديث الذي نحن بصدد شرحه وهي رواية
هشام بن عروة عنها.
ومن أجل ذلك فقد أُدعى الاضطراب في حديثها في صفة صلاة النبي ﷺ بالليل ونفى القرطبي ذلك وقال
: وهذا – أي الاضطراب – إنما يتم لو كان الراوي عنها واحد أو أخبرت عن وقت الصواب أن كل شيء
ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعددة وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز.
قلت : الذي يظهر لي في الجمع بين هذه الروايتين أن عائشة رضي الله عنها أخبرت أبا سلمة بما علمته من
فعله في بيتها في صلاة الليل وحدها ثم ضمت إليها ركعتي الفجر كما في الرواية الأخرى ثم علمت أن
النبي ﷺ صلى في بيت ميمونة ثلاث عشرة من غير ركعتي الفجر فحدثت به كما في الرواية الثالثة
والله أعلم .


ثانياً : يؤخذ منه عدد صلاة النبي ﷺ في الليل وأنها لم تزد على ثلاث عشرة وإذا كان هذا عدد صلاة
النبي ﷺ في رمضان وغيره فما حكم الزيادة على ذلك في التراويح ، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب
_ جمع الناس في خلافته على قارئ وأنهم كانوا يصلون إحدى وعشرين أو ثلاثاً وعشرين .


وإليك تفصيل القول في هذه المسألة مع بيان مذاهب العلماء فيها ، وبيان الراجح مؤيداً بالأدلة ،


فأقول ومن الله أستمد العون وأسأله أن يلهمني الصواب :
أولاً : ينبغي أن نعلم أن النفل المطلق لم يرد في الشرع حصره في عدد معين ففي صحيح البخاري أن النبي
ﷺ قال لعبد الله بن عمرو : " ألم أُخبر أنك تقوم الليل وصوم النهار " قال : إني أفعل ذلك ، قال
: " فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينيك ، ونفهت نفسك ، وإن لنفسك حقاً ، ولأهلك حقاً فصم وأفطر ، وقم ونم ".


فلم يحده على عدد معين في قيام الليل ، ولم ينهه عن قيام كل الليل من أجل ذلك ، ولكن من أجل
أن ذلك يؤدي إلى ضعف القوى وتلف الجسم ثم يؤدي بعد ذلك إلى الإخلال بالحقوق الواجبة لله أو للنفس
أو الناس .
ومثل ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ
رسول الله ﷺ فقال : من هذه ؟ قلت : فلانة لا تنام الليل – تذكر من صلاتها - ، فقال : " مَهْ ! عليكم
ما تطيقون من الأعمال ، فإن الله لا يملّ حتى تملوا " .


فقولـه :" عليكم ما تطيقون من الأعمال " تحديد للعمل بالطاقة وليس بالعدد وهو إن كان عاماً في جميع الأعمال
إلا أن نوافل الصلاة تدخل في ذلك دخولاً أولياً ؛ لأنها السبب في صدور هذا القول من النبي ﷺ .


وقوله : "فإن الله لا يمل حتى تملوا" أي : أن الله لا يمل من إعطاء الثواب والأجر حتى تملوا من العمل .
ومثل قولـه ﷺ : " الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر " ، وفي هذا كله دليل أن النفل
المطلق لا يحدد بعدد معين بل يترك لكل إنسان فيه طاقته وجهده .


ومما يدل على ذلك أيضاً حديث عمرو بن عبسة الذي رواه مسلم في الأوقات التي نهي عن الصلاة
فيها وفيه : فقلت : يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة ، قال : " صل صلاة
الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ
يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة
فإنه حينئذٍ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ، ثم أقصر
عن الصلاة حتى تغرب الشمس ".


فقوله :" ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة أمر إباحة لا تحديد فيه ، وكذلك قوله ﷺ في حديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فصل واحدة .. " الحديث
يدل على إباحة الصلاة بدون عدد معين ومما يدل على هذا المعنى من القرآن قوله تعالى : _ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ
مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ _ (البقرة: من الآية148) .
فالأمر بالتسابق إلى الخيرات عام يشمل النفل في الصلاة وغيره .


ثانيا : أن الناس كانوا يصلون في زمن النبي وأبي بكر ‏
وصدراً من خلافة عمر متفرقين ، هذا يصلي في بيته ، وهذا يصلي في المسجد ، وهذا يصلي وحده
وهذا يصلي بصلاته الجماعة ولم يأمر النبي _ أحداً منهم بعدد لا يتجاوزه .
فقد روى البخاري من طريق عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى قال : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لـه ما تقدم من ذنبه " قال بان
شهاب : فتوفي رسول الله ﷺ والناس على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من
خلافة عمر رضي الله عنهما .


وعن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة
في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاعاً متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاة الرهط ،
فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثم
خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال : " نعم البدعة هذه " ، والتي ينامون عنها أفضل.


ثالثاً : أن تسمية أمير المؤمنين عمر رضيي الله عنه لجمع الناس على قارئ واحد بدعة وإنما هو من باب
التجوّز لهضم نفسه وإلا فصلاة النبي ﷺ بالناس الذين حضروا معه أتموا به فيها ثلاث ليال كافية لشرعية
الجماعة في التراويح ولا ينافي الشرعية امتناعه عن الخروج إليهم في الليلة الرابعة لأنه قد بين السبب في عدم
خروجه وهو خشية أن تكتب عليهم.


رابعاً : قد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يصليا بالناس التراويح إحدى
وعشرين ركعة ، فكانوا يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر .


وأخرج عبد الرزاق أيضاً عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : كنا ننصرف من القيام على عهد عمر رضيي الله
عنه. وقد دنا فروع الفجر ، وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرون ركعة .


وأخرج ابن نصر في قيام الليل عن السائب بن يزيد أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة ويقرؤون
بالمئين من القرآن وأنهم كانوا يعتمدون على العصي في زمان عمر بن الخطاب .


والجمع بين هذه الآثار : أنهم كانوا أحياناً يوترون بواحدة فتكون إحدى وعشرين ، وأحياناً يوترون بثلاث
فتكون ثلاثاً وعشرين ، وأحياناً يحكي التراويح بدون وتر ، ولا يعكر عليه ما رواه محمد بن نصر عن
السائب بن يزيد .


أمر عمر ن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، وفي رواية :
كنا نصلي في زمن عمر بن الخطاب في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح .


فالجمع بين هذه الآثار ممكن بحمل هذا الأثر والذي قبله على البدء والآثار المتقدمة على النهاية وتوضيح
ذلك والله أعلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرهم أن يقوموا بإحدى عشرة أو ثلاث عشرة يطيلون
فيها القيام والركوع والسجود اقتداء بالنبي ﷺ في صلاته ، وكانوا يصلون معظم الليل فطال عليهم ذلك
وهذا ما يوحي به قوله : " وكانوا يعتمدون على العصي من طول القيام " فلعله قد اشتكى بعضهم إلى عمر
فأمرهم أن يضعفوا عدد الركعات ليخف عليهم القيام فبدلاً من عشر وركعة أو ثمان وثلاث أو عشر وثلاث
يصلون عشرين وركعة أو عشرين وثلاثاً ليكون في ذلك دفعاً لهمة الضعيف وإشباعاً لنهمة الراغب في العبادة
وجمعاً بين مصلحة هؤلاء وهؤلاء فلو أبقى الأمر على ما كان عليه أولا من طول القيام والركوع والسجود مع
عدد الركعات لا نقطع ضعيف الهمة ولو التزم تقصير القيام الركوع والسجود مع عدد الركعات التي علمت عن
النبي صلى وهي الإحدى عشرة والثلاث عشرة لبقي قوي الإيمان الراغب في العبادة المطبق لها يطلب الزيادة
فكان في زيادة عدد الركعات وتخفيف القيام والقعود والركوع والسجود علاج حكيم يجمع بين رغبة الفريقين
ولا يفوت على أحد منهم شيئاً ، وهذا إنما يكون حسناً في حق من احتاج إلى تكثير عدد الركعات ليشغل وقتاً
طويلاً من الليل في العبادة من دون مشقة تحصل لـه بطول القيام .


أما من كان يصلي عشرين ركعة بجزء أو نصف جزء مثلاً فالأفضل له أن يصلي ثمان ركعات بجزء أو
نصف جزء مثلاً ويوتر بثلاث فإن أدى الأمر بالمصلي إلى الاستعجال المخل مع التزام عدد الركعات عشرين
أو ثلاثين ، أو غير ذلك يرى أنه لزاماً عليه أن يأتي بها ولو بالإخلال بالركوع والسجود والاعتدال فأخشى على
مثل هذا أن يكون آثماً لا مثاباً ، ومأزوراً لا مأجوراً ، فالله قد خاطب عباده باتباع رسوله ﷺ دون غيره ،
وأمرهم بطاعته دون سواه .


ولسنا ننكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمر النبي ﷺ بطاعتهم
واتباع سنتهم حيث يقول عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ . إلا أن عمر
رضي الله عنه لم يأمر بزيادة الركعات التي زادها إلا للعلة التي سبرناها سابقاً وهي المشقة الحاصلة بطول
القيام لأنهم ما كانوا يخرجون من الصلاة إلا في وجاه الصبح أي الصبح الأول الذي يحل فيه السحور كما في
الأثر السابق وورد في بعض الروايات أنهم كانوا إذا خرجوا يستعجلون الخدم بالسحور خوف الفوات بطلوع
الفجر الثاني .


ومن ما فصلته تعلم أن فعل النبي ﷺ هو الأكمل والأفضل وأن الزيادة عليه داخلة تحت عمومات القول
فلا مكان للتبديع ، وأن من التزم عدداً معيناً كالعشرين أو ست وثلاثين أو غير ذلك كالتزام الفريضة ولو أخل
بالقراءة أو الركوع والسجود فإنه قد أساء ويخشى عليه أن يبلغ به ذلك إلى شرك التحكيم .


وقد زعم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – في صلاة التراويح له وهي الرسالة الثانية من كتاب
تسديد الإصابة له ، أن التراويح لم يثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاها عشرين ثم قال : تحقيق
الأخبار الواردة في ذلك وبيان ضفعها ... ثم ساق الآثار الواردة في ذلك وضعفها جميعاً بتحامل شديد .


وأنا مع احترامي للشيخ الألباني – رحمه الله – وحبي إياه ؛ أرى أنه قد جازف في ذلك ، إذ أن الأمر بالعشرين
قد ثبت بنقل العدل عن العدل المؤيد بالعمل المستمر على ذلك الذي تؤكده الآثار المستفيضة التي تدل أن
السلف قد فهموا أن النفل المطلق لا تحديد فيه ؛ بل يترك لكل إنسان فيه طاقته وجهده ، وأن ما نقل عن
النبي ﷺ من الإحدى عشرة والثلاث عشرة مع طول القيام والركوع والسجود هو الأفضل وأن من
خفف القيام والركوع والسجود وكثر عدد الركعات فإن ذلك جائز له ما لم يصل التخفيف إلى حد الإخلال الممقوت .


أما كون العدد الذي صلاه النبي ﷺ هو اللازم الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه أو يقصر عنه فهذا

مردود بأمور :

أولاً : أن النبي ﷺ لم يأمر أحداً بالتزام ذلك العدد الذي كان يصليه صلوات الله وسلامه عليه فلا
يزيد عليه ولا يقصر عنه ولو فعل لتحول التطوع إلى فرض وهذا ما كان النبي ﷺ يحذره على أمته .


ثانياً : أنا قد قدمنا نقل أحاديث صحاح تدل على أن النفل المطلق لا تحديد فيه بل هو موكول إلى الطاقة
والجهد والرغبة في العبادة .


ثالثاً : أن النبي ﷺ قد أخذ بالأفضل مع التوسط في العدد واليسير الذي يلائم الكثرة الكاثرة من أمته من
دون مشقة تحصل عليهم وقد كان صلوات الله وسلامه عليه يحب اليسر وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما .


رابعاً : أنه لا يختلف اثنان فيما أعلم أنه لو قام أحد الليل كله بركعتين أو أربع لاعتبر قد قامه ولا يستطيع أحد
أن يقول أنه مبتدع أو مخالف للسنة أو عاص لله ، وقد ورد عن بعض السلف أنهم قرأوا القرآن كله في ليلة
وفي ركعة أو ركعتين .


خامساً : أن أهل العلم قد اختلفوا هل الأفضل طول القيام والركوع والسجود مع قلة الركعات أو تكثير الركعات
مع تخفيف القيام والركوع والسجود ، وفي ذلك حديثان مختلفان وقد نقل محمد بن نصر عن الشافعي أنه
فضل طول القيام والركوع والسجود ، وأما الإمام أحمد فقد نقل عنه التوقف .


سادساً : من المعلوم أن طاقات الناس تختلف في القوة والضعف وفي شرعية الوجهين تيسير على أمة محمد
ليعمل كل واحد أو كل جماعة على قدر حالهم فالذين يشق عليهم طول القيام ويريدون مع ذلك أن يشغلوا
وقتاً طويلاً في العبادة ، فلا شيء عليهم أن يكثروا عدد الركعات ويقصروا القيام ، وهذا في رأيي هو الذي
حمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأمر بإضعاف عدد الركعات من عشر إلى عشرين
مع الوتر ليجمع بين المصلحتين فيكون في ذلك دفعاً لهمة الضعف وإشباعاً لنهمة الراغب في العبادة .


سابعاً : أن حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " يحمل على الكيف والكم في الفرائض والسنن الرواتب ،
وأعنى بالكيف والكم أي كيف نصليها وكم نصليها ؟ فلا يجوز أن نصلي المغرب أربعاً ، ولا أن نصليها
ثلاثاً بتشهد واحد وسلام .


أما النفل المطلق كصلاة الليل فيحمل فيه حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " أن المراد به الكيف لا الكم ،
أي فالأمر فيه محمول على الكيفية لا على العدد ؛ لأن الأحاديث الدالة على عدم التحديد فيه مخصصة
لهذا الحديث على وجوب التأسي في الكيفية لا في العدد ، ولا مانع أن يكون الأفضل التأسي به أيضاً في العدد
فيكون صارفاً له من الوجوب إلى الندبية . والله أعلم .


ثامناً : أنه لا منافاة بين المرفوع والموقوف إذ الجمع ممكن بحمل ما ثبت عن النبي ﷺ من الإحدى عشرة
والثلاث عشرة على الأفضل ، وما ثبت عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من الأمر بالعشرين
على جواز الزيادة على ذلك إذا دعت الحاجة .


وقد عُلم من القاعدة الأصولية أنه لا يجوز الانتقال إلى الترجيح إلا عند تعذر الجمع ؛ ذلك لأن الجمع يعمل
فيه بالنصين معاً ، أما الترجيح لأحدهما فلابد فيه من إلغاء أحد النصين بتضعيفه ، أو الحكم بشذوذه ،
أو نسخه .


ومن هنا نعلم أن تضعيف هذه الآثار وتلمس القدح في رواتها العدول أمر لا ينبغي .

تاسعاً : وإلى القارئ الكريم رد ما قدح به الشيخ الألباني – رحمه الله – في رواية العشرين ، والله يعلم أني لم
أكتب هذا الرد انتصاراً لمذهب ولا تحيزاً إلى أحد ، ولكن كتبته بياناً للحق الذي ظهر لي بعد البحث والتأمل
للنصوص ، مع أني قد كنت برهة من الزمن أعتقد ما اعتقده الشيخ الألباني في هذه المسألة .


فأقول : روى مالك في الموطأ من طريق محمد بن يوسف الكندي عن السائب ابن يزيد الكندي أنه قال : أمر
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيّ بن كعب وتميماً الداري – رضي الله عنهما – أن يقوما للناس بإحدى عشرة
ركعة ، قال : وقد كان القارئ يقرأ حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف
إلا في فروع الفجر .


قال الشيخ الألباني في صلاة التراويح (ص52) : قلت : إسناده صحيح جداً ، فإن محمد بن يوسف شيخ
مالك ثقة اتفاقاً واحتج به الشيخان ، والسائب بن يزيد صحابي حج مع النبي ﷺ وهو صغير .
وقد تابع مالكاً على الإحدى عشرة ركعة يحيى بن سعيد القطان عند أبي شيبة ، وإسماعيل بن أمية وأسامة
بن زيد ومحمد بن إسحاق عند النيسابوري ، وإسماعيل بن جعفر المدني عند ابن خزيمة ، كلهم قالوا عن محمد
بن يوسف به إلا ابن إسحاق ، فإنه قال ثلاث عشرة . اهـ.


وقلت : فإذا كان مالك قد روى عن محمد بن يوسف الإحدى عشرة وتابعه جماعة من الثقات على ذلك ،
فقد خالفه داود بن قيس الفراء أبو سليمان القرشي مولاهم المدني عند عبد الرزاق في المصنف (4/260)
فقال عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى
تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر .


وإذا كان مالك مجمع على توثيقه محتج به في الصحيحين فإن داود بن قيس مجمع على توثيقه محتج به في
الصحيحين ، وقد أثنى عليه أئمة هذا الشأن ووثقوه .


أما قوله – رحمه الله - : ولا يجوز أن تعارض هذه الرواية – يعني رواية مالك المتقدمة – الصحيحة بما رواه
عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف بلفظ إحدى وعشرين

لظهور خطأ هذه الرواية من وجهين :
الأول : مخالفته لرواية الثقة المتقدمة بلفظ إحدى عشرة .
الثاني : أن عبد الرزاق قد تفرد بروايته على هذا اللفظ ،فإن سلم ممن بينه وبين محمد بن يوسف فالعلة
منه – أعني عبد الرزاق - لأنه وإن كان ثقة حافظاً ومصنفاً مشهوراً فقد كان عمي في آخر عمره ، فتغير .


والجواب على هذا سهل :
فإن عبد الرزاق ثقة مخرّج له في الصحيحين ، وقد خرج هذا الأثر في أول كتابه المصنف الذي هو أكثر
من عشر مجلدات ضخام ، فهل يستطيع الشيخ أن يقول إنه ألف كتابه هذا بعد أن عمي ؟ لا إخاله يقول
ذلك ، والذي يقطع به أنه قد ألف كتابه هذا في وقت قوته وصحته والاختلاط إنما حصل لـه بعد
أن عمي في آخر عمره الذي بلغ خمساً وثمانين سنة .


ومن جهة أخرى فإن كان عبد الرزاق قد تفرد بهذا الرواية عن داود بن قيس فإن داود بن قيس لم يتفرد بها
عن محمد بن يوسف ، والدلالة على ذلك قول عبد الرزاق – رحمه الله – في هذا السند عن داود بن قيس
وغيره ، وكأنه لم يذكر أسماء الذين شاركوا داود بن قيس للاختصار ، واكتفى بعدالة داود بن قيس لشهرتها .


ثانياً : أن محمد بن يوسف قد تفرد براوية الإحدى عشر التي رواها مالك عنه عن السائب ولم يتفرد برواية الإحدى
والعشرين التي رواها عنه داود بن قيس بل رواها معه يزيد بن عبد الله بن خصيفة والحارث بن عبد الرحمن
بن أبي ذياب ، عن السائب رضي الله عنه ، فكيف نحكم بالشذوذ على روايته التي وافق فيها ثقتين ، ونجعل
المحفوظ ما انفرد به ؟ لا أشك أن مثل هذا التصرف يتنافى مع القواعد الحديثية .
فقد روى البيهقي في السنن من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : كانوا يقومون
على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة ، قال : وكانوا يقرأون بالمئين ، وكانوا يتوكأون
على عصيهم في عهد عثمان رضي الله عنه من شدة القيام .


وأخرج عبد الرزاق في المصنف من طريق الأسلمي عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب عن السائب
بن يزيد رضي الله عنه قال : كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر ، وكان القيام على
عهد عمر ثلاثة وعشرين ركعة .
قلت : ولا تنافي بين رواية العشرين ورواية الإحدى وعشرين ورواية الثلاث والعشرين ، فرواية العشرين بحذف
الوتر ورواية الإحدى وعشرين باعتبار الوتر ركعة ، ورواية الثلاث والعشرين باعتبار الوتر ثلاث ركعات .


ثالثاً : أن القاعدة في رواية الثقة إذا خالفت الثقات أنها إما تكون منافية لرواية من هو أوثق بحيث لا يمكن الجمع
بينهما ، ففي هذه الحالة يحكم بشذوذها ، وإما أن تكون غير منافية فيكون حكمها حكم حديث مستقل ،
فتقبل سواء كانت مقيدة لإطلاق المحفوظ أو مخصصة لعمومه ، أو تفيد حكماً مستقلاً ، وقد قبل أهل
العلم زيادة مالك – رحمه الله – في حديث زكاة الفطر حيث قال غيره : على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير
والكبير ، وزاد هو : من المسلمين ، فكانت مقيدة لإطلاق المحفوظ ، فلم يوجبوا الزكاة إلا على المسلمين
من الأرقاء .


فإذا قلنا أن داود بن قيس قد تفرد بهذه الزيادة وهي رواية الإحدى وعشرين فإن تفرده لا يعتبر شذوذاً ولو
كان وحده ؛ لأن روايته لاتنافي المحفوظ ، وقد قالوا : زيادة الثقة مقبولة ، أما وقد وافقه غير محمد بن
يوسف وعضدت هذه الرواية عن محمد بن يوسف رواية يزيد بن خصيفة وهو ثقة مخرج له في الصحيحين ،
والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب وهو ثقة خرّج له مسلم فكيف نحكم عليها بالشذوذ ؟ .


رابعاً : فإن قيل أن محمد بن يوسف ابن أخبت السائب فتقدم روايته لأنه أضبط لحديث خاله ، قلنا :
ورواية يزيد بن عبد الله خصيفة أيضاً لا تقل عن رواية محمد بن يوسف في الضبط ؛ لأنه ابن ابن أخيه فخصيفة
جد يزيد هو أخو السائب كما جزم بذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء ، وذكر الحافظ في التهذيب عن
ابن عبد البر غير مجزوم به ، وعلى هذا فلا يكون أحدهما أولى من الآخر بالضبط لحديثه .


خامساً : ولرواية العشرين شاهدٌ من حديث أبي جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان ، عن الربيع بن أنس ،
عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي ابن كعب أن عمر أمر أبيّاً أن يصلي بالناس في رمضان فقال إن الناس يصومون
ولا يحسنون أن يقرأوا فلو قرأت القرآن عليهم بالليل ، فقال يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن ، فقال قد
علمت ولكنه أحسن فصلى بهم عشرين ركعة .


ولكن هذا الأثر ضعفه الألباني بأبي جعفر الرازي عيسى بن ماهان وهو وإن كان فيه كلام إلا أن الكلام فيه
كله يدور حول سوء حفظه وكثرة وهمه ، ولم يقدح أحد من علماء الجرح والتعديل في عدالته ، ومثل هذا
لا يوجب رد روايته ولكن يوجب التوقف فيما يرويه حتى يوجد له شاهد ، فإن وجد لـه شاهد علم أنه مما
حفظه ولم يخطئ فيه كما هو معلوم من علم المصطلح .


سادساً : أن رواية العشرين قد أيدتها آثار كثيرة فمنها أثر عن علي من طريق عبد الله بن قيس عن شُتير بن
شكل وكان من أصحاب علي رضي الله عنه أنه كان يؤمهم في شهر رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثلاث ،
وفي ذلك قوله .


ومنها أثر عن أبي الحسناء عن علي بمعناه وأبو الحسناء مجهول ، فإن كانت جهالته جهالة حال فقد تقوى بالآثار
الأخرى ، ورواه عنه أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان عند البيهقي وهو ضعيف ، وعمرو بن قيس لعله الملائي
عند ابن أبي شيبة ، وعمرو بن قيس ثقة خرّج له مسلم .
ومنها أثر عن علي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي ، وفي سنده عطاء الخراساني ، قال في التقريب
صدوق يهم ويرسل ويدلس كثيراً .
ومنها أثر عن عبد الله بن مسعود من طريق زيد بن وهب ولفظه : كان يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف وعليه
ليل ، قال الأعمش : كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث وسنده صحيح .‏


ومنهما أثر عن يزيد بن رومان : كان الناس يقومون في رمضان بعشرين ركعة ويوترون بثلاث ، رواه في الموطأ
وسنده صحيح .
ومنها أثر عن سويد بن غفلة من طريق أبي الخصيب قال : كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان فيصلي خمس
ترويحات عشرين ركعة ، وسنده صحيح .
وآثار أخرى عن محمد بن سيرين ، ووهب بن كيسان ، وصالح مولى التوأمة ، ونافع ، وسعيد بن جبير ، وزرارة بن
أوفى ، والحسن البصري ، وأبي مجلز وغيرهم .


والخلاصة : فإن هذه الآثار وإن كان في بعضها ضعفٌ ، وفي بعضها انقطاع إلا أنها كلها مروية عن التابيعن ،
إما من فعلهم أو حكاية فعل عن قدماء الصحابة كعمر وعلي وأبيّ وعبد الله بن مسعود ومجموعة يعطي دلالة قوية
على صحة ما نقل عن عمر رضي الله عنه للأمور الآتية :


الأول : أن الانقطاع بين الصحابي والتابعي فيه احتمال أن يكون الواسطة صحابي لذلك فهو في حكم المرسل ، وقد قالوا عن المرسل هو مرفوع التابعي وجعلوه مما يجب التوقف فيه ، حتى يوجد له عاضد مثله في القوة يرفعه من وهدة التوقف إلى أدنى درجات القبول .


الثاني : أن القدماء كان الإرسال في غير الحديث النبوي عندهم كثير ، لأنهم كانوا يقصدون به حكاية الفعل لا
الرواية فيروى كذلك .


الثالث : أن هؤلاء التابعين الأخيار الذين صح عنهم أنهم صلوا التراويح عشرين أو أكثر ، لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن
صح عندهم عن الصحابة إما بالمشاهدة أو بالنقل .


الرابع : وهو الذي سوغ هذه الزيادة عند الجميع في اعتقادي ، وهو عدم التحديد في النفل المطلق ومنه قيام
الليل في رمضان أو في غيره قال تعالى : _ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً *
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً _ (المزمل:1-4) . وقد قال النبي ﷺ " من قام رمضان إيماناً واحتساباً
غفر له ما تقدم من ذنبه " فعلقه بمجرد القيام من غير تحديد بعدد ، وقد تقدم الاستدلال على هذه الفقرة بما
فيه كفاية .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
06-05-2015, 07:59PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



باب الذكر عقب الصلاة


[127] : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على
عهد رسول الله ﷺ ، كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته .


قال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته ، وفي لفظ : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله
ﷺ إلا بالتكبير .


موضوع الحديث :

مشروعية الذكر عقب الصلاة المكتوبة واستحباب رفع الصوت به .


المفردات :

حين ينصرف الناس : أي يسلمون .
من المكتوبة : أي الصلاة المفروضة .
ما كنا نعرف انقضاء : أي انتهاء صلاة رسول الله ﷺ .
إلا بالتكبير : أي إلا بسماع التكبير .


المعنى الإجمالي :

يخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بذكر الله عز وجل حين يسلم الناس من الصلاة المكتوبة كان
موجوداً في زمن رسول الله ﷺ ، لذلك فهو شعيرة من شعائر الإسلام وسنة من سننه ، وذلك بأن يرفع
كل واحد من المصلين صوته بالذكر الوارد بعد السلام بمفرده ، لا يتقيد بأحد ، فيحصل من ذلك ضجة في المسجد
بذكر الله هي محبوبة إلى الله تعالى .


وقد ورد وصف أمة محمد ﷺ في بعض الكتب السابقة ، أن لهم دوي في مساجدهم كدوي النحل .
أما رفع الصوت بالذكر بصورة جماعية بصوت واحد ونغمة واحدة فهو بدعة من البدع ، فيجب أن نحذر منها
وأن تحارب .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ منه رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة وباستحبابه ،
قال ابن حزم الظاهري : وذهب الجمهور إلى عدم استحباب رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة ، وحمل الشافعي
هذا الحديث على أنه جهر وقتاً يسيراً حتى يعلمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائماً ، قال : واختار للإمام والمأموم
أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك.
قلت : وإذ قد صح فعله في زمن النبي ﷺ فالقول باستحبابه بعد السلام أولى . والله أعلم .


ثانياً : المراد برفع الصوت أن كل واحد من المصلين يذكر الله وحده غير متقيد بأحد ، أما ما يفعله كثير من
الناس اليوم من اشتراك جماعة المسجد كلهم في الذكر بصوت ونغمة واحدة فهذا بدعة ، يجب أن تمنع وتحارب .


ثالثاً : (ال) في الذكر للعهد ، والمراد به الذكر المعهود ، والذي كان النبي ﷺ يفعله والذي علمه أصحابه
فيكون من العام الذي يراد به الخاص ، والذي حفظ عن النبي ﷺ أنه كان يفعله ويداوم عليه بعد السلام
من الصلاة المكتوبة أنه كان يقول بعد السلام : "استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله " .
ثم يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " .
ثم يقول : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير "
. عشر مرات أو خمس مرات ، ثم يقول : " لا إله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، وله النعمة وله الفضل
وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ،
ثم يقول :" اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد "،


ثم يقول :
" سبحان الله والحمد لله والله أكبر " من مجموعهن ثلاثاً وثلاثين مرة أو من كل واحدة ثلاثاً وثلاثين مرة ويقول
تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شي قدير .
وفي رواية : وأربع وثلاثين تكبيرة .


رابعاً : يؤخذ من الحديث جواز إطلاق اسم الجزء على الكل ؛ لأنه أطلق اسم التكبير على الذكر الذي هو أعم من
التكبير ، وقيل يؤخذ منه سنية التكبير بعد السلام وهو ضعيف ؛ لأنه قد علم من القواعد الأصولية أنه إذا تعارض
نصان أحدهما قطعي الدلالة والثاني ظنيها ، قد م القطعي على الظني ، فمثلاً : يقدم النص على الظاهر ، والمنطوق
على المفهوم ، لأن قولـه : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ إلا بالتكبير محتمل أن المراد بالتكبير
هو الذي يكون مع التسبيح والتحميد ، ومحتمل أنه تكبير غيره يكون بعد السلام مباشرة ، إلا أنه يعارض الاحتمال
الأخير الأحاديث الواردة في الذكر بعد السلام التي قد سبقت الإشارة إلى بعضها وهي نصوص في المسألة لا
يتطرق إليها احتمال ، لذلك فهي مقدمة على مفهوم هذا الحديث .
وبالله التوفيق .


في حين أن حديث الباب من قول ابن عباس وتلك الأحاديث من فعل النبي ﷺ .
خامساً : استدل الطبري – رحمه الله – بهذا الحديث على صحة ما كان يفعله أمراء الأجناد والعساكر المرابطون
في الثغور من التكبير بعد العشاء وبعد الفجر ثلاثاً بصوت عال ، وعن مالك أنه محدث وهو الأقرب . والله أعلم .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
07-05-2015, 09:53PM
بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



[128] : وعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال أملى عليّ المغيرة بن شعبة من كتاب معاوية رضي الله عنهما أن النبي
ﷺ كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على
كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ، ثم وفدت بعد ذلك على
معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك .


وفي لفظ كان ينهى عن : قيل وقال : وإضاعة المال ، وكثرة السؤال ، وكان ينهى عن عقوق الأمهات ، ووأد البنات ،
ومنعٍ وهات .


موضوع الحديث :

فضيلة الذكر بعد السلام من الصلاة المفروضة .


المفردات :

دبر الصلاة : دبر كل شيء آخره ، والمراد به هنا ما بعد لسلام من الصلاة المفروضة .
مكتوبة : أي مفروضة .
لا إله : لا معبود بحق في الوجود .
إلا الله : تثبت الألوهية لله رب العالمين وحده لا شريك له .
لا شريك له : لا مشارك له في ملكه ولا نضير له في أسمائه وصفاته .
له الملك والحمد : أي هو المنفرد بهما دون سواه .
وهو على كل شيء قدير : أي لا يفوت قدرته شيء فكل مستحيل عليه سهل وكل عسير عليه يسير .
لا مانع لما أعطيت : لا حابس لما أردت إيصاله ولا موصل لما أردت حبسه .
ذا الجد : لا ينفع ذا الحظ لا ينفعه منك حظه .
قيل وقال : كثرة نقل الكلام .
إضاعة المال : إتلافه فيما لا ينفع .
كثرة السؤال : سؤال المال وطلبه من الناس استكثاراً .
عقوق الأمهات : عصيانهن .
وأد البنات : دفنهن أحياء .
ومنعٍ وهات : إمساك ما في يدك بخلاً ، وطلب ما في أيدي الناس جشعاً .


المعنى الإجمالي :

يخبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يذكر الله بعد كل صلاة بهذا الذكر المتضمن لكمال
التوحيد وأنه كان ينهى عن هذه الست الخصال لما فيها من صفات الذم والمقت والإثم والعار . والله أعلم .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من هذا الحديث مشروعية هذا الذكر لما تضمنه من الاعتراف لله تعالى بالوحدانية وإفراده بالألوهية
دون من سواه ، لتوحده بصفات الكمال والجلال ، وانفراده بالملك والتصرف ، وتفضله بالنعم ، واتصافه بجمع الكمالات ،
فلا يستطيع أحد منع ما أعطى ، أو إعطاء ما منع ؛ لأن له مطلق التصرف ، فلا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، بيده
الإعزاز والإذلال ، والإعطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والتمليك والسلب ، ومن أجل تضمن هذا الدعاء لأعلى
مقامات التوحيد شرع بعد كل صلاة مكتوبة . الله أعلم .


ثانياً : معنى قوله : " لا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا ينفع ذا الحظ منك حظه ، سواء كان ذلك الحظ ملكاً
وسلطاناً ، أو كنوز وأعوانا ، أو نسباً وشرفا أو غير ذلك ، فلم يُغْنِ عن فرعون ملكه ، ولا عن قارون ماله وأعوانه ،
ولا عن أبي جهل شعبيته وشرفه ، ولا عن قوم عاد قوتهم وضخامة أجسامهم ، بل قال الله فيهم : _ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا
فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ *
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ
لا يُنْصَرُونَ _ (فصلت:15-16) .


ثالثاً : يؤخذ من قوله : " وكان ينهى عن قيل وقال " كراهة نقل الإنسان لكل ما يسمعه ، فإنه يدخل في ذلك الحق
والباطل ، والصدق والكذب ، قال ابن دقيق العيد – رحمه الله - : الأشهر فيه فتح اللام على سبيل الحكاية ،
وهذا النهي لابد من تقييده بالكثرة التي لا يؤمن معها الخلط والخطأ ، والتسبب في وقوع المفاسد من غير تعيين
والإخبار بالأمور الباطلة ، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال : " كفى بالمـرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " . اهـ


وقال الصنعاني في العدة : دليل التقييد ما علم من الإجماع على وقوع نقل أقاويل الناس ، بل قد وقع في التنـزيل
من نقل مقالات الأمم وأنبيائهم ما لا يحصى كثره . اهـ


قلت : إنما يتجه النهي على ما لا مصلحة في نقله ، وهو ثلاثة أنواع :
ما تحققت فيه المفسدة أو رجحت
فيحرم نقله ، وما كان احتمال المفسدة فيه مرجوحاً فيكره نقله ، وما خلا من المفسدة ولم يكن في نقله مصلحة
فيكره الإكثار من نقله ، أما ما تحققت في نقله المصلحة أو رجحت فيجب نقله أو يستحب تبعاً لتلك المصلحة ،
ومن هذا ما ذكره الله في القرآن من نقل أقاويل الأمم ، إما لبيان فسادها والرد عليها ، أو لبيان ما فيها من حق
ونشره والدعوة إليه . والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ من قوله : " وإضاعة المال " عطفاً على ما كان ينهى عنه نهي تحريم وهو إضاعة المال بأي وجه
من وجوه الإضاعة ، ذلك لأن الله – جل شأنه – جعل الأموال قياماً لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت لتلك المصالح ،
إما في حق مضيعها أو في حق غيره بإنفاق المال فيما لا نفع فيه لا في الدين ولا في الدنيا ، لا بالنسبة للفرد ولا
بالنسبة للمجتمع يعد إسرافاً وتضييعاً للمال ، ووضعاً له في غير موضعه .


وكذلك الإنفاق فيما ثبت ضرره وانعدم نفعه ، كالقات والدخان بجميع أنواعه كالشيشة والسيجارة والغليون ومطحون
التبغ كالبردقان وما يسمى بالعنجر أو النشوق ، وأشد من ذلك ما سبب انتشار الفساد في المجتمعات الإسلامية
كأفلام المسارح الغنائية ، وتمثيليات الحب والعشق الهابطة ، والكتب القصصية سواء في ذلك قصص العشق
والغرام ، أو قصص المغامرات في السرقة والنهي والغصب وسفك الدماء ومثل ذلك الجرائد والمجلات التي تحمل
الصورة الخليعة وأشرطة الفيديو والسينما الخليعة وما استجد من ذلك أيضاً في هذا الزمن كالدش والإنترنت التي
تنشر الفساد والدعارة وتجرد الناس من الإيمان والحياء ، وَتُعَوِدهُم على الخلاعة ، والوقاحة وعدم المبالاة
بارتكاب الفواحش ، والانحدار في حمأة الفساد بعد أن تقضي على بقية الإيمان والحياء الموجودين في القلوب
حتى تصبح القلوب عاطلة من كل خير ، متصفة بكل شر .


ومن ذلك أيضاً الإسراف في المباحات والإنفاق فيها أكثر من الحاجة . والله أعلم .
أما قوله : " وكثرة السؤال " فهو يحتمل أمرين :

الأمر الأول : أن يكون المقصود به السؤال عن العلم ، فإن كان كذلك فلابد أن يحمل على نوع مخصوص من
السؤال ؛ لأن الله تعالى أمر بسؤال أهل الذكر فقال : _ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ _ (النحل: من الآية43) .


وعلى هذا فإن كان النهي عن السؤال هنا يراد به السؤال عن العلم فهو يحتمل على ما قصد به التعجيز أو المعايات
أو الاشتهار أو التعمية والتشكيك .


الأمر الثاني : أن يكون المقصود به سؤال المال ، إلا أن طلب العطاء من الناس قد ذم كثيره وقليله إلا ما لابد
منه كحديث : " إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة .." الحديث .
أما إن دخل فيه غير العطاء : كناولني السفرة يا غلام ، وما أشبه ذلك ، فلابد أن يحمل الحديث على سؤال
المال وتقييده بالكثرة احترازاً عما فيه ضرر . والله أعلم .


وأما قولـه : " وكان ينهى عن عقوق الأمهات " فالعقوق مأخوذ من العق وهو القطع ، ولا يختص النهي عن العقوق
بالأمهات بل أن عقوق الآباء محرم أيضاً كعقوق الأمهات ، ولكن في هذا التخصيص تنبيه على عظيم حق
الأمهات وأن عقوقهن أفظع وأعظم بشاعة لعظم حقهن ، وقد نبه القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى :
_ وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً _ (الأحقاف: من الآية15) .


أما "وأد البنات" فهو دفنهن أحياء ، وهذا الصنيع رغم فحشه فقد فعله كثير من أهل الجاهلية وعابهم الله به
فقال : _ .. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ _ (النحل: من الآية59) .
وقد جاء الإسلام باجتثاث هذه العادة المنكرة وقلعها من أصلها ، بل بذر في قلوب أتباعه المودة والرحمة للبنات
ووعد على ذلك الخير كله ، فقد روى أحمد وابن ماجة عن عقبة بن عامر مرفوعاً : " من كان له ثلاث بنات
فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جِدَته ، كن له حجاباً من النار يوم القيامة " .‏


ثم إن الواجب على الولي التأدب بالآداب الإسلامية وتأديب البنات بأدب الإسلام لكي يكنّ أعضاء صالحات
في المجتمع ، وهنا التعليم والتأديب لا يقل وجوبه عن وجوب النفقة والكسوة والمسكن الذي يطالب به كل ولي
لموليته ، والمقصود تعليم ما لابد منه من أمور الدين ، أما التوغل في التعليم لأخذ الشهادة العالية لتعمل موظفة
وتترك الزواج والذرية والقيام بشؤون البيت الذي كلفت بالاستقرار فيه لتكون سكناً للزوج ومربية للأولاد فهذا ليس
بمحمود ؛ لأنه ترك للوظيفة الإسلامية التي خلقت لها المرأة

وفيه عدة محاذير :

المحذور الأول : أن ذلك تركٌ للوظيفة الأساسية التي خلقت لها المرأة وهيئت لها وهي أن تكون سكناً للزوج يسكن
إليها وتسكن إليه قال تعالى : _ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ _ (الروم:21) .



وإن هذه الآية لأكبر شاهد بأن الرجل لا يستقيم حاله ولا يذوق لذة العيش إلا بالحياة الزوجية الكريمة ، وكذلك المرأة .


المحذور الثاني : ترك النسل والذرية ، والنسل وهم الأولاد لا تطيب الحياة الزوجية إلا بهم ، وقد قال النبي _ : "
تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " ، فالمرأة مهما حصل لها من شهادات فإن الحياة لا تطيب لها إلا
بالبنين والبنات ، ولقد سمعت أن امرأة درست وتدرجت في الشهادات حتى أخذت أعلاها وفي النهاية قالت :
خذوا شهادتي كلها وأعطوني طفلاً ألاعبه .


ولقد خلق الله النساء ليكن أمهات مربيات وحاضنات ماهرات ، فإذا خرجت عن هذه الوظيفة وتركتها ندمت بعد
ذلك وحنت إليها بعد أن ذهب الزمن وبلي الشباب . فالله المستعان .


المحذور الثالث : ترك البيت بدون حارس أمين وسائس حكيم يجلب إليه وإلى أهله الصلاح ويدفع عنه الفساد ،
فالله سبحانه أمر النساء بالاستقرار في البيوت ولا تكون المرأة سكناً للزوج إلا إذا كانت مستقرة في البيت ، تربي
الأولاد ، وتحفظ البيت ، وتنظفه وتقوم بشؤونه وترصد حاجة الزوج فيه .


المحذور الرابع : أنه تنكر للفطرة والجبلية التي خلق الله عليها الأنثى لحكمة يعلمها هو تعالى ، فهي مهيئة خلقة
لبيت ومحضن الزوجية ، فإذا أخرجت نفسها عن هذا المحضن فإنها تكون قد عصت خالقها ، وجنت على مجتمعها
وكانت نشازاً فيه بإعراضها عن الأمر الذي خلقت له ، ولهذا جاء في الحديث : " لعن الله المترجلات من النساء ،
والمخنثين من الرجال " لأن كلا منهما خرج عن فطرته التي هُيأ لها ، وأراد أن يجعل لنفسه فطرة غير ما اختار الله له .


وأخيراً ، فإن من منع ابنته من النكاح الشرعي فقد جنى عليها جناية عظيمة ، وعرضها للوقوع في الفاحشة ، وحرمها
لذة الزوج والبيت والأولاد ، ولا ينتظر إلا المقت من الله والفضيحة في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً . وبالله التوفيق .


ومعنى قوله : "ومنعٍ وهات" أن يمنع العبد ما في يديه بخلاً ، ويطلب ما في يد غيره جشعاً ، وكفى بهذا ذماً .

وهذا يتضمن شيئين :

أولها : البخل وهو ما عبر عنه بالمنع ، والمنع يكون مذموماً إذا كان منعاً عن الواجبات ، فهذا يسمى بخلاً ،
قال الله تعالى : _ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ _ (الحديد:24) .


وقال تعالى : _ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا
يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ _ (محمد: من الآية38) .

والثاني : الطلب والسؤال وهو المعبر عنه بقوله "وهات" وهذا مذموم أشد الذم ، وقد جاء في الحديث : " لا يزال
الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم " .

وفي الحديث أيضاً : " من سأل الناس
أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمر جهنم ، فليستقل منه أو ليستكثر".



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
08-05-2015, 09:54PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



الحديث الثالث :
في بيان الذكر عقب الصلاة


[129] : عن سُمَيّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن فقراء المسلمين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، قال : "
وما ذاك ؟ " قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال
رسول الله ﷺ : " أفلا أعلمكم شيئاً تدركون من سبقكم ، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من
صنع كما صنعتم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة" .
قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال رسول الله ﷺ :
"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" قال سُميّ : فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث . فقال وهمت إنما قال :
" تسبح الله ثلاثاً وثلاثين ، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين " ، فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك ،
فقال : قل الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين.


موضوع الحديث :

الذكر بعد الصلاة وفضله .


المفردات :

أهل الدثور : أهل الأموال .
بالدرجات العلى : أي في الجنة . والنعيم المقيم : أي فيها .
ويتصدقون بفضول أموالهم : أي بما فضل عن حاجتهم . وفي هذه الرواية "ويتصدقون ولا نتصدق" .
ويعتقون ولا نعتق : العتق هو تحرير الرقاب المرققة .


المعنى الإجمالي :

فهم الصحابة أن التسابق والتنافس إنما يكون في الأعمال التي تقرب من الله وترفع الدرجات في الجنة ، لا في الدنيا
الفانية وحطامها الزائل أو جاهها المشوب بالأخطاء والممزوج بالأكدار ، فذهبوا إلى رسول الله ﷺ شاكين سبق
الأغنياء لهم لا بالمال ، ولكن بما يكسبونه من أجر بسبب ما أوتوا من المال ؛ لأنهم يساوونهم في الصلاة والصوم
ويزيدون عليهم بالصدقة والعتق ، فأعلمهم رسول الله ﷺ. بهذا الذكر الذي يدركون به من سبقهم ويسبقون به
من بعدهم ، ولا يكون أحد أفضل منهم إلا من عمل كعملهم ، لكن أصحاب الأموال حينما سمعوا بهذه الفضيلة بادروا
إليها فعملوا بها ، فبقي الفضل لهم على الفقراء ، فجاء الفقراء شاكين مرة أخرى لكي يجدوا عند النبي ﷺ حلاً
آخر يساوونهم به ، فقال رسول الله صلى " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " .


فقه الحديث :

أولاً : في هذا الحديث مسألة المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر ، وهي مسألة مشهورة تكلم الناس فيها
وألّف فيها بعضهم ، وممن علمناه ألّف في هذه المسألة كتاباً مستقلاً العلامة ابن القيم – رحمه الله – ألف فيها كتاب
"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" ، وألف الصنعاني – رحمه الله- أيضاً كتاباً سماه "السيف الباتر في المفاضلة بين
الفقير الصابر والغني الشاكر" ذكره في العدة ، وذكر أنه اختصره من كتاب ابن القيم وقال : وهو كتاب بديع ليس
له نظير ألّفناه في مكة سنة 1135هـ.


ومما احتج به لتفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر قوله تعالى :
_ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا _ (الفرقان: من الآية75) . قال محمد بن علي بن الحسين : الغرفة الجنة ، بما
صبروا : على الفقر في الدنيا .


ومنها أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو مقدار خمسمائة سنة ، وورد بأربعين خريفاً حتى يتمنى
الأغنياء من المسلمين أنهم كانوا فقراء ، ومنها أن الله ما ذكر الدنيا إلا على سبيل الذم فتارة يذكر المال أنه سبب
للطغيان كقوله تعالى : _ كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى _ (العلق:6-7) . وتارة يذكر أنه سبب
للبغي قال تعالى : _ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ _ (الشورى: من الآية27) ، وتارة يذكر المال بأنه فتنة
_ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة _ (التغابن: من الآية15) ، وتارة يذكر بأن الأموال والأولاد لا تقرب إلى الله تعالى :
_ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً _ (سـبأ: من الآية37) .


ومما استدل به أيضاً على تفضيل الفقير الصابر أن النبي ﷺ اختار الله له أن يكون فقيراً ، فقد عرضت عليه
مفاتيح خزائن الأرض فأباها وقال : "بل أجوع يوماً وأشبع يوماً ، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت
حمدتك وشكرتك" .


هذا خلاصة ما استدل به من فضل الفقير الصابر .
وقد أجاب من فضل الغني الشاكر على أدلة من فضل الفقير الصابر فقالوا : أما الآية فلا دليل لكم فيها ؛ لأن الصبر
فيها عام في جميع أنواع الصبر فهو يعم الصبر عن المحارم لمن هو قادر عليها بالمال والصبر على أداء الطاعة والصبر
على الابتلااءت بأنواعها كالأمراض والأوصاب والفقر والحاجة وغير ذلك .
وأما دخول الفقراء إلى الجنة فلا يلزم
من ذلك نقص درجة الغني ، بل ربما كان الغني الذي يدخل الجنة متأخراً أعلى درجة من الفقير الذي سبقه بالدخول ،
وأما ما ذمّ الله به الدنيا والمال فإنما تكون مذمومة في حق من أنفق المال في معصية الله ، أما من أنفقه في طاعة الله
فهو محمود قال سبحانه وتعالى : _ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ _ (المعارج:24-25) ،
وقال تعالى : _ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى _ (الليل:5-7) .


وأما النبي ﷺ فقد جمع الله لـه بين درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر فكم قد أتاه من المال فأباه وأنفقه في
طاعة مولاه – عليه الصلاة والسلام – ومن الأدلة على ذلك أن النبي ﷺ كان يجهز كل الوفود على كثرتهم في
السنوات الأخيرة بعد فتح مكة ، ومع ذلك فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير أخذها
نفقة لأهله ، ومن الأدلة على تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر ، قول النبي _ : " ذلك فضل الله يؤتيه
من يشاء " في هذا الحديث .


قال الصنعاني في العدة : قال من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر لنا أدلة واسعة وكلمات للخير جامعة :
الأول أن الله أثنى على أعمال في كتابة لا تتم إلا للأغنياء ، كالزكاة والإنفاق في وجوه البر والجهاد في سبيل الله
بالمال وتجهيز الغزاة ورعاية المحاويج وفك الرقاب والإطعام في يوم المسغبة ، وأين يقع صبر الفقير من فرحة المضطر
الملهوف المشرف على الهلاك ، وأين يقع صبره من نفع الغني بماله في نصرة دين الله وإعلاء كلمته وكسر أعدائه ؟
وأين يقع صبر أهل الصفة من إنفاق عثمان رضي الله عنه تلك النفقات حتى قال النبي ﷺ : " ما ضر عثمان ما عمل
بعد اليوم " ؟ .


قالوا : والأغنياء الشاكرون سبب لطاعة الفقراء الصابرين إياهم بالصدقة عليهم والإحسان إليهم ورعايتهم على طاعتهم ،
فلهم نصيب وافر من أجور الفقراء زيادة على أجورهم بالإنفاق وطاعتهم التي تخصهم ، كما يفيده ما أخرجه ابن
خزيمة – رحمه الله – من حديث سلمان رضي الله عنه مرفوعاً : " من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته
من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء " فقد حاز الغني الشاكر بضيافة هذا مثل أجل
الفقير الذي فطره .


قالوا : وفضائل الصدقة معلومة ، وفوائدها لا تحصى ، وهي ثمرة من ثمرات الغني الشاكر . اهـ من العدة للصنعاني
(3/88) بتصرف قليل .


وهذه خلاصة ما احتج به الفريقان ، وتبين مما ذكرناه رجحان الغني الشاكر على الفقير الصابر ، ومعلوم أنه لا مكان
للفقير غير الصابر ولا للغني غير الشاكر في هذه المفاضلة .


ثانياً : يؤخذ من الحديث مشروعية هذا الذكر عقب الصلاة المفروضة ، وأن من سبح الله وحمده وكبره ثلاثاً وثلاثين مرة
فتلك تسع وتسعون كلمة ، وقال تمام المائة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت
وهو على كل شيء قدير" عقب كل فريضة مخلصاً فيها فإنه قد أصاب خيراً كثيراً , وحاز أجراً وفيراً .


ثالثاً : اختلف في كيفية هذا الذكر ، هل يكون بإفراد التسبيح حتى يبلغ من مجموعه ثلاثاً وثلاثين ، ومثل ذلك التحميد
والتكبير ؟ أو يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يبلغ من مجموعهن ثلاثاً وثلاثين ، ثم يقول تمام المائة لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ؟.
والذي يظهر لي جواز الجميع ، وإن كان أبو صالح – رحمه الله – قد فضل الجمع . والله أعلم .



رابعاً : أن درجات الجنة لا تنال إلا بالعمل لقوله ﷺ : " ألا أعلمكم شيئاً
تدركون به من سبقكم وتسبقون به
من بعدكم .." الحديث .


خامساً : يؤخذ منه ما كان عليه الصحابة – رضوان الله عليهم – من المنافسة
على أعمال الخير التي تقرب من
الله عز وجل .


سادساً : أن المنافسة في أعمال الآخرة محمودة ؛ بل مطلوبة ومأمور بها ، بخلاف المنافسة في الدنيا فإنها
مذمومة .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
09-05-2015, 10:58PM
بسم الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



الحديث الرابع :
في باب الذكر عقب الصلاة


[130] : عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف
قال : "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي " .


موضوع الحديث :

استحباب إزالة ما يلهي عن الصلاة ويشغل القلب عن الخشوع فيها .


المفردات :

الخميصة : كساء مربع له أعلام .
الأنجانية : كساء غليظ ، وقيل منبجانية .
فلما انصرف : أي سَلَّمَ من صلاته .
ألهتني : أشغلتني .
آنفا : الوقت الذي قبل قول ذلك .


المعنى الإجمالي :

كان رسول الله ﷺ شديد الاهتمام بأمر الصلاة وإزالة كل ما يشغل أو ينقص الخشوع فيها ،لذلك نهى عن
الصلاة مع الاحتقان ، وعند حضور الطعام ووجود التوقان إليه ، وهنا كره الصلاة في الخميصة لما فيها من الأعلام التي
تلهي عن الخشوع فيها فتذهبه أو تنقصه .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث دليل على طلب الخشوع في الصلاة والإقبال عليها وإزالة كل ما يذهبه أو ينقصه ، ومن ثم
نهى عن زخرفة المساجد ، فأخرج أبو داود في باب بناء المساجد وصححه الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : قال رسول الله ﷺ : " ما أمرت بتشييد المساجد " ،
قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " وصححه الألباني .


وروى ابن ماجة في باب تشييد المساجد عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
"لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" صححه الألباني .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)


التصفية والتربية


TarbiaTasfia@

ام عادل السلفية
10-05-2015, 09:22PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



باب
الجمع بين الصلاتين في السفر


[131] : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي ﷺ يجمع في السفر بين صلاة الظهر
والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء .


موضوع الحديث :

الجمع بين الصلاتين في السفر .


المفردات :

على ظهر سير : أي إذا كان جاداً في السفر ، قال ابن حجر – رحمه الله – ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعاً
في الكلام كأن السير كان مستنداً إلى ظهر قوي .


المعنى الإجمالي :

تمتاز شريعة نبينا محمد ﷺ من بين سائر الشرائع السماوية بالسماحة واليسر وإزاحة كل حرج ومشقة عن
المكلفين أو تخفيفهما ، ومن التخفيفات المرموقة في شريعتنا الجمع في السفر بين الصلاتين المشتركتين
في الوقت وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً في وقت إحداهما مقصورتين ، فهذا ابن عباس
رضي الله عنهما يروي عن النبي ﷺ أنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا كان على
ظهر سير .


فقه الحديث :

أولاً : في قولـه : كان رسول الله ﷺ يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ،
ويجمع بين المغرب والعشاء ، دليل لمن قال إن الجمع في السفر مشروع وهم الجمهور ، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك
والشافعي وأحمد ؛ لأن كان تقتضي في الغالب الاستمرار على الشيء ومعاودته مرة بعد مرة .


وذهب الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة وصاحباه إلى أن الجمع لا يشرع إلا في عرفة ومزدلفة فقط ، وحملوا ما
ورد في الجمع من نصوص على الجمع الصوري وهو تأخير الأولى إلى آخر وقتها ، وتقديم الأخرى في أول
وقتها ، ورُدَّ عليهم بأن الجمع شرع لإزالة المشقة والحرج عن الأمة ، وهذا أكثر مشقة من جمع الصلاتين
في وقت إحداهما لأمور :
أولاً : لأن معرفة أوائل الأوقات وأواخرها لا يتسنى لكثير من الخاصة ، فكيف بالعامة ؟ .
ثانياً : لأن ذلك يوجب تكرار النـزول لكي يعرف أوائل الأوقات وأواخرها بالظل ، وفي هذا مشقة أكثر من النـزول لأداء
الصلاة في وقت إحداهما ، وذلك ينافي رفع الحرج الذي امتن الله به على عباده حيث يقول : _ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج _ (الحج: من الآية78) .


‏ثالثاً : أن الأحاديث الواردة في الجمع في السفر صحيحة وصريحة ، وحملها على ما ذكر تعطيل لسنة ثابتة لا يعذر
أحد عن الأخذ بها والعمل بموجبها .
ومن هذا تعلم أن مذهب الجمهور هو الحق ؛ لأن الجمع بين الصلاتين في السفر صح من حديث ابن عباس وأنس
بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل .


ثانياً : يؤخذ من قوله : يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر ..الخ ،
دليلٌ لمن قال بجواز الجمع مطلقاً ،
سواء كان تقديماً أو تأخيراً ، لأن حديث ابن عباس مطلق فيدخل تحته التقديم لكن قيد في حديث أنس بما
إذا جمع تأخيراً ولفظه عند البخاري : كان النبي ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت
العصر ثم يجمع بينهما ، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب ، أي وإذا زاغت ولم يرتحل صلى الظهر ثم ركب ،
قال الحافظ في الفتح : وهو المحفوظ عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس ، لكن روى الإسماعيلي عن جعفر الفرياني
عن إسحاق بن راهويه عن شبابة فقال : إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل .


ورواه الحاكم في الأربعين قال : حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، قال حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني أحد شيوخ
مسلم ، قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي فذكر الحديث ، وفيه : فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى
الظهر والعصر ثم ركب ، قال صلاح الدين العلائي : جيد اهـ. نقلاً عن الفتح بتصرف .


قلت : القاعدة الاصطلاحية أن زيادة الثقة مقبولة ، وإسحاق إمام فتقبل زيادته وجعفر المتفرد عنه إمام أيضاً وقد
حصلت له المتابعة بما في سند الحاكم وع هذا فليس المعول في جمع التقديم على حديث أنس فقط ،
بل قد صح جمع التقديم من حديث أبي جحيفة المتفق عليه من طريق عون بن أبي جحيفة والحكم بن عتبة
ولفظ رواية عون : خرج علينا رسول الله ﷺ بالهاجرة ، فأتى بوضوء فتوضأ ، فصلى بنا الظهر والعصر وبين
يديه عنـزة ، والمرأة والحمار يمرون من ورائهما .


ومن حديث معاذ بن جبل عند أبي داود بلفظ : أن النبي ﷺ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ
الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليها جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً
ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل
العشاء فصلاها مع المغرب.


وروى الترمذي عن معاذ بن جبل أن النبي _ كان في غزوة تبوك بمثل حديث أبي داود إلا أن فيه : وإذا ارتحل
بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل ، وقال في المغرب مثل ذلك ،
صحيح سنن الترمذي (455) ، وصحيح أبي داود (1106) ، وصحيح الإرواء (785) ، وذكر في الإرواء
تحت الرقم المذكور (3/28) وقال : صحيح ، وعزاه لأبي داود والترمذي وأحمد (5/241، 242) وكلهم قالوا :
حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن معاذ
بن جبل أن النبي _ كان في غزوة تبوك ... الحديث . إلى أن قال : وقال الترمذي حديث حسن غريب ، تفرد
به قتيبة ، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره ، وقال في مكان آخر من الصفحة الأخرى : حديث حسن
صحيح .


قلت – يعني الألباني - : وأنا أرى أن الحديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال الستة ، وقد أعله الحاكم بما
لا يقدح في صحته ، فراجع كلامه في ذلك مع الرد عليه في زاد المعاد (1/187، 188) ، ولذلك قال
في أعلام الموقعين (3/25) : وإسناده صحيح ، وعلته واهية ،

وغاية ما أعل به علتان :
الأولى : تفرد قتيبة به أو وهمه فيه ، والأخرى : عنعنة يزيد بن أبي حبيب .
والجواب عن الأولى أن قتيبة ثقة ثبت فلا يضر تفرده كما هو مقرر في علم الحديث ، وأما الوهم فمردود ؛ إذ لا
دليل عليه إلا الظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، ولا يرد به حديث الثقة ولو فتح هذا الباب لم يسلم لنا
حديث .


والجواب عن العلة الأخرى : فهو أن يزيد بن أبي حبيب غير معروف بالتدليس وقد أدرك أبا الطفيل حتماً لأنه ولد
سنة 53هـ وتوفي سنة 128هـ وتوفي أبو الطفيل سنة مائة أو بعدها وعمر يزيد حينئذٍ 47هـ سنة .
وقد أطال – رحمه الله – في تصحيح حديث قتيبة هذا بما لا مزيد عليه.


ثم قال : قلت : وليس في شيء من هذه الطرق عن أبي الزبير ذكر لجمع التقديم الوارد في حديث قتيبة ولا يضره
لما تقرر أن زيادة الثقة مقبولة لا سيما ولم ينفرد به بل تابعه الرملي وإن خالفه في إسناده كما سبق ، على أن
لهذه الزيادات شاهداًَ قوياً في بعض حديث أنس رضي الله عنه .


قلت : هي رواية الفرياني عن إسحاق بن راهويه عن شبابة بن سوار بزيادة : صلى الظهر والعصر ثم ركب ،
ثم أورد لهما شاهداً من حديث ابن عباس ولفظه : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله ﷺ في السفر ؟
قال : قلنا : بلى ، قال : كان إذا زاغت الشمس في منـزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب ... الخ ،
مثل حديث معاذ وعزاه للشافعي (1/116) ، وأحمد (1/367/368) ، والدراقطني (149) ، والبيهقي
(3/163/164) ، من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة وكريب كلاهما عن ابن عباس
ثم قال : قلت وحسين هذا ضعيف .


قال الحافظ في التلخيص (2/48) : واختلف عليه فيه ، وجمع الدارقطني في سننه بين وجوه الاختلاف فيه ،
إلا أن علته ضعف حسين ، ويقال أن الترمذي حسنه وكأنه باعتبار المتابعة وغفل ابن العربي فصحح إسناده .
لكن طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده ، عن أبي خالد الأحمر ، عن الحجاج عن الحكم ،
عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه
عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنه نحوه .


قلت – يعني الألباني - : فالحديث صحيح عن ابن عباس بهذه المتابعات والطرق ، وقواه البيهقي بشواهده ،
فهو شاهد آخر لحديث معاذ من رواية قتيبة ، وهي تدل على حفظه وقوة حديثه .


قلت : وعلى هذا فقد صح جمع التقديم من رواية ثلاثة من الصحابة وهم :
1- أنس بن مالك عند الإسماعيلي من طريق جعفر الفرياني ، حدثنا إسحاق ابن راهويه ، أنبأنا شبابة بن سوار ،
عن عقيل ، عن ابن شهاب الزهري ، عن أنس وفيه : وإذا زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل .
ولـه متابع رواه الحاكم في الأربعين من طريق محمد بن يعقوب أبي العباس الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني ،
عن حسان بن عبد الله ، عن المفضل بن فضالة ، عن عقيل وفيه : وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل
صلى الظهر والعصر ثم ارتحل .


2- من طريق معاذ بن جبل كما تقدم بيانه بشواهده التي تؤكد أن قتيبة ابن
سعيد قد حفظ الحديث سنداً ومتناً .


3- من طريق ابن عباس وصح بالمتابعات ، ولذلك فإنه قد وجب المصير إلى جمع التقديم لصحته عن نبي الهدى
ﷺ وإلى جواز جمع التقديم ، ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل في المشهور عنه ، وهو رواية عن مالك .


ثالثاً : يؤخذ من قوله : إذا كان على ظهر سير دليل ، لمن خصص الجمع بالسائر دون النازل وهو مروي عن
ابن حبيب من المالكية ، ورواية عن مالك ، لكن روى أبو داود بإسناد رجاله رجال الصحيحين عن معاذ بن جبل
رضي الله عنه أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك ، فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر ،
والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء
جميعاً .


قال الشافعي في الأم : قوله ثم خرج فصلى ثم دخل ، ثم خرج فصلى ، لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن
يجمع سائراً ونازلاً ، وحكى الحافظ عن ابن عبد البر أنه قال : في هذا أوضح دليل على الرد على من قال : لا
يجمع إلا من جدَّ به السير ، وهو قاطع اللالتباس .اهـ.
ويجوز الجمع بين الصلاتين في السفر سائراً ونازلاً قال عطاء وجمهور أهل المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر
ورواية عن أحمد ، وهو المشهور عند أصحابه والمرجح عندهم .


قال في المغنى : وروى عن أحمد جواز جمع الصلاة الثانية إلى الأولى ، وهذا
هو الصحيح وعليه أكثر الأصحاب .


قال القاضي : الأول هو الفضيلة والاستحباب ، وإن أحب أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما نازلاً
كان أو سائراً أو مقيماً في بلد إقامة لا تمنع القصر ، وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن
المنذر لما روى معاذ بن جبل ، ثم أورد حديثي معاذ بن جبل وابن عباس السابقين في جمع التقديم .


ثم قال : وروى مالك في الموطأ عن أبي الزبير عن أبي الطفيل أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله
ﷺ في غزوة تبوك فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال فأخر الصلاة
يوماً ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم دخل ، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً.


قال ابن عبد البر : هذا حديث صحيح الإسناد ، وفيه أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال لا
يجمع بين الصلاتين إلا إذا جَدَّ به السير ؛ لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي
الصلاتين جميعاً ، ثم ينصرف إلى خبائه ، ثم يخرج فيقيمها ويجمع بين الصلاتين من غير أن يجد به السير.


وقال ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية : ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر ، لمصلحة
الوقوف ولا يقطعه بالنـزول لصلاة العصر مع إمكان ذلك بلا مشقة بالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى .اهـ.


رابعاً : في قوله : " كان يجمع في السفر " الحديث ، دليل على جواز الجمع في كل ما يسمى سفراً ، وسيأتي الاختلاف
في السفر الذي يجوز فيه الجمع والقصر ، ومنع ذلك أبو حنيفة وأصحابه كما تقدم .


قال ابن عبد البر في كتابه التمهيد (12/198) : وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجمع أحد بين الصلاتين في سفر
ولا حضر ، لا صحيح ولا مريض ، في صحو ولا في مطر ، إلا أن للمسافر أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها ، ثم
ينـزل فيصليها في آخر وقتها ، ثم يمكث قليلاً ويصلي العصر في أول وقتها ، وكذلك المريض .


قالوا : فأما أن يصلي صلاة في وقت الأخرى فلا إلا بعرفة والمزدلفة لا غير.
وأجازت الهادوية التي تقمصت الزيدية
واشتهرت بها على ما جمعت في مذهبها من الرفض والاعتزال قالت بجواز الجمع في الحضر لكل مشغول بطاعة
أو مباح ينفعه تقديماً أو تأخيراً ، وعلى هذا يجري العمل في مساجد الزيدية دائماً من غير نكير ناسين أو متناسين
قول الله تعالى : _ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً _ (النساء: من الآية103) .


وتاركين ما ثبت في السنن الصحيحة الصريحة في المواقيت إلى ما قرره شيوخهم وقادتهم وكبراؤهم ، وحق
عليهم قول الله تعالى : _ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا _ (الأحزاب:67) .


قال في كتاب "الأزهار" الذي هو الكتاب المعتمد لديهم في الأحكام : وللمريض المتوضئ ، والمسافر
ولو لمعصية ، والخائف والمشغول بطاعة أو مباح ينفعه وينقصه التوقيت جمع التقديم والتأخير بأذان لهما وإقامتين ،
ولا يسقط الترتيب وإن نسي ويصح التنفل بينهما .


قال الشوكاني – رحمه الله – في السيل الجرار (1/192) رداً على ما ورد في الفقرة السابقة : وأثبت لمن عداهم
جمع المشاركة وهذا كله ظلمات بعضها فوق بعض وخبط يتعجب الناظر فيه إذا كان له أدنى تمييز ، والحاصل أن
هذا القول لم يسمع في أيام النبوة ، وقد كان فيهم المريض وأهل العلل الكثيرة ، وفيهم من قال له رسول الله
ﷺ : " صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .

ولم يسمع بأنه أمر أحداً منهم بتأخير الصلاة عن وقتها ، ولا جاء في ذلك حرف واحد من كتاب ولا سنة ،
وهكذا لم يسمع شيء من ذلك في عصر الصحابة بعد موته ولا في عصر من بعدهم ، ولم يقل بذلك أحد من
أهل المذاهب الأربعة ، ولا من سائر أهل الأرض ، فمثل هذه المسائل من عجائب الرأي الذي اختص به أهل
أرضنا اللهم غفراً ... إلى أن قال : وأما ما ذكره المصنف من جواز الجمع لمشغول بطاعة ، فليت شعري ما
هي هذه الطاعة التي يجب تأثيرها على الصلاة ؟ التي هي رأس الطاعات وهي أحد أركان الإسلام ، والتي ليس
بين العبد وبين الكفر إلا مجرد تركها ، وأعجب من هذا وأغرب تجويزهم الجمع للمشغول بمباح ينفعه وينقص في
التوقيت ، فإن جميع الناس إلا النادر يدأبون في أعمال المعاش العائد لهم بمنفعة وإذا وقتوا فقد تركوا ذلك العمل
وقت طهارتهم وصلاتهم ومشيهم إلى المساجد – ومعنى وقتوا : صلوا الصلاة في أوقاتها - .


قال : فعلى هذا هم معذورون عن التوقيت طول أعمارهم ، ولهم جمع الصلاة ما داموا على قيد الحياة ، وهذا تفريط
عظيم وتساهل بجانب هذه العبادة العظيمة ، وإفراط في مراعاة جانب الأعمال الدنيوية على الأعمال الأخروية ،
وقد كان الصحابة – _ - في أيام الرسول ﷺ يشتغلون بالأعمال التي يقوم بها ما يحتاجون إليه ، فمنهم
من هو في الأسواق ، ومنهم من هو في عمل الحرث ونحوه ، ومنهم من هو في تحصيل علف ماشيته ، ولم يسمع
عن الرسول ﷺ أنه عذر أحداً عن حضور الصلاة في أوقاتها ، ولا بلغنا أن أحداً منهم طلب من الرسول ﷺ
أن يرخص له ، لعلمهم أن هذا لا يسوغه الشرع .


قلت : من سوّغ الجمع دائماً وأبداً من غير عذر من أعذار الجمع الثلاثة التي هي السفر والمرض والمطر استناداً
إلى قول شخص بعينه ، فقد اتخذه مشرعاً ودخل في هذه الآية _ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ _ (الشورى: من الآية21) .


وليعد للسؤال جواباً ، لأنه رفض النصوص الشرعية الدالة على التوقيت من كتاب وسنة ، وما أكثرها ، وأخذ بقول
من ليس بمعصوم ، فإلى الله المشتكى ، وبين يديه الملتقى ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .


قال الشوكاني – رحمه الله - : وأما التمسك بحديث جمعه ﷺ في المدينة فهذا وقع مرة واحدة ،
وتأوله كثير من الراوين للحديث ، وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك ، وقد أفردنا
هذا البحث برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقى ما ينتفع به طالب الحق . اهـ.
قلت : حديث ابن عباس قال راويه لما سُئل : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته . ومعنى ذلك – والله أعلم - :
أنه صلوات الله وسلامه عليه أراد أن يشرع لأمته شرعاً للضرورات ، كأن يقع مثلاً حريق والناس يدأبون على إطفائه
وإنقاذ من يمكن إنقاذه ، أو دهمهم سيل أو فيضان والناس في إنقاذ الأرواح والأموال ، أو حصل زلزال تهدمت
بسببه أبنية والناس يدأبون في إنقاذ من تحت الأبنية لعلهم يجدون بعضهم أحياء ، أو يكون للإنسان مريض لا يوجد
له أحد غيره فإذا تركه تضرر ، فهذا يجوز له الجمع لتمريض مريضه .
ومما سبق يتبين أن مذهب الجمهور وسط بين الإفراط والتفريط .


فالإفراط في مذهب الحنفية : الذين منعوا الجمع في غير عرفة ومزدلفة .
والتفريط في مذهب الهادوية : الذين
أجازوا الجمع لأي عمل من أعمال الدنيا ، بل قد اتخذه أتباع هذا المذهب ديدناً بل قد أسقطوا وقت العصر
والعشاء من الحساب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
قال ابن عبد البر في التمهيد – رحمه الله(_) - : وقد تقدم القول في جمع الصلاتين في السفر ، وأما في الحضر
لغير عذر فإنه لا يجوز على أي حال البتة إلا طائفة شذت ، سنورد ما إليه ذهبوا إن شاء الله .
وروينا عن النبي _ من حديث ابن عباس أنه قال الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر من الكبائر
وهو حديث ضعيف .
ثم اختلف أهل العلم في الجمع من أجل المطر ، فأجازه مالك في الليل أي بين المغرب والعشاء ومنعه في النهار
أي بين الظهر والعصر ، وإن كان المطر نازلاً .


قال الشوكاني – رحمه الله - : وأما التمسك بحديث جمعه _ في المدينة فهذا وقع مرة واحدة ، وتأوله كثير
من الراوين للحديث ، وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك ، وقد أفردنا هذا البحث
برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقى ما ينتفع به طالب الحق . اهـ.
قلت : حديث ابن عباس قال راويه لما سُئل : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته . ومعنى ذلك – والله أعلم -
: أنه صلوات الله وسلامه عليه أراد أن يشرع لأمته شرعاً للضرورات ، كأن يقع مثلاً حريق والناس يدأبون على إطفائه
وإنقاذ من يمكن إنقاذه ، أو دهمهم سيل أو فيضان والناس في إنقاذ الأرواح والأموال ، أو حصل زلزال تهدمت
بسببه أبنية والناس يدأبون في إنقاذ من تحت الأبنية لعلهم يجدون بعضهم أحياء ، أو يكون للإنسان مريض لا يوجد
له أحد غيره فإذا تركه تضرر ، فهذا يجوز له الجمع لتمريض مريضه .
ومما سبق يتبين أن مذهب الجمهور وسط بين الإفراط والتفريط .


فالإفراط في مذهب الحنفية : الذين منعوا الجمع في غير عرفة ومزدلفة .
والتفريط في مذهب الهادوية : الذين
أجازوا الجمع لأي عمل من أعمال الدنيا ، بل قد اتخذه أتباع هذا المذهب ديدناً بل قد أسقطوا وقت العصر والعشاء
من الحساب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
قال ابن عبد البر في التمهيد – رحمه الله(_) - : وقد تقدم القول في جمع الصلاتين في السفر ، وأما في الحضر
لغير عذر فإنه لا يجوز على أي حال البتة إلا طائفة شذت ، سنورد ما إليه ذهبوا إن شاء الله .


وروينا عن النبي _ من حديث ابن عباس أنه قال الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر من الكبائر وهو
حديث ضعيف .
ثم اختلف أهل العلم في الجمع من أجل المطر ، فأجازه مالك في الليل أي بين المغرب والعشاء ومنعه في النهار
أي بين الظهر والعصر ، وإن كان المطر نازلاً .
قال ابن عبد البر في التمهيد (12/210) : واختلفوا في عذر المرض والمطر ، فقال مالك وأصحابه : جائز أن يجمع
بين المغرب والعشاء ليلة المطر ، قال : ولا يجمع بين الظهر والعصر في حال المطر .


قلت : ويجمع بين المغرب والعشاء وإن لم يكن مطر إذا كان طيناً وظلمة ، هذا هو المشهور من مذهب مالك
في مساجد الجماعات في الحضر .
وهذا القول هو جواز الجمع لعذر المطر بين المغرب والعشاء هو المشهور عن الإمام أحمد ، قال في المغني : ويجوز
الجمع بين المغرب والعشاء لأجل المطر ، ويروى ذلك عن ابن عمر وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة ، وهو قول
الفقهاء السبعة ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق ، وروى عن مروان وعمر بن عبد العزيز .. إلى أن قال : فأما الجمع
بين الظهر والعصر فغير جائز ، قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : يجمع بين الظهر والعصر في المطر ؟ قال : لا ، ما
سمعت بهذا ، وهذا اختيار أبي بكر ابن حامد وقول مالك .


وقال أبو الحسن التميمي فيه قولان ، أحدهما : أنه لا بأس به وهو قول أبي الخطاب ومذهب الشافعي لما روى
يحيى بن واضح ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر _ أن النبي _ جمع في المدينة بين الظهر والعصر
في المطر ، قال : ولأنه معنى أباح الجمع بين الظهر والعصر كالسفر(_)اهـ.
واختلفوا في مشروعية الجمع للمريض بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن
راهوية إلى جواز الجمع للمريض ومنع ذلك الشافعي ، وقال الليث بن سعد : يجمع المريض والمبطون ، وقال مالك :
إذا خاف المريض أن يغلب على عقله جمع جمع تقديم ، أما إذا لم يخف على عقله أن يغلب ولكن كان الجمع
أرفق به فإنه يجوز له أن يجمع بينهما في وسط الأولى وأخرها .


أما إذا جمع وليس بمضطر فإنه يعيد مادام في الأولى ، فإن خرج الوقت ولم يعد فلا شيء عليه .
وقال أبو حنيفة يجوز أن يجمع المريض كجمع المسافر(_) أي في أخر وقت الأولى وأول وقت الثانية .
هذه مذاهب الفقهاء في مشروعية الجمع للمريض ، والأشبه بالحق عندي أنه يجوز الجمع للمريض سواء كان تقديماً
أو تأخيراً ؛ وذلك أن المشقة الحاصلة بالمرض أعظم من المشقة الحاصلة بالسفر ، وقد أجاز النبي _ الجمع
للمستحاضة بل أمرها به في قوله : فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلين العصر وتغتسلين لهما غسلاً واحداً
يعني فافعلي .
والاستحاضة مرض وحديثها دليل على جواز الجمع للمريض ، علماً بأن المشقة الحاصلة على المريض بأداء
كل صلاة في وقتها معلومة لدى الجميع لا يختلف فيها اثنان . وبالله التوفيق .


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)

ام عادل السلفية
11-05-2015, 10:46PM
بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله-



باب
قصر الصلاة في السفر


[133] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صحبت رسول الله ﷺ في السفر فكان لا يزيد في
السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك .


موضوع الحديث :

القصر في السفر .


المفردات :

فكان لا يزيد في السفر على ركعتين : كان تفيد الاستمرار غالباً .
قوله وأبا بكر وعمر وعثمان : تقديره وصحبت أبا بكر وعمر وعثمان فلم يزيدوا على ركعتين في السفر .


المعنى الإجمالي :

يخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه صحب رسول الله ﷺ وخلفائه الثلاثة أبو بكر الصديق وعمر بن
الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم فلم يزيدوا في السفر على ركعتين في الرباعية وأنهم لم يصلوا السنن الرواتب
في السفر .


فقه الحديث :

يؤخذ من الحديث مسائل :
المسألة الأولى : مشروعية القصر في السفر وهو أمر مجمع عليه قال في الإفصاح لابن هبيرة اتفقوا على القصر في
السفر ، ثم اختلفوا هل هو رخصة أو عزيمة فقال أبو حنيفة هو عزيمة وشدد فيه حتى قال إذا صلى الظهر أربعاً ولم
يجلس بعد الركعتين بطل ظهره وقال مالك والشافعي وأحمد هو رخصة وعن مالك أنه عزيمة كمذهب أبي حنيفة اهـ.
إفصاح
1/165 .


قلت : يرد على من زعم أن القصر عزيمة بما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها من طريق الزهري عن عروة عن
عائشة رضي الله عنها قالت : " الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأُتمت صلاة الحضر قال الزهري
فقلت لعروة ما بال عائشة تُتمُ قال تأولت ما تأول عثمان " .
فأقول : لو كان القصر عزيمة لما تأولت عائشة في تركه فلما تأولت في تركه دل على أنه رخصة وليس بعزيمة .


ثانياً : أن قولـه جل وعلا : _ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً _ (النساء:101) .


مفهوم هذه الآية أن الإتمام هو الأصل وأن القصر رخصة من عزيمة وأن العزيمة هي الأصل وإلى ذلك ذهب الأئمة
الثلاثة وقال مالك إذا صلى تماماً أعاد في الوقت لذلك قال بعضهم أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة ونفي الجناح عمن
قصر دال على أن الأصل هو الإتمام .


وقد رد القرطبي في تفسير الآية على من قال القصر هو الأصل واستدل بحديث عائشة بقوله ولا حجة فيه
لمخالفتها له فإنها كانت تتم في السفر وذلك يوهنه وإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة
المسافر خلف المقيم يعني أن المسافر إذا إئتم بمقيم وجب عليه الإتمام وهذا دال على أن الإتمام هو الأصل ونفي
الجناح عمن قصر يدل عليه ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " فرض الله
الصلاة على لسان نبيكم ﷺ في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ".


والقرطبي قد أعل حديث عائشة أيضاً بالاضطراب فقال ثم إن حديث عائشة رضي الله عنها قد رواه ابن عجلان
عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قال : " فرض رسول الله ﷺ الصلاة ركعتين ركعتين " وقال فيه
الأوزاعي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : " فرض الله على رسول الله ﷺ ركعتين ركعتين "
الحديث . وهذا اضطراب . اهـ.


المسألة الثانية : أن مداومة النبي _ على القصر في السفر وعمل الخلفاء الراشدين به من بعده يدل على رجحانه
على الإتمام فالعمل به أفضل .


المسألة الثالثة : اتفق العلماء على أنه لا تقصير في صلاة الفجر ولا في صلاة المغرب . قال الحافظ ابن حجر
نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أنه لا تقصير في صلاة الفجر ولا في صلاة المغرب . اهـ.


المسألة الرابعة : أنه يجوز القصر في كل سفر مباح ، قال النووي ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل
سفر مباح وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر .


قلت : يرد على هؤلاء بحديث يعلى ابن أمية رضي الله عنها قال قلت لعمر بن الخطاب أرأيت قول الله _ فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا _ وقد ذهب الخوف قال سألت رسول الله
عما سألتني عنه فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " .
ثم قال : وذهب بعضهم إلى أن السفر المبيح للرخص وهو للحج أو العمرة أو الجهاد .


وقال بعضهم كل سفر في طاعة . وعن أبي حنيفة والثوري أنه يجوز القصر في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية .
وأقول : أرجو أن تكون الرخص جارية في كل سفر مباح أما المعاصي فلا يعان على معصيته بوضع شيء من
الواجبات عنه وبالله التوفيق .


المسألة الخامسة : اختلف أهل العلم في السفر الموجب للقصر ما هو فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك إلى
أنه أربعة برد . قلت : وهي على تقدير الميل بألف وستمائة متر 1600م تكون الأربعة برد بالكيلو ستة وسبعين
(76) كيلو وثمان مائة متر أما إن قلنا أن الميل ألفي خطوة للجمل كما في التقدير القديم فإنه يكون أكثر من ذلك
وقد قدره محقق كتاب الاستذكار أي قدر الثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً بواحد وثمانين كيلاً (81) وهو سير يومين
للجمل والرِجل أي يومان بدون لليالي أو ليلتان بدون أيام أو يوماً وليلة متصلة .


وقالت الحنفية لا يقصر إلا في سفر يكون مسافة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة وقالت الظاهرية من خرج مسافة
ثلاثة أميال قصر هذه مذاهب الناس في المسافة التي يجوز للمسافر أن يقصر فيها وليس في ذلك عن المعصوم
ﷺ نص صريح أن من سافر كذا جاز له القصر ولكن عنه ﷺ حديث صحيح سمى فيه النبي ﷺ
مسافة يوم منفرد وليلة منفردة سماها سفراً وذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم رقم 1339
من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا الليث (يعني ابن سعد) عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لا يحل لامرأة مسلمةٍ تسافر مسيرة ليلةٍ إلا ومعها رجلٌ ذو محرم منها ".


ومن طريق زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة
عن النبي ﷺ قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ إلا مع ذي محرم" .


وقد روى أبو هريرة مسيرة "يوم وليلة" "وأن تسافر ثلاثاً" وروى أبو سعيد الخدري في نفس الكتاب والباب
" مسيرة يومين " "وثلاث""وفوق ثلاث". وروى ابن عمر أيضاً "ثلاث ليال" .


والاستدلال من هذا الحديث من حيث تسمية النبي ﷺ هذه المسافات المذكورات في هذه الأحاديث سفراً
وقد وجدنا أقل ما سماه النبي ﷺ سفراً هو مسافة يوم منفرد أو ليلة منفردة سمى ذلك سفراً وهو مسيرة يوم تام
للجمل والرِجل وذلك يقدر بنحو بريدين أربعة وعشرون ميلاً ونحو أربعين كيلو وقد ورد في رواية لأبي داود بريداً ذكرها
المنذري برقم 1651 وسكت عليها والذي أعلمه أنها من طريق سهيل بن أبي صالح وفيه كلام من قبل حفظه ورواية
اليوم المنفرد والليلة المنفردة هي التي صحت لنا من غير قادح كما تقدم

وهذا التحديد هو الحق لأمور :
الأمر الأول : أنها هي عمل الصحابي راوي الحديث قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الاستذكار
ج6 ص83 : " وقد اختلف عن ابن عمر في أدنى ما يقصر إليه الصلاة وأصح ما في ذلك عنه ما رواه عنه ابنه سالم
ومولاه نافع أنه لا يقصر إلا في مسيرة اليوم التام أربعة برد " .
ذكره ذلك برقم 8013 وقد روى مالك عن نافع أنه كان يسافر مع عبد الله بن عمر البريد ولا يقصر .


وأقول : الأصل في ذلك تسمية مسيرة اليوم سفراً من قول النبي ﷺ إلا أن ذلك يختلف باختلاف اليوم في الطول
والقصر واختلاف الليل أيضاً في الطول والقصر كذلك فمن سافر يوماً من أيام الربيع القصيرة جاز له القصر وكذلك
من سار ليلة من ليالي الصيف القصيرة جاز له القصر لأنه وقع عليه اسم اليوم واسم الليلة كما أنه يختلف باختلاف
سرعة السير وبطئه فسير القافلة والمشي المعتدل بين السرعة والبطيء الشديد يختلف عن المشي السريع وأذكر
أنا كنا نرتحل بالقافلة من قريتنا إلى مدينة جازان بعد صلاة العصر في أول وقتها في أيام الصيف مع أنه يكون ما
بين دخول وقت العصر والمغرب ثلاث ساعات أو ما يقاربها ومع طريق مختصر وسير الليل كله ونصل إلى جازان
ضحوة وذلك في الستينات وإذا أردنا أن نسرع في الرجوع وكان في القافلة ناقة باهل ترك صاحبها ولدها في
البيت قدمناها فنمشي بعد المغرب ونصلي الصبح حول القرية والمسافة هي المسافة سبعون كيلو متر تقريباً وعلى
هذا يحمل تفسير اليوم التام بمسيرة أربعة برد أما السير المعتدل للقافلة والأقدام فهو بريدان ومن كذب جرب .


إن اسم اليوم والليلة اسم مجمل يقع على اليوم الطويل والقصير والمشي السريع والبطيء وترك تقييده من الشارع
إنما كان رحمة بنا وما كان ربك نسيا فمن سار مسافة يوم ولحقته مشقة السفر فله القصر والفطر سواء سار
بريدين أو أربعة برد ولعل السلف قدروه بأربعة برد بالسير السريع احتياطاً للدين .
وقد روى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عن مالك عن ابن شهاب عن سالم أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في
مسيرة اليوم التام وإن المشقة اللاحقة بسفر يوم بسير الرجل والجمل مبيحة للقصر والفطر كما يباح ذلك في حق
من قطع أربعة برد على دابة نجيبة وبسير سريع لأن كلاً منهما قد سماه النبي ﷺ سفراً ولأن كلاً منهما
موجب للمشقة وإنما اختلفت اجتهادات الصحابة ومن بعدهم من السلف لأن بعضهم رأى أن الأحوط هو الأخذ
بالتحديد الأعلى ثلاث فما فوقها وهذا قد ترك رواية اليومين واليوم والليلة وبعضهم رأى أن الواجب هو الأحوط
في حق المكلف فأخذ برواية اليوم المنفرد أو الليلة المنفردة ويؤيد هذا المأخذ قول النبي ﷺ لعمر بن
الخطاب " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وقول النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص الثقفي
أنت إمامهم واقتد بأضعفهم فما صاحب الدابة الفارهة والقوة بأولى بالتخفيف من صاحب الدابة الضعيفة والجهد الضعيف
مع أني لا أعنف أحداً أخذ بالرأي الآخر إلا أن تحديد الظاهرية بثلاثة أميال لإباحة القصر والفطر وتسميتهم لهذه
المسافة سفراً فهذا قول ظاهر البطلان وحديث أنس في الصحيحين إنما قصد به ابتداء القصر في سفر طويل .
وبالله تعالى التوفيق .


المسألة السادسة : متى يبدأ المسافر في السفر الطويل بالقصر ؟
قال البخاري باب يقصر إذا خرج من موضعه قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري يعني إذا قصد سفراً تقصر في
مثله الصلاة وهي من المسائل المختلف فيها أيضاً قال ابن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر
إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت فذهب الجمهور إلى أنه
لا بد من مفارقة جميع البيوت وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منـزله
ومنهم من قال إذا ركب قصر إن شاء ورجح ابن المنذر الأول أنهم اتفقوا أنه يقصر إذا فارق البيوت . اهـ.




قلت : وأثر علي الذي أورده البخاري بعد الترجمة دليل للقول المرجح وهو قوله ، وخرج علي رضي الله عنه فقصر
وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها .
وأرود البخاري حديث أنس رضي الله عنه برقم 1089 من طريق أبي نعيم قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر
وإبراهيم بن ميسرة عن أنس رضي الله عنه قال صليت الظهر مع النبي ﷺ بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين
هكذا لفظ البخاري قال الحافظ وفي رواية الكشميهني والعصر بذي الحليفة ركعتين وهي ثابتة في رواية مسلم
وكذا في رواية أبي قلابة عند المصنف في الحج وذكر الحافظ أن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال .


ومقتضى كلام الحافظ أنها أول منـزلة نزلها من المدينة .
قلت : فعل علي ﷺ الذي هو أحد الخلفاء الراشدين دال لما قرره الجمهور أن يبتدأ القصر بعد خروج
المسافر من أعمال قريته ويستمر فيه حتى يدخلها .


المسألة السابعة : إلى كم يستمر في القصر إذا نزل بأرض له فيها حاجة ؟
اعلم أن من نزل بأرض له فيها حاجة
إما أن يكون منتظراً قضاء حاجته متى قضيت ارتحل وإما أن يكون عنده علم أنه لابد له من إقامة معينة .


فأما من كان منتظراً قضاء حاجته متى قضيت ارتحل إلا أنه لا يدري متى تقضى وبقي متردداً فهذا يجوز له
القصر وإن بقي مدة طويلة ، دليله فعل النبي ﷺ حين أقام بعد الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة
فقد روى البخاري في تقصير الصلاة رقم 1080 من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أقام
النبي صلى تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا .


وقد ذكر الحافظ أنه ورد في رواية سبعة عشر يوماً عند أبي داود وورد عنده أيضاً من طريق عمران بن حصين
رضي الله عنه أنه ﷺ أقام ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين .
وذكر البيهقي أنه جمع بين هذه الروايات أن من قال تسعة عشر حسب يومي الدخول والخروج ومن قال سبعة عشر
أسقطهما ومن قال ثماني عشرة أسقط أحدهما وقد ورد خمسة عشر يوماً وقد ورد أنه أقام بتبوك عشرين يوماً فمنهم
من قال نقصر إلى هذا العدد ثم نتم ومنهم من قال يقصر ما لم يجمع مكثا وإن طال . وفي مصنف ابن أبي
شيبة آثار كثيرة عن السلف أنهم قصروا مدة طويلة إلا أنهم كانوا في الغزو ومثل هذه الآثار تحمل على التردد أو
أنهم فعلوا ذلك باعتبارهم في الغزو وفي هذه المسألة خلاف كثير يدل على أنهم كانوا مجتهدين .


وأما من عزم على إقامة معينة فقد اختلف فيه أيضاً فأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله أقام رسول الله صلى
تسعة عشر يوماً يقصر فنحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا وإذا زدنا أتممنا . وفي رواية حفص سبع عشرة قال أبو عمر
حفص أحفظ من أبي عوانة إلا أن عباد بن منصور قد تابع أبا عوانة .


وقد نقل عن السلف أقوال بلغها ابن عبد البر في الاستذكار إلى أحد عشر قولاً والقول الصحيح فيما يظهر
لي أن من عزم على إقامة أربع غير يوم نزولـه أتم الصلاة لحديث العلاء بن الحضرمي _ أن النبي _ جعل للمهاجر
مقام ثلاثة أيام بعد قضاء نسكه عزاه في الاستذكار إلى البخاري في مناقب الأنصار الحديث رقم 3933 ومسلم
في الحج برقم 3239 .
قلت : ودلالة الحديث على هذه المسألة أن الزيادة على ثلاثة أيام يسمى إقامة فيلزم فيه الإتمام وقد ذهب إلى
ذلك مالك والشافعي والإمام أحمد بن حنبل وقال الشافعي ولا يحسب من ذلك يوم نزوله ولا يوم ارتحاله وقال
به أتباع الأئمة الثلاثة فيما أعلم وقال في مسائل الخرقي مسألة رقم 277 وإذا نوى المسافر أكثر من إحدى وعشرين
صلاة أتم .


قال في المغني المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي ما كان
أكثر من إحدى وعشرين صلاة رواه الأثرم والمروذي وغيرهما . وعنه أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإذا نوى دونها
قصر وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور لأن الثلاثة حد القلة إلى أن قال ، وقال الثوري وأصحاب الرأي إن أقام
خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى دون ذلك قصر وقال قتادة من نوى إقامة أربع صلى أربعاً .


المسألة الثامنة : إذا اقتدى المسافر بمقيم صلى صلاة مقيم والدليل عليه ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن
ابن عباس أنه سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعاً إذا إئتم بمقيم قال تلك السنة . وفي لفظ أنه قال
لـه موسى بن سلمة إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً وإذا رجعنا صلينا ركعتين فقال تلك سنة أبي القاسم _ قال الشوكاني
وقد أورد الحافظ هذا الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه وقال إن أصله في مسلم والنسائي بلفظ قلت لابن
عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصلي مع الإمام قال ركعتين سنة أبي القاسم _ اهـ. من نيل الأوطار باب
اقتداء المقيم بالمسافر ج3 ص166 ط دار المعرفة . وبالله التوفيق .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf (http://subulsalam.com/site/kutub/AhmedNajmi/08TassisAhkam2.pdf)


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@

ام عادل السلفية
28-07-2015, 08:57PM
بسم الله الرحمن الرحيم




رفع









.